نقوس المهدي
كاتب
عندما نستشهد أحيانا بأبيات من شعر الرائع نزار قباني تُشهر في وجوهنا السيوف ويتهمنا البعض بالإباحية ويدعون على نزار بالويل والثبور ويصفونه بالزنديق.
يحدث هذا في الوقت الذي يمتلئ فيه تراثنا الديني والفقهي بكثير من أبيات الغزل التي قالها فقهاء شهد لهم الكثيرون بالتقي والورع وربما لذلك تغاضوا عن بعض ما قالوه رغم أن في هذا البعض كثير من الخروج السافر على الدين والأخلاق والقيم .
قبل الحديث عن الفقهاء وتغزلهم دعونا نورد أولا أبياتا لـ كعب بن زهير الذي جاء الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) عارضا إسلامه وأنشد النبي قصيدته الرائعة : بانت سعاد التي كثيرا ما درسناها في الثانوية باعتبارها من عيون الشعر العربي و.. إليكم بعض أبياتها التي لم نلتفت وقت دراستها إلى ما فيها مما قد يعاقبنا عليه المتزمتون:
وما سعاد غداة البين إذ برزت * * * كأنها منهل بالـراح معلـول
هيفـاء مقبلة عجـزاء مدبرة * * * لا يشتكي قصر منها ولا طول
( ركزوا كثيرا في البيت الثاني .. أليس ذاك وصفا صريحا لمفاتن المرأة ؟ )
وهذا عروة بن أذينه الفقيه المحدث شيخ الإمام مالك يقول:ـ
إن التي زعمـت فـؤادك ملها * * * خلقت هواك كما خلقت هوى لها
فبك الذي زعمـت بها وكلاكما * * * يبدي لصاحبه الصبـابـة كلها
ويبيت بين جوانحي حـبٌّ لهـا * * * لو كان تحـت فراشهـا لأقلها
ولعمرها لو كان حبـك فوقها * * * يوماً وقد ضحيـت إذن لأظلهـا
وإذا وجدت لها وساوس سلـوة * * * شفع الفؤاد إلى الضمير فسلها
بيضاء باكرها النعيـم فصاغها * * * بلبـاقـة فـأدقهـا وأجلهـا
منعـت تحيتها فقلـت لصاحبي * * * ما كان أكثـرها لنـا وأقلها!
فدنا فقـال ، لعلهـا معـذورة * * * من أجل رقبتها، فقلت : لعلها
خذ عندك فقيه آخر هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة الذين انتهى إليهم العلم يتغزل في امرأة بقوله :
شققت القلب ثم ذررت فيـه * * * هواك فليم فالتمام الفطور
تغلغل حب عشمة في فؤادي * * * فباديه مع الخافي يسيـر
تغلغل حيث لم يبلغ شـراب * * * ولا حزن ولم يبلغ سرور
وحتى لا يحتج البعض علينا بأنه كلام لطيف ليس فيه حديث عن النهود والعري أقول إن في شريعة المتزمتين يكفي أن تتغزل في امرأة حتى يصبوا عليك اللعنات.. ثم تعالوا بنا إلى ما هو أشد من شعر نزار..
ماذا يحدث إذا قرأت شعرا لرجل يتغزل برجل ؟ ستنعته مؤكد بالفسق والفجور والكبائر العظام لكن هذا للأسف لم يحدث مع قاضي القضاة ابن خلكان المشهور، وكان يعشق ابن الملك المسعود بن المظفر، ( وكان قد تيمه حبه ) ،
يحكي القاضي التبريزي بعضا من ذاك العشق الماجن بقوله :
كنت عنده ( يقصد القاضي ) في العادلية (دار المجمع العلمي اليوم) في بعض الليالي، فلما انصرف الناس من عنده قال لي: نم أنت ههنا. وألقى علي فروة، وقام يكرر هذين البيتين إلى أن أصبحنا فتوضأنا وصلينا، والبيتان هما:ـ
أنـا والله هـالـك * * * آيس من سلامتي
أو أرى القامة التي * * * قد أقامت قيـامتي
ولما فشا أمره، منع الملك ابنه من الركوب حتى لا يراه القاضي ، فاشتد ذلك على ابن خلكان، فقال :ـ
إن لم تجودوا بالوصـال تعطفاً * * * ورأيتـم هجـري وفـرط تجنبي
لا تمنعوا عيني القريحة أن ترى * * * يوم الخميس جمالكم في الموكب
لو كنت تعلم يا ( حبيـبي ) ما الذي * * * ألقـاه من كمـد إذا لم تركـب
لرحمتني ورثيـت لي من حالة * * * لولاك لم يك حملهـا من مذهبي
ومن البـلـيـة والرزية أنني * * * أقضي ولا تدري الذي قد حل بي
( قسماً بوجهك) وهو بـدر طالع * * * وبـلـيـل طرَّتك التي كالغيهـب
لو لم أكن في رتبـة أرعى لها * * * العهـد القديـم صيانة للمنصب
لهتكت ستري في هواك ولذ لي * * * خلـع العـذار ولو ألـح مؤنبي
لكن خشيـت بأن يقول عواذلي * * * قد جن هذا الشيخ في هذا الصبي
الرجل يقسم بوجه الفتى ويدعوه بـ حبيبي ويهدده بأنه إن لم يتواصل معه فسيخلع برقع الحياء ويعلن حبه على الملأ !!!!
ورغم كل ذاك الفحش فان صاحبه التبريزي يعاتبه في لطف فيقول : ( والبلية والله أن يكون قاضيا ويعشق الغلمان، هذا مع الثقة بدينه، وأنه لا يطلب حراما ولا يأتيه مختارا -غفر له الله.)
فإذا كان مع كل ذلك يدعو له أن يغفر له الله فلماذا نستكثر على نزار ما قاله وهو لم يكن فقيها ولا عالما بالحلال والحرام مثلهم كما أنه لم يتغزل يوما بالصبيان ؟!
احمد المهر
يحدث هذا في الوقت الذي يمتلئ فيه تراثنا الديني والفقهي بكثير من أبيات الغزل التي قالها فقهاء شهد لهم الكثيرون بالتقي والورع وربما لذلك تغاضوا عن بعض ما قالوه رغم أن في هذا البعض كثير من الخروج السافر على الدين والأخلاق والقيم .
قبل الحديث عن الفقهاء وتغزلهم دعونا نورد أولا أبياتا لـ كعب بن زهير الذي جاء الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) عارضا إسلامه وأنشد النبي قصيدته الرائعة : بانت سعاد التي كثيرا ما درسناها في الثانوية باعتبارها من عيون الشعر العربي و.. إليكم بعض أبياتها التي لم نلتفت وقت دراستها إلى ما فيها مما قد يعاقبنا عليه المتزمتون:
وما سعاد غداة البين إذ برزت * * * كأنها منهل بالـراح معلـول
هيفـاء مقبلة عجـزاء مدبرة * * * لا يشتكي قصر منها ولا طول
( ركزوا كثيرا في البيت الثاني .. أليس ذاك وصفا صريحا لمفاتن المرأة ؟ )
وهذا عروة بن أذينه الفقيه المحدث شيخ الإمام مالك يقول:ـ
إن التي زعمـت فـؤادك ملها * * * خلقت هواك كما خلقت هوى لها
فبك الذي زعمـت بها وكلاكما * * * يبدي لصاحبه الصبـابـة كلها
ويبيت بين جوانحي حـبٌّ لهـا * * * لو كان تحـت فراشهـا لأقلها
ولعمرها لو كان حبـك فوقها * * * يوماً وقد ضحيـت إذن لأظلهـا
وإذا وجدت لها وساوس سلـوة * * * شفع الفؤاد إلى الضمير فسلها
بيضاء باكرها النعيـم فصاغها * * * بلبـاقـة فـأدقهـا وأجلهـا
منعـت تحيتها فقلـت لصاحبي * * * ما كان أكثـرها لنـا وأقلها!
فدنا فقـال ، لعلهـا معـذورة * * * من أجل رقبتها، فقلت : لعلها
خذ عندك فقيه آخر هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة الذين انتهى إليهم العلم يتغزل في امرأة بقوله :
شققت القلب ثم ذررت فيـه * * * هواك فليم فالتمام الفطور
تغلغل حب عشمة في فؤادي * * * فباديه مع الخافي يسيـر
تغلغل حيث لم يبلغ شـراب * * * ولا حزن ولم يبلغ سرور
وحتى لا يحتج البعض علينا بأنه كلام لطيف ليس فيه حديث عن النهود والعري أقول إن في شريعة المتزمتين يكفي أن تتغزل في امرأة حتى يصبوا عليك اللعنات.. ثم تعالوا بنا إلى ما هو أشد من شعر نزار..
ماذا يحدث إذا قرأت شعرا لرجل يتغزل برجل ؟ ستنعته مؤكد بالفسق والفجور والكبائر العظام لكن هذا للأسف لم يحدث مع قاضي القضاة ابن خلكان المشهور، وكان يعشق ابن الملك المسعود بن المظفر، ( وكان قد تيمه حبه ) ،
يحكي القاضي التبريزي بعضا من ذاك العشق الماجن بقوله :
كنت عنده ( يقصد القاضي ) في العادلية (دار المجمع العلمي اليوم) في بعض الليالي، فلما انصرف الناس من عنده قال لي: نم أنت ههنا. وألقى علي فروة، وقام يكرر هذين البيتين إلى أن أصبحنا فتوضأنا وصلينا، والبيتان هما:ـ
أنـا والله هـالـك * * * آيس من سلامتي
أو أرى القامة التي * * * قد أقامت قيـامتي
ولما فشا أمره، منع الملك ابنه من الركوب حتى لا يراه القاضي ، فاشتد ذلك على ابن خلكان، فقال :ـ
إن لم تجودوا بالوصـال تعطفاً * * * ورأيتـم هجـري وفـرط تجنبي
لا تمنعوا عيني القريحة أن ترى * * * يوم الخميس جمالكم في الموكب
لو كنت تعلم يا ( حبيـبي ) ما الذي * * * ألقـاه من كمـد إذا لم تركـب
لرحمتني ورثيـت لي من حالة * * * لولاك لم يك حملهـا من مذهبي
ومن البـلـيـة والرزية أنني * * * أقضي ولا تدري الذي قد حل بي
( قسماً بوجهك) وهو بـدر طالع * * * وبـلـيـل طرَّتك التي كالغيهـب
لو لم أكن في رتبـة أرعى لها * * * العهـد القديـم صيانة للمنصب
لهتكت ستري في هواك ولذ لي * * * خلـع العـذار ولو ألـح مؤنبي
لكن خشيـت بأن يقول عواذلي * * * قد جن هذا الشيخ في هذا الصبي
الرجل يقسم بوجه الفتى ويدعوه بـ حبيبي ويهدده بأنه إن لم يتواصل معه فسيخلع برقع الحياء ويعلن حبه على الملأ !!!!
ورغم كل ذاك الفحش فان صاحبه التبريزي يعاتبه في لطف فيقول : ( والبلية والله أن يكون قاضيا ويعشق الغلمان، هذا مع الثقة بدينه، وأنه لا يطلب حراما ولا يأتيه مختارا -غفر له الله.)
فإذا كان مع كل ذلك يدعو له أن يغفر له الله فلماذا نستكثر على نزار ما قاله وهو لم يكن فقيها ولا عالما بالحلال والحرام مثلهم كما أنه لم يتغزل يوما بالصبيان ؟!
احمد المهر