منقول - الأمثال الشعبية وتأثيرها على صورة المرأة في المجتمع

الواقع الاجتماعي يرتبط بشكل وثيق بمجموعة من الظروف والتغيرات التي تشكلها الأمثال الشعبية التي تصنعها الذاكرة الجمعية للشعوب، وتلعب تلك الأمثال الشعبية دوراً كبيراً في تكريس بعض العادات والتقاليد والأدوار، خصوصاً فيما يتعلق بالمرأة ودورها في المجتمع
مشاركة المقال

اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)اضغط للطباعة (فتح في نافذة جديدة)


الواقع الاجتماعي يرتبط بشكل وثيق بمجموعة من الظروف والتغيرات التي تشكلها الأمثال الشعبية التي تصنعها الذاكرة الجمعية للشعوب، وتلعب تلك الأمثال الشعبية دوراً كبيراً في تكريس بعض العادات والتقاليد والأدوار، خصوصاً فيما يتعلق بالمرأة ودورها في المجتمع، فمعظم الأمثال الشعبية تتعامل مع المرأة بصفتها جزء ثانوي في المجتمع، أو بصفتخا مجرد شيء لا قيمة له، أو شيء غير مرغوب فيه، وعلى الرغم من حدوث تغيرات اقتصادية وثقافية واجتماعية كثيرة شهدتها معظم الدول العربية إلا أن صورة المرأة ودورها في المجتمع لم تتغير كثيراً لعدة أسباب، من أبرز تلك الأسباب التأثير السلبي للأمثال الشعبية في جانب تكريس الصورة الدونية للمرأة في المجتمع، في السطور القادمة نستعرض مختلف الآراء حول هذا الموضوع.


صورة نمطية

الأمثال الشعبية تنمط وتكاد تلغي دور المرأة في المجتمع، إذ أن المرأة في تلك الأمثال تظهر كشخص ماكر أو غبي، او متسلط وانتهازي، أو عورة أو خائنة…إلخ كل تلك الأمثال التي يتم تناولها على نطاق واسع لسهولة انتشارها بسبب الثقافة الشفهية، وبسبب عدم غربلتها كونها أصبحت جزء لا يتجزأ من هوية المجتمع، وأمام تلك الصورة النمطية التي شكلتها الأمثال الشعبية تتباين الآراء حول مصدرها ومن يقوم بالضبط على صياغتها ونشرها على أوسع نطاق، الدكتورة رمزية الإرياني وهي دبلوماسية وأديبة يمنية ترى أن الأمثال الشعبية هي نسق اجتماعي تشكل بفعل الظروف وعلى مدار فترة زمنية طويلة، وخلال تلك الفترة الزمنية الطويلة لم يظهر طرف محدد في تشكيلها، بل كانت من نتاج المجتمع ككل.

من جانبها ترى الدكتورة نبيلة إبراهيم المتخصصة في الأدب الشعبي أن الامثال الشعبية هي أحد الفنون الشعبية التي يشترك كل أفراد المجتمع في صياغتها، وتلاقى رواجاً وقبول كبير لسهولة انتشارها، مثل الأغاني والحكايات والملحمة والسيرة الذاتية، لكن ما يميز الأمثال الشعبية أنها توثق وتنقل حقائق أحداث في تاريخ معين، إضافة إلى الحس النقدي فيها.


مشكلة عالمية

في حقيقة الأمر الصورة السلبية للمرأة في الأمثال مشكلة لا تقتصر على الدول العربية وحسب، بل تكاد تكون مشكلة عالمية في مختلف الثقافات والمجتمعات، ففي كتاب الباحثة الهولندية مينيكه شيبر، أستاذة الدراسات الأدبية المقارنة بجامعة لايدن الهولندية والذي حمل عنوان: «النساء في أمثال الشعوب… إياك والزواج من كبيرة القدمين»، في هذا الكتاب تستعرض الباحثة جهد خمسة عشر عاماً من البحث في مختلف الأمثلة الشعبية المتعلقة بالمرأة في مختلف الشعوب، حيث جمعت 15 ألف مَثَل من أكثر من 278 لغة مختلفة؛ ومن اللافت للنظر أن الـ 4.000 مثَل الموجودة في كتابها، تصنع صورة سلبية للنساء إلى حدٍّ ما، ومن بين الأمثال التي ورد تحليلها في الكتاب: ليس هناك من شرّ أكثر من زوجة الأبّ (يوناني) – حرة الفم حرة العجيزة (إنكليزي) – عقل المرأة في رحمها (إيطالي) – ابن واحد أعرج خير من ثماني عشر بنتاً ذهبية (صيني) – المرأة هي أفضل قطعة أثاث؛ حيث يمكنك أن تستخدمها في أي حجرة (هولندي) – ما لا يقدر عليه الشيطان تقدر عليه المرأة (ألماني) – ثلاث بوصات من لسان امرأة كفيلة بذبح رجل طوله ستة أقدام (ياباني) – النساء أكثر ثرثرة من الرجال بتسع مرات (عبري) – أنصت لزوجتك مرة كل أربعين عاماً (تركي).


دور المجتمع

بالطبع لم تظهر هذه المشكلة من فراغ، بل لعب المجتمع بمختلف مؤسساته دوراً كبيراً في انتشارها وتأصيلها لتصبح جزء أساسي من طريقة التفكير المجتمعي، وبالطبع لا يمكن أن نعزل قضية انتشار الامثال الشعبية عن التأثير المجتمعي، فالمجتمع هو الذي يحدد القوالب التي تنشأ عليها المرأة والرجل، والمجتمع يستقي قواعد القوالب التي يصنعها لأفراده من التاريخ والتراث الذي يضم الامثال الشعبية، والخطورة لا تكمن فقط في انتشار تلك الامثال وترويج المجتمع لها، بل تكمن في التأثير الكبير الذي تسببه تلك الأمثال على مستوى المجتمع بشكل عام وعلى مستوى المراة بشكل خاص، وترى الروائية اللبنانية علوية صبح ان خطورة النسق الاجتماعي الذي يروج للأمثال الشعبية ويشكلها هو أنها تصبح بمرور الوقت اشبه بالقوانين التي تنظم العلاقات الاجتماعية في المجتمع وإن لم تكن مكتوبة، وبهذا تصبح تلك الامثال الشعبية أشبه بمصدر تشريعي غير مباشر يحدد دور وهوية المرأة، ومن هنا نرى أن تأثير الصور السلبية للمرأة في تلك الامثال الشعبية هو سبب رئيسي في عدم تفعيل دورها للمشاركة في البناء المجتمعي.

من جانبها ترى الدكتورة عزة كمال مديرة مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية، أن كثير من الامثال الشعبية تعكس ثقافة اجتماعية تعلي من قيمة الرجل في مقابل المرأة، بل وقد تجعل من وجود المرأة شر وفق المثل الذي يقول( عقربتين على الحيط ولا بنتين في البيت) ومثل هذه الأمثالة تكرس صورة سيئة عن المرأة يسهل تداولها عبر تلك الأمثال، والتي تصبح بمرور الوقت أشبه بقاعدة أو مسلمة يلتزمها الجميع.


دور المرأة

تردد كثير من النساء تلك الأمثال وكأنها لا تنتهك كرامتهن وتسيء إليهن، والسبب في ذلك كما ترى الروائية والكاتبة علوية صبح أن الموقف الضعيف للمرأة في المجتمع يدفعها لان تلجأ إلى استخدام الأمثال في كل تحركاتها، فكلامها المجرد ليس موضع ثقة، على عكس الأمثال التي يثق بها الجميع لانها اصبحت جزء من طريقة التفكير الجماعي، وبسبب الدور الضعيف الذي وضعت فيه المرأة أصبحت لا تتقن سوى ترديد الأمثال الموجودة.

وكما ترى الدكتورة رمزية الإرياني فإن غياب التعليم وتفشي الامية بشكل كبير في صفوف النساء قد ساهم بشكل كبير في انتشار الامثال في أوساطهن، وإن كانت تلك الأمثال لا تصب في صالحهن، وتضيف بأنه في حال انتشر التعليم وزادت نسبة الوعي في صفوف النساء لن تلجأ النساء إلى استخدام الأمثال الشعبية، بل سلجأن إلى استخدام معارفهن ومعلوماتهن، والدليل على ذلك أن كثير من الطالبات الجامعيات لا يلجأن إلى استخدام الامثال الشعبية الا فيما ندر على عكس بعض الجدات والأمهات اللاتي تقتصر حصيلتهن المعرفية على تلك الأمثال.


تحديات مستمرة

كما ذكرنا أن خطورة انتشار هذه الامثال على نطاق واسع لن يقتصر على تهميش دور المرأة فقط، بل سيخلق الكثير من المشاكل على المستوى المجتمعين والتي بتنا نرى كثير من آثارها في عصرنا الحالين فعندما يتم تهميش دور المرأة لا يتحرك المجتمع بشكل متوازن، بل على العكس يتحرك نصف خطوة، فالمرأة قبل أن تكون مجرد امرأة هي أحد أهم اللبنات الأساسية التي يبنى عليها تقدم ونمو أي مجتمع.

في أحد التقارير الإعلامية التي عرضت على موقع الجزيرة نت يتضح أنه على الرغم من وصول 35 امرأة في تونس إلى قبة البرلمان إلا أن وضع المرأة ككل لا يزال يواجه العديد من التحديات، ومن اكبر تلك التحديات هو نظرة المجتمع لدور المرأة ، وبالنظر لأسباب تلك النظرة القاصرة نجد أن الأمثال الشعبية تلعب دوراً رئيسياً في تغذيتها، والحال هنا لا ينطبق على تونس وحدها بل يتكرر نفس المشهد في مختلف الدول العربية.

ومن اكبر التحديات التي يخلقها انتشار الامثال الشعبية هو أنها ترسم صورة سيئة لدور المرأة لا تستطيع المراة أن تتجاوزها، مما يعطل دورها في بناء المجتمع، أضف إلى ذلك أن معظم تلك الأمثال تختزل صورة المرأة في الجسد وهذا يعطل بقية أدوارها الفكرية والاجتماعية، من جانبها ترى الدكتورة نبيلة ابراهيم انه على الرغم من تلك التحديات التي تخلقها الامثال الشعبية ينبغي الاستفادة منها كونها تعتبر جز لا يتجزأ من السرد التاريخي الذي يوثق لأحداث وأنماط حياة كانت في السابق، لكن لا ينبغي ان نجعلها نمط لطريقة تنظيم الحياة الاجتماعية في العصر الحديث، كما ينبغي ترشيد استخدامها بحيث تصبح جزء من التراث وليس مصدر من مصادر التشريع في المجتمع كما هو حاصل في كثير من المجتمعات العربية.


حلول ومقترحات

لا يمكن بأي حال من الاحوال أن يتم إلغاء تاثير الأمثال الشعبية على الواقع الاجتماعي، لكن بالإمكان ان يتم ترشيد استخدامها والاستفادة منها، والعمل على تقليل أثارها السلبية فيما يتعلق في جانب خلق صورة نمطية سلبية عن المرأة.

وما يجب التأكيد عليه أن كثير من هذه الامثال تتناقض مع تعاليم الإسلام الذي كرم المرأة، وخصص لها أدوراً عديدة لتكون شريكة الرجل في بناء المجتمع، فالمجتمع لا يمكن ان يقوم بتفعيل دور أحد لبناته بل ينبغي ان يتم تفعيل كل لبناته.

من جانبها تعلق الدكتورة رمزية الإرياني أنه حتى يتم تقليل الآثار السلبية لتلك الامثال على وعي المرأة والمجتمع، ينبغي أولاً من التركيز على التعليم لبناء وعي المرأة نفسها، بحيث تصبح منتجة في الجانب المعرفي، لتعبر بطريقتها وهويتها بدلاً من أن تجتر الامثال القديمة التي لا تنصفها، بل وتحط من كرامتها، من جانبها ترى الروائية والكاتبة علوية صبح أنه غلى جانب الاهتمام بجانب التعليم ينبغي التركيز على جانب الانتاج ليس في الجانب المعرفي فقط ، بل اياضً في الجانب الاقتصادي، وتؤكد الدكتورة نبيلة ابراهيم على أن التعليم قد لعب دوراً كبيراً في تغيير واقع المرأة إلى الأفضل، وما نراه حالياً من تغير إيجابي في كثير من المجتمعات فيما يتعلق بجانب تعليم المرأة ومشاركتها في مختلف مجالات الحياة ما هو إلا ثمرة لذلك التغير.


خاتمة

الامثال الشعبية ليست شر محض كما أنها ليست خير محض، صحيح أنها تعتبر ضمن أحد أهم التحديات التي تواجه واقع المرأة ليس في الدول العربية وحسب بل على مستوى العالم، إلا أنه بالإمكان ان يتم تلافي تلك التحديات من خلال محاربة الصورة السلبية التي تروج لها الأمثال الشعبية ببناء الوعي المجتمعي بشكل عام، وبناء وعي المرأة نفسها بشكل خاص، وبذلك نساهم بشكل إيجابي في التقليل من التأثير السلبي لتلك الامثال على واقع المرأة.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...