أحمد عمر - نكاح السكرتيرات

هذا المقال ليس بحثاً منهجيا في نكاح السكرتيرات"العِيْن" ( قال مجاهد: الحور العين التي يحار فيهن بادياً مخ ساقهن من وراء ثيابهن، ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهن كالمرآة من رقة وصفاء اللون) ، ونذكّر بأنّ مصطلح "جهاد النكاح" أفكٌ اخترع للانتقام من الفقه السني، أو للاعتذار عن نكاح المتعة، وتبريره، وتبقى الإساءة إلى الثورة السورية وتبخيسها واحداً من أغراض شياطين الأنس والجن، وغرضهم أنّ ثمت نكاحاً عند الطائفة الأم أشد سوءاً من نكاح المتعة، وكان يمكن توجيه تهمة السبي إلى الثورة السورية " السنّية"، لكن المغرضين اخترعوا ذلك الوصف العجيب، فالسبي، وإن كان سبّة عصرية فإنه يجعل المرأة زوجة بحقوق أقل، ولاحقاً "أم ولد"..

الحال أنّ ثمت نكاحاً علمانياً شائعاً بلا عقد، من غير نقد أو اعتراض ، مع راتب شهري، اسمه "الفني" هو "سكرتيرات المتعة"، وللمتعة درجات، وهذا المقال قد يتضامن من حيث لا يقصد الإساءة إلى هذه المهنة، التي تحتكرها النساء الجميلات عادة، مع أنّ الأولى أن يكون أمين السر رجلاً، فالنساء أقل كتماناً من الرجال، فإن كانت أمينة السر غير جميلة، زادت ثرثرتها ( يمكن اتهام صاحب السطور بالذكورية ) فنحن نعتذر من الأخيرة سلفاً ومؤقتاً إلى أن تثبت الدارسات النفسية أمراً غير ما قلناه. وعلى منتهى علمي أنّه لا يوجد فيلم كوميدي اسمه "خياط للسكرتيرات" مثل فيلم دريد ونهاد المعروف أو "الزوجة رقم 13" لفحل الشاشة العربية رشدي أباظة وشادية، لكني من خلال خبرتي الضئيلة في الحياة وجدت دائماً أنّ السكرتيرة تذكرني بواحد من أجمل وأعمق الكتب في حياتي، وهو كتاب فاطمة المرنيسي " شهرزاد ترحل إلى الغرب"، الذي يبرهن على أنّ الغرب يقتني الجواري والإماء، ويطلق عليهن اسماً ناعماً غشاشاً هو السكرتيرات !

ولأنّ الخازوق بالخازوق يذكر، أتذكر مديري المتخرج من جامعات بريطانيا، مثل رئيسي تماماً ، وكان أسوأ مدير رأيته في حياتي، كما كان الرئيس أسوأ رئيس شهدته سوريا على مرِّ تاريخها، ومُرّه، كأنّه واحد من عصابة "توتو وعلي الأربعين حرامي"، الشهادة بريطانية، لكن السلوك لص مكسيسكي! كلما دخلت عليه، بعد الوقوف ساعات حتى قبول منة المثول بين يديه؛ وجدت عنه "رزقا"! وجدت السكرتيرة، وساقها التي يظهر فيها "مخي" ، تزيده ربع متر طولاً ، واقفة فوق رأسه،وصور الرئيس العشرة فوق رأسه ، وشعرها يغمره مثل شلال ينبع من جبال هيمالايا، وعيناه تتناوبان بين شكاوى العمال الدامية، وبين صدرها الاستراتيجي الشامل وهو يتدلى عليه ليوقع على مصائر العمال! أو ينظر إلى ردفها وهو يموج كموج البحر، حين يطلب منها إحضار أحد الملفات، فتمشي الخيزلى، ويشعر واحد من الرعية المسكينة مثلي، "؛ بالعجز، وألم المحبسين ، الوطن والعمل، ثم ما لبثت أن استقالت سوريا، وشعبها أرخى سدوله من الخريطة، بسبب: نكاح السكرتيرات النضالي!

قبلها بعشرين سنة، أخبرتني حسناء، أنّها "تعمل ولا تعمل"؟ هل هذه حزروة؟ اشرحي لنا مولاتي؟ وشرحت قائلة أنّها تقبض عشرة آلاف ليرة ( أجرة عشرة موظفين درجة أولى وقتها) مقابل حضورها في مكتب تجاري، تقلّم براثنها، وتعضّ على العناب بالبرد !!

انتقل أحد معارفي أيضاً، من مصحح لغوي، إلى مدير "مركز في القضايا الإستراتيجية"، واشترى مكتبا في وسط عاصمة الأمويين، ليس لمدِّ الجسور بين التاريخ والحاضر وإنما لفضح عيوب خالد بن الوليد ! والبرهان المرة تلو المرة أنّه اغتصب زوجة مالك بن نويرة ! ومن النافل القول أنّه من حزب المتعة الفارسي الاشتراكي، ومن المقاومين والممانعين، في زيارتين له في مكتبه، وجدت أنّه "طلق" سكرتيرتين، وفي كل زيارة كنت أمثل دور الضيف المحترف، عندما تناوله السكرتيرة الحسناء فنجان القهوة، وكأنّ قضايا السكرتيرات "العين" الاستراتيجية أمر عادي ومألوف ما دام الغريم هو خالد بن الوليد، وأحاول اختلاس النظر إليها بعيني الثالثة، محاولاً تقدير "جمال القضايا الإستراتيجية"، والأبحاث التي يجريها المصحح اللغوي سابقاً، وفيما إذا كان قتلها بحثاً وتمحيصاً، وأصل في الحكمة من تصريف الزمان، ومقاديرها، أنّ السلطان يحوّل الإنسان الذي أكرمه الله إلى قرد استراتيجي يحتفل بعيد فلانطاين وعيد المرأة ويغير السكرتيرات مثل علب الدخان، كما حوّل الحرائر إلى متسولات في شوارع دمشق.

خرجت من مبنى جريدة الدومري، التي كنت أبني عليها طموحات شخصية ووطنية، فتحطمت كلها، وجدت أمامي سورية شامية حسناء تقترب مني، ظننتها للوهلة الأولى نجمة سورية معروفة تمثل دوراً في فيلم، لكنها اقتربت وطلبت مني حسنة لله يا محسنين؟! تلفت حولي، ليس من كاميرا خفية؟ شرحت لي بكلمات قليلة، أنّ زوجها عسكري، وراتبه لا يكفي، وأولادها جوعى، في هذا الوقت، كان صوت المتسول الدمشقي الشهير مستغيثا بلوعة وإنشاد: جوعاااان والله جوعاااااااااان.

لاحظتُ أنّ الوقت صباحي مبكر للعمل في التسول! ومنعتني الكاميرا الخفية الداخلية من طرح الأسئلة المحرمة أخلاقياً، مثل: ألا يمكن أن تعمل سكرتيرة مثلاً ؛ تجلس، وتقلم براثنها وتعضّ على لحم القضايا الاستراتيجية بالبرد؟ تصدقت عليها بمبلغ سقط في يدها مثل حجر في قعر جرة فخار مثقوبة، نظرت إليه باحتقار، وكأنها تقول لي: حسناء وزوجها عسكري، ومبكرة من فلق الصبح، وهذا المبلغ التافه!!.. خجلت من المبلغ، تلّفت حولي مرة ثانية، خوفاً من كاميرا خفية، مبنى رئاسة الوزراء على بعد أمتار على يميني، مبنى الدومري من ورائي، نحن في شارع "الباكستان"، وصوت المتسول الدمشقي يعلو ويخفت: جوعاااااان والله جوعاااان.. تلفت حولي مرة ثانية، نهر السيارات في الشارع، سيارات كثيرة تجرُّ غمامات الدخان جراً، وأشجار تتحرك ( إذا استعرنا كلمات زرقاء اليمامة)، فتذكرت قول الشاعر العربي مالك بن الريب الذي رثى نفسه، وليس مالك بن نويرة ، وأنا أنظر إليها وإلى طولها الذي يعلو قامتي بكعب من الكعوب الحادة، والكعب من أسماء الرمح، وأنا أشفق على مصيرها المحتوم، فأرى مع زرقاء اليمامة، الأشجار تجري سراعاً كأنها حمير مذعورة من أسد جائع ، ثم صوت المتسول، وهو يبتهل لإلحاق الدنيا ببستان هشام : جوعااااااان والله جوعاااااااااااااااااان .
 
أعلى