نقوس المهدي
كاتب
تعد الأمثال الشعبية لونا شائعا من ألوان التعبير الشفهي للأدب الشعبي في أي مجتمع، وتمتاز باختزالها اللغوي وبلاغة التركيب الذي يسهل تداولها وتوارثها. بها يعبر أفراد المجتمع عن خبراتهم ومعارفهم، لأن تلك الأمثال الشعبية هي نبض لكل الطبقات الشعبية، وهي – كذلك – من أهم مصادر التاريخ الأخلاقي والاجتماعي للأحقاب الزمنية لكل أمة، حيث تشيع أمثال وتندثر أخرى، وتتحول، فيما يشبه التوالد والتكاثر والتشظي للمخيلة الشعبية.
وبالإضافة لكونها أدبا شعبيا، نجد الأمثال الشعبية من المواد الخام الأساس للباحث الأنثروبولوجي للتعرف على عادات وتقاليد المجتمع الذي يدرسه، فهي نسيج فريد من خبرة الحياة اليومية، ووجهة النظر القيمية للمجتمع – تلك التي لا تكون ظاهرية في معظم الأحيان – اضافة لبعدها التاريخي الذي تستقي منه الأمثال الشعبية أصولها.
ويمكن تعريف المثل بأنه "عبارات متداولة بين الناس، تتصف بالتكامل، ويغلب عليها الطابع التعليمي، وتبدو في شكل فني يرتفع درجة عن الأسلوب العادي. وهو جملة محكمة العبارة تتداول أو تشيع في مأثورات الناس على أنها قول حكيم، وهو عادة يشير الى وجهة الحدث أو يلقي حكما على موقف ما" (1)
ونجد الأمثال الشعبية شاهدة حية في الأعياد والاحتفالات والمناسبات الدينية، وشعائر الموت الجنائزية، ومراحل الميلاد والحمل والولادة، كما في العمل والمرض وغيرهما. وقد رأينا أن نتناول المرأة العمانية في أمثالها الشعبية، لارتباط المرأة بكل هذه المواقف، ارتباطا يجعلها شريكا – ظاهرا أو خفيا – في كل مثل شعبي عماني. وقد اعتمدت في جل الأمثال المذكورة هنا على مؤلف ضخم صدر في أجزاء أربعة باسم "أقوال عمان لكل الأزمان"´ حاول فيه الجامع للأمثال ردها لأصولها اللغوية والتاريخية، ما لها وما عليها… والروابط اللغوية الوثيقة الوطيدة التي تربطها بالامثال العربية العامة أو بنظائرها الشعبية في البلاد العربية الأخرى… من الخليج الى المحيط" (2). أما الأمثلة الباقية فهي مستقاة على لسان بعض الراويات من أعمار مختلفة جمعتها خلال اقامتي في سلطنة عمان.
صورة المرأة في الأمثال الشعية العمانية:
يفرق المثل الشعبي العماني بين الرجل والمرأة، في الاحتمال والقدرة والصرامة، التي لا شك هي صفات لصيقة بالرجل، يقول المثل الشعبي العماني: ما يلعب السّت (لعبة شعبية للصبايا الصغيرات، تعني التدلل والخنوع)، المحامل على الرجال (وتعني القدرة على تحمل المسئولية)، من قلّت رجاله يهون (حيث مثل الرجل عنصر الحماية والمنعة للمرأة) ومثله: رجل فيه صرار (إصرار) ولا ميت (مائة) حرمة (امرأة) في دار. الرجل يتعايا ببرمته.. ولا يتعايا بحرمته (البرمة: البطن الرجل يتعب لملء معدته ولا يتعب لتصريف زوجته). ومقابل هذه الشدة، فان النساء: يتمسكن (يتظاهرن بالمسكنة) علين يتمكن (حتى يصير لهن ما أردن. وأخيرا: لا تشتكي الا على الرجال.. ولا تتكي (تتكئ) الا على الجبال، وكذلك: القيد للرجال، وموازين الرجال… عقولها.
ويقول المثل الشعبي العماني: المره (يقصد المرأة) خصفه (وعاء التمر)، وكذلك: المره وعا (وعاء)، ومن قرائنه: الأم خصفه، وقول المثل الشعبي العماني عند تهنئة الزوج: منك المال.. ومنها لعيال (الأولاد). والواضح في هذه الأمثال وما شابهها تلك النظرة القاصرة للمرأة على أنها وعاء للنسل والإنجاب، ورغم أساسية الدور الذي تقوم به المرأة كما يشير المثل، الا أنه من الإجحاف قصره في الحياة على تلك الوظيفة، وهو ما تنفيه الشواهد المجتمعية في عمان المعاصرة، حيث تشارك المرأة الرجل في العمل، وتتحمل أعباء الحياة، وقد ساعد انتشار التعليم، وتقلد المرأة مناصب هامة في الدولة على أن تتغير تلك النظرة التقليدية القديمة لها.
صورة الزوجين في الأمثال الشعبية العمانية:
المرأة هي الأم والزوجة، وهي الأخت والابنة، ويصادف اختيار الزوجة أولى الوصايا التي يعنى بها المثل الشعبي العماني، فالنساء: النسا مقربات النسب، مثلما أن الزواج ستر لهن: يبغالها زوج عن (وإلا) تغبن. وهنا تبرز قدرة المثل الشعبي العماني على الاختزال والوصف في أبرع صورهما: عليك بلبنت (بالبنت) لمطيعة ولهايشة (الدابة) السريعة ولأرض لوسيعة، عليك ببنت العم ولو بارت، لا تأخذها حنانة (كثيرة الحنين إلى ماضيها، كأن تكون مطلقة).. ولا منّانة (متعالية بما لها)، ويطابقه: خذ المره على حدّها ولا تأخذها على خدها. كما يحضها على الرزانة، لأنها تحفظ العمر: هيه ترقص ومن عمرها ينقص. ورغم قول المثل الشعبي العماني: لا تأكل بايت (الطعام غير الطازج)، ولا تنام مع عجوز، نجده ينصح: راحة البنت مع الشايب (كبير السن)، وهي تفرقة واضحة في التعامل مع طرفي العلاقة الزوجية.
ويلمن المثل الشعبي العماني الى التقتير في حق المرأة عند الزواج: المال مال أبوها.. ويزودوها فسيعنة (في السيعنة، وهو وعاء سعفي لليسير من التمر)، ومن أطرف ما عرض لي من الأمثال الشعبية العمانية في الحث على التأني: المستعجلة مالها مهر: كما يرغب المثل الشعبي العماني المرأة في احتمال من نوع آخر: نار الزوج ولا جنة الحبّان (الأهل)، ومن نظائره الشعبية كما يورد مؤلف أقوال عمان: ناره ولا جنة أهلي (الكويت)، نار جوزي ولا جنة أبويا (مصر ولبنان)، نارك ولا جنة غيرك (سوريا)، ناره ولا جنة غيره (العراق) (3).
وفي المثل الشعبي العماني: العروس تمدحها مّها (أمها).. وتشبهه أمثال عربية كثيرة، واذا عرف أن القرد في عين أمه غزال فان المثل الشعبي العماني يحولها الى. السبالة (القردة) فعين امها غزال.. ويشترط المثل الشعبي العماني الرضى على طالبة الزواج، فتمردها لا يفيد: كوني على الشرط راضية وإلا دوري (ابحثي) على الحبل واختنفي، ويزكي المثل الشعبي العماني التي تطيع: مادامت زاجية.. بتزجي (أي ما دامت صائرة طائعة فنحن نسايرها ونطيعها). لكن الاحساس بالعجز أمام الجنس الذكوري يسري عنه هذا المثل الفريد: كل عاجزة ولها بخت.
وربما من الأثير والسائد لدى العرب العرف بتجنب الأخذ برأي المرأة، يقول المثل الشعبي العماني: الحرمه شاورها وخالفها، أما الرجل الذي تسيسه زوجته فمعيب: شوره حال حرمته، (وأحيانا مرته)، رغم تأكيد المثل الشعبي العماني على أهمية مشاورة الناس والأخذ برأيهم الدال: شاورت جميع الناس وجا (وجاء) شوري أدللي (أدل لي يعني أكثر فائدة).
وفي المثل الشعبي العماني: لا تفسل الصريمه (أي لا تغرس الفسلة الصغيرة من النخيل).. ولا تأخذ الحريمة (مصغر حرمة، من الحريم، ويقصد بها البنت القاصر التي تطلب للزواج). ان المثل الشعبي العماني لا يكتفي بالأمر والنهي دون ابداء الأسباب، بل يختار لها صورا موازية يفهمها السامع من الوهلة الأولى، ومن المعروف أن زراعة النخيل في عمان من المصادر الرئيسية للحياة، لذا يعد اختيار تلك الصور البلاغية المتواترة أمرا طبيعيا، كما ان الطبيعة الجبلية للسلطنة تتأكد من خلال تكرار لفظة (الجبال) ومترادفاتها. ومن المثير أن يؤكد المثل الشعبي العماني على أهمية الأنوثة التي لا يغني عنها انجاب البنين: اللي ما يغليها (يرفع من قيمتها) جسمها.. ما يغليها ولدها. وعلى تلك الشاكلة تأتي مجموعة من الأمثال الصارمة: اذا درى زوجش بعيبش.. كملي يومش وليلتش (أي اذا علم الزوج بعيبك فلن يصبر عليك أكثر من يوم وليلة. ويقول المثل الشعبي العماني: يوم تشرف العجين فشيلتها.. طلقها بليلتها (ويعني أن على الزوجة مداراة عيوبها، والشيلة ثوب المرأة قديما في عمان ومنطقة الخليج).
صورة الأم في الأمثال الشعبية العمانية:
ويفرق المثل الشعبي العماني بين الأم وتلك التي تربي: المريبية غير الأم.. جمادة (من الجحود)، ومثله: طلبته الواحمة (الوحماء المرأة في بداية الحمل) وأكلته لمربية، كما يقدس دور الأم: اللي أمه فدار (في الدار) قريصه حار، اللي أمه فدار.. ما عليه غبار، اللي أمه فلبيت (في البيت).. لا تحاتيه (تهتم به، لأن أمه ستقوم بهذا الدور)، اللي أمه فلبيت ما يبات جايع، اللي أمها فلبيت.. ما يبين مكرها (لاحظ نسبة مثل هاء الغائب/هاء الغائبة). ومثل هذه الأمثال في العراق: اللي أمه بالبيت.. يأكل دهن زيت، وفي مصر: اللي عنده أمه.. ما ينحملش همه، وفي المغرب: اللي كانت أمي كتحبني كثير…. توجد لي الكسوة لحصاد الشعير (4) وفي سوريا: اللي بلا ام، حاله مغم (5)
ويهتم المثل الشعبي العماني بالنسل: من خلف (أنجب).. ما مات، أما حين تلد الزوجة، فنادرا ما يحكي المثل عن (البنت)، إنما هو الولد الذي يشار اليه دوما في متن الأمثال: كبر ولدي.. كبر بختي (حظي)، ما يعرف رطني (لساني ولغتي).. الا ولد بطني، ما كل حمله (حمل) بولد، ما شي (لا توجد) ناقة حنت على ولد غيرها. ولد السعد.. يفي بالوعد، ولد عشا.. ما ولد غبشه. وفي الماضي، كان الجراد يهاجم المنطقة، فيهب الناس لصيده (جنيه)، خاصة لدى الشروق في أيام الشتاء، ويقال أن المرأة الحامل التي تشترك في جني الجراد تلد طفلا مشاكسا: كما بومجنايبة جراد. وحين تذكر البنت فهي تولد في ظرف غير موات: كما بو مربية بنتها والدة بقرتها (وهي المرأة التي تلد ابنتها وبقرتها في يوم واحد!).
خاتمة:
لا تختلف صورة المرأة كثيرا في الأمثال الشعبية العربية الأخرى عن الصورة التي رأيناها في المثل الشعبي العماني ومما يؤكد ما ذهبنا اليه هو وجود صيغ مشابهة لكل مثل شعبي عماني في الذاكرة الشفاهية الشعبية العربية، أتينا على ذكر أمثلة منها خلال السطور السابقة ويمكن الرجوع الى نماذج مطبوعة كثيرة لتأكيد هذه الفرضية (6). كما نود أن نشير إلى أن مصادر المثل الشعبي العماني التراثية كثيرة، لما اشتهر به أهل عمان من حب للأدب، وخاصة الشعر الشعبي، الذي يتواصل مع المثل في كل الآداب، فقط تبقى للمثل الشعبي العماني خصوصيته، لغته، بيئته، صوتيته، بل ويمكن في قراءة لاحقة أن نضع أيدينا على مايمكن تسميته بمعجم لغوي للمثل الشعبي العماني نابع من البيئة العمانية بشكل خالص.
الهوامش
(1) أحمد مرسي: المثل والفزورة في التراث الشعبي المصري، (فيلم الفنون الشعبية المصرية، وزارة الاعلام، القاهرة، 1994. ص 96
(2) خليفة بن عبدالله الحميدي: أقوال عمان لكل الأزمان، الجزء الثاني، مسقط، 1987، ص 9.
(3) خليفة بن عبدالله الحميدي: أقوال عمان لكل الأزمان، الجز الرابع. مسقط، 1994. ص 17.
(4) خليفة بن عبدالله الحميدي: أقوال عمان لكل الأزمان، الجز الثالث. مسقط، 1990. ص 83.
(5) زياد يوسف منى: خمسة آلاف مثل ومقولة من بلاد الشام، الأهالي، دمشق، 1996، ص 39.
(6) عادل غريب: قاموسي الأمثال العامية. القاهرة. مدبولي الصغير، 1993.
* نهى محمد دياب (باحثة من مصر)
وبالإضافة لكونها أدبا شعبيا، نجد الأمثال الشعبية من المواد الخام الأساس للباحث الأنثروبولوجي للتعرف على عادات وتقاليد المجتمع الذي يدرسه، فهي نسيج فريد من خبرة الحياة اليومية، ووجهة النظر القيمية للمجتمع – تلك التي لا تكون ظاهرية في معظم الأحيان – اضافة لبعدها التاريخي الذي تستقي منه الأمثال الشعبية أصولها.
ويمكن تعريف المثل بأنه "عبارات متداولة بين الناس، تتصف بالتكامل، ويغلب عليها الطابع التعليمي، وتبدو في شكل فني يرتفع درجة عن الأسلوب العادي. وهو جملة محكمة العبارة تتداول أو تشيع في مأثورات الناس على أنها قول حكيم، وهو عادة يشير الى وجهة الحدث أو يلقي حكما على موقف ما" (1)
ونجد الأمثال الشعبية شاهدة حية في الأعياد والاحتفالات والمناسبات الدينية، وشعائر الموت الجنائزية، ومراحل الميلاد والحمل والولادة، كما في العمل والمرض وغيرهما. وقد رأينا أن نتناول المرأة العمانية في أمثالها الشعبية، لارتباط المرأة بكل هذه المواقف، ارتباطا يجعلها شريكا – ظاهرا أو خفيا – في كل مثل شعبي عماني. وقد اعتمدت في جل الأمثال المذكورة هنا على مؤلف ضخم صدر في أجزاء أربعة باسم "أقوال عمان لكل الأزمان"´ حاول فيه الجامع للأمثال ردها لأصولها اللغوية والتاريخية، ما لها وما عليها… والروابط اللغوية الوثيقة الوطيدة التي تربطها بالامثال العربية العامة أو بنظائرها الشعبية في البلاد العربية الأخرى… من الخليج الى المحيط" (2). أما الأمثلة الباقية فهي مستقاة على لسان بعض الراويات من أعمار مختلفة جمعتها خلال اقامتي في سلطنة عمان.
صورة المرأة في الأمثال الشعية العمانية:
يفرق المثل الشعبي العماني بين الرجل والمرأة، في الاحتمال والقدرة والصرامة، التي لا شك هي صفات لصيقة بالرجل، يقول المثل الشعبي العماني: ما يلعب السّت (لعبة شعبية للصبايا الصغيرات، تعني التدلل والخنوع)، المحامل على الرجال (وتعني القدرة على تحمل المسئولية)، من قلّت رجاله يهون (حيث مثل الرجل عنصر الحماية والمنعة للمرأة) ومثله: رجل فيه صرار (إصرار) ولا ميت (مائة) حرمة (امرأة) في دار. الرجل يتعايا ببرمته.. ولا يتعايا بحرمته (البرمة: البطن الرجل يتعب لملء معدته ولا يتعب لتصريف زوجته). ومقابل هذه الشدة، فان النساء: يتمسكن (يتظاهرن بالمسكنة) علين يتمكن (حتى يصير لهن ما أردن. وأخيرا: لا تشتكي الا على الرجال.. ولا تتكي (تتكئ) الا على الجبال، وكذلك: القيد للرجال، وموازين الرجال… عقولها.
ويقول المثل الشعبي العماني: المره (يقصد المرأة) خصفه (وعاء التمر)، وكذلك: المره وعا (وعاء)، ومن قرائنه: الأم خصفه، وقول المثل الشعبي العماني عند تهنئة الزوج: منك المال.. ومنها لعيال (الأولاد). والواضح في هذه الأمثال وما شابهها تلك النظرة القاصرة للمرأة على أنها وعاء للنسل والإنجاب، ورغم أساسية الدور الذي تقوم به المرأة كما يشير المثل، الا أنه من الإجحاف قصره في الحياة على تلك الوظيفة، وهو ما تنفيه الشواهد المجتمعية في عمان المعاصرة، حيث تشارك المرأة الرجل في العمل، وتتحمل أعباء الحياة، وقد ساعد انتشار التعليم، وتقلد المرأة مناصب هامة في الدولة على أن تتغير تلك النظرة التقليدية القديمة لها.
صورة الزوجين في الأمثال الشعبية العمانية:
المرأة هي الأم والزوجة، وهي الأخت والابنة، ويصادف اختيار الزوجة أولى الوصايا التي يعنى بها المثل الشعبي العماني، فالنساء: النسا مقربات النسب، مثلما أن الزواج ستر لهن: يبغالها زوج عن (وإلا) تغبن. وهنا تبرز قدرة المثل الشعبي العماني على الاختزال والوصف في أبرع صورهما: عليك بلبنت (بالبنت) لمطيعة ولهايشة (الدابة) السريعة ولأرض لوسيعة، عليك ببنت العم ولو بارت، لا تأخذها حنانة (كثيرة الحنين إلى ماضيها، كأن تكون مطلقة).. ولا منّانة (متعالية بما لها)، ويطابقه: خذ المره على حدّها ولا تأخذها على خدها. كما يحضها على الرزانة، لأنها تحفظ العمر: هيه ترقص ومن عمرها ينقص. ورغم قول المثل الشعبي العماني: لا تأكل بايت (الطعام غير الطازج)، ولا تنام مع عجوز، نجده ينصح: راحة البنت مع الشايب (كبير السن)، وهي تفرقة واضحة في التعامل مع طرفي العلاقة الزوجية.
ويلمن المثل الشعبي العماني الى التقتير في حق المرأة عند الزواج: المال مال أبوها.. ويزودوها فسيعنة (في السيعنة، وهو وعاء سعفي لليسير من التمر)، ومن أطرف ما عرض لي من الأمثال الشعبية العمانية في الحث على التأني: المستعجلة مالها مهر: كما يرغب المثل الشعبي العماني المرأة في احتمال من نوع آخر: نار الزوج ولا جنة الحبّان (الأهل)، ومن نظائره الشعبية كما يورد مؤلف أقوال عمان: ناره ولا جنة أهلي (الكويت)، نار جوزي ولا جنة أبويا (مصر ولبنان)، نارك ولا جنة غيرك (سوريا)، ناره ولا جنة غيره (العراق) (3).
وفي المثل الشعبي العماني: العروس تمدحها مّها (أمها).. وتشبهه أمثال عربية كثيرة، واذا عرف أن القرد في عين أمه غزال فان المثل الشعبي العماني يحولها الى. السبالة (القردة) فعين امها غزال.. ويشترط المثل الشعبي العماني الرضى على طالبة الزواج، فتمردها لا يفيد: كوني على الشرط راضية وإلا دوري (ابحثي) على الحبل واختنفي، ويزكي المثل الشعبي العماني التي تطيع: مادامت زاجية.. بتزجي (أي ما دامت صائرة طائعة فنحن نسايرها ونطيعها). لكن الاحساس بالعجز أمام الجنس الذكوري يسري عنه هذا المثل الفريد: كل عاجزة ولها بخت.
وربما من الأثير والسائد لدى العرب العرف بتجنب الأخذ برأي المرأة، يقول المثل الشعبي العماني: الحرمه شاورها وخالفها، أما الرجل الذي تسيسه زوجته فمعيب: شوره حال حرمته، (وأحيانا مرته)، رغم تأكيد المثل الشعبي العماني على أهمية مشاورة الناس والأخذ برأيهم الدال: شاورت جميع الناس وجا (وجاء) شوري أدللي (أدل لي يعني أكثر فائدة).
وفي المثل الشعبي العماني: لا تفسل الصريمه (أي لا تغرس الفسلة الصغيرة من النخيل).. ولا تأخذ الحريمة (مصغر حرمة، من الحريم، ويقصد بها البنت القاصر التي تطلب للزواج). ان المثل الشعبي العماني لا يكتفي بالأمر والنهي دون ابداء الأسباب، بل يختار لها صورا موازية يفهمها السامع من الوهلة الأولى، ومن المعروف أن زراعة النخيل في عمان من المصادر الرئيسية للحياة، لذا يعد اختيار تلك الصور البلاغية المتواترة أمرا طبيعيا، كما ان الطبيعة الجبلية للسلطنة تتأكد من خلال تكرار لفظة (الجبال) ومترادفاتها. ومن المثير أن يؤكد المثل الشعبي العماني على أهمية الأنوثة التي لا يغني عنها انجاب البنين: اللي ما يغليها (يرفع من قيمتها) جسمها.. ما يغليها ولدها. وعلى تلك الشاكلة تأتي مجموعة من الأمثال الصارمة: اذا درى زوجش بعيبش.. كملي يومش وليلتش (أي اذا علم الزوج بعيبك فلن يصبر عليك أكثر من يوم وليلة. ويقول المثل الشعبي العماني: يوم تشرف العجين فشيلتها.. طلقها بليلتها (ويعني أن على الزوجة مداراة عيوبها، والشيلة ثوب المرأة قديما في عمان ومنطقة الخليج).
صورة الأم في الأمثال الشعبية العمانية:
ويفرق المثل الشعبي العماني بين الأم وتلك التي تربي: المريبية غير الأم.. جمادة (من الجحود)، ومثله: طلبته الواحمة (الوحماء المرأة في بداية الحمل) وأكلته لمربية، كما يقدس دور الأم: اللي أمه فدار (في الدار) قريصه حار، اللي أمه فدار.. ما عليه غبار، اللي أمه فلبيت (في البيت).. لا تحاتيه (تهتم به، لأن أمه ستقوم بهذا الدور)، اللي أمه فلبيت ما يبات جايع، اللي أمها فلبيت.. ما يبين مكرها (لاحظ نسبة مثل هاء الغائب/هاء الغائبة). ومثل هذه الأمثال في العراق: اللي أمه بالبيت.. يأكل دهن زيت، وفي مصر: اللي عنده أمه.. ما ينحملش همه، وفي المغرب: اللي كانت أمي كتحبني كثير…. توجد لي الكسوة لحصاد الشعير (4) وفي سوريا: اللي بلا ام، حاله مغم (5)
ويهتم المثل الشعبي العماني بالنسل: من خلف (أنجب).. ما مات، أما حين تلد الزوجة، فنادرا ما يحكي المثل عن (البنت)، إنما هو الولد الذي يشار اليه دوما في متن الأمثال: كبر ولدي.. كبر بختي (حظي)، ما يعرف رطني (لساني ولغتي).. الا ولد بطني، ما كل حمله (حمل) بولد، ما شي (لا توجد) ناقة حنت على ولد غيرها. ولد السعد.. يفي بالوعد، ولد عشا.. ما ولد غبشه. وفي الماضي، كان الجراد يهاجم المنطقة، فيهب الناس لصيده (جنيه)، خاصة لدى الشروق في أيام الشتاء، ويقال أن المرأة الحامل التي تشترك في جني الجراد تلد طفلا مشاكسا: كما بومجنايبة جراد. وحين تذكر البنت فهي تولد في ظرف غير موات: كما بو مربية بنتها والدة بقرتها (وهي المرأة التي تلد ابنتها وبقرتها في يوم واحد!).
خاتمة:
لا تختلف صورة المرأة كثيرا في الأمثال الشعبية العربية الأخرى عن الصورة التي رأيناها في المثل الشعبي العماني ومما يؤكد ما ذهبنا اليه هو وجود صيغ مشابهة لكل مثل شعبي عماني في الذاكرة الشفاهية الشعبية العربية، أتينا على ذكر أمثلة منها خلال السطور السابقة ويمكن الرجوع الى نماذج مطبوعة كثيرة لتأكيد هذه الفرضية (6). كما نود أن نشير إلى أن مصادر المثل الشعبي العماني التراثية كثيرة، لما اشتهر به أهل عمان من حب للأدب، وخاصة الشعر الشعبي، الذي يتواصل مع المثل في كل الآداب، فقط تبقى للمثل الشعبي العماني خصوصيته، لغته، بيئته، صوتيته، بل ويمكن في قراءة لاحقة أن نضع أيدينا على مايمكن تسميته بمعجم لغوي للمثل الشعبي العماني نابع من البيئة العمانية بشكل خالص.
الهوامش
(1) أحمد مرسي: المثل والفزورة في التراث الشعبي المصري، (فيلم الفنون الشعبية المصرية، وزارة الاعلام، القاهرة، 1994. ص 96
(2) خليفة بن عبدالله الحميدي: أقوال عمان لكل الأزمان، الجزء الثاني، مسقط، 1987، ص 9.
(3) خليفة بن عبدالله الحميدي: أقوال عمان لكل الأزمان، الجز الرابع. مسقط، 1994. ص 17.
(4) خليفة بن عبدالله الحميدي: أقوال عمان لكل الأزمان، الجز الثالث. مسقط، 1990. ص 83.
(5) زياد يوسف منى: خمسة آلاف مثل ومقولة من بلاد الشام، الأهالي، دمشق، 1996، ص 39.
(6) عادل غريب: قاموسي الأمثال العامية. القاهرة. مدبولي الصغير، 1993.
* نهى محمد دياب (باحثة من مصر)