نقوس المهدي
كاتب
153 سكنت القلب
أنشدني القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي «1» ، رحمه الله، للشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الطاهر أبي أحمد الحسين بن موسى الموسوي «2» :
أذات الطوق لم أقرضك قلبي ... على ضنّي به ليضيع ديني
سكنت القلب حين خلقت منه ... فأنت من الحشا والناظرين
أحبّك أنّ لونك مثل قلبي ... وإن ألبست لونا غير لوني
عديني وامطلي أبدا فحسبي ... وصالا أن أراك وأن تريني
مصارع العشاق 2/114
154 سقى الله أياما خلت
أخبرنا القاضي أبو القاسم عليّ بن المحسّن التنوخي «1» ، بقراءتي عليه، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عيسى الرماني النحوي «2» ، قال: حدثنا أبو بكر بن دريد «3» ، قال: أنشدنا عبد الرحمن «4» عن عمّه «5» :
رويدك يا قمريّ لست بمظهر ... من الشوق إلّا دون ما أنا مضمر
ليكفك أنّ القلب منذ تنكّرت ... أسيماء عن معروفها متنكّر
سقى الله أيّاما خلت ولياليا ... فلم يبق إلّا عهدها المتذكّر
لئن كانت الدنيا أجدّت إساءة ... لما أحسنت في سالف الدهر أكثر
مصارع العشاق 1/309
155 الفراق مر شديد
أخبرنا القاضي أبو القاسم عليّ بن المحسّن التنوخي «1» ، إن لم يكن سماعا فإجازة، قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه «2» ، قال: حدّثنا ابن المرزبان «3» ، قال: حدّثني محمد بن عبد الله بن الفضل، قال: حدّثني أحمد بن معاوية، قال:
رأيت مجنونا واقفا بصحراء أثير «4» ، وقد هاج، وهو يقول:
هدّ ركني الهوى وكنت جليدا ... ورأيت الفراق مرّا شديدا
مصارع العشاق
156 زيدي قلبي وسواسا
أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسّن التنوخي «1» ، قال: حدثنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه الخزاز «2» ، قال: حدّثنا محمد بن خلف «3» ، إجازة، قال: أنشدت لماني «4» :
سلي عائداتي كيف أبصرن كربتي ... فإن قلت قد حابيني فاسألي الناسا
فإن لم يقولوا مات أو هو ميّت ... فزيدي إذن قلبي جنونا ووسواسا
مصارع العشاق 1/98
157 رفقا بقلب
أنشدنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسّن التنوخي، رحمه الله، لمحمد ابن أبي عون الكاتب:
غنيت بمشيتها عن الأغصان ... حسناء يلعب حبّها بجناني
وبدت تفضّ العتب عن خاتامه «1» ... وتجول فيه بناظر ولسان
رفقا بقلب قلّ ما قلّبته ... إلّا على شعل من النيران
مصارع العشاق 2/73
158 فرأيك في سح الدموع موفقا
أنشدنا أبو القاسم علي بن المحسّن التنوخي، قال: أنشدني قاضي القضاة أبو عبد الله الحسين بن علي بن جعفر بن ماكولا «1» ، لأبي بكر الخوارزمي الطبري «2» ، من طبرية الشام، من تشبيب قصيدة في الصاحب أبي القاسم بن عباد «3» :
يفلّ غدا جيش النوى عسكر اللقا ... فرأيك في سحّ الدموع موفّقا
ولما رأيت الإلف يعزم للنوى ... عزمت على الأجفان أن تترقرقا
وخذ حجّتي في ترك جسمي سالما ... وقلبي، ومن حقيهما أن يخرّقا
يدي ضعفت عن أن تخرّق جيبها ... وما كان قلبي حاضرا فيمزّقا
مصارع العشاق 1/90
159 زائر متهالك
أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسّن «1» قال: أخبرنا علي بن عيسى الرماني «2» ، قال: أخبرني ابن دريد «3» ، قال: أنشدنا عبد الرحمن «4» عن عمه «5» ، لأبي المطراب العنبري:
أيا بارقي مغنى بثينة أسعدا ... فتى مقصدا بالشوق فهو عميد
ليالي منّا زائر متهالك ... وآخر مشهور كواه صدود
على أنه مهدي السلام وزائر ... إذا لم يكن ممّن يخاف شهود
وقد كان في مغنى بثينة لو رنت ... عيون مها تبدو لنا وخدود
مصارع العشاق 1/310
160 أسائل عنها كل ركب
أخبرنا القاضيان أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي «1» ، وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، قالا: حدثنا أبو عمر بن حيويه الخزاز، قال: حدثنا محمد بن خلف، قال حدثني أبو عبد الله التميمي، قال: حدثنا أبو الوضاح الباهلي، عن أبي محمد اليزيدي، قال: حدثنا عبد الله بن عمر بن عتيق عن عامر بن عبد الله ابن الزبير قال:
خرجت أنا ويعقوب بن حميد بن كاسب، قافلين من مكة، فلما كنّا بودّان «2» ، لقيتنا جارية من أهل ودّان. فقال لها يعقوب: يا جارية، ما فعلت نعم؟
فقالت: سل نصيبا.
فقال: قاتلك الله، ما رأيت كاليوم قط، أحدّ ذهنا، ولا أحضر جوابا منك. وإنّما أراد يعقوب قول نصيب «3» في نعم، وكانت تنزل ودّان:
أيا صاحب الخيمات من بطن أرثد «4» ... إلى النخل من ودّان ما فعلت نعم
أسائل عنها كلّ ركب لقيتهم ... وما لي بها من بعد مكّتنا علم
مصارع العشاق 2/49
161 أفق عن بعض لومك
أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي التوزي، وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، قالا: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه، قال: حدثنا محمد بن خلف، قال: حدثنا أبو الفضل قاسم بن سليمان الإيادي، عن عبد الرحمن بن عبد الله «1» ، قال:
أخبرني مخبر، أنه رأى أسود ببئر ميمون «2» ، وهو يمتح من بئر، ويهمس بشيء لم أدر ما هو، فدنوت منه، فإذا بعضه بالعربية، وبعضه بالزنجيّة، ثم تبيّنت ما قال، فإذا هو:
ألا يا لائمي في حب ريم ... أفق عن بعض لومك لا اهتديتا
أتأمرني بهجرة بعض نفسي ... معاذ الله أفعل ما اشتهيتا
أحب لحبها تئليم طرّا ... وتكعة والمشكّ وعين زيتا
فقلت: ما هذه؟ فقال: رباع كانت لنا بالحبشة، كنا نألفها، قال:
قلت: أحسبك عاشقا. قال: نعم، قلت: لمن؟ قال: لمن إن وقفت رأيته.
فما لبثنا ساعة، إذ جاءت سوداء على كتفها جرّة، فضرب بيده عليها، وقال: هذه هي، قال: قلت له: ما مقامك هاهنا؟ قال: اشتريت، فأوقفت على هذا القبر أرشه. فأنا أبرّد من فوق، وربّك يسخّن من أسفل.
مصارع العشاق 2/57
162 أين المفر
أخبرنا القاضيان أبو الحسين أحمد بن علي التوزي «1» ، وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، قالا: حدثنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، قال: حدثنا محمد بن خلف، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن سليمان، قال: حدّثنا القحطبي، قال: أخبرنا بعض الرواة، قال:
بينا أنا يوما على ركيّ «2» قاعد، وذلك في أشد ما يكون من الحر، إذا أنا بجارية سوداء، تحمل جرّة لها، فلما وصلت إلى الركيّ، وضعت جرتها، ثم تنفست الصعداء، فقالت:
حرّ هجر، وحرّ حب، وحرّ ... أين من ذا وذا يكون المفرّ
وفي رواية أخرى: أيّ حر من بعد هذا أضرّ؟ وملأت الجرة، وانصرفت.
فلم ألبث إلّا يسيرا، حتى جاء أسود، ومعه جرّة، فوضعها بحيث وضعت السوداء جرّتها، فمر به كلب أسود، فرمى إليه رغيفا كان معه، وقال:
أحبّ لحبها السودان حتى ... أحبّ لحبها سود الكلاب
مصارع العشاق 2/36
163 كذاك العاشقون
أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي «1» ، بقراءتي عليه، وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، قراءة عليه، قالا: أخبرنا أبو عمر بن حيويه الخزاز، قال: حدثنا محمد بن خلف، قال: أخبرنا عبد الله بن شبيب»
، قال: أخبرني الزبير بن بكار، قال: حدثني محمد بن الحسن، قال: حدثني هبيرة بن مرة القشيري، قال:
كان لي غلام يسوق ناضحا «3» ، ويرطن بالزنجية، بشيء يشبه الشعر، فمرّ بنا رجل يعرف لسانه، فاستمع له، ثم قال: هو يقول:
فقلت لها إنّي اهتديت لفتية ... أناخوا بجعجاع «4» قلائص «5» سهّما «6»
فقالت: كذاك العاشقون ومن يخف ... عيون الأعادي يجعل الليل سلّما
مصارع العشاق 2/7
164 لا تكن ملحاحا
أنبأنا أبو القاسم علي بن أبي علي التنوخي «1» ، قال: أخبرنا أبو عمر محمد ابن العباس «2» قال: حدّثنا أبو بكر محمد بن خلف المحوّلي «3» ، إجازة، قال:
حدثني سعيد بن عمر بن علي البيروذي «4» ، قال: حدثني علي بن المختار، قال:
حدثني القحذمي «5» ، قال:
هوي رجل من أهل البصرة، امرأة فضني من حبها، حتى سقط على الفراش، وكان إذا جنّه الليل، صاح بأعلى صوته:
كم ترى بيننا وبين الصباح
فإذا أكثر، هتف به هاتف من جانب البيت:
ألف عام، وألف عام تباعا ... غير شك، فلا تكن ملحاحا
قال: فأقام الرجل على علّته سنين، ثم أبل من علّته.
مصارع العشاق 1/247
165 في القلب صدوع
أخبرنا التنوخي «1» ، قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس «2» ، قال: حدثنا محمد بن خلف «3» ، قال: أنشدني أبو علي البلدي الشاعر، للمجنون:
لئن نزحت دار بليلى لربما ... غنينا بخير والزمان جميع
وفي النفس من شوق إليك حزازة ... وفي القلب من وجد عليك صدوع
مصارع العشاق 2/90
166 مساكين أهل العشق
أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين، وأبو القاسم علي بن المحسن ابن علي، قالا: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، قال: حدّثنا محمد ابن خلف، قال: أخبرني جعفر بن علي اليشكري، قال: أخبرني الرياشي «1» ، قال: أخبرني العتبي «2» ، قال:
دخل نصيب «3» على عبد العزيز بن مروان «4» ، فقال له: هل عشقت يا نصيب؟
قال: نعم، جعلني الله فداك، ومن العشق أقلّتني إليك البادية.
قال: ومن عشقت؟
قال: جارية لبني مدلج، فأحدق بنا الواشون، فكنت لا أقدر على كلامها إلا بعين أو إشارة، فأجلس على الطريق، حتى تمرّ بي، فأراها، ففي ذلك أقول:
جلست لها كيما تمرّ لعلّني ... أخالسها التسليم إن لم تسلّم
فلما رأتني والوشاة تحدرت ... مدامعها شوقا ولم تتكلّم
مساكين أهل العشق ما كنت أشتري ... حياة جميع العاشقين بدرهم
مصارع العشاق 2/51
167 كلب يحمي عرض سيده
وممّن أفسد الصديق بحرمته، فقام الكلب بنصرته، ما أخبرونا عن أبي الحسن المدائني «1» يرفعه عن عمرو بن شمر، قال:
كان للحارث بن صعصعة، ندمان لا يفارقهم، شديد المحبة لهم، فعبث أحدهم بزوجته، فراسلها، وكان للحارث كلب رباه، فخرج الحارث في بعض متنزهاته، ومعه ندماؤه، وتخلف عنه ذلك الرجل، فلما بعد الحارث عن منزله، جاء نديمه إلى زوجته، فأقام عندها يأكل ويشرب، فلما سكرا واضطجعا، ورأى الكلب أنه قد ثار على بطنها، وثب الكلب عليهما فقتلهما.
فلما رجع الحارث إلى منزله، ونظر إليهما عرف القصة، ووقف ندمانه على ذلك، وأنشأ يقول:
وما زال يرعى ذمّتي ويحوطني ... ويحفظ عرسي والخليل يخون
فوا عجبا للخل يهتك حرمتي ... ويا عجبا للكلب كيف يصون
قال: وهجر من كان يعاشره، واتخذ كلبه نديما وصاحبا، فتحدث به العرب، وأنشأ يقول:
فللكلب خير من خليل يخونني ... وينكح عرسي بعد وقت رحيلي
سأجعل كلبي ما حييت منادمي ... وامنحه ودي وصفو خليلي
فضل الكلاب على من لبس الثياب 25
168 الحبشاني وصفراء العلاقمية
أخبرنا التوزي «1» ، والتنوخي «2» ، قالا: حدثنا أبو عمر محمد بن العباس «3» ، حدثنا محمد بن خلف «4» ، قال: وذكر بعض الرواة عن العمري:
كان أبو عبد الله الحبشاني، يعشق صفراء العلاقمية، وكانت سوداء، فاشتكى من حبها، وضني حتى صار إلى حد الموت، فقال بعض أهله، لمولاها: لو وجهت صفراء إلى أبي عبد الله الحبشاني، فلعله يعقل إذا رآها، ففعل، فلما دخلت إليه صفراء، قالت: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟
قال: بخير، ما لم تبرحي.
قالت: ما تشتهي؟
قال: قربك.
قالت: فما تشتكي؟
قال: حبك.
فقالت: أفتوصي بشيء؟
قال: نعم، أوصي بك، إن قبلوا مني.
فقالت: إني أريد الانصراف.
قال: فتعجّلي ثواب الصلاة عليّ. فقامت، فانصرفت.
فلما رآها مولّية، تنفّس الصعداء، ومات من ساعته.
مصارع العشاق 2/50
169 كلب يقتل زوجة سيده وخليلها
وذكر ابن دأب، قال «1» :
كان للحسن بن مالك الغنوي «2» ، أخوان، وندمان، فأفسد بعضهم محرما له، وكان له على باب داره كلب قد رباه، فجاء الرجل يوما إلى منزل الحسن، فدخل إلى امرأته.
فقالت له: قد بعد، فهل لك في جلسة يسرّ بعضنا ببعض فيها؟.
فقال: نعم.
فأكلا وشربا، ووقع عليها.
فلما علاها وثب الكلب عليهما، فقتلهما.
فلما جاء الحسن، ورآهما على تلك الحال، تبيّن ما فعلا فأنشأ يقول:
قد أضحى خليلي بعد صفو مودتي ... صريعا بدار الذلّ أسلمه الغدر
يطا حرمتي بعد الإخاء وخانني ... فغادره كلبي وقد ضمه القبر
فضل الكلاب على من لبس الثياب 25
170 دفع درهمين فأفاد أربعة آلاف دينار
أخبرنا القاضيان أبو الحسين أحمد بن علي التوزي، وأبو القاسم عليّ ابن المحسّن التنوخي، قالا: حدثنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، حدثنا محمد بن خلف المحولي، قال: أخبرني أبو الفضل الكاتب، عن أبي محمد العامري، قال: قال إسماعيل بن جامع «1» :
كان أبي يعظني في الغناء، ويضيّق عليّ، فهربت إلى أخوالي باليمن، فأنزلني خالي غرفة له، مشرفة على نهر في بستان، فإني لمشرف منها، إذ طلعت سوداء معها قربة، فنزلت إلى المشرعة، فجلست، فوضعت قربتها، وغنّت:
إلى الله أشكو بخلها وسماحتي ... لها عسل منّي وتبذل علقما
فردّي مصاب القلب أنت قتلته ... ولا تتركيه هائم القلب مغرما
وذرفت عيناها، فاستفزني ما لا قوام لي به، ورجوت أن تردّه، فلم تفعل، وملأت القربة، ونهضت.
فنزلت أعدو وراءها، وقلت: يا جارية بأبي أنت وأمي، ردّي الصوت.
قالت: ما أشغلني عنك.
قلت: بماذا؟
قالت: عليّ خراج، كل يوم درهمان.
فأعطيتها درهمين، فتغنّت وجلست حتى أخذته، وانصرفت، ولهوت يومي ذلك، وكرهت أن أتغنّى الصوت، فأصبحت وما أذكر منه حرفا واحدا. وإذا أنا بالسوداء قد طلعت، ففعلت كفعلها الأول، إلّا أنها غنّت غير ذلك الصوت.
فنهضت وعدوت في إثرها، فقلت: الصوت قد ذهبت عليّ منه نغمة.
قالت: مثلك لا تذهب عليه نغمة، فتبيّن بعضه ببعض، وأبت أن تعيده إلّا بدرهمين، فأعطيتها ذلك، فأعادته، فتذكرته.
فقلت: حسبك.
قالت: كأنّك تستكثر فيه أربعة دراهم، كأنّي والله بك، وقد أصبت به أربعة آلاف دينار.
قال ابن جامع: فبينا أنا أغنّي الرشيد يوما، وبين يديه أكياس، في كلّ كيس ألف دينار، إذ قال: من أطربني فله كيس، فغنيته الصوت، فرمى لي بكيس.
ثم قال: أعد، فأعدت، فرمى لي بكيس.
وقال: أعد، فأعدت، فرمى لي بكيس، فتبسمت.
فقال: ما يضحكك؟.
قلت: يا أمير المؤمنين لهذا الصوت حديث أعجب منه، وحدّثته الحديث.
فضحك، ورمى إليّ الكيس الرابع، وقال: لا نكذّب قول السوداء.
فرجعت بأربعة آلاف دينار.
مصارع العشاق 2/38
171 وقد جلبت عيني عليّ الدواهيا
أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسّن، قال: حدثنا أبو عمر محمد بن العباس، قال: حدثنا أبو بكر بن المرزبان، إجازة، قال: حدثني محمد بن علي عن أبيه علي، عن ابن دأب، قال:
عشق فتى، جارية لأخته، وكان سبب عشقه إيّاها، أنّه رآها في منامه، فأصبح مستطارا عقله، ساهيا قلبه.
فلم يزل كذلك حينا، لا يزداد إلّا حبا ووجدا، حتى أنكر ذلك أهله، وأعلموا عمّه بما هو فيه، فسأله عن حاله، فلم يقرّ بشيء، وقال: علّة أجدها في جسمي، فدعا له أطباء الروم، فعالجوه بضروب من العلاج، فلم يزده علاجهم إلّا سوءا، وامتنع عن الطعام والكلام.
فلما رأوا ذلك منه، أجمعوا على أن يوكّلوا به امرأة، فتسقيه الخمر حتى يبلغ منه دون السكر، فإن ذلك يدعوه إلى الكلام والبوح بما في نفسه، فعزم رأيهم على ذلك، وأعلموا عمّه ما اتفقوا عليه، فبعث إليه بقينة يقال لها:
حمامة، ووكّل به حاضنة كانت له.
فلما شرب الفتى، غنّت الجارية قدّامه، فأنشأ يقول:
دعوني لما بي وانهضوا في كلاءة ... من الله قد أيقنت أن لست باقيا
وأن قد دنا موتي وحانت منيّتي ... وقد جلبت عيني عليّ الدواهيا
أموت بشوق في فؤادي مبرّح ... فيا ويح نفسي من به مثل ما بيا
قال: فصارت الحاضنة والقينة إلى عمه، فأخبرتاه الخبر، فاشتدت له رحمته، فتلطف في دس جارية من جواريه إليه، وكانت ذات أدب وعقل، فلم تزل تستخرج ما في قلبه، حتى باح لها بالذي في نفسه، فصارت السفيرة فيما بينه وبين الجارية، وكثرت بينهما الكتب، وعلمت أخته بذلك، فانتشر الخبر، فوهبتها له، فبرأ من علته، وأقام على أحسن حال.
مصارع العشاق 2/27
* كتاب (نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة)
المؤلف: المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم داود التنوخي البصري، أبو علي (المتوفى: 384هـ)
أنشدني القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي «1» ، رحمه الله، للشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الطاهر أبي أحمد الحسين بن موسى الموسوي «2» :
أذات الطوق لم أقرضك قلبي ... على ضنّي به ليضيع ديني
سكنت القلب حين خلقت منه ... فأنت من الحشا والناظرين
أحبّك أنّ لونك مثل قلبي ... وإن ألبست لونا غير لوني
عديني وامطلي أبدا فحسبي ... وصالا أن أراك وأن تريني
مصارع العشاق 2/114
154 سقى الله أياما خلت
أخبرنا القاضي أبو القاسم عليّ بن المحسّن التنوخي «1» ، بقراءتي عليه، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عيسى الرماني النحوي «2» ، قال: حدثنا أبو بكر بن دريد «3» ، قال: أنشدنا عبد الرحمن «4» عن عمّه «5» :
رويدك يا قمريّ لست بمظهر ... من الشوق إلّا دون ما أنا مضمر
ليكفك أنّ القلب منذ تنكّرت ... أسيماء عن معروفها متنكّر
سقى الله أيّاما خلت ولياليا ... فلم يبق إلّا عهدها المتذكّر
لئن كانت الدنيا أجدّت إساءة ... لما أحسنت في سالف الدهر أكثر
مصارع العشاق 1/309
155 الفراق مر شديد
أخبرنا القاضي أبو القاسم عليّ بن المحسّن التنوخي «1» ، إن لم يكن سماعا فإجازة، قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه «2» ، قال: حدّثنا ابن المرزبان «3» ، قال: حدّثني محمد بن عبد الله بن الفضل، قال: حدّثني أحمد بن معاوية، قال:
رأيت مجنونا واقفا بصحراء أثير «4» ، وقد هاج، وهو يقول:
هدّ ركني الهوى وكنت جليدا ... ورأيت الفراق مرّا شديدا
مصارع العشاق
156 زيدي قلبي وسواسا
أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسّن التنوخي «1» ، قال: حدثنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه الخزاز «2» ، قال: حدّثنا محمد بن خلف «3» ، إجازة، قال: أنشدت لماني «4» :
سلي عائداتي كيف أبصرن كربتي ... فإن قلت قد حابيني فاسألي الناسا
فإن لم يقولوا مات أو هو ميّت ... فزيدي إذن قلبي جنونا ووسواسا
مصارع العشاق 1/98
157 رفقا بقلب
أنشدنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسّن التنوخي، رحمه الله، لمحمد ابن أبي عون الكاتب:
غنيت بمشيتها عن الأغصان ... حسناء يلعب حبّها بجناني
وبدت تفضّ العتب عن خاتامه «1» ... وتجول فيه بناظر ولسان
رفقا بقلب قلّ ما قلّبته ... إلّا على شعل من النيران
مصارع العشاق 2/73
158 فرأيك في سح الدموع موفقا
أنشدنا أبو القاسم علي بن المحسّن التنوخي، قال: أنشدني قاضي القضاة أبو عبد الله الحسين بن علي بن جعفر بن ماكولا «1» ، لأبي بكر الخوارزمي الطبري «2» ، من طبرية الشام، من تشبيب قصيدة في الصاحب أبي القاسم بن عباد «3» :
يفلّ غدا جيش النوى عسكر اللقا ... فرأيك في سحّ الدموع موفّقا
ولما رأيت الإلف يعزم للنوى ... عزمت على الأجفان أن تترقرقا
وخذ حجّتي في ترك جسمي سالما ... وقلبي، ومن حقيهما أن يخرّقا
يدي ضعفت عن أن تخرّق جيبها ... وما كان قلبي حاضرا فيمزّقا
مصارع العشاق 1/90
159 زائر متهالك
أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسّن «1» قال: أخبرنا علي بن عيسى الرماني «2» ، قال: أخبرني ابن دريد «3» ، قال: أنشدنا عبد الرحمن «4» عن عمه «5» ، لأبي المطراب العنبري:
أيا بارقي مغنى بثينة أسعدا ... فتى مقصدا بالشوق فهو عميد
ليالي منّا زائر متهالك ... وآخر مشهور كواه صدود
على أنه مهدي السلام وزائر ... إذا لم يكن ممّن يخاف شهود
وقد كان في مغنى بثينة لو رنت ... عيون مها تبدو لنا وخدود
مصارع العشاق 1/310
160 أسائل عنها كل ركب
أخبرنا القاضيان أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي «1» ، وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، قالا: حدثنا أبو عمر بن حيويه الخزاز، قال: حدثنا محمد بن خلف، قال حدثني أبو عبد الله التميمي، قال: حدثنا أبو الوضاح الباهلي، عن أبي محمد اليزيدي، قال: حدثنا عبد الله بن عمر بن عتيق عن عامر بن عبد الله ابن الزبير قال:
خرجت أنا ويعقوب بن حميد بن كاسب، قافلين من مكة، فلما كنّا بودّان «2» ، لقيتنا جارية من أهل ودّان. فقال لها يعقوب: يا جارية، ما فعلت نعم؟
فقالت: سل نصيبا.
فقال: قاتلك الله، ما رأيت كاليوم قط، أحدّ ذهنا، ولا أحضر جوابا منك. وإنّما أراد يعقوب قول نصيب «3» في نعم، وكانت تنزل ودّان:
أيا صاحب الخيمات من بطن أرثد «4» ... إلى النخل من ودّان ما فعلت نعم
أسائل عنها كلّ ركب لقيتهم ... وما لي بها من بعد مكّتنا علم
مصارع العشاق 2/49
161 أفق عن بعض لومك
أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي التوزي، وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، قالا: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه، قال: حدثنا محمد بن خلف، قال: حدثنا أبو الفضل قاسم بن سليمان الإيادي، عن عبد الرحمن بن عبد الله «1» ، قال:
أخبرني مخبر، أنه رأى أسود ببئر ميمون «2» ، وهو يمتح من بئر، ويهمس بشيء لم أدر ما هو، فدنوت منه، فإذا بعضه بالعربية، وبعضه بالزنجيّة، ثم تبيّنت ما قال، فإذا هو:
ألا يا لائمي في حب ريم ... أفق عن بعض لومك لا اهتديتا
أتأمرني بهجرة بعض نفسي ... معاذ الله أفعل ما اشتهيتا
أحب لحبها تئليم طرّا ... وتكعة والمشكّ وعين زيتا
فقلت: ما هذه؟ فقال: رباع كانت لنا بالحبشة، كنا نألفها، قال:
قلت: أحسبك عاشقا. قال: نعم، قلت: لمن؟ قال: لمن إن وقفت رأيته.
فما لبثنا ساعة، إذ جاءت سوداء على كتفها جرّة، فضرب بيده عليها، وقال: هذه هي، قال: قلت له: ما مقامك هاهنا؟ قال: اشتريت، فأوقفت على هذا القبر أرشه. فأنا أبرّد من فوق، وربّك يسخّن من أسفل.
مصارع العشاق 2/57
162 أين المفر
أخبرنا القاضيان أبو الحسين أحمد بن علي التوزي «1» ، وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، قالا: حدثنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، قال: حدثنا محمد بن خلف، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن سليمان، قال: حدّثنا القحطبي، قال: أخبرنا بعض الرواة، قال:
بينا أنا يوما على ركيّ «2» قاعد، وذلك في أشد ما يكون من الحر، إذا أنا بجارية سوداء، تحمل جرّة لها، فلما وصلت إلى الركيّ، وضعت جرتها، ثم تنفست الصعداء، فقالت:
حرّ هجر، وحرّ حب، وحرّ ... أين من ذا وذا يكون المفرّ
وفي رواية أخرى: أيّ حر من بعد هذا أضرّ؟ وملأت الجرة، وانصرفت.
فلم ألبث إلّا يسيرا، حتى جاء أسود، ومعه جرّة، فوضعها بحيث وضعت السوداء جرّتها، فمر به كلب أسود، فرمى إليه رغيفا كان معه، وقال:
أحبّ لحبها السودان حتى ... أحبّ لحبها سود الكلاب
مصارع العشاق 2/36
163 كذاك العاشقون
أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي «1» ، بقراءتي عليه، وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، قراءة عليه، قالا: أخبرنا أبو عمر بن حيويه الخزاز، قال: حدثنا محمد بن خلف، قال: أخبرنا عبد الله بن شبيب»
، قال: أخبرني الزبير بن بكار، قال: حدثني محمد بن الحسن، قال: حدثني هبيرة بن مرة القشيري، قال:
كان لي غلام يسوق ناضحا «3» ، ويرطن بالزنجية، بشيء يشبه الشعر، فمرّ بنا رجل يعرف لسانه، فاستمع له، ثم قال: هو يقول:
فقلت لها إنّي اهتديت لفتية ... أناخوا بجعجاع «4» قلائص «5» سهّما «6»
فقالت: كذاك العاشقون ومن يخف ... عيون الأعادي يجعل الليل سلّما
مصارع العشاق 2/7
164 لا تكن ملحاحا
أنبأنا أبو القاسم علي بن أبي علي التنوخي «1» ، قال: أخبرنا أبو عمر محمد ابن العباس «2» قال: حدّثنا أبو بكر محمد بن خلف المحوّلي «3» ، إجازة، قال:
حدثني سعيد بن عمر بن علي البيروذي «4» ، قال: حدثني علي بن المختار، قال:
حدثني القحذمي «5» ، قال:
هوي رجل من أهل البصرة، امرأة فضني من حبها، حتى سقط على الفراش، وكان إذا جنّه الليل، صاح بأعلى صوته:
كم ترى بيننا وبين الصباح
فإذا أكثر، هتف به هاتف من جانب البيت:
ألف عام، وألف عام تباعا ... غير شك، فلا تكن ملحاحا
قال: فأقام الرجل على علّته سنين، ثم أبل من علّته.
مصارع العشاق 1/247
165 في القلب صدوع
أخبرنا التنوخي «1» ، قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس «2» ، قال: حدثنا محمد بن خلف «3» ، قال: أنشدني أبو علي البلدي الشاعر، للمجنون:
لئن نزحت دار بليلى لربما ... غنينا بخير والزمان جميع
وفي النفس من شوق إليك حزازة ... وفي القلب من وجد عليك صدوع
مصارع العشاق 2/90
166 مساكين أهل العشق
أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين، وأبو القاسم علي بن المحسن ابن علي، قالا: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، قال: حدّثنا محمد ابن خلف، قال: أخبرني جعفر بن علي اليشكري، قال: أخبرني الرياشي «1» ، قال: أخبرني العتبي «2» ، قال:
دخل نصيب «3» على عبد العزيز بن مروان «4» ، فقال له: هل عشقت يا نصيب؟
قال: نعم، جعلني الله فداك، ومن العشق أقلّتني إليك البادية.
قال: ومن عشقت؟
قال: جارية لبني مدلج، فأحدق بنا الواشون، فكنت لا أقدر على كلامها إلا بعين أو إشارة، فأجلس على الطريق، حتى تمرّ بي، فأراها، ففي ذلك أقول:
جلست لها كيما تمرّ لعلّني ... أخالسها التسليم إن لم تسلّم
فلما رأتني والوشاة تحدرت ... مدامعها شوقا ولم تتكلّم
مساكين أهل العشق ما كنت أشتري ... حياة جميع العاشقين بدرهم
مصارع العشاق 2/51
167 كلب يحمي عرض سيده
وممّن أفسد الصديق بحرمته، فقام الكلب بنصرته، ما أخبرونا عن أبي الحسن المدائني «1» يرفعه عن عمرو بن شمر، قال:
كان للحارث بن صعصعة، ندمان لا يفارقهم، شديد المحبة لهم، فعبث أحدهم بزوجته، فراسلها، وكان للحارث كلب رباه، فخرج الحارث في بعض متنزهاته، ومعه ندماؤه، وتخلف عنه ذلك الرجل، فلما بعد الحارث عن منزله، جاء نديمه إلى زوجته، فأقام عندها يأكل ويشرب، فلما سكرا واضطجعا، ورأى الكلب أنه قد ثار على بطنها، وثب الكلب عليهما فقتلهما.
فلما رجع الحارث إلى منزله، ونظر إليهما عرف القصة، ووقف ندمانه على ذلك، وأنشأ يقول:
وما زال يرعى ذمّتي ويحوطني ... ويحفظ عرسي والخليل يخون
فوا عجبا للخل يهتك حرمتي ... ويا عجبا للكلب كيف يصون
قال: وهجر من كان يعاشره، واتخذ كلبه نديما وصاحبا، فتحدث به العرب، وأنشأ يقول:
فللكلب خير من خليل يخونني ... وينكح عرسي بعد وقت رحيلي
سأجعل كلبي ما حييت منادمي ... وامنحه ودي وصفو خليلي
فضل الكلاب على من لبس الثياب 25
168 الحبشاني وصفراء العلاقمية
أخبرنا التوزي «1» ، والتنوخي «2» ، قالا: حدثنا أبو عمر محمد بن العباس «3» ، حدثنا محمد بن خلف «4» ، قال: وذكر بعض الرواة عن العمري:
كان أبو عبد الله الحبشاني، يعشق صفراء العلاقمية، وكانت سوداء، فاشتكى من حبها، وضني حتى صار إلى حد الموت، فقال بعض أهله، لمولاها: لو وجهت صفراء إلى أبي عبد الله الحبشاني، فلعله يعقل إذا رآها، ففعل، فلما دخلت إليه صفراء، قالت: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟
قال: بخير، ما لم تبرحي.
قالت: ما تشتهي؟
قال: قربك.
قالت: فما تشتكي؟
قال: حبك.
فقالت: أفتوصي بشيء؟
قال: نعم، أوصي بك، إن قبلوا مني.
فقالت: إني أريد الانصراف.
قال: فتعجّلي ثواب الصلاة عليّ. فقامت، فانصرفت.
فلما رآها مولّية، تنفّس الصعداء، ومات من ساعته.
مصارع العشاق 2/50
169 كلب يقتل زوجة سيده وخليلها
وذكر ابن دأب، قال «1» :
كان للحسن بن مالك الغنوي «2» ، أخوان، وندمان، فأفسد بعضهم محرما له، وكان له على باب داره كلب قد رباه، فجاء الرجل يوما إلى منزل الحسن، فدخل إلى امرأته.
فقالت له: قد بعد، فهل لك في جلسة يسرّ بعضنا ببعض فيها؟.
فقال: نعم.
فأكلا وشربا، ووقع عليها.
فلما علاها وثب الكلب عليهما، فقتلهما.
فلما جاء الحسن، ورآهما على تلك الحال، تبيّن ما فعلا فأنشأ يقول:
قد أضحى خليلي بعد صفو مودتي ... صريعا بدار الذلّ أسلمه الغدر
يطا حرمتي بعد الإخاء وخانني ... فغادره كلبي وقد ضمه القبر
فضل الكلاب على من لبس الثياب 25
170 دفع درهمين فأفاد أربعة آلاف دينار
أخبرنا القاضيان أبو الحسين أحمد بن علي التوزي، وأبو القاسم عليّ ابن المحسّن التنوخي، قالا: حدثنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، حدثنا محمد بن خلف المحولي، قال: أخبرني أبو الفضل الكاتب، عن أبي محمد العامري، قال: قال إسماعيل بن جامع «1» :
كان أبي يعظني في الغناء، ويضيّق عليّ، فهربت إلى أخوالي باليمن، فأنزلني خالي غرفة له، مشرفة على نهر في بستان، فإني لمشرف منها، إذ طلعت سوداء معها قربة، فنزلت إلى المشرعة، فجلست، فوضعت قربتها، وغنّت:
إلى الله أشكو بخلها وسماحتي ... لها عسل منّي وتبذل علقما
فردّي مصاب القلب أنت قتلته ... ولا تتركيه هائم القلب مغرما
وذرفت عيناها، فاستفزني ما لا قوام لي به، ورجوت أن تردّه، فلم تفعل، وملأت القربة، ونهضت.
فنزلت أعدو وراءها، وقلت: يا جارية بأبي أنت وأمي، ردّي الصوت.
قالت: ما أشغلني عنك.
قلت: بماذا؟
قالت: عليّ خراج، كل يوم درهمان.
فأعطيتها درهمين، فتغنّت وجلست حتى أخذته، وانصرفت، ولهوت يومي ذلك، وكرهت أن أتغنّى الصوت، فأصبحت وما أذكر منه حرفا واحدا. وإذا أنا بالسوداء قد طلعت، ففعلت كفعلها الأول، إلّا أنها غنّت غير ذلك الصوت.
فنهضت وعدوت في إثرها، فقلت: الصوت قد ذهبت عليّ منه نغمة.
قالت: مثلك لا تذهب عليه نغمة، فتبيّن بعضه ببعض، وأبت أن تعيده إلّا بدرهمين، فأعطيتها ذلك، فأعادته، فتذكرته.
فقلت: حسبك.
قالت: كأنّك تستكثر فيه أربعة دراهم، كأنّي والله بك، وقد أصبت به أربعة آلاف دينار.
قال ابن جامع: فبينا أنا أغنّي الرشيد يوما، وبين يديه أكياس، في كلّ كيس ألف دينار، إذ قال: من أطربني فله كيس، فغنيته الصوت، فرمى لي بكيس.
ثم قال: أعد، فأعدت، فرمى لي بكيس.
وقال: أعد، فأعدت، فرمى لي بكيس، فتبسمت.
فقال: ما يضحكك؟.
قلت: يا أمير المؤمنين لهذا الصوت حديث أعجب منه، وحدّثته الحديث.
فضحك، ورمى إليّ الكيس الرابع، وقال: لا نكذّب قول السوداء.
فرجعت بأربعة آلاف دينار.
مصارع العشاق 2/38
171 وقد جلبت عيني عليّ الدواهيا
أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسّن، قال: حدثنا أبو عمر محمد بن العباس، قال: حدثنا أبو بكر بن المرزبان، إجازة، قال: حدثني محمد بن علي عن أبيه علي، عن ابن دأب، قال:
عشق فتى، جارية لأخته، وكان سبب عشقه إيّاها، أنّه رآها في منامه، فأصبح مستطارا عقله، ساهيا قلبه.
فلم يزل كذلك حينا، لا يزداد إلّا حبا ووجدا، حتى أنكر ذلك أهله، وأعلموا عمّه بما هو فيه، فسأله عن حاله، فلم يقرّ بشيء، وقال: علّة أجدها في جسمي، فدعا له أطباء الروم، فعالجوه بضروب من العلاج، فلم يزده علاجهم إلّا سوءا، وامتنع عن الطعام والكلام.
فلما رأوا ذلك منه، أجمعوا على أن يوكّلوا به امرأة، فتسقيه الخمر حتى يبلغ منه دون السكر، فإن ذلك يدعوه إلى الكلام والبوح بما في نفسه، فعزم رأيهم على ذلك، وأعلموا عمّه ما اتفقوا عليه، فبعث إليه بقينة يقال لها:
حمامة، ووكّل به حاضنة كانت له.
فلما شرب الفتى، غنّت الجارية قدّامه، فأنشأ يقول:
دعوني لما بي وانهضوا في كلاءة ... من الله قد أيقنت أن لست باقيا
وأن قد دنا موتي وحانت منيّتي ... وقد جلبت عيني عليّ الدواهيا
أموت بشوق في فؤادي مبرّح ... فيا ويح نفسي من به مثل ما بيا
قال: فصارت الحاضنة والقينة إلى عمه، فأخبرتاه الخبر، فاشتدت له رحمته، فتلطف في دس جارية من جواريه إليه، وكانت ذات أدب وعقل، فلم تزل تستخرج ما في قلبه، حتى باح لها بالذي في نفسه، فصارت السفيرة فيما بينه وبين الجارية، وكثرت بينهما الكتب، وعلمت أخته بذلك، فانتشر الخبر، فوهبتها له، فبرأ من علته، وأقام على أحسن حال.
مصارع العشاق 2/27
* كتاب (نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة)
المؤلف: المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم داود التنوخي البصري، أبو علي (المتوفى: 384هـ)
صورة مفقودة