نقوس المهدي
كاتب
ابن السيد البطليوسي
ملامح من شخصية الرجل
1 - لوعات الحب أو الغرام
إنك قد رأيت فيما سبق من صورة مجملة عن حياة أبن السيد التي لو لم تكن شاقة، ولكنها كانت مضطربة وخاصة في أطوارها الثلاثة الأولى، التي لم يزل يتنقل في خلالها من عاصمة إلى أخرى، ويتصل بملوك الطوائف، مرة بهذا، وأخرى بذلك. أما حياته الخاصة فلا نعرف عنها، إلا بعض الإشارات الخفية. ويبدو لنا أن الرجل كان قد أبتلى بالحب، وذاق طعمه، وأحس حرارته، وعالج آلامه، فعبر عن ذلك في شعره. وهذا الشعر لا يصدر إلا من قلب مذاب حبا وعطفا وحنانا: " الطويل ".
خليلي هل تقتضي لبانة هائم ... أم الوجد والتبريح ضربة لازم
فأني بما ألقى من الوجد مغرم ... كسال، وقلبي بائح مثل كاتم
ولي عبرات يستهل غمامها ... نحوي، إذا لاحت بروق المباسم
كفى حزنا أني أذوب صبابة ... وأشكو الذي ألقى إلى غير راحم
وأرتع من خديه في جنة المنى ... ويصلي فؤادي من هواه بجاحم
تقتصى الصبا، واللهو إلا حشاشة ... تجدد لي عهد الصبا المتقادم
وهو القائل: " الطويل "
أما أنه لولا الدموع الهوامع ... لما بأن منى ما تجن الأضالع
وكم هتكت ستر الهوى أعين المها ... وهاجت لي الشوق الديار البلاقع
خليلي مالي كلما لاح بارق ... تلضى الحشا، وأرفض منى المدامع
هل الأفق في جلبي بالبرق لامع ... أم المزن في جفني بالودق هامع
ففي القلب من نار الشجون مصائف ... وفي الخد من ماء الشؤن مرابع
وما هاج هذا الشوق إلا مهفهف ... هو البدر أو بدر الدجى منه طالع
إذا غاب يوما فالقلوب مغارب ... وإن لاح يوما فالجيوب مطالع
يضرج خديه الحياء كأنما ... بخديه من فتك الجفون وقائع
إلا أننا لا نعرف أي الجآذر أخذت بلبه، وبمن كان قد أبتلى حبا، وفي أي مكان وزمان كان ذلك؟ وتخشى أن يكون هذا الحب هو " الحب الأفلاطوني " وأن يكون غزله هو الغزل بالمذكر، لأن من سمات عصر ملوك الطوائف هو الغزل بالمذكر. وقد ذكر المقري والسيوطي أن أبن السيد كان قد أولع بأولاد أبن الحاج، صاحب قرطبة، وهو كانوا ثلاثة، وكانوا من أجمل الناس صورة، وهو رحمون، وعزون وحسون فأعجبه جمالهم، وأخذوا بلبه، حتى قال فيهم: " البسيط "
أخفيت سقمي حتى كان يخفيني ... وهمت في حب عزون، فعزوني
ثم ارحموني برحمون فأن ظمئت ... نفسي إلى ريق حسون، فحسوني
وكان قد أولع بأبي الحكم، عمرو بن مذحج بن حزم الذي كان قد غلب على لبه وأخذ بمجامع قلبه، وكان من أحسن الناس صورة، وأروعهم جمالا: فقال فيه " الطويل "
رأى صاحبي عمرا فكلف وصفه ... وحملني من ذاك ما ليس في الطوق
فقلت له عمرو كعمرو فقال لي ... صدقت ولكن ذا أشب عن الطوق
وذكر الفتح أبن خاقان شيخة، أبن السيد فقال إنه كان " يتغزل أيام جرى في ميدان الصبا متهافتا، وأبدله الجوى نفسا خافتا. وهو من أبدع أنواع الاستعطاف، وأحسن من النور عند القطاف، خضع فيه لمحبوبه، وذل وهان له، وأبتذل ورضى بما سامه من العذاب وبذل نفسه في رشفة من ثناياه العذاب، وتشكى من جوره وحيفه، وبكى حتى من اجتناب طيفه، وأستدعى رضاه، وخلع ثوب التناسك ونضاه، ونحا في استلطافه أرق منحى وتصادم عن قول من عذل ولحى، وهذا غرض من كواه الغرام، وسبيل من رام من الوصال ما رام، فما مع الهوى عزو ولا صبر، ومما هو إلا ذلل أو قبر " ثم أنشد قطعة من غزله، يخاطب فيها " محبوبة " ويقول له: " الطويل "
أبا عامر أنت الحبيب إلى قلبي ... وإن كنت دهرا من عتابك في حرب
أتعرض حتى بالخيال لدى الكري ... وتخبل، حتى بالسلام مع الركب
إلى أن قال له:
ويا جنة الفردوس هل يقطع العدا ... بجريا لك المختوم، أو مائك العذب
ويا بائنا، بان العزاء ببينه ... فأصبحت مسلوب العزيمة والقلب
أقنى بالعتبي جنى النحل منعما ... فانك قد جرعتن الصاب بالعتب
فأبو عامر هذا هو الخامس ممن " غلب على لبه وأخذ بمجامع قبله ". ولم نعرف ذات سوار وخلخال غلبت على لبه، وأخذ بمجامع قلبه، والله وسبحانه، هو مقلب القلوب علام الغيوب
- القرط على الكامل، وهي الطرر والحواشي علي الكامل للمبرد
المؤلف: أبو الحسن علي بن إبراهيم بن محمد بن عيسي بن سعد الخير الأنصاري (المتوفى: 571هـ)
ملامح من شخصية الرجل
1 - لوعات الحب أو الغرام
إنك قد رأيت فيما سبق من صورة مجملة عن حياة أبن السيد التي لو لم تكن شاقة، ولكنها كانت مضطربة وخاصة في أطوارها الثلاثة الأولى، التي لم يزل يتنقل في خلالها من عاصمة إلى أخرى، ويتصل بملوك الطوائف، مرة بهذا، وأخرى بذلك. أما حياته الخاصة فلا نعرف عنها، إلا بعض الإشارات الخفية. ويبدو لنا أن الرجل كان قد أبتلى بالحب، وذاق طعمه، وأحس حرارته، وعالج آلامه، فعبر عن ذلك في شعره. وهذا الشعر لا يصدر إلا من قلب مذاب حبا وعطفا وحنانا: " الطويل ".
خليلي هل تقتضي لبانة هائم ... أم الوجد والتبريح ضربة لازم
فأني بما ألقى من الوجد مغرم ... كسال، وقلبي بائح مثل كاتم
ولي عبرات يستهل غمامها ... نحوي، إذا لاحت بروق المباسم
كفى حزنا أني أذوب صبابة ... وأشكو الذي ألقى إلى غير راحم
وأرتع من خديه في جنة المنى ... ويصلي فؤادي من هواه بجاحم
تقتصى الصبا، واللهو إلا حشاشة ... تجدد لي عهد الصبا المتقادم
وهو القائل: " الطويل "
أما أنه لولا الدموع الهوامع ... لما بأن منى ما تجن الأضالع
وكم هتكت ستر الهوى أعين المها ... وهاجت لي الشوق الديار البلاقع
خليلي مالي كلما لاح بارق ... تلضى الحشا، وأرفض منى المدامع
هل الأفق في جلبي بالبرق لامع ... أم المزن في جفني بالودق هامع
ففي القلب من نار الشجون مصائف ... وفي الخد من ماء الشؤن مرابع
وما هاج هذا الشوق إلا مهفهف ... هو البدر أو بدر الدجى منه طالع
إذا غاب يوما فالقلوب مغارب ... وإن لاح يوما فالجيوب مطالع
يضرج خديه الحياء كأنما ... بخديه من فتك الجفون وقائع
إلا أننا لا نعرف أي الجآذر أخذت بلبه، وبمن كان قد أبتلى حبا، وفي أي مكان وزمان كان ذلك؟ وتخشى أن يكون هذا الحب هو " الحب الأفلاطوني " وأن يكون غزله هو الغزل بالمذكر، لأن من سمات عصر ملوك الطوائف هو الغزل بالمذكر. وقد ذكر المقري والسيوطي أن أبن السيد كان قد أولع بأولاد أبن الحاج، صاحب قرطبة، وهو كانوا ثلاثة، وكانوا من أجمل الناس صورة، وهو رحمون، وعزون وحسون فأعجبه جمالهم، وأخذوا بلبه، حتى قال فيهم: " البسيط "
أخفيت سقمي حتى كان يخفيني ... وهمت في حب عزون، فعزوني
ثم ارحموني برحمون فأن ظمئت ... نفسي إلى ريق حسون، فحسوني
وكان قد أولع بأبي الحكم، عمرو بن مذحج بن حزم الذي كان قد غلب على لبه وأخذ بمجامع قلبه، وكان من أحسن الناس صورة، وأروعهم جمالا: فقال فيه " الطويل "
رأى صاحبي عمرا فكلف وصفه ... وحملني من ذاك ما ليس في الطوق
فقلت له عمرو كعمرو فقال لي ... صدقت ولكن ذا أشب عن الطوق
وذكر الفتح أبن خاقان شيخة، أبن السيد فقال إنه كان " يتغزل أيام جرى في ميدان الصبا متهافتا، وأبدله الجوى نفسا خافتا. وهو من أبدع أنواع الاستعطاف، وأحسن من النور عند القطاف، خضع فيه لمحبوبه، وذل وهان له، وأبتذل ورضى بما سامه من العذاب وبذل نفسه في رشفة من ثناياه العذاب، وتشكى من جوره وحيفه، وبكى حتى من اجتناب طيفه، وأستدعى رضاه، وخلع ثوب التناسك ونضاه، ونحا في استلطافه أرق منحى وتصادم عن قول من عذل ولحى، وهذا غرض من كواه الغرام، وسبيل من رام من الوصال ما رام، فما مع الهوى عزو ولا صبر، ومما هو إلا ذلل أو قبر " ثم أنشد قطعة من غزله، يخاطب فيها " محبوبة " ويقول له: " الطويل "
أبا عامر أنت الحبيب إلى قلبي ... وإن كنت دهرا من عتابك في حرب
أتعرض حتى بالخيال لدى الكري ... وتخبل، حتى بالسلام مع الركب
إلى أن قال له:
ويا جنة الفردوس هل يقطع العدا ... بجريا لك المختوم، أو مائك العذب
ويا بائنا، بان العزاء ببينه ... فأصبحت مسلوب العزيمة والقلب
أقنى بالعتبي جنى النحل منعما ... فانك قد جرعتن الصاب بالعتب
فأبو عامر هذا هو الخامس ممن " غلب على لبه وأخذ بمجامع قبله ". ولم نعرف ذات سوار وخلخال غلبت على لبه، وأخذ بمجامع قلبه، والله وسبحانه، هو مقلب القلوب علام الغيوب
- القرط على الكامل، وهي الطرر والحواشي علي الكامل للمبرد
المؤلف: أبو الحسن علي بن إبراهيم بن محمد بن عيسي بن سعد الخير الأنصاري (المتوفى: 571هـ)