آحمد صبحي منصور - عائشة بنت طلحة : فاتنة عصر الفتنة

أولا : مقدمة سريعة عنها :

1 ـ فى عصر الفتنة : كان تعدد الزوجات شائعا ، وقد إستهلك الصراع الحربى أعمار الرجال ، فكانت المرأة تتزوج أكثر من مرة ، كلما مات قتيلا عنها زوج تزوجت بعده ، خصوصا إذا كانت من قريش وظالمة الجمال ، مثل عائشة بنت طلحة .

2 ـ هى فاتنة عصر الفتنة ، فهى مولودة فى بيت أسّس الفتنة الكبرى الأولى والثانية ، فأبوها الصحابى المشهور ( طلحة بن عبيد الله ) أحد الستة المرشحين للخلافة بعد عمر ، وأحد أعمدة الفتنة الكبرى ، وأحد قواد معركة الجمل ضد (على بن أبى طالب ) . وأمها أم كلثوم ابنة أبى بكر ، وخالتها عائشة . وشيطان الفتنة الكبرى الأولى والثانية ( عبد الله بن الزبير ) هو ابن خالتها .
المزيد مثل هذا المقال :

3 ـ عنها ( فتنة عصرها ) قالوا عن جمالها : (وكانت أجمل اهل زمانها وأحسنهن وارأسهن ) ـ ( وكانت بارعة الحسن .) . ( ووصفتها المغنية ( عزة الميلاء ) لمصعب بن الزبير لما خطبها فقالت : اما عائشة فلا والله ما غن رأيت مثلها مقبلة مدبرة محطوطة المتنين ، عظيمة العجيزة ، ممتلئة الترائب ، نقية الثغر وصفحة الوجه ، غراء فرعاء الشعر ، لفاء الفخذين ممتلئة الصدر ، حميسة البطن ، ذات عكن ضخمة السرة ، مسرولة الساق ، يرتج ما بين اعلاها إلى قدميها ، وفيها عيبان : اما احدهما فيواريه الخمار ، واما الآخر فيواريه الخف : عظم الأذن والقدم ،) . هذا هو مقياس الجمال يومئذ ، ان تكون المرأة مثل كتلة ضخمة من ال ( جيلى ) تسير على قدمين .!!.

4 ـ تكاثرت حولها الروايات بسبب شهرتها فى الحُسن والجمال ، وبعضها كاذب مثل قولهم : ( وكانت لا تستر وجهها من احد ، فعاتبها مُصعب في ذلك فقالت : إن الله عز وجل وسمني بميسم جمال أحببت ان يراه الناس ويعرفوا فضلي عليهم ، وما كنت لأستره ، ووالله ما في وصمة يقدر ان يذكرني بها احد ،). وهذه رواية نرفضها لأن وجه المرأة وقتها كان سافرا ، ولم يكن النقاب معروفا حينئذ . وكان الخمار يغطى الصدر فقط .

3 ـ ، وكانت شرسة الأخلاق وكذلك نساء بني تيم . وظهر هذا فى معاملتها لزوجها الأول وزوجها الثانى .


ثانيا : أزواجها :

1 ــ تزوجها (عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر ) ومات عنها ، فتزوجها ( مصعب بن الزبير بنالعوام ، وهو أمير العراق لأخيه عبد الله بن الزبير ، فقُتل عنها ، فتزوجها ( عمر بن عبيد الله بن معمر بن عثمان التيمي ) ولم تتزوج بعده .

2 ــ الزوج الأول : ابن خالها (عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر ) تزوجها بكرا ، تقول الرواية ( وهو أبو عُذرها ) . وقد عانى منها الويلات . خاصمته مرة وتركت له البيت غاضبة الى بيت خالتها السيدة عائشة ، تقول الرواية : ( .. وخرجت من دارها غضبى ، فمرت في المسجد ، وعليها ملحفة ، تريد عائشة ام المؤمنين ، فرآها ابو هريرة فسبّح ، وقال : سبحان الله كانها من الحور العين . فمكثت عند ( خالتها ) عائشة أربعة أشهر. ). وكان زوجها عبد الله يحبها ويتحمل شراسة أخلاقها ، قال عنها : ( والله لربما حملت ووضعت وهي مصارمة لي ( أى مخاصمة ) لا تكلمني . ) . ووصل به الغضب مرة الى أن هجرها وآلى منها ، فنصحته عمته السيدة عائشة أن يراجعها حتى لا يقع فى ( الايلاء ) فأعادها . وقيل له : ( طلقها ، فقال شعرا :

يقولون طلقها لأُصبح ثاويا ....... مقيما علي الهمّ أحلامُ نائم

وإن فراقي اهل بيت أُحبهم ........لهم زلفة عندي لإحدى العظائم ).

وعندما توفى زوجها الأول ( عبدالله ) لم يظهر عليها حُزن فى جنازته ، تقول الرواية : ( فما فتحت فاها عليه ، وكانت عائشة ام المؤنين تُعدد عليها هذا من ذنوبها .)

3 ـ زوجها الثانى : ( مصعب بن الزبير ) ، دفع لها مهرا مائة ألف دينار ، وفى رواية (ثم تزوجها بعده مصعب بنالزبير وأمهرها خمسمائة ألف درهم. وأهدى لها مثل ذلك. )

وكان لمصعب زوجتان أيضا (سكينة بنت الحسين وبنت عبد الله بن عامر .. ).

مصعب بن الزبير ــ الذى كان جريئا فى سفك الدماء الى درجة أنه قتل خمسمتئة أسير مرة واحدة من أتباع المختار الثقفى ـ كان يعانى من شراسة خُلق زوجته عائشة بنت طلحة . بلغ من شرائة خلقها أنها كانت تتصرف كالزوج الرجل ، ( تهجره فى المضاجع ) أو تُقسم عليه بالظهار تحرمه على نفسها ، فقالت له : " أنت علي كظهر أُمي،" واعتزلته فى غرفة ، ورفضت أن تكلمه ، تقول الرواية : ( فجهد مصعب أن تكلمه فأبت ، فبعث إليها ابن قيس الرقيات ( الشاعر ) فسألها كلامه، ( أى أن تكلمه ) فقالت : كيف بيميني ؟ فقال : هاهنا الشعبي فقيه اهل العراق فاستفتيه ، فدخل عليها ( الشعبى ) ، فأخبرته فقال : ليس هذا بشيء ، فقالت : اتحلني وتخرج خائبا ، فأمرت له باربعة آلاف درهم . ) .

وهجرته مرة، ورفضت أن ينال منها فى الفراش ، فكان يغتصبها ، وفإستعان عليها بكاتبه فإحتال عليها بالتخويف حتى لانت لمصعب . تقول الرواية :( وكان مصعب لا يقدر عليها إلا بتلاح ( أى بالعراك ) وينالها منه ويضربها ، فشكى ذلك إلى ابن أبي فروة كاتبه ، فقال له : " أنا اكفيك هذا إن اذنت لي " ، قال : " نعم ، افعل ما شئت ، فإنها افضل شيء نلته في الدنيا .! " ، فأتاهل ليلا ومعه أسودان ( أى إثنان من العبيد السود ) ، فاستاذن عليها ، فقالت له : " أفي مثل هذه الساعة ؟ " قال : " نعم " ، فأدخلته ، فقال للأسودان : " احفرا ها هنا بئرا " ، فقالت له جاريتها : " وما تصنع بالبئر ؟ " قال : " شؤم مولاتك ، امرني هذا الفاجر ( أى مصعب ) ان ادفنها حية ، وهو أسفك خلق الله لدم حرام ." ، فقالت عائشة : " فانظرني اذهب إليه." ، قال : " لا سبيل إلى ذلك. " ، وقال للأسودين : " احفرا " . فلما رات الجّد منه بكت وقالت :" يا ابن ابي فروة . إنّك لقاتلي ما منه بد ؟ " قال :" نعم ، وإني لأعلم أن الله سيجزيه بعدك ، ولكنه قد غضب وهو كافر الغضب.! " ، قالت : " وفي أي شيء غضبه ؟ " قال : " في امتناعك عليه ، وقد ظن انك تبغضينه وتتطلعين إلى غيره ، وقد جُنّ ! . " فقالت : " أُنشدك الله إلا عاودته .!" ، قال : " أخاف ان يقتلني ،.! " فبكت، وبكى جواريها . فقال : " قد رققت لك "، وحلف أنه يغرر بنفسه ، ثم قال لها : " ماذا أقول ؟" قالت : " تضمن عني الا اعود أبدا.! " قال : " فمالي عندك ؟ " قالت : " قيام بحقك ما عشت " ، قال :" فأعطني المواثيق " ، فأعطته ، فقال للأسودين : " مكانكما ."، واتى مصعبا فأخبره فقال له : " استوثق منها بالأيمان. " ، ففعلت ، وصلحت بعد ذلك.).

وكانت لا تأبه بهداياه لها مهما بلغت قيمتها ، تقول الرواية : ( ودخل مصعب يوما عليها وهي نائمة مثضمقة ومعه ثماني لؤلؤات قيمتها عشرون ألف دينار ، فأنبهها ونثر الؤلؤ في حجرها ، وقالت له : نومتي كانت احب إلي من هذا الؤلؤ.!! ) . هذا اللؤلؤ من عرق أهل البلاد المفتوحة .

4 ـ زوجها الأخير : ابن عمها : عمر بن عبيد الله التيمي . تزوجها بعد قتل مصعب ، وقدم لها صداقا قدره ألف الف درهم ، تقول الرواية : ( وفي ذلك يقول الشاعر:بُضع الفتاة بألف ألف كامل * وتبيت سادات الجيوش جياعا ). ( بُضع فتاة ) أى ( عضوها الجنسى ).

وهناك روايتان عن زواجها من ابن عمها عمر بن عبيد الله التيمى ، تقول الأولى إن بشر بن مروان بن الحكم ــ بعد أن قتل بنوأمية زوجها مصعبا ـ أراد أن يتزوج عائشة ، فارسل اليها ابن عمها عمر بن عبيد الله يخطبها له . فقالت لعمر : (‏:‏" أما وجد بشر رسولًا إلى ابنة عمك غيرك ؟ فأين بك عن نفسك ؟ " ( يعنى تخطبه لنفسها ) قال‏:‏ " أوتفعلين ؟ " قالت‏: " ‏ نعمفتزوجها .).

والرواية الأخرى تقول إن عمر بن عبيد الله جاء من الشام الى الكوفة ، فبلغه أن بشر بن مروان بعث يخطب عائشة بنت عمه ، فأرسل الى عائشة جارية تقول لها : ( ابن عمك يقرئك السلام، ويقول لك : أنا خير لك من هذا الميسور والمطحول وإن تزوجت بي ملأت بيتك خيرًا‏.‏ فتزوجته فبنىبها بالحيرة‏.‏ ) . فى الروايتين نرى كراهية بنى أمية الذين قتلوا مصعبا وأخاه عبد الله . وتقول الرواية إن العريس الثالث حمل اليها الف الف درهم مهرا. ( ألف ألف درهم ، خمسمائة ألف مهرًا ، وخمسمائة ألف هدية . وقاللمولاتها‏:‏ لك علي ألف دينار إندخلت بها الليلة فحمل المال فألقي في الدار وغُطّي بالثياب . وخرجتعائشة فقالت لمولاتها‏:‏" ما هذا أفرش أم ثياب ؟ قالت‏:‏ " انظري " ، فنظرت فإذا به مال ، فتبسمت ، فقالتلها‏ ( مولاتها ) :‏ " أجزاء من حمل هذا أن يبيت عندنا . ؟ " قالت‏ ( عائشة ) :‏ " لا والله ، ولكن لا يجوز دخوله إلا بعدأن أتزين له وأستعد ." . قالت‏ ( الجارية ) :‏ " وبماذا ؟ فوالله لوجهك أحسن من كل زينة ، وما تمدين يديكإلى طيب وثوب أو فرش إلاوهو عندك ، وقد عزمت عليك أن تأذني له . " قالت‏:‏ " افعلي " . فذهبتإليه فقالت‏:‏ " بت ببيتناالليلة . " فجاءهم عند العشاء الآخرة. ) .

وهناك رواية أخرى ( فاحشة ) نعتذر عن ذكرها ، ونضطر لذلك لنعايش ثقافة عصر ( السلف الصالح ) الدموية الفاحشة . تقول الرواية : ( وتزوجها عمر بن عبيد الله ، وحمل غيها الف الف درهم ، وقال لرسولها : " انا أملأ بيتها خيرا وحرها أيرا " ( الحر : عضو المرأة الجنسى ) ( الاير : عضو الذكر الجنسى ) ، وتمضى الرواية فتقول : ( ودخل بها من ليلته ، واكل الطعام الذي عُمل له على الخوان كله ، وصلى صلاة طويلة ، وخلا بها ، ودخل المتوضى سبع عشرة مرة ، فلما اصبح قالت له جاريتها :" والله ما رأيت مثلك ، أكلت أكل سبعة ، وصليت صلاة سبعة ، ونكت نيك سبعة .! " ، فضحك وضرب بيده على منكب عائشة ، وقال :" كيف رأيت ابن عمك ؟ " ، فضحكت وغطت وجهها . . ).

هدأت شراسة عائشة مع زوجها الثالث ، كانت فقط تُغيظه بوصف وسامة مصعب ، تقول الرواية : ( ومكثت معه ثماني سنين ، وكانت تصف لهمصعبًا ، فيكاديموت من الغيظ . ) ومات زوجها الثالث سنة (82 هـ) ، فرفضت الزواج بعده . تقول الرواية : ( فلما مات ندبته قائمة ، وقالت‏:‏ " كان أكرمهم علي وأمسهمرحمًا بي فلا أتزوجبعده . ") ( وكانت المرأة إذا ندبت زوجها قائمة عُلم أنها لا تتزوج بعده . ). كانت فى حوالى الخمسين عندما مات زوجها .


ثالثا : عائشة ( الأرملة الطروب )

1 ـ عاشت حياتها كما يحلو لها وهى أرملة ثرية جاوزت الخمسين، ( كانت تقيم بمكة سنة، وبالمدينة سنة ، وتخرج إلى مال لها بالطائف تدير أمورها بنفسها . وتخرج إلى مال لها بالطائف وقصر لها ، فتتنزه‏. وقدمت على هشام بن عبدالملك ، فقال‏:‏ " ماأقدمك ؟" فقالت‏:‏ " حبست السماء قطرها ومنع السلطان الحق . " فأمر لها بمائةألف درهم . ).

2 ـ واصبحت عائشة بنت طلحة جُزءا من الحياة المنفتحة فى مكة والمدينة ، حيث المجون والغناء ومشاهير المغنيين والمغنيات ، وقصائد العشق والغرام والتشبيب بالنساء . إذ أن الأمويين بعد الفتنة الكبرى الثانية أغرقوا أهل مكة والمدينة بالأموال والحوارى ليشغلوا أهلها عن الثورة بعد إخماد حركة ابن الزبير .

3 ـ فى هذه الفترة كان لعائشة بنت طلحة ندوة أدبية يحضرها الشعراء والمغنون وسادة القوم ، وكانت تتنافس مع ضرتها السابقة ( سكينة بنت الحسين ) التى شاركتها مصعب بن الزبير . يقول ابن اسحاق عن ابيه : ( دخلت على عائشة بنت طلحة بن عبيد الله ، وكانت تجلس ، وتأذن كما يأذن الرجل.) وبعضهم كان يأتى ليملأ عينيه من جمالها فقط ، تقول الرواية : ( وقال أنس بن مالك لعائشة بنت طلحة: " إن القوم يريدون أن يدخلوا اليك فينظروا إلى حسنك !" قالت: " أفلا قلت لي فألبس حسن ثيابي." )

4 ـ وفى هذا المناخ إشتهر عمر بن أبى ربيعة بالتشبيب أو التغزل بالنساء ، وتسابقت النساء الشهيرات ليحظين بشعره متغزلا فيهن . تقول الرواية : ( لقي عمر بن أبي ربيعة عائشة بنت طلحة بمكة، وهي تسير على بغلة لها ، فقال لها :" قفي حتى أسمعك ما قلت فيك " ، قالت : " أوقد قلت يا فاسق ؟ " قال: " نعم ،" فوقفت فأنشدها:

ياربة البغلة الشهباء هل لك في * بأن تنشري ميتا لا ترهقي حرجا

قالت بدائك مت أو عش تعالجه * فما نرى لك فيما عندنا فرجا

ومن مشاهير تغزل عمر بن أبى ربيعة فى عائشة بنت طلحة قصيدته التي أولها :

مـن لقـلب أمسـى رهـينا مُعنّى * مسـتكيـنا قـد شفـه مـا أجـنّا

إثر شخص نفسي فدت ذاك شخصا * نـازح الدار بـالمديـنة عـنا

3 ــ وكان لعائشة معجبون من مشاهير المغنيين ، ومنهم ابن محرز ، تقول الرواية : ( كان ابن محرز أحسن الناس غناء ، فمر بهند بنت كنانة بن عبدالرحمن .. فسألته أن يجلس لها ولصواحب لها ، ففعل وقال: " أغنيكن صوتا أمرني الحارث بن خالد بن العاص بن هشام أن أغنيه عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، في شعر له قاله فيها ، وهو يومئذ أمير مكة قلن: نعم ، فغناهن:

فوددت إذ شحطوا وشطت دارهم * وعـدتهم عـنا عـواد تشـغل

أنـا نطاع وأن تـنقل أرضـنا * أو أن أرضهم إليـنا تـنقل

ومنهم المغنى ( العريض ) . تقول الرواية : ( حجت عائشة بنت طلحة بن عبيدالله ، فجاءتها الثريا ( الثريا عشيقة عمر بن أبى ربيعة ) وإخوتها ، ونساء مكة. وكان المغني الغريض فيمن جاء ، فدخل النسوة عليها ، فأمرت لهن بكسوة وألطاف كانت قد أعدتها لمن يجيؤها، فجعلت تخرج كل واحدة ومعها جاريتها ومعها ما أمرت لها به عائشة . والغريض بالباب حتى خرج مولياته مع جواريهن الخلع والألطاف ، فقال الغريض: فأين نصيبي من عائشة ؟ فقلن له: أغفلناك وذهبت عن قلوبنا ، فقال: ما أنا ببارح من بابها أو آخذ بحظي منها ، فإنها كريمة بنت كرام ، واندفع يغني بشعر جميل:

تذكرت ليلى فالفؤاد عميد * وشطت نواها فالمزار بعيد

فقالت: ويلكم هذا مولى العبلات بالباب يذكر بنفسه هاتوه ، فدخل ، فلما رأته ضحكت وقالت: لم أعلم بمكانك ، ثم دعت له بأشياء أمرت له بها ، ثم قالت له: إن أنت غنيتني صوتا في نفسي فلك كذا وكذا .. فغناها في شعر كثير:

ومازلت من ليلى لدن طر شاربي * إلى اليوم أخفي حبـها وأداجن )

4 ـ وكان والى مكة الحارث بن خالد بن العاص بن هشام من المتيمين بعائشة بنت طلحة . وكان ينظم فيها الشعر . تقول الرواية : ( قال الحارث بن خالد المخزومي متغزلا بعائشة بنت طلحة لما تزوجها مصعب بن الزبير ورحل بها إلى العراق :

ظـعن الأمـير بأحسـن الخـلق * وغـدا بـلبك مـطـلع الشـرق

في البيت ذي الحسب الرفيع ومن * أهـل التـقى والبـر والصـدق

فـظـللت كـالمقهـور مـهجته * هـذا الجـنون وليــس بالغسق

أتـرجـة عـبق العـبير بـها * عـبق الدهـان بـجـانب الحـق

مـا صـبحت أحـدا بـرؤيتها * إلا غـدا بكـواكـب الـطـلق )

5 ــ قال أبوالفرج الأصفهانى : ( والحارث بن خالد أحد شعراء قريش المعدودين الغزليين ، وكان يذهب مذهب عمر بن أبي ربيعة لا يتجاوز الغزل إلى المديح ولا الهجاء ، وكان يهوى عائشة بنت طلحة بنت عبيدالله ويشبب بها.وحج الحارث بن خالد المخزومي بالناس ، وحجت عائشة بنت طلحة عامئذٍ ، وكان يهواها ، فأرسلت إليه :" أخّر الصلاة حتى أفرغ من طوافي "، فأمر المؤذنين فأخّروا الصلاة حتى فرغت من طوافها ، ثم أقيمت الصلاة فصلى بالناس ، وأنكر أهل الموسم ذلك من فعله وأعظموه.ولما أن قدمت عائشة بنت طلحة أرسل إليها الحارث بن خالد ـ وهو أمير على مكة ـ : " أني أريد السلام عليك ، فإذا خف عليك أذنت ،" وكان الرسول الغريض ، فقالت له: " أنا حرم ( أى فى الحرم فى الحج ) فإذا أحللنا إذناك ." فلما أحلت سرت ( سارت ليلا ) على بغلاتها ، ولحقها الغريض بعسفان، ومعه كتاب الحارث إليها:

" ما ضركم لو قلتم سددا ...". فلما قرأت الكتاب قالت: " ما يدع الحارث باطله " ، ثم قالت للغريض: "هل أحدثت شيئا ؟ " ( أى هل قال شعرا جديدا فيها ) قال: " نعم فاستمعي " ، ثم اندفع يغني في هذا الشعر ، فقالت عائشة: " والله ماقلنا إلاسددا ، ولاأردنا إلا أن نشتري لسانه " ، وأتى على الشعر كله ، فاستحسنته عائشة، وأمرت له بخمسة آلاف درهم وأثواب ، وقالت: " زدني " ، فغناها في قول الحارث بن خالد أيضا.

6 ـ يضيق الصدر عن تحليل الروايات السابقة ، ونكتفى بالقول إنها كانت حياة ماجنة فى مكة والمدينة ، لا تختلف فى فسوقها عن سفك الدماء . أى إن السلف الصالح تقلب بين سفك الدماء والانغماس فى الفحشاء . وكانت عائشة بنت طلحة عنصرا فى هذا وذاك ، زوجها السفاح مصعب بن الزبير ، ثم هى بعده من أشهر النساء اللاتى تعلق بهن شعراء الفسق . وفى حالتى الفسق وسفك الدماء فقد حاز القرشيون الأموال بالملايين ، ليس من صحرائهم ولكن من عرق ومن دماء أهل البلاد المفتوحة ، من أواسط آسيا شرقا الى شمال أفريقيا غربا . .!!
 
أعلى