نقوس المهدي
كاتب
تعد الثقافة الشعبية ظاهرة اجتماعية وثقافية، وهي وحدة كلية متكاملة، تتصل حلقاتها ببعضها البعض على الرغم مما قد يطرأ عليها من تغيير، كما أنها تعتبر العامل المسئول والأساسي في وجود الماضي والآني في المجتمعات دون استثناء. فالثقافة هي التراث الفكري الذي تتميز به جميع الأمم عن بعضها البعض، حيث تختلف طبيعتها وخصائصها من مجتمع لآخر ، فالثقافة إذن تعبير عن النمو التراكمي على المدى الطويل بمعنى أنها ليست علوما ومعارف جاهزة يمكن للمجتمع أن يحصل عليها ويتمثلها في زمن قصير، وإنما تتراكم عبر مراحل طويلة من الزمن تنتقل من جيل لآخر عبر التنشئة الاجتماعية؛ إذ نجد أن الثقافة الشعبية تشمل كل التمثلات الجماعية للحياة المعيشية ولتطلعات ورغبات الجماعة، والتي يتم التعبير عنها بطريقة شفوية، وهذا التعبير يتمثل في أشكال عدة من قصة ونكتة وأمثال وحكم… كما يتمظهر في تعبيرات سلوكية من رقص وطقوس وحفلات شعبية، والتي تختلف من مجتمع لآخر كما هو الشأن بالنسبة للمجتمع العطاوي الذي سيكون محور مقالتنا هذه. إذن، أين يتمظهر التراث الثقافي لدى قبائل آيت عطا من خلال أمثالهم الشعبية؟
1- التعريف بالأمثال الشعبية كأهم موروث ثقافي لدى أيت عطا
تندرج الأمثال الشعبية ضمن الآداب الشعبية، كما أنها مأثورة موجزة العبارة، والمثل وليد الحدث أو القصة بل عنوان لحكاية اندثرت تعبر عن قاعدة من قواعد السلوك الإنساني، أطلقها شخص من عامة الناس في ظرف من الظروف المشابهة التي قيلت فيه لأول مرة فتعكس لنا الأمثال الشعبية الحياة بما فيها من أفراح وأحزان دون كذب أو نفاق لما تتميز به من عفوية وتلقائية، مما يسمح لها بأن تكون تراثا فكريا لحياة الشعوب لما تتضمنه من قيم روحية إنسانية في الصميم، وتكمن أهمية الأمثال الشعبية باعتبارها أهم موروث ثقافي لدى أيت عطا وعلى الخصوص ولدى المغاربة على وجه العموم في كونها حاملة لرصيد فكري هائل من التجارب والخبرات الحياتية، فهي عبارة عن قناة يمرر منها الإنسان العطاوي فلسفته في الحياة، بل مرآة موضوعية تعكس الواقع الاجتماعي واليومي للعطاويين بجميع حذافيرها وبمختلف جوانبه، وأقل ما يمكن قوله عن الأمثال أنها وثيقة اجتماعية ومادة علمية لم ولن يعكر الدهر صفوها، تمكن الباحث في التراث الشعبي لدى قبائل أيت عطا من رسم صورة ولو مبسطة عن حياتهم. فبفضل الأمثال الشعبية استطاع مجموعة من الباحثين إزالة اللثام عن تاريخ آيت عطا المسكوت عنه.
2- الأمثال الشعبية حول الزواج والعلاقات الزوجية
الزواج:
نظرا لأهمية مؤسسة الأسرة داخل المجتمع العطاوي وبما أن الزواج هو أساسا تكوينها، بل الخطوة الأولى لبنائها، فقد أعطيت قيمة كبيرة للزواج إلى درجة أن قبائل أيت عطا وبقصد منها لتلميع صورة الزواج نعتت الزوج في أيام عرسه بصفات محمودة بل وضعته في مرتبة الملك، فكان يحظى باهتمام كبير واحترام من طرف الجميع وهذا ما يبدو لنا وبجلاء من خلال هذا المثل الشعبي:
« دْرُوغْ أَيْدْ إِيـﮔا إِيسْلِي أﮔليد. بمعني // كاد العريس أن يكون ملكا.
كما أن الطابع الاحتفالي الذي يواكب الزواج من العادات والتقاليد واللوائم التي يشترط الالتزام بها كان ولا يزال يشكل عبئا ثقيلا لكل مقبل على الزواج، لما يتطلبه من مصاريف مادية مكلفة، وهذا ما عبرت عنه مجموعة من الأمثال من بينها:
سين إيسـﮔاسن أيد إيتاغ لاز بو تمغرا // سنتان يجوع خلالهما صاحب العرس
تش تويت أيد إيرزان الزاويت // كل ثم خذ يؤدي إلى لإفلاس الزاوية.
إلى جانب هذه الأمثال هناك أمثال شعبية تعبر عن بعض معايير الجمال لاختيار العروس وتتمثل في كبير العينين لما لهما من قيمة جمالية لدى قبائل أت عطا، وهذا ما عبرت عنه هذه الأمثال:
ما يد إيحلان إونا مي خانت والن // أين الجمال لمن قبحت عيناه؟
ما يديخان إونا مي حلانت والن // أين القبح لجميل العينين؟
علاوة على ذلك، هناك أمثال شعبية أخرى عبرت عن بعض معايير اختيار رفيقة درب الحياة من بينها الاجتهاد في إتقان الأعمال المنزلية وغيرها، مما ستكون ملزمة به بعد الزواج، فنبهت العديد من الأمثال الشعبية إلى عدم الانخداع بمظهر المرأة وجمالها، فدعت إلى مصاهرة الأخيار من العائلات الطيبة لكي تكون الفتاة قد تلقت تربية حسنة وترعرعت في جو مليء بالاحترام المتبادل والأخلاق الحميدة. وهذا ما عبرت عنه هذه الأمثال الشعبية:
أورون إلدجيـﮔن تارفا، تارو ترفا إلدجيـﮔن// ي نبت الورد وسط روث البقر، ويتحول الورد في بطن البقر إلى روث
أخيدالدجيك أوليلي مريد إتارزكت// ما أجمل زهرة الدفلى لولا مرارتها.
إلى جانب ما سبق، شكل ماضي الفتاة أيضا أهم معيار بل شرط يأخذه الشاب المقبل على الزواج بعين الاعتبار في اختيار شريكة حياته، فلا يقبل بتاتا الزواج من فتاة ذات ماض سيء وسمعة مدنسة. فكان هذا الأمر أحيانا إن لم نقل غالبا سبب في تأخر زواج العديد من الفتيات وعلى وجه الخصوص البكارة، ونلمس هذا بوضوح من خلال تلك الحالة والأجواء المتوترة التي تسود ليلة الزفاف لفقدان البنت لبكارته، حيث تعد نقيصة بل فضيحة على حد تعبيرهم، تعاير به الفتاة كما الأزواج وهذا ما يبينه هذا المثل:
اتشان إكضاض أمود إيسروت نتا أليم// أكلت العصافير البذور فدرس هو التبن
والزواج لدى قبائل أيت عطا غير مقيد بسن محدد؛ أي لا يشترط أن تتزوج الكبيرة في السن من بين أخواتها أولاً، بل تتزوج التي يأتي نصيبها، أي العريس المناسب لها حتى لو كانت أصغر أخواتها، وهذا ما يرصده هذا المثل الشعبي المتداول الذي قيل على لسان أم زوجت البنت الصغرى قبل الكبرى، وهناك من عاتبها على ذلك، فردت عليهم بهذا المثل الذي شاع بين الناس بعد ذلك:
تنا إيزﮔن تفتو // التي حُلبتْ ترعى.
ويأتي هذا المثل:
الرجا ﮔربي أر عرفا// الرجاء في الله حتى يوم عرفة
كتعبير عن تفاؤل الفتاة التي تأخر زواجها لسبب ما في الحصول على عريس، وما يروى في هذا المثل راجع إلى حكاية شعبية عن فتاة لم تخطب بين بنات قبيلتها لكبر سنها، وهذا يوضح أن تأخر الزواج لم يكن أمرا يزعج الفتاة داخل قبائل أيت عطا، وهذا ما يؤكده هذا المثل الشعبي المتداول حتى الآن لدى قبائل أيت عطا.
أور تلي تغمرت ن- بور، كو الزير إيلا تيسمدلت //لا مكان للعنوسة، فلكل إناء غطاؤه
فهذا المثل خير دليل على أن الفتاة أو المجتمع العطاوي لا تشكل العنوسة أمرا يثير أرقهم، بل كانت كل فتاة مؤمنة بأن لها نصيبا ينتظرها أو بالأحرى تنتظره.
العلاقة الزوجيــة
تأرجحت طبيعة العلاقة الزوجية بين الرفق والانسجام أحيانا، وبين الاضطراب والتوتر أحيانا أخرى، فقد تحدث العديد من الأمثال عن مختلف الروابط التي تمنع القرينين ومنها:
أوفيخكم أهنو تافت راحت // وجدتك يا هنو مثلما وجدتِ راحتك.
فهذا المثل إشارة إلى العلاقة الحميمية التي سادت في بعض العلاقات الزوجية.
أونا تيت ايزلن أورداس اتنعات أبريد // الذي يطردها لا يدلها على الطريق.
وقد بين هذا المثل المعتمد من طرف الزوج لتأديب الزوجة وهو طردها إلى بيت أبيها وهذا إن كان لها يد في مشكلة الخلاف.
أورد ايتناغ د اتمطوت خس تمطوت // لا يتشاجر مع المرأة إلا المرأة
وفي هذا المثل إشارة واضحة إلى أن قبائل أيت عطا كانت تحض على عدم استعمال أساليب العنف والضرب ضد النسا، وفضلت الطرد كوسيلة لتأديب الزوجة كما جاء في المثل السابق.
فقد أتت معظم الأمثال عند قبائل أيت عطا في شكل نصائح ومواعظ وهي تلخيص لمجموعة من التجارب الحياتية. فهذا المثل:
ﮔيض أمزوارو أيد إتمتات موش// من الليلة الأولى يقتل القط
إشارة واضحة إلى الأزواج المقبلين على الزواج على ضرورة الحزم والجدية من اللقاء الأول الذي يكون غالبا في الليلة الأولى، وما هذا اللقاء الأول من آثار عظمى في تحديد مصير ومستقبل العلاقة بينهما.
كما ينصح الزوج بعدم الأخذ برأي الزوجة كما جاء في هذا المثل:
أونا إيتـﮔـان الراي ن تمطوت تيوتمين أﮔ يامو// من يأخذ برأي المرأة عد من النساء
3- الأمثال الشعبية حول المرأة ووضعيتها داخل الأسرة العطاوية
نظرت الأمثال في قبائل أيت عطا إلى المرأة نظرة تتراوحت بين الدونية أحيانا والأهمية أحيانا أخرى. وهكذا، فقد عبر جانب مهم منها عن الموقف المعادي للمرأة فجعلها مرادفة للسوء والغدر وعدم الثقة لما تحمله من خصال الكيد والتحايل والمكر وهذا ما يستفاد من المثل الآتي والذي رصد ذلك:
تيوتمين أيد إسيغين أفا خف وامان // النساء يشعلن النار فوق الماء بل وذهبت أبعد من ذلك حيث اعتبرت طاعتها والأخذ برأيها من طرف الرجل ينقص من رجولته ويجعله في مرتبة النساء ونورد في هذا الصدد المثل التالي:
أونا يتكان الراي نتمطوت تيوتمين أكيامو// من يأخذ برأي المرأة عد من النساء
ولم تجد بعض الأمثال غضاضة في جعل منجب البنات فقط غير جدير بالجلوس جنبا إلى جنب مع آخر له أبناء.وهذا ما يبينه المثل القائل:
فغ أبو تشراتين أد إغجدم بويشيران//قم يا أبا البنات ليقعد أب ألأبناء
وفي الاتجاه نفسه وصفت المرأة بالضعف وعدم القدرة على تحمل المسؤولية الأكثر من ذلك شبهتها بالتافهة أو العاطلة عن العمل. وبالمقابل ثمة من الأمثال وعلى الرغم من قلتها تلك التي تشير إلى الأهمية التي تكتسيها المرأة داخل نسيج المجتمع وخاصة مؤسسة الأسرة حيث اعتبرتها أساس قيام العائلة وعمودها الفقري الذي يحرص على استمراريتها، ولذلك يقول المثل التالي:
تاخامت تار تامطوت أورتكي تاخامت// البيت بلا امرأة لا يعد بيتا
لذلك لا غرابة أن نصادف أمثالا أخرى تصور الحالة غير العادية لمن لم ينجب بنتا حيث عبرت عن ذلك بمرارة شديدة بقولها:
عندا نوار إيليس//ويل لمن لا بنت له
مهما كان الأمر أو مهما كانت صورة المرأة داخل المجتمع العطاوي فإنها قامت بمجموعة من الأنشطة توزعت بين التي تؤديها في المنزل والتي تؤديها خارجه، ونشير انطلاقا مما توضحه الأمثال المعتمدة إلى أن مساهمة المرأة داخل العائلة اختلفت حسب المستوى الاجتماعي للمرأة والأسرة التي تنتمي إليها. وكذا بنية هذه الأخيرة، على الرغم مما قد يخيل إلينا من أن جل النساء من قبائل أيت عطا لن يقمن بنفس الأدوار.
وعلى العموم، فقد مارست المرأة مجموعة من الأدوار وشاركت في كثير من الأنشطة؛ ساهمت بها داخل الأسرة إلى درجة يمكن القول إنها العنصر الوحيد الذي تلقى عليه معظم الأعباء والذي يشارك في أكثر من نشاط، فالمهام المتعددة الموكولة إليها جعلها أول من يستفيق باكرا وآخر من ينام ليلا وفي ذلك نورد المثل:
ياغ أوزال ياغ ييض أيد إيشِّيبن تيوتمين // ما شيب النساء إلا: الوقت متأخر، والوقت مبكر
وهكذا كان على المرأة أن تقوم بالأعمال المنزلية من طبخ الطعام وإعداد الخبز وطحن الحبوب وغيرها بالسواعد والخروج للاحتطاب. كما تحملت مهمة جلب المياه إلى البيت وجلب البقر والماعز ومخض الحليب ووضع الزبدة والسمن والجبن، هذا طبعا إلى جانب دورها الأساسي المتمثل في تربية الأبناء ورعاية الأسرة.
والظاهر أن المرأة في قبائل آيت عطا قامت بأدوار أخرى إلى جانب مهامها المنزلية فرضها الواقع الاقتصادي المتدني والبسيط. فاحتلت بذلك موقعا مهما في عملية الإنتاج، حيث شاركت في النشاط الزراعي من خلال عملها جنبا إلى جنب مع الزوج والأولاد طيلة الموسم الفلاحي من حصاد للزروع الى جني للتمور وأيضا تولت مهمة رعي القطيع والاهتمام بإخراجه وإدخاله من وإلى الزريبة « تاستورت/تافرﮔانت) كما أسندت لها مهمة جمع الأعشاب لعلف الماشية. والواقع أن بعض النساء بفضل الوضع الاقتصادي لعائلاتهن استفدن من الأعمال المنوطة بهن من مساعدة الخدم وزوجات وبنات الخماس الذي يعمل في حقول الأسرة. وهذا ما بفصح وبكل وضوح المثل التالي:
تمطوت ن المسكين دا تيت تاغنت والن كيونيو، تاغتيت تاولي كالخريف // زوجة الفقير تمرض عينها زمن الحصاد وتصاب بالحمى زمن الخريف
ولعل ما يحمله هذا المثل من مغزى يبين بجلاء الوضعية الدونية والمنحطة للمرأة داخل الأسرة الفقيرة، وما تعانيه من جراء مشاركتها في النشاط الزراعي، مثلما يوضح بحكم العوامل الاقتصادية في وضعية المرأة داخل الأسرة العطاوي، وبالمثل اشتغلت بعض النساء بأعمال أخرى تاقت بها المساهمة في تغطية بعض حاجيات الأسرة من استعمالاتها اليومية ومن ذلك اشتغالها بغزل الصوف (ألوم ن- تاضوت) وونسج بعض الفراش والأغطية المطلوبة (بنشروض مثلا) عن طريق استغلال بقايا الملابس المهملة ونسجها للتغطية وتفريشها في الأوقات الباردة. كما أن بعض النساء كن يوفرن ما يحتاجه أزواجهن وكذا أبناؤهن من لباس (تاجلابيت –ن- تاضوت، أسلهام، أحندير…) فساهمت بذلك بطريقة غير مباشرة في اقتصاد الأسرة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى سيادة الرعي كنمط رئيسي لدى العديد من العائلات العطاوية إلى جانب الفلاحة طبعا.
واللافت للانتباه أنه إلى جانب ما عرضناه من أدوار والتي كانت من تخصص المرأة في مجتمع أيت عطا هناك، من النساء من استطاعت بحكمتها وما اكتسبته من دهاء أن تكون قبلة لأهل القبيلة قصد المشاورة، والاستفادة من رأيها السديد في الأمور المستعصية عليهم. شفيعنا في ذلك، هو تلك المرأة الحكيمة التي استشيرت في أمر عادة ما يكون من اختصاص رجال السياسة والحرب، ذلك أن لأفراد القبيلة طلبوا منها الحل بعدما أعلنت قبيلتان مجاورتان الحرب عليه فردت بكلام أصبح بعد ذلك يتردد على ألسنة الناس:
أدور توبود إيمزكان كيات لوقت، أوبو يان أرديجي تيبوت وايض// لا تثقب أذنيك في آن واحد، أثقب الأولى وبعد أن تشفى اثقب الثانية
نخلص مما سبق أن المرأة في قبائل آيت عطا قامت بأدوار مهمة داخل الأسرة فرضتها الظروف الاقتصادية والبيئية، وكذا الوضع المادي لجل العائلات، هذا إلى جانب العرف الذي يسمح لها بالتحرك بكل حرية ودون قيود عكس ما هو مفروض على نساء عناصر سكانية أخرى عاشت مع هذه القبائل في بيئة واحدة حيث تكون المرأة طول حياتها بعيدة عن أنظار العامة.
إن الأمثال الشعبية، باعتبارها شكلا من أشكال التعبير الشفاهي، تمثل جزءا لا يتجزأ من الثقافة الشعبية لدى قبائل أيت عطا، بل جسر عبور للغوص في أعماق الذاكرة والتراث العطاوي، فالأمثال التي أشرنا إليها ما هي إلا خلاصة إن لم نقل عصارة تجارب ومواقف حياتية تختزل لنا قصة شعبية أو وقائع حياتية تحمل إلينا حكمة، وأغلبها مازال شائعا بين أبناء قبائل أيت عطا حتى الآن، ليس فقط في كونه مثلا شعبيا، بل إرثا ثقافيا وهوية بأكملها، يستوجب الحفاظ عليها.
* طالب باحث بجامعة القاضي عياض-مراكش-.
1- التعريف بالأمثال الشعبية كأهم موروث ثقافي لدى أيت عطا
تندرج الأمثال الشعبية ضمن الآداب الشعبية، كما أنها مأثورة موجزة العبارة، والمثل وليد الحدث أو القصة بل عنوان لحكاية اندثرت تعبر عن قاعدة من قواعد السلوك الإنساني، أطلقها شخص من عامة الناس في ظرف من الظروف المشابهة التي قيلت فيه لأول مرة فتعكس لنا الأمثال الشعبية الحياة بما فيها من أفراح وأحزان دون كذب أو نفاق لما تتميز به من عفوية وتلقائية، مما يسمح لها بأن تكون تراثا فكريا لحياة الشعوب لما تتضمنه من قيم روحية إنسانية في الصميم، وتكمن أهمية الأمثال الشعبية باعتبارها أهم موروث ثقافي لدى أيت عطا وعلى الخصوص ولدى المغاربة على وجه العموم في كونها حاملة لرصيد فكري هائل من التجارب والخبرات الحياتية، فهي عبارة عن قناة يمرر منها الإنسان العطاوي فلسفته في الحياة، بل مرآة موضوعية تعكس الواقع الاجتماعي واليومي للعطاويين بجميع حذافيرها وبمختلف جوانبه، وأقل ما يمكن قوله عن الأمثال أنها وثيقة اجتماعية ومادة علمية لم ولن يعكر الدهر صفوها، تمكن الباحث في التراث الشعبي لدى قبائل أيت عطا من رسم صورة ولو مبسطة عن حياتهم. فبفضل الأمثال الشعبية استطاع مجموعة من الباحثين إزالة اللثام عن تاريخ آيت عطا المسكوت عنه.
2- الأمثال الشعبية حول الزواج والعلاقات الزوجية
الزواج:
نظرا لأهمية مؤسسة الأسرة داخل المجتمع العطاوي وبما أن الزواج هو أساسا تكوينها، بل الخطوة الأولى لبنائها، فقد أعطيت قيمة كبيرة للزواج إلى درجة أن قبائل أيت عطا وبقصد منها لتلميع صورة الزواج نعتت الزوج في أيام عرسه بصفات محمودة بل وضعته في مرتبة الملك، فكان يحظى باهتمام كبير واحترام من طرف الجميع وهذا ما يبدو لنا وبجلاء من خلال هذا المثل الشعبي:
« دْرُوغْ أَيْدْ إِيـﮔا إِيسْلِي أﮔليد. بمعني // كاد العريس أن يكون ملكا.
كما أن الطابع الاحتفالي الذي يواكب الزواج من العادات والتقاليد واللوائم التي يشترط الالتزام بها كان ولا يزال يشكل عبئا ثقيلا لكل مقبل على الزواج، لما يتطلبه من مصاريف مادية مكلفة، وهذا ما عبرت عنه مجموعة من الأمثال من بينها:
سين إيسـﮔاسن أيد إيتاغ لاز بو تمغرا // سنتان يجوع خلالهما صاحب العرس
تش تويت أيد إيرزان الزاويت // كل ثم خذ يؤدي إلى لإفلاس الزاوية.
إلى جانب هذه الأمثال هناك أمثال شعبية تعبر عن بعض معايير الجمال لاختيار العروس وتتمثل في كبير العينين لما لهما من قيمة جمالية لدى قبائل أت عطا، وهذا ما عبرت عنه هذه الأمثال:
ما يد إيحلان إونا مي خانت والن // أين الجمال لمن قبحت عيناه؟
ما يديخان إونا مي حلانت والن // أين القبح لجميل العينين؟
علاوة على ذلك، هناك أمثال شعبية أخرى عبرت عن بعض معايير اختيار رفيقة درب الحياة من بينها الاجتهاد في إتقان الأعمال المنزلية وغيرها، مما ستكون ملزمة به بعد الزواج، فنبهت العديد من الأمثال الشعبية إلى عدم الانخداع بمظهر المرأة وجمالها، فدعت إلى مصاهرة الأخيار من العائلات الطيبة لكي تكون الفتاة قد تلقت تربية حسنة وترعرعت في جو مليء بالاحترام المتبادل والأخلاق الحميدة. وهذا ما عبرت عنه هذه الأمثال الشعبية:
أورون إلدجيـﮔن تارفا، تارو ترفا إلدجيـﮔن// ي نبت الورد وسط روث البقر، ويتحول الورد في بطن البقر إلى روث
أخيدالدجيك أوليلي مريد إتارزكت// ما أجمل زهرة الدفلى لولا مرارتها.
إلى جانب ما سبق، شكل ماضي الفتاة أيضا أهم معيار بل شرط يأخذه الشاب المقبل على الزواج بعين الاعتبار في اختيار شريكة حياته، فلا يقبل بتاتا الزواج من فتاة ذات ماض سيء وسمعة مدنسة. فكان هذا الأمر أحيانا إن لم نقل غالبا سبب في تأخر زواج العديد من الفتيات وعلى وجه الخصوص البكارة، ونلمس هذا بوضوح من خلال تلك الحالة والأجواء المتوترة التي تسود ليلة الزفاف لفقدان البنت لبكارته، حيث تعد نقيصة بل فضيحة على حد تعبيرهم، تعاير به الفتاة كما الأزواج وهذا ما يبينه هذا المثل:
اتشان إكضاض أمود إيسروت نتا أليم// أكلت العصافير البذور فدرس هو التبن
والزواج لدى قبائل أيت عطا غير مقيد بسن محدد؛ أي لا يشترط أن تتزوج الكبيرة في السن من بين أخواتها أولاً، بل تتزوج التي يأتي نصيبها، أي العريس المناسب لها حتى لو كانت أصغر أخواتها، وهذا ما يرصده هذا المثل الشعبي المتداول الذي قيل على لسان أم زوجت البنت الصغرى قبل الكبرى، وهناك من عاتبها على ذلك، فردت عليهم بهذا المثل الذي شاع بين الناس بعد ذلك:
تنا إيزﮔن تفتو // التي حُلبتْ ترعى.
ويأتي هذا المثل:
الرجا ﮔربي أر عرفا// الرجاء في الله حتى يوم عرفة
كتعبير عن تفاؤل الفتاة التي تأخر زواجها لسبب ما في الحصول على عريس، وما يروى في هذا المثل راجع إلى حكاية شعبية عن فتاة لم تخطب بين بنات قبيلتها لكبر سنها، وهذا يوضح أن تأخر الزواج لم يكن أمرا يزعج الفتاة داخل قبائل أيت عطا، وهذا ما يؤكده هذا المثل الشعبي المتداول حتى الآن لدى قبائل أيت عطا.
أور تلي تغمرت ن- بور، كو الزير إيلا تيسمدلت //لا مكان للعنوسة، فلكل إناء غطاؤه
فهذا المثل خير دليل على أن الفتاة أو المجتمع العطاوي لا تشكل العنوسة أمرا يثير أرقهم، بل كانت كل فتاة مؤمنة بأن لها نصيبا ينتظرها أو بالأحرى تنتظره.
العلاقة الزوجيــة
تأرجحت طبيعة العلاقة الزوجية بين الرفق والانسجام أحيانا، وبين الاضطراب والتوتر أحيانا أخرى، فقد تحدث العديد من الأمثال عن مختلف الروابط التي تمنع القرينين ومنها:
أوفيخكم أهنو تافت راحت // وجدتك يا هنو مثلما وجدتِ راحتك.
فهذا المثل إشارة إلى العلاقة الحميمية التي سادت في بعض العلاقات الزوجية.
أونا تيت ايزلن أورداس اتنعات أبريد // الذي يطردها لا يدلها على الطريق.
وقد بين هذا المثل المعتمد من طرف الزوج لتأديب الزوجة وهو طردها إلى بيت أبيها وهذا إن كان لها يد في مشكلة الخلاف.
أورد ايتناغ د اتمطوت خس تمطوت // لا يتشاجر مع المرأة إلا المرأة
وفي هذا المثل إشارة واضحة إلى أن قبائل أيت عطا كانت تحض على عدم استعمال أساليب العنف والضرب ضد النسا، وفضلت الطرد كوسيلة لتأديب الزوجة كما جاء في المثل السابق.
فقد أتت معظم الأمثال عند قبائل أيت عطا في شكل نصائح ومواعظ وهي تلخيص لمجموعة من التجارب الحياتية. فهذا المثل:
ﮔيض أمزوارو أيد إتمتات موش// من الليلة الأولى يقتل القط
إشارة واضحة إلى الأزواج المقبلين على الزواج على ضرورة الحزم والجدية من اللقاء الأول الذي يكون غالبا في الليلة الأولى، وما هذا اللقاء الأول من آثار عظمى في تحديد مصير ومستقبل العلاقة بينهما.
كما ينصح الزوج بعدم الأخذ برأي الزوجة كما جاء في هذا المثل:
أونا إيتـﮔـان الراي ن تمطوت تيوتمين أﮔ يامو// من يأخذ برأي المرأة عد من النساء
3- الأمثال الشعبية حول المرأة ووضعيتها داخل الأسرة العطاوية
نظرت الأمثال في قبائل أيت عطا إلى المرأة نظرة تتراوحت بين الدونية أحيانا والأهمية أحيانا أخرى. وهكذا، فقد عبر جانب مهم منها عن الموقف المعادي للمرأة فجعلها مرادفة للسوء والغدر وعدم الثقة لما تحمله من خصال الكيد والتحايل والمكر وهذا ما يستفاد من المثل الآتي والذي رصد ذلك:
تيوتمين أيد إسيغين أفا خف وامان // النساء يشعلن النار فوق الماء بل وذهبت أبعد من ذلك حيث اعتبرت طاعتها والأخذ برأيها من طرف الرجل ينقص من رجولته ويجعله في مرتبة النساء ونورد في هذا الصدد المثل التالي:
أونا يتكان الراي نتمطوت تيوتمين أكيامو// من يأخذ برأي المرأة عد من النساء
ولم تجد بعض الأمثال غضاضة في جعل منجب البنات فقط غير جدير بالجلوس جنبا إلى جنب مع آخر له أبناء.وهذا ما يبينه المثل القائل:
فغ أبو تشراتين أد إغجدم بويشيران//قم يا أبا البنات ليقعد أب ألأبناء
وفي الاتجاه نفسه وصفت المرأة بالضعف وعدم القدرة على تحمل المسؤولية الأكثر من ذلك شبهتها بالتافهة أو العاطلة عن العمل. وبالمقابل ثمة من الأمثال وعلى الرغم من قلتها تلك التي تشير إلى الأهمية التي تكتسيها المرأة داخل نسيج المجتمع وخاصة مؤسسة الأسرة حيث اعتبرتها أساس قيام العائلة وعمودها الفقري الذي يحرص على استمراريتها، ولذلك يقول المثل التالي:
تاخامت تار تامطوت أورتكي تاخامت// البيت بلا امرأة لا يعد بيتا
لذلك لا غرابة أن نصادف أمثالا أخرى تصور الحالة غير العادية لمن لم ينجب بنتا حيث عبرت عن ذلك بمرارة شديدة بقولها:
عندا نوار إيليس//ويل لمن لا بنت له
مهما كان الأمر أو مهما كانت صورة المرأة داخل المجتمع العطاوي فإنها قامت بمجموعة من الأنشطة توزعت بين التي تؤديها في المنزل والتي تؤديها خارجه، ونشير انطلاقا مما توضحه الأمثال المعتمدة إلى أن مساهمة المرأة داخل العائلة اختلفت حسب المستوى الاجتماعي للمرأة والأسرة التي تنتمي إليها. وكذا بنية هذه الأخيرة، على الرغم مما قد يخيل إلينا من أن جل النساء من قبائل أيت عطا لن يقمن بنفس الأدوار.
وعلى العموم، فقد مارست المرأة مجموعة من الأدوار وشاركت في كثير من الأنشطة؛ ساهمت بها داخل الأسرة إلى درجة يمكن القول إنها العنصر الوحيد الذي تلقى عليه معظم الأعباء والذي يشارك في أكثر من نشاط، فالمهام المتعددة الموكولة إليها جعلها أول من يستفيق باكرا وآخر من ينام ليلا وفي ذلك نورد المثل:
ياغ أوزال ياغ ييض أيد إيشِّيبن تيوتمين // ما شيب النساء إلا: الوقت متأخر، والوقت مبكر
وهكذا كان على المرأة أن تقوم بالأعمال المنزلية من طبخ الطعام وإعداد الخبز وطحن الحبوب وغيرها بالسواعد والخروج للاحتطاب. كما تحملت مهمة جلب المياه إلى البيت وجلب البقر والماعز ومخض الحليب ووضع الزبدة والسمن والجبن، هذا طبعا إلى جانب دورها الأساسي المتمثل في تربية الأبناء ورعاية الأسرة.
والظاهر أن المرأة في قبائل آيت عطا قامت بأدوار أخرى إلى جانب مهامها المنزلية فرضها الواقع الاقتصادي المتدني والبسيط. فاحتلت بذلك موقعا مهما في عملية الإنتاج، حيث شاركت في النشاط الزراعي من خلال عملها جنبا إلى جنب مع الزوج والأولاد طيلة الموسم الفلاحي من حصاد للزروع الى جني للتمور وأيضا تولت مهمة رعي القطيع والاهتمام بإخراجه وإدخاله من وإلى الزريبة « تاستورت/تافرﮔانت) كما أسندت لها مهمة جمع الأعشاب لعلف الماشية. والواقع أن بعض النساء بفضل الوضع الاقتصادي لعائلاتهن استفدن من الأعمال المنوطة بهن من مساعدة الخدم وزوجات وبنات الخماس الذي يعمل في حقول الأسرة. وهذا ما بفصح وبكل وضوح المثل التالي:
تمطوت ن المسكين دا تيت تاغنت والن كيونيو، تاغتيت تاولي كالخريف // زوجة الفقير تمرض عينها زمن الحصاد وتصاب بالحمى زمن الخريف
ولعل ما يحمله هذا المثل من مغزى يبين بجلاء الوضعية الدونية والمنحطة للمرأة داخل الأسرة الفقيرة، وما تعانيه من جراء مشاركتها في النشاط الزراعي، مثلما يوضح بحكم العوامل الاقتصادية في وضعية المرأة داخل الأسرة العطاوي، وبالمثل اشتغلت بعض النساء بأعمال أخرى تاقت بها المساهمة في تغطية بعض حاجيات الأسرة من استعمالاتها اليومية ومن ذلك اشتغالها بغزل الصوف (ألوم ن- تاضوت) وونسج بعض الفراش والأغطية المطلوبة (بنشروض مثلا) عن طريق استغلال بقايا الملابس المهملة ونسجها للتغطية وتفريشها في الأوقات الباردة. كما أن بعض النساء كن يوفرن ما يحتاجه أزواجهن وكذا أبناؤهن من لباس (تاجلابيت –ن- تاضوت، أسلهام، أحندير…) فساهمت بذلك بطريقة غير مباشرة في اقتصاد الأسرة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى سيادة الرعي كنمط رئيسي لدى العديد من العائلات العطاوية إلى جانب الفلاحة طبعا.
واللافت للانتباه أنه إلى جانب ما عرضناه من أدوار والتي كانت من تخصص المرأة في مجتمع أيت عطا هناك، من النساء من استطاعت بحكمتها وما اكتسبته من دهاء أن تكون قبلة لأهل القبيلة قصد المشاورة، والاستفادة من رأيها السديد في الأمور المستعصية عليهم. شفيعنا في ذلك، هو تلك المرأة الحكيمة التي استشيرت في أمر عادة ما يكون من اختصاص رجال السياسة والحرب، ذلك أن لأفراد القبيلة طلبوا منها الحل بعدما أعلنت قبيلتان مجاورتان الحرب عليه فردت بكلام أصبح بعد ذلك يتردد على ألسنة الناس:
أدور توبود إيمزكان كيات لوقت، أوبو يان أرديجي تيبوت وايض// لا تثقب أذنيك في آن واحد، أثقب الأولى وبعد أن تشفى اثقب الثانية
نخلص مما سبق أن المرأة في قبائل آيت عطا قامت بأدوار مهمة داخل الأسرة فرضتها الظروف الاقتصادية والبيئية، وكذا الوضع المادي لجل العائلات، هذا إلى جانب العرف الذي يسمح لها بالتحرك بكل حرية ودون قيود عكس ما هو مفروض على نساء عناصر سكانية أخرى عاشت مع هذه القبائل في بيئة واحدة حيث تكون المرأة طول حياتها بعيدة عن أنظار العامة.
إن الأمثال الشعبية، باعتبارها شكلا من أشكال التعبير الشفاهي، تمثل جزءا لا يتجزأ من الثقافة الشعبية لدى قبائل أيت عطا، بل جسر عبور للغوص في أعماق الذاكرة والتراث العطاوي، فالأمثال التي أشرنا إليها ما هي إلا خلاصة إن لم نقل عصارة تجارب ومواقف حياتية تختزل لنا قصة شعبية أو وقائع حياتية تحمل إلينا حكمة، وأغلبها مازال شائعا بين أبناء قبائل أيت عطا حتى الآن، ليس فقط في كونه مثلا شعبيا، بل إرثا ثقافيا وهوية بأكملها، يستوجب الحفاظ عليها.
* طالب باحث بجامعة القاضي عياض-مراكش-.