نقوس المهدي
كاتب
وَابْن الدمينة اسْمه عبد الله بن عبيد الله أحد بني عَامر بن تيم الله والدمينة أمه وَهِي سَلُولِيَّة ويكنى ابْن الدمينة أَبَا السّري وَهُوَ شَاعِر مَشْهُور لَهُ غزل رَقِيق الْأَلْفَاظ دَقِيق الْمعَانِي وَكَانَ النَّاس فِي الصَّدْر الأول يسْتَحلُّونَ شعره ويتغنون بِهِ حدث إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي قَالَ كَانَ الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف إِذا سمع شَيْئا يستحسنه أطرفني بِهِ وَأَنا أفعل مثل ذَلِك فَجَاءَنِي يَوْمًا فَوقف بَين النَّاس وَأنْشد لِابْنِ الدمينة
(ألاَ يَا صبَا نَجْدٍ مَتى هِجْتِ من نجدِ ... لقدْ زادني مَسْرَاكِ وجدا على وجد)
(إِن هَتفتْ وَرْقَاء فِي رونق الضُّحَى ... على فنن عض النَّبَات من الرَّندِ)
(بكيتَ كَمَا يبكي الوليدُ وَلم تَكُنْ ... جَزُوعاً وأبديتَ الَّذِي لم تكن تُبْدِي)
(وقدْ زَعَمُوا أنَّ المحبَّ إِذا دنا ... يملُّ وَأَن النأي يشفي من الوجد)
(بِكُل تَدَاوينا فَلم يُشْفَ مَا بنَا ... على أَن قرب الدّار خيرٌ من الْبعد)
(على أَن قربَ الدَّار لَيسَ بِنافعٍ ... إِذا كَانَ منْ تهواهُ ليسَ بِذِي ود) // الطَّوِيل //
ثمَّ ترنح سَاعَة ترنخ النشوان ودبح أُخْرَى ثمَّ قَالَ أنطح العمود رَأْسِي من
حسن هَذَا فَقلت لَا ارْفُقْ بِنَفْسِك
وَحدث ابْن ربيح راوية ابْن هرمة قَالَ لَقِي ابْن هرمة بعض أَصْحَابه بالبلاط فَقَالَ لَهُ من أَيْن أَقبلت قَالَ من الْمَسْجِد فَقَالَ فَأَي شَيْء صنعت هُنَاكَ قَالَ كنت جَالِسا مَعَ إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد المَخْزُومِي قَالَ فَأَي شَيْء قَالَ قَالَ أَمرنِي أَن أطلق امْرَأَتي قَالَ فَأَي شَيْء قلت لَهُ قَالَ مَا قلت شَيْئا قَالَ فوَاللَّه مَا قَالَ لَك هَذَا إِلَّا لأمر أظهرته عَلَيْهِ وكتمتنيه أَفَرَأَيْت لَو أَمرته بِطَلَاق امْرَأَته أَكَانَ يطلقهَا قَالَ لَا وَالله قَالَ فَابْن الدمينة كَانَ أنصف مِنْك كَانَ يهوى امْرَأَة من قومه فَأرْسلت إِلَيْهِ إِن أَهلِي قد نهوني عَن لقائك ومراسلتك فَأرْسل إِلَيْهَا يَقُول
(أريت الْآمِر يَك بِقطع حبلي ... مريهم فِي أحبتهم بِذَاكَ)
(فَإِن هم طاوعوك فطاوعيهم ... وَإِن عاصوك فاعصي من عصاك)
(أَما وَالرَّاقصاتِ بِكُل فجٍ ... وَمَنْ صلى بنُعْمانِ الأرَاكِ)
(لقد أضمرْتُ حبَّك فِي فُؤَادِي ... وَما أضمرْتُ حبّاً مِن سواكِ) // الوافر //
وَمثل هَذَا الْخَبَر مَا حَكَاهُ الْأَصْمَعِي قَالَ مَرَرْت بِالْكُوفَةِ وَإِذا أَنا بِجَارِيَة تطلع من جِدَار إِلَى الطَّرِيق وفتى وَاقِف وظهره إِلَيّ وَهُوَ يَقُول أسهر فِيك وتنامين عني وتضحكين مني وأبكي وتستريحين وأتعب وأمحضك الْمحبَّة وتمذقينها وأصدقك وتنافقيني ويأمرك عدوي بهجري فتطيعينه ويأمرني نصيحي بذلك فأعصيه ثمَّ تنفس وأجهش باكياً فَقَالَت لَهُ إِن أَهلِي يمنعونني مِنْك وينهونني عَنْك فَكيف أصنع فَقَالَ لَهَا
(أريت الْآمِر يَك بِقطع حبلي ... مريهم فِي أحبتهم بِذَاكَ)
(فَإِن هم طاوعوك فطاوعيهم ... وَإِن عاصوك فاعصي من عصاك) // الوافر //
ثمَّ الْتفت فرآني فَقَالَ يَا فَتى مَا تَقول أَنْت فِيمَا قلت فَقلت لَهُ وَالله لَو عَاشَ ابْن أبي ليلى مَا حكم إِلَّا بِمثل حكمك
وَحدث ابْن أبي السرى عَن هِشَام قَالَ هوى ابْن الدمينة امْرَأَة من قومه يُقَال لَهَا أُمَيْمَة فهاج بهَا مُدَّة فَلَمَّا وصلته تجنى عَلَيْهَا وَجعل يَنْقَطِع عَنْهَا ثمَّ زارها ذَات يَوْم فتعاتبا طَويلا ثمَّ أَقبلت عَلَيْهِ فَقَالَ وَالشعر لَهَا
(وأنْتَ الَّذِي أخلفتني مَا وَعَدتَنْي ... وأشمَتَّ بِي من كَانَ فِيكَ يَلومُ)
(وأبرزتني للنَّاس ثمَّ تَركتَنْي ... لَهُم غَرضاً أُرْمَى وَأَنت سليمُ)
(فَلوْ أَن قَوْلاً يَكْلَمُ الْجِسْم قد بَدَا ... بجسميَ من قولِ الوشاة كلوم) // الطَّوِيل //
قَالَ فأجابها ابْن الدمينة فَقَالَ
(وأنتِ الَّتِي كَلَّفْتِني دَلَجَ السُّرى ... وَجُونُ القَطا بالجَلهَتين جُثُومُ)
(وأنْتِ الَّتِي قَطَّعتِ قلبِي حَرَارةً ... ومزقت جُرْحَ الْقلب فهوَ كليمُ)
(وَأَنت الَّتِي أحْفَظت قومِي فَكلُّهم ... بعيد الرِّضَا داني الصدود كظيم) // الطَّوِيل //
قَالَ ثمَّ تزَوجهَا بعد ذَلِك وَقتل وَهِي عِنْده كَمَا سَيَأْتِي
وَحدث أَبُو الْحسن الينبعي قَالَ بَينا أَنا وصديق لي من قُرَيْش نمشي بالبلاط لَيْلًا فَإِذا بِظِل نسْوَة فِي الْقَمَر فالتقينا فَإِذا بِجَمَاعَة نسْوَة فَسمِعت وَاحِدَة مِنْهُنَّ تَقول أهوَ هُوَ فَقَالَت الْأُخْرَى نعم وَالله إِنَّه لَهو هُوَ فدنت مني ثمَّ قَالَت يَا كهل قل لهَذَا الَّذِي مَعَك
(ليسَتْ لياليكَ فِي خَاخ بِعَائدةٍ ... كَمَا عَهدتَ وَلَا أيامُ ذِي سلم) // الْبَسِيط //
فَقلت لَهُ أجب فقد سَمِعت فَقَالَ قد وَالله قطع بِي وأرتج عَليّ فأجب عني فَالْتَفت إِلَيْهَا ثمَّ قلت
(فَقلت لَهَا يَا عز كل مُصِيبَة ... إِذا وطنت يَوْمًا لَهَا النَّفس ذلت) // الطَّوِيل //
فَقَالَت الْمَرْأَة أَواه ثمَّ مَضَت ومضينا حَتَّى إِذا كُنَّا بمفرق طَرِيقين مضى الْفَتى إِلَى منزله ومضيت إِلَى منزلي فَإِذا بِجَارِيَة تجذب طرف رِدَائي فَالْتَفت إِلَيْهَا فَقَالَت الْمَرْأَة الَّتِي كلمتك تدعوك فمضيت مَعهَا حَتَّى دخلت دَارا ثمَّ صرت إِلَى بَيت فِيهِ حَصِير وثنيت لي وسَادَة فَجَلَست ثمَّ جَاءَت جَارِيَة بوسادة مثنية فطرحتها ثمَّ جَاءَت الْمَرْأَة فَجَلَست عَلَيْهَا وَقَالَت لي أَأَنْت الْمُجيب قلت نعم قَالَت مَا كَانَ أفظ جوابك وأغلظه قلت وَالله مَا حضرني غَيره فَبَكَتْ ثمَّ قَالَت لي وَالله مَا خلق الله خلقا أحب إِلَيّ من إِنْسَان كَانَ مَعَك قلت وَأَنا الضَّامِن عَنهُ لَك مَا تحبين قَالَت أَو تفعل قلت نعم فوعدتها أَن آتيها بِهِ فِي اللَّيْلَة الْقَابِلَة وانصرفت فَإِذا الْفَتى ببالي فَقلت مَا جَاءَ بك قَالَ علمت أَنَّهَا سترسل إِلَيْك وَسَأَلت عَنْك فَلم أجدك فَعلمت أَنَّك عِنْدهَا فَجَلَست أنتظرك فَقلت لَهُ قد كَانَ كل مَا ظَنَنْت ووعدتها أَن آتيها بك فِي اللَّيْلَة الْقَابِلَة فَمضى ثمَّ أَصْبَحْنَا فتهيأنا ورحنا فَإِذا الْجَارِيَة تنتظرنا فمضت أمامنا حَتَّى دَخَلنَا الدَّار فَإِذا برائحة الطّيب وَجَاءَت فَجَلَست مَلِيًّا ثمَّ أَقبلت عَلَيْهِ فعاتبته طَويلا ثمَّ ذكرت الأبيات الَّتِي أنشدتها امْرَأَة ابْن الدمينة ثمَّ سكتت فَسكت الْفَتى هنيهة ثمَّ قَالَ
(غَدَرتِ وَلم أغدر وخُنْتِ وَلم أخُنْ ... وَفِي دونِ هَذَا للمُحِبِّ عزاءُ)
(جَزيتُكِ ضِعفَ الوُد ثمَّ صَرَمتنِي ... فحبكِ فِي قلبِي إِلَيْك أداءُ) // الطَّوِيل //
فالتفتت إِلَيّ وَقَالَت أَلا تسمع مَا يَقُول قد أَخْبَرتك قَالَ فغمزته فَكف ثمَّ قَالَت
(تجاهَلْتَ وَصْلي حِين لَّجتْ عَمايتي ... فَهَلا صَرَمْتَ الحبْلَ إِذْ أَنا مُبصرُ)
(ولي من قُوَي الحبْلِ الَّذِي قد قَطعتهُ ... نَصيبٌ وَإِذ رَأْيِي جَميع مُوَفِّرُ)
(وَلكنَّما آذنْتُ بِالصبرِ بَغتةً ... ولسْتُ على مثل الَّذِي جئتَ أقدِر) // الطَّوِيل //
فَقَالَ الْفَتى مجيباً لَهَا
(لقد جَعَلَتْ نَفسِي وَأَنت اجتَرمتِه ... وكنْتِ أحَبَّ النَّاس عنكِ تَطيبُ)
فَبَكَتْ ثمَّ قَالَت أَو قد طابت نَفسك لَا وَالله مَا فِيك خير بعْدهَا فَعَلَيْك السَّلَام ثمَّ التفتت إِلَيّ وَقَالَت قد علمت أَنَّك لَا تفي بضمانك عَنهُ وانصرفنا
وَكَانَ السَّبَب فِي قتل ابْن دمينة أَن رجلا من سلول يُقَال لَهُ مُزَاحم بن عَمْرو كَانَ يَرْمِي بِامْرَأَة ابْن الدمينة وَكَانَ اسْمهَا حماء وَقيل حمادة فَكَانَ يَأْتِيهَا ويتحدث إِلَيْهَا حَتَّى اشْتهر ذَلِك فَمَنعه ابْن الدمينة من إتيانها وَاشْتَدَّ عَلَيْهَا فَقَالَ مُزَاحم يذكر ذَلِك
(يَا ابْن الدمينة والأخبارُ يرفَعها ... وَخْدُ النجائب والمحقور يخفيها
(يَا ابْن الدمينة إِن تغْضب لما فَعَلَتْ ... فَطالَ خِزْيُكَ أَو تَغضبْ مَوْاليها)
(أَو تُبغضوني فكم من طعنةٍ نَفَذَتْ ... يَغذو خِلال اختْلاج الجوْفِ غاذيها)
(جاهَدْتُ فِيهَا لكمُ إِنِّي لكم أبدا ... أبغي معايبَكم عَمْداً فآتيها)
(فَذَاك عِنْدِي لكم حَتَّى تُغَيِّبَنِي ... غَبراء مظلمَةٌ هارٍ نَوَاحِيهَا)
(أَغْشى نِساءَ بني تَمِيم إِذا هَجَعَتْ ... عنِّي العُيُونُ وَلَا أبغي مقاريها)
(كم كاعِبٍ من بني تَمِيم قَعَدْتُ لَهَا ... وعانسٍ حِين ذاق النومَ حامِيها)
(كقعدةِ الأعسر العُلفوف منتحياً ... مَتينة مِنْ متين النبل يَرميها)
(علامةٌ كَيَّةٌ مَا بينَ عانَتها ... وَبينَ سُبتها لَا شلّ كلويها)
(وشَهقةٌ عِنَد حِس الماءِ تشهقُها ... وقولُ رُكبتها قِضْ حِين تثنيها)
(وَتعدلُ الأير إنْ زَاغَتْ فتبعثهُ ... حتىَّ يُقيمَ برِفقٍ صدْرَهُ فِيها)
(بَين الصفوقين فِي مُستهدف وَمِدٍ ... ذِي حَرّة ذاق طعمَ الموتِ صاليها)
(مَاذَا تَرى يَا عبيد الله فِي امْرَأةٍ ... ليستْ بِمُحصنةٍ عَذراء حاويها)
(أيامَ أنتَ طَريدٌ لَا تُقاربُها ... وَصادفَ القوسَ فِي الغرَّاتِ باريها)
(ترَى عَجوزَ بَني تَمِيم مُلفعةً ... شُمطاً عوارِضُها رُبْداً دَواهيها)
(إِذ تجْعَل الدفنس الورهاء عذرتها ... قشارة من أدِيم الأرضِ تفريها)
(حتىَّ يظل هَذَانِ الْقَوْم يحسبها ... بكر أَو قبل هوى فِي الدَّار هاويها) // الْبَسِيط //
وَلما بلغ ابْن الدمينة شعر مُزَاحم أَتَى امْرَأَته فَقَالَ لَهَا قد قَالَ فِيك هَذَا الرجل مَا قَالَ وَقد بلغك قَالَت وَالله مَا رأى مني ذَلِك قطّ قَالَ فَمن أَيْن لَهُ العلامات قَالَت وصفتهن لَهُ النِّسَاء قَالَ هَيْهَات وَالله أَن يكون ذَلِك كَذَلِك ثمَّ أمسك مُدَّة وصبر حَتَّى ظن أَن مزاحماً قد نسي الْقِصَّة ثمَّ أعَاد عَلَيْهَا القَوْل وأعادت الْحلف أَن ذَلِك مِمَّا وَصفه لَهُ النِّسَاء فَقَالَ لَهَا وَالله لَئِن لم تمكنيني مِنْهُ لأَقْتُلَنك فَعلمت أَنه سيفعل ذَلِك فَبعثت إِلَيْهِ وواعدته لَيْلًا وَقعد لَهُ ابْن الدمينة وَصَاحب لَهُ فَجَاءَهَا للموعد فَجعل يكلمها وَهِي مَكَانهَا فَلم تكَلمه فَقَالَ لَهَا يَا حماء مَا هَذَا الْجفَاء اللَّيْلَة قَالَ فَتَقول لَهُ هِيَ بِصَوْت ضَعِيف ادخل فَدخل فَأَهوى بِيَدِهِ ليضعها عَلَيْهَا فوضعها على ابْن الدمينة فَوَثَبَ عَلَيْهِ هُوَ وَصَاحبه وَقد جعل لَهُ حصاً فِي ثوب فَضرب بن كبده حَتَّى قَتله وَأخرجه فطرحه مَيتا فجَاء أَهله فاحتملوه وَلم يَجدوا بِهِ أثر السِّلَاح فَعَلمُوا أَن ابْن الدمينة قَتله وَقد قَالَ ابْن الدمينة فِي تَحْقِيق ذَلِك
يَأْتِيهَا ويتحدث إِلَيْهَا حَتَّى اشْتهر ذَلِك فَمَنعه ابْن الدمينة من إتيانها وَاشْتَدَّ عَلَيْهَا فَقَالَ مُزَاحم يذكر ذَلِك
(يَا ابْن الدمينة والأخبارُ يرفَعها ... وَخْدُ النجائب والمحقور يخفيها
(يَا ابْن الدمينة إِن تغْضب لما فَعَلَتْ ... فَطالَ خِزْيُكَ أَو تَغضبْ مَوْاليها)
(أَو تُبغضوني فكم من طعنةٍ نَفَذَتْ ... يَغذو خِلال اختْلاج الجوْفِ غاذيها)
(جاهَدْتُ فِيهَا لكمُ إِنِّي لكم أبدا ... أبغي معايبَكم عَمْداً فآتيها)
(فَذَاك عِنْدِي لكم حَتَّى تُغَيِّبَنِي ... غَبراء مظلمَةٌ هارٍ نَوَاحِيهَا)
(أَغْشى نِساءَ بني تَمِيم إِذا هَجَعَتْ ... عنِّي العُيُونُ وَلَا أبغي مقاريها)
(كم كاعِبٍ من بني تَمِيم قَعَدْتُ لَهَا ... وعانسٍ حِين ذاق النومَ حامِيها)
(كقعدةِ الأعسر العُلفوف منتحياً ... مَتينة مِنْ متين النبل يَرميها)
(علامةٌ كَيَّةٌ مَا بينَ عانَتها ... وَبينَ سُبتها لَا شلّ كلويها)
(وشَهقةٌ عِنَد حِس الماءِ تشهقُها ... وقولُ رُكبتها قِضْ حِين تثنيها)
(وَتعدلُ الأير إنْ زَاغَتْ فتبعثهُ ... حتىَّ يُقيمَ برِفقٍ صدْرَهُ فِيها)
(بَين الصفوقين فِي مُستهدف وَمِدٍ ... ذِي حَرّة ذاق طعمَ الموتِ صاليها)
(مَاذَا تَرى يَا عبيد الله فِي امْرَأةٍ ... ليستْ بِمُحصنةٍ عَذراء حاويها)
(أيامَ أنتَ طَريدٌ لَا تُقاربُها ... وَصادفَ القوسَ فِي الغرَّاتِ باريها)
(ترَى عَجوزَ بَني تَمِيم مُلفعةً ... شُمطاً عوارِضُها رُبْداً دَواهيها)
(إِذ تجْعَل الدفنس الورهاء عذرتها ... قشارة من أدِيم الأرضِ تفريها)
(حتىَّ يظل هَذَانِ الْقَوْم يحسبها ... بكر أَو قبل هوى فِي الدَّار هاويها) // الْبَسِيط //
وَلما بلغ ابْن الدمينة شعر مُزَاحم أَتَى امْرَأَته فَقَالَ لَهَا قد قَالَ فِيك هَذَا الرجل مَا قَالَ وَقد بلغك قَالَت وَالله مَا رأى مني ذَلِك قطّ قَالَ فَمن أَيْن لَهُ العلامات قَالَت وصفتهن لَهُ النِّسَاء قَالَ هَيْهَات وَالله أَن يكون ذَلِك كَذَلِك ثمَّ أمسك مُدَّة وصبر حَتَّى ظن أَن مزاحماً قد نسي الْقِصَّة ثمَّ أعَاد عَلَيْهَا القَوْل وأعادت الْحلف أَن ذَلِك مِمَّا وَصفه لَهُ النِّسَاء فَقَالَ لَهَا وَالله لَئِن لم تمكنيني مِنْهُ لأَقْتُلَنك فَعلمت أَنه سيفعل ذَلِك فَبعثت إِلَيْهِ وواعدته لَيْلًا وَقعد لَهُ ابْن الدمينة وَصَاحب لَهُ فَجَاءَهَا للموعد فَجعل يكلمها وَهِي مَكَانهَا فَلم تكَلمه فَقَالَ لَهَا يَا حماء مَا هَذَا الْجفَاء اللَّيْلَة قَالَ فَتَقول لَهُ هِيَ بِصَوْت ضَعِيف ادخل فَدخل فَأَهوى بِيَدِهِ ليضعها عَلَيْهَا فوضعها على ابْن الدمينة فَوَثَبَ عَلَيْهِ هُوَ وَصَاحبه وَقد جعل لَهُ حصاً فِي ثوب فَضرب بن كبده حَتَّى قَتله وَأخرجه فطرحه مَيتا فجَاء أَهله فاحتملوه وَلم يَجدوا بِهِ أثر السِّلَاح فَعَلمُوا أَن ابْن الدمينة قَتله وَقد قَالَ ابْن الدمينة فِي تَحْقِيق ذَلِك
(قَالُوا هَجتكُ سَلولُ الْيَوْم مخيفة ... فاليومَ أهجو سَلولاً لَا أخافِيها)
(قَالُوا هَجاكَ سَلوليٌّ فقلتُ لهمْ ... قد أنصفَ الصَّخْرَة الصماء رامِيها)
(رِجَالهمْ شرُّ مَنْ يَمشي ونسوتُهم ... شرُّ البريَّةِ اسْتَاذلّ حامِيها)
(يَحككْنَ بالصخر أستاها لَهَا نَقبٌ ... كَمَا يَحك نقابَ الجرْبِ طاليها) // الْبَسِيط //
وَقَالَ أَيْضا يذكر دُخُول مُزَاحم وَوضع يَده عَلَيْهِ
(لكَ الخيرُ إِن وَاعدت حماء فالقها ... نَهَارا وَلَا تُدْلج إِذا الَّليلُ أظْلما)
(فإنَّكَ لَا تَدري أبَيْضَاء طَفْلةً ... تُعانقُ أَمْ ليثاً مِنَ الْقَوْم قَشْعمَا)
(فَلما سرى عَن ساعِديَّ ولحيتي ... وَأيقنَ أنِّي لست حماء جمجما) // الطَّوِيل //
ثمَّ أَتَى ابْن الدمينة امْرَأَته فَطرح على وَجههَا قطيفة ثمَّ جلس عَلَيْهَا حَتَّى قَتلهَا فَلَمَّا مَاتَت قَالَ
(إِذا قَعدْتُ على عِرْنينِ جاريةٍ ... فوقَ القطيفةِ فَادعوا ليَ بحفار) // الْبَسِيط //
فَبَكَتْ بنت لَهُ مِنْهَا فَضرب بهَا الأَرْض فَقَتلهَا أَيْضا وَقَالَ متمثلاً
(لَا تغدوا مِنْ كَلْبِ سَوْءِ جَرْوَا ... )
فَخرج جنَاح أَخُو الْمَقْتُول إِلَى أَحْمد بن إِسْمَاعِيل فاستعداه على ابْن الدمينة فَبعث إِلَيْهِ فحبسه وَقَالَت أم أبان وَالِدَة مُزَاحم الْمَقْتُول وَهِي من بني خثعم ترثي ابْنهَا وتحرض مصعباً وجناحا أَخَوَيْهِ
(بأهلي وَمَالِي بَل بِجُلِّ عَشيرتي ... قَتِيل بني تَمِيم بِغيرِ سِلاح)
(فَهلاَّ قتلتُمْ بِالسِّلَاحِ ابْنَ أختِكم ... فتظهرَ فيهِ للشهودِ جِراحُ)
(فَلَا تطمعوا فِي الصُّلْح مَا دُمت حيَّةً ... وَما دَامَ حيّاً مُصعبٌ وَجناحُ)
(أَلمْ تعلمُوا أنَّ الدوَائِر بَيْننَا ... تَدور وَأَن الطالبين شحاح) // الطَّوِيل //
وَلما طَال حبس ابْن الدمينة وَلم يجد عَلَيْهِ أَحْمد بن إِسْمَاعِيل سَبِيلا وَلَا حجَّة خلاه وَقتلت بَنو سلول من خثعم رجلا مَكَان الْمَقْتُول وَقتلت خثعم بعد ذَلِك نَفرا من سلول وَلَهُم قصَص وأخبار كَثِيرَة ثمَّ إِن ابْن الدمينة أقبل حَاجا بعد مُدَّة فَنزل بتبالة فَعدا عَلَيْهِ مُصعب أَخُو الْمَقْتُول لما رَآهُ وَكَانَت أمه حرضته وَقَالَت لَهُ اقْتُل ابْن الدمينة فَإِنَّهُ قتل أَخَاك وهجا قَوْمك وذم أختك وَقد كنت أعذرك قبل هَذَا لِأَنَّك كنت صَغِيرا والآن قد كَبرت فَلَمَّا أكثرت عَلَيْهِ خرج من عِنْدهَا وبصر بِابْن الدمينة وَاقِفًا ينشد النَّاس فغدا إِلَى جزار فَأخذ شفرته وَعدا على ابْن الدمينة فجرحه بهَا جراحتين فَقيل إِنَّه مَاتَ لوقته وَقيل بل سلم من تِلْكَ الدفعة وَمر بِهِ مُصعب بعد ذَلِك وَهُوَ فِي سوق العبلاء ينشد أَيْضا فعلاه بِسَيْفِهِ حَتَّى قَتله وَعدا وَتَبعهُ النَّاس حَتَّى اقتحم دَارا وأغلقها عَلَيْهِ فَجَاءَهُ رجل من قومه فصاح بِهِ يَا مُصعب إِن لم تضع يدك فِي يَد السُّلْطَان قتلتك الْعَامَّة فَاخْرُج فَلَمَّا عرفه قَالَ لَهُ أَنا فِي ذِمَّتك حَتَّى تسلمني إِلَى السُّلْطَان فقذفه السُّلْطَان فِي سجن تبَالَة قَالَ وَمكث ابْن الدمينة جريحاً لَيْلَة ثمَّ مَاتَ فِي غَد وَقَالَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة يحرض قومه ويوبخهم
(هتفتَ بأكلبٍ ودعوتَ قيسا ... فَلَا خُذُلاً دَعوْتَ وَلَا قليلاَ)
(ثَأرْتَ مُزاحِما وَسررت قيسا ... وَكنتَ لِما هممْتَ بِهِ فَعولاَ)
(فَلَا تَشْلَلْ يدَاكَ وَلا تَزَالا ... تُفيدانِ الغنائِمَ وَالجزيلا)
(فلوْ كَانَ ابْن عبدِ اللهِ حيّاً ... لَصبَّحَ فِي منازِلِها سَلولَا) // الوافر //
وَبلغ مصعباً أَخا الْمَقْتُول أَن قوم ابْن الدمينة يُرِيدُونَ أَن يقتحموا عَلَيْهِ سجن تبَالَة فيقتلوه فَقَالَ يحرض قومه
(لقيتُ أَبَا السَّريّ وَقد تكالا ... لهُ حقُّ العداوةِ فِي فُؤَادِي)
(فكادَ الغيظُ يَفْرِطُني إليهِ ... بطعنٍ دُونهُ طعنُ الشدادِ)
(إِذا نبحَتْ كِلابُ السجْن حَولي ... طمعت هَشاشةً وَهفا فُؤَادِي)
(طماعاً أنْ يدُقّ السجنَ قومِي ... وَخوفاً أَن تُبَيِّتني الأعادي)
(فَمَا ظَنِّي بِقومي شرّ ظنّ ... وَلا أَن يُسلموني فِي البلادِ)
(وَقدْ جدَّلتُ قاتلَهمْ فأمسى ... يَمجُّ دَمَ الوتين على الوساد) // الوافر //
فَجَاءَت بَنو عقيل إِلَيْهِ لَيْلًا فكسروا السجْن وأخرجوه مِنْهُ فهرب إِلَى صنعاء
وَمن شعر أبن الدمينة الأبيات الْمَشْهُورَة
(أَقضي نَهاري بالحديثِ وبالمنى ... ويَجْمعُنْي وَالهمَّ بِاللَّيْلِ جامعُ)
(نَهاري نَهارُ النَّاس حَتَّى إِذا بدا ... ليَ الليلُ شاقتني إليكِ المضاجعُ)
(لَقدْ ثَبتَتْ فِي القلبِ مِنكِ مَحَبة ... كَمَا ثبتَتْ فِي الراحتينِ الأصابِع) // الطَّوِيل //
وَهِي من قصيدة طَوِيلَة يخلطها النَّاس كثيرا بقصيدة لمَجْنُون ليلى لِأَنَّهَا توافقها فِي الْوَزْن والقافية
28 - (إِلهي عَبْدُكَ العَاصيِ أتَاكاَ ... )
هُوَ من الوافر وَلَا أعلم قَائِله وَتَمَامه
(
(مُقِرّاً بالذنُوبِ وقدْ دَعاكَا ... )
(فإنْ تغفرْ فأنتَ لِذاكَ أهلٌ ... وَإنْ تطرُدْ فمنْ يَرْحَمْ سواكا) // الوافر //
والطرد الأبعاد
وَالشَّاهِد فِيهِ وضع الْمظهر وَهُوَ عَبدك مَوضِع الْمُضمر وَهُوَ أَنا للاستعطاف وَهُوَ طلب الْعَطف وَالرَّحْمَة إِذْ لَيْسَ فِيهِ مَا فِي الْمظهر من اسْتِحْقَاق الرَّحْمَة وترقب الرأفة وَإِن كَانَ من غير بَاب الْمسند إِلَيْهِ أَيْضا
29 - (تَطَاوَلَ لَيلَك بِالأثمُدِ ... )
قَائِله امْرُؤ الْقَيْس الْكِنْدِيّ الصَّحَابِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَهُوَ أول
* عن معاهد التنصيص على شواهد التلخيص
المؤلف: عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن أحمد، أبو الفتح العباسي (المتوفى: 963هـ)
المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد
(ألاَ يَا صبَا نَجْدٍ مَتى هِجْتِ من نجدِ ... لقدْ زادني مَسْرَاكِ وجدا على وجد)
(إِن هَتفتْ وَرْقَاء فِي رونق الضُّحَى ... على فنن عض النَّبَات من الرَّندِ)
(بكيتَ كَمَا يبكي الوليدُ وَلم تَكُنْ ... جَزُوعاً وأبديتَ الَّذِي لم تكن تُبْدِي)
(وقدْ زَعَمُوا أنَّ المحبَّ إِذا دنا ... يملُّ وَأَن النأي يشفي من الوجد)
(بِكُل تَدَاوينا فَلم يُشْفَ مَا بنَا ... على أَن قرب الدّار خيرٌ من الْبعد)
(على أَن قربَ الدَّار لَيسَ بِنافعٍ ... إِذا كَانَ منْ تهواهُ ليسَ بِذِي ود) // الطَّوِيل //
ثمَّ ترنح سَاعَة ترنخ النشوان ودبح أُخْرَى ثمَّ قَالَ أنطح العمود رَأْسِي من
حسن هَذَا فَقلت لَا ارْفُقْ بِنَفْسِك
وَحدث ابْن ربيح راوية ابْن هرمة قَالَ لَقِي ابْن هرمة بعض أَصْحَابه بالبلاط فَقَالَ لَهُ من أَيْن أَقبلت قَالَ من الْمَسْجِد فَقَالَ فَأَي شَيْء صنعت هُنَاكَ قَالَ كنت جَالِسا مَعَ إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد المَخْزُومِي قَالَ فَأَي شَيْء قَالَ قَالَ أَمرنِي أَن أطلق امْرَأَتي قَالَ فَأَي شَيْء قلت لَهُ قَالَ مَا قلت شَيْئا قَالَ فوَاللَّه مَا قَالَ لَك هَذَا إِلَّا لأمر أظهرته عَلَيْهِ وكتمتنيه أَفَرَأَيْت لَو أَمرته بِطَلَاق امْرَأَته أَكَانَ يطلقهَا قَالَ لَا وَالله قَالَ فَابْن الدمينة كَانَ أنصف مِنْك كَانَ يهوى امْرَأَة من قومه فَأرْسلت إِلَيْهِ إِن أَهلِي قد نهوني عَن لقائك ومراسلتك فَأرْسل إِلَيْهَا يَقُول
(أريت الْآمِر يَك بِقطع حبلي ... مريهم فِي أحبتهم بِذَاكَ)
(فَإِن هم طاوعوك فطاوعيهم ... وَإِن عاصوك فاعصي من عصاك)
(أَما وَالرَّاقصاتِ بِكُل فجٍ ... وَمَنْ صلى بنُعْمانِ الأرَاكِ)
(لقد أضمرْتُ حبَّك فِي فُؤَادِي ... وَما أضمرْتُ حبّاً مِن سواكِ) // الوافر //
وَمثل هَذَا الْخَبَر مَا حَكَاهُ الْأَصْمَعِي قَالَ مَرَرْت بِالْكُوفَةِ وَإِذا أَنا بِجَارِيَة تطلع من جِدَار إِلَى الطَّرِيق وفتى وَاقِف وظهره إِلَيّ وَهُوَ يَقُول أسهر فِيك وتنامين عني وتضحكين مني وأبكي وتستريحين وأتعب وأمحضك الْمحبَّة وتمذقينها وأصدقك وتنافقيني ويأمرك عدوي بهجري فتطيعينه ويأمرني نصيحي بذلك فأعصيه ثمَّ تنفس وأجهش باكياً فَقَالَت لَهُ إِن أَهلِي يمنعونني مِنْك وينهونني عَنْك فَكيف أصنع فَقَالَ لَهَا
(أريت الْآمِر يَك بِقطع حبلي ... مريهم فِي أحبتهم بِذَاكَ)
(فَإِن هم طاوعوك فطاوعيهم ... وَإِن عاصوك فاعصي من عصاك) // الوافر //
ثمَّ الْتفت فرآني فَقَالَ يَا فَتى مَا تَقول أَنْت فِيمَا قلت فَقلت لَهُ وَالله لَو عَاشَ ابْن أبي ليلى مَا حكم إِلَّا بِمثل حكمك
وَحدث ابْن أبي السرى عَن هِشَام قَالَ هوى ابْن الدمينة امْرَأَة من قومه يُقَال لَهَا أُمَيْمَة فهاج بهَا مُدَّة فَلَمَّا وصلته تجنى عَلَيْهَا وَجعل يَنْقَطِع عَنْهَا ثمَّ زارها ذَات يَوْم فتعاتبا طَويلا ثمَّ أَقبلت عَلَيْهِ فَقَالَ وَالشعر لَهَا
(وأنْتَ الَّذِي أخلفتني مَا وَعَدتَنْي ... وأشمَتَّ بِي من كَانَ فِيكَ يَلومُ)
(وأبرزتني للنَّاس ثمَّ تَركتَنْي ... لَهُم غَرضاً أُرْمَى وَأَنت سليمُ)
(فَلوْ أَن قَوْلاً يَكْلَمُ الْجِسْم قد بَدَا ... بجسميَ من قولِ الوشاة كلوم) // الطَّوِيل //
قَالَ فأجابها ابْن الدمينة فَقَالَ
(وأنتِ الَّتِي كَلَّفْتِني دَلَجَ السُّرى ... وَجُونُ القَطا بالجَلهَتين جُثُومُ)
(وأنْتِ الَّتِي قَطَّعتِ قلبِي حَرَارةً ... ومزقت جُرْحَ الْقلب فهوَ كليمُ)
(وَأَنت الَّتِي أحْفَظت قومِي فَكلُّهم ... بعيد الرِّضَا داني الصدود كظيم) // الطَّوِيل //
قَالَ ثمَّ تزَوجهَا بعد ذَلِك وَقتل وَهِي عِنْده كَمَا سَيَأْتِي
وَحدث أَبُو الْحسن الينبعي قَالَ بَينا أَنا وصديق لي من قُرَيْش نمشي بالبلاط لَيْلًا فَإِذا بِظِل نسْوَة فِي الْقَمَر فالتقينا فَإِذا بِجَمَاعَة نسْوَة فَسمِعت وَاحِدَة مِنْهُنَّ تَقول أهوَ هُوَ فَقَالَت الْأُخْرَى نعم وَالله إِنَّه لَهو هُوَ فدنت مني ثمَّ قَالَت يَا كهل قل لهَذَا الَّذِي مَعَك
(ليسَتْ لياليكَ فِي خَاخ بِعَائدةٍ ... كَمَا عَهدتَ وَلَا أيامُ ذِي سلم) // الْبَسِيط //
فَقلت لَهُ أجب فقد سَمِعت فَقَالَ قد وَالله قطع بِي وأرتج عَليّ فأجب عني فَالْتَفت إِلَيْهَا ثمَّ قلت
(فَقلت لَهَا يَا عز كل مُصِيبَة ... إِذا وطنت يَوْمًا لَهَا النَّفس ذلت) // الطَّوِيل //
فَقَالَت الْمَرْأَة أَواه ثمَّ مَضَت ومضينا حَتَّى إِذا كُنَّا بمفرق طَرِيقين مضى الْفَتى إِلَى منزله ومضيت إِلَى منزلي فَإِذا بِجَارِيَة تجذب طرف رِدَائي فَالْتَفت إِلَيْهَا فَقَالَت الْمَرْأَة الَّتِي كلمتك تدعوك فمضيت مَعهَا حَتَّى دخلت دَارا ثمَّ صرت إِلَى بَيت فِيهِ حَصِير وثنيت لي وسَادَة فَجَلَست ثمَّ جَاءَت جَارِيَة بوسادة مثنية فطرحتها ثمَّ جَاءَت الْمَرْأَة فَجَلَست عَلَيْهَا وَقَالَت لي أَأَنْت الْمُجيب قلت نعم قَالَت مَا كَانَ أفظ جوابك وأغلظه قلت وَالله مَا حضرني غَيره فَبَكَتْ ثمَّ قَالَت لي وَالله مَا خلق الله خلقا أحب إِلَيّ من إِنْسَان كَانَ مَعَك قلت وَأَنا الضَّامِن عَنهُ لَك مَا تحبين قَالَت أَو تفعل قلت نعم فوعدتها أَن آتيها بِهِ فِي اللَّيْلَة الْقَابِلَة وانصرفت فَإِذا الْفَتى ببالي فَقلت مَا جَاءَ بك قَالَ علمت أَنَّهَا سترسل إِلَيْك وَسَأَلت عَنْك فَلم أجدك فَعلمت أَنَّك عِنْدهَا فَجَلَست أنتظرك فَقلت لَهُ قد كَانَ كل مَا ظَنَنْت ووعدتها أَن آتيها بك فِي اللَّيْلَة الْقَابِلَة فَمضى ثمَّ أَصْبَحْنَا فتهيأنا ورحنا فَإِذا الْجَارِيَة تنتظرنا فمضت أمامنا حَتَّى دَخَلنَا الدَّار فَإِذا برائحة الطّيب وَجَاءَت فَجَلَست مَلِيًّا ثمَّ أَقبلت عَلَيْهِ فعاتبته طَويلا ثمَّ ذكرت الأبيات الَّتِي أنشدتها امْرَأَة ابْن الدمينة ثمَّ سكتت فَسكت الْفَتى هنيهة ثمَّ قَالَ
(غَدَرتِ وَلم أغدر وخُنْتِ وَلم أخُنْ ... وَفِي دونِ هَذَا للمُحِبِّ عزاءُ)
(جَزيتُكِ ضِعفَ الوُد ثمَّ صَرَمتنِي ... فحبكِ فِي قلبِي إِلَيْك أداءُ) // الطَّوِيل //
فالتفتت إِلَيّ وَقَالَت أَلا تسمع مَا يَقُول قد أَخْبَرتك قَالَ فغمزته فَكف ثمَّ قَالَت
(تجاهَلْتَ وَصْلي حِين لَّجتْ عَمايتي ... فَهَلا صَرَمْتَ الحبْلَ إِذْ أَنا مُبصرُ)
(ولي من قُوَي الحبْلِ الَّذِي قد قَطعتهُ ... نَصيبٌ وَإِذ رَأْيِي جَميع مُوَفِّرُ)
(وَلكنَّما آذنْتُ بِالصبرِ بَغتةً ... ولسْتُ على مثل الَّذِي جئتَ أقدِر) // الطَّوِيل //
فَقَالَ الْفَتى مجيباً لَهَا
(لقد جَعَلَتْ نَفسِي وَأَنت اجتَرمتِه ... وكنْتِ أحَبَّ النَّاس عنكِ تَطيبُ)
فَبَكَتْ ثمَّ قَالَت أَو قد طابت نَفسك لَا وَالله مَا فِيك خير بعْدهَا فَعَلَيْك السَّلَام ثمَّ التفتت إِلَيّ وَقَالَت قد علمت أَنَّك لَا تفي بضمانك عَنهُ وانصرفنا
وَكَانَ السَّبَب فِي قتل ابْن دمينة أَن رجلا من سلول يُقَال لَهُ مُزَاحم بن عَمْرو كَانَ يَرْمِي بِامْرَأَة ابْن الدمينة وَكَانَ اسْمهَا حماء وَقيل حمادة فَكَانَ يَأْتِيهَا ويتحدث إِلَيْهَا حَتَّى اشْتهر ذَلِك فَمَنعه ابْن الدمينة من إتيانها وَاشْتَدَّ عَلَيْهَا فَقَالَ مُزَاحم يذكر ذَلِك
(يَا ابْن الدمينة والأخبارُ يرفَعها ... وَخْدُ النجائب والمحقور يخفيها
(يَا ابْن الدمينة إِن تغْضب لما فَعَلَتْ ... فَطالَ خِزْيُكَ أَو تَغضبْ مَوْاليها)
(أَو تُبغضوني فكم من طعنةٍ نَفَذَتْ ... يَغذو خِلال اختْلاج الجوْفِ غاذيها)
(جاهَدْتُ فِيهَا لكمُ إِنِّي لكم أبدا ... أبغي معايبَكم عَمْداً فآتيها)
(فَذَاك عِنْدِي لكم حَتَّى تُغَيِّبَنِي ... غَبراء مظلمَةٌ هارٍ نَوَاحِيهَا)
(أَغْشى نِساءَ بني تَمِيم إِذا هَجَعَتْ ... عنِّي العُيُونُ وَلَا أبغي مقاريها)
(كم كاعِبٍ من بني تَمِيم قَعَدْتُ لَهَا ... وعانسٍ حِين ذاق النومَ حامِيها)
(كقعدةِ الأعسر العُلفوف منتحياً ... مَتينة مِنْ متين النبل يَرميها)
(علامةٌ كَيَّةٌ مَا بينَ عانَتها ... وَبينَ سُبتها لَا شلّ كلويها)
(وشَهقةٌ عِنَد حِس الماءِ تشهقُها ... وقولُ رُكبتها قِضْ حِين تثنيها)
(وَتعدلُ الأير إنْ زَاغَتْ فتبعثهُ ... حتىَّ يُقيمَ برِفقٍ صدْرَهُ فِيها)
(بَين الصفوقين فِي مُستهدف وَمِدٍ ... ذِي حَرّة ذاق طعمَ الموتِ صاليها)
(مَاذَا تَرى يَا عبيد الله فِي امْرَأةٍ ... ليستْ بِمُحصنةٍ عَذراء حاويها)
(أيامَ أنتَ طَريدٌ لَا تُقاربُها ... وَصادفَ القوسَ فِي الغرَّاتِ باريها)
(ترَى عَجوزَ بَني تَمِيم مُلفعةً ... شُمطاً عوارِضُها رُبْداً دَواهيها)
(إِذ تجْعَل الدفنس الورهاء عذرتها ... قشارة من أدِيم الأرضِ تفريها)
(حتىَّ يظل هَذَانِ الْقَوْم يحسبها ... بكر أَو قبل هوى فِي الدَّار هاويها) // الْبَسِيط //
وَلما بلغ ابْن الدمينة شعر مُزَاحم أَتَى امْرَأَته فَقَالَ لَهَا قد قَالَ فِيك هَذَا الرجل مَا قَالَ وَقد بلغك قَالَت وَالله مَا رأى مني ذَلِك قطّ قَالَ فَمن أَيْن لَهُ العلامات قَالَت وصفتهن لَهُ النِّسَاء قَالَ هَيْهَات وَالله أَن يكون ذَلِك كَذَلِك ثمَّ أمسك مُدَّة وصبر حَتَّى ظن أَن مزاحماً قد نسي الْقِصَّة ثمَّ أعَاد عَلَيْهَا القَوْل وأعادت الْحلف أَن ذَلِك مِمَّا وَصفه لَهُ النِّسَاء فَقَالَ لَهَا وَالله لَئِن لم تمكنيني مِنْهُ لأَقْتُلَنك فَعلمت أَنه سيفعل ذَلِك فَبعثت إِلَيْهِ وواعدته لَيْلًا وَقعد لَهُ ابْن الدمينة وَصَاحب لَهُ فَجَاءَهَا للموعد فَجعل يكلمها وَهِي مَكَانهَا فَلم تكَلمه فَقَالَ لَهَا يَا حماء مَا هَذَا الْجفَاء اللَّيْلَة قَالَ فَتَقول لَهُ هِيَ بِصَوْت ضَعِيف ادخل فَدخل فَأَهوى بِيَدِهِ ليضعها عَلَيْهَا فوضعها على ابْن الدمينة فَوَثَبَ عَلَيْهِ هُوَ وَصَاحبه وَقد جعل لَهُ حصاً فِي ثوب فَضرب بن كبده حَتَّى قَتله وَأخرجه فطرحه مَيتا فجَاء أَهله فاحتملوه وَلم يَجدوا بِهِ أثر السِّلَاح فَعَلمُوا أَن ابْن الدمينة قَتله وَقد قَالَ ابْن الدمينة فِي تَحْقِيق ذَلِك
يَأْتِيهَا ويتحدث إِلَيْهَا حَتَّى اشْتهر ذَلِك فَمَنعه ابْن الدمينة من إتيانها وَاشْتَدَّ عَلَيْهَا فَقَالَ مُزَاحم يذكر ذَلِك
(يَا ابْن الدمينة والأخبارُ يرفَعها ... وَخْدُ النجائب والمحقور يخفيها
(يَا ابْن الدمينة إِن تغْضب لما فَعَلَتْ ... فَطالَ خِزْيُكَ أَو تَغضبْ مَوْاليها)
(أَو تُبغضوني فكم من طعنةٍ نَفَذَتْ ... يَغذو خِلال اختْلاج الجوْفِ غاذيها)
(جاهَدْتُ فِيهَا لكمُ إِنِّي لكم أبدا ... أبغي معايبَكم عَمْداً فآتيها)
(فَذَاك عِنْدِي لكم حَتَّى تُغَيِّبَنِي ... غَبراء مظلمَةٌ هارٍ نَوَاحِيهَا)
(أَغْشى نِساءَ بني تَمِيم إِذا هَجَعَتْ ... عنِّي العُيُونُ وَلَا أبغي مقاريها)
(كم كاعِبٍ من بني تَمِيم قَعَدْتُ لَهَا ... وعانسٍ حِين ذاق النومَ حامِيها)
(كقعدةِ الأعسر العُلفوف منتحياً ... مَتينة مِنْ متين النبل يَرميها)
(علامةٌ كَيَّةٌ مَا بينَ عانَتها ... وَبينَ سُبتها لَا شلّ كلويها)
(وشَهقةٌ عِنَد حِس الماءِ تشهقُها ... وقولُ رُكبتها قِضْ حِين تثنيها)
(وَتعدلُ الأير إنْ زَاغَتْ فتبعثهُ ... حتىَّ يُقيمَ برِفقٍ صدْرَهُ فِيها)
(بَين الصفوقين فِي مُستهدف وَمِدٍ ... ذِي حَرّة ذاق طعمَ الموتِ صاليها)
(مَاذَا تَرى يَا عبيد الله فِي امْرَأةٍ ... ليستْ بِمُحصنةٍ عَذراء حاويها)
(أيامَ أنتَ طَريدٌ لَا تُقاربُها ... وَصادفَ القوسَ فِي الغرَّاتِ باريها)
(ترَى عَجوزَ بَني تَمِيم مُلفعةً ... شُمطاً عوارِضُها رُبْداً دَواهيها)
(إِذ تجْعَل الدفنس الورهاء عذرتها ... قشارة من أدِيم الأرضِ تفريها)
(حتىَّ يظل هَذَانِ الْقَوْم يحسبها ... بكر أَو قبل هوى فِي الدَّار هاويها) // الْبَسِيط //
وَلما بلغ ابْن الدمينة شعر مُزَاحم أَتَى امْرَأَته فَقَالَ لَهَا قد قَالَ فِيك هَذَا الرجل مَا قَالَ وَقد بلغك قَالَت وَالله مَا رأى مني ذَلِك قطّ قَالَ فَمن أَيْن لَهُ العلامات قَالَت وصفتهن لَهُ النِّسَاء قَالَ هَيْهَات وَالله أَن يكون ذَلِك كَذَلِك ثمَّ أمسك مُدَّة وصبر حَتَّى ظن أَن مزاحماً قد نسي الْقِصَّة ثمَّ أعَاد عَلَيْهَا القَوْل وأعادت الْحلف أَن ذَلِك مِمَّا وَصفه لَهُ النِّسَاء فَقَالَ لَهَا وَالله لَئِن لم تمكنيني مِنْهُ لأَقْتُلَنك فَعلمت أَنه سيفعل ذَلِك فَبعثت إِلَيْهِ وواعدته لَيْلًا وَقعد لَهُ ابْن الدمينة وَصَاحب لَهُ فَجَاءَهَا للموعد فَجعل يكلمها وَهِي مَكَانهَا فَلم تكَلمه فَقَالَ لَهَا يَا حماء مَا هَذَا الْجفَاء اللَّيْلَة قَالَ فَتَقول لَهُ هِيَ بِصَوْت ضَعِيف ادخل فَدخل فَأَهوى بِيَدِهِ ليضعها عَلَيْهَا فوضعها على ابْن الدمينة فَوَثَبَ عَلَيْهِ هُوَ وَصَاحبه وَقد جعل لَهُ حصاً فِي ثوب فَضرب بن كبده حَتَّى قَتله وَأخرجه فطرحه مَيتا فجَاء أَهله فاحتملوه وَلم يَجدوا بِهِ أثر السِّلَاح فَعَلمُوا أَن ابْن الدمينة قَتله وَقد قَالَ ابْن الدمينة فِي تَحْقِيق ذَلِك
(قَالُوا هَجتكُ سَلولُ الْيَوْم مخيفة ... فاليومَ أهجو سَلولاً لَا أخافِيها)
(قَالُوا هَجاكَ سَلوليٌّ فقلتُ لهمْ ... قد أنصفَ الصَّخْرَة الصماء رامِيها)
(رِجَالهمْ شرُّ مَنْ يَمشي ونسوتُهم ... شرُّ البريَّةِ اسْتَاذلّ حامِيها)
(يَحككْنَ بالصخر أستاها لَهَا نَقبٌ ... كَمَا يَحك نقابَ الجرْبِ طاليها) // الْبَسِيط //
وَقَالَ أَيْضا يذكر دُخُول مُزَاحم وَوضع يَده عَلَيْهِ
(لكَ الخيرُ إِن وَاعدت حماء فالقها ... نَهَارا وَلَا تُدْلج إِذا الَّليلُ أظْلما)
(فإنَّكَ لَا تَدري أبَيْضَاء طَفْلةً ... تُعانقُ أَمْ ليثاً مِنَ الْقَوْم قَشْعمَا)
(فَلما سرى عَن ساعِديَّ ولحيتي ... وَأيقنَ أنِّي لست حماء جمجما) // الطَّوِيل //
ثمَّ أَتَى ابْن الدمينة امْرَأَته فَطرح على وَجههَا قطيفة ثمَّ جلس عَلَيْهَا حَتَّى قَتلهَا فَلَمَّا مَاتَت قَالَ
(إِذا قَعدْتُ على عِرْنينِ جاريةٍ ... فوقَ القطيفةِ فَادعوا ليَ بحفار) // الْبَسِيط //
فَبَكَتْ بنت لَهُ مِنْهَا فَضرب بهَا الأَرْض فَقَتلهَا أَيْضا وَقَالَ متمثلاً
(لَا تغدوا مِنْ كَلْبِ سَوْءِ جَرْوَا ... )
فَخرج جنَاح أَخُو الْمَقْتُول إِلَى أَحْمد بن إِسْمَاعِيل فاستعداه على ابْن الدمينة فَبعث إِلَيْهِ فحبسه وَقَالَت أم أبان وَالِدَة مُزَاحم الْمَقْتُول وَهِي من بني خثعم ترثي ابْنهَا وتحرض مصعباً وجناحا أَخَوَيْهِ
(بأهلي وَمَالِي بَل بِجُلِّ عَشيرتي ... قَتِيل بني تَمِيم بِغيرِ سِلاح)
(فَهلاَّ قتلتُمْ بِالسِّلَاحِ ابْنَ أختِكم ... فتظهرَ فيهِ للشهودِ جِراحُ)
(فَلَا تطمعوا فِي الصُّلْح مَا دُمت حيَّةً ... وَما دَامَ حيّاً مُصعبٌ وَجناحُ)
(أَلمْ تعلمُوا أنَّ الدوَائِر بَيْننَا ... تَدور وَأَن الطالبين شحاح) // الطَّوِيل //
وَلما طَال حبس ابْن الدمينة وَلم يجد عَلَيْهِ أَحْمد بن إِسْمَاعِيل سَبِيلا وَلَا حجَّة خلاه وَقتلت بَنو سلول من خثعم رجلا مَكَان الْمَقْتُول وَقتلت خثعم بعد ذَلِك نَفرا من سلول وَلَهُم قصَص وأخبار كَثِيرَة ثمَّ إِن ابْن الدمينة أقبل حَاجا بعد مُدَّة فَنزل بتبالة فَعدا عَلَيْهِ مُصعب أَخُو الْمَقْتُول لما رَآهُ وَكَانَت أمه حرضته وَقَالَت لَهُ اقْتُل ابْن الدمينة فَإِنَّهُ قتل أَخَاك وهجا قَوْمك وذم أختك وَقد كنت أعذرك قبل هَذَا لِأَنَّك كنت صَغِيرا والآن قد كَبرت فَلَمَّا أكثرت عَلَيْهِ خرج من عِنْدهَا وبصر بِابْن الدمينة وَاقِفًا ينشد النَّاس فغدا إِلَى جزار فَأخذ شفرته وَعدا على ابْن الدمينة فجرحه بهَا جراحتين فَقيل إِنَّه مَاتَ لوقته وَقيل بل سلم من تِلْكَ الدفعة وَمر بِهِ مُصعب بعد ذَلِك وَهُوَ فِي سوق العبلاء ينشد أَيْضا فعلاه بِسَيْفِهِ حَتَّى قَتله وَعدا وَتَبعهُ النَّاس حَتَّى اقتحم دَارا وأغلقها عَلَيْهِ فَجَاءَهُ رجل من قومه فصاح بِهِ يَا مُصعب إِن لم تضع يدك فِي يَد السُّلْطَان قتلتك الْعَامَّة فَاخْرُج فَلَمَّا عرفه قَالَ لَهُ أَنا فِي ذِمَّتك حَتَّى تسلمني إِلَى السُّلْطَان فقذفه السُّلْطَان فِي سجن تبَالَة قَالَ وَمكث ابْن الدمينة جريحاً لَيْلَة ثمَّ مَاتَ فِي غَد وَقَالَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة يحرض قومه ويوبخهم
(هتفتَ بأكلبٍ ودعوتَ قيسا ... فَلَا خُذُلاً دَعوْتَ وَلَا قليلاَ)
(ثَأرْتَ مُزاحِما وَسررت قيسا ... وَكنتَ لِما هممْتَ بِهِ فَعولاَ)
(فَلَا تَشْلَلْ يدَاكَ وَلا تَزَالا ... تُفيدانِ الغنائِمَ وَالجزيلا)
(فلوْ كَانَ ابْن عبدِ اللهِ حيّاً ... لَصبَّحَ فِي منازِلِها سَلولَا) // الوافر //
وَبلغ مصعباً أَخا الْمَقْتُول أَن قوم ابْن الدمينة يُرِيدُونَ أَن يقتحموا عَلَيْهِ سجن تبَالَة فيقتلوه فَقَالَ يحرض قومه
(لقيتُ أَبَا السَّريّ وَقد تكالا ... لهُ حقُّ العداوةِ فِي فُؤَادِي)
(فكادَ الغيظُ يَفْرِطُني إليهِ ... بطعنٍ دُونهُ طعنُ الشدادِ)
(إِذا نبحَتْ كِلابُ السجْن حَولي ... طمعت هَشاشةً وَهفا فُؤَادِي)
(طماعاً أنْ يدُقّ السجنَ قومِي ... وَخوفاً أَن تُبَيِّتني الأعادي)
(فَمَا ظَنِّي بِقومي شرّ ظنّ ... وَلا أَن يُسلموني فِي البلادِ)
(وَقدْ جدَّلتُ قاتلَهمْ فأمسى ... يَمجُّ دَمَ الوتين على الوساد) // الوافر //
فَجَاءَت بَنو عقيل إِلَيْهِ لَيْلًا فكسروا السجْن وأخرجوه مِنْهُ فهرب إِلَى صنعاء
وَمن شعر أبن الدمينة الأبيات الْمَشْهُورَة
(أَقضي نَهاري بالحديثِ وبالمنى ... ويَجْمعُنْي وَالهمَّ بِاللَّيْلِ جامعُ)
(نَهاري نَهارُ النَّاس حَتَّى إِذا بدا ... ليَ الليلُ شاقتني إليكِ المضاجعُ)
(لَقدْ ثَبتَتْ فِي القلبِ مِنكِ مَحَبة ... كَمَا ثبتَتْ فِي الراحتينِ الأصابِع) // الطَّوِيل //
وَهِي من قصيدة طَوِيلَة يخلطها النَّاس كثيرا بقصيدة لمَجْنُون ليلى لِأَنَّهَا توافقها فِي الْوَزْن والقافية
28 - (إِلهي عَبْدُكَ العَاصيِ أتَاكاَ ... )
هُوَ من الوافر وَلَا أعلم قَائِله وَتَمَامه
(
(مُقِرّاً بالذنُوبِ وقدْ دَعاكَا ... )
(فإنْ تغفرْ فأنتَ لِذاكَ أهلٌ ... وَإنْ تطرُدْ فمنْ يَرْحَمْ سواكا) // الوافر //
والطرد الأبعاد
وَالشَّاهِد فِيهِ وضع الْمظهر وَهُوَ عَبدك مَوضِع الْمُضمر وَهُوَ أَنا للاستعطاف وَهُوَ طلب الْعَطف وَالرَّحْمَة إِذْ لَيْسَ فِيهِ مَا فِي الْمظهر من اسْتِحْقَاق الرَّحْمَة وترقب الرأفة وَإِن كَانَ من غير بَاب الْمسند إِلَيْهِ أَيْضا
29 - (تَطَاوَلَ لَيلَك بِالأثمُدِ ... )
قَائِله امْرُؤ الْقَيْس الْكِنْدِيّ الصَّحَابِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَهُوَ أول
* عن معاهد التنصيص على شواهد التلخيص
المؤلف: عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن أحمد، أبو الفتح العباسي (المتوفى: 963هـ)
المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد