نقوس المهدي
كاتب
[SIZE=6]صراعُ اللغة[/SIZE]
اللغةُ هي قدرُ الإنسانِ وعالمُهُ الذي يعيشُ، وأينمَا ارتسمتْ حدودُ لغتهِ تكونُ حدودُ الإنسان ففي اللغة تكونُ ثقافة الإنسان وفيها يكونُ انتماؤهُ، وفيها يكونُ وطنُهُ وشخصيّتُهُ، فاللغة بتعبير "هايدجر" هي الهواء الذي نتنفّسُهُ ونفكّرُ به. فثقافةُ كلُّ مجتمعٍ مبثوثةٌ في لغتهِ، في نظامها النّحوي، في نظامها الصرفي، وفي نظامها المعجمي، وفي نظامها المصطلحي فمن خلال اللغة نُبصرُ العالمَ وِفْقَ تراتُبِيّات، وأنظمة، ودلالات، تجسّدُ في الحقيقة رؤيتنا لحقوقنا داخل اللغة.
فلو نظرنا مثلاً إلى حقل المواريث في الإسلام وجدناهُ يقوم على أسس الفوارق اللغوية الدقيقة التي تتيحها اللغة العربية الثّرّة بكثرة مفرداتها، فنجدُ على سبيل المثال لفظة "الأمّ-المؤنّث" لها سمات دلالية محدّدة هي "الأم - مؤنّث - كائن حي - عاقلة - وريث شرعي"، ونجد لفظة "البنت - المؤنّث" لها سمات دلالية مُحدّدة هي "البنتُ - مؤنّث- كائن حيّ - عاقلة - وريث شرعي".
يقول النحاةُ "أقسام الكلام الاسم والفعل والحرف" يظهر في هذا القول ضمير الرجل المذكر الرجل بارزا في المصطلح النّحوي، ألمْ يكن في مقدورهم أن يقولوا "الاسمية والفعلية والحرفية"؟
لكن الملفت في هذا هو أن نصيب الأم ليس هو نصيب البنت، وهذا راجعٌ إلى أمرين هما أحدهما هو الحكمة الإلهية في قسمة الإرث، وثانيهما هو الوضع الأصلي لِكِلْتَا اللفظتين في اللغة العربية، لأن لفظة "الأم" من أهمّ مقتضياتها اللغوية أنّها "متزوّجة"، في حين أن من أهمّ مقتضَياتِ لفظة "البنت" أنها "عازبة" وهناك مقتضيَات يضيق المقام لبسطها.
إذا تقّررَ أن خطورة اللغة تصل لدرجة تحديد الحقوق المدنية والدينية للإنسان، فهذا كافٍ لكي يكونَ سببًا مٌقنِعاً لمناقشة بعض الآراء التي تعتبر بمثابة مسلّمات في العلوم اللغويّة، وهذه المناقشة ليست من باب التجريح في جهود علماء اللغة والنّحو بقدر ما هي قراءة من زاوية أخرى، لنسمّيها اتفاقًّا بزاوية نظر المرأة/ المؤنّث/ الأنثى.
مع تطور الإنسان في الحياة نظرَ في هذه الثنائية وانعكسَ نظرُهُ في لغتهِ التي يتواصلُ بها، وحدُّ اللغة أنها أصواتٌ يتواصلُ بها الإنسان حسب تعبير "ابن جنّي". وكان أولُ نظر لهُ هو تفريقهُ بين الذكر والأنثى في مستوى اللغة، وهنا أخذَ كلُّ طرفٍ من الثنائية قِسْمَتَهُ في الوجود اللغويّ؛ ويبدو أن قسمةَ الأنثى بقيت رهينة في أيدي الذكر، فأصبحَ يؤنثها حينا، ويذكّرُها حيناً آخر، وحتى مع تطورِ العلوم اللغوية بقيَ الذكرُ مستبدًّا باللغة وعلومها، ويسجّلُ التاريخ قلّة الأعلام النسائية في تلك العلوم، فأصبحت الأنثى ترى وجودَها من خلال زاوية نظر الذكر..
وهنا نشأ صراع اللغة بين المذكّر/ الذكر، والمؤنّث / الأنثى، وكان مسرحُ الصراع هو اللغة، وليست غايتُنا هنا أن نحْصِي عددَ الألفاظ المؤنّثة وعدد الألفاظ المذكّرة لنعرفَ من الأكثر نفوذا في اللغة، لا ليس هذا مرادُنا لأنه من شأنه أن يُدخِلنَا في جدالٍ فارغٍ مع المعاني الأثليّة للألفاظ في الوضع العربي، وواضحٌ أنّ العلماء العرب/ الذكور طبعا ميّزوا بين المذكّر والمؤنّث في المستوى المعجمي بشكلٍ عادلٍ أساسُهُ النظر في وضع المفردة الواحدة ومعناها بناءً على قاعدة أساسية في العلوم اللغوية هي قاعدة السّماع.
ولكن النظر اللغوي ليس هو النظر النحوي، فالنحويّون لم يبحثوا في تعليل تلك الفوارق بين المؤنّث والمذكر، وفي أقصى تعليلاتهم كانوا يكْتَفُونَ بالنظر فيها عن بعدٍ، فهذا أبو حيّان التوحيدي في كتابه "الهوامل والشوامل" ص266. يرى أن تأنيث العرب للشّمس راجعٌ لاعتقاد العرب بأنها من الكواكب الشريفة، وكلّ ما كانَ أشرف عندهم عبّدوهُ، ولهذا عبّدوا الشّمسَ وكان من أسمائها "اللاَّتَ" التي كانت من أعظم معبودات العرب..
وليس هذا موطن الصراع بين المؤنث والمذكر، ولكن بداية الصراع تظهرُ عندما يغيبً صوتُ المرأة عن الصيغ التي كتبتْ بها العلوم اللغوية، مقابل طغيان واضح للصوت الذكوري. هل كان هذا هو أصل "نمط المجتمع الذكوري"، حتى عندما يتعلق الأمر بالعلوم اللغوية؟ هل غُيِّبَ صوتُ المرأة عن كتابة النحو مثلا؟ بداهةً نقول إن ضمير المرأة "المؤنّث" له حضورٌ في اللغة وهذا الحق لم يعطيه للمرأة الرجل، بل وُجدَ في اللغة ابتداءً، وقاعدة السماع كانت منصفة لضمير المرأة مناصفة مع ضمير الرجل "المذكّر".
لكن عندما انتقلنا لمرحلة كتابة نحو اللغة العربية انتقلنا إلى أساسٍ جديد يُسمّى بـ "القياس" أوجدهُ العلماء الذكور، وعندما شرعوا في كتابة النحو كتبوه بصيغة المذكّر، ولهذا نجد أغلب صيغ المصطلح النحوي هي صيغ المُذكّر، في مقابل نزر قليل جاء على صيغ المؤّنث. ألا يمكنُ تفسير هذا كون الرجل تأثر بعوامل جعلتهُ ينتقمُ من المرأة وهو يضع المصطلح النحوي. أم أن الأمر يتعلقُ بإقبارِ صوت المرأة وكفى. يبدو هذا قريبا للصحة لأنه حسب ما وصلنا من كتب النّحو لا نجد أسماء نساء عالمات تحدّثنَ عن النحو، أو ساهمنَ في بناء صرح النظرية النحوية وصياغة مصطلحاتها، ولو أنهُ وصلنا كتاب واحد من تأليف امرأة حتما كنّا سنجدُ خلافاً في صياغة المصطلح النحوي بين الصيغتين "المذكر والمؤنّث" سيبدو فيها صوت المؤنّث واضحا.
ما دام التأنيث ليس أصلا في اللغة، وما دام أنه ثانٍ، وما دامَ أنه فرعٌ طارئ على الأصل الذي هو المذكر، فلا ضيرَ في عدم الاعتماد عليه في صياغة المصطلح النحوي.
من خلال النصوص التي سندرجها سيتضح استبداد ضمير الرجل المذكر بالمصطلح النحوي، وكأنّ النحاة الذكور أرادوا أن يوحّدوا ضمير المصطلح تذكيرا وحَسْب، وقد فعلوا ذلك، وعندما كانت تعترضُهم ضرورة وضع مصطلح على ضمير المؤنث كانوا يحتالون عليه بإدخاله في أحكام معقّدة، وفي أحسن الأحوال يضعوه في حكم الشاذ الذي لا يُقاسُ عليه، والقياس قال به العلماء الذكور.
يظهر استبداد ضمير الرجل المذكر وانعدام ضمير المرأة المؤنث في أهمّ ركن من علم النّحو، يقول النحاةُ "أقسام الكلام الاسم والفعل والحرف" يظهر في هذا القول ضمير الرجل المذكر الرجل بارزا في المصطلح النّحوي، ألمْ يكن في مقدورهم أن يقولوا "الاسمية والفعلية والحرفية"؟ ليس هناك إلا جواب واحد هو أن النحاة الرجال الذين صاغوا المًصطلح النحوي نظروا لضمير المرأة المؤنث على أنه: فرعٌ وتابعٌ وثانوي، فهذا ابن الأنبا ري يقول "اعلم أنّ المذكّر أصلٌ للمؤنّث" كتاب البُلْغة ص 63.
ويقول سيبويه "الأشياء كلّها أصلها التذكير ثم تختصُّ بعد" الكتاب ص 122. ويقول أبو علي الفارسي "أصل الأسماء التذكير والتأنيث ثان له". أما أبو حيان فيرى أن "كل مؤنّث أصلهُ مذكر عندَ العرب" كتاب الهوامل ص 267.
ما دام التأنيث ليس أصلا في اللغة، وما دام أنه ثانٍ، وما دامَ أنه فرعٌ طارئ على الأصل الذي هو المذكر، فلا ضيرَ في عدم الاعتماد عليه في صياغة المصطلح النحوي، ليس رأينا هنا من قبيل التعسف على هذه النصوص وغيرها، بقدر ما هي رؤية من زاوية مغايرة هي زاوية ضمير المرأة المؤنث، سنكمل رحلة استنطاق النصوص الذكورية في الحلقة القادمة من هذه السلسلة بحثنا عن ضمير المرأة المؤنث في المصطلح النحوي، وبحثا أيضا عن امتداد التصورات اللغوية النحوية في الثقافة العربية.
اللغةُ هي قدرُ الإنسانِ وعالمُهُ الذي يعيشُ، وأينمَا ارتسمتْ حدودُ لغتهِ تكونُ حدودُ الإنسان ففي اللغة تكونُ ثقافة الإنسان وفيها يكونُ انتماؤهُ، وفيها يكونُ وطنُهُ وشخصيّتُهُ، فاللغة بتعبير "هايدجر" هي الهواء الذي نتنفّسُهُ ونفكّرُ به. فثقافةُ كلُّ مجتمعٍ مبثوثةٌ في لغتهِ، في نظامها النّحوي، في نظامها الصرفي، وفي نظامها المعجمي، وفي نظامها المصطلحي فمن خلال اللغة نُبصرُ العالمَ وِفْقَ تراتُبِيّات، وأنظمة، ودلالات، تجسّدُ في الحقيقة رؤيتنا لحقوقنا داخل اللغة.
فلو نظرنا مثلاً إلى حقل المواريث في الإسلام وجدناهُ يقوم على أسس الفوارق اللغوية الدقيقة التي تتيحها اللغة العربية الثّرّة بكثرة مفرداتها، فنجدُ على سبيل المثال لفظة "الأمّ-المؤنّث" لها سمات دلالية محدّدة هي "الأم - مؤنّث - كائن حي - عاقلة - وريث شرعي"، ونجد لفظة "البنت - المؤنّث" لها سمات دلالية مُحدّدة هي "البنتُ - مؤنّث- كائن حيّ - عاقلة - وريث شرعي".
يقول النحاةُ "أقسام الكلام الاسم والفعل والحرف" يظهر في هذا القول ضمير الرجل المذكر الرجل بارزا في المصطلح النّحوي، ألمْ يكن في مقدورهم أن يقولوا "الاسمية والفعلية والحرفية"؟
لكن الملفت في هذا هو أن نصيب الأم ليس هو نصيب البنت، وهذا راجعٌ إلى أمرين هما أحدهما هو الحكمة الإلهية في قسمة الإرث، وثانيهما هو الوضع الأصلي لِكِلْتَا اللفظتين في اللغة العربية، لأن لفظة "الأم" من أهمّ مقتضياتها اللغوية أنّها "متزوّجة"، في حين أن من أهمّ مقتضَياتِ لفظة "البنت" أنها "عازبة" وهناك مقتضيَات يضيق المقام لبسطها.
إذا تقّررَ أن خطورة اللغة تصل لدرجة تحديد الحقوق المدنية والدينية للإنسان، فهذا كافٍ لكي يكونَ سببًا مٌقنِعاً لمناقشة بعض الآراء التي تعتبر بمثابة مسلّمات في العلوم اللغويّة، وهذه المناقشة ليست من باب التجريح في جهود علماء اللغة والنّحو بقدر ما هي قراءة من زاوية أخرى، لنسمّيها اتفاقًّا بزاوية نظر المرأة/ المؤنّث/ الأنثى.
مع تطور الإنسان في الحياة نظرَ في هذه الثنائية وانعكسَ نظرُهُ في لغتهِ التي يتواصلُ بها، وحدُّ اللغة أنها أصواتٌ يتواصلُ بها الإنسان حسب تعبير "ابن جنّي". وكان أولُ نظر لهُ هو تفريقهُ بين الذكر والأنثى في مستوى اللغة، وهنا أخذَ كلُّ طرفٍ من الثنائية قِسْمَتَهُ في الوجود اللغويّ؛ ويبدو أن قسمةَ الأنثى بقيت رهينة في أيدي الذكر، فأصبحَ يؤنثها حينا، ويذكّرُها حيناً آخر، وحتى مع تطورِ العلوم اللغوية بقيَ الذكرُ مستبدًّا باللغة وعلومها، ويسجّلُ التاريخ قلّة الأعلام النسائية في تلك العلوم، فأصبحت الأنثى ترى وجودَها من خلال زاوية نظر الذكر..
وهنا نشأ صراع اللغة بين المذكّر/ الذكر، والمؤنّث / الأنثى، وكان مسرحُ الصراع هو اللغة، وليست غايتُنا هنا أن نحْصِي عددَ الألفاظ المؤنّثة وعدد الألفاظ المذكّرة لنعرفَ من الأكثر نفوذا في اللغة، لا ليس هذا مرادُنا لأنه من شأنه أن يُدخِلنَا في جدالٍ فارغٍ مع المعاني الأثليّة للألفاظ في الوضع العربي، وواضحٌ أنّ العلماء العرب/ الذكور طبعا ميّزوا بين المذكّر والمؤنّث في المستوى المعجمي بشكلٍ عادلٍ أساسُهُ النظر في وضع المفردة الواحدة ومعناها بناءً على قاعدة أساسية في العلوم اللغوية هي قاعدة السّماع.
ولكن النظر اللغوي ليس هو النظر النحوي، فالنحويّون لم يبحثوا في تعليل تلك الفوارق بين المؤنّث والمذكر، وفي أقصى تعليلاتهم كانوا يكْتَفُونَ بالنظر فيها عن بعدٍ، فهذا أبو حيّان التوحيدي في كتابه "الهوامل والشوامل" ص266. يرى أن تأنيث العرب للشّمس راجعٌ لاعتقاد العرب بأنها من الكواكب الشريفة، وكلّ ما كانَ أشرف عندهم عبّدوهُ، ولهذا عبّدوا الشّمسَ وكان من أسمائها "اللاَّتَ" التي كانت من أعظم معبودات العرب..
وليس هذا موطن الصراع بين المؤنث والمذكر، ولكن بداية الصراع تظهرُ عندما يغيبً صوتُ المرأة عن الصيغ التي كتبتْ بها العلوم اللغوية، مقابل طغيان واضح للصوت الذكوري. هل كان هذا هو أصل "نمط المجتمع الذكوري"، حتى عندما يتعلق الأمر بالعلوم اللغوية؟ هل غُيِّبَ صوتُ المرأة عن كتابة النحو مثلا؟ بداهةً نقول إن ضمير المرأة "المؤنّث" له حضورٌ في اللغة وهذا الحق لم يعطيه للمرأة الرجل، بل وُجدَ في اللغة ابتداءً، وقاعدة السماع كانت منصفة لضمير المرأة مناصفة مع ضمير الرجل "المذكّر".
لكن عندما انتقلنا لمرحلة كتابة نحو اللغة العربية انتقلنا إلى أساسٍ جديد يُسمّى بـ "القياس" أوجدهُ العلماء الذكور، وعندما شرعوا في كتابة النحو كتبوه بصيغة المذكّر، ولهذا نجد أغلب صيغ المصطلح النحوي هي صيغ المُذكّر، في مقابل نزر قليل جاء على صيغ المؤّنث. ألا يمكنُ تفسير هذا كون الرجل تأثر بعوامل جعلتهُ ينتقمُ من المرأة وهو يضع المصطلح النحوي. أم أن الأمر يتعلقُ بإقبارِ صوت المرأة وكفى. يبدو هذا قريبا للصحة لأنه حسب ما وصلنا من كتب النّحو لا نجد أسماء نساء عالمات تحدّثنَ عن النحو، أو ساهمنَ في بناء صرح النظرية النحوية وصياغة مصطلحاتها، ولو أنهُ وصلنا كتاب واحد من تأليف امرأة حتما كنّا سنجدُ خلافاً في صياغة المصطلح النحوي بين الصيغتين "المذكر والمؤنّث" سيبدو فيها صوت المؤنّث واضحا.
ما دام التأنيث ليس أصلا في اللغة، وما دام أنه ثانٍ، وما دامَ أنه فرعٌ طارئ على الأصل الذي هو المذكر، فلا ضيرَ في عدم الاعتماد عليه في صياغة المصطلح النحوي.
من خلال النصوص التي سندرجها سيتضح استبداد ضمير الرجل المذكر بالمصطلح النحوي، وكأنّ النحاة الذكور أرادوا أن يوحّدوا ضمير المصطلح تذكيرا وحَسْب، وقد فعلوا ذلك، وعندما كانت تعترضُهم ضرورة وضع مصطلح على ضمير المؤنث كانوا يحتالون عليه بإدخاله في أحكام معقّدة، وفي أحسن الأحوال يضعوه في حكم الشاذ الذي لا يُقاسُ عليه، والقياس قال به العلماء الذكور.
يظهر استبداد ضمير الرجل المذكر وانعدام ضمير المرأة المؤنث في أهمّ ركن من علم النّحو، يقول النحاةُ "أقسام الكلام الاسم والفعل والحرف" يظهر في هذا القول ضمير الرجل المذكر الرجل بارزا في المصطلح النّحوي، ألمْ يكن في مقدورهم أن يقولوا "الاسمية والفعلية والحرفية"؟ ليس هناك إلا جواب واحد هو أن النحاة الرجال الذين صاغوا المًصطلح النحوي نظروا لضمير المرأة المؤنث على أنه: فرعٌ وتابعٌ وثانوي، فهذا ابن الأنبا ري يقول "اعلم أنّ المذكّر أصلٌ للمؤنّث" كتاب البُلْغة ص 63.
ويقول سيبويه "الأشياء كلّها أصلها التذكير ثم تختصُّ بعد" الكتاب ص 122. ويقول أبو علي الفارسي "أصل الأسماء التذكير والتأنيث ثان له". أما أبو حيان فيرى أن "كل مؤنّث أصلهُ مذكر عندَ العرب" كتاب الهوامل ص 267.
ما دام التأنيث ليس أصلا في اللغة، وما دام أنه ثانٍ، وما دامَ أنه فرعٌ طارئ على الأصل الذي هو المذكر، فلا ضيرَ في عدم الاعتماد عليه في صياغة المصطلح النحوي، ليس رأينا هنا من قبيل التعسف على هذه النصوص وغيرها، بقدر ما هي رؤية من زاوية مغايرة هي زاوية ضمير المرأة المؤنث، سنكمل رحلة استنطاق النصوص الذكورية في الحلقة القادمة من هذه السلسلة بحثنا عن ضمير المرأة المؤنث في المصطلح النحوي، وبحثا أيضا عن امتداد التصورات اللغوية النحوية في الثقافة العربية.