نقوس المهدي
كاتب
(( إن الرابطة المباشرة والطبيعية الضرورية للإنسان هي علاقة الرجل بالمرأة … وفي ضوء هذه العلاقة يمكن للمرء أن يصدر حكماً عن درجة التطور الكلي للإنسان . ويتبعُ ذلك أن خاصية هذه العلاقة هي التي تقرر إلى أي حدٍ قد اقترب الكائن البشرى من نفسه كانسان ، والى أي حد قد استوعبها ؛ إن العلاقة بين الرجل والمرأة هي الرابطة الأكثر طبيعيةً بين مخلوق بشري وآخر . ولذلك فأنها تُظهِرُ إلى… أي مدى يصبح فيه السلوك الطبيعي للإنسان إنسانياً ، أو إلى أي مدى يصبح فيه الجوهر الإنساني في الإنسان جوهراً طبيعياً … وفي هذه العلاقة ينكشف أيضاً إلى أي مدى يصبح فيه احتياج الإنسان احتياجاً إنسانياً ؛ والى أي مدى يصبحُ فيه الإنسان الآخرُ ضرورةً بوصفه إنساناً ، والى أي مدى يكون فيه الإنسان في وجوده الفردي كائناً اجتماعياً في الوقت ذاته.))
لا تختلفُ نظرة الماركسية إلى علاقة الحب عن نظرتها إلى العلاقات الاجتماعية الأخرى . فمقدار إنسانية العلاقة يحدده مدى تجرد تلك العلاقة من صفتها السلعية ، ومدى قدرة طرفي أو أطراف العلاقة على النظر إلى بعضهم بوصفهم بشراً فحسب غير مغمورين بالقيمة التبادلية الاقتصادية التي تحكم علانيةً أو سراً كلّ علاقةٍ اجتماعية حتى علاقة الحب . فالحب إذن في المنظور الماركسي مضمون اجتماعي ، وهو بناء عقلي فوقي أيضاً ، شأنه شأن السياسة والدين والأخلاق والعلم والفن . وهو انعكاس جدلي للتفاعلات الدينامية للبناء التحتي أي للعملية الاقتصادية . وبالتالي فلا يمكن أن ننظر الى محتوى العلاقة بين المرأة والرجل إلا بكونها درجةً من درجات التطور الاجتماعي البشري ، ونتاجاً للحركة الفسيولوجية والسوسيولوجية للإنسان وليست مثالاً مسبقَ التصوّر علينا بلوغه وصولاً إلى تجلياتٍ صوفيةٍ أو مسلّماتٍ فلسفيةٍ مثاليةٍ عن عالمٍ علويٍ سامي . كما أن مضمون هذا الحب سيظلّ مرتبطاً بنضال المرأة في سعيها للمساواة الاجتماعية والاقتصادية بالرجل ؛ فلا يوجد حبٌ أصيلٌ بين أعلى وأدنى .
وقـد عـرض “ماركس” أفكاره عن المرأة والزواج لأول مرة في الصحيفة الرينانية في العام 1842 . وحدد موقفه في المقالين اللذين نُشرا في هذه الصحيفة من قضيتي الزواج والطلاق (( مؤيداً وحدانية الأول وحرية الثاني . )). وبعد عامين أكد ماركس أن موقف الرجل من المرأة يحددُ (( درجة تحوّل سلوك الإنسان الطبيعي إلى سلوك إنساني )) . كما هاجم “ماركس ” الزواج البرجـــوازي بعنــف بوصفه شكلاً مـــن أشكال الاضطهاد الاجتماعي والاقتصادي مؤكـــداً (( إن الزواج ليس مفهوماً من المفاهيم كما يزعم “هيـغـل” ، بــل هو واقعة اجتماعية )) .
وقد أراد “ماركس” أن يكتب كتاباً عن تأريخ الأسرة البشرية ، إلا أنه توفي ، فتولى رفيق مسيرته الفكرية “فردريك انجلز ” ( 1820 – 1895 )م تنفيذ ذلك المشروع ، فوضع كتابه المهم (( أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة )) 1884 م ، والذي بيّن فيه ارتباط عبودية المرأة بظهور الملكيّة الخاصة . يعدّ هذا الكتاب أحد أهم المؤلفات في النظرية الماركسية في المجتمع. وقد اعتمد فيه أنجلز على المعلومات الواردة في كتاب “مورجان” ((المجتمع القديم)) وكذلك على معطيات العلم الأخرى. وبـّين التغيرات في أشكال الزواج والعائلة عبر التاريخ في علاقتها بالتقدم الاقتصادي للمجتمع. وحلل عملية تدهور النظام القبلي (المشاعي البدائي) وتحلله ونمو النظام الطبقي القائم على تقسيم العمل والملكية الخاصة، وكيف أن ظهور التناقضات الطبقية أدى إلى نشوء الدولة كأداة للدفاع عن مصالح الطبقة الحاكمة. كما حدد أنجلز ثلاثة أشكال للزواج تعاقبت بالتدريج خلال المراحل الرئيسة الثلاث من تطور البشرية. ((المرحلة الوحشية)) اتسمت بـ”الزواج الجماعي”، و ((المرحلة البربرية)) اتسمت بـ”الزواج الثنائي، و ((مرحلة الحضارة)) اتسمت بـ”الزواج الأحادي” المقرون بالخيانة الزوجية والبغاء. وفسر ظهور أشكال الزواج هذه بالمتطلبات الاقتصادية التي اقتضتها حياة المجتمعات البشرية خلال كل مرحلة من مراحل تطورها الاجتماعي والفكري. فالزواج الأحادي أو العائلة الأحادية مثلاً هي إحدى العلامات على بداية عصر الحضارة. وقد كان هذا الزواج إسقاطاً للحق الأمومي، و بالتالي هزيمة تاريخية للجنس النسائي، وتثبيتاً لشكل جديد من أشكال العائلة هو العائلة البطريركية (الأبوية). وكان شكل العائلة هذا يعني الانتقال من الزواج الثنائي إلى أحادية الزواج. فلأجل ضمان أمانة المرأة، وبالتالي لأجل ضمان أبوة الأولاد، توضع تحت سيطرة زوجها المطلقة؛ فإذا قتلها فإنه لا يفعل غير أن يمارس حقه. وثبوت الأبوة هذا ضروري لأن الأولاد سيملكون أموال والدهم ذات يوم بوصفهم ورثته المباشرين. ويمتاز هذا الزواج الأحادي عن الزواج الثنائي بكون عرى الزواج فيه أمتن بكثير، وبأنه لم يعدّ من الممكن فسخ هذه العرى كلما طاب لأحد الزوجين. فالزوج وحده على العموم هو الذي يسعه الآن أن يفسخ هذه العرى ويطلق امرأته، كما أن حق الخيانة الزوجية ما يزال مضموناً له شرط ألا يأتي بعشيقته إلى المنزل العائلي. وإذا تذكرت الزوجة الممارسة الجنسية القديمة وأرادت أن تستأنفها، فإنها تتعرض لعقاب أقسى من أي وقت مضى. إلا أنه من جهة أخرى قيّم هذا الزواج بوصفه ((تقدماً تاريخياً كبيراً، ولكنه يدشن في الوقت نفسه إلى جانب العبودية والثروة الخاصة، تلك المرحلة التي ما تزال مستمرة حتى أيامنا، والتي يعني فيها كل تقدم تراجعاً نسبياً، والتي يتحقق فيها ازدهار وتطور البعض بآلام البعض الآخر وقمعه. إن الزواج الأحادي إنما هو هذه الخلية من المجتمع المتمدن التي تمكننا من دراسة طبيعة الـتـناحرات والتـناقضات المتطورة تماماً في قلب هذا المجتمع.)) ولحل إشكالية العلاقة المتنافرة هذه بين الحب والزواج، كتب أنجلز: ((لا يمكن للحرية التامة في عقد الزواج أن تتحقق بصورة تامة إلا بعد أن يقضي إلغاء الإنتاج الرأسمالي وعلاقات الملكية التي خلقها الإنتاج الرأسمالي على جميع الاعتبارات الثانوية الاقتصادية التي لا تزال تؤثر الآن تأثيراً كبيراً في اختيار الزوج والزوجة. وآنذاك لن يبقى أي دافع غير دافع الميل المتبادل)) . إن انجلز بأفكاره هذه عن أصل العائلة وأشكال الزواج ومشكلة الحب، إنما أغنى نوعياً ما جاء به “ماركس ” في كتابات شبابه : (( كلّ تأريخ الحضارة الإنسانية هو تحريرٌ متواصل للإنسان من أغلال العالم الحيواني ، أنسنة تدريجية لتلك الطبيعة التي كانت ما تزال تسيطر على الإنسان في فجر التاريخ . إن أنساناً اجتماعياً يأخذ مكانه محل الإنسان القديم الطبيعي ؛ فالوعي الاجتماعي يحل اكثر فأكثر محل وعي القبيلة القديم الطبيعي . والتأريخ الإنساني يضيف إلى اللامساواة الطبيعية أشكالاً مختلفةً من اللامساواة الاجتماعية . والمجتمع الرأسمالي يخلق جميع الشروط المادية والفكرية الضرورية لهدم اللامساواة الاجتماعية . ومؤكدٌ أن هذه المساواة التامة لا يمكن أن تلغي التمايزات الطبيعية التي توجد وستوجد كنتائج للفرق الفسيولوجي بين الجنسين ، لكن تطور الحضارة اللاحق لابدّ أن يفضيَ إلي زوال جميع العقبات التي يخلقها المجتمع والاقتصاد والسياسة في وجه تلك المساواة)) .
وإذا كان مؤسسا الماركسية قد أدانا كل أنواع العلاقات البرجوازية في الاقتصاد والمجتمع، فانهما أدانا أيضاً (( التمرد الفوضوي على الزواج البرجوازي )) من خلال علاقات الحب الرومانسي غير الشرعية خارج إطار الزواج ، وكيف أن الشقاء والتمرد صارا خاصيتين ملازمتين للحب . كما أدانا الدعوات المتطرفة المطالبة بمشاعة النساء كرد فعل على بؤس الزواج البرجوازي ، وعدّا أن ذلك سيؤدى إلى (( إباحةٍ معّمقةٍ تفضي باسم الحب الحر إلى بغاءٍ عامٍ.)) . وقد حددا بالاستناد إلى نظرتهما المادية الطبقية (( أن الحبَ ذلك التفتح الرائع للشخص الإنساني ، مهددٌ بخطرٍ مزدوج ، اجتماعي وفردي : العبوديات الخارجية النابعة من علاقات الإنتاج ، ونداءات الغريزة الغاشمة . )) . وبالتالي فأن الحب بمضمونه التحرري الإنساني العميق لم يتحقق بعد على الأرض ، (( ففي كل المجتمعات الطبقية التي توالت على مر العصور ، اضطهدت المرأة وأستغلت ، وسُحـــِق الحب وأضطهِد وضُربَ عليه التحريم . )) وتوصــــلا إلى أن التغنّي بالنزوات الجنسية هو ردّ فعلٍ على الرياء البرجوازي اللا الأخلاقي ، وأن الإباحية (( إنما تعكسٍ فسادَ المجتمـــع البرجــــوازي ، إذ أن الفرد العاجز عن الانعتاق من العبوديات الاجتماعيـــة يصبح عبدَ الغريزة )) .
إن أرقى شكل للعلاقة بين الرجل والمرأة ، يظلّ مشروطاً لدى ماركس و انجلز بالمساواة الاجتماعية الكاملة . فعندما يتحرر الحب من جميع عناصره الحيوانية والإكراه المكشوف أو المقـنّع ، ويتحول في لحظةٍ إلى حالة من الاتحاد الروحي المتحقق بفضل المساواة التامة بين الرجل والمرأة ، آنذاك فقط تولدُ أسسً شكلٍ جديدٍ هو أسمى أشكال الزواج الوحداني . يستدل من ذلك أن مؤسسي الماركسية يحددان ٍمحتوى كل ظاهرة اجتماعية بنمط علاقات الإنتاج السائدة في مكان وزمان تلك الظاهرة ، وبالتالي فأن الحب لا يمكن أن يكون إنسانياً حقاً إلا في ظروف علاقات إنتاج حرةٍ تماماً وخاليةٍ من مفهوم (( الإنسان – السلعة )) الذي يستتر خلف كل بناء حضاري طبقي . فأصبح الحب بين المرأة والرجل في نظرهما ، ظاهرةً اجتماعية واقعيةً مرتبطةً بالضرورة بالبناء التحتي للمجتمعات ، وإنْ كان هذا الارتباط ليس خطياً أو سكونياً بسيطاً ، فالحب ليس نتاجاً ميكانيكياً مباشراً لعلاقات الإنتاج إذ يجب إدخال العناصر الفكرية الأخرى أيضاً في معادلة تكوينه .
لاشك أن العلوم النفسية والاجتماعية الحديثة تتفق إلى حد كبير مع الفلسفة الماركسية في تنظيرها المتعلق بالأثر الحاسم للبيئة الاجتماعية في تحديد سلوك الإنسان وإبكاره ومشاعره . ولا تكاد تخلو نظرية نفسية حديثة من التأكيد في أحد مضامينها على دور المحيط الخارجي في توجيه سيكولوجية الإنسان . لكن النقطة التي ينبغي التوقف عندها هي أن مؤسسي الماركسية يقرّان بوجود فروق بيولوجية بين الجنسين ، إلا انهما يصرّان بحتمية قويةٍ على أن التطور الاجتماعي للحضارة في المستقبل كفيلٌ بالتغلب على كل اللامساواة التاريخية بين الجنسين وبما يحقق حباً حراً راسخاً بين طرفي كل علاقة . إن نظرتهمـــــا (التبسيطية) هذه للعاملين البيولوجي والاجتماعي ( والتي لا تتفق مع منهجهما الجدلي الشمولي ) وتغليبهما للعامل الاجتماعي بوصفهٍ مفتاح التغيير المؤكد ، كان نتيجةً منطقيةً للحرب الفكرية التي وجدت الماركسية نفسها تخوضها ضد التيارات المثالية والغيبية والمادية الميكانيكية في القرن التاسع عشر ، فكان أن أولتْ جلّ اهتمامها لعاملٍ واحدٍ : ((العامل الاقتصادي – الاجتماعي )) ، شأنها في ذلك شأن التيارات الفلسفية والعلمية المهمة التي ظهرت في المرحلة الواقعة بين منتصفي القرنين التاسع عشر والعشرين ، والتي ركزت اهتمامها على عاملٍ واحدٍ أساسي عدته محور التفسير والتنبؤ ، كا لداروينية (عامل التكيف البايولوجي) ، و الفرويدية (عامل الجنس ) ، والحيوية (عامل الحدس) .
أن إلغاء الطبقية وتحقيق التوازن بين المتطلبات الاقتصادية والبايولوجية للإنسان ، لا يمكن أن يحقق منظوراً كاملاً لحل مشكلة الحب دون النظر والبحث في خفايا وميكانزمات عمل الجهاز العصبي المركزي للإنسان . فالحب بكل أشكاله أداء نفسي يعكسُ آليةً ماديةً فسيولوجيةً هي )) الانفعال)) Emotion ، ولكنه لا يعكس ذلك بطريقة مباشرة أو بسيطة . فالمسافة العصبية العقلية الواقعة بين ذلك الأداء النفسي وتلك الآلية الجسمية ، تكون مكتظةً بالمتغيرات الاجتماعية والحضارية والنفسية للفرد . فالإنسان هو الكائن الحي الوحيد القادر على إعطاء الانفعال الهرموني معانٍ معرفية ! فما هي نوع ودرجة الانفعال التي تحقق مفهوم الحب لدى الإنسان ؟ وما هي نقاط الاستمرارية أو الانقطاع في هذا الحب والمرتبطة حتماً بإيقاع الجهاز العصبي المركزي الخاضع لكل مثيرات الطبيعة والمجتمع ؟ إن تجارب وشواهد كثيرة تدلنا أن ااحب كثيراً ما يتوقف عن الديمومة بين أناسٍ متكافئين ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً . ألا يخلق الاستقرار والهدوء والمساواة واللا تمايز بين امرأة ورجل وضعاً يتسم بالملــــل ونقصــان الانفعال والإثارة إلى حد هبوط شحنة الحب عن ذروتها المنشودة ، بل ربما استحالته إلى تمثال أثري جميل ؟!
إن حلّ المعضلة الاقتصادية للبشر ، وتجريد علاقاتهم من طابعها التملكي الظالم ، و إقامة نمط من النظام الاجتماعي الملبّي للحاجات العقلية والفسيولوجية للإنسان والمرتكز على المنطق العلمي في إدارة شؤون الحياة وعلى الإدراك السليم لغايات الوجود البشري ، ومنع تغريب الإنسان و إعادة توحيده مع ذاته ومع المجتمع ، … إن كل ذلك ضروري حتماً لظهور نمط جديد من الحب الأصيل الحر بين المرأة والرجل ، إلا أن الأمر لابد أن يظل مرتبطاً بالتحليل الفسيولوجي والنفسي لا الاجتماعي فحسب لظاهرة الحب ، وصولاً إلى تحديد مفهوم أرقى له يتضمن كل متغيراته دون استثناء . فغموض مشكلة الحب تجعلنا نتريث في إطلاق أحكام نهائية عن أصولها وعن تحولاتها وعن مستقبلها ، ولا بدّ أن نبدأ بتجزئتها إلى مشكلات فرعية أولية قريبة أو إلى مستويات اكثر دقة وتفصيلاً ، دون أن نفقدَ نظرتنا الشاملة إلى الظاهرة بوصفها كلاً فسيولوجياً نفسياً اجتماعياً حضارياً لا يتجزأ إلا لأغراض البحث العلمي المصطنعة . وان التراكم المعرفي لمستويات البحث هذه على بعضها قد يولّدُ نظرةً كليةً جديدةً نسبياً للحب ، يكون لها أثرها المهم في العلوم الاجتماعية الأخرى فضلاً عن علم النفس ، فنقرر عند ذاك هل الحب ضرورة طبيعية لابدّ منها تتعلق بالتجاور البيولوجي بين الكائنات الحية عموماً وبين بني الإنسان خصوصاً ؟ أم هو تعبير عن حاجة الإنسان لكسر طوق عزلته الكونية والاجتماعية بتوجيه مشاعره نحو موضوع يخفف عزلته ؟ وهل الحب بين الجنسين نغمُ يَعزفُ على أوتار الجهاز العصبي في كل مكان وزمان ، وبالتالي لا فرق جوهري بين أنماطه عبر العصور ؟ أم شأنه شأن الغيرة والخوف والغضب هو نتاج فوقي من المشاعر والأفكار المتغيرة في ماهيتها ودرجتها حسب درجة تطور العلاقات الاقتصادية والاجتماعية المحيطة به ؟ ومتى يضعف العامل البيولوجي في الحب ويقوى العامل الاجتماعي ؟ ولماذا يفشل الحب في ظروف الاستقرار والأمان ، فيما ينجح ويتطور ويتقد في الظروف القاسية غير المؤاتية ؟
لنستمع أخيراً إلى الشاعر الفرنسي ” بول ايلوار ” ( 1895- 1952 )م الذي بدأ سريالياً وانتهى ماركسياً ، وهو يحدد ملامح هذا الحب الذي بشّر به ماركس وانجلز :
(( تلك التي أحب‘ ،
تجسّدُ رغبتي في الحياة
الحياة التي ألتـقـيها الآن فإذا هي أبـداً الآن
رغبتي في حياةٍ بلا حسرةٍ
في حياةٍ بلا ألمٍ ، في حياةٍ بلا موت
ولأنه ليس ثمة حياة أخرى فأنها حياة رائعة ! ))
(( المخطوطات الاقتصادية والفلسفيــة ))1844….
كارل ماركس
منشورات المكتبة الشيوعية
لا تختلفُ نظرة الماركسية إلى علاقة الحب عن نظرتها إلى العلاقات الاجتماعية الأخرى . فمقدار إنسانية العلاقة يحدده مدى تجرد تلك العلاقة من صفتها السلعية ، ومدى قدرة طرفي أو أطراف العلاقة على النظر إلى بعضهم بوصفهم بشراً فحسب غير مغمورين بالقيمة التبادلية الاقتصادية التي تحكم علانيةً أو سراً كلّ علاقةٍ اجتماعية حتى علاقة الحب . فالحب إذن في المنظور الماركسي مضمون اجتماعي ، وهو بناء عقلي فوقي أيضاً ، شأنه شأن السياسة والدين والأخلاق والعلم والفن . وهو انعكاس جدلي للتفاعلات الدينامية للبناء التحتي أي للعملية الاقتصادية . وبالتالي فلا يمكن أن ننظر الى محتوى العلاقة بين المرأة والرجل إلا بكونها درجةً من درجات التطور الاجتماعي البشري ، ونتاجاً للحركة الفسيولوجية والسوسيولوجية للإنسان وليست مثالاً مسبقَ التصوّر علينا بلوغه وصولاً إلى تجلياتٍ صوفيةٍ أو مسلّماتٍ فلسفيةٍ مثاليةٍ عن عالمٍ علويٍ سامي . كما أن مضمون هذا الحب سيظلّ مرتبطاً بنضال المرأة في سعيها للمساواة الاجتماعية والاقتصادية بالرجل ؛ فلا يوجد حبٌ أصيلٌ بين أعلى وأدنى .
وقـد عـرض “ماركس” أفكاره عن المرأة والزواج لأول مرة في الصحيفة الرينانية في العام 1842 . وحدد موقفه في المقالين اللذين نُشرا في هذه الصحيفة من قضيتي الزواج والطلاق (( مؤيداً وحدانية الأول وحرية الثاني . )). وبعد عامين أكد ماركس أن موقف الرجل من المرأة يحددُ (( درجة تحوّل سلوك الإنسان الطبيعي إلى سلوك إنساني )) . كما هاجم “ماركس ” الزواج البرجـــوازي بعنــف بوصفه شكلاً مـــن أشكال الاضطهاد الاجتماعي والاقتصادي مؤكـــداً (( إن الزواج ليس مفهوماً من المفاهيم كما يزعم “هيـغـل” ، بــل هو واقعة اجتماعية )) .
وقد أراد “ماركس” أن يكتب كتاباً عن تأريخ الأسرة البشرية ، إلا أنه توفي ، فتولى رفيق مسيرته الفكرية “فردريك انجلز ” ( 1820 – 1895 )م تنفيذ ذلك المشروع ، فوضع كتابه المهم (( أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة )) 1884 م ، والذي بيّن فيه ارتباط عبودية المرأة بظهور الملكيّة الخاصة . يعدّ هذا الكتاب أحد أهم المؤلفات في النظرية الماركسية في المجتمع. وقد اعتمد فيه أنجلز على المعلومات الواردة في كتاب “مورجان” ((المجتمع القديم)) وكذلك على معطيات العلم الأخرى. وبـّين التغيرات في أشكال الزواج والعائلة عبر التاريخ في علاقتها بالتقدم الاقتصادي للمجتمع. وحلل عملية تدهور النظام القبلي (المشاعي البدائي) وتحلله ونمو النظام الطبقي القائم على تقسيم العمل والملكية الخاصة، وكيف أن ظهور التناقضات الطبقية أدى إلى نشوء الدولة كأداة للدفاع عن مصالح الطبقة الحاكمة. كما حدد أنجلز ثلاثة أشكال للزواج تعاقبت بالتدريج خلال المراحل الرئيسة الثلاث من تطور البشرية. ((المرحلة الوحشية)) اتسمت بـ”الزواج الجماعي”، و ((المرحلة البربرية)) اتسمت بـ”الزواج الثنائي، و ((مرحلة الحضارة)) اتسمت بـ”الزواج الأحادي” المقرون بالخيانة الزوجية والبغاء. وفسر ظهور أشكال الزواج هذه بالمتطلبات الاقتصادية التي اقتضتها حياة المجتمعات البشرية خلال كل مرحلة من مراحل تطورها الاجتماعي والفكري. فالزواج الأحادي أو العائلة الأحادية مثلاً هي إحدى العلامات على بداية عصر الحضارة. وقد كان هذا الزواج إسقاطاً للحق الأمومي، و بالتالي هزيمة تاريخية للجنس النسائي، وتثبيتاً لشكل جديد من أشكال العائلة هو العائلة البطريركية (الأبوية). وكان شكل العائلة هذا يعني الانتقال من الزواج الثنائي إلى أحادية الزواج. فلأجل ضمان أمانة المرأة، وبالتالي لأجل ضمان أبوة الأولاد، توضع تحت سيطرة زوجها المطلقة؛ فإذا قتلها فإنه لا يفعل غير أن يمارس حقه. وثبوت الأبوة هذا ضروري لأن الأولاد سيملكون أموال والدهم ذات يوم بوصفهم ورثته المباشرين. ويمتاز هذا الزواج الأحادي عن الزواج الثنائي بكون عرى الزواج فيه أمتن بكثير، وبأنه لم يعدّ من الممكن فسخ هذه العرى كلما طاب لأحد الزوجين. فالزوج وحده على العموم هو الذي يسعه الآن أن يفسخ هذه العرى ويطلق امرأته، كما أن حق الخيانة الزوجية ما يزال مضموناً له شرط ألا يأتي بعشيقته إلى المنزل العائلي. وإذا تذكرت الزوجة الممارسة الجنسية القديمة وأرادت أن تستأنفها، فإنها تتعرض لعقاب أقسى من أي وقت مضى. إلا أنه من جهة أخرى قيّم هذا الزواج بوصفه ((تقدماً تاريخياً كبيراً، ولكنه يدشن في الوقت نفسه إلى جانب العبودية والثروة الخاصة، تلك المرحلة التي ما تزال مستمرة حتى أيامنا، والتي يعني فيها كل تقدم تراجعاً نسبياً، والتي يتحقق فيها ازدهار وتطور البعض بآلام البعض الآخر وقمعه. إن الزواج الأحادي إنما هو هذه الخلية من المجتمع المتمدن التي تمكننا من دراسة طبيعة الـتـناحرات والتـناقضات المتطورة تماماً في قلب هذا المجتمع.)) ولحل إشكالية العلاقة المتنافرة هذه بين الحب والزواج، كتب أنجلز: ((لا يمكن للحرية التامة في عقد الزواج أن تتحقق بصورة تامة إلا بعد أن يقضي إلغاء الإنتاج الرأسمالي وعلاقات الملكية التي خلقها الإنتاج الرأسمالي على جميع الاعتبارات الثانوية الاقتصادية التي لا تزال تؤثر الآن تأثيراً كبيراً في اختيار الزوج والزوجة. وآنذاك لن يبقى أي دافع غير دافع الميل المتبادل)) . إن انجلز بأفكاره هذه عن أصل العائلة وأشكال الزواج ومشكلة الحب، إنما أغنى نوعياً ما جاء به “ماركس ” في كتابات شبابه : (( كلّ تأريخ الحضارة الإنسانية هو تحريرٌ متواصل للإنسان من أغلال العالم الحيواني ، أنسنة تدريجية لتلك الطبيعة التي كانت ما تزال تسيطر على الإنسان في فجر التاريخ . إن أنساناً اجتماعياً يأخذ مكانه محل الإنسان القديم الطبيعي ؛ فالوعي الاجتماعي يحل اكثر فأكثر محل وعي القبيلة القديم الطبيعي . والتأريخ الإنساني يضيف إلى اللامساواة الطبيعية أشكالاً مختلفةً من اللامساواة الاجتماعية . والمجتمع الرأسمالي يخلق جميع الشروط المادية والفكرية الضرورية لهدم اللامساواة الاجتماعية . ومؤكدٌ أن هذه المساواة التامة لا يمكن أن تلغي التمايزات الطبيعية التي توجد وستوجد كنتائج للفرق الفسيولوجي بين الجنسين ، لكن تطور الحضارة اللاحق لابدّ أن يفضيَ إلي زوال جميع العقبات التي يخلقها المجتمع والاقتصاد والسياسة في وجه تلك المساواة)) .
وإذا كان مؤسسا الماركسية قد أدانا كل أنواع العلاقات البرجوازية في الاقتصاد والمجتمع، فانهما أدانا أيضاً (( التمرد الفوضوي على الزواج البرجوازي )) من خلال علاقات الحب الرومانسي غير الشرعية خارج إطار الزواج ، وكيف أن الشقاء والتمرد صارا خاصيتين ملازمتين للحب . كما أدانا الدعوات المتطرفة المطالبة بمشاعة النساء كرد فعل على بؤس الزواج البرجوازي ، وعدّا أن ذلك سيؤدى إلى (( إباحةٍ معّمقةٍ تفضي باسم الحب الحر إلى بغاءٍ عامٍ.)) . وقد حددا بالاستناد إلى نظرتهما المادية الطبقية (( أن الحبَ ذلك التفتح الرائع للشخص الإنساني ، مهددٌ بخطرٍ مزدوج ، اجتماعي وفردي : العبوديات الخارجية النابعة من علاقات الإنتاج ، ونداءات الغريزة الغاشمة . )) . وبالتالي فأن الحب بمضمونه التحرري الإنساني العميق لم يتحقق بعد على الأرض ، (( ففي كل المجتمعات الطبقية التي توالت على مر العصور ، اضطهدت المرأة وأستغلت ، وسُحـــِق الحب وأضطهِد وضُربَ عليه التحريم . )) وتوصــــلا إلى أن التغنّي بالنزوات الجنسية هو ردّ فعلٍ على الرياء البرجوازي اللا الأخلاقي ، وأن الإباحية (( إنما تعكسٍ فسادَ المجتمـــع البرجــــوازي ، إذ أن الفرد العاجز عن الانعتاق من العبوديات الاجتماعيـــة يصبح عبدَ الغريزة )) .
إن أرقى شكل للعلاقة بين الرجل والمرأة ، يظلّ مشروطاً لدى ماركس و انجلز بالمساواة الاجتماعية الكاملة . فعندما يتحرر الحب من جميع عناصره الحيوانية والإكراه المكشوف أو المقـنّع ، ويتحول في لحظةٍ إلى حالة من الاتحاد الروحي المتحقق بفضل المساواة التامة بين الرجل والمرأة ، آنذاك فقط تولدُ أسسً شكلٍ جديدٍ هو أسمى أشكال الزواج الوحداني . يستدل من ذلك أن مؤسسي الماركسية يحددان ٍمحتوى كل ظاهرة اجتماعية بنمط علاقات الإنتاج السائدة في مكان وزمان تلك الظاهرة ، وبالتالي فأن الحب لا يمكن أن يكون إنسانياً حقاً إلا في ظروف علاقات إنتاج حرةٍ تماماً وخاليةٍ من مفهوم (( الإنسان – السلعة )) الذي يستتر خلف كل بناء حضاري طبقي . فأصبح الحب بين المرأة والرجل في نظرهما ، ظاهرةً اجتماعية واقعيةً مرتبطةً بالضرورة بالبناء التحتي للمجتمعات ، وإنْ كان هذا الارتباط ليس خطياً أو سكونياً بسيطاً ، فالحب ليس نتاجاً ميكانيكياً مباشراً لعلاقات الإنتاج إذ يجب إدخال العناصر الفكرية الأخرى أيضاً في معادلة تكوينه .
لاشك أن العلوم النفسية والاجتماعية الحديثة تتفق إلى حد كبير مع الفلسفة الماركسية في تنظيرها المتعلق بالأثر الحاسم للبيئة الاجتماعية في تحديد سلوك الإنسان وإبكاره ومشاعره . ولا تكاد تخلو نظرية نفسية حديثة من التأكيد في أحد مضامينها على دور المحيط الخارجي في توجيه سيكولوجية الإنسان . لكن النقطة التي ينبغي التوقف عندها هي أن مؤسسي الماركسية يقرّان بوجود فروق بيولوجية بين الجنسين ، إلا انهما يصرّان بحتمية قويةٍ على أن التطور الاجتماعي للحضارة في المستقبل كفيلٌ بالتغلب على كل اللامساواة التاريخية بين الجنسين وبما يحقق حباً حراً راسخاً بين طرفي كل علاقة . إن نظرتهمـــــا (التبسيطية) هذه للعاملين البيولوجي والاجتماعي ( والتي لا تتفق مع منهجهما الجدلي الشمولي ) وتغليبهما للعامل الاجتماعي بوصفهٍ مفتاح التغيير المؤكد ، كان نتيجةً منطقيةً للحرب الفكرية التي وجدت الماركسية نفسها تخوضها ضد التيارات المثالية والغيبية والمادية الميكانيكية في القرن التاسع عشر ، فكان أن أولتْ جلّ اهتمامها لعاملٍ واحدٍ : ((العامل الاقتصادي – الاجتماعي )) ، شأنها في ذلك شأن التيارات الفلسفية والعلمية المهمة التي ظهرت في المرحلة الواقعة بين منتصفي القرنين التاسع عشر والعشرين ، والتي ركزت اهتمامها على عاملٍ واحدٍ أساسي عدته محور التفسير والتنبؤ ، كا لداروينية (عامل التكيف البايولوجي) ، و الفرويدية (عامل الجنس ) ، والحيوية (عامل الحدس) .
أن إلغاء الطبقية وتحقيق التوازن بين المتطلبات الاقتصادية والبايولوجية للإنسان ، لا يمكن أن يحقق منظوراً كاملاً لحل مشكلة الحب دون النظر والبحث في خفايا وميكانزمات عمل الجهاز العصبي المركزي للإنسان . فالحب بكل أشكاله أداء نفسي يعكسُ آليةً ماديةً فسيولوجيةً هي )) الانفعال)) Emotion ، ولكنه لا يعكس ذلك بطريقة مباشرة أو بسيطة . فالمسافة العصبية العقلية الواقعة بين ذلك الأداء النفسي وتلك الآلية الجسمية ، تكون مكتظةً بالمتغيرات الاجتماعية والحضارية والنفسية للفرد . فالإنسان هو الكائن الحي الوحيد القادر على إعطاء الانفعال الهرموني معانٍ معرفية ! فما هي نوع ودرجة الانفعال التي تحقق مفهوم الحب لدى الإنسان ؟ وما هي نقاط الاستمرارية أو الانقطاع في هذا الحب والمرتبطة حتماً بإيقاع الجهاز العصبي المركزي الخاضع لكل مثيرات الطبيعة والمجتمع ؟ إن تجارب وشواهد كثيرة تدلنا أن ااحب كثيراً ما يتوقف عن الديمومة بين أناسٍ متكافئين ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً . ألا يخلق الاستقرار والهدوء والمساواة واللا تمايز بين امرأة ورجل وضعاً يتسم بالملــــل ونقصــان الانفعال والإثارة إلى حد هبوط شحنة الحب عن ذروتها المنشودة ، بل ربما استحالته إلى تمثال أثري جميل ؟!
إن حلّ المعضلة الاقتصادية للبشر ، وتجريد علاقاتهم من طابعها التملكي الظالم ، و إقامة نمط من النظام الاجتماعي الملبّي للحاجات العقلية والفسيولوجية للإنسان والمرتكز على المنطق العلمي في إدارة شؤون الحياة وعلى الإدراك السليم لغايات الوجود البشري ، ومنع تغريب الإنسان و إعادة توحيده مع ذاته ومع المجتمع ، … إن كل ذلك ضروري حتماً لظهور نمط جديد من الحب الأصيل الحر بين المرأة والرجل ، إلا أن الأمر لابد أن يظل مرتبطاً بالتحليل الفسيولوجي والنفسي لا الاجتماعي فحسب لظاهرة الحب ، وصولاً إلى تحديد مفهوم أرقى له يتضمن كل متغيراته دون استثناء . فغموض مشكلة الحب تجعلنا نتريث في إطلاق أحكام نهائية عن أصولها وعن تحولاتها وعن مستقبلها ، ولا بدّ أن نبدأ بتجزئتها إلى مشكلات فرعية أولية قريبة أو إلى مستويات اكثر دقة وتفصيلاً ، دون أن نفقدَ نظرتنا الشاملة إلى الظاهرة بوصفها كلاً فسيولوجياً نفسياً اجتماعياً حضارياً لا يتجزأ إلا لأغراض البحث العلمي المصطنعة . وان التراكم المعرفي لمستويات البحث هذه على بعضها قد يولّدُ نظرةً كليةً جديدةً نسبياً للحب ، يكون لها أثرها المهم في العلوم الاجتماعية الأخرى فضلاً عن علم النفس ، فنقرر عند ذاك هل الحب ضرورة طبيعية لابدّ منها تتعلق بالتجاور البيولوجي بين الكائنات الحية عموماً وبين بني الإنسان خصوصاً ؟ أم هو تعبير عن حاجة الإنسان لكسر طوق عزلته الكونية والاجتماعية بتوجيه مشاعره نحو موضوع يخفف عزلته ؟ وهل الحب بين الجنسين نغمُ يَعزفُ على أوتار الجهاز العصبي في كل مكان وزمان ، وبالتالي لا فرق جوهري بين أنماطه عبر العصور ؟ أم شأنه شأن الغيرة والخوف والغضب هو نتاج فوقي من المشاعر والأفكار المتغيرة في ماهيتها ودرجتها حسب درجة تطور العلاقات الاقتصادية والاجتماعية المحيطة به ؟ ومتى يضعف العامل البيولوجي في الحب ويقوى العامل الاجتماعي ؟ ولماذا يفشل الحب في ظروف الاستقرار والأمان ، فيما ينجح ويتطور ويتقد في الظروف القاسية غير المؤاتية ؟
لنستمع أخيراً إلى الشاعر الفرنسي ” بول ايلوار ” ( 1895- 1952 )م الذي بدأ سريالياً وانتهى ماركسياً ، وهو يحدد ملامح هذا الحب الذي بشّر به ماركس وانجلز :
(( تلك التي أحب‘ ،
تجسّدُ رغبتي في الحياة
الحياة التي ألتـقـيها الآن فإذا هي أبـداً الآن
رغبتي في حياةٍ بلا حسرةٍ
في حياةٍ بلا ألمٍ ، في حياةٍ بلا موت
ولأنه ليس ثمة حياة أخرى فأنها حياة رائعة ! ))
(( المخطوطات الاقتصادية والفلسفيــة ))1844….
كارل ماركس
منشورات المكتبة الشيوعية