نقوس المهدي
كاتب
1
يُروى أن الأمير التقى بامرأة أجنبية جميلة وأنيقة عندما كان في الأسر في فرنسا فسألته : « لماذا تتزوجون العديد من النساء وليس واحدة فقط كما عندنا » فأجابها الأمير : « نحن نحب واحدة من أجل عينيها وأخرى من أجل شفتيها وثالثة من أجل قامتها ورابعة من أجل عقلها وقلبها فإذا اجتمعت هذه الصفات في امرأة واحدة مثلك لما اخترنا غيرها »1 !
2
لا أعلم إذا ما كان هذا القول هو للأمير بالفعل أم لا، لأننا إذا ما قارناه مع أجوبته على أسئلة الجنرال Daumas عن المرأة أو عن رأيه فيها في مؤلفاته ووصفها في أشعاره فإننا نلاحظ بادئ ذي بدء أنه محب للمرأة ولجمالها حباً شديداً إلا أنه يؤكد على أن أهم الصفات للمرأة هي ذات الدين. ومن الصحيح القول أن قلب الأمير تعلق بالمرأة ولم يتحرج من إظهار ضعفه أمامها حيث عبر عن ذلك في قوله لزوجته :
وأخضعُ ذِلَّةً فتزيدُ تِيْهاً = وفي هَجْري أراها في اشتدادِ
رِضَا المحبوبِ ليس له عَدِيلٌ = بغيرِ الذُّلِّ ليس بمستفادِ2
3لكننا لا نجد في أشعاره الغزلية أي وصف لتحديد ملامح المرأة التي أحبها، بل إنه ظل شاعراً غزلياً تقليدياً يصور المرأة بصورة الظبي والغزال. وهذه الصورة خضعت للسياق الصوفي المكمل للسياق الشعري في نظرية غريبة خاصة به. حيث يعتبر أن لكل صورة استعداد وقابلية معينة لتستقبل نفخة الروح فيها، بالتالي كل روح في عين وجودها تظهر بصورتها وبلغ حب النساء في نفس الأمير مبلغاً كبيراً تجلى بعد ذلك في فكره ومذهبه الصوفي. ويمكن أن نعزو ذلك إلى عدة أسباب :
- 1سبب تاريخي يعود إلى أخلاقية الفرسان، خاصة الشعراء، التي ترتبط بشكل عميق بعشق المرأة.
- 2سبب تربوي يكشف لنا تأثره الكبير ومحبته الشديدة لوالدته التي شاع أنها كانت تملي عليه صيغة رسائله الرسمية وكانت تشاركه الأسفار كما أنها رافقته إلى الأسر وقد ذكر ولده محمد في تحفة الزائر العديد من المواقف التي ترجمت عن علو مكانة والدته عنده مما انعكس ذلك على الأشخاص والرؤساء فاحتلت المكانة نفسها عندهم. ففي حفل أقيم في باريس 27/10/1852 سأل نابليون الثالث عن أحوال والدته فأجاب الأمير كانت في يوم 15/10 تمشي متكئة على العصا. وفي 16 منه مشت مستقلة من غير عصا. مشيراً إلى حالها قبل إطلاق سراحهم وبعده3 ! ولا أدل حادثة على قوة حضور والدة الأمير في نفسه حادثة الانسحاب ففي 15 كانون الأول 1847 أي قبل استسلام الأمير للفرنسيين بأسبوع جلس منعزلاً في الصحراء يصلي غارقاً في حيرة اختيار القرار الصائب إلى أن أتت ليلة تراءى له طيف والدته وجرى بينهما حوار حول موقفه الحرج ثم قالت له : « إن معركة خاسرة لا تحسب شيئاً أمام معارك كنت فيها المنتصر دائماً. والله قد عودك الجميل » وأضافت : « يا ولدي إذا استسلمت للفرنسيين فهم لا بد يقدرون لك عدة مواقف في معاملتك لأسراهم وفي مراسلاتك لشخصيات كبرى فيهم. وهم ينظرون إليك أنك ضحية ومعتدى عليك وأنك دافعت عن بلادك لإخلاص ولوفاء منك، ولم يسجلوا عليك غدراً ولا نقضاً للعهد »، فأخذ الأمير أقوال أمه محوراً للتفكير إلى أن وصل إلى قرار الانسحاب والاستسلام للفرنسيين4.
- 3سبب شخصي يبين لنا طبيعته الفطرية في جانبيها الروحي والجسدي التي أضفى عليها طابع العمومية من تكرار قوله إن العرب من أشد شعوب الأرض حباً للنساء.
- 4سبب ميتافيزيقي يعود إلى الحب القوة القاهرة التي لا نملك إزاءها خياراً، ولا دواء لمن أصابه الحب، يقول :
بأن سقيم الحب هيهات ما له = دواء إذا ما الحب أصبح نائي
عسى ولعل الله أن يبرد الأسى = فإن رجاء الوصل بعض دواء5
فيا قلبي المجروح بالبعد واللقا = دواك عزيز لست تنفكُّ ولهانا
أسائل عن نفسي فإني ضللتها = وكان جنوني مثل ما قيل : أفنانا6
4لا ننسى أن الجمال المصاحب للحب من العوامل الأساسية في ميل قلب أميرنا إلى المرأة، يقول في زوجته :
وماذا غير أن له جمالاً = تملّك مهجتي ملك السواد
وسلطان الجمال له اعتزاز = على ذي الخيل والرجل الجواد7
- 5سبب مذهبي حيث انتقل في آخر مراحل حياته، التي امتدت من 1856 إلى 1883، إلى الالتحاق بمدرسة ابن العربي الفلسفية الصوفية، ذلك الشيخ الذي أتى بنظرية جديدة عن المرأة والأنثى بامتياز كان له الأثر الأكبر في نظرته حول مفهوم المرأة في المستوى الصوفي.
5إذا أخذنا بتقسيم فكر الأمير وانتقاله من مراحل الـتأمل والفتوة والمطالعة إلى مرحلة التصوف8 وجدنا أن مفهومه عن المرأة شهد تطوراً ملموساً من خلال كتاباته إلى أن انتهى إلى كتابه الفلسفي الصوفي المواقف، حيث عدّه ولده « بيت القصيد وحسن الختام »9، فيه دُوّن بعض التجارب الشهودية الخاصة به في معرفة سر قوة المرأة ومقامها العالي كما سنرى بعد قليل.
6لكن هل كان تطور مذهبه عن المرأة مجرد تطور نظري فحسب، ذلك أن شدة حبه وتأثره بشيخه ابن العربي جعله يقبل بكلية المذهب في تفسير العلاقة بين الخالق والمخلوق وبجزئيته في مفهومه عن المرأة خصوصاً ؟ بينما ظل على الحقيقة مخلصاً للنص الشرعي ؟
7على كل حال سأستعرض أمامكم رأيه عن مفهوم المرأة في المستويين الشرعي والصوفي لأصل معكم إلى معرفة إلى أي حد يمكن أن تتعارض أو تتفق نصوص عبد القادر الجزائري في ذينك المستويين ؟
المرأة في فقه عبد القادر الجزائري
8يجيب الأمير على أسئلة الجنرال Daumas10 حول المسائل الشرعية الإسلامية المتعلقة بالمرأة، معتمداً على أقوال العرب ومستشهداً، أحياناً، بالعهد القديم والجديد ليدعم صحة نظرياته. وهو من خلال هذه الأجوبة يقوم بمقارنة حال المرأة في المجتمع العربي وأختها في المجتمع الغربي.
أفضلية الذكر على الأنثى، أفضلية الأصل على الفرع
9فضل الله الذكر على الأنثى. لأن للذكر أسبقية في الخلق، والأنثى لها الدرجة الثانية في الخلق لأنها الفرع، والأصل أشرف من الفرع.
10والرجل قوّام على المرأة لأنها ببساطة ضعيفة وتحتاج إلى من يعيلها ويحميها11. فالرجل هو الأصل، المتبوع، الآمر، الناهي، الحاكم. والمرأة هي الفرع، التابعة، المأمورة، المنهية، المحكومة. ومن بدل تلك التقسيمات والأدوار الاجتماعية فقد خالف حكمة الله وسنته. وقد أعطى لها صلاحيات التصرف مثل الحاكم في بيتها، أي لا بد أن يشاور الرجل زوجته في الأمور البيتية فقط. وهذا من الأدلة الدامغة في رأيه على احترام الرجل امرأته. لكن إذا تعلق الأمر في مشورة خارج المنزل، فالعربي لا يحبذ ذلك لأن الغالب على النساء صفات الجبن والبخل !
غيرة الرجل العربي المسلم على المرأة وتبعاتها
11حب العرب الشديد للنساء هي الحجة الأساسية التي دار حولها الأمير في أي مسألة تتعلق بالمرأة وحقوقها وواجباتها. فالغيرة وتحريم الاختلاط بين الجنسين والحجاب كلها، مسائل نظر إليها الأمير من عقلية عربي مسلم ذي حمية متشددة لا تقبل المناقشة أو المراجعة !
12يقول على لسان الحكماء : « إن كل أمة كانت الغيرة في رجالها، كانت الصيانة في نسائها12 ». ومع أنه من أنصار الغيرة الوسط التي هدفها الوحيد صون المرأة والحفاظ على عدم اختلاط الأنساب، إلا أنه يحرم النظر إلى المرأة إلا في حالة واحدة هي بهدف الزواج. لأن الرجل إذا لم ينظر إلى العروس قبل زواجه منها فقد تصحبه الندامة طوال عمره. فهو يربط بين النظر إلى المرأة وحدوث الفتنة ومن ثم اشتهاؤها لا محالة.
13إن أول العشق النظر، وقد استشهد بقول عيسى عليه السلام : « إياكم والنظر فإنه يزرع في القلب الشهوة ». وقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي : « لا تتبع النظرة، فإن مبدأ الزنا معاودة النظر
14وعندما أراد أن يقرب إلى أذهاننا الحكمة الإلهية في خلقنا مختلفين بالصورة، ضرب لذلك مثلاً يكشف لنا عن أن مسألة الاختلاط والغيرة على النساء العربيات المسلمات كانت مسألة تشغل حيزاً كبيراً في تفكيره، فشاهده في أنه لو كنا متشابهين بالصورة لما تميز زوج هذه المرأة عن من لم يكن زوجها، بالتالي تختلط الأمور ويتداخل الحلال بالحرام13. من هنا فإن حجاب المرأة والمباعدة بين أجساد النساء عن أجساد الرجال فرض إسلامي، لما كثرت الفاحشة وقلت المروءة بين الناس.
الزواج ومسألة الصداق14
15يحتقر الأمير الرجل الذي يتزوج المرأة لأجل مالها فهو من أخس الرجال. ومن يقدم على ذلك ارتفعت عنه أخلاق الإسلام. فالمال زائل وإذا زال المال زالت الألفة وبطل الزواج. والمرأة إذا كانت ذات مال فيلزم أن تأخذ معها إلى بيت زوجها بقدر الصداق الذي قدمه الرجل لها.
16يفتخر كثيراً بأن العرب محبون للنساء لا لمالهن بل لذاتهن، مقارناً حال المرأة في الشعوب الأخرى حيث أن المرأة التي لا مال لها تصل إلى الأربعين وهي غير متزوجة، لأن رجال تلك الشعوب لا تحب المرأة لذاتها !
17وينفي عن الصداق تهمة التجارة، بمعنى أنه مبلغ يدفع الرجل به ثمن المرأة التي يختارها لتصبح ملكه. ويعتبر أن لا وجود لمسلم شريف يعد زوجته سلعة يمتلكها. من هنا فهو يدين زواج البنت الصغيرة من رجل مسن كرفضه تماماً زواج المسنة من شاب صغير. فهي ليست من خصال المسلمين. والأمير من أنصار الزواج المبكر لأنه يحصن المرأة والرجل من وضع شهوتهما في الزنا. كما أنه أعطى للمرأة الحق في طلب الطلاق تماماً كالرجل.
مَنْ مِنْ النساء يطلبها الرجل المسلم للزواج ؟
18إن الخصال المطلوبة في المرأة عند الأمير لم تخرج عن الفكر التقليدي، فهي ست خصال : 1. ذات دين : لأنها بذلك ستصون فرجها ووجه زوجها من العار بين الناس. 2. حسنة الخلق : لأنها ستريح زوجها. 3. جميلة : تحصن زوجها من النظر إلى غيرها، بالتالي تكفه عن الزنا. 4. الولود : لأن التي تنجب تتحقق معها أعظم فوائد النكاح. 5. البكر : فبما أن « الطباع مجبولة على الأنس، بأول مألوف لها، فإن البكر في الغالب تحب الزوج وتألفه15 ».
تعدد الزوجات والجواري ومسألة العدل بينهما
19فرض الله مسألة تعدد النساء أولاً « لسلامة الدين والكف عن الزنا ». والرجل إذا كان ممن تكفيه امرأة واحدة فهو أفضل في شرع الله وأما من لم يسلم دينه بواحدة فعليه بتعدد النساء ويعد أن التسوية والمعاملة العادلة بين الزوجات يكون في المبيت واللباس والأكل وغير ذلك من الماديات، أما ما يتعلق بالقلب والحب والجماع فهو غير ملزم بالعدل شرعاً. لأن الحب لا سلطان لنا عليه وهو هبة من عند الله لا خيار لنا فيه. ولو كانت زوجة أجمل من الأخرى فإنه معذور بأن يمنحها الأفضلية في الحب والجماع، لأنه « لا يقدر الإنسان أن يبغض الوجه الحسن » ! إلا أن الأمير ترك هنا للمرأة القبيحة نصيباً من الحب، وإن لم يصرح بذلك، فالقلب ليس مجبولاً على حب الحُسن والجمال فحسب، بل على حب الإحسان أيضاً. بالتالي فالمحسنة لزوجها قد تفوز بقلبه.
20وموقفه هذا لم يتغير في المستوى الصوفي. المقصود بالميل في الآية القرآنية : « ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل » (النساء/129) هو الميل المقبول لتحقيق العدل بين النساء الموجود في القلب فقط. أما في الظاهر فيجب ترك هذا الميل لأن في إرضاء إحداهما إغضاب للأخرى وإدخال السرور على إحداهما تحزين للأخرى وهكذا16.
ضرب المرأة والمعاملة السيئة17
21قال رسول الله ص : « لا يضرب النساء إلا أشرار الرجال ». وقال : « من صبر على خُلق امرأته، أعطاه الله من الأجر، ما أعطى أيوب على بلائه ». فأخلاق العربي المسلم ليس كف الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها والحلم عند غضبها. كما أن المرأة لا يتوجب عليها خدمة منزلها، ولا تُكلف أعمالاً لا طاقة لها بها. بل من مسؤوليات الرجل أن يحضر من يعينها في المنزل إذا كان ميسور الحال، أو أن يساعدها بنفسه.
ميراث المرأة
22إن الميراث هو قسمة من عند الله. وأن تفضيل الله الذكر على الأنثى في جعل قسمتين له في مقابل قسمة واحدة للأنثى إنما هو تحصيل حاصل لأفضلية الذكر على الأنثى بالقوة، والصبر على المشاق، ومباشرة القتال، وتولية الأعمال، والمناصب الدينية والدنيوية18، وما عدا ذلك فعلى الرجل أن يسوي بين أولاده في العطية.
تفسير الأمير لحديثين شريفين عن المرأة مختلف فيهما وردا في كتابه المواقف19
23الأول : قول الرسول الكريم : « إنما الشؤم في ثلاث : الفرس والمرأة والدار ». بينما ذكر دون تفصيل في الأجوبة أن العرب في الجاهلية كانت تعتقد بالطِيرَة وعندما جاء الإسلام أبطله. أخذ في المواقف هذه المسألة ليحللها ويطبق عليها مذهبه الصوفي. فالرسول ص كان يعلم استعداد وقابلية كل فرد لتلقي وقبول الأوامر والنواهي، بالتالي كان خطابه في البدء للذي يعتقد بالشؤم في أشياء كثيرة لما حصل له من استمرار العادة فكان من الرسول أن ردّ تلك الأشياء إلى ثلاثة، وهذا لا يعني أنه قرر الشؤم في المرأة لأنه بعد أن حصل القبول والاستعداد قال : « لا عدوى ولا طيره ولا هام ولا صفر ».
24الحديث الثاني : في حسبة رياضية يجهد الأمير نفسه كي يرفع التناقض القائم بين حديثين متعلقين بموضوع الجنة والنساء. الأول : « أريت النار، فرأيت أكثر أهلها النساء »، الثاني : « لكل واحد من أهل الجنة زوجتان من نساء الدنيا »، الأول يدل على أن النساء في الجنة أقل من الرجال. بينما يدل الثاني على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال !
25يحل هذا التناقض منطقياً، فتكملة الحديث الأول عندما سُئل الرسول الكريم عن السبب في كون النساء أكثر أهل النار يعود إلى كفرهن بالإحسان. وهذا ليس من دواعي الخلود في النار بل لا بد أن تدركهن الشفاعة ويخرجن إلى الجنة، فتكون النساء في الجنة أكثر، لأن الثابت الأصلي أن لأهل الجنة اثنتين من نساء الدنيا واثنتين من الحور العين. بالتالي ننتهي مع الأمير من خلال هذه الحسبة أن الرجال في النار أكثر عدداً من النساء !
26أما الرواية التي تقول : « ما من عبد يدخل الجنة إلا ويزوج اثنتين وسبعين زوجة، اثنتين من الحور العين وسبعين من أهل ميراثه من أهل الدنيا »، فهذا العدد إنما هو ميراث يرثه المؤمن، عمن يدخل النار ويخلد فيها من الرجال، بالتالي ننتهي مع الأمير من خلال هذه الحسبة الرياضية أن الرجال في النار أكثر عدداً من النساء20 !
دور المرأة في المجتمع وحقها في التعليم
27يقسم عبد القادر الجزائري الأعمال بين المرأة والرجل قسمة تقليدية، فالمرأة تهتم بالغزل والنسيج والخياطة والطبخ إذا كانت حضرية، أما إذا كانت بدوية فتعمل في سقي الماء والاحتطاب. مع ذلك فهو من أصحاب مقولة « وراء كل رجل عظيم امرأة »، لأن المرأة في أوقات الحرب مثلاً تظل تحث زوجها وتشجعه على النصر، وإن وقعت هزيمة ما، فإنها تحرم زوجها من تقبيلها والتقرب منها إلى أن يأخذ بثأره من عدوه.
28وقد ذكر الأمير في ذكرى العاقل وتنبيه الغافل21 عندما أخذ في تفصيل وسائل التفاعل بين الناس وحددها بثلاث : الإشارة، اللفظ، والكتابة، أن الكتابة الترجمة الحقيقية لكل علم إنما هي من أشرف خاصية النوع الإنساني « لولا الكتابة ما استقام للناس دينٌ ولا دنيا » والإنسان بقدر ما تتحقق فيه تلك الخاصية وبقدر ما يحصله من العلوم بقدر ما يقترب من الكمال.
29نتساءل هنا هل وقع الأمير في تناقض كبير عندما حرم (في الأجوبة) على المرأة الكتابة والعلم؟ وكرر ذلك في ذكرى العاقل، ولم يكتف بذلك بل أخرج المرأة من مرتبة الكمال بنفي عنها الاهتمام بالعلم والكتابة أشرف خاصية للنوع الإنساني. بينما في المرحلة الثانية من تطوره الفكري، أي مرحلة التصوف، عندما كان يردد آراء أستاذه في المواقف حول الكمال وبلوغ الإنسان مرتبة الإنسان الكامل لم يستثن المرأة من تلك المرتبة، بل إنه تبع أستاذه في مذهبه الجديد حول مفهوم المرأة كونها نداً وجودياً، وعنصراً فاعلاً ليس بالمنفعل فحسب، إلى أن انتهى، كما انتهى إليه أستاذه، أن الشهود الأكمل للحق يكون في المرأة، لنفصّل تلك الآراء.
مفهوم المرأة في النص الصوفي
أساس المذهب : التجلي الإلهي
30كي نفهم مفهومه حول المرأة على هذا الصعيد يجب أن نشير إلى أن الأمير تبنى في تفسير العلاقة بين العالم الإلهي والعالم الإنساني نظرية التجلي الإلهي. فالأسماء والصفات الإلهية تجليات لعدة معان للجمال الإلهي. والجمال الإلهي يتجلى في المحسوس في مستوى العالم الإنساني من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : « رأيت ربي في صورة شاب أمرد » كما يتجلى في المعقول كقوله تعالى في الحديث القدسي : « أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء »22. والمرأة من أجمل صور تجليات الجمال والكمال الإلهي.
الثنائيات الوجودية والنكاح الكوني
31اتبع الأمير النظرية الثنائية لترتيب الموجودات التي أول ما ظهرت بشكل نسق متكامل مع أستاذه الشيخ محيي الدين ابن العربي. مع تلك النظرية لا يمكن أن نقرأ كتاب الوجود إلا ونجد أنفسنا أمام قطبين، وأننا جزء من عملية نكاح كوني؛ فاعل ومنفعل، طالب ومطلوب، ما هو بالقوة وما هو بالفعل، مؤثر ومؤثر فيه، عنصر فحولي وعنصر أنثوي، رجل وامرأة.
32وفي كل ثنائية نلاحظ قوة الدور الذي مثله العنصر الأنثوي. فأول مرتبة للموجودات كان العقل الأول/القلم الأعلى وهو نفسه الحقيقة المحمدية التي تمثل أصل ومنبع الموجودات من الآية القرآنية : « يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء » (النساء/1)، ومن هذه الحقيقة خلق زوجها وهي المسماة باللوح المحفوظ. والنفس الكلية خلقت ليكتب فيها القلم وتكون محلاً لكتابة كل العلوم الإلهية المتعلقة بخلقه إلى حين يبعثون (لهذا سمي قلماً إلهياً)، هي حاوية وجامعة ومفصلة لكل العلوم في العقل الأول وتحتل مرتبة الانفعال لأنها تنفعل عن العقل23. والقلم يفقد ماهيته الجوهرية التي هي الكتابة إذا لم يكن له لوح ليحقق ويُخرج تلك الماهية من ما هو بالقوة إلى الفعل24. كذا كل عنصر ذكوري وأنثوي، لا يكون الذكر بالفعل إلا إذا كانت له أنثى يحقق بها وجوده.
33وأما الواو في الآية القرآنية « وخلق منها زوجها » فالأمير أتبع أستاذه في أن الواو لا تفيد الترتيب لأن خلق الزوجة وهي المسماة بالنفس الكلية مقدم على خلق العقل الأول، فهي « خطرة من خطراته » تماماً كما خلقت حواء من آدم25. فهذا الخلق هو خلق انبعاث، لأن قولنا حواء خلقت من ضلع آدم لا بمعنى أن الضلع أصبحت حواء، بل إنها نشأت وتكونت من هذه الضلع تماماً كتكون آدم من التراب لا بمعنى أن التراب أصبح آدم.
34بعد ذلك تتسلسل عمليات التوالد بين العناصر الذكورية والعناصر الأنثوية في الكون لتنتج أرواحاً فاعلة/الرجال ونفوساً طبيعية منفعلة/النساء « وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ». وصحيح أن كل روح هو رجل/العنصر الذكوري الفاعل، وكل جسم هو امرأة/العنصر الأنثوي المنفعل، إلا أن الفاعل لا يتعين إلا بعد تسوية المنفعل، « فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين » (الحجر/29). فكل أب/روح لا يخرج إلى التحقق الفعلي إلا بعد خلق وتسوية وتعديل الأم/ الجسم.
35كما أن أي اجتماع للفاعل والمنفعل إذا لم تكن هناك نتيجة وفائدة من اجتماعهما انتفت طبيعتهما الخاصة الملازمة لهما منذ نشأتهما أي طلب الفاعل للمنفعل وقبول المنفعل للفاعل.
36والصورة الإنسانية أدنى صورة من سلسلة الصور وهي آخر الصور التي تقلب فيها الإنسان منذ زمن بعيد حتى قَبِلها. وهذا التقلب كان تنقلاً وتنزلاً في حجور الأمهات المرضعات المربيات إلى أن وصل إلى هذه الصورة. فمن تخصيص الإرادة الإلهية لعيني الثابتة لنقلي من حضرة الإمكان إلى الظهور ثم إلى الطبيعة الكبرى (الجدة) التي تتولى تسوية الصورة وتعديلها حسب قابليتها لينفخ فيها الروح الإلهي، إلى العماء (الجد)، ثم إلى العقل الأول وهو القلم، ثم إلى النفس الكلية وهي اللوح المحفوظ. ثم ينكح الروح الكل (الأب) الطبيعة الصغرى (الأم) بنت الطبيعة الكبرى المختصة بالصور الجسمانية لذلك هي أمنا فيتولد منهما روحاً جزئياً.
37ومن هذه النظرية فإن كلاً من الموجودات الثنائية الكونية؛ القلم واللوح، الطبيعة الكبرى والعماء، الطبيعة الصغرى (الأم)26 والروح الكل (الأب)، أو كل من له درجة الذكورة ودرجة الأنوثة لهم الأثر في تكوّننا وولادتنا وظهورنا قبل أن نصل إلى الصورة النهائية، الصورة الإنسانية27.
حب المرأة من مشاهد ثلاثة
مشهد حضرتي الانفعال والفعل
38تكشفت هذه الحقيقة وعُرف سر قوة المرأة للأمير، ولأستاذه قبله، من خلال خطاب الله لعائشة وحفصة رضي الله عنهما في الآية القرآنية : « وإن تظاهرا عليه فإن الله مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير » (التحريم/4) فمع أن جبريل وصالح المؤمنين والملائكة جميعهم مظاهر لحضرة الفعل الجامعة لأسماء الله وصفاته فليس لهم أن يكونوا مظهراً لحضرة الانفعال الشريفة المخصصة للنساء فقط28. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فالمرأة جامعة لحضرتي الانفعال والفعل بمعنى أن لا أثر للفعل دون الانفعال. ومن هنا « فإن الكمال يكون في النساء، كما شهد بذلك رسول الله ص فليس الكمال خاصاً بالرجال »29.
مشهد « همّت به وهمّ بها »
39فُسرت قصة عشق امرأة العزيز ليوسف عليه السلام في التراث الصوفي في ضوء نظرية التجلي الإلهي، فيوسف مظهر من مظاهر الجمال الإلهي الذي هامت به امرأة العزيز ودخلت به مقام الهم وهو الحيرة في فعل الأمر أو تركه ! يقول الله تعالى : « ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين » (يوسف/24)30 فيقول الأمير في امرأة العزيز لما أحبت يوسف عليه السلام أنها حاولت التقرب منه كي تصل إلى مطلوبها منه بطريق السيادة والعزة والمُلك أولاً حين قالت له : « هيت لك »، ثم لما لم تصل إلى مرادها منه بذلك الطريق، اتبعت طريق التذلل والخضوع وألقت نفسها عليه. أما همّه بها فهو أن أحبها حباً إلهياً أسمائياً من حيث قوة حضرة الانفعال للمرأة التي بها ظهرت حضرة الفعل، فهمّها به وانفعالها عندما تكشف لها حضرة الفعل في صورة يوسف. وهمّه بها إدراكه لتلك المرتبة والحضرة المختصة بها المرأة. وبما أنه لا وجود لكامل إلا ومن صفاته حب النساء فيوسف أحب امرأة العزيز كما حُبب لنبينا محمد الكامل ص النساء. ومن هذا المشهد أدرك يوسف عليه السلام سر هذا الحب فأحبها لذلك دون الإفصاح، لأن البوح بحبه قد يقويها لنيل مقصودها، وهو من عباد الله المخلصين الذين صُرف عنهم الهم بالسوء.
شهود الأمير :
40- شهد الأمير ربه وهو مع زوجته في حال المواقعة، على طريقة أستاذه ابن العربي حينما قال : إن أكمل شهود للحق هو في النساء وتحديداً في وصل النكاح. يقول « كنت مع أهلي في لحاف، وأنا في مشاهدة، فصعقت، فكلمني الحق تعالى وقال لي : « إنني أنا الله لا إله إلا أنا ». فحصل لي بعد الرجوع إلى الحس فرح، وعرفت منه بشارة وأي بشارة ! »31. فعرف الأمير ربه بل ووحدانيته التي هي أكمل معرفة في ذلك الوضع.
41- ولأن العرب أشد شعوب الأرض حباً للنساء كما كرر ذلك في كتاباته، فإننا نلاحظ حبه الشديد لهن إلى درجة ربطه لبلوغ معرفة ما أو شهوده حقيقة ملتبسة بافتضاض بكر، ولأن حصول العلم هو نتيجة تآلف واندماج علمين سابقين عليه تماماً كما يتزاوج الفحل والأنثى لينتجوا ثالثاً32. والموقف الذي يصف هذه الفكرة هو فهم الأمير معنى قول ابن العربي « إن الشراح كلهم ما فهموا مراده، ولا ابن شاهنشاه ». وذلك عند سؤاله عن مسائل من كتابه فصوص الحكم فكان أن رأى مبشرة صباح تدوينه هذا الموقف فَهِم منها أنه قارب المراد فيما كتب، حسب تعبيره. حيث رأى أنه تزوج بنتاً بكراً وافتضّها وهي تضحك وهو يقول في نفسه : « هذه البنت ما بلغت حد الالتذاذ بالنكاح ولا عرفت الرجال، فما يضحكها؟ ! » وكانت امرأة تقول له : « سبحان الله، إنك تأتي البنات الصغيرات فتطؤهن فلا تضرهن فلا يهربن منك، ولا ينفرن عنك »33.
خاتمة
42بعد هذا العرض نلاحظ أن قضايا جوهرية كمسألة الكمال الإنساني وما يتبعهما من أفضلية الرجل على المرأة كانت لصالح المرأة دوماً في المستوى الصوفي. فالكمال الإنساني ليس حكراً على الرجل عندما عدّ، في النص الشرعي، أن الكتابة والعلم أشرف خاصة للنوع الإنساني وكمال الإنسان يكون بتلك الخاصية، لأنه في النص الصوفي أقر للمرأة بلوغها تلك المرتبة. بل والأكثر من ذلك فقد توصل إلى أفضلية مكانة المرأة على مكانة الرجل لجمعها مرتبتي الانفعال والفعل في المستوى الميتافيزيقي، كما أنه غالباً ما كرر قوة وتأثير العنصر الأنثوي عندما تحدث عن النكاح الكوني ونشأة الموجودات. والأهم أن لا وجود لكامل إلا ومن صفاته حب النساء على نهج الأنبياء، والرسول الكريم عندما قال : « حُبب إلي من دنياكم ثلاث : الطيب، والنساء، وجُعلت قرة عيني في الصلاة ».
43لكن بما أن الأمير عربي والعربي أشد شعوب الأرض محبة للنساء، ولأنه فارس أيضاً، ومن الصفات الجوهرية للعربي الفارس ليست حب النساء فقط، بل والغيرة عليهن، ومن المعلوم أن بقدر الحب بقدر الغيرة. وبما أنه أيضاً ابن بيئة لا تحتمل أن ترى المرأة خارج تلك الصورة النمطية، بالتالي فإنه عندما منع النساء من التعلم وتأليف الكتب كان ذلك كلازمة لوظيفة المرأة ودورها في المجتمع، طالما أنها لا تتولى مناصب كقبض الخراج أو صرف المال أو جمع العلوم وحفظ تواريخ الأمم وأخبارهم، فالمرأة في عصره لم تحتج إلى الكتابة والتعليم. والعلم الوحيد الذي توجب عليها أن تتقنه هو « الأدب مع الأزواج »، أما الأدب مع الرجال الأجانب فهذا من آخر اهتمامات وأخلاقيات العربية الأصيلة.
44والذي أفهمه شخصياً أننا كنساء مسلمات مدعوات مع الأمير، وقبله الشيخ محيي الدين ابن العربي، للأخذ بالعلوم الشرعية والعلوم الصوفية معاً.
Bibliographie
ابن العربي، محيي الدين :
- الفتوحات المكية، بيروت : دار صادر، ج2.
- الفتوحات المكية، طبعة عثمان يحيى، ج3.
- الأحدية، ضمن رسائل ابن عربي، تقديم : محمود محمود الغراب، بيروت : دار صادر، ط1، 1997.
الجزائري، عبد القادر :
- الديوان، تحقيق : ممدوح حقي، بيروت، 1964.
- ذكرى العاقل وتنبيه الغافل، تحقيق : ممدوح حقي، بيروت : دار اليقظة العربية، 1966.
- المقراض الحاد لقطع لسان منتقص دين الإسلام بالباطل والإلحاد، تحرير : محمد بن عبد الله الخالدي المغربي، بيروت : دار مكتبة الحياة.
- المواقف، 3 أجزاء، دمشق : دار اليقظة العربية، ط2، 1966.
الجزائري، محمد بن عبد القادر :
-تحفة الزائر في تاريخ الجزائر والأمير عبد القادر، شرح وتعليق : ممدوح حقي، بيروت : دار اليقظة العربية، ط2، 1964.
الراسي، جورج :
- الإسلام الجزائري من الأمير عبد القادر إلى أمراء الجماعات، بيروت : دار الجديد، 1997.
السيد صالح، فؤاد :
-الأمير عبد القادر الجزائري متصوفاً وشاعراً، الجزائر : المؤسسة الوطنية للكتاب، 1985.
المرابط، جواد :
-التصوف والأمير عبد القادر الجزائري، دمشق : دار اليقظة العربية، 1966.
Notes
1 جورج الراسي، الإسلام الجزائري من الأمير عبد القادر إلى أمراء الجماعات، بيروت : دار الجديد، 1997، ص78.
2 عبد القادرالجزائري، الديوان، تحقيق : ممدوح حقي، بيروت، 1964، ص59.
3 محمد بن عبد القادر الجزائري، تحفة الزائر في تاريخ الجزائر والأمير عبد القادر، شرح وتعليق : ممدوح حقي، بيروت : دار اليقظة العربية، ط2، 1964، ص563.
4 جواد المرابط، التصوف والأمير عبد القادر الجزائري، دمشق : دار اليقظة العربية، 1966، ص77-79.
5 الديوان، ص74.
6 الديوان، ص208-209.
7 الديوان، ص60.
8 فؤاد السيد صالح، الأمير عبد القادر الجزائري متصوفاً وشاعراً، الجزائر : المؤسسة الوطنية للكتاب، 1985، ص133.
9 محمد بن عبد القادر الجزائري، تحفة الزائر في تاريخ الجزائر والأمير عبد القادر، سبق ذكره، ص932.
10 المرجع السابق، ص730- .576للاستزادة حول الموضوع انصح بالرجوع إلى الكتاب السابق، لأنني اقتصرت هنا على بعض الأفكار حول رأي الأمير في المرأة، والمجتمع العربي بشكل عام، كما جاء على لسان ابنه محمد، لأقدم فكرة مختصرة شاملة مستعينة بالكتب الأخرى للأمير.
11 عبد القادر الجزائري، ذكرى العاقل وتنبيه الغافل، تحقيق : ممدوح حقي، بيروت : دار اليقظة العربية، 1966، 71. والمقراض الحاد لقطع لسان منتقص دين الإسلام بالباطل والإلحاد، تحرير : محمد بن عبد الله الخالدي المغربي، بيروت : دار مكتبة الحياة، ص27.
12 محمد بن عبد القادر الجزائري، تحفة الزائر في تاريخ الجزائر والأمير عبد القادر، سبق ذكره (شرح وتعليق : ممدوح حقي، بيروت : دار اليقظة العربية، ط2،1964)، ص746.
13 المقراض الحاد، سبق ذكره، ص107. لا أعلم لماذا لم يخطر على بال الأمير مثال آخر غير هذا كي يقرب لنا الحكمة الإلهية في خلقنا مختلفين ؟ !
14 محمد بن عبد القادر الجزائري، تحفة الزائر في تاريخ الجزائر والأمير عبد القادر، سبق ذكره، ص731-732.
15 محمد بن عبد القادر الجزائري، تحفة الزائر في تاريخ الجزائر والأمير عبد القادر، سبق ذكره، ص743-744.
16 يذكر هنا الأمير الروح والنفس في تفسيره لتلك الآية في سياق النص الصوفي. فإننا إذا أعطينا النفس ما تشتهيه من مراداتها الطبيعية ألحقنا الضرر والأذى بالروح. كما أننا لا نستطيع أن نهمل النفس لأن فيها عمارة الدنيا والآخرة. بالتالي يجب الأخذ بهما كما أمرنا الله وحدّها الرسل. من قول الرسول الكريم : « أما أنا فأصوم وأصلي وأقوم وأنام وآتي النساء، ومن رغب عن سنتي فليس مني ». أي أن الأمير يتبع سنة الرسول بالأخذ بالروح والنفس معاً. الموقف152، ص341-343.
17 تحفة الزائر، ص738-739.
18 وهنا نلاحظ اختلاف الأمير عن مذهب ابن العربي في المرأة من الوجهة الصوفية، فبينما يظل الأمير محافظاً على رأيه في القضايا الشرعية المتعلقة بالمرأة وتجنبه للعديد من المسائل الجريئة التي طرحها أستاذه، يشطح ابن العربي إلى درجة كبيرة في تفسير الآيات فمثلاً قول الله تعالى : « فللذكر مِثلُ خطّ الأنثيين [...] » (النساء/176) القسمة هنا لزيادة نصيب الضعيف الذي هو الرجل بصورة الميراث في إعطاءه الأكثر كي يقوى من جهة الضعف ومن جهة النشء. الأحدية، ضمن رسائل ابن عربي، تقديم : محمود محمود الغراب، بيروت : دار صادر، ط1، 1997، ص53.
19 الموقف 305، ص990.
20 موقف 305، ص990.
21 سبق ذكره، ص117.
22 الموقف 336، ص1081.
23 الموقف 339، ص1095.
24 فصل بل وصل 7، ص645.
25 الموقف 155، ص348. ويستفيض ابن عربي في تفضيل وتقديم مرتبة الزوجة والأنثى بشكل عام، ومن بينها نظرية الأعداد في المستوى الميتافيزيقي فحواء واحد وآدم فرد، والواحد أصل الأعداد وأصل النشأة السببية للفرد فله رتبة التقدم على الفرد لأن الواحد لا يرجع بالتكافؤ في لزوم وجود الفرد، فضعف الفرد عن عزة الواحد أي عزة الافتقار إليه. كتاب الأحدية، ضمن رسائله، سبق ذكره، ص52.
26 تأثر الأمير بهذه النظرية من شيخه ابن العربي وكثيراً ما يذكر في كتابه المواقف أنه اتفق مع أستاذه في هذه المسألة أو تلك اتفاقاً شهودياً، وأثناء تقييده لهذا الموقف قال أنه اتفق مع أستاذه حينما تكلما على الطبيعة فبينما رأى ابن العربي في منامه أمه مكشوفة العورة فسترها، رأى الأمير آدم عليه السلام أُخرج من قبره عرياناً فستره بكساء. ومن هنا علم أن الطبيعة هي من الأمهات التي نتسلسل منها تماماً كآدم الذي هو العنصر الذكوري في عملية نشأتنا الذي منه خرجنا. وكشف العورة وسترها عندهما هي السر الخفي الذي تكشف لهما ينبغي ستره، لأنه ليس للعموم طاقة على معرفته. انظر ابن العربي، الفتوحات المكية، بيروت : دار صادر، ج2، الفصل13 من الجزء121، ص430-431. وعبد القادر الجزائري، المواقف، الموقف109، ص243. الموقف127، ص279.
27 الموقف 345، ص1112.
28 ويذكر في موقف آخر أن « حدّ الذكر أنه فاعل، كما أن حدّ الأنثى أنها منفعلة، فمن جعل الذكر منفعلاً فقد اعتدى حدّ الذكر، وقلب حقيقته ». الموقف 244، ص555.
29 الموقف249، ص743.
30 الموقف 273
31 الموقف84، ص163. وقارن هنا مع تشبيه ابن العربي مواقعة النساء بالسجود في الصلاة أشرف حركات المصلي. الفتوحات المكية، ج3، طبعة عثمان يحيى، ف256.
32 ذكرى العاقل، ص37.
33 الموقف 294، ص917.
شيرين دقوري
يُروى أن الأمير التقى بامرأة أجنبية جميلة وأنيقة عندما كان في الأسر في فرنسا فسألته : « لماذا تتزوجون العديد من النساء وليس واحدة فقط كما عندنا » فأجابها الأمير : « نحن نحب واحدة من أجل عينيها وأخرى من أجل شفتيها وثالثة من أجل قامتها ورابعة من أجل عقلها وقلبها فإذا اجتمعت هذه الصفات في امرأة واحدة مثلك لما اخترنا غيرها »1 !
2
لا أعلم إذا ما كان هذا القول هو للأمير بالفعل أم لا، لأننا إذا ما قارناه مع أجوبته على أسئلة الجنرال Daumas عن المرأة أو عن رأيه فيها في مؤلفاته ووصفها في أشعاره فإننا نلاحظ بادئ ذي بدء أنه محب للمرأة ولجمالها حباً شديداً إلا أنه يؤكد على أن أهم الصفات للمرأة هي ذات الدين. ومن الصحيح القول أن قلب الأمير تعلق بالمرأة ولم يتحرج من إظهار ضعفه أمامها حيث عبر عن ذلك في قوله لزوجته :
وأخضعُ ذِلَّةً فتزيدُ تِيْهاً = وفي هَجْري أراها في اشتدادِ
رِضَا المحبوبِ ليس له عَدِيلٌ = بغيرِ الذُّلِّ ليس بمستفادِ2
3لكننا لا نجد في أشعاره الغزلية أي وصف لتحديد ملامح المرأة التي أحبها، بل إنه ظل شاعراً غزلياً تقليدياً يصور المرأة بصورة الظبي والغزال. وهذه الصورة خضعت للسياق الصوفي المكمل للسياق الشعري في نظرية غريبة خاصة به. حيث يعتبر أن لكل صورة استعداد وقابلية معينة لتستقبل نفخة الروح فيها، بالتالي كل روح في عين وجودها تظهر بصورتها وبلغ حب النساء في نفس الأمير مبلغاً كبيراً تجلى بعد ذلك في فكره ومذهبه الصوفي. ويمكن أن نعزو ذلك إلى عدة أسباب :
- 1سبب تاريخي يعود إلى أخلاقية الفرسان، خاصة الشعراء، التي ترتبط بشكل عميق بعشق المرأة.
- 2سبب تربوي يكشف لنا تأثره الكبير ومحبته الشديدة لوالدته التي شاع أنها كانت تملي عليه صيغة رسائله الرسمية وكانت تشاركه الأسفار كما أنها رافقته إلى الأسر وقد ذكر ولده محمد في تحفة الزائر العديد من المواقف التي ترجمت عن علو مكانة والدته عنده مما انعكس ذلك على الأشخاص والرؤساء فاحتلت المكانة نفسها عندهم. ففي حفل أقيم في باريس 27/10/1852 سأل نابليون الثالث عن أحوال والدته فأجاب الأمير كانت في يوم 15/10 تمشي متكئة على العصا. وفي 16 منه مشت مستقلة من غير عصا. مشيراً إلى حالها قبل إطلاق سراحهم وبعده3 ! ولا أدل حادثة على قوة حضور والدة الأمير في نفسه حادثة الانسحاب ففي 15 كانون الأول 1847 أي قبل استسلام الأمير للفرنسيين بأسبوع جلس منعزلاً في الصحراء يصلي غارقاً في حيرة اختيار القرار الصائب إلى أن أتت ليلة تراءى له طيف والدته وجرى بينهما حوار حول موقفه الحرج ثم قالت له : « إن معركة خاسرة لا تحسب شيئاً أمام معارك كنت فيها المنتصر دائماً. والله قد عودك الجميل » وأضافت : « يا ولدي إذا استسلمت للفرنسيين فهم لا بد يقدرون لك عدة مواقف في معاملتك لأسراهم وفي مراسلاتك لشخصيات كبرى فيهم. وهم ينظرون إليك أنك ضحية ومعتدى عليك وأنك دافعت عن بلادك لإخلاص ولوفاء منك، ولم يسجلوا عليك غدراً ولا نقضاً للعهد »، فأخذ الأمير أقوال أمه محوراً للتفكير إلى أن وصل إلى قرار الانسحاب والاستسلام للفرنسيين4.
- 3سبب شخصي يبين لنا طبيعته الفطرية في جانبيها الروحي والجسدي التي أضفى عليها طابع العمومية من تكرار قوله إن العرب من أشد شعوب الأرض حباً للنساء.
- 4سبب ميتافيزيقي يعود إلى الحب القوة القاهرة التي لا نملك إزاءها خياراً، ولا دواء لمن أصابه الحب، يقول :
بأن سقيم الحب هيهات ما له = دواء إذا ما الحب أصبح نائي
عسى ولعل الله أن يبرد الأسى = فإن رجاء الوصل بعض دواء5
فيا قلبي المجروح بالبعد واللقا = دواك عزيز لست تنفكُّ ولهانا
أسائل عن نفسي فإني ضللتها = وكان جنوني مثل ما قيل : أفنانا6
4لا ننسى أن الجمال المصاحب للحب من العوامل الأساسية في ميل قلب أميرنا إلى المرأة، يقول في زوجته :
وماذا غير أن له جمالاً = تملّك مهجتي ملك السواد
وسلطان الجمال له اعتزاز = على ذي الخيل والرجل الجواد7
- 5سبب مذهبي حيث انتقل في آخر مراحل حياته، التي امتدت من 1856 إلى 1883، إلى الالتحاق بمدرسة ابن العربي الفلسفية الصوفية، ذلك الشيخ الذي أتى بنظرية جديدة عن المرأة والأنثى بامتياز كان له الأثر الأكبر في نظرته حول مفهوم المرأة في المستوى الصوفي.
5إذا أخذنا بتقسيم فكر الأمير وانتقاله من مراحل الـتأمل والفتوة والمطالعة إلى مرحلة التصوف8 وجدنا أن مفهومه عن المرأة شهد تطوراً ملموساً من خلال كتاباته إلى أن انتهى إلى كتابه الفلسفي الصوفي المواقف، حيث عدّه ولده « بيت القصيد وحسن الختام »9، فيه دُوّن بعض التجارب الشهودية الخاصة به في معرفة سر قوة المرأة ومقامها العالي كما سنرى بعد قليل.
6لكن هل كان تطور مذهبه عن المرأة مجرد تطور نظري فحسب، ذلك أن شدة حبه وتأثره بشيخه ابن العربي جعله يقبل بكلية المذهب في تفسير العلاقة بين الخالق والمخلوق وبجزئيته في مفهومه عن المرأة خصوصاً ؟ بينما ظل على الحقيقة مخلصاً للنص الشرعي ؟
7على كل حال سأستعرض أمامكم رأيه عن مفهوم المرأة في المستويين الشرعي والصوفي لأصل معكم إلى معرفة إلى أي حد يمكن أن تتعارض أو تتفق نصوص عبد القادر الجزائري في ذينك المستويين ؟
المرأة في فقه عبد القادر الجزائري
8يجيب الأمير على أسئلة الجنرال Daumas10 حول المسائل الشرعية الإسلامية المتعلقة بالمرأة، معتمداً على أقوال العرب ومستشهداً، أحياناً، بالعهد القديم والجديد ليدعم صحة نظرياته. وهو من خلال هذه الأجوبة يقوم بمقارنة حال المرأة في المجتمع العربي وأختها في المجتمع الغربي.
أفضلية الذكر على الأنثى، أفضلية الأصل على الفرع
9فضل الله الذكر على الأنثى. لأن للذكر أسبقية في الخلق، والأنثى لها الدرجة الثانية في الخلق لأنها الفرع، والأصل أشرف من الفرع.
10والرجل قوّام على المرأة لأنها ببساطة ضعيفة وتحتاج إلى من يعيلها ويحميها11. فالرجل هو الأصل، المتبوع، الآمر، الناهي، الحاكم. والمرأة هي الفرع، التابعة، المأمورة، المنهية، المحكومة. ومن بدل تلك التقسيمات والأدوار الاجتماعية فقد خالف حكمة الله وسنته. وقد أعطى لها صلاحيات التصرف مثل الحاكم في بيتها، أي لا بد أن يشاور الرجل زوجته في الأمور البيتية فقط. وهذا من الأدلة الدامغة في رأيه على احترام الرجل امرأته. لكن إذا تعلق الأمر في مشورة خارج المنزل، فالعربي لا يحبذ ذلك لأن الغالب على النساء صفات الجبن والبخل !
غيرة الرجل العربي المسلم على المرأة وتبعاتها
11حب العرب الشديد للنساء هي الحجة الأساسية التي دار حولها الأمير في أي مسألة تتعلق بالمرأة وحقوقها وواجباتها. فالغيرة وتحريم الاختلاط بين الجنسين والحجاب كلها، مسائل نظر إليها الأمير من عقلية عربي مسلم ذي حمية متشددة لا تقبل المناقشة أو المراجعة !
12يقول على لسان الحكماء : « إن كل أمة كانت الغيرة في رجالها، كانت الصيانة في نسائها12 ». ومع أنه من أنصار الغيرة الوسط التي هدفها الوحيد صون المرأة والحفاظ على عدم اختلاط الأنساب، إلا أنه يحرم النظر إلى المرأة إلا في حالة واحدة هي بهدف الزواج. لأن الرجل إذا لم ينظر إلى العروس قبل زواجه منها فقد تصحبه الندامة طوال عمره. فهو يربط بين النظر إلى المرأة وحدوث الفتنة ومن ثم اشتهاؤها لا محالة.
13إن أول العشق النظر، وقد استشهد بقول عيسى عليه السلام : « إياكم والنظر فإنه يزرع في القلب الشهوة ». وقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي : « لا تتبع النظرة، فإن مبدأ الزنا معاودة النظر
14وعندما أراد أن يقرب إلى أذهاننا الحكمة الإلهية في خلقنا مختلفين بالصورة، ضرب لذلك مثلاً يكشف لنا عن أن مسألة الاختلاط والغيرة على النساء العربيات المسلمات كانت مسألة تشغل حيزاً كبيراً في تفكيره، فشاهده في أنه لو كنا متشابهين بالصورة لما تميز زوج هذه المرأة عن من لم يكن زوجها، بالتالي تختلط الأمور ويتداخل الحلال بالحرام13. من هنا فإن حجاب المرأة والمباعدة بين أجساد النساء عن أجساد الرجال فرض إسلامي، لما كثرت الفاحشة وقلت المروءة بين الناس.
الزواج ومسألة الصداق14
15يحتقر الأمير الرجل الذي يتزوج المرأة لأجل مالها فهو من أخس الرجال. ومن يقدم على ذلك ارتفعت عنه أخلاق الإسلام. فالمال زائل وإذا زال المال زالت الألفة وبطل الزواج. والمرأة إذا كانت ذات مال فيلزم أن تأخذ معها إلى بيت زوجها بقدر الصداق الذي قدمه الرجل لها.
16يفتخر كثيراً بأن العرب محبون للنساء لا لمالهن بل لذاتهن، مقارناً حال المرأة في الشعوب الأخرى حيث أن المرأة التي لا مال لها تصل إلى الأربعين وهي غير متزوجة، لأن رجال تلك الشعوب لا تحب المرأة لذاتها !
17وينفي عن الصداق تهمة التجارة، بمعنى أنه مبلغ يدفع الرجل به ثمن المرأة التي يختارها لتصبح ملكه. ويعتبر أن لا وجود لمسلم شريف يعد زوجته سلعة يمتلكها. من هنا فهو يدين زواج البنت الصغيرة من رجل مسن كرفضه تماماً زواج المسنة من شاب صغير. فهي ليست من خصال المسلمين. والأمير من أنصار الزواج المبكر لأنه يحصن المرأة والرجل من وضع شهوتهما في الزنا. كما أنه أعطى للمرأة الحق في طلب الطلاق تماماً كالرجل.
مَنْ مِنْ النساء يطلبها الرجل المسلم للزواج ؟
18إن الخصال المطلوبة في المرأة عند الأمير لم تخرج عن الفكر التقليدي، فهي ست خصال : 1. ذات دين : لأنها بذلك ستصون فرجها ووجه زوجها من العار بين الناس. 2. حسنة الخلق : لأنها ستريح زوجها. 3. جميلة : تحصن زوجها من النظر إلى غيرها، بالتالي تكفه عن الزنا. 4. الولود : لأن التي تنجب تتحقق معها أعظم فوائد النكاح. 5. البكر : فبما أن « الطباع مجبولة على الأنس، بأول مألوف لها، فإن البكر في الغالب تحب الزوج وتألفه15 ».
تعدد الزوجات والجواري ومسألة العدل بينهما
19فرض الله مسألة تعدد النساء أولاً « لسلامة الدين والكف عن الزنا ». والرجل إذا كان ممن تكفيه امرأة واحدة فهو أفضل في شرع الله وأما من لم يسلم دينه بواحدة فعليه بتعدد النساء ويعد أن التسوية والمعاملة العادلة بين الزوجات يكون في المبيت واللباس والأكل وغير ذلك من الماديات، أما ما يتعلق بالقلب والحب والجماع فهو غير ملزم بالعدل شرعاً. لأن الحب لا سلطان لنا عليه وهو هبة من عند الله لا خيار لنا فيه. ولو كانت زوجة أجمل من الأخرى فإنه معذور بأن يمنحها الأفضلية في الحب والجماع، لأنه « لا يقدر الإنسان أن يبغض الوجه الحسن » ! إلا أن الأمير ترك هنا للمرأة القبيحة نصيباً من الحب، وإن لم يصرح بذلك، فالقلب ليس مجبولاً على حب الحُسن والجمال فحسب، بل على حب الإحسان أيضاً. بالتالي فالمحسنة لزوجها قد تفوز بقلبه.
20وموقفه هذا لم يتغير في المستوى الصوفي. المقصود بالميل في الآية القرآنية : « ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل » (النساء/129) هو الميل المقبول لتحقيق العدل بين النساء الموجود في القلب فقط. أما في الظاهر فيجب ترك هذا الميل لأن في إرضاء إحداهما إغضاب للأخرى وإدخال السرور على إحداهما تحزين للأخرى وهكذا16.
ضرب المرأة والمعاملة السيئة17
21قال رسول الله ص : « لا يضرب النساء إلا أشرار الرجال ». وقال : « من صبر على خُلق امرأته، أعطاه الله من الأجر، ما أعطى أيوب على بلائه ». فأخلاق العربي المسلم ليس كف الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها والحلم عند غضبها. كما أن المرأة لا يتوجب عليها خدمة منزلها، ولا تُكلف أعمالاً لا طاقة لها بها. بل من مسؤوليات الرجل أن يحضر من يعينها في المنزل إذا كان ميسور الحال، أو أن يساعدها بنفسه.
ميراث المرأة
22إن الميراث هو قسمة من عند الله. وأن تفضيل الله الذكر على الأنثى في جعل قسمتين له في مقابل قسمة واحدة للأنثى إنما هو تحصيل حاصل لأفضلية الذكر على الأنثى بالقوة، والصبر على المشاق، ومباشرة القتال، وتولية الأعمال، والمناصب الدينية والدنيوية18، وما عدا ذلك فعلى الرجل أن يسوي بين أولاده في العطية.
تفسير الأمير لحديثين شريفين عن المرأة مختلف فيهما وردا في كتابه المواقف19
23الأول : قول الرسول الكريم : « إنما الشؤم في ثلاث : الفرس والمرأة والدار ». بينما ذكر دون تفصيل في الأجوبة أن العرب في الجاهلية كانت تعتقد بالطِيرَة وعندما جاء الإسلام أبطله. أخذ في المواقف هذه المسألة ليحللها ويطبق عليها مذهبه الصوفي. فالرسول ص كان يعلم استعداد وقابلية كل فرد لتلقي وقبول الأوامر والنواهي، بالتالي كان خطابه في البدء للذي يعتقد بالشؤم في أشياء كثيرة لما حصل له من استمرار العادة فكان من الرسول أن ردّ تلك الأشياء إلى ثلاثة، وهذا لا يعني أنه قرر الشؤم في المرأة لأنه بعد أن حصل القبول والاستعداد قال : « لا عدوى ولا طيره ولا هام ولا صفر ».
24الحديث الثاني : في حسبة رياضية يجهد الأمير نفسه كي يرفع التناقض القائم بين حديثين متعلقين بموضوع الجنة والنساء. الأول : « أريت النار، فرأيت أكثر أهلها النساء »، الثاني : « لكل واحد من أهل الجنة زوجتان من نساء الدنيا »، الأول يدل على أن النساء في الجنة أقل من الرجال. بينما يدل الثاني على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال !
25يحل هذا التناقض منطقياً، فتكملة الحديث الأول عندما سُئل الرسول الكريم عن السبب في كون النساء أكثر أهل النار يعود إلى كفرهن بالإحسان. وهذا ليس من دواعي الخلود في النار بل لا بد أن تدركهن الشفاعة ويخرجن إلى الجنة، فتكون النساء في الجنة أكثر، لأن الثابت الأصلي أن لأهل الجنة اثنتين من نساء الدنيا واثنتين من الحور العين. بالتالي ننتهي مع الأمير من خلال هذه الحسبة أن الرجال في النار أكثر عدداً من النساء !
26أما الرواية التي تقول : « ما من عبد يدخل الجنة إلا ويزوج اثنتين وسبعين زوجة، اثنتين من الحور العين وسبعين من أهل ميراثه من أهل الدنيا »، فهذا العدد إنما هو ميراث يرثه المؤمن، عمن يدخل النار ويخلد فيها من الرجال، بالتالي ننتهي مع الأمير من خلال هذه الحسبة الرياضية أن الرجال في النار أكثر عدداً من النساء20 !
دور المرأة في المجتمع وحقها في التعليم
27يقسم عبد القادر الجزائري الأعمال بين المرأة والرجل قسمة تقليدية، فالمرأة تهتم بالغزل والنسيج والخياطة والطبخ إذا كانت حضرية، أما إذا كانت بدوية فتعمل في سقي الماء والاحتطاب. مع ذلك فهو من أصحاب مقولة « وراء كل رجل عظيم امرأة »، لأن المرأة في أوقات الحرب مثلاً تظل تحث زوجها وتشجعه على النصر، وإن وقعت هزيمة ما، فإنها تحرم زوجها من تقبيلها والتقرب منها إلى أن يأخذ بثأره من عدوه.
28وقد ذكر الأمير في ذكرى العاقل وتنبيه الغافل21 عندما أخذ في تفصيل وسائل التفاعل بين الناس وحددها بثلاث : الإشارة، اللفظ، والكتابة، أن الكتابة الترجمة الحقيقية لكل علم إنما هي من أشرف خاصية النوع الإنساني « لولا الكتابة ما استقام للناس دينٌ ولا دنيا » والإنسان بقدر ما تتحقق فيه تلك الخاصية وبقدر ما يحصله من العلوم بقدر ما يقترب من الكمال.
29نتساءل هنا هل وقع الأمير في تناقض كبير عندما حرم (في الأجوبة) على المرأة الكتابة والعلم؟ وكرر ذلك في ذكرى العاقل، ولم يكتف بذلك بل أخرج المرأة من مرتبة الكمال بنفي عنها الاهتمام بالعلم والكتابة أشرف خاصية للنوع الإنساني. بينما في المرحلة الثانية من تطوره الفكري، أي مرحلة التصوف، عندما كان يردد آراء أستاذه في المواقف حول الكمال وبلوغ الإنسان مرتبة الإنسان الكامل لم يستثن المرأة من تلك المرتبة، بل إنه تبع أستاذه في مذهبه الجديد حول مفهوم المرأة كونها نداً وجودياً، وعنصراً فاعلاً ليس بالمنفعل فحسب، إلى أن انتهى، كما انتهى إليه أستاذه، أن الشهود الأكمل للحق يكون في المرأة، لنفصّل تلك الآراء.
مفهوم المرأة في النص الصوفي
أساس المذهب : التجلي الإلهي
30كي نفهم مفهومه حول المرأة على هذا الصعيد يجب أن نشير إلى أن الأمير تبنى في تفسير العلاقة بين العالم الإلهي والعالم الإنساني نظرية التجلي الإلهي. فالأسماء والصفات الإلهية تجليات لعدة معان للجمال الإلهي. والجمال الإلهي يتجلى في المحسوس في مستوى العالم الإنساني من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : « رأيت ربي في صورة شاب أمرد » كما يتجلى في المعقول كقوله تعالى في الحديث القدسي : « أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء »22. والمرأة من أجمل صور تجليات الجمال والكمال الإلهي.
الثنائيات الوجودية والنكاح الكوني
31اتبع الأمير النظرية الثنائية لترتيب الموجودات التي أول ما ظهرت بشكل نسق متكامل مع أستاذه الشيخ محيي الدين ابن العربي. مع تلك النظرية لا يمكن أن نقرأ كتاب الوجود إلا ونجد أنفسنا أمام قطبين، وأننا جزء من عملية نكاح كوني؛ فاعل ومنفعل، طالب ومطلوب، ما هو بالقوة وما هو بالفعل، مؤثر ومؤثر فيه، عنصر فحولي وعنصر أنثوي، رجل وامرأة.
32وفي كل ثنائية نلاحظ قوة الدور الذي مثله العنصر الأنثوي. فأول مرتبة للموجودات كان العقل الأول/القلم الأعلى وهو نفسه الحقيقة المحمدية التي تمثل أصل ومنبع الموجودات من الآية القرآنية : « يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء » (النساء/1)، ومن هذه الحقيقة خلق زوجها وهي المسماة باللوح المحفوظ. والنفس الكلية خلقت ليكتب فيها القلم وتكون محلاً لكتابة كل العلوم الإلهية المتعلقة بخلقه إلى حين يبعثون (لهذا سمي قلماً إلهياً)، هي حاوية وجامعة ومفصلة لكل العلوم في العقل الأول وتحتل مرتبة الانفعال لأنها تنفعل عن العقل23. والقلم يفقد ماهيته الجوهرية التي هي الكتابة إذا لم يكن له لوح ليحقق ويُخرج تلك الماهية من ما هو بالقوة إلى الفعل24. كذا كل عنصر ذكوري وأنثوي، لا يكون الذكر بالفعل إلا إذا كانت له أنثى يحقق بها وجوده.
33وأما الواو في الآية القرآنية « وخلق منها زوجها » فالأمير أتبع أستاذه في أن الواو لا تفيد الترتيب لأن خلق الزوجة وهي المسماة بالنفس الكلية مقدم على خلق العقل الأول، فهي « خطرة من خطراته » تماماً كما خلقت حواء من آدم25. فهذا الخلق هو خلق انبعاث، لأن قولنا حواء خلقت من ضلع آدم لا بمعنى أن الضلع أصبحت حواء، بل إنها نشأت وتكونت من هذه الضلع تماماً كتكون آدم من التراب لا بمعنى أن التراب أصبح آدم.
34بعد ذلك تتسلسل عمليات التوالد بين العناصر الذكورية والعناصر الأنثوية في الكون لتنتج أرواحاً فاعلة/الرجال ونفوساً طبيعية منفعلة/النساء « وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ». وصحيح أن كل روح هو رجل/العنصر الذكوري الفاعل، وكل جسم هو امرأة/العنصر الأنثوي المنفعل، إلا أن الفاعل لا يتعين إلا بعد تسوية المنفعل، « فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين » (الحجر/29). فكل أب/روح لا يخرج إلى التحقق الفعلي إلا بعد خلق وتسوية وتعديل الأم/ الجسم.
35كما أن أي اجتماع للفاعل والمنفعل إذا لم تكن هناك نتيجة وفائدة من اجتماعهما انتفت طبيعتهما الخاصة الملازمة لهما منذ نشأتهما أي طلب الفاعل للمنفعل وقبول المنفعل للفاعل.
36والصورة الإنسانية أدنى صورة من سلسلة الصور وهي آخر الصور التي تقلب فيها الإنسان منذ زمن بعيد حتى قَبِلها. وهذا التقلب كان تنقلاً وتنزلاً في حجور الأمهات المرضعات المربيات إلى أن وصل إلى هذه الصورة. فمن تخصيص الإرادة الإلهية لعيني الثابتة لنقلي من حضرة الإمكان إلى الظهور ثم إلى الطبيعة الكبرى (الجدة) التي تتولى تسوية الصورة وتعديلها حسب قابليتها لينفخ فيها الروح الإلهي، إلى العماء (الجد)، ثم إلى العقل الأول وهو القلم، ثم إلى النفس الكلية وهي اللوح المحفوظ. ثم ينكح الروح الكل (الأب) الطبيعة الصغرى (الأم) بنت الطبيعة الكبرى المختصة بالصور الجسمانية لذلك هي أمنا فيتولد منهما روحاً جزئياً.
37ومن هذه النظرية فإن كلاً من الموجودات الثنائية الكونية؛ القلم واللوح، الطبيعة الكبرى والعماء، الطبيعة الصغرى (الأم)26 والروح الكل (الأب)، أو كل من له درجة الذكورة ودرجة الأنوثة لهم الأثر في تكوّننا وولادتنا وظهورنا قبل أن نصل إلى الصورة النهائية، الصورة الإنسانية27.
حب المرأة من مشاهد ثلاثة
مشهد حضرتي الانفعال والفعل
38تكشفت هذه الحقيقة وعُرف سر قوة المرأة للأمير، ولأستاذه قبله، من خلال خطاب الله لعائشة وحفصة رضي الله عنهما في الآية القرآنية : « وإن تظاهرا عليه فإن الله مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير » (التحريم/4) فمع أن جبريل وصالح المؤمنين والملائكة جميعهم مظاهر لحضرة الفعل الجامعة لأسماء الله وصفاته فليس لهم أن يكونوا مظهراً لحضرة الانفعال الشريفة المخصصة للنساء فقط28. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فالمرأة جامعة لحضرتي الانفعال والفعل بمعنى أن لا أثر للفعل دون الانفعال. ومن هنا « فإن الكمال يكون في النساء، كما شهد بذلك رسول الله ص فليس الكمال خاصاً بالرجال »29.
مشهد « همّت به وهمّ بها »
39فُسرت قصة عشق امرأة العزيز ليوسف عليه السلام في التراث الصوفي في ضوء نظرية التجلي الإلهي، فيوسف مظهر من مظاهر الجمال الإلهي الذي هامت به امرأة العزيز ودخلت به مقام الهم وهو الحيرة في فعل الأمر أو تركه ! يقول الله تعالى : « ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين » (يوسف/24)30 فيقول الأمير في امرأة العزيز لما أحبت يوسف عليه السلام أنها حاولت التقرب منه كي تصل إلى مطلوبها منه بطريق السيادة والعزة والمُلك أولاً حين قالت له : « هيت لك »، ثم لما لم تصل إلى مرادها منه بذلك الطريق، اتبعت طريق التذلل والخضوع وألقت نفسها عليه. أما همّه بها فهو أن أحبها حباً إلهياً أسمائياً من حيث قوة حضرة الانفعال للمرأة التي بها ظهرت حضرة الفعل، فهمّها به وانفعالها عندما تكشف لها حضرة الفعل في صورة يوسف. وهمّه بها إدراكه لتلك المرتبة والحضرة المختصة بها المرأة. وبما أنه لا وجود لكامل إلا ومن صفاته حب النساء فيوسف أحب امرأة العزيز كما حُبب لنبينا محمد الكامل ص النساء. ومن هذا المشهد أدرك يوسف عليه السلام سر هذا الحب فأحبها لذلك دون الإفصاح، لأن البوح بحبه قد يقويها لنيل مقصودها، وهو من عباد الله المخلصين الذين صُرف عنهم الهم بالسوء.
شهود الأمير :
40- شهد الأمير ربه وهو مع زوجته في حال المواقعة، على طريقة أستاذه ابن العربي حينما قال : إن أكمل شهود للحق هو في النساء وتحديداً في وصل النكاح. يقول « كنت مع أهلي في لحاف، وأنا في مشاهدة، فصعقت، فكلمني الحق تعالى وقال لي : « إنني أنا الله لا إله إلا أنا ». فحصل لي بعد الرجوع إلى الحس فرح، وعرفت منه بشارة وأي بشارة ! »31. فعرف الأمير ربه بل ووحدانيته التي هي أكمل معرفة في ذلك الوضع.
41- ولأن العرب أشد شعوب الأرض حباً للنساء كما كرر ذلك في كتاباته، فإننا نلاحظ حبه الشديد لهن إلى درجة ربطه لبلوغ معرفة ما أو شهوده حقيقة ملتبسة بافتضاض بكر، ولأن حصول العلم هو نتيجة تآلف واندماج علمين سابقين عليه تماماً كما يتزاوج الفحل والأنثى لينتجوا ثالثاً32. والموقف الذي يصف هذه الفكرة هو فهم الأمير معنى قول ابن العربي « إن الشراح كلهم ما فهموا مراده، ولا ابن شاهنشاه ». وذلك عند سؤاله عن مسائل من كتابه فصوص الحكم فكان أن رأى مبشرة صباح تدوينه هذا الموقف فَهِم منها أنه قارب المراد فيما كتب، حسب تعبيره. حيث رأى أنه تزوج بنتاً بكراً وافتضّها وهي تضحك وهو يقول في نفسه : « هذه البنت ما بلغت حد الالتذاذ بالنكاح ولا عرفت الرجال، فما يضحكها؟ ! » وكانت امرأة تقول له : « سبحان الله، إنك تأتي البنات الصغيرات فتطؤهن فلا تضرهن فلا يهربن منك، ولا ينفرن عنك »33.
خاتمة
42بعد هذا العرض نلاحظ أن قضايا جوهرية كمسألة الكمال الإنساني وما يتبعهما من أفضلية الرجل على المرأة كانت لصالح المرأة دوماً في المستوى الصوفي. فالكمال الإنساني ليس حكراً على الرجل عندما عدّ، في النص الشرعي، أن الكتابة والعلم أشرف خاصة للنوع الإنساني وكمال الإنسان يكون بتلك الخاصية، لأنه في النص الصوفي أقر للمرأة بلوغها تلك المرتبة. بل والأكثر من ذلك فقد توصل إلى أفضلية مكانة المرأة على مكانة الرجل لجمعها مرتبتي الانفعال والفعل في المستوى الميتافيزيقي، كما أنه غالباً ما كرر قوة وتأثير العنصر الأنثوي عندما تحدث عن النكاح الكوني ونشأة الموجودات. والأهم أن لا وجود لكامل إلا ومن صفاته حب النساء على نهج الأنبياء، والرسول الكريم عندما قال : « حُبب إلي من دنياكم ثلاث : الطيب، والنساء، وجُعلت قرة عيني في الصلاة ».
43لكن بما أن الأمير عربي والعربي أشد شعوب الأرض محبة للنساء، ولأنه فارس أيضاً، ومن الصفات الجوهرية للعربي الفارس ليست حب النساء فقط، بل والغيرة عليهن، ومن المعلوم أن بقدر الحب بقدر الغيرة. وبما أنه أيضاً ابن بيئة لا تحتمل أن ترى المرأة خارج تلك الصورة النمطية، بالتالي فإنه عندما منع النساء من التعلم وتأليف الكتب كان ذلك كلازمة لوظيفة المرأة ودورها في المجتمع، طالما أنها لا تتولى مناصب كقبض الخراج أو صرف المال أو جمع العلوم وحفظ تواريخ الأمم وأخبارهم، فالمرأة في عصره لم تحتج إلى الكتابة والتعليم. والعلم الوحيد الذي توجب عليها أن تتقنه هو « الأدب مع الأزواج »، أما الأدب مع الرجال الأجانب فهذا من آخر اهتمامات وأخلاقيات العربية الأصيلة.
44والذي أفهمه شخصياً أننا كنساء مسلمات مدعوات مع الأمير، وقبله الشيخ محيي الدين ابن العربي، للأخذ بالعلوم الشرعية والعلوم الصوفية معاً.
Bibliographie
ابن العربي، محيي الدين :
- الفتوحات المكية، بيروت : دار صادر، ج2.
- الفتوحات المكية، طبعة عثمان يحيى، ج3.
- الأحدية، ضمن رسائل ابن عربي، تقديم : محمود محمود الغراب، بيروت : دار صادر، ط1، 1997.
الجزائري، عبد القادر :
- الديوان، تحقيق : ممدوح حقي، بيروت، 1964.
- ذكرى العاقل وتنبيه الغافل، تحقيق : ممدوح حقي، بيروت : دار اليقظة العربية، 1966.
- المقراض الحاد لقطع لسان منتقص دين الإسلام بالباطل والإلحاد، تحرير : محمد بن عبد الله الخالدي المغربي، بيروت : دار مكتبة الحياة.
- المواقف، 3 أجزاء، دمشق : دار اليقظة العربية، ط2، 1966.
الجزائري، محمد بن عبد القادر :
-تحفة الزائر في تاريخ الجزائر والأمير عبد القادر، شرح وتعليق : ممدوح حقي، بيروت : دار اليقظة العربية، ط2، 1964.
الراسي، جورج :
- الإسلام الجزائري من الأمير عبد القادر إلى أمراء الجماعات، بيروت : دار الجديد، 1997.
السيد صالح، فؤاد :
-الأمير عبد القادر الجزائري متصوفاً وشاعراً، الجزائر : المؤسسة الوطنية للكتاب، 1985.
المرابط، جواد :
-التصوف والأمير عبد القادر الجزائري، دمشق : دار اليقظة العربية، 1966.
Notes
1 جورج الراسي، الإسلام الجزائري من الأمير عبد القادر إلى أمراء الجماعات، بيروت : دار الجديد، 1997، ص78.
2 عبد القادرالجزائري، الديوان، تحقيق : ممدوح حقي، بيروت، 1964، ص59.
3 محمد بن عبد القادر الجزائري، تحفة الزائر في تاريخ الجزائر والأمير عبد القادر، شرح وتعليق : ممدوح حقي، بيروت : دار اليقظة العربية، ط2، 1964، ص563.
4 جواد المرابط، التصوف والأمير عبد القادر الجزائري، دمشق : دار اليقظة العربية، 1966، ص77-79.
5 الديوان، ص74.
6 الديوان، ص208-209.
7 الديوان، ص60.
8 فؤاد السيد صالح، الأمير عبد القادر الجزائري متصوفاً وشاعراً، الجزائر : المؤسسة الوطنية للكتاب، 1985، ص133.
9 محمد بن عبد القادر الجزائري، تحفة الزائر في تاريخ الجزائر والأمير عبد القادر، سبق ذكره، ص932.
10 المرجع السابق، ص730- .576للاستزادة حول الموضوع انصح بالرجوع إلى الكتاب السابق، لأنني اقتصرت هنا على بعض الأفكار حول رأي الأمير في المرأة، والمجتمع العربي بشكل عام، كما جاء على لسان ابنه محمد، لأقدم فكرة مختصرة شاملة مستعينة بالكتب الأخرى للأمير.
11 عبد القادر الجزائري، ذكرى العاقل وتنبيه الغافل، تحقيق : ممدوح حقي، بيروت : دار اليقظة العربية، 1966، 71. والمقراض الحاد لقطع لسان منتقص دين الإسلام بالباطل والإلحاد، تحرير : محمد بن عبد الله الخالدي المغربي، بيروت : دار مكتبة الحياة، ص27.
12 محمد بن عبد القادر الجزائري، تحفة الزائر في تاريخ الجزائر والأمير عبد القادر، سبق ذكره (شرح وتعليق : ممدوح حقي، بيروت : دار اليقظة العربية، ط2،1964)، ص746.
13 المقراض الحاد، سبق ذكره، ص107. لا أعلم لماذا لم يخطر على بال الأمير مثال آخر غير هذا كي يقرب لنا الحكمة الإلهية في خلقنا مختلفين ؟ !
14 محمد بن عبد القادر الجزائري، تحفة الزائر في تاريخ الجزائر والأمير عبد القادر، سبق ذكره، ص731-732.
15 محمد بن عبد القادر الجزائري، تحفة الزائر في تاريخ الجزائر والأمير عبد القادر، سبق ذكره، ص743-744.
16 يذكر هنا الأمير الروح والنفس في تفسيره لتلك الآية في سياق النص الصوفي. فإننا إذا أعطينا النفس ما تشتهيه من مراداتها الطبيعية ألحقنا الضرر والأذى بالروح. كما أننا لا نستطيع أن نهمل النفس لأن فيها عمارة الدنيا والآخرة. بالتالي يجب الأخذ بهما كما أمرنا الله وحدّها الرسل. من قول الرسول الكريم : « أما أنا فأصوم وأصلي وأقوم وأنام وآتي النساء، ومن رغب عن سنتي فليس مني ». أي أن الأمير يتبع سنة الرسول بالأخذ بالروح والنفس معاً. الموقف152، ص341-343.
17 تحفة الزائر، ص738-739.
18 وهنا نلاحظ اختلاف الأمير عن مذهب ابن العربي في المرأة من الوجهة الصوفية، فبينما يظل الأمير محافظاً على رأيه في القضايا الشرعية المتعلقة بالمرأة وتجنبه للعديد من المسائل الجريئة التي طرحها أستاذه، يشطح ابن العربي إلى درجة كبيرة في تفسير الآيات فمثلاً قول الله تعالى : « فللذكر مِثلُ خطّ الأنثيين [...] » (النساء/176) القسمة هنا لزيادة نصيب الضعيف الذي هو الرجل بصورة الميراث في إعطاءه الأكثر كي يقوى من جهة الضعف ومن جهة النشء. الأحدية، ضمن رسائل ابن عربي، تقديم : محمود محمود الغراب، بيروت : دار صادر، ط1، 1997، ص53.
19 الموقف 305، ص990.
20 موقف 305، ص990.
21 سبق ذكره، ص117.
22 الموقف 336، ص1081.
23 الموقف 339، ص1095.
24 فصل بل وصل 7، ص645.
25 الموقف 155، ص348. ويستفيض ابن عربي في تفضيل وتقديم مرتبة الزوجة والأنثى بشكل عام، ومن بينها نظرية الأعداد في المستوى الميتافيزيقي فحواء واحد وآدم فرد، والواحد أصل الأعداد وأصل النشأة السببية للفرد فله رتبة التقدم على الفرد لأن الواحد لا يرجع بالتكافؤ في لزوم وجود الفرد، فضعف الفرد عن عزة الواحد أي عزة الافتقار إليه. كتاب الأحدية، ضمن رسائله، سبق ذكره، ص52.
26 تأثر الأمير بهذه النظرية من شيخه ابن العربي وكثيراً ما يذكر في كتابه المواقف أنه اتفق مع أستاذه في هذه المسألة أو تلك اتفاقاً شهودياً، وأثناء تقييده لهذا الموقف قال أنه اتفق مع أستاذه حينما تكلما على الطبيعة فبينما رأى ابن العربي في منامه أمه مكشوفة العورة فسترها، رأى الأمير آدم عليه السلام أُخرج من قبره عرياناً فستره بكساء. ومن هنا علم أن الطبيعة هي من الأمهات التي نتسلسل منها تماماً كآدم الذي هو العنصر الذكوري في عملية نشأتنا الذي منه خرجنا. وكشف العورة وسترها عندهما هي السر الخفي الذي تكشف لهما ينبغي ستره، لأنه ليس للعموم طاقة على معرفته. انظر ابن العربي، الفتوحات المكية، بيروت : دار صادر، ج2، الفصل13 من الجزء121، ص430-431. وعبد القادر الجزائري، المواقف، الموقف109، ص243. الموقف127، ص279.
27 الموقف 345، ص1112.
28 ويذكر في موقف آخر أن « حدّ الذكر أنه فاعل، كما أن حدّ الأنثى أنها منفعلة، فمن جعل الذكر منفعلاً فقد اعتدى حدّ الذكر، وقلب حقيقته ». الموقف 244، ص555.
29 الموقف249، ص743.
30 الموقف 273
31 الموقف84، ص163. وقارن هنا مع تشبيه ابن العربي مواقعة النساء بالسجود في الصلاة أشرف حركات المصلي. الفتوحات المكية، ج3، طبعة عثمان يحيى، ف256.
32 ذكرى العاقل، ص37.
33 الموقف 294، ص917.
شيرين دقوري