نقوس المهدي
كاتب
مدخل
الأمثال الشعبية: تُعْتَبر من الأقوال السائرة المأثورة، قيلت في مناسبات معينة، وتُشبّه بها في حالات حادثة بالحالة السالفة(1)، ولها تأثير بليغ على النفس.
ويعد المثل الشعبي ذا حظ وافر في التراث العربي، فقد حظي بعناية خاصة من الأدباء وعلماء اللغة من بين الثقافات الأخرى المنتشرة في ذلك الوقت مثل: الحكايات الشعبية والأحجية، والأغاني الشعبية(2)، لما تتمتع به من بلاغة تظهر في إيجازة لفظها، وإصابة معناها، مع مزج بخبرات الحياة وتجاربها.
وعكف المختصون على التراث بجمعه وتدوينه، ومن ثم صيانته وحفظه من الضياع، وبالتالي محاولة نسبته إلى موطنه الأصلي، وقال أصحاب التراث: إنها تمثل خلاصة تجارب الشعوب، وإنها تسهل للباحث قراءة تاريخ وأسلوب حياة أفرادها وطرق تفكيرهم.
كذلك لا نغفل عن أن المثل يتصف بخصائص وسمات أساسية لابد من مراعاتها عند تقديم أي دراسة أو تحليل له، من ذلك أنه ليس وليد فترة أو بيئة واحدة، وإنما هو تراكم لفترات وبيئات عدة، كما أنه ليس صادراً عن طائفة واحدة من الناس وإنما هو تراث لكافة الطوائف والتوجهات، حتى لتصل فيه الآراء والأفكار في بعض الأحيان حدّ التعارض والتضاد.
وهذه الورقة محاولة لتقديم دراسة أوليه عن المرأة من خلال «المثل الشعبي الأحسائي».
ولعل القارئ الكريم يتساءل عن أسباب اختيار المرأة في هذه الورقة على وجه الخصوص؟
أشير للإجابة باختصار: المرأة تغطي أكثر أدوار الحياة الاجتماعية، فهي الأم والأخت، والزوجة والبنت، وزوجة الابن والحماة، والعمة والخالة وأدوار كثيرة يمكن تتسع إلى أدوار غير محببة منها المطلقة والعانس والعجوز، وهذا التنوع في الدور الاجتماعي يعطي المرأة حضوراً ومساحات ثقافية جيدة في عدة أدوار منها «المثل الشعبي» الذي نحن بصدد الحديث عنه، ويجعلها تحتل مساحة واسعة في مفردات “الأمثال” على مستوى العالم ككل وليس الأحساء فقط، وسيلاحظ هذا الادعاء من يجالس طبقات المجتمع بأنواعه كيف يلقى المثل الأنثوي بطريقة عفوية، وأيضاً من تصفح كتب الأمثال على مستوى الوطن العربي برمته سيجد مفردات كثيرة تختص بالمرأة، وأحياناً يؤنث المثل ولا يعني به المرأة على وجه الخصوص بل يطلق عاماً على كلا الجنسين مثل: «رزق الطرّارة على العمي»، وهو مثل يضرب في استبعاد الحصول على الشيء أو استحالته لعدم التكافؤ، ونلاحظ استخدام لفظ تأنيث (الطرّارة) وهي المتسولة ولا يقصد به الأنثى بذاتها.
وما يؤجج المشاعر أن هذه الأمثال لم تتعد مرحلة الجمع والتدوين، ولم تدرس أو تصنف أو حتى تنتقد، إلا النزر القليل منه؛ فنجد أمثالاً مضطربة بين الأنصاف والتهكم، أو قل إن شئت التقدير والاحتقار، وهنا محاولة للتصنيف والإشارة إلى المثل بما يتعلق بالمرأة، وما يثير تساءل إحساس الوجدان عن قيمتها ودورها المناط بها، وهل نالت جزاءها من خلال عطائها، هذا ما سأحاول أن أسلط الضوء عليه في السطور التالية.
ولقد اعتمدت كتاب (الأمثال الشعبية في الأحساء) للدكتور «فهد حمد أحمد المغلوث»، الطبعة الثانية 1419هـ، وكتاب (المرأة مدخل من خلال الأمثال في الأحساء) للأستاذ المهندس «عبد الله بن عبد المحسن الشايب»، وهو كتاب تحت الطبع، كمرجع أساسي لهذه الورقة، رغم ما يشوب الكتابين بعض الملاحظات التي يجب الانتباه لها، منها تغافلهما عن ذكر أمثال نسائية بدوية، ولم يحددا هوية المثل لاتساع رقعة أرض الأحساء، وتنوع المناطق السكنية؛ ولكنهما إجمالا يعكسان التوجهات العامة للأمثال الشعبية في الأحساء، فمنبع الثقافة الشعبية في المحيط الأحسائي واحد، والأمثال تختلف في ألفاظها ولكنها تلتقي في مضمونها في جميع المناطق, وبكل بساطة المجتمع الأحسائي أكان مدنياً أو قروياً متداخل على بعضه البعض، وبينهم قواسم مشتركة كثيرة، وقد دَرَجَ الناس في الأحساء وخاصة في المجتمع الريفي على استخدام هذه الأمثال.
المثل على لسان المرأة
سجلت المرأة الأحسائية حضوراً في أنتاج المثل الشعبي، عندما صاغت عباراته نتيجة تجربة مرت بها، بالإضافة إلى تملكها رصيداً قوياً من المخزون اللغوي، وتمتعها بأخلاق إسلامية، وعادات وقيم، فتوارثتها الأجيال، وردده النساء والرجال، الكبار والأطفال، وهاك نماذج من الأمثال وردت على لسان المرأة:
- «أَبَاتْ جَايْعةْ و لاَ أَبَاتْ ضَايْعةْ».
- «أَدِقْ شَْحيَمتِي عَلى رُكْبِتُي ولا حَاجِتِي لِجْويْرتِي».
- «أطِرْ وَأسِيبْ وَلا اقْعِد تَحتْ النِّسيبْ».
- «الأمْ تِعْرف لُغَة ولدْهَا».
- «الْمرةْ ما هِي أكل تلفظهْ وقْت اللي تَبيِّ».
- «أَنا في ديرْة وأمْيَ في دِيَرةْ , لاَمِتْ راَسيَ مِنْ يِدِيرَهْ».
- «كِلْ البَنَات تِحنَّوا وحطَّوا طَرقيْن، وأَنَا طَرِقْ وَاحْدِ ولا صُِبغْ في الِيدِينْ».
يمكن أن نستخلص من الأمثال السابقة ما يلي:
- أن الأمثال المذكورة مبنية على أساس قصة واقعية أو حادثة عرفت عبر الأزمان وتناقلوها فيما بينهم ثم عرفت كمثل.
- يصاغ المثل بشكل عفوي ودون ترتيب مسبق، وتركيبه على لسان امرأة تعيش في وسط بيئي يستخدم اللهجة العامية جعل الأمثال غالباً ما تكون باللهجة المحلية فاستخدمت كلمات أحسائية مثل: شحيمتي. أطر. النسيب. تلفظه. تبي. طرقين.
- يسهل على الباحث الوقوف على سلوك المجتمع الأحسائي قديماً من خلال المثل لأنه ناتج صراع مع الحدث الذي تأثر به الملقي، وبالتالي أثر في سلوكه قبل أن يصاغ بهذا الشكل فلا يخلو من المعنى والغاية.
- أن الأمثال المذكورة قيلت داخل حدود معينة، هي الشرف والعرض، وعزة النفس والعفاف من الناس، وندب الحظ وتربية الطفل. وهذا طبيعي ومستحسن في ذاك الزمن أن تضرب الأمثال تحت العناوين والأطر السابقة.
أخلاق المرأة
إن أسمى مقومات الحياة الاجتماعية في الأوساط الإسلامية تتجسد في حفاظ الأنثى على شرفها وعفتها، وهو بمثابة حفاظ على سمعه وسلوك وخلق الأسرة المنتمية لها.
ويعتقد أن ما يمنح الأسرة السعادة والقيمة الحقيقية في المجتمع هو السمعة الطيبة لا الثراء المادي، وهذا ما يجعل المنزل محاطاً برقابة طوال اليوم مع تعاليم للقيم الإسلامية والمحافظة على عادات وتقاليد البيئة المحلية، وسجلت العائلة الأحسائية نجاحاً في تربية الفتيات التربية الإسلامية المستمدة من القرآن، والأحاديث النبوية، وما سجله التاريخ من بعض المشاهد المشرفة في تربية الفتاة.
وضربت أمثال كثيرة للأنثى منها في تشجيعها على تطبيق بعض العادات والتقاليد، وأخرى في مدحها على حُسن خلقها، وحفاظها على شرفها وعفتها، منها:
- «إِلْبَيِتْ صُندوقْ مْقفلْ».
- «لِبْيوتْ أَسْراَرْ».
- «اْلحُرَّة مَا تَأْكُلْ مِن كِّد فَرِْجْهَاْ».
- «المرَْة الشَّاطرةْ تَِرفدْ لِزْوَجْهَا».
- «أَطْهَر من حمَام اْلحَرمْ».
- «أَبَاتْ جَايْعةْ ولاَ أَبَاتْ ضَايْعةْ».
- «المْرةْ وردةِ تِنْشمْ».
- «زِينَةْ الْمرَةْ نَسِلهَا وَزِيَنْة الْنَخْلةْ حِمِلهَا».
- «لبِنةِ عَلىَ لِبنَة نِْبني البْيتْ يا بنْيَّةْ».
- «كِلٍ ضَنَاه مَثِيلَه وَالرِِّيمْ يَرّثْ غِزلاَنْ».
- «لاَ بَغيِتْ ولاَ خَطَيتْ ولا عَلى جَارِي تِعدَيِتْ وَلا اتَّهمْت بَنيّةْ الْبِيْتْ».
- «مِنْ حُسنْ حَظْ الْمرْء الدَار الوسيِعْة وَاْلمَرةْ المُطِيعْة والدابةْ السريعةْ».
- «عَز الِبنِتْ [من] عَز أهَلهَا».
بالنظر إلى الأمثال السابقة نستنتج التالي:
- يعتبر سلوك المرأة ميزاناً حساساً في المجتمع الأحسائي، وتقيّم بعض البيوت من منظور خلق الأم وبناتها وقيمهم.
- جرت عادات وتقاليد محليه، حرصت المرأة ذاتياً الحفاظ عليها، منها: عدم رفع صوتها عند الرجل الغريب، أو خروجها من المنزل من غير حاجه، واعتادت على هذه التقاليد حتى ضرب بها المثل وشبهت بحمامة الحرم لكثرة تعايش وتوالد الحمام في الحرم المكي.
- في المدح للأنثى؛ طلب تطبيق عادات وأدآب تتسم بصورة المغالاة والكلفة بالخروج إلى أكثر من الإطار المألوف في المحافظة على العفاف.
- بعض هذه الأمثال كانت تلقن بها الفتاة وهي صغيرة لحفظها وترديدها كدرس وتحذير من الوقوع في الرذيله وتشجيعها على الفضيلة.
الزواج من الأقارب
من العادات الموروثة لدى الأحسائيين هو التزويج من داخل الأسرة، وكانت ظاهرة شبه قانونية اجتماعية يصعب على الناس الخروج عنها، لأن بنات العم كما يعبرون عنهن: «أصبر على نبوة الخلق، وريب الزمان، وكان بنو عبس يؤثرونهن، وقد سئلوا: أي النساء وجدتم أصبر؟ فقالوا: بنات العم»(3).
ولا يزال هذا الموروث له مساس بعصرنا الحالي وخصوصاً إذا تقدم شاب من خارج العائلة لخطبة فتاة، يطلب والدها من المتقدم أن يعطيه وقتاً كافياً حتى يجيبه، فيخبر والد الفتاة أخوانه بخبر خطوبة كريمته، وإن كان يرغب أحدهم بخطبة البنت لأحد أبنائهم، وعلى ضوء هذه المشورة يتم إجابة الولد المتقدم لخطبة البنت من عدمه.
وإلى الآن في الأحساء عرف اجتماعي وهو أن يُطلق على الزوجة بنت العم وإن كانت من خارج العائلة، وفي المثل قالوا:
- «خصفَه ولد العم ولا زُوليَّة الناس<(4).
- «عليك ببنت العم ولو بارت والدروب ولو طالت».
- «إخْذْ بِنتْ عَمكَّ تِعرفْ رَطِنْها وتِعُرف رَطْنكْ».
- «حَلاوةْ الثَّوبْ رِقْعتَه مِنه وفيهْ».
- «دِهْنكُم فىِ هَرِيسْتكُمْ».
- «وَلدْ عَمْهَا أَولى مِنْ الَغَريِب».
من الأمثال السابقة نرصد ظاهرة اجتماعية كانت ولا زال لها أثر في المجتمع الأحسائي وهو التزويج من الأقارب على النحو التالي:
- تتميز الأسر في الأحساء بتمسكها وترابطها الأسري القوي الذي حث عليه الدين الإسلامي.
- الزواج من الأقارب قول وتقرير النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد تزوج من ابنة عمته زينب بنت جحش، وزوج ابنته فاطمة الزهراء F بابن عمه الإمام علي (عليه السلام)، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما نظر إلى أولاد الإمام علي وجعفر: «بناتنا لبنينا، وبنونا لبناتنا»(5)، وهذا لا يعني عدم وجود تصاهر وتقارب من خارج الأسر كما قال الصادق A: «من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته كائناً من كان فزوّجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»(6).
- يحتمل وجود اعتبارات اجتماعية خاصة لم تعرف كاملة بعد، رجحت الزواج من الأقارب على الأباعد.
- كان أفراد الأسرة الواحدة قديماً يسكنون بيتاً واحداً، فتكثر الأطفال في المنزل، ويلعبون ويلهون في ساحة الدار، وينامون تحت سقف واحد، فيلتصق أبناء العمومه بعضهم ببعض، ويعرف كل واحد منهم الآخر، وهذا ما يعطي الأمثال الماضية نفس التجانس في المعنى المطروح لها.
الأصل والنسب
بعض الأمثال لها رابط وثيق بالمجتمع، وله مضامين جذرية في تأسيس الأسرة، مثل عامل الوراثة ودورة في تحديد واختيار الزوجة، وسجل المثل بُعداً كبيراً في اختيار الزوجة، بالنظر إلى أصل وفصل وطبيعة أسرة الزوجة التي سيتزوجها من ناحية الأم، كما ينظر لها أساساً وأولاً من جهةٍ الأب، ولعل هذا ما يدفعهم للتزويج من نفس العائلة خوفاً من هذا الموضوع، وتمسكاً بتعاليم الدين الإسلامي كما روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «تخيروا لنطفكم فإن العرق نزاع». وسأرصد بعض الأمثال التي قيلت بهذا الخصوص:
- «الوريقة من الشجيرة».
- «البنت من حضن أمها».
- «اعرفْ أمها قَبلْ ما تضمْها».
- «أجفي(7) البريمة على بريمتها، تظهر البنيَّة على أمِيمَتْها».
من الأمثال السابقة نستنتج الآتي:
- الأحساء أرض زراعية وأهلها فلاحون بالفطرة ومن الطبيعي أن نجد أثر الزراعة على ثقافة المنطقة فشبه النسل بخروج الورقة من الشجرة.
- لصوق الأحسائي بالبيئة لدرجة أن الكثير من الأمثال تحاكي المحيط الذي يعيش فيه فنجد الكلمات التالية: الورقة، الشجرة، أجفي، البريمة، البنية.
- الرجل الأحسائي لا ينظر إلى الزواج من الفتاة فقط بل إلى مصاهرة أهلها، والمرأة بنت بيئتها، وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إياكم وخضراء الدمن، قالوا وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: حسنة المظهر سيئة المنبت»(8).
والشاعر قديماً قال لأولاده ممتناً عليهم:
وأول إحساني إليكم تخيري
لماجدة الأعراق باد عفافها
- دور الأم في تربية وسلوك أولادها سيطفح على السطح في الوقت الذي انشغل الأب فيه عن أبنائه بداعي ظرف العمل، فتدرك الأم قضايا الأولاد أكثر مما يدركه الأب.
علاقة الرجل بالمرأة
علاقة الرجل بالمرأة في المثل الأحسائي تتسم بالتوجس، وهي صورة الرجل الشرقي على وجه العموم، ففي الوقت الذي يثني عليها ويعتبرها النصف الثاني له في مسيرة حياته كما في الأمثال التالية:
- «المرةْ زينة الدار».
- «المرةْ عمارْ البيتْ».
نستشعر من المثلين السابقين روح القوى ودعائم الأسرة بوجود المرأة في البيت، للمحور الذي تمثله في وجودها بالنسبة للزوج أو للأطفال.
وفي مثال آخر يتغزل الرجل الأحسائي بالأنثى الرقيقة، ويعتبرها مصدر دفئ وحنان عليه، فقال:
- «أحِبكُم وأحِب رِيحْتكُم، وأحِبْ الهوا الْجَايْ من صوبْكُمْ».
- «أَحَبّك وانْتَ رْويِحتيْ».
والرجل المتدين إسلامياً ينتقي الزوج المناسب لأبنته من بين من يتقدم لها فقالوا: «إِخطِبْ لِْبنتِكْ ولا تِخطِبْ لِولدكْ».
وعاتب المجتمع على الرجل في حال إخفاقه في بعض الأمور الحياتية إن لم يأخذ برأي زوجته فقالوا: «إذا غَابَتْ الفِطْنةْ ما تَِغيبْ لِمفَطنةْ».
إحساس القرب من الزوجة، وفن التعامل مع البنت، ومشورتها في صعاب الأمور سرعان ما يتلون، ويأخذ طابع الامتهان والتحقير، وكأن المرأة ليست بزوجة ولها حقوق مثل الرجل، وهذه طائفة من الأمثال:
- «الْبنتْ بيتْ أًهَلْهَا أميرةْ وبَيتْ رَجِلْهَا أَسيرةْ».
- «الخْيلْ بخيَّالهْاَ وَالمْرةَ بْرَجّالهَا».
- «الزَّعْلانَة تْروحْ على فْرسَةْ وِتْرجعْ على ذًّبانةْ».
- «الكِحَل في العْينْ الرَّمْدةْ خَسَارةْ».
والرجل الأحسائي لا يرى وجوداً أو قيمة للمرأة بدون زوج مهما كانت الظروف تحيط بها فهاهو يقول: «اللي ما عَْندهَا شُهَلْ لَعيُون تَِصْبِر علّى الذِّلاتْ والهوْنْ».
ويزداد الأمر سوءاً في إذا ما وضعت المرأة الحامل لزوجها فتاة، والرجل ينتظر الولد كما أخبر بذلك القرآن الكريم: ﴿وَإذَا بُشَّرِ أَحَدُكُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوارَى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشَّر بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هَوْنٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾(9)، وبين المثل صورة الرجل في كيفية استقباله للولد، وعن تذمره وشجبه من مقدم البنت، وهو يقول: «يوم بشَّروني بغلام، اشتد حيلي وقام، وقلت: قوموا يا نسوان ركبَّوا الصفرية(10)، ويوم قالوا: لي بنيَّة، أظلمت داري عليَّه، وقلت: قوموا يا نسوان كبَّوا الصفرية».
وتحظى أم الولد باحترام وتقدير ومكانة عالية، أما أم البنات فلا مكانة لها تذكر، وهذه الصورة السوداوية والمعاملة السيئة سجلت في المثل على النحو التالي: “أمْ البنات كرسيها من خشب، وأم الأولاد كرسيها من ذهب”.
كيدهن العظيم
ولا يمكن في الوقت نفسه أن نغفل عن ذكر كيد المرأة العظيم، ووجود عدد لا بأس منهن في كل زمان ومجتمع، سخر بعضهن الخيانة والخداع، والمكر والقدر في المجتمع الأحسائي، للحصول على بعض مآربهن (وإن كانت شرعية) بطرق مفجعه وغير مقبولة، فبرزت على الساحة الاجتماعية عدة صور غير جيدة، والسبب استخدام المرأة حيلها ودهاءها في هذه الأمور، منها على سبيل المثال: الحماة أم الزوجة، كانت عقبة شائكة في سعادة ابنتها مع زوجها، وزواج فتاة من زوج صديقتها.
وهذه بعض الأمثلة التي سجلت بهذا الشأن:
- «الحَمَاة عَقْربْ».
- «خَاوِيني وخَاويشْ وأخِذ ْرَجلِش وخَليَّش».
- «إِكْسر لِلبْنتْ ِضَّلِعْ يِطلعْ لِهَا أرّبعة وَعِْشرْينْ ضَِِلع».
- «الليّ مَا يدريْ يقُولْ حِلبة و اللّي يِدْريِ ْمتبحّل بَهْ».
- «تِمشيْ و تضْرِبْ بِرجُولَهاَ».
من الأمثال المتقدمة نسجل بعض النقاط:
- ارتباط الكيد بالنساء ليس من الأمور المحدثة في أي مجتمع بل هو أمر قديم وقد صرح القرآن الكريم بذلك في قصة نبي الله يوسف، وقد قيل إن كيدهن أعظم من كيد الشيطان استدلالاً بالآية الكريمة: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً﴾(11) والآية: ﴿فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾(12). والكيد كما في لسان العرب: الـخُبثُ والـمَكْرُ؛ كاده يَكِيده كَيْداً و مَكِيدَةً، وكذلك الـمكايَدةُ. وكلُّ شيء تعالـجُه، فأَنت تكِيدُه(13).
- أم الزوج/ أم الزوجة هي الحماة، ويقصد به في الأمثال أم الزوجة، لأنها كثير ما تتدخل في الحياة الداخلية في بيت ابنتها الزوجية، مما يسبب ازعاجاً بالنسبه للزوج، وهذا ما يؤدي لتعكر صفو الحياة الزوجية، وفقدان الوئام بين الزوجين، بداعي فقد أهم شرط في بناء الأسرة وهو الخصوصية، الذي انتهكته الحماة.
- رويت قصص كثيرة، عجيبة غريبة في كيدهن، منها أن بعض البنات سابقاً تسعى كيداً ومكراً بأغراء زوج صديقتها ومن ثم الظفر به والزواج منه.
المرأة والفحش
يبدو أن المثل في الأحساء وفي دول العالم ككل لم يترك شاردة ولا واردة إلا وتناولها سلباً وإيجاباً، فلم تغب المرأة الأحسائية عن المثل الفاحش، وقد سجل «المهندس الشايب» عدداً لا بأس به منها في كتابه -علماً أني حاولت أن أتحاشاها فيما مضى من سطور-، إلا أنه لا يمكن أن يحضر إلى حد المنع عن التطرق له، -شئنا أم أبينا، وسواء رضا البعض أو سخط– وهذا النوع من المثل موجود ومتداول في مجتمعنا بشكل شبه معتاد، وقد عهدنا آباءنا يتحدثون بأشكال وأنواع الأمثال ولا يتورعون، وأوجه عناية القارئ الكريم إلى أن عرض بعض الأمثال الفاحشة هنا ليس للتسلية، وإنما أشعار الباحث المهتم بموضوع التراث، والقارئ المطلع على عدم التغافل عن وجود مثل هذا اللون من الأمثال، وأيضاً أتساءل عن هوية شخص صاحب المثل من هذا النوع، وأوضح أن المثل يصدر من الإنسان العادي والذي كلامه يعكس تفكيره الواقعي، والإنسان السليقي الذي يتكلم وفق فطرته وعفويته التي تحمل في طياتها الكثير من الرواسب الفكرية والتي قد تكون خاطئة ومبنية على عادات وتقاليد قائمة على النظرة الخاطئة.
فالمثل نتج من أثر تراكم اجتماعي على الإنسان، ومن الراجح أن المثل لو أجريت عليه دراسات وخصوصاً هذا اللون سيأخذ مناحي أخرى في المجتمع مستقبلا. وإليك شطراً منها:
- «الْحظْ مُو مِنْ حَظِي وَلا حَظ أخْتيِ، الحَظْ حَظْ الشَّلقْة والبَلقْة».
- «اْلحَّرة مَا تَأْكُلْ مِن كِّد فَرِْجْهَا».
- «إِن كان المَاء يْروبْ القحبة تتوبْ».
- «[البنت] تنسَى خَالِقهَا ولا تنِسَى فَاِتْقهَا».
- «كِلِّ ساقطَةْ [و]لْها لاْقطَْ».
- «لاَ تَزِني وَلاَ تَتَصَدّقِي».
- «بنت الخايضة تخوض».
- «شَابَتْْ ولاَ تابَتْ».
- «عَاْيَشةْ ولايَّشة وشَين الصَّفَات حَايْشَةْ».
ويمكن أن نسجل بعض الملاحظات عن هذا اللون من خلال الأمثال السابقة:
- يعكس المثل انطباع فكر الشخص عن القضية التي يفكر فيها ويعيشها حسب الظروف التي تحيطه وهذا ما عكسه المثل الأول.
- أن هذا اللون حدوده على الأنثى البذيئة فقط، فقد نشأ نتيجة قصة أو عرف ساد المنطقة ككل وصيغ في المجتمع الأحسائي بهذه الألفاظ.
- لم يشخص ويبرز الجسد الأنثوي، ولم يعكس نظرة الرجل الشهوانية للفتاة، وإنما استخدمت ألفاظ قبيحة وغير مأنوسة في مجتمع محافظ، يسعى إلى تطوير نفسه إيجابياً فلذا كانت ولازالت طبقة من المجتمع تتعفف من قول هذا النوع من الأمثال على لسانها بل ويعاب على من يقوله.
- هذا اللون من الأمثال يعطي قراءة وانطباعاً مجملاً عن أن المجتمع الأحسائي يرفض ظاهرة الزنا والفحش مهما كانت مبرراته.
نتائج البحث
يمكن أن نلخص نتائج البحث على قسمين:
القسم الأول: ما له علاقة بالمثل، ونستعرضه على النحو التالي:
- للمرأة الأحسائية مساحة لا بأس بها في الأمثال الشعبية، وسجلت مجموعة من الأمثال على لسانها، واستخدمت في عباراتها ألفاظ أحسائية محلية كثيرة.
- تمتاز الأمثال الشعبية الأحسائية بسهولة حفظها وتناقلها على الألسن مع امتياز بالبلاغة، وهو إيجاز اللفظ وتركيزه بالمعنى ودقته وببعد مغزاه، فالمثل يحوي معاني كثيرة في ألفاظ قليلة، مثل: (الحُبْ يِطْلَعْ علىَ بِذْرهْ)، وهو يوضح فهم المنطقة لمعنى الوراثة.
- من المعروف أن المثل يمتاز بالجرس الموسيقي من حيث السجع أو الفاصل، أو من اختيارها للأحرف المتجانسة ضمن الكلمات، والكلمات ضمن الجمل، ومن الأمثال السابقة نلاحظ فقدان بعض الأمثال للسجع وعدم اختيار أحرف متجانسة ضمن الكلمات إلا نادراً وهذا ما يضعف الصوت الموسيقي للمثل الأحسائي.
- والمثل الشعبي معبّر عن ثقافة المجتمع الأحسائي، وسط مدن وقرى متعددة وذات بيئات مختلفة، إلا أنه لا يسبب خللاً في المفهوم ولا يشكل خلافاً في بناء المثل الشعبي بسبب ترابط المجتمع بعضه مع بعض.
- تختلف الحكمة عن المثل بأنها كلمة ناتجة عن دراية وذات مضمون عميق، ونابعة من فلسفة ورؤية لدى الشخص أدت إلى اطلاق هذه الحكمة، ويقال أنها فراسة كما قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «اتقوا فراسة المؤمن فأنه ينظر بعين الله»، وهذا ما يجعل المثل مطليًّا بصبغة وفكر المجتمع وأنه قابل للصواب والخطأ، فهذا المثال: «الْبنتْ بيتْ أًهَلْهَا أميرةْ، وبَيتْ رَجِلْهَا أَسيرةْ» يعطي صورة ذل وانكسار للأنثى في بيت زوجها، ويعكس صورة وحشية عن الرجل، ولو قال هذا المثل حكيم حسب التعريف السابق لكان يقول: «الْبنتْ بيتْ أًهَلْهَا أميرةْ، وبَيتْ رَجِلْهَا وزيره».
القسم الثاني: ما يتعلق بالمرأة الأحسائية، ويمكن أن نلخصه على النحو التالي:
- لا يمكن أن نقطع بأن المثل ينبغي أن يُظهر الناس أو المجتمعات الأخرى بمظهر منطقي ومثالي للدارسين والباحثين، وإنما هو تراث متراكم فيه صور الحياة بكل معانيها من متناقضات.
- تلقت المرأة في الأحساء ثقافتها من مصادر عديدة منها المثل الذي يشكل نكهة في الحياة الاجتماعية لعفويته، فهو يتكرر على ألسن عامة الناس دون استثناء، بل وتجد من يستشهد بالمثل تطعيماً وتدعيماً لصحة كلامه، فصار المثل لغة تداول في الحياة اليومية ومصدر ثقافة، والمرأة جزء من المجتمع، فلها نصيبها من هذه الثقافة.
- لا يمكن أن نصدر حكماً على الرجل الأحسائي بأنه ظلم أو أنصف المرأة من خلال المثل، لأنه لم يخرج على لسان رجل فيلسوف حكيم، وإنما نشأ من جميع طبقات المجتمع أثر تراكم اجتماعي، فالأحساء ذات تركيبة اجتماعية مختلفة بها طبقات وفئات متفاوتة، ومن هنا نجد بعض الأمثال تعبر عن البيئة التي يعيشها القائل.
(1) قال الفارابي: “هو ما ترضاه العامة والخاصة في لفظه ومعناه حتى ابتذلوه فيما بينهم وقنعوا به في السراء والضراء، ووصلوا به إلى المطالب القصية، وهو أبلغ الحكمة، لأن الناس لا يجتمعون على ناقص أو القصر في الجودة”. (عالم الأمثال الشعبية /مدخل ونماذج مختارة/، عبد الرحمن شلش:8).
(2) (أن شعبية المثل مكنته من احتلال موقع جليل في نفس قائله وسامعه، وجعلت له مكان الصدارة، من حيث الأهمية والتأثير بين سائر فنون القول الشعبية) الأمثال الشعبية المتعلقة بالطب والصحة في بلاد الشام، الدكتور عبد الناصر كعدان: مقدمة ورقة ملخص البحث.
(3) العيثان: أحمد، زواج الأقارب والأباعد، الطبعة الأولى 1426هـ - 2005م.
(4) خصفة: نوع من الحُصُر المصنوعة من سعف النخل. زولية: سجادة تستخدم للجلوس.
(5) الطبرسي، رضي الدين أبو نصر الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق:204.
(6) نفس المصدر السابق.
(7) حرف (ج) ينطق (Ch).
(8) الطبرسي: رضي الدين أبو نصر الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق:203.
(9) سورة النحل، الآية: 58.
(10) الصفرية: قدر الوليمة.
(11) سورة النساء:76.
(12) سورة يوسف:28.
(13) لسان العرب:3/383.
الأمثال الشعبية: تُعْتَبر من الأقوال السائرة المأثورة، قيلت في مناسبات معينة، وتُشبّه بها في حالات حادثة بالحالة السالفة(1)، ولها تأثير بليغ على النفس.
ويعد المثل الشعبي ذا حظ وافر في التراث العربي، فقد حظي بعناية خاصة من الأدباء وعلماء اللغة من بين الثقافات الأخرى المنتشرة في ذلك الوقت مثل: الحكايات الشعبية والأحجية، والأغاني الشعبية(2)، لما تتمتع به من بلاغة تظهر في إيجازة لفظها، وإصابة معناها، مع مزج بخبرات الحياة وتجاربها.
وعكف المختصون على التراث بجمعه وتدوينه، ومن ثم صيانته وحفظه من الضياع، وبالتالي محاولة نسبته إلى موطنه الأصلي، وقال أصحاب التراث: إنها تمثل خلاصة تجارب الشعوب، وإنها تسهل للباحث قراءة تاريخ وأسلوب حياة أفرادها وطرق تفكيرهم.
كذلك لا نغفل عن أن المثل يتصف بخصائص وسمات أساسية لابد من مراعاتها عند تقديم أي دراسة أو تحليل له، من ذلك أنه ليس وليد فترة أو بيئة واحدة، وإنما هو تراكم لفترات وبيئات عدة، كما أنه ليس صادراً عن طائفة واحدة من الناس وإنما هو تراث لكافة الطوائف والتوجهات، حتى لتصل فيه الآراء والأفكار في بعض الأحيان حدّ التعارض والتضاد.
وهذه الورقة محاولة لتقديم دراسة أوليه عن المرأة من خلال «المثل الشعبي الأحسائي».
ولعل القارئ الكريم يتساءل عن أسباب اختيار المرأة في هذه الورقة على وجه الخصوص؟
أشير للإجابة باختصار: المرأة تغطي أكثر أدوار الحياة الاجتماعية، فهي الأم والأخت، والزوجة والبنت، وزوجة الابن والحماة، والعمة والخالة وأدوار كثيرة يمكن تتسع إلى أدوار غير محببة منها المطلقة والعانس والعجوز، وهذا التنوع في الدور الاجتماعي يعطي المرأة حضوراً ومساحات ثقافية جيدة في عدة أدوار منها «المثل الشعبي» الذي نحن بصدد الحديث عنه، ويجعلها تحتل مساحة واسعة في مفردات “الأمثال” على مستوى العالم ككل وليس الأحساء فقط، وسيلاحظ هذا الادعاء من يجالس طبقات المجتمع بأنواعه كيف يلقى المثل الأنثوي بطريقة عفوية، وأيضاً من تصفح كتب الأمثال على مستوى الوطن العربي برمته سيجد مفردات كثيرة تختص بالمرأة، وأحياناً يؤنث المثل ولا يعني به المرأة على وجه الخصوص بل يطلق عاماً على كلا الجنسين مثل: «رزق الطرّارة على العمي»، وهو مثل يضرب في استبعاد الحصول على الشيء أو استحالته لعدم التكافؤ، ونلاحظ استخدام لفظ تأنيث (الطرّارة) وهي المتسولة ولا يقصد به الأنثى بذاتها.
وما يؤجج المشاعر أن هذه الأمثال لم تتعد مرحلة الجمع والتدوين، ولم تدرس أو تصنف أو حتى تنتقد، إلا النزر القليل منه؛ فنجد أمثالاً مضطربة بين الأنصاف والتهكم، أو قل إن شئت التقدير والاحتقار، وهنا محاولة للتصنيف والإشارة إلى المثل بما يتعلق بالمرأة، وما يثير تساءل إحساس الوجدان عن قيمتها ودورها المناط بها، وهل نالت جزاءها من خلال عطائها، هذا ما سأحاول أن أسلط الضوء عليه في السطور التالية.
ولقد اعتمدت كتاب (الأمثال الشعبية في الأحساء) للدكتور «فهد حمد أحمد المغلوث»، الطبعة الثانية 1419هـ، وكتاب (المرأة مدخل من خلال الأمثال في الأحساء) للأستاذ المهندس «عبد الله بن عبد المحسن الشايب»، وهو كتاب تحت الطبع، كمرجع أساسي لهذه الورقة، رغم ما يشوب الكتابين بعض الملاحظات التي يجب الانتباه لها، منها تغافلهما عن ذكر أمثال نسائية بدوية، ولم يحددا هوية المثل لاتساع رقعة أرض الأحساء، وتنوع المناطق السكنية؛ ولكنهما إجمالا يعكسان التوجهات العامة للأمثال الشعبية في الأحساء، فمنبع الثقافة الشعبية في المحيط الأحسائي واحد، والأمثال تختلف في ألفاظها ولكنها تلتقي في مضمونها في جميع المناطق, وبكل بساطة المجتمع الأحسائي أكان مدنياً أو قروياً متداخل على بعضه البعض، وبينهم قواسم مشتركة كثيرة، وقد دَرَجَ الناس في الأحساء وخاصة في المجتمع الريفي على استخدام هذه الأمثال.
المثل على لسان المرأة
سجلت المرأة الأحسائية حضوراً في أنتاج المثل الشعبي، عندما صاغت عباراته نتيجة تجربة مرت بها، بالإضافة إلى تملكها رصيداً قوياً من المخزون اللغوي، وتمتعها بأخلاق إسلامية، وعادات وقيم، فتوارثتها الأجيال، وردده النساء والرجال، الكبار والأطفال، وهاك نماذج من الأمثال وردت على لسان المرأة:
- «أَبَاتْ جَايْعةْ و لاَ أَبَاتْ ضَايْعةْ».
- «أَدِقْ شَْحيَمتِي عَلى رُكْبِتُي ولا حَاجِتِي لِجْويْرتِي».
- «أطِرْ وَأسِيبْ وَلا اقْعِد تَحتْ النِّسيبْ».
- «الأمْ تِعْرف لُغَة ولدْهَا».
- «الْمرةْ ما هِي أكل تلفظهْ وقْت اللي تَبيِّ».
- «أَنا في ديرْة وأمْيَ في دِيَرةْ , لاَمِتْ راَسيَ مِنْ يِدِيرَهْ».
- «كِلْ البَنَات تِحنَّوا وحطَّوا طَرقيْن، وأَنَا طَرِقْ وَاحْدِ ولا صُِبغْ في الِيدِينْ».
يمكن أن نستخلص من الأمثال السابقة ما يلي:
- أن الأمثال المذكورة مبنية على أساس قصة واقعية أو حادثة عرفت عبر الأزمان وتناقلوها فيما بينهم ثم عرفت كمثل.
- يصاغ المثل بشكل عفوي ودون ترتيب مسبق، وتركيبه على لسان امرأة تعيش في وسط بيئي يستخدم اللهجة العامية جعل الأمثال غالباً ما تكون باللهجة المحلية فاستخدمت كلمات أحسائية مثل: شحيمتي. أطر. النسيب. تلفظه. تبي. طرقين.
- يسهل على الباحث الوقوف على سلوك المجتمع الأحسائي قديماً من خلال المثل لأنه ناتج صراع مع الحدث الذي تأثر به الملقي، وبالتالي أثر في سلوكه قبل أن يصاغ بهذا الشكل فلا يخلو من المعنى والغاية.
- أن الأمثال المذكورة قيلت داخل حدود معينة، هي الشرف والعرض، وعزة النفس والعفاف من الناس، وندب الحظ وتربية الطفل. وهذا طبيعي ومستحسن في ذاك الزمن أن تضرب الأمثال تحت العناوين والأطر السابقة.
أخلاق المرأة
إن أسمى مقومات الحياة الاجتماعية في الأوساط الإسلامية تتجسد في حفاظ الأنثى على شرفها وعفتها، وهو بمثابة حفاظ على سمعه وسلوك وخلق الأسرة المنتمية لها.
ويعتقد أن ما يمنح الأسرة السعادة والقيمة الحقيقية في المجتمع هو السمعة الطيبة لا الثراء المادي، وهذا ما يجعل المنزل محاطاً برقابة طوال اليوم مع تعاليم للقيم الإسلامية والمحافظة على عادات وتقاليد البيئة المحلية، وسجلت العائلة الأحسائية نجاحاً في تربية الفتيات التربية الإسلامية المستمدة من القرآن، والأحاديث النبوية، وما سجله التاريخ من بعض المشاهد المشرفة في تربية الفتاة.
وضربت أمثال كثيرة للأنثى منها في تشجيعها على تطبيق بعض العادات والتقاليد، وأخرى في مدحها على حُسن خلقها، وحفاظها على شرفها وعفتها، منها:
- «إِلْبَيِتْ صُندوقْ مْقفلْ».
- «لِبْيوتْ أَسْراَرْ».
- «اْلحُرَّة مَا تَأْكُلْ مِن كِّد فَرِْجْهَاْ».
- «المرَْة الشَّاطرةْ تَِرفدْ لِزْوَجْهَا».
- «أَطْهَر من حمَام اْلحَرمْ».
- «أَبَاتْ جَايْعةْ ولاَ أَبَاتْ ضَايْعةْ».
- «المْرةْ وردةِ تِنْشمْ».
- «زِينَةْ الْمرَةْ نَسِلهَا وَزِيَنْة الْنَخْلةْ حِمِلهَا».
- «لبِنةِ عَلىَ لِبنَة نِْبني البْيتْ يا بنْيَّةْ».
- «كِلٍ ضَنَاه مَثِيلَه وَالرِِّيمْ يَرّثْ غِزلاَنْ».
- «لاَ بَغيِتْ ولاَ خَطَيتْ ولا عَلى جَارِي تِعدَيِتْ وَلا اتَّهمْت بَنيّةْ الْبِيْتْ».
- «مِنْ حُسنْ حَظْ الْمرْء الدَار الوسيِعْة وَاْلمَرةْ المُطِيعْة والدابةْ السريعةْ».
- «عَز الِبنِتْ [من] عَز أهَلهَا».
بالنظر إلى الأمثال السابقة نستنتج التالي:
- يعتبر سلوك المرأة ميزاناً حساساً في المجتمع الأحسائي، وتقيّم بعض البيوت من منظور خلق الأم وبناتها وقيمهم.
- جرت عادات وتقاليد محليه، حرصت المرأة ذاتياً الحفاظ عليها، منها: عدم رفع صوتها عند الرجل الغريب، أو خروجها من المنزل من غير حاجه، واعتادت على هذه التقاليد حتى ضرب بها المثل وشبهت بحمامة الحرم لكثرة تعايش وتوالد الحمام في الحرم المكي.
- في المدح للأنثى؛ طلب تطبيق عادات وأدآب تتسم بصورة المغالاة والكلفة بالخروج إلى أكثر من الإطار المألوف في المحافظة على العفاف.
- بعض هذه الأمثال كانت تلقن بها الفتاة وهي صغيرة لحفظها وترديدها كدرس وتحذير من الوقوع في الرذيله وتشجيعها على الفضيلة.
الزواج من الأقارب
من العادات الموروثة لدى الأحسائيين هو التزويج من داخل الأسرة، وكانت ظاهرة شبه قانونية اجتماعية يصعب على الناس الخروج عنها، لأن بنات العم كما يعبرون عنهن: «أصبر على نبوة الخلق، وريب الزمان، وكان بنو عبس يؤثرونهن، وقد سئلوا: أي النساء وجدتم أصبر؟ فقالوا: بنات العم»(3).
ولا يزال هذا الموروث له مساس بعصرنا الحالي وخصوصاً إذا تقدم شاب من خارج العائلة لخطبة فتاة، يطلب والدها من المتقدم أن يعطيه وقتاً كافياً حتى يجيبه، فيخبر والد الفتاة أخوانه بخبر خطوبة كريمته، وإن كان يرغب أحدهم بخطبة البنت لأحد أبنائهم، وعلى ضوء هذه المشورة يتم إجابة الولد المتقدم لخطبة البنت من عدمه.
وإلى الآن في الأحساء عرف اجتماعي وهو أن يُطلق على الزوجة بنت العم وإن كانت من خارج العائلة، وفي المثل قالوا:
- «خصفَه ولد العم ولا زُوليَّة الناس<(4).
- «عليك ببنت العم ولو بارت والدروب ولو طالت».
- «إخْذْ بِنتْ عَمكَّ تِعرفْ رَطِنْها وتِعُرف رَطْنكْ».
- «حَلاوةْ الثَّوبْ رِقْعتَه مِنه وفيهْ».
- «دِهْنكُم فىِ هَرِيسْتكُمْ».
- «وَلدْ عَمْهَا أَولى مِنْ الَغَريِب».
من الأمثال السابقة نرصد ظاهرة اجتماعية كانت ولا زال لها أثر في المجتمع الأحسائي وهو التزويج من الأقارب على النحو التالي:
- تتميز الأسر في الأحساء بتمسكها وترابطها الأسري القوي الذي حث عليه الدين الإسلامي.
- الزواج من الأقارب قول وتقرير النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد تزوج من ابنة عمته زينب بنت جحش، وزوج ابنته فاطمة الزهراء F بابن عمه الإمام علي (عليه السلام)، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما نظر إلى أولاد الإمام علي وجعفر: «بناتنا لبنينا، وبنونا لبناتنا»(5)، وهذا لا يعني عدم وجود تصاهر وتقارب من خارج الأسر كما قال الصادق A: «من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته كائناً من كان فزوّجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»(6).
- يحتمل وجود اعتبارات اجتماعية خاصة لم تعرف كاملة بعد، رجحت الزواج من الأقارب على الأباعد.
- كان أفراد الأسرة الواحدة قديماً يسكنون بيتاً واحداً، فتكثر الأطفال في المنزل، ويلعبون ويلهون في ساحة الدار، وينامون تحت سقف واحد، فيلتصق أبناء العمومه بعضهم ببعض، ويعرف كل واحد منهم الآخر، وهذا ما يعطي الأمثال الماضية نفس التجانس في المعنى المطروح لها.
الأصل والنسب
بعض الأمثال لها رابط وثيق بالمجتمع، وله مضامين جذرية في تأسيس الأسرة، مثل عامل الوراثة ودورة في تحديد واختيار الزوجة، وسجل المثل بُعداً كبيراً في اختيار الزوجة، بالنظر إلى أصل وفصل وطبيعة أسرة الزوجة التي سيتزوجها من ناحية الأم، كما ينظر لها أساساً وأولاً من جهةٍ الأب، ولعل هذا ما يدفعهم للتزويج من نفس العائلة خوفاً من هذا الموضوع، وتمسكاً بتعاليم الدين الإسلامي كما روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «تخيروا لنطفكم فإن العرق نزاع». وسأرصد بعض الأمثال التي قيلت بهذا الخصوص:
- «الوريقة من الشجيرة».
- «البنت من حضن أمها».
- «اعرفْ أمها قَبلْ ما تضمْها».
- «أجفي(7) البريمة على بريمتها، تظهر البنيَّة على أمِيمَتْها».
من الأمثال السابقة نستنتج الآتي:
- الأحساء أرض زراعية وأهلها فلاحون بالفطرة ومن الطبيعي أن نجد أثر الزراعة على ثقافة المنطقة فشبه النسل بخروج الورقة من الشجرة.
- لصوق الأحسائي بالبيئة لدرجة أن الكثير من الأمثال تحاكي المحيط الذي يعيش فيه فنجد الكلمات التالية: الورقة، الشجرة، أجفي، البريمة، البنية.
- الرجل الأحسائي لا ينظر إلى الزواج من الفتاة فقط بل إلى مصاهرة أهلها، والمرأة بنت بيئتها، وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إياكم وخضراء الدمن، قالوا وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: حسنة المظهر سيئة المنبت»(8).
والشاعر قديماً قال لأولاده ممتناً عليهم:
وأول إحساني إليكم تخيري
لماجدة الأعراق باد عفافها
- دور الأم في تربية وسلوك أولادها سيطفح على السطح في الوقت الذي انشغل الأب فيه عن أبنائه بداعي ظرف العمل، فتدرك الأم قضايا الأولاد أكثر مما يدركه الأب.
علاقة الرجل بالمرأة
علاقة الرجل بالمرأة في المثل الأحسائي تتسم بالتوجس، وهي صورة الرجل الشرقي على وجه العموم، ففي الوقت الذي يثني عليها ويعتبرها النصف الثاني له في مسيرة حياته كما في الأمثال التالية:
- «المرةْ زينة الدار».
- «المرةْ عمارْ البيتْ».
نستشعر من المثلين السابقين روح القوى ودعائم الأسرة بوجود المرأة في البيت، للمحور الذي تمثله في وجودها بالنسبة للزوج أو للأطفال.
وفي مثال آخر يتغزل الرجل الأحسائي بالأنثى الرقيقة، ويعتبرها مصدر دفئ وحنان عليه، فقال:
- «أحِبكُم وأحِب رِيحْتكُم، وأحِبْ الهوا الْجَايْ من صوبْكُمْ».
- «أَحَبّك وانْتَ رْويِحتيْ».
والرجل المتدين إسلامياً ينتقي الزوج المناسب لأبنته من بين من يتقدم لها فقالوا: «إِخطِبْ لِْبنتِكْ ولا تِخطِبْ لِولدكْ».
وعاتب المجتمع على الرجل في حال إخفاقه في بعض الأمور الحياتية إن لم يأخذ برأي زوجته فقالوا: «إذا غَابَتْ الفِطْنةْ ما تَِغيبْ لِمفَطنةْ».
إحساس القرب من الزوجة، وفن التعامل مع البنت، ومشورتها في صعاب الأمور سرعان ما يتلون، ويأخذ طابع الامتهان والتحقير، وكأن المرأة ليست بزوجة ولها حقوق مثل الرجل، وهذه طائفة من الأمثال:
- «الْبنتْ بيتْ أًهَلْهَا أميرةْ وبَيتْ رَجِلْهَا أَسيرةْ».
- «الخْيلْ بخيَّالهْاَ وَالمْرةَ بْرَجّالهَا».
- «الزَّعْلانَة تْروحْ على فْرسَةْ وِتْرجعْ على ذًّبانةْ».
- «الكِحَل في العْينْ الرَّمْدةْ خَسَارةْ».
والرجل الأحسائي لا يرى وجوداً أو قيمة للمرأة بدون زوج مهما كانت الظروف تحيط بها فهاهو يقول: «اللي ما عَْندهَا شُهَلْ لَعيُون تَِصْبِر علّى الذِّلاتْ والهوْنْ».
ويزداد الأمر سوءاً في إذا ما وضعت المرأة الحامل لزوجها فتاة، والرجل ينتظر الولد كما أخبر بذلك القرآن الكريم: ﴿وَإذَا بُشَّرِ أَحَدُكُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوارَى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشَّر بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هَوْنٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾(9)، وبين المثل صورة الرجل في كيفية استقباله للولد، وعن تذمره وشجبه من مقدم البنت، وهو يقول: «يوم بشَّروني بغلام، اشتد حيلي وقام، وقلت: قوموا يا نسوان ركبَّوا الصفرية(10)، ويوم قالوا: لي بنيَّة، أظلمت داري عليَّه، وقلت: قوموا يا نسوان كبَّوا الصفرية».
وتحظى أم الولد باحترام وتقدير ومكانة عالية، أما أم البنات فلا مكانة لها تذكر، وهذه الصورة السوداوية والمعاملة السيئة سجلت في المثل على النحو التالي: “أمْ البنات كرسيها من خشب، وأم الأولاد كرسيها من ذهب”.
كيدهن العظيم
ولا يمكن في الوقت نفسه أن نغفل عن ذكر كيد المرأة العظيم، ووجود عدد لا بأس منهن في كل زمان ومجتمع، سخر بعضهن الخيانة والخداع، والمكر والقدر في المجتمع الأحسائي، للحصول على بعض مآربهن (وإن كانت شرعية) بطرق مفجعه وغير مقبولة، فبرزت على الساحة الاجتماعية عدة صور غير جيدة، والسبب استخدام المرأة حيلها ودهاءها في هذه الأمور، منها على سبيل المثال: الحماة أم الزوجة، كانت عقبة شائكة في سعادة ابنتها مع زوجها، وزواج فتاة من زوج صديقتها.
وهذه بعض الأمثلة التي سجلت بهذا الشأن:
- «الحَمَاة عَقْربْ».
- «خَاوِيني وخَاويشْ وأخِذ ْرَجلِش وخَليَّش».
- «إِكْسر لِلبْنتْ ِضَّلِعْ يِطلعْ لِهَا أرّبعة وَعِْشرْينْ ضَِِلع».
- «الليّ مَا يدريْ يقُولْ حِلبة و اللّي يِدْريِ ْمتبحّل بَهْ».
- «تِمشيْ و تضْرِبْ بِرجُولَهاَ».
من الأمثال المتقدمة نسجل بعض النقاط:
- ارتباط الكيد بالنساء ليس من الأمور المحدثة في أي مجتمع بل هو أمر قديم وقد صرح القرآن الكريم بذلك في قصة نبي الله يوسف، وقد قيل إن كيدهن أعظم من كيد الشيطان استدلالاً بالآية الكريمة: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً﴾(11) والآية: ﴿فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾(12). والكيد كما في لسان العرب: الـخُبثُ والـمَكْرُ؛ كاده يَكِيده كَيْداً و مَكِيدَةً، وكذلك الـمكايَدةُ. وكلُّ شيء تعالـجُه، فأَنت تكِيدُه(13).
- أم الزوج/ أم الزوجة هي الحماة، ويقصد به في الأمثال أم الزوجة، لأنها كثير ما تتدخل في الحياة الداخلية في بيت ابنتها الزوجية، مما يسبب ازعاجاً بالنسبه للزوج، وهذا ما يؤدي لتعكر صفو الحياة الزوجية، وفقدان الوئام بين الزوجين، بداعي فقد أهم شرط في بناء الأسرة وهو الخصوصية، الذي انتهكته الحماة.
- رويت قصص كثيرة، عجيبة غريبة في كيدهن، منها أن بعض البنات سابقاً تسعى كيداً ومكراً بأغراء زوج صديقتها ومن ثم الظفر به والزواج منه.
المرأة والفحش
يبدو أن المثل في الأحساء وفي دول العالم ككل لم يترك شاردة ولا واردة إلا وتناولها سلباً وإيجاباً، فلم تغب المرأة الأحسائية عن المثل الفاحش، وقد سجل «المهندس الشايب» عدداً لا بأس به منها في كتابه -علماً أني حاولت أن أتحاشاها فيما مضى من سطور-، إلا أنه لا يمكن أن يحضر إلى حد المنع عن التطرق له، -شئنا أم أبينا، وسواء رضا البعض أو سخط– وهذا النوع من المثل موجود ومتداول في مجتمعنا بشكل شبه معتاد، وقد عهدنا آباءنا يتحدثون بأشكال وأنواع الأمثال ولا يتورعون، وأوجه عناية القارئ الكريم إلى أن عرض بعض الأمثال الفاحشة هنا ليس للتسلية، وإنما أشعار الباحث المهتم بموضوع التراث، والقارئ المطلع على عدم التغافل عن وجود مثل هذا اللون من الأمثال، وأيضاً أتساءل عن هوية شخص صاحب المثل من هذا النوع، وأوضح أن المثل يصدر من الإنسان العادي والذي كلامه يعكس تفكيره الواقعي، والإنسان السليقي الذي يتكلم وفق فطرته وعفويته التي تحمل في طياتها الكثير من الرواسب الفكرية والتي قد تكون خاطئة ومبنية على عادات وتقاليد قائمة على النظرة الخاطئة.
فالمثل نتج من أثر تراكم اجتماعي على الإنسان، ومن الراجح أن المثل لو أجريت عليه دراسات وخصوصاً هذا اللون سيأخذ مناحي أخرى في المجتمع مستقبلا. وإليك شطراً منها:
- «الْحظْ مُو مِنْ حَظِي وَلا حَظ أخْتيِ، الحَظْ حَظْ الشَّلقْة والبَلقْة».
- «اْلحَّرة مَا تَأْكُلْ مِن كِّد فَرِْجْهَا».
- «إِن كان المَاء يْروبْ القحبة تتوبْ».
- «[البنت] تنسَى خَالِقهَا ولا تنِسَى فَاِتْقهَا».
- «كِلِّ ساقطَةْ [و]لْها لاْقطَْ».
- «لاَ تَزِني وَلاَ تَتَصَدّقِي».
- «بنت الخايضة تخوض».
- «شَابَتْْ ولاَ تابَتْ».
- «عَاْيَشةْ ولايَّشة وشَين الصَّفَات حَايْشَةْ».
ويمكن أن نسجل بعض الملاحظات عن هذا اللون من خلال الأمثال السابقة:
- يعكس المثل انطباع فكر الشخص عن القضية التي يفكر فيها ويعيشها حسب الظروف التي تحيطه وهذا ما عكسه المثل الأول.
- أن هذا اللون حدوده على الأنثى البذيئة فقط، فقد نشأ نتيجة قصة أو عرف ساد المنطقة ككل وصيغ في المجتمع الأحسائي بهذه الألفاظ.
- لم يشخص ويبرز الجسد الأنثوي، ولم يعكس نظرة الرجل الشهوانية للفتاة، وإنما استخدمت ألفاظ قبيحة وغير مأنوسة في مجتمع محافظ، يسعى إلى تطوير نفسه إيجابياً فلذا كانت ولازالت طبقة من المجتمع تتعفف من قول هذا النوع من الأمثال على لسانها بل ويعاب على من يقوله.
- هذا اللون من الأمثال يعطي قراءة وانطباعاً مجملاً عن أن المجتمع الأحسائي يرفض ظاهرة الزنا والفحش مهما كانت مبرراته.
نتائج البحث
يمكن أن نلخص نتائج البحث على قسمين:
القسم الأول: ما له علاقة بالمثل، ونستعرضه على النحو التالي:
- للمرأة الأحسائية مساحة لا بأس بها في الأمثال الشعبية، وسجلت مجموعة من الأمثال على لسانها، واستخدمت في عباراتها ألفاظ أحسائية محلية كثيرة.
- تمتاز الأمثال الشعبية الأحسائية بسهولة حفظها وتناقلها على الألسن مع امتياز بالبلاغة، وهو إيجاز اللفظ وتركيزه بالمعنى ودقته وببعد مغزاه، فالمثل يحوي معاني كثيرة في ألفاظ قليلة، مثل: (الحُبْ يِطْلَعْ علىَ بِذْرهْ)، وهو يوضح فهم المنطقة لمعنى الوراثة.
- من المعروف أن المثل يمتاز بالجرس الموسيقي من حيث السجع أو الفاصل، أو من اختيارها للأحرف المتجانسة ضمن الكلمات، والكلمات ضمن الجمل، ومن الأمثال السابقة نلاحظ فقدان بعض الأمثال للسجع وعدم اختيار أحرف متجانسة ضمن الكلمات إلا نادراً وهذا ما يضعف الصوت الموسيقي للمثل الأحسائي.
- والمثل الشعبي معبّر عن ثقافة المجتمع الأحسائي، وسط مدن وقرى متعددة وذات بيئات مختلفة، إلا أنه لا يسبب خللاً في المفهوم ولا يشكل خلافاً في بناء المثل الشعبي بسبب ترابط المجتمع بعضه مع بعض.
- تختلف الحكمة عن المثل بأنها كلمة ناتجة عن دراية وذات مضمون عميق، ونابعة من فلسفة ورؤية لدى الشخص أدت إلى اطلاق هذه الحكمة، ويقال أنها فراسة كما قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «اتقوا فراسة المؤمن فأنه ينظر بعين الله»، وهذا ما يجعل المثل مطليًّا بصبغة وفكر المجتمع وأنه قابل للصواب والخطأ، فهذا المثال: «الْبنتْ بيتْ أًهَلْهَا أميرةْ، وبَيتْ رَجِلْهَا أَسيرةْ» يعطي صورة ذل وانكسار للأنثى في بيت زوجها، ويعكس صورة وحشية عن الرجل، ولو قال هذا المثل حكيم حسب التعريف السابق لكان يقول: «الْبنتْ بيتْ أًهَلْهَا أميرةْ، وبَيتْ رَجِلْهَا وزيره».
القسم الثاني: ما يتعلق بالمرأة الأحسائية، ويمكن أن نلخصه على النحو التالي:
- لا يمكن أن نقطع بأن المثل ينبغي أن يُظهر الناس أو المجتمعات الأخرى بمظهر منطقي ومثالي للدارسين والباحثين، وإنما هو تراث متراكم فيه صور الحياة بكل معانيها من متناقضات.
- تلقت المرأة في الأحساء ثقافتها من مصادر عديدة منها المثل الذي يشكل نكهة في الحياة الاجتماعية لعفويته، فهو يتكرر على ألسن عامة الناس دون استثناء، بل وتجد من يستشهد بالمثل تطعيماً وتدعيماً لصحة كلامه، فصار المثل لغة تداول في الحياة اليومية ومصدر ثقافة، والمرأة جزء من المجتمع، فلها نصيبها من هذه الثقافة.
- لا يمكن أن نصدر حكماً على الرجل الأحسائي بأنه ظلم أو أنصف المرأة من خلال المثل، لأنه لم يخرج على لسان رجل فيلسوف حكيم، وإنما نشأ من جميع طبقات المجتمع أثر تراكم اجتماعي، فالأحساء ذات تركيبة اجتماعية مختلفة بها طبقات وفئات متفاوتة، ومن هنا نجد بعض الأمثال تعبر عن البيئة التي يعيشها القائل.
(1) قال الفارابي: “هو ما ترضاه العامة والخاصة في لفظه ومعناه حتى ابتذلوه فيما بينهم وقنعوا به في السراء والضراء، ووصلوا به إلى المطالب القصية، وهو أبلغ الحكمة، لأن الناس لا يجتمعون على ناقص أو القصر في الجودة”. (عالم الأمثال الشعبية /مدخل ونماذج مختارة/، عبد الرحمن شلش:8).
(2) (أن شعبية المثل مكنته من احتلال موقع جليل في نفس قائله وسامعه، وجعلت له مكان الصدارة، من حيث الأهمية والتأثير بين سائر فنون القول الشعبية) الأمثال الشعبية المتعلقة بالطب والصحة في بلاد الشام، الدكتور عبد الناصر كعدان: مقدمة ورقة ملخص البحث.
(3) العيثان: أحمد، زواج الأقارب والأباعد، الطبعة الأولى 1426هـ - 2005م.
(4) خصفة: نوع من الحُصُر المصنوعة من سعف النخل. زولية: سجادة تستخدم للجلوس.
(5) الطبرسي، رضي الدين أبو نصر الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق:204.
(6) نفس المصدر السابق.
(7) حرف (ج) ينطق (Ch).
(8) الطبرسي: رضي الدين أبو نصر الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق:203.
(9) سورة النحل، الآية: 58.
(10) الصفرية: قدر الوليمة.
(11) سورة النساء:76.
(12) سورة يوسف:28.
(13) لسان العرب:3/383.