نقوس المهدي
كاتب
كتب الأدب العربية تزخر بالشّيء الوافر مما يدلّل على أنه لا رذيلة في تعاطي المثلية، قبل دخول الإسرائيليات للإسلام؛ وقد عُرف هذا الصّنف الكبير من الأدب العربي ﺒ «المذكِرات» وهو التّغني بالذّكر.
لعل اشتهار أبا نواس(762-813م) كأفضل من تغنى بالميولات المماثلة في العالم، إضافة لوجود العديد من الفقهاء الأجلاء الذين لم يتردّدوا في التغني بالمذكر في أشعارهم، مما يبين اختلاف النّظرة العربية للجنس، هذه النظرة التي غيّرتها العادات اليهودية والمسيحية.
فما من بد اليوم قطع العلاقة الوثيقة التي اختلقها البعض من المتزمّتين باسم الدّين، بين الأخلاق والجنس، بينما ليس لها في ديننا أي سند وجيه.
الإسلام من الأديان الأشدّ تفتحًا على حريّة الفرد، بما فيها حرية الممارسة الجنسية. علينا إذن بنبذ العادات التي تحكم اليوم مجتمعاتنا والتي ليس لها من الإسلام إلا الاسم، بما أنها متأتية من الأخلاقيات اليهودية والمسيحية التي تُسمى بالإسرائيليات، التي تغلغت في حياة العربي المسلم حتى غيّرت ما كان لديه من عادات سليمة.
إن تقدّم مجتمعاتنا، لا شكّ، مرتهن اليوم بإيقاف هذه الحرب العشواء التي نشنّها على أنفسنا بمنعنا شبابنا من تعاطي أبسط ما يميّز الحياة، ألا وهو الجنس بكلّ حريّة وطلاقة؛ فلا ديننا يمنع ذلك كما تمنعه اليهودية والمسيحية ولا الأخلاق تحدّ منه، ما دام احترام الآخر مضمون.
مثل هذا الاحترام مضمون، ولا شكّ، ما دام تعاطي الجنس لا مانع له، فالمنع هو الذي يؤدي إلا حالات الكبت الذي يأتي بالاعتداءات على حريّة الغير ومنها الاغتصاب، وغير ذلك مما تُقاسيه مجتمعاتنا باسم ضرورة احترام الدّين، وهي تهدم الدّين والأخلاق بقوانين زجرية غير أخلاقية لأنها غير إسلامية.
إن احترام الأخلاق اليوم هو في احترام حريّة البشر في تعاطي الجنس، إذ به قوام الحياة وفي تعاطيه دون رهبة.
الجنس في الشّارع المغاربي
لقد أفرزت قوانينا الجزرية تصرفات شعبية تبيّن علانية وضمنيًا أنّ تلك القوانين لا هم لها إلا نقض ما تدعي الحفاط عليه من قيّم، إذ دورها أساسًا الحفاظ على مصالح السّاسة. ومن الطّبيعي أن التّصرّفات اليومية لأبناء الشّعب تحتاط شديد الاحتياط من تلك القوانين، رغم مشاكستها لها، فذلك من باب حكمتها في ضرورة الحفاظ على الذّات من الشّبهات حتى لا تسقط علنًا في ما لا تقبله الأخلاق الرّسمية وتضمن حرية الأخذ بها سرًّا، أو على الأقل دون جلبة مما يلفت أنظار العسس.
لهذا استنبط الشّارع العربي جنسًا حسيًا فيه الإغلام والشّبيقة(Erotisme)، أكثر إمتاعا من التّصرف الإباحي نفسه.
والشّيء من مأتاه لا يُستغرب، إذ لا ينعدم مثل هذا الإبداع في دين لا حياء فيه ومن أهل ثقافة أنتجت «ألف ليلة وليلة» وغيرها من الكتب، حتى الفقهية، التي تعدّ اليوم من الإباحة الصّرفة.
هذا يُؤكد ما عُرفت به الثّقافة العربية من قيمة الكمون وفضيلة التّخفي أو ما يُعرف فقهيًا بالتّقية. وقد عرّفت في أبحاثي العلمية هذه الخاصية بمثل المشربية الذي من شأنه أن ينقلب إلى عقدة، مستلهمًا من العمران العربي وبناياته ما له علاقة بنفسية العربي. ومدار هذا المثل المركّب هو أن العربي لا يكشف بداية عن نفسه وذلك أساسًا لأجل حرية التّمتع بالرؤية قبل إمتاع الآخر برؤية مُماثلة بالبروز إليه على أفضل هيئة. أما انقلابه إلى عقدة فيكون بجعل الشّبقي يصبح، دون أن ينوي ذلك ضرورة، المتهرّب من الآخر، المتخّفي عنه بجميع الوسائل، حتى المخاتلة منها.
هذا هو الأساس اللاشعوري الذي يؤدي إلى العنف المعنوي والمادّي كما نراه مع الحجاب والبرقع والنّقاب اليوم؛ وكلّها ليست أبدًا من العادات العربية، بل مما أفرزته المركّبات والعقد بتأثير من أخلاقيات لاعربية ولا إسلامية بتاتًا.
احترام الأخلاق هو في احترام حريّة البشر في تعاطي الجنس
احترام الأخلاق هو في احترام حريّة البشر في تعاطي الجنس
لم يعد اليوم أيّ شكّ أن قوانيننا المتسربلة بدون حياء بقناع الأخلاق والقيم ليس لها أي قاعدة أخلاقية، إذ هي لا أخلاقية في ادعائها تمثيل قيم المجتمع والدّين. ذلك لأن المجتمع له قراءة أخرى للملّة، مُغايرة تمامًا لقراءة ساسته، إذ أخلاقية الشّارع أقرب إلى روح الدّين ومقاصده من النّصوص القانونية، فهذه لا تسعى إلا مراقبة المجتمع وإخضاعه للحكّام الذين يحتكرون حرية فهم الدّين وأخلاقيته كما يحلو لهم، في دين لا كنيسة فيه ولا مرجعية كهنوتية.
إن تصرّفات العامّة أساسًا أخلاقية، رغم ما يحلو للخاصة من نعتها بالدّنس، لأنها أولاً لا تدين للظّاهرة الأخلاقية، غير الصّحيحة واقعيًا، التي يتقمصها أهل الأمر والنّهي بسطوة القانون وشوكة الحاكم. فهي، في حيويتها هذه المدنسة زعمًا، أقرب طهرًا من الفهم الصّحيح للأخلاق الدّينية المرجعية المؤسسة للأخلاق على مبدأ العفوية مع سلامة النّية وبراءة العلاقة بالآخر، بلا زيف ولا مخادعة. وهي، ثانيًا، جدّ أخلاقية بهذه السّليقة، إذ تتماهى مع نمط حياتها ومقتضيات عيشها رغم ضنكها، دون نكران ذاتها وما تلزمها طبيعتها البشرية من تأقلم لدوام العيش. فهل من حقّ السّاسة فقط الاستمتاع بدنياهم دون غيرهم؟ أليس الكلّ بشر، من لحم ودم وأحاسيس وغرائز؟
لا شكّ أن في توصل النّاشئة المغاربية للحياة بشيء من الحرية رغم الكبت والحرمان والظّلم المسلّط عليها الدّليل القاطع على قدرتها غدًا على قلب الأمور المنكوسة اليوم على رؤوسها، لإعادتها على أقدامها. ولا غرابة في هذا بما أننا في عهد الجماهير؛ فلا يعدم الجمهور من حيلة، خاصّة وقد أظلنا العالم باخوس أو ديونيزوس، إله القصف والمجون، إذ هو الرّمز لما بعد الحداثة، زمننا الرّاهن، في علم الاجتماع الفهيم.
في هذا العهد الماجن، غربيًا كان أو عربيًا، لا أخلاق للأخلاقيات كما عرفناها وعهدناها، أي تلك التي لا تقوم إلا بحدّ سلطة الحاكم؛ ذلك لأن الجسم الاجتماعي يعي أكثر من أيّ وقت مضى قوته، مما يجعله أحثّ من قبل في الأخذ بها، وأمتن من أيّ وقت مضى في الدّفاع عن حقيقته البشرية التي يعرفها جيّد المعرفة لمعاناته اليومية لها؛ لذا، فهو لم يعدّ يعير أيّ أهمية لمقولة من يدعي معرفتها خيرًا منه من أرباب الدّين والسياسة، مذكرًا بمقولة الشّاعر أن من يعلم الشّيء تغيب عنه أشياء، إذ المعرفة أوسع وليس العالم ولا الجاهل الذي يتعلّم أبّ الدهر؛ وهل أفضل من مدرسة الحياة والشّارع؟
إن أخلاق الشّارع عندنا التي تبدو غير أخلاقية هي الأخلاق أساسًا، لا لشيء إلا لكونها غير جامدة جمود الجلمود؛ فالشّذوذ الأخلاقي اليوم ليس شذوذًا إلا لخروجه عن المألوف المعتاد رغم أن هذا ليس هو الصّحيح من الأخلاق؛ أما غدًا، فيكون ما شذّ اليوم القاعدة بعد أن يصبح القانون الحالي الجائر من الشّذوذ والفساد لأنه ما خدم إلا مصالح ضيّقة لساسة، لا تعرف مصالح عموم الشّعب رغم أنها مبدئيا في رعايتها.
أخلاق الشّارع التي تبدو غير أخلاقية هي الأخلاق أساسًا
أخلاق الشّارع التي تبدو غير أخلاقية هي الأخلاق أساسًا
الجنس في الإسلام
إن كتب الأدب، بل الفقه أيضًا، تزخر بأمثلة عدّة من الجنس الإسلامي المُتحرّر، وذلك في كلّ العصور الإسلامية، خاصة عند ازدهار الحضارة الإسلامية، قبل أن تدخل الإمبريالية الغربية دار الإسلام بتزمتها اليهودي المسيحي. وها هي أخلاقياتها باقية إلى اليوم في قوانيننا.
الجنس في الإسلام من حريات المؤمن المضمونة شرعًا، إذ الدّين القيّم يقدّس الذّات البشرية وحرية الفرد أيما تقديس، وهو في علميته يعترف بالجنس كمكوّن أساسي لنفسية الإنسان فيحترم تعاطيه، إلى حدّ أنه لم يمنعه مع الحجّ، حتى فعل ذلك الخليفة عمر الذي منع متعة الحجّ، وقد قبل الرّسول(ص) بها وأقرّها خليفته الأول.
لقد حان الوقت لأن نستيقظ من سباتنا ونخلّص ديننا من كل الإسرائيليات التي داخلته، ومنها خاصة ما تعلّق بالجنس، إذ لا تقدم للمسلمين ما دامت علاقتهم بالجنس على الحالة التي هي عليه اليوم، أي حالة هوس ومرض. لا بدّ لنا من تحرير الجنس في بلادنا، بما أن الإسلام لا يحرم الجنس ولا يمنعه، ففي ذلك الخير العميم على نفسيتنا وخاصة نفسية شبابنا المقهور اليوم جنسيًا، فإذا به ينقلب متوحشًا كما نرى ذلك في «داعش» مثلاً.
لقد ولّى الزمن الذي كان يُرفض فيه لمن لا إمكانات له أن يحيا طبيعته كما يحياها من له كل الإمتيازات لذلك؛ فمقاومة نزعة القصف الشّعبية لم تعد تعني أي شيء، لأن الشّعب اليوم على شاكلة ساسته الذين لا يتورّعون عن مداومة العربدة بلا حياء. فلم لا يفعل الشّباب ذلك، وفطرتهم تقتضيه وسِنهم يفرضه عليهم؟ خاصة وأنهم يؤدونه بحسّ الفنّان المبدع وشاعريته! تلك هي شاعرية شوارعنا وزقاقها التي لا تبدو إلا للعيون غير الحاملة لغمامة الدغمائية، أيا كان نوعها. وليست هي مبتدعة في ذلك إذ كانت تلك حال شبيبة الإسلام في عهوده النيرة. فمما تذكره كتب التراث هذه المقولة المشهورة لشاب أتى بغداد في أوّج حضارتها رادا على نصيحة أمّه في الأخذ بالدّين لضمان مستقبل له، أن الأست أضمن وأسهل له من الفقه في حياة هانئة سعيدة.
إن ما يبدو عند البعض في شعوبنا من هشاشة أخلاقية لهو حقيقة من القوة بمكان، فهو يسمح لأهل الخصاصة من إمتاع حياتهم وإيناسها بما يبتكرونه في تصرّفات كلّها عبقرية لتأصلها بواقعهم؛ وإنها لجدّ ذكية، علاوة على طرافتها، لما فيها من قدرة على التّنصل من حبال المسؤولية الجزائية. الأهم في هذا، وهو من الإبداع، أن ليس في كل ذلك أي فساد إذ لا إفساد فيه؛ وهبه من الفساد، فهو عندها هذا الفساد الصالح، كالميت الذي يأتي منه الحي! فلا فساد إلا الإفساد، أي مدّ الجوارح على الغير، فلا فساد مع الغيرية. والغيرية أساس متخيّل شعوبنا.
لعل اشتهار أبا نواس(762-813م) كأفضل من تغنى بالميولات المماثلة في العالم، إضافة لوجود العديد من الفقهاء الأجلاء الذين لم يتردّدوا في التغني بالمذكر في أشعارهم، مما يبين اختلاف النّظرة العربية للجنس، هذه النظرة التي غيّرتها العادات اليهودية والمسيحية.
فما من بد اليوم قطع العلاقة الوثيقة التي اختلقها البعض من المتزمّتين باسم الدّين، بين الأخلاق والجنس، بينما ليس لها في ديننا أي سند وجيه.
الإسلام من الأديان الأشدّ تفتحًا على حريّة الفرد، بما فيها حرية الممارسة الجنسية. علينا إذن بنبذ العادات التي تحكم اليوم مجتمعاتنا والتي ليس لها من الإسلام إلا الاسم، بما أنها متأتية من الأخلاقيات اليهودية والمسيحية التي تُسمى بالإسرائيليات، التي تغلغت في حياة العربي المسلم حتى غيّرت ما كان لديه من عادات سليمة.
إن تقدّم مجتمعاتنا، لا شكّ، مرتهن اليوم بإيقاف هذه الحرب العشواء التي نشنّها على أنفسنا بمنعنا شبابنا من تعاطي أبسط ما يميّز الحياة، ألا وهو الجنس بكلّ حريّة وطلاقة؛ فلا ديننا يمنع ذلك كما تمنعه اليهودية والمسيحية ولا الأخلاق تحدّ منه، ما دام احترام الآخر مضمون.
مثل هذا الاحترام مضمون، ولا شكّ، ما دام تعاطي الجنس لا مانع له، فالمنع هو الذي يؤدي إلا حالات الكبت الذي يأتي بالاعتداءات على حريّة الغير ومنها الاغتصاب، وغير ذلك مما تُقاسيه مجتمعاتنا باسم ضرورة احترام الدّين، وهي تهدم الدّين والأخلاق بقوانين زجرية غير أخلاقية لأنها غير إسلامية.
إن احترام الأخلاق اليوم هو في احترام حريّة البشر في تعاطي الجنس، إذ به قوام الحياة وفي تعاطيه دون رهبة.
الجنس في الشّارع المغاربي
لقد أفرزت قوانينا الجزرية تصرفات شعبية تبيّن علانية وضمنيًا أنّ تلك القوانين لا هم لها إلا نقض ما تدعي الحفاط عليه من قيّم، إذ دورها أساسًا الحفاظ على مصالح السّاسة. ومن الطّبيعي أن التّصرّفات اليومية لأبناء الشّعب تحتاط شديد الاحتياط من تلك القوانين، رغم مشاكستها لها، فذلك من باب حكمتها في ضرورة الحفاظ على الذّات من الشّبهات حتى لا تسقط علنًا في ما لا تقبله الأخلاق الرّسمية وتضمن حرية الأخذ بها سرًّا، أو على الأقل دون جلبة مما يلفت أنظار العسس.
لهذا استنبط الشّارع العربي جنسًا حسيًا فيه الإغلام والشّبيقة(Erotisme)، أكثر إمتاعا من التّصرف الإباحي نفسه.
والشّيء من مأتاه لا يُستغرب، إذ لا ينعدم مثل هذا الإبداع في دين لا حياء فيه ومن أهل ثقافة أنتجت «ألف ليلة وليلة» وغيرها من الكتب، حتى الفقهية، التي تعدّ اليوم من الإباحة الصّرفة.
هذا يُؤكد ما عُرفت به الثّقافة العربية من قيمة الكمون وفضيلة التّخفي أو ما يُعرف فقهيًا بالتّقية. وقد عرّفت في أبحاثي العلمية هذه الخاصية بمثل المشربية الذي من شأنه أن ينقلب إلى عقدة، مستلهمًا من العمران العربي وبناياته ما له علاقة بنفسية العربي. ومدار هذا المثل المركّب هو أن العربي لا يكشف بداية عن نفسه وذلك أساسًا لأجل حرية التّمتع بالرؤية قبل إمتاع الآخر برؤية مُماثلة بالبروز إليه على أفضل هيئة. أما انقلابه إلى عقدة فيكون بجعل الشّبقي يصبح، دون أن ينوي ذلك ضرورة، المتهرّب من الآخر، المتخّفي عنه بجميع الوسائل، حتى المخاتلة منها.
هذا هو الأساس اللاشعوري الذي يؤدي إلى العنف المعنوي والمادّي كما نراه مع الحجاب والبرقع والنّقاب اليوم؛ وكلّها ليست أبدًا من العادات العربية، بل مما أفرزته المركّبات والعقد بتأثير من أخلاقيات لاعربية ولا إسلامية بتاتًا.
احترام الأخلاق هو في احترام حريّة البشر في تعاطي الجنس
احترام الأخلاق هو في احترام حريّة البشر في تعاطي الجنس
لم يعد اليوم أيّ شكّ أن قوانيننا المتسربلة بدون حياء بقناع الأخلاق والقيم ليس لها أي قاعدة أخلاقية، إذ هي لا أخلاقية في ادعائها تمثيل قيم المجتمع والدّين. ذلك لأن المجتمع له قراءة أخرى للملّة، مُغايرة تمامًا لقراءة ساسته، إذ أخلاقية الشّارع أقرب إلى روح الدّين ومقاصده من النّصوص القانونية، فهذه لا تسعى إلا مراقبة المجتمع وإخضاعه للحكّام الذين يحتكرون حرية فهم الدّين وأخلاقيته كما يحلو لهم، في دين لا كنيسة فيه ولا مرجعية كهنوتية.
إن تصرّفات العامّة أساسًا أخلاقية، رغم ما يحلو للخاصة من نعتها بالدّنس، لأنها أولاً لا تدين للظّاهرة الأخلاقية، غير الصّحيحة واقعيًا، التي يتقمصها أهل الأمر والنّهي بسطوة القانون وشوكة الحاكم. فهي، في حيويتها هذه المدنسة زعمًا، أقرب طهرًا من الفهم الصّحيح للأخلاق الدّينية المرجعية المؤسسة للأخلاق على مبدأ العفوية مع سلامة النّية وبراءة العلاقة بالآخر، بلا زيف ولا مخادعة. وهي، ثانيًا، جدّ أخلاقية بهذه السّليقة، إذ تتماهى مع نمط حياتها ومقتضيات عيشها رغم ضنكها، دون نكران ذاتها وما تلزمها طبيعتها البشرية من تأقلم لدوام العيش. فهل من حقّ السّاسة فقط الاستمتاع بدنياهم دون غيرهم؟ أليس الكلّ بشر، من لحم ودم وأحاسيس وغرائز؟
لا شكّ أن في توصل النّاشئة المغاربية للحياة بشيء من الحرية رغم الكبت والحرمان والظّلم المسلّط عليها الدّليل القاطع على قدرتها غدًا على قلب الأمور المنكوسة اليوم على رؤوسها، لإعادتها على أقدامها. ولا غرابة في هذا بما أننا في عهد الجماهير؛ فلا يعدم الجمهور من حيلة، خاصّة وقد أظلنا العالم باخوس أو ديونيزوس، إله القصف والمجون، إذ هو الرّمز لما بعد الحداثة، زمننا الرّاهن، في علم الاجتماع الفهيم.
في هذا العهد الماجن، غربيًا كان أو عربيًا، لا أخلاق للأخلاقيات كما عرفناها وعهدناها، أي تلك التي لا تقوم إلا بحدّ سلطة الحاكم؛ ذلك لأن الجسم الاجتماعي يعي أكثر من أيّ وقت مضى قوته، مما يجعله أحثّ من قبل في الأخذ بها، وأمتن من أيّ وقت مضى في الدّفاع عن حقيقته البشرية التي يعرفها جيّد المعرفة لمعاناته اليومية لها؛ لذا، فهو لم يعدّ يعير أيّ أهمية لمقولة من يدعي معرفتها خيرًا منه من أرباب الدّين والسياسة، مذكرًا بمقولة الشّاعر أن من يعلم الشّيء تغيب عنه أشياء، إذ المعرفة أوسع وليس العالم ولا الجاهل الذي يتعلّم أبّ الدهر؛ وهل أفضل من مدرسة الحياة والشّارع؟
إن أخلاق الشّارع عندنا التي تبدو غير أخلاقية هي الأخلاق أساسًا، لا لشيء إلا لكونها غير جامدة جمود الجلمود؛ فالشّذوذ الأخلاقي اليوم ليس شذوذًا إلا لخروجه عن المألوف المعتاد رغم أن هذا ليس هو الصّحيح من الأخلاق؛ أما غدًا، فيكون ما شذّ اليوم القاعدة بعد أن يصبح القانون الحالي الجائر من الشّذوذ والفساد لأنه ما خدم إلا مصالح ضيّقة لساسة، لا تعرف مصالح عموم الشّعب رغم أنها مبدئيا في رعايتها.
أخلاق الشّارع التي تبدو غير أخلاقية هي الأخلاق أساسًا
أخلاق الشّارع التي تبدو غير أخلاقية هي الأخلاق أساسًا
الجنس في الإسلام
إن كتب الأدب، بل الفقه أيضًا، تزخر بأمثلة عدّة من الجنس الإسلامي المُتحرّر، وذلك في كلّ العصور الإسلامية، خاصة عند ازدهار الحضارة الإسلامية، قبل أن تدخل الإمبريالية الغربية دار الإسلام بتزمتها اليهودي المسيحي. وها هي أخلاقياتها باقية إلى اليوم في قوانيننا.
الجنس في الإسلام من حريات المؤمن المضمونة شرعًا، إذ الدّين القيّم يقدّس الذّات البشرية وحرية الفرد أيما تقديس، وهو في علميته يعترف بالجنس كمكوّن أساسي لنفسية الإنسان فيحترم تعاطيه، إلى حدّ أنه لم يمنعه مع الحجّ، حتى فعل ذلك الخليفة عمر الذي منع متعة الحجّ، وقد قبل الرّسول(ص) بها وأقرّها خليفته الأول.
لقد حان الوقت لأن نستيقظ من سباتنا ونخلّص ديننا من كل الإسرائيليات التي داخلته، ومنها خاصة ما تعلّق بالجنس، إذ لا تقدم للمسلمين ما دامت علاقتهم بالجنس على الحالة التي هي عليه اليوم، أي حالة هوس ومرض. لا بدّ لنا من تحرير الجنس في بلادنا، بما أن الإسلام لا يحرم الجنس ولا يمنعه، ففي ذلك الخير العميم على نفسيتنا وخاصة نفسية شبابنا المقهور اليوم جنسيًا، فإذا به ينقلب متوحشًا كما نرى ذلك في «داعش» مثلاً.
لقد ولّى الزمن الذي كان يُرفض فيه لمن لا إمكانات له أن يحيا طبيعته كما يحياها من له كل الإمتيازات لذلك؛ فمقاومة نزعة القصف الشّعبية لم تعد تعني أي شيء، لأن الشّعب اليوم على شاكلة ساسته الذين لا يتورّعون عن مداومة العربدة بلا حياء. فلم لا يفعل الشّباب ذلك، وفطرتهم تقتضيه وسِنهم يفرضه عليهم؟ خاصة وأنهم يؤدونه بحسّ الفنّان المبدع وشاعريته! تلك هي شاعرية شوارعنا وزقاقها التي لا تبدو إلا للعيون غير الحاملة لغمامة الدغمائية، أيا كان نوعها. وليست هي مبتدعة في ذلك إذ كانت تلك حال شبيبة الإسلام في عهوده النيرة. فمما تذكره كتب التراث هذه المقولة المشهورة لشاب أتى بغداد في أوّج حضارتها رادا على نصيحة أمّه في الأخذ بالدّين لضمان مستقبل له، أن الأست أضمن وأسهل له من الفقه في حياة هانئة سعيدة.
إن ما يبدو عند البعض في شعوبنا من هشاشة أخلاقية لهو حقيقة من القوة بمكان، فهو يسمح لأهل الخصاصة من إمتاع حياتهم وإيناسها بما يبتكرونه في تصرّفات كلّها عبقرية لتأصلها بواقعهم؛ وإنها لجدّ ذكية، علاوة على طرافتها، لما فيها من قدرة على التّنصل من حبال المسؤولية الجزائية. الأهم في هذا، وهو من الإبداع، أن ليس في كل ذلك أي فساد إذ لا إفساد فيه؛ وهبه من الفساد، فهو عندها هذا الفساد الصالح، كالميت الذي يأتي منه الحي! فلا فساد إلا الإفساد، أي مدّ الجوارح على الغير، فلا فساد مع الغيرية. والغيرية أساس متخيّل شعوبنا.