خليل حسن الزركاني - صفات الجمال في التراث العربي

جمال وأناقة

الجمال ثالث ثلاثة من القيم الخالدة التي شغلت الفكر البشري منذ بدأت المسيرة الانسانية على ظهر الأرض، لتتحقق الرسالة التي من أجلها خلق الله الإنسان وهي العبودية الخالصة له وحده.
وهذه القيم الثلاثة هي (الحق- الخير- الجمال).
والجمال له جانبان: حسي ومعنوي وقد فشل الفكر الإنساني تماما في وضع مقاييس ثابتة لهما جميعا، فالجمال هو ما يحرك قلبك حسنه ولكن هيهات، قلب من؟ الجمال إذاً شيء نسبي وإدراكه يختلف باختلاف الشعور. لذلك فإن الجمال يتوقف على نظرة الناظرين إليه.
مفهوم الجمال في اللغة العربية


•جاء في (لسان العرب) لابن منظور: "الجمال" الذكر من الإبل وفي القرآن الكريم (حتى يلج الجمل في سم الخياط) قال الفراء: الجمل هو زوج الناقة وقد ذكر ابن عباس أنه قرأ الجمّل "بتشديد الميم" بمعنى الحبال المجموعة، والجمل أيضا السمكة الضخمة، والجمال مصدر الجميل، والفعل جَمُل. وقوله تعالى (ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون)
• أي بهاء وحسن. قال ابن الأثير: و(الجمال) يقع على الصور والمعنى. ومن الحديث الشريف "إن الله جميل يحب الجمال" أي حسن الأفعال كامل الأوصاف. وتقول العرب: الجميلة هي السمينة من الجميل وهو الشحم، والجميلة هي التي تأخذ بصرك جملة، والجمال الحسي هو التناسق في كل موجود لا عوج في خلقه ولا اضطراب.
• والجمال المعنوي اقتران الجمال في هذا المجال بالصبر والصفح والكرم والشجاعة والبطولة وكل خلق مستقيم حتى إنه مقرون بأنماط شتى من السلوك البشري المستقيم.



الجمال في الفكر العربي الجاهلي

lاتخذت ظاهرة الجمال في الفكر العربي الجاهلي مغزى تجريبيا في استنتاج الأذواق الحسية، بمعنى النظرة السائدة في تقويم المنظور القديم لمعنى الجمال، اذ كان العرب يربطون النظرة الحسية بوصف الطبيعة والمرأة، غير أن وصف المرأة كان له الحظ الأوفر من الإعجاب، ولا غرابة في أن يكون تعبيرهم نابعاً من إحساسهم في تحقيق التكامل بين معطى النفس وملامح الطبيعة، وفقاً لما تفرضه الصورة الحسية من نقل المشاعر الداخلية وما شابه ذلك من المظاهر الخارجية وفي صورها الشكلية الظاهرة. ولعل إدراكهم للعالم الخارجي الملموس في نتاجهم الفني يجعلنا نتأكد من تأثير الصورة الخارجية في عالم الفنان العربي الجاهلي الداخلي كما نجده عند الكثيرين من الشعراء في مثل قول النابغة الذبياني:
lقامت ترائي بين سجفي كله
lكالشمس يوم طلوعها بالأسعد
lوقوله:
lبيضاء كالشمس وافت يوم أسعدها
lلم تؤذ أهلاً ولم تفحش على جار
lهذا عن النظرة الحسية للجمال عند العرب في الجاهلية، أما عن التجربة الداخلية للجمال (الجمال المعنوي) فنراها تتمثل في فضائل عدة، منها: الكرم والشجاعة والصبر والبطولة والذكاء والفطنة... وغير ذلك من الصفات الحميدة.
عناية الإسلام بالجمال

لملاحظة الجمال والاهتمام به موقع مرموق في الاسلام. وتتمثل قمة الجمال في القرآن الكريم، الأمر الذي لم يتمالك العرب حين سمعوه إلا أن يعلنوا انصياعهم له، ويتضح أن الكلمه الواحدة كانت تأخذ بمجامع القلوب فقد سمع أعرابي قوله تعالى (فاصدع بما تؤمر) الحجر: 94، فذهب به الفكر كل مذهب في استحضار جوانب الروعة في فعل (اصدع) فلم يتمالك إلا أن سجد، فقيل له: لم سجدت؟ فقال: سجدت لجماله.
وعلى نحو ما كان القرآن حريصا على تربية الذوق الجمالي في الانسان المسلم فكانت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مثالا تطبيقيا لما دعا إليه القرآن الكريم فقد كان صلى الله عليه وسلم معتنيا بمظهره فكان يقص شعر لحيته ويأخذ من طولها وعرضها بما يتناسب مع خلقته وهو القائل: "إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه فإن الله يحب الجمال" رواه مسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يتأنق في ملبسه نوعا وخياطة ولونا فقد لبس صلى الله عليه وسلم البرود اليمانية، وكان يبعث بملابسه الى من يخيطها في بني النجار إذ كان منهم من يتقن الخياطة، وكان يكره لنفسه ولأصحابه تعمد اختيار الألوان الصارخة الجالبة للأنظار فكان ينهى عن لبس الأحمر غير المشوب بغيره، كما كان يختار ألوانا خاصة بمناسبات خاصة، لما يوحي به اللون من طبيعة الموقف فقد دخل مكه معتمراً بعمامة سوداء للإشعار بجدية الموقف، كما كانت تصرفاته صلى الله عليه وسلم في نفسه وفيما يأمر به المؤمنين كانت تراعي مقتضيات الجمال والانسجام، الى الحد الذي أكسب فيه هذا الإحساس بالجمال.
جمال مختلف

يقول الإمام الغزالي:
"لا خير ولا جمال ولا محبوب في العالم إلا وهو حسنة من حسنات الله وأثر من آثار كرمه، وغرفة من بحر جوده. سواء أدرك هذا الجمال بالحواس أم بالعقل. وجمال الله سبحانه وتعالى أكمل الجمال
اختلاف تعريفات الجمال

ذهب العرب في تعريف الجمال مذاهب شتى فقال قوم "إن الحسن يعتبر بلون الوجه، والجمال يلاحظ بصورة أعضائه والملاحة هي التي تجمعها فكل مليح يكون حسنا وجميلا معا وليس كل حسن بجميل ولا كل جميل بحسن.
•والجميل الحسن هو الذي يأخذ بالبصر عن البعد فإذا دنا لم يكن كذلك والمليح هو ما يأخذ القلب عن القرب والبعد”
يقول الثعالبي في فقة اللغة: "الحسن في الوجه صباحة وفي البشرة وضاءة وفي الأنف جمال وفي العينين حلاوة وفي الفم ملاحة وفي اللسان ظرف وفي القد رشاقة وفي الشمائل لباقة وكمال الحسن في الشعر".
بين الملاحة والجمال والحسن
يخطئ البعض ويخلط في تعريف الحسن والجمال والملاحة كقول الشاعر:
وجه غاية الجمال ولكن
فعله غاية لكل قبيح
فقد جعل الشاعر القبح ضد الجمال وهو ضد الحسن، فالجمال ضده الدمامة، والحسن ضده القبح. والفرق بين الملاحة والجمال أن الجمال لا يحوزه إلا امرؤ معتدل القوام متناسب التقاسيم وفيه مع ذلك شيء من الفتنة، أما الملاحة فصاحبها خفيف الروح عذب النفس رشيق الحركة وإن كان صاحبها معتدل التقاسيم وليس به شيء من الفتنة.

لون الجمال

رأى العرب أن البياض آية الملاحة والجمال إذا مازجه الصفرة والحمرة.
يقول عمر بن الخطاب "إذا تم بياض المرأة وحسن شعرها فقد تم حسنها" وقالت عائشة: "البياض شطر الحسن" ويقول أبو الفرج الأصفهاني: "يمازج البياضَ لونان يزيدانه حسنا هما الحمرة والصفرة". وغالى فريق في الصفرة فجعلها عنوان جمال المرأة البيضاء، وقالوا: إن الجارية الحسناء بلون الشمس فهي بالضحى بيضاء وبالعشي صفراء. وهناك فريق آخر فضل بياض الحمرة فجعلوا صفة الحمرة اسماً لحسان النساء، ومن هذا الفريق جرير الشاعر عندما سئل عن الأخطل فقال (هو أوصفنا للحمر) أي للحسان الجميلات من النساء. ومن الأمثال "الحسن أحمر" *الجمال الأسمر:
روى أبو علي القالي في كتابه الأمالي قال "أتى رجل ابنته يستشيرها في إمرأة يتزوجها فقالت: (انظرها ركماء جسيمه) الركماء: السمراء. وشبه أحد الشعراء السمرة بذوب كافور بمسك
جمال العيون
علمت العرب أن العيون سر الجمال وآيته وغايته فهي قاتلة بجمالها آخذة بألباب الرجال، وقد وصفت نساء أهل الجنة بأنهن (حور مقصورات في الخيام) وهذا هو بشار بن برد يأتي في مقدمة الشعراء العرب الغزليين الذين أطنبوا في وصف الجمال، ويقال إن أدق وصف لجمال المرأة جاء في قوله:
حوراء خالط التفتير في أجفانها الحورا
يزيدك وجهه حسناً إذا ما زدته نظرا
من صفات العيون الجميلة
n1) الحَوَر: وهو شدة بياض العين في شدة سوادها، وهو أحور وهي حوراء بيِّنة الحور، قال تعالى (حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون) والحور جمع حوراء وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين، وقال مجاهد: الحوراء التي يحار فيها الطرف من رقة الجلد وصفاء اللون، وقال ابن عباس الحور في كلام العرب البيض، وقال مقاتل: الحور بيض الوجوه.
n2) التفتير: طرف فاتر وبه فتور وهو الذي يزيد استحسانه حتى يسترخي له من ينظره، وهو الذي أشار إليه سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بقوله: (وعندهم قاصرات الطرف عِين).
n3) الدَّعَج: شدة سواد العين وشدة بياضها مع سعتها، وعين دعجاء بيِّنة الدعج، قال كثيّر عزة:

n4) التبرج: سعة بياض العين وعظم المقلة وحسن الحدقة وهو أبرج، وعين بَرْجاء بيّنة البرج، وقد مر بنا آنفاً بيت ذي الرمة عند الحديث عن اللون الأصفر.
n5) الكحل: هو أن يعلو منابت الأشفار سواد خلقه وأن تسودّ مواضع الكحل، قال المتنبي:
n(ليس التكحل في العينين كالكحل)
n

حكيم عربي يضع مقاييس الجمال
يقول الحكيم العربي عن الجمال: "إذا حسن من المرأة خفاها حسن سائرها صوتها ومشيتها".
وهذه هي بعض السمات المشتركة بين النساء الجميلات في نظر العربي:
بهاء الصحة، والشعر اللامع البراق، والصوت الخافت العذب، والمشية المطمئنة، والقد المعتدل، الشخصية التي تفيض بالمرح والسعادة، والشوق الى المعرفة، وقوة الأخلاق وثباتها، والثقة بالنفس وإرسالها على سجيتها... فإذا اجتمعت في المرأة كل هذه الصفات فهي أجمل نساء العالم وأكثرهن جاذبية على الإطلاق.

بالرغم من تفشي البدانة وارتفاع معدلات السمنة بجميع دول العالم ، بات الأمر طبيعي وغير مزعج لبعض السيدات ، وخاصة أن بعض دور الأزياء اهتمت بذوات الأحجام الفضفاضة وخصصت لهنّ عروض خاصة تقدمها عارضات بدينات ، وبالرغم من ذلك تقع البنت تحت وطأة الضغوط النفسية وتكره نفسها إذا ما شعرت بزيادة طفيفة في الوزن وتتخيل أن شكلها أصبح بشعاً .
ولا تعلم كثيرات ممن يفتقدن الثقة بأنفسهن أن البدانة كانت مساراً للإعجاب لدي بعض الشعوب والثقافات ، وتغزل العرب قديماً فى المرأة البدينة عندما وصفوها بالناقة ذات السنامين وبصفة خاصة عشق العرب المرأة التى تتمتع بمقاييس ضخمة ،
وكانوا يطلقون عليها "الخديجة" أي ممتلئة الذراعين والساقين ، وهناك "البرمادة" التي ترتج من سمنتها ، والبدانة من أهم مقاييس الجمال العربي فقد كانت المرأة "العبلاء" هى المرأة الجميلة في نظر العربي، والعبلاء هي من كان أعلاها خفيفا وأسفلها كثيبا، وكانوا يتعوذون بالله من المرأة النحيفة الزلاّء "خفيفة الشحم" ويقولون : "أعوذ بالله من زلاّء ضاوية كأن ثوبيها عُلّقا على عود" ، ويصف العرب المرأة البدينة بخرساء الأساور، لأن البدانة تمتد الى الرسغ فتمنع ارتطام الأساور فتصبح خرساء.
ثقافات مختلفة

وفى نهاية الثلاثينات وأوائل الأربعينات كان المجتمع المصري يفضل المرأة السمينة ، وكانوا يعتبرونها بنت عز وسيدة مدللة ،
وهناك مثل مصري شعبي يقول "الراجل زى الجزار ما يحبش إلا السمينة" لأن الرجل في زواجه يختار البدينة القوية ، والجزار يختار السمينة من الضأن لجودة لحمها فهما متفقان في الاختيار وإن اختلف القصد ، وهذه المقولة الشعبية يقولونها في مدح "السمن" .
•وهناك ثقافات أخري تفضل النساء ذوات المقاييس الكبيرة فى كل شي وفي جزر المارتينك أيضاً لديهم مشكلة مع المرأة النحيفة التي يفضلون عليها المرأة السمينة، حيث يقول المثل "المرأة النحيفة لها رائحة السمك".
سمنة بالإكراه

ومازال معظم الموريتانيين يبحثون عن المرأة البدينة ، بل أن البنات يخضعن إلى جرعة تسمين عنيفة خوفاً من التسمين القصري ، وذلك لأن الرجل الموريتاني لا يرغب إلا بالفتاة المنتفخة السمينة ، وبالرغم من جهود الحكومة المضنية للقضاء على هذا الموروث الذي يخضع البنت "للتسمين القهري" إلا أن مكانة الفتاة في قلب الرجل لا تزال تقدر بحسب حجمها ، فكلما سمنت وانتفخت احتلت مساحة أكبر فى قلبه ، بل أن الرجال يستعيذون من الفتيات النحيفات.
و مادام الرجل لا يعشق سوى الفتيات الممتلئات اللائي يجررن قاطرة من الأرداف الممتلئة ، فتخضع البنت للتسمين بهدف الزواج ، وتتم عملية التسمين في موريتانيا تحت إشراف الأم التي تفرض على البنت استهلاك كميات هائلة من حليب الأبقار والضأن والدهون إلي جانب المواد النشوية
وذلك تحت الإكراه والضغط والضرب المبرح أحياناً ، وتضطر الفتاة لتناول الكميات المقدمة إليها بشكل مفرط ، وفي غضون أسابيع قليلة تنتفخ الفتاة ويرتفع وزنها إلي 120 كلج، وهو الوزن الذي يؤهلها للزواج ، أما إذا لم تكن للبنت قابلية للتسمين بحيث تظل نحيفة تترك وتهمل ونادرا ما تحصل علي شريك حياة، ويشبهها الرجال بالفرخ المنتوف ، ويحملون أمها المسؤولية لأنها فشلت في مهمتها .
زوجة مثالية

أما الدراسات الحديثة فأكدت إحداها أن المرأة البدينة زوجة مثالية وأرجعت الدكتورة - جاكلين سونا -أخصائية علاج المشكلات الزوجية أن ما خلصت إليه الدراسة يبدو غريباً ولكنها الحقيقة ، بعد أن تبين أن نسبة الطلاق و مشكلات الأسرة في المجتمعات ستقل إذا اختار الرجال زوجات سمينات.
nوعلقت على الدراسة التي استمرت خمس سنوات أن النساء البدينات يعتبرن أفضل الزوجات لأن من السهل التعامل معهن ، فهن لا يفسدن بالإطراء والتدليل مثل نظيراتهن من النحيفات السريعات الغضب كلما ضايقهن شيء ، كما أنهن أكثر قدرة على ا لتفاهم وتحمل فظاظة الزوج بسبب مهارتهن في تصريف أمورهن التي تعلمنها منذ الطفولة وعدم اعتمادهن على الجمال فقط كالأخريات.
nووجد سونا أثناء دراستها أن السيدات من ذوات الوزن الثقيل يعرفن كيف يضفين السرور على حياة الرجل وذلك لتمتعهن بحس مرهف وشهية كبيرة للمسرات الحسية للحياة، وترى أن أي رجل يوفق في اختيار عروس بدينة سيكون محظوظاً وسعيداً جداً ، فالبدينات أكثر ثقة بأنفسهن وأفضل صحة ويكرسن كل طاقتهن لزواجهن ويعملن على إنجاحه بعكس النحيفات اللاتي يكثرن من القلق على مظهرن ويلتزمن دائماً بنظام حمية معينة، مشيرة إلى أنهن أفضل الأمهات لأنهن تعودن على ألا يكن بؤرة اهتمام الأسرة وبالتالي فهن يكرسن أنفسهن وأوقاتهن في سبيل إسعاد الزوج والأطفال أكثر من غيرهن من النساء الأخريات اللاتي يهتممن بمظهرهن فقط ولا يفكرن إلا في أنفسهن .
كل ما سبق من دراسات وموروثات شعبية لدي بعض الثقافات ليست دعوى للسمنة وزيادة الأوزان، ولكن إذا كنتِ بدينة بالفعل عليكِ أن تبحثي دائماً عن سبل الرشاقة لتتمتعي بصحة جيدة، وفى الوقت نفسه لا تجعلي بدانتك تسبب زعزعة ثقتك بنفسك.



* صفات الجمال في التراث العربي
الأستاذ الدكتور خليل حسن الزركاني
رئيس مركز إحياء التراث العلمي العربي
 
أعلى