نقوس المهدي
كاتب
باب في
الغزل المؤنث
" فصل في حل قول هرون الرشيد "
ملك الثلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان
مالي تطاوعني البرية كلها ... وطيعهن وهن في عصاني
ما ذاك الا ان سلطان الهوى ... وبه قوين اعز من سلطاني
الغياث الغياث. من مملوكات ثلاث. اخذن قلبي كله. وملكن امري دقة وجله. وحللن مني محل العضو من الجسد.والخلب من الكبد. والناس يطيعونني. وانا اطيعهن ويعصينني والبلاد والعباد في ملكي وملكي وهن يملكنني. وما ذاك الا لان سلطاني دون سلطان الهوى. وذل الحب يغلب عز المولى. والله المستعان واليه المشتكى " آخر في حل قول ابي نواس "
يا قمرا ابصرت في مأتم ... تندب شجوا بين اتراب
تبكي فتلقى الدر من نرجس ... وتلطم الورد بعناب
رتعت عيني في روض الانس. وضرة الشمس ورأت قمرالارض. وتمثال الحسن المحض. في مأتم تحولت عرسا بها. ومحاسن الدنيا في ثيابها. وهي تندب بين اترابها. وتبكي فتنثر الدر من النرجس. وتلطم بالورد بالعناب المونس. فياله من منظر انيق بالتعجب منه حقيق.
" آخر في حل قول ابن ثوابه "
اتتني تؤنبني بالبكا ... فأهلا بها وبتأنيبها
تقول وفي قولها حشمة ... أتبكي بعين تراني بها
فقلت إذا استحسنت غيركم ... أمرت الدموع بتأديبها
أتتني الأنسانة الفتانه. وكأنها البدر قرط بالثريا. ونيط بها عقد من الجوزا. فطفقت تقوم وتقعد بتأنيبي. وتنجد وتغور في تقريعي. وتلوموني على العين الباكية. والدموع بالدماء الجارية. وتقول أتبكي بعين ترى بها وجهي وهو نزهة الابصار. وبدعة الامصار ومخجل الاقمار. وكأنه مائة الف دينار. فقلت لها إذا اشتغلت بسواكم. واستحسنت الا اياكم. أمرت الدموع بتاديبها وعركها. ولم ارخص لها في تركها. فانصرفت راضية ولم تعد شاكيه " آخر في حل قول ابي نواس "
وذات خد مورد ... قوهية المتجرد
تأمل العين منها ... محاسنا ليس تنفد
فبعضها يتناهى ... وبعضها يتولد
وكلما عدت فيها ... يكون لي العود أحمد
سبحان من بلاني بجارية تفتن بورد خدها واقحوان ثغرها. وتسحر بنرجس عينها ورمان صدرها. وتروق العيون بالشعر الأسود كما تشوق النفوس ببياض المتجرد ولا أزال أتأمل منها بمحاسن لا تنفد. بتكرر وتردد. فبعضها يبلغ أقصى النهايات وبعضها يتولد على الاوقات. وكلما عدت للنظر اليها كان العود احمد. وعيني بها تسعد. وان كان قلبي بها اشقى. وحبي لها اثبت وابقى. رزقني الله عطفها. وثنى الي عطفها
* باب في
الغزل المذكر
" رسالة في حل قول الصاحب "
غلام كالغزال والغزالة ... رأيت به هلالا في غلاله
كأن بياض غرته رشاد ... كأن سواد طرته ضلالا
كأن الله ارسله نبيا ... وصير حسنه أقوى دلاله
إذا ما زدت وصل زدت خبلا ... كأن حبال وصلك لي حباله
اعوذ بالله من فلان الشادن الفاتن. وطرفه الفاتر الساخر. فقد رأيت به الغزال والغزالة. والهلال في الغلالة. فلم يشبع من حسنه ناظري. ولم يرو منه خاطري. وشبهت غرته القمرية بالرشاد والايمان الغض. وطرته السجيه بالضلال والكفر المحض وحسبت ان الله ارسله نبيا. وهداه صراطا سويا. وجعل حسنه اقوى معجزاته واوضح دلالاته. ومما بليت به منه انه متى ما زادني قربا زدت حبا. وإذا زادني وصلا. زدت خبلا. فكأن حبال وصله حبالة لصيدي. وكأن مساعدته اياي زيادة في قيدي. لا عدمت هواه. والرضى بما يرضاه.
" اخرى في حل قول الصنوبري "
من اين للبدر يا غلام ... هذا التثني وذا القوام
أنت الذي لا حسام ما لم ... يسل من طرفك الحسام
شمس نهار ولا نهار ... بدر ظلام ولا ظلام
فمنك وصل ومنك هجر ... فذا حياوة وذا حمام
يا ليتنا ضمنا التقاء ... أو ليتنا ضمنا التزام
اين يا سيد للبدر التمام. مالك من القوام. الذي يقيم حجج عشاقك والشمائل التي تدير عليهم كؤس اشتياقك. واين له العين التي هي نزهة العيون. تسل سيف الملك مأمون بن مأمون. وما أنت الا شمس نهار والنهار ذاهب. وبدر ظلام والظلام غائب. وما وصلك الا الحياة. وهجرك الا الحيات فيا ليتني جنيت مرة من ثمارك. وسكرت من عقارك. والسلام " اخرى في حل قول ابن المعتز "
يا هلال تدور في فلك النا ... ورد رفقا بأعين النظارة
قف لنا في الطريق ان لم تزرنا ... وقفة في الطريق نصف الزيارة
ايها الغزال المتنقب بالورد. والهلال الدائر في فلك الناورد رفقا بالنظارة فقد حيرتهم بحسنك الظاهر. وملكتهم بطرفك الساحر. وقف للصديق. في الطريق. ان لم تجبه عند الاستزارة فالوقفة نصف الزيارة " اخرى في حل قول ابن طباطبا "
نفسي الفداء لغائب عن ناظري ... ومحله في القلب دون حجابه
لولا تمتع مقلتي بجماله ... لو هبتها لمبشري بايابه
فديت من غاب شخصه عن عيني. وانا اراه في مرآة من قلبي واناجيه بخاطري. حتى كأنه حاضري. ولولا تنزه عيني في روضة جماله واستمتاعها به عند وصاله. لجعلتها هدية لمن يبشرني باقترابه. ويجلي كربي بنسيم ايابه. والله اسال ان يطوي له بساط الارض حتى يدنو بعيدها. ويلين شديدها. بمشيئته وقدرته
باب في
خط العذار ومدحه وذمه
" فصل في حل قول البقري الكاتب "
أحرقت بالسواد فضة خدي ... ه فقد أحرقت سواد القلوب
" وقول الآخر "
وقد كنت ارجوانه حين يلتحى ... يخفف احزاني ويعقبني صبرا
فلما التحى واسود عارض خده ... تزايدت البلوى بواحدة عشرا
" وقول الآخر "
قالوا التحى فمحا محا ... سن وجهه نبت الشعر
الآن طاب وانما ... ذلك النهار على السحن
لولا سواد في القمر ... والله ما حسن القمر
سألتني أيدك الله عن الانسان الذي ملك عناني حين القلب فارغ. وحاز مودتي وظل الصبي صابغ. فخذ اليك الخبر واعلم انه لما احرفت بالشعر فضة خده. احترق سواد قلبي من حبه. وقد كنت ارجو ان تتفق السلوة. وتحدث النبوة. إذا استحال نور خده دجى وزمرد خطه سبجا. فحين لعب الربيع بخده. وأضاف البنفسج إلى ورده. تزايد حبي له. وتضاعف غرامي به. وما محاسن وجهه الشعر بل زاد حسنا بسواده البدر. وطاب الروض لما اشتمل عليه الزهر. والسلام " آخر في حل قول الآخر وهو البسامي "
يا من نعته إلى الاخوان لحيته ... ادبرت والناس اقبال وادبار
قد كنت ممن يهش الناظرون له ... خفض دونك الحاظ وابصار
ايام وجهك مصقول عوارضه ... وللربيع على خديك انوار
حانت منيته واسود عارضه ... كما تسود بعد الميت الدار
يا من مات وهو حي. وعاش وهو لا شيئ. قد نعاك الشعر إلى اخوانك ونسخ آية حسنك عند خلانك. فادبرت والناس بين اقبال وادبار واكسيت ثوبي خزى ودمار. وقد كنت ممن يهش له الناظر وتتعلق به الخواطر. فغصت دونك العيون منذ مسخ الشعر جمالك ونبت عنك القلوب إذا حول الزمان حالك. ولا انس إلا أنس ايامك والجنة مجتناة من قربك. وماء الحسن يترقق في وجهك وانوار الربيع عيال على خدك. فالآن حين حانت منيتك. وخابت امنيتك. وزال عنك ظل الحياة. وصرت رهن الفوات واسود عارضك كما تسود دور الاموات. والسلام
* باب يختم به الكتاب في ذكر الله تعالى
" فصل في حل قول الشاعر "
الحمد لله اللطيف بنا ... ستر القبيح وأظهر الحسنا
ما تنقضي من عنده منن ... الا يجدد ضعفها مننا
فلو اشتغلت بشكر تلك لما ... اصبحت باللذات مرتهنا
نحمد الله الذي هو بنا لطيف. وصنعه حوالينا مطيف. فهو يستر القبيح ويظهر الجميل. ويغفر الجليل ويهب الجزيل. وليست تنقضي منن منه الا جآءت اضعافها. ولا تبلى عشراتها الا تجددت آلافها ومن أجل نعمه علينا ومواهبه لدينا. سعادتنا بادراك ايا مولانا الملك المؤيد خوارزم شاه. ادامها الله. فهي تواريخ العدل والفضل. ومواقيت القول الفصل. والكرم الجزل. وحصولنا من حضرته العاليه في مستقر العليا. وجنة الدنيا ورؤيتنا به القمر الارضي. والملك المرضي. وخدمتنا منه نكتة العالم. وغرة بني آدم فلو اشتغلنا بشكر الله على ما مد علينا من ظل دولته. وارتعنا فيه من رياض نعمته. لما فارقت جباهنا السجود. ولما عرفنا الكأس والعود. ولما أصبحنا مرتهنين بطلب اللذات ما صحبتنا روح الحياة وحقيق علينا ان لا نطلق الالسن في ادبار الصلوات. الا باستدامة ملكه. ولا نرفع الايدي في مساجد الجماعات الا باستنزال نصره. والله يسمع ويستجيب انه قريب مجيب " فصل في حل قول ابن ابي عيينه "
لعمرك ما يدري الفتى كيف يتقي ... نوائب هذا الدهر ام كيف يحذر
يرى الشيئ مما يتقي ويخافه ... وما لا يرى مما يقي الله اكثر
نوائب الدهر اكثر من نبات الارض وليس يدري انسان كيف يتصون عنها. ويأخذ حذره منها. وقد يرى ما يخشاه ويتوقاه وما لا يراه مما يقيه الله اياه. اعم واكثر. وبالشكر اجدر. اليس بالامس قد نظر لعباده ووقاهم السوء في حافظ بلاده. الملك العادل خوارزم شاه. فحرس جسمه وعافاه. ومحا عنه أثر السقم وعفاه وأعفاه من معاناة الالم. وابقاه للملك والكرم. فيا لها من نعمة سبقت النعم. وكشفت الهموم ورفعت الهمم. وهو المسؤل ان يحفظ على الدنيا جمالها ببقائه. ويصرف صروف الدهر عنه إلى اعداءه " اخرى في حل قول ابي نواس "
سبحان من خلق الخل ... ق من ضعيف مهين
يسوقهم من قرار ... إلى قرار مكين
حتى بدت حركات ... مخلوقه من سكون
سبحان من خلق النفس الشريفة من الماء المهين. وسقاه إلى القرار المكين. وسبحان من خلق مأمون بن مأمون رحمه لخلقه وحجة في ارضه. وجمع فيه من الفضائل ما فرق في غيره. وقسم الحسن بين خلقه وخلقه. والشرف بين طبعه واصله. والكرم بين قوله وفعله. وان من اعطاه مالا يحصى ولا ينسى من الفضائل والمحاسن. قادر على ان يملكه ما لا يحد ولا يعد من الممالك والخزائن. اللهم افعل ذلك واجعل على صورته القمرية وسيرته العمرية وهمته العلوية. وآثار قلمه اللؤلؤية. واقية باقية. وارزقه عيشة راضية. في عزلا يبرح سامقا. وقدر لا يزال موافقا. برحمتك يا ارحم الراحمين " اخرى في حل قول وهيب الحميري "
واني لارجو الله حتى كأنني ... ارى بجميل الظن ما الله صانع
لست اكاد اخلو من الرجا. الفسيح الارجا. وانما ارجو الله السميع لراجيه. القريب ممن يناجيه. حتى كأني ارى بجميل الظن. ما لي عنده من جزيل المن. وان يجري مولانا الملك المؤيد خوارزم شاه على افضل ما وعدت به الطوالع السعيدة ودلت عليه البشائر الحميدة من علو السلطان. ورفعة الشأن ونفاذ الأمر. وطول العمر وعز الراية وادراك الغاية حتى يملك ما طلعت الشمس عليه. وانتهى هبوب الريح اليه. اللهم انظر للمالك بذلك حتى تكون قد افضت الخير ودواعيه. وحسمت الشر وعواديه. وانمت الانام في ظل العادل ووسعتهم بالاحسان والفضل. انك اكرم مسؤل. وأفض مأمول تم كتاب نثر النظم وحل العقد " بسم الله الرحمن الرحيم " عونك اللهم على شكر نعمتك في ملك كملك. وبحر في قصر. وبدر في دست. وغيث يصدر عن ليث. وعالم في ثوب عالم. وسلطان بين حسن وإحسان
لولا عجائب صنع الله ما نبتت ... تلك الفضائل في لحم ولا عصب
هذه صفة تغني عن التسيمة. ولا تحوج الى التكنية. اذ هي مختصة بمولانا الأمير السيد الملك المؤيد ولي النعم أبي العباس مأمون بن مأمون خوارزم شاه مولى أمير المؤمنين أدام الله سلطانه. وحرس عزه ومكانه. وخالصة له دون الورى. وجامعة لديه محاسن الدنيا. اللهم فكما فضلته على عبادك بالفضائل التي لا تحصى. والفواضل التي لا تنسى. ففضله بطول العمر. ودوام الملك. وايصال الصنع. ورغد العيش. وسكون الجاش. وعلو اليد. وسعادة الجد. وكفاية المهم. وازالة الملم. وانظر للمكارم والمعالي بالدفاع عن مهجته. وحراسة دولته. وتثبيت وطأته. برحمتك ياأرحم الراحمين وأكرم الاكرمين آمين. وصلواتك على النبي محمد وآله أجمعين. " ثم ان هذا " الكتاب خفيف الحجم. ثقيل الوزن. صغير الجرم. كبير الغنم. في الكنايات عما يستهجن ذكره. ويستقبح نشره. أو يستحيا من تسميته. أو يتطير منه. أو يترفع ويصان عنه. بألفاظ مقبولة تؤدي المعنى. وتفصح عن المغزى. وتحسن القبيح. وتلطف الكثيف. وتكسوه المعرض الانيق. في مخاطبة الملوك ومكاتبة المحتشمين. ومذاكرة أهل الفضل. ومحاورة ذوي المروءة والظرف. فيحصل المراد. ويلوح النجاح. مع العدول عما ينبو عنه السمع. ولا يأنس به الطبع. الى ما يقوم مقامه. وينوب منابه. من كلام تأذن له الاذن. ولا يحجبه القلب. وما ذلك الا من البيان في النفوس. وخصائص البلاغة. ونتائج البراعة. ولطائف الصناعة. وأراني لم أسبق الي تأليف مثله. وترصيف شبه. وترصيع عقده. من كتاب الله واخبار النبي صلى الله عليه وسلم. وكلام السلف. ومن قلائد الشعراء. ونصوص البلغاء. وملح الظرفاء. في انواع النثر والنظم. وفنون الجد والهزل. وقد كنت ألفته بنيسابور في سنة أربعمائة فأجرى ذكره على اللسان العالي أدام الله علاه وخرج الامر الممتثل ادام الله رفعته بانفاذ نسخة منه الى الخزانة المعمورة أدام الله شرفها أنشأتها نشأة أخرى وسبكته ثانية بعد أولى ووردت في تبويبه وترتيبه وتأنقت في تهذيبه وتذهيبه وترجمته " بكتاب الكناية والتعريض " وشرفته بالاسم العالي ثبته الله ما دامت الايام والليالي وأخرجته في سبعة ابواب يشتمل كل باب منها على عدة فصول مترجمة بمودوعاتها " فالباب الاول " في الكناية عن النساء والحرم وما يجري معهن ويتصل بذكرهن من سائر شؤنهن وأحوالهن وفصوله خمسة " والباب الثاني " في ذكر الغلمان ومن يقول بهم والكناية عن أوصافهم وأحوالهم وفصوله خمسة " والباب الثالث " في الكناية عن بعض فصول الطعام وعن المكان المهيأ له وفصوله أربعة " والباب الرابع " في الكناية عن المقابح والعاهات وفصوله اثنا عشر " والباب الخامس " في الكنايات عن المرض الشيب والكبر والموت وفصوله ثمانية " والباب السادس " فيما يوجبه الوقت والحال من الكناية عن الطعام والشراب وما يتصل بها في فصلين " والباب السابع " في فنون شتى من الكناية والتعريض مختلفة الترتيب وفصوله سبعة وها انا أفتتح سياقها وأوفيها حقوقها وشرائطها بعون الله تعالى ودولة مولانا الملك السيد ولي النعم خوارزم شاه ثبتها الله وادامها " بسم الله الرحمن الرحيم " " الباب الأول .. في الكناية عن النساء والحرم وما يجري معهن ويتصل بذكرهن من سائر شؤنهن واحوالهن "
" فصل في الكناية عن المرأة "
العرب تكنى عن المرأة بالنعجة والشاة والقلوص والسرحة والحرث والفراش والعتبة والقارورة والقوصرة والنعل والغل والقيد والظلة والجارة وبكلها جاءت الاخبار ونطقت الاشعار " فاما " الكناية بالنعجة فقد أوضح القرآن في قصة داود عليه السلام " ان هذا اخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة " أي إمرأة " وأما " الكناية بالشاة فكما قال عنترة العبسي
يا شاة ما قنص لمن حلت له ... حرمت على وليها لم تحرم
فكنى عن امرأة وقال اي صيد أنت لمن يحل له ان يصيدك فأما أنا فان حرمة الجوار قد حرمتك على " وأما " الكناية بالقلوص فكما كتب رجل من مغزي كان فيه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوصيه بنسائه
الا أبلغ أبا حفص رسولا ... فدالك من أخي ثقة ازاري
قلائصنا هداك الله إنا ... شغلنا عنكم زمن الحصار
" وأما " الكناية بالسرحة وهي شجرة فكما قال حميد بن ثور
أبى الله الا أن سرحة مالك ... علي كل أفنان العضاه تروق
وانما كنى عن امرأة مالك بسرحة مالك أحسن كناية وعبر عن اتقانها في الحسن على سائر الغواني أحسن عبارة وقد سلك طريقته في هذه الكناية من قال
ومالي من ذنب اليهم علمته ... سوى انني قد قلت يا سرحة اسلمي
نعم فاسلمي ثم اسلمي ثمت اسلمى ... ثلاث تحيات وان لم تكلمي
وانما تقع مثل هذه الكناية عمن لا يجسرون على تسميتها أو يتذممون من التصريح بها كما قال الشاعر
واني لا كنى عن قذور بغيرها ... وأعرب أحيانا بها فأصرح
" وأما الحرث " فمنه قول الشاعر والقاه على طريق الألغاز
إذا أكل الجراد حروث قوم ... فحرني همه أكل الجراد
يعني - بحرثه - امرأة وفي القرآن " نساؤكم حرث لكم " " وأما الفراش " فقد قال الله تعالى في وصف الجنة " وفرش مرفوعة " يعني النساء الا تراه يقول على أثرها " إنا أنشأناهن انشاء فجعلناهن أبكارا " " وروي " عن بعضهم انه قال لرجل أراد أن يتزوج استؤثر فراشك أي تخير السمينة من النساء " وأما " العتبة ففي قصة ابراهيم عليه السلام زار ابنه اسماعيل عليه السلام فوافق حضوره غيبته عن المنزل فقدمت عليه امراته وأخبرته بحاله ولن تعرض عليه القرى فقال لها قولي لابني ان اباك يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تغير عتبتك فلما رجع اسماعيل عليه السلام وقصت عليه المرأة القصة وأدت اليه الرسالة طلقها في الساعة امتثالا لأمر أبيه لان قوله غير عتبتك كناية عن طلاقها والاستبدال بها " وأما " الكناية بالقارورة فمن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائق الابل التي عليها نساؤه رفقا بالقوارير " واما الكناية " بالقوصرة فمنها قول الراجز
أفلح من كانت له قوصرة ... يأكل منها كل يوم مره
" وأما النعل " فمنها قول عمر رضي الله تعالى عنه المرأة نعل يلبسها الرجل إذا شاء لا إذا شاءت هي " وأما الغل " فمنه قول بعض الحكماء من العرب وهو يذكر النسا ومنهن الودود والولود القعود ومنهن غل يضعه الله في عنق من يشاء ويفكه عمن يشاء " وأما القيد " فمنه قول أبي الحسن الجوهري الجرجاني من قصيدة في الصاحب يذكر استعداده للسير إلى حضرته ويكنى عن طلاق امرأته
جوادي قدامي وذيلي مشمر ... وقلبي من شوق يجيئ ويذهب
وقد كنت معقولا بأهلي مقيدا ... وها أنا من ذاك العقال مسيب
وعلى ذكر الطلاق فاني استحسن واستطرف جدا ما كتبه ابن العميد في الكناية عن حلف بعض الملوك بالطلاق وهو قوله في فصل من كتاب حلف يمينا سمي فيها حرائره " وأما الظلة " فهي عند بعض الكوفيين أصيلة وعند بعضهم مكنية وكذلك الحليلة وينشد
واني محتاج إلى موت ظلتي ... ولكن متاع السوء باق معمر
" وأما الجارة " ففيها يقول الاعشى أجارتنا بيني فانك طالق " ومن احسان " المتني المشهور قوله لسيف الدولة وقد أوقع ببني كلاب وسبى نساءهم ثم ردهن عليهم
ولو أن الامير سبى كلابا ... عداه عن شموسهم الضباب
وانما كني عن النساء بالشموس وعن المحاماة دونهن بالضباب والعرب قد تكنى أيضا عن النساء بالجآذر والظباء والمها والبقر " وأتى النعمان " بن المنذر بهذه الكناية وكان فيها دمه وذلك انه كان وتر زيد بن عدي اذ قتل أباه عدي بن زيد وزيد ترجمان الملك ابرويز وكان يتربص بالنعمان الدوائر ويبغي له الغوائل ولما علم ميل الملك إلى النساء وصف له بنات النعمان واشار عليه بخطبتهن وهو يعرف امتناعه من تزويج العجم لما في نفسه من النخوة فارسل اليه رسولا في الخطبة فقال النعمان أما للملك غنية ببقر العراق عن هؤلاء الاعرابيات السود وترجم زيد هذه اللفظة بالفارسية وقبح المعنى وأساء المحضر وقال انه يعير الملك بنيك البقر فأمر ابرويز باشخاص النعمان والقائه إلى الفيلة حتى خبطته بارجلها وأتت على بقيته.. ومما لا نهاية لحسنه كناية النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة الحسناء في المنبت السوء اياكم وخضراء الدمن " فصل في الكنايات عن الحرم " " لما نقل " ابو الحسن خمارويه بن طولون والى مصر ابنته المسماة قطر الندى إلى المعتضد كتب اليه يذكره حرمة سلفها بسلفه ويصف ما يرد عليها من ابهة الخلافة وروعة السلطان ووحشة الغربة ويساله ايناسها وبسطها وتقريبها فأراد الوزير عبيد الله بن سليمان ان يجيب عن الكتاب بخطه فسأله جعفر بن محمد بن ثوابة أن يعتمد عليه في الجواب ففعل فكتب جعفر بن محمد كتابا قال في فصل منه..وأما الوديعة أعزك الله فهي بمنزلة ما انتقل من شمالك الي يمينك ضنامنا بها وحيطه لها ورعاية لمودتك غفيها قلما عرضه على الوزير عبيد الله ارتضاه جدا وقال له كنايتك عنها بالوديعة نصف البلاغة ووقع له بالزيادة في جراياته واقطاعاته " ولما كانت " أيام عز الدولة بن معز الدولة ونقل ابنته إلى عمدة الدولة أبى ثعلب الحمداني كتب غنه أبو اسحاق الصابي إلى أبي ثعلب كتابا استحسنه أهل الصناعة وتحفظوا منه هذا الفصل لاشتماله على عدة كنايات لطيفة ونسخته.. وقد توجه ابو النجم بدر الحرمى وهو الامين على ما يلحظه الوفي بما يحفظه نحوك يا سيدي ومولاي أدام الله عزك بالوديعة وانما ثقلت من وطن إلى سكن ومن مغرس إلى معرس ومن مأوئ مري والعطاف إلى مثوى كرامة والطاف وهي بضعة مني حصلت لديك وثمرة من جنى قلبي انفصلت اليك وما بان عني من وصلت حبله بحبلك وتخيرت له بارع فضلك ويوأته المنزل الرحب من جميل خلائقك وأسكنته الكنف الفسيح من كريم شيمك وطرائفك ولا ضياع على ما تضمنه أمانتك وتشتمل عليه صيانتك.. قال مؤلف الكتاب وكثيرا ما يكنى ابن العميد والصاحب والصابي وعبد العزيز بن يوسف وهم بلغاء العصر وافراد الدهر عن البنت بالكريمة وعن الصغيرة بالريحانة وعن الام بالحرة والبرة وعن الاخت بالشقيقة وعن الزوجة بكبيرة البيت وعن الحرم بمن وراء الستر وعن الزفاف بتأليف الشمل واتصال الحبل ولو كتبت الفصول المتضمنة لهذه الكنايات لا متد نفس الباب وفيما أوردته من هذه النكت كفاية " وحدثني " أبو النصر محمد بن عبد الجبار العتبي قال لما توفيت والدة الأمير الرضي أبي القاسم نوح ابن منصور احتاج خالي أبو النصر العتبي إلى مكاتبة الحضرة في التعزية عنها فلم يرتض لفظة الام والوالدة في ذكرها فكتب كتابا قال في فصل منه وقد قرع الاسماع نفوذ قضاء الله فيمن كان البيت المعمور ببقائها مصعد الدعوات المقبولة ومهبط البركات المأمولة فارتضاه كتاب الحضرة وتحفظوه " فصل في الكناية عن عورة المرأة " أنشدني أبو القاسم الرسوري لبعض العرب
وإذا الكريم أضاع مطلب أنفه ... أو عرسه لكريهة لم يغضب
" والعرب " تقول ان الجنين إذا تمت أيامه في الرحم وأراد الخروج منه طلب بانفه الموضع الذي يخرج منه فقال لي الاستاذ ابو بكر الطبري انظر كيف لطف هذا الشاعر بحذفه للكناية عن فرج الام بقوله مطلب انفه " ومعنى " البيت ان الرجل متى لم يحم فرج أمه أو امراته لم يغضب من شيئ يؤتي اليه بعد ذلك.. وقال الصاحب في رسالته الموسومة بالتلبيه على مساوى شعر المتنبي قد كانت الشعراء تصف المآزر وتكني بها عما وراءها تنزيها لالفاظها عما يستبشع ذكره حتى تخطي هذا الشاعر المطبوع إلى التصريح الذي لم يهتد اليه غيره فقال
اني على شغفي بما في خمرها ... لأعف عما في سرا ويلاتها
وكثير من العهر أحسن من هذه العفافة " ومما " يستحسن للحجاج قوله لام عبد الرحمن ابن محمد بن الاشعث عمدت إلى مال الله فوضعته تحت ذيلك لانه كره أن يقول تحت استك كما تقوله العامة خوفا من ان يكون قد جازف كما عيب به عبد الله بن الزبير لما قال لامرأة عبد الله حارم أخرجي المال الذي تحت استك فقالت ما ظننت أحدا بلى شيئا من أمور المسلمين فيتكلم بهذا فقال بعض الحاضرين أما ترون إلى الخلع الخفي الذي أشارت اليه " وقال " أبو منصور الازهري في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اتيان النساء في محاشهن انها كناية عن ادبارهن وأصلها من الحش " وقال " الجاحظ في قول الله عز وجل اسمه والذين هم لفروجهم حافظون. وقوله وريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها انها كناية عن العورة ولما كثر في الكلام قال بعض المفسرين انه يحتاج إلى كناية فقال في قوله تعالى وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا انها كناية عن الفروج كأنه لم يعلم ان كلام الجلد من أعجب العجب ولو كان كذلك لقال عند ذكر الفروج والذين هم لجلودهم حافظون ولقال ومريم ابنة عمران التي أحصلت جلدها " وروي " الفقهاء ان رفاعة طلق امراته فتزوجت برجل يقال له عبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي وجر الباء ثم شكته الى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت ان الذي معه كهدية الثوب فقال النبي صلى الله عليه وسلم أن تراجعي رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك فانظر الى لطافة هذا الكلام وكثرة رونقه وحسن كنايته عن العورة والنكاح بالعسيلة التي هي تصغير العسل وهو يذكر ويؤنث " وذهب " من أنكر تأنيثه الي انه تصغير عسلة يقال عسلة وعسل كما يقال تمرة وتمر " ومن نادر " الكناية وجيدها قول ابي حكيمة راشد بن اسحق الكاتب في فنه الذي شهر من قصيدة
ثم فما عندك خير يرتجى ... أيها الاير القليل المنفعه
طالما جدلت فرسان الوغى ... وافتتحت القلعة الممتنعه
وتقحمت مطامير الهوى ... فعرفت الضيق منها والسعه
وعهدي بالاستاذ الطبري ينشد هذه الابيات ويعجب من جودتها في معناها ويقول ان من يكنى عن الاحراح والفقاح بمطامير الهوى لمن شياطين الانس الذين سخر لهم الكلام حتى قادوه بألين " زمم دمما يليق " بهذا الفصل قول البحتري في رجل تزوج قينة
تزوجها بعد احراقها ... قلوب الندامى واقلاقها
فكيف انبسطت ولم تنقيض ... لاجلاسها مع عشاقها
اذا كنت تمكن من حبها ... فانك تمكن من ساقها
" فصل يتصل به في الكناية عن عورة الرجل "
قال النبي صلى الله عليه وسلم من تعزي بعزاء الجاهلية فاعضوه بهن أبيه ولا تكنوا وقال عليه الصلاة والسلام من وقاه الله شر ما بين فكيه ورجليه دخل الجنة.. وقال الشاعر في مثل هاتين الكنايتين
وعضوين للأنسان لا عظم فيهما ... هما سببا اصلاحه وفساده
إذا صلحا كان الصلاح لديهما ... وان فسدا لم يحظ يوم معاده
وقد كنى عنها عبد العزيز بن محمد السوسي بالبلبلة فقال من قصيدة
وحين قامت على بلبلتي ... ولم أجد خيلة تبلبلت
يكنى عن جلد عميرة وعميرة كناية وكذلك القضيب والطومار قال ابو نعامة
زرت أخاكم يا بني صالح ... فلم يزل بنشر طومار
حتى اذا اخشوشن في كفه ... أدخله مصيدة الفار
" وقال دعبل "
يا من يقلب طومارا وينشره ... ماذا بقلبك من حب الطوامير
فيه مشابه من شيئ كلفت به ... طولا بطول وتدويرا بتدوير
ومن كنايات ابن الرومي في هذا الباب قوله يهجو شخصا
ما مر من يوم عليه وليلة ... الا وبعض غلامه في بعضه
" وأنشدني أبو الفتح البستي لنفسه "
وذات دل اذا لا حظت صورتها ... رجعت عنها بقلب جد مفتون
تزور عني بنون الصدغ حين رأت ... امام لهوي يقرا سورة النون
ولقد ملح في الجمع بين النونين وطرف في الكناية عن متاعه بامام اللهو وعن عوجاجه وقلة انتصابه بقراءة سورة النون وانما شبهه بسورة النون المعروفة " وكانت " جنان المدنية تكنى عن متاع الرجل بمفتاح اللذة وفي كتاب ملح النوادر أن رجلا رواد امرأة عذراء عن عذرتها فقالت هذه ختم الله فقال واشار الي متاعه وهذا مفتاح الله " ومن الكنايات " الجيدة في هذا الباب فلان عفيف الازار وفلان طاهر الذيل اذا كان عفيف الفرج " وقلت " في كتاب المبهج من عف ازاره خفت أوزاره وانما يكنى بالازار عما وراءه كما قالت امرأة من العرب
النازلين بكل معترك ... والطيبين معاقد الازر
وما احسن كنايات زيادة بن زيد عن عفة الفرج وشرف المنكح بقوله
فلما بلغنا الامهات وجدتم ... بني عمكم كانوا كرام المضاجع
" فصل " في الكناية عما يجري بين الرجال والنساء من اتباع الشهوة والتماس اللذة وطلب النسل لا أحسن ولا أجمل ولا ألطف من عناية الله تعالى عن ذلك بقوله " وقد أفضى بعضكم الى بعض " وقوله عز ذكره " فلما تغشاها " وقوله " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " وقوله " فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم " وقوله " فأتوا حرثكم أنى شئتم وقوله " فما استمتعتم به منهن
" وقوله في الكناية عن طلب ذلك حكاية عن يوسف عليه السلام " هي راودتني عن نفسي " فسبحان الله ما اجمع كلامه للمحاسن واللطائف وما أظهر أثر الاعجاز على انجازه وبسطه في معناه ولفظه " ومما " جاء في حسن الكناية عن النكاح في شعر الجاهلية قول الاعشى
وفي كل يوم أنت جاشم غزوة ... تشد لاقصاها عزيم عزائكا
مورثة مالا وفي الحي رفعة ... لما ضاع فيها من قروء نسائكا
القروء ههنا الاطهار لان الممدوح لما كان كثير الغزو ولم يغش النساء للغيبة عنهن في مغازيه أضاع اطهارهن " وقد زعم نقاد " الشعر ان هذه الكناية لطيفة دالة على حذق الشاعر بصنعته " وعندي " ان ضياع اطهار نساء الملوك ليس مما يخاطبون به وكذلك قول الاخطل في بني مروان
قوم اذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو بآتت بأطهار
فانه على حسنه من فضول القول الذي لو رزق فضل السكوت عنها لحاز الفضيلة وما للشاعر ذكر حرم الملوك فضلا عما يجري لهم معهن..وأما قول الربيع بن زياد
أفبعد مقتل مالك بن زهير ... ترجو النساء عواقب الاطهار
فهو أيضا كناية عن النكاح بعد الطهر يقول أيرجون أن يحملن مثله في شرفه وكرمه والعرب تزعم ان أكثر ما تكون المرأة اشتمالا على الحبل بعد مواقعة الرجل إياها بعيد طهرها من حيضها فيكون الحمل عاقبة الطهر.. ويروي ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع ذات ليلة وهو يطوف امرأة تغني بهذين
تطاول هذا الليل وأزور جانبه ... وارقني ان لا خليل ألاعبه
فو الله لولا لا شيئ غيره ... لزعزع من هذا السرير جوانبه
فسئل عنها فقيل هي مغيبة وزوجها فلان خارج في بعض البعوث فأمر برده اليها وزعزعة السرير؟ كناية عن الزج العفيف " ومما " يقاربها قول أبي عثمان الخالدي من ؟؟ واذا الليل كف كل رقيب وعاذل صرت الفرش تحت قوم صرير المحامل ومن الكنايات عن النكاح الحلج وقد استعمله أبو نواس في قوله
ثم توركت على متنه ... كأنني طير على برج
وكان منا عبث ساعة ... واندفع الحلاج في الحلج
وللقاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني من قصيدة هزل ومداعبة
تبيت تحلج طول الليل منكمشا ... وباختيار ينادي ادركوا الفرقا
وقام عمرو فامنه أكف يد ... لما انثنى أو تحسى منهم المرقا
اذا هو امته مثل الرمح واتسعت ... كالترس وافق شن عندها طبقا
ومن ملح البحتري في هذه الكناية قوله
لم يخط باب الدهليز منصرفا ... الا وخلخالها مع الشنف
وهو مسروق من قول غيره
ترفق قليلا قد اوجعتني ... وألصقت قرطي بخلخاليا
وقد أخذ الاستاذ أبو بكر الطبري هذه الكناية وزاد فيها حيث قال
والشأن في ظنك الظن الجميل بها ... وطال ما أوجعت كنفي رجلاها
وانظر إلى كعبها تبصر به ندبا ... من طول ما خدش الكعبين قرطاها
وقال أيضا
كمسترق اللحاظ إلى عروس ... وعند سواه تضطرب الحجول
" وحكى " الصولي عن المكتفى في حديث له قال سهرت البارحة فذكرت بعض أدوية السهر فانست فنمت قال فقلنا له والله ما سمعنا بأحسن من هذه الكناية قط فقال والله ما سمعتها قبل وقتي هذا وانما ساقها اللفظ ودواء السهر كناية عن النكاح وعن السكر " وبلغني " عن ابن عمر القاضي انه كان لا يجلس للخصوم حتى ينال من الطعام والشراب ويلم بأهله احتياطا على دينه وتعففا بالحلال عما عساه تتوق نفسه اليه من الحرام إذا بدرت منه لحظة لمن عساها تتحاكم اليه من النساء الحسان " فقرأت " لابي اسحاق الصابي فصلا في هذا المعنى بعينه من كتاب عهد سلطاني لبعض القضاة تعجبت من حسن عبارته ولطف كنايته وهو وأمره أن يجلس للخصوم وقد نال من المطعم والمشرب طرفا يقف به عند أول الكفاية ولا يبلغ به إلى آخر النهاية وان يعرض نفسه على أسباب الحاجة كلها وعوارض البشرية بأسرها لئلا يلم به ملم أو يطيف به طائف فيحيلان عن رشده ويحولان بينه وبين سدده.. وهذه نسخة رقعة للصاحب في المداعبة تشتمل على كنايات حسنة من هذا الباب خبر سيدي أدام الله عزه وان كتمه مني واستأثر به دوني مصون عندي وقد عرفت ذلك في شربه وانسه وغناء الضيف الطارق وعرسه وكان ما كان مما لست أذكره وجري فأجرى مما لست أنشره وأقول ان سيدي امتطي الاشهب فكيف وجد ظهره وركب الطيار فكيف شاهد حربه وهل سلم على حزونة الطريق وكيف تصرف أفي سعة أم ضيق وهل أفرد بالحج وقال في الجملة بالكره ليتفضل بتعريفي الخبر فما ينفعه الانكار ولا يغني عنه الا الاقرار وأرجو أن يساعدنا الشيخ أبو مرة كما ساعده مرة فنصلى للقبلة التي صلى ونتمكن من الدرجة التي خطب عليها هذا وله فضل السبق إلى ذلك الميدان الكثير الفرسان " ومما يليق " بهذا الفصل فصل ذكره الازهري في كتب تهذيب اللغة فقال إذا أتى الرجل المرأة في غير مأتاها قيل حمض تحميضا تحول من مكان إلى مكان - والخلة - ما كان حلوا - والحمض - فاكهتها يقال أحمض القوم احماضا إذا أفاضوا فيما يؤنسهم من الحديث والفكاهة " ويروى " عن سعيد بن سيار انه قال لابن عمر ما تقول في التحميض قال وما التحميض قال أن يأتي الرجل المرأة في دبرها قال أو يفعل ذلك مسلم " وقال " غير الازهري من الكناية عن الجارية المشهية لذلك قولهم هي مالكية لما روى عن مالك بن أنس من إباحة ذلك " ومما " يستظرف لابي اسحق الصابي قوله
باتت وكل مصون ... لي من حماها مباح
في ليلة لم يعبها ... والله الا الصباح
" فصل في افتضاض العذرة " من طريف الكناية عن أخذ العذرة ما قرأته في أخبار بشار بن برد حين قال يزيد بن منصور في دار المهدي يا شيخ ما صناعتك قال ثقب اللؤلؤ وأرى الصاحب أخذ من قوله لابي العلاء الاسدي وقد دخل بأهله من أبيات
وقد مضي يومان من شهرنا ... فقل لنا هل ثقب الدر
وله يقول أيضا
قلبي على الجمرة يا با العلا ... فهل فتحت الموضع المقفلا
وهل فككت الكيس عن ختمه ... وهل كحلت الناظر الاحولا
ولابن العميد في هذا المعنى إلى ابي الحسن بن هندو
انعم أبا حسن صباحا ... وازدد بزوجتك ارتياحا
قد رضت طرفك خاليا ... فهل استلفت له جماحا
وطرقت منغلقا فهل ... سني الاله له انفتاحا
وأنشدني أبو الفضل الميكالي لنفسه في مداعبة كانت له بين أهله
أبا جعفر هل فضضت الصدف ... وهل اذ رميت أصبت الهدف
وهل جبت ليلا بلا حشمة ... لهول السرى سدفا في سدف
وأظن السابق إلي وصف الافضاض حماد عجرد حيث قال وأحسن
قد فتحنا الحصن بعد امتناع ... بمبيح فاتح للقلاع
ظفرت كفى بتفريق شمل ... جاءنا تفريقه باجتماع
فاذا شعبي وشعب حبيبي ... انما يلتام بعد انصداع
وليس بالبارد قول اليعقوبي
وهمتي مذ كنت في حل التكك ... ولم يزل يعجبني ثقب الفلك
وقول أبي عبد الله بن الحجاج
جميع ملكي صدقه ... لاكسرن الفستقه
لابد ان اطعن بال ... رمح صميم الدرقه
وان أمد الميل في ... جوف سواد الحدقه
لابد من أن يقع الزر ... فين وسط الحلقه
ومن مشهور ما يقع في هذا الفصل ما يروى أن ابن القرية قال للحجاج وقد بنى ببعض نسائه الأبكار باليمن والبركة وشدة الحركة والظفر في المعركة.. ومن ملح الكناية عن البكر قول بعضهم
قالوا عشقت صغيرة فأجبتهم ... أشهي المطي إلى ما لم يركب
كم بين حبة لؤلؤ مثقوبة ... لبست وحبة لؤلؤ لم تثقب
وقد ناقضه من قال
ان المطية لا يلذ ركوبها ... حتى تذلل بالزمام وتركبا
والدر ليس بنافع أصحابه ... حتى يعالج بالسموط ويثقبا
ومن حسن الكناية عنها قولهم فلانة بخاتم ربها " ويروي " أن شيخا من العرب تزوج بكرا فعجز عن افتضاضها فلما أصبحت سئلت عن حالها فأنشدت بيتا ما شئ أدل منه على العجز عن أخذ العذرة
تبيت المطايا حائرات عن الهدى ... إذا ما المطايا لم تجد من يقيمها
ومن عويص هذا الباب قول الشاعر لابي المدبر
أبوك أراد أمك حين زفت ... فلم يوجد لامك بنت سعد
يعني لم يوجد لها عذرة وبنت سعد عذرة بنت كعب " فصل في الكناية عن الحيض " قال بعض المفسرين في قول الله تعالى " فضحكت " انه كناية عن الحيض وقال النبي صلى اللله عليه وسلم فيما ذم من النساء انهن ناقصات عقل ودين ثم قال تدع الصلاة أحداهن شطر عمرها يكني عن الحيض " وحدثني " سهل بن المرزبان قال كنت أحضر أحيانا ببغداد مجلس عنان المسمعة وكان الافاضل كثيرا ما ينتابونها للسماع الفائق وكانت تبتدئ بالقرآن استفتاحا ببركته فتجيد جدا ثم تأخذ في شأنها فبينما أنا ذات يوم عندها إذا ابتدأت بالشعر فارتفعت اصوات الحاضرين باستعادة عادتها في الابتداء بالقرآن وهي ساكتة فلما عاودوها مرات قال لهم صاحب الستارة ليس يجوز لها أن تقرأ القرآن فلم يفطن لهذه الكناية أكثرهم حتى تبههم انه كنى عن حيضها " ويحكى " أن بوران بنت الحسن بن سهل لما زفت إلى المأمون حاضت من هيبة الخلافة في غير وقت الحيض فلما خلا بها المأمون ومد يده إلى تكتها قرأت أتي أمر الله فلا تستعجلوه ففطن لحاله وتعجب من كنايتها وازداد اعجابا بها " وما أشبه " وقوفه على كنايتها الا بحال ابي فراس الحمداني حيث قال
وكنى الرسول عن الجواب تطرفا ... ولئن كني فلقد علمنا ما عنى
وكنت أقرأ في شعر بن الحجاج والامير مفتصد في بيت لا مجال فيه لمعني فصد الامير ولا أفطن له إلى ان اذكر لي بعض السادة انه كناية عن الحيض بلسان المجان من اهل بغداد فخرج لي معنى البيت لولا فرط قذعه لا وردته ثم أنشدت ما يحقق معناه لبعض العصريين
مشيت علىدمي وركبت هولا ... على خطر وجد به المسير
إلى من بين ثوبيها الاماني ... وفي ازرارها القمر المنير
فلما ان خطبت الوصل منها ... حجبت وقيل قد فصد الامير
فيالك ثم يالك من فصاد ... تعوق لي به حج كبير
" فصل في الحبل "
مجاهد في قول الله تعالى " فمرت به " قال انه كناية عن الحبل وكثيرا ما تجري هذه الكناية في الفارسية.. وما احسن ما كنى به الفرزدق عن جارية له حبلي توفيت بقوله
وجفن سلاح قد رزئت فلم أنح ... عليه ولم أبعث عليه البواكيا
وفي جوفه من صارم ذي حفيظة ... لو ان المنايا انسأته لياليا
" وسمعت " أبا الفضل عبد الله بن أحمد الميكالي في المذاكرة يقول تقول العرب في الاستخبار عن الحبلى والكناية عن ولادتها أحلبت ناقتك أم أجلبت أي أتت بأنني فتحلب أم بذكر فتحلب للبيع
" وقرأت " في كتاب جراب الدولة أن قحبة قالت لسحاقة ما أطيب الموز تكنى عن الاير قالت نعم ولكن ينفخ البطن تكنى عن الحبل " فصل في نوادر وملح في كنايات هذا الباب " ههنا أبيات مشهورة متنازعة منسوبة إلى جماعة من الجواري والغلمان فمنهم قينة رآها صديق لها ولما بها استخشن العرض وتأذي بالشعرة فنبا عنها وهجرها ثم انها أصلحت من شأنها وكتبت اليه تقول
فديتك سهلت الطريق الذي اشتكى ... جوادك فيه للحفى من خشونته
فأصبح بعد الحزن ميدان لذة ... يجول كميت اللهوفيه للذته
فان كنت ذا عزم على ان تزورنا ... فبادر وعجل فالهلال ابن ليلته
ومن كناية مجان بغداد عن تلك الحال في فم القنينة ليف قال ابن الحجاج
أحن اذ رأيت الكس ليلا ... بجنبي وهو منتوف نظيف
ولست أعافه ان جاء يوما ... وفي فمه وأعلا الراس ليف
إذا سمط الخروف أكلت منه ... ولست أعافه وعليه صوف
" ويحكى " ان الوليد بن يزيد أراد امرأة من قريش على ما يفعل بالاماء فقالت
صاعد أمير المؤمنين صاعد ... لست كما اعتدت من الولائد
" ويحكى " أن بعض الاكاسرة خرج متصيدا فتفرد عن أصحابه فاذا بشيخ كبير يعمل في أرض له فقال له ياشيخ هلا أدلجت فيكون لك من يكفيك فقال أدلجت ولكن ضللت الطريق فقال له زه فلما تلاحق بالملك أصحابه أعطي الشيخ أربعة آلاف درهم " أراد " هلا نكحت وأنت شاب فيكون لك اليوم من يكفيك من أولادك وقوله أضللت الطريق يحتمل معنيين احدهما انه لم يتزوج شابة ولودة والآخر انه لم يتبع ما كتبه الله له " وحكى " المازني قال جلس نساء ظراف إلى بشار بن برد فتحدث وتحدثن ثم قلنا له لوددنا انك ابونا فقال على اني على دين كسري "
وسمعت " ابا نصر سهل بن المزرباني يقول في المذاكرة شئل بعض النساء التي كان عمر بن عبد الله بن ابي ربيعة يشبب بهن عن حالها معه فقالت لعن الله ذلك الفاسق جمعني واياه مكان كذا عن خلوة كذا فحللت منه بواد غير ذي زرع تكنى عن عجزه في النكاح " ولما قال " ابو الصمت وهو اعرف بالشعر لعلي بن الجهم
لعمرك ما جهم بن بدر بشاعر ... وهذا علي بعده يدعي الشعرا
ولكن ابي قد كان جارا لامه ... فلما ادعي الاشعار أوهمني امرا
استظرف الناس هذه الكناية وسار البيتان كل مسير فقال علي والله ما هو بابي عذرة هذا المعنى وانما نسج منوال ما دار بين الفرزدق وكثير فسئل عن ذلك فقال بلغني ان كثيرا أنشد لنفسه قصيدة استحسنها السامعون وفيهم الفرزدق فقال كثير يا ابا ضحوك هل كانت امك ترد البصرة فقال لا يا ابا فراس ولكن كان ابي كثيرا ما يردها " ومن " خبيث الهجاء المشتمل على التصريح قول ابي الحسن بن طبا طبا العلوي لابي علي بن رستم وكانت حرمته تتهم بآذريون غلامه
يا رستمى لقد لهوت ببركة ... أصبحت تحمي حسنها وتصون
والعرس لاهية ببركتها التي ... يجري اليها الماء آذريون
" سئل " رجل عن امرأة فقال فيهل خصلتان من خصال الجنة يكنى عن البرد والسعة " وحديثي
" ابو سعد نصر بن يعقوب فقال طلب رجل غريب ببغداد امرأة حسناء يتزوجها فقالت له دلالة عندي هنا امرأة كانها باقة نرجس فخطبها وتزوجها فلما دخل بها اذ هي عجوز دميمة فدعي بالدلالة وقرعها على كذبها فقلت ما كذبتك حين قلت كأنها باقة نرجس وانما كنيت عن صفرة وجهها وبياض شعرها وخضرة ساقها " ومن نوادر " ما كنى به عن المرأة الخائنة لفراش زوجها قول ابن الرومي ويقال لابي علي البصير
أنت يا شيخ نائم فتنبه ... وانتصحني فلست من غشاشك
لك أنثي تزيف في كل وكر ... وتر بي الفراخ في أعشاشك
والعامة تكنى عن استئناف العاشقة ومعاودة المواصلة بعد وقوع الفترة وحدوث السلوة بتسخين الازار كما كتب بعضهم لعشيقه له.
خلوت بذكركم إذ غاب عني ... رقيب كنت قد ما أتقيه
وبردت المقيل فدك نفسي ... وتسخين الأرز يطيب فيه
" وقال الآخر "
ولست أحب الرز أول طبخه ... فكيف أحب الرز وهو مسخن
* كتاب: رسائل الثعالبي
المؤلف : الثعالبي
.
الغزل المؤنث
" فصل في حل قول هرون الرشيد "
ملك الثلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان
مالي تطاوعني البرية كلها ... وطيعهن وهن في عصاني
ما ذاك الا ان سلطان الهوى ... وبه قوين اعز من سلطاني
الغياث الغياث. من مملوكات ثلاث. اخذن قلبي كله. وملكن امري دقة وجله. وحللن مني محل العضو من الجسد.والخلب من الكبد. والناس يطيعونني. وانا اطيعهن ويعصينني والبلاد والعباد في ملكي وملكي وهن يملكنني. وما ذاك الا لان سلطاني دون سلطان الهوى. وذل الحب يغلب عز المولى. والله المستعان واليه المشتكى " آخر في حل قول ابي نواس "
يا قمرا ابصرت في مأتم ... تندب شجوا بين اتراب
تبكي فتلقى الدر من نرجس ... وتلطم الورد بعناب
رتعت عيني في روض الانس. وضرة الشمس ورأت قمرالارض. وتمثال الحسن المحض. في مأتم تحولت عرسا بها. ومحاسن الدنيا في ثيابها. وهي تندب بين اترابها. وتبكي فتنثر الدر من النرجس. وتلطم بالورد بالعناب المونس. فياله من منظر انيق بالتعجب منه حقيق.
" آخر في حل قول ابن ثوابه "
اتتني تؤنبني بالبكا ... فأهلا بها وبتأنيبها
تقول وفي قولها حشمة ... أتبكي بعين تراني بها
فقلت إذا استحسنت غيركم ... أمرت الدموع بتأديبها
أتتني الأنسانة الفتانه. وكأنها البدر قرط بالثريا. ونيط بها عقد من الجوزا. فطفقت تقوم وتقعد بتأنيبي. وتنجد وتغور في تقريعي. وتلوموني على العين الباكية. والدموع بالدماء الجارية. وتقول أتبكي بعين ترى بها وجهي وهو نزهة الابصار. وبدعة الامصار ومخجل الاقمار. وكأنه مائة الف دينار. فقلت لها إذا اشتغلت بسواكم. واستحسنت الا اياكم. أمرت الدموع بتاديبها وعركها. ولم ارخص لها في تركها. فانصرفت راضية ولم تعد شاكيه " آخر في حل قول ابي نواس "
وذات خد مورد ... قوهية المتجرد
تأمل العين منها ... محاسنا ليس تنفد
فبعضها يتناهى ... وبعضها يتولد
وكلما عدت فيها ... يكون لي العود أحمد
سبحان من بلاني بجارية تفتن بورد خدها واقحوان ثغرها. وتسحر بنرجس عينها ورمان صدرها. وتروق العيون بالشعر الأسود كما تشوق النفوس ببياض المتجرد ولا أزال أتأمل منها بمحاسن لا تنفد. بتكرر وتردد. فبعضها يبلغ أقصى النهايات وبعضها يتولد على الاوقات. وكلما عدت للنظر اليها كان العود احمد. وعيني بها تسعد. وان كان قلبي بها اشقى. وحبي لها اثبت وابقى. رزقني الله عطفها. وثنى الي عطفها
* باب في
الغزل المذكر
" رسالة في حل قول الصاحب "
غلام كالغزال والغزالة ... رأيت به هلالا في غلاله
كأن بياض غرته رشاد ... كأن سواد طرته ضلالا
كأن الله ارسله نبيا ... وصير حسنه أقوى دلاله
إذا ما زدت وصل زدت خبلا ... كأن حبال وصلك لي حباله
اعوذ بالله من فلان الشادن الفاتن. وطرفه الفاتر الساخر. فقد رأيت به الغزال والغزالة. والهلال في الغلالة. فلم يشبع من حسنه ناظري. ولم يرو منه خاطري. وشبهت غرته القمرية بالرشاد والايمان الغض. وطرته السجيه بالضلال والكفر المحض وحسبت ان الله ارسله نبيا. وهداه صراطا سويا. وجعل حسنه اقوى معجزاته واوضح دلالاته. ومما بليت به منه انه متى ما زادني قربا زدت حبا. وإذا زادني وصلا. زدت خبلا. فكأن حبال وصله حبالة لصيدي. وكأن مساعدته اياي زيادة في قيدي. لا عدمت هواه. والرضى بما يرضاه.
" اخرى في حل قول الصنوبري "
من اين للبدر يا غلام ... هذا التثني وذا القوام
أنت الذي لا حسام ما لم ... يسل من طرفك الحسام
شمس نهار ولا نهار ... بدر ظلام ولا ظلام
فمنك وصل ومنك هجر ... فذا حياوة وذا حمام
يا ليتنا ضمنا التقاء ... أو ليتنا ضمنا التزام
اين يا سيد للبدر التمام. مالك من القوام. الذي يقيم حجج عشاقك والشمائل التي تدير عليهم كؤس اشتياقك. واين له العين التي هي نزهة العيون. تسل سيف الملك مأمون بن مأمون. وما أنت الا شمس نهار والنهار ذاهب. وبدر ظلام والظلام غائب. وما وصلك الا الحياة. وهجرك الا الحيات فيا ليتني جنيت مرة من ثمارك. وسكرت من عقارك. والسلام " اخرى في حل قول ابن المعتز "
يا هلال تدور في فلك النا ... ورد رفقا بأعين النظارة
قف لنا في الطريق ان لم تزرنا ... وقفة في الطريق نصف الزيارة
ايها الغزال المتنقب بالورد. والهلال الدائر في فلك الناورد رفقا بالنظارة فقد حيرتهم بحسنك الظاهر. وملكتهم بطرفك الساحر. وقف للصديق. في الطريق. ان لم تجبه عند الاستزارة فالوقفة نصف الزيارة " اخرى في حل قول ابن طباطبا "
نفسي الفداء لغائب عن ناظري ... ومحله في القلب دون حجابه
لولا تمتع مقلتي بجماله ... لو هبتها لمبشري بايابه
فديت من غاب شخصه عن عيني. وانا اراه في مرآة من قلبي واناجيه بخاطري. حتى كأنه حاضري. ولولا تنزه عيني في روضة جماله واستمتاعها به عند وصاله. لجعلتها هدية لمن يبشرني باقترابه. ويجلي كربي بنسيم ايابه. والله اسال ان يطوي له بساط الارض حتى يدنو بعيدها. ويلين شديدها. بمشيئته وقدرته
باب في
خط العذار ومدحه وذمه
" فصل في حل قول البقري الكاتب "
أحرقت بالسواد فضة خدي ... ه فقد أحرقت سواد القلوب
" وقول الآخر "
وقد كنت ارجوانه حين يلتحى ... يخفف احزاني ويعقبني صبرا
فلما التحى واسود عارض خده ... تزايدت البلوى بواحدة عشرا
" وقول الآخر "
قالوا التحى فمحا محا ... سن وجهه نبت الشعر
الآن طاب وانما ... ذلك النهار على السحن
لولا سواد في القمر ... والله ما حسن القمر
سألتني أيدك الله عن الانسان الذي ملك عناني حين القلب فارغ. وحاز مودتي وظل الصبي صابغ. فخذ اليك الخبر واعلم انه لما احرفت بالشعر فضة خده. احترق سواد قلبي من حبه. وقد كنت ارجو ان تتفق السلوة. وتحدث النبوة. إذا استحال نور خده دجى وزمرد خطه سبجا. فحين لعب الربيع بخده. وأضاف البنفسج إلى ورده. تزايد حبي له. وتضاعف غرامي به. وما محاسن وجهه الشعر بل زاد حسنا بسواده البدر. وطاب الروض لما اشتمل عليه الزهر. والسلام " آخر في حل قول الآخر وهو البسامي "
يا من نعته إلى الاخوان لحيته ... ادبرت والناس اقبال وادبار
قد كنت ممن يهش الناظرون له ... خفض دونك الحاظ وابصار
ايام وجهك مصقول عوارضه ... وللربيع على خديك انوار
حانت منيته واسود عارضه ... كما تسود بعد الميت الدار
يا من مات وهو حي. وعاش وهو لا شيئ. قد نعاك الشعر إلى اخوانك ونسخ آية حسنك عند خلانك. فادبرت والناس بين اقبال وادبار واكسيت ثوبي خزى ودمار. وقد كنت ممن يهش له الناظر وتتعلق به الخواطر. فغصت دونك العيون منذ مسخ الشعر جمالك ونبت عنك القلوب إذا حول الزمان حالك. ولا انس إلا أنس ايامك والجنة مجتناة من قربك. وماء الحسن يترقق في وجهك وانوار الربيع عيال على خدك. فالآن حين حانت منيتك. وخابت امنيتك. وزال عنك ظل الحياة. وصرت رهن الفوات واسود عارضك كما تسود دور الاموات. والسلام
* باب يختم به الكتاب في ذكر الله تعالى
" فصل في حل قول الشاعر "
الحمد لله اللطيف بنا ... ستر القبيح وأظهر الحسنا
ما تنقضي من عنده منن ... الا يجدد ضعفها مننا
فلو اشتغلت بشكر تلك لما ... اصبحت باللذات مرتهنا
نحمد الله الذي هو بنا لطيف. وصنعه حوالينا مطيف. فهو يستر القبيح ويظهر الجميل. ويغفر الجليل ويهب الجزيل. وليست تنقضي منن منه الا جآءت اضعافها. ولا تبلى عشراتها الا تجددت آلافها ومن أجل نعمه علينا ومواهبه لدينا. سعادتنا بادراك ايا مولانا الملك المؤيد خوارزم شاه. ادامها الله. فهي تواريخ العدل والفضل. ومواقيت القول الفصل. والكرم الجزل. وحصولنا من حضرته العاليه في مستقر العليا. وجنة الدنيا ورؤيتنا به القمر الارضي. والملك المرضي. وخدمتنا منه نكتة العالم. وغرة بني آدم فلو اشتغلنا بشكر الله على ما مد علينا من ظل دولته. وارتعنا فيه من رياض نعمته. لما فارقت جباهنا السجود. ولما عرفنا الكأس والعود. ولما أصبحنا مرتهنين بطلب اللذات ما صحبتنا روح الحياة وحقيق علينا ان لا نطلق الالسن في ادبار الصلوات. الا باستدامة ملكه. ولا نرفع الايدي في مساجد الجماعات الا باستنزال نصره. والله يسمع ويستجيب انه قريب مجيب " فصل في حل قول ابن ابي عيينه "
لعمرك ما يدري الفتى كيف يتقي ... نوائب هذا الدهر ام كيف يحذر
يرى الشيئ مما يتقي ويخافه ... وما لا يرى مما يقي الله اكثر
نوائب الدهر اكثر من نبات الارض وليس يدري انسان كيف يتصون عنها. ويأخذ حذره منها. وقد يرى ما يخشاه ويتوقاه وما لا يراه مما يقيه الله اياه. اعم واكثر. وبالشكر اجدر. اليس بالامس قد نظر لعباده ووقاهم السوء في حافظ بلاده. الملك العادل خوارزم شاه. فحرس جسمه وعافاه. ومحا عنه أثر السقم وعفاه وأعفاه من معاناة الالم. وابقاه للملك والكرم. فيا لها من نعمة سبقت النعم. وكشفت الهموم ورفعت الهمم. وهو المسؤل ان يحفظ على الدنيا جمالها ببقائه. ويصرف صروف الدهر عنه إلى اعداءه " اخرى في حل قول ابي نواس "
سبحان من خلق الخل ... ق من ضعيف مهين
يسوقهم من قرار ... إلى قرار مكين
حتى بدت حركات ... مخلوقه من سكون
سبحان من خلق النفس الشريفة من الماء المهين. وسقاه إلى القرار المكين. وسبحان من خلق مأمون بن مأمون رحمه لخلقه وحجة في ارضه. وجمع فيه من الفضائل ما فرق في غيره. وقسم الحسن بين خلقه وخلقه. والشرف بين طبعه واصله. والكرم بين قوله وفعله. وان من اعطاه مالا يحصى ولا ينسى من الفضائل والمحاسن. قادر على ان يملكه ما لا يحد ولا يعد من الممالك والخزائن. اللهم افعل ذلك واجعل على صورته القمرية وسيرته العمرية وهمته العلوية. وآثار قلمه اللؤلؤية. واقية باقية. وارزقه عيشة راضية. في عزلا يبرح سامقا. وقدر لا يزال موافقا. برحمتك يا ارحم الراحمين " اخرى في حل قول وهيب الحميري "
واني لارجو الله حتى كأنني ... ارى بجميل الظن ما الله صانع
لست اكاد اخلو من الرجا. الفسيح الارجا. وانما ارجو الله السميع لراجيه. القريب ممن يناجيه. حتى كأني ارى بجميل الظن. ما لي عنده من جزيل المن. وان يجري مولانا الملك المؤيد خوارزم شاه على افضل ما وعدت به الطوالع السعيدة ودلت عليه البشائر الحميدة من علو السلطان. ورفعة الشأن ونفاذ الأمر. وطول العمر وعز الراية وادراك الغاية حتى يملك ما طلعت الشمس عليه. وانتهى هبوب الريح اليه. اللهم انظر للمالك بذلك حتى تكون قد افضت الخير ودواعيه. وحسمت الشر وعواديه. وانمت الانام في ظل العادل ووسعتهم بالاحسان والفضل. انك اكرم مسؤل. وأفض مأمول تم كتاب نثر النظم وحل العقد " بسم الله الرحمن الرحيم " عونك اللهم على شكر نعمتك في ملك كملك. وبحر في قصر. وبدر في دست. وغيث يصدر عن ليث. وعالم في ثوب عالم. وسلطان بين حسن وإحسان
لولا عجائب صنع الله ما نبتت ... تلك الفضائل في لحم ولا عصب
هذه صفة تغني عن التسيمة. ولا تحوج الى التكنية. اذ هي مختصة بمولانا الأمير السيد الملك المؤيد ولي النعم أبي العباس مأمون بن مأمون خوارزم شاه مولى أمير المؤمنين أدام الله سلطانه. وحرس عزه ومكانه. وخالصة له دون الورى. وجامعة لديه محاسن الدنيا. اللهم فكما فضلته على عبادك بالفضائل التي لا تحصى. والفواضل التي لا تنسى. ففضله بطول العمر. ودوام الملك. وايصال الصنع. ورغد العيش. وسكون الجاش. وعلو اليد. وسعادة الجد. وكفاية المهم. وازالة الملم. وانظر للمكارم والمعالي بالدفاع عن مهجته. وحراسة دولته. وتثبيت وطأته. برحمتك ياأرحم الراحمين وأكرم الاكرمين آمين. وصلواتك على النبي محمد وآله أجمعين. " ثم ان هذا " الكتاب خفيف الحجم. ثقيل الوزن. صغير الجرم. كبير الغنم. في الكنايات عما يستهجن ذكره. ويستقبح نشره. أو يستحيا من تسميته. أو يتطير منه. أو يترفع ويصان عنه. بألفاظ مقبولة تؤدي المعنى. وتفصح عن المغزى. وتحسن القبيح. وتلطف الكثيف. وتكسوه المعرض الانيق. في مخاطبة الملوك ومكاتبة المحتشمين. ومذاكرة أهل الفضل. ومحاورة ذوي المروءة والظرف. فيحصل المراد. ويلوح النجاح. مع العدول عما ينبو عنه السمع. ولا يأنس به الطبع. الى ما يقوم مقامه. وينوب منابه. من كلام تأذن له الاذن. ولا يحجبه القلب. وما ذلك الا من البيان في النفوس. وخصائص البلاغة. ونتائج البراعة. ولطائف الصناعة. وأراني لم أسبق الي تأليف مثله. وترصيف شبه. وترصيع عقده. من كتاب الله واخبار النبي صلى الله عليه وسلم. وكلام السلف. ومن قلائد الشعراء. ونصوص البلغاء. وملح الظرفاء. في انواع النثر والنظم. وفنون الجد والهزل. وقد كنت ألفته بنيسابور في سنة أربعمائة فأجرى ذكره على اللسان العالي أدام الله علاه وخرج الامر الممتثل ادام الله رفعته بانفاذ نسخة منه الى الخزانة المعمورة أدام الله شرفها أنشأتها نشأة أخرى وسبكته ثانية بعد أولى ووردت في تبويبه وترتيبه وتأنقت في تهذيبه وتذهيبه وترجمته " بكتاب الكناية والتعريض " وشرفته بالاسم العالي ثبته الله ما دامت الايام والليالي وأخرجته في سبعة ابواب يشتمل كل باب منها على عدة فصول مترجمة بمودوعاتها " فالباب الاول " في الكناية عن النساء والحرم وما يجري معهن ويتصل بذكرهن من سائر شؤنهن وأحوالهن وفصوله خمسة " والباب الثاني " في ذكر الغلمان ومن يقول بهم والكناية عن أوصافهم وأحوالهم وفصوله خمسة " والباب الثالث " في الكناية عن بعض فصول الطعام وعن المكان المهيأ له وفصوله أربعة " والباب الرابع " في الكناية عن المقابح والعاهات وفصوله اثنا عشر " والباب الخامس " في الكنايات عن المرض الشيب والكبر والموت وفصوله ثمانية " والباب السادس " فيما يوجبه الوقت والحال من الكناية عن الطعام والشراب وما يتصل بها في فصلين " والباب السابع " في فنون شتى من الكناية والتعريض مختلفة الترتيب وفصوله سبعة وها انا أفتتح سياقها وأوفيها حقوقها وشرائطها بعون الله تعالى ودولة مولانا الملك السيد ولي النعم خوارزم شاه ثبتها الله وادامها " بسم الله الرحمن الرحيم " " الباب الأول .. في الكناية عن النساء والحرم وما يجري معهن ويتصل بذكرهن من سائر شؤنهن واحوالهن "
" فصل في الكناية عن المرأة "
العرب تكنى عن المرأة بالنعجة والشاة والقلوص والسرحة والحرث والفراش والعتبة والقارورة والقوصرة والنعل والغل والقيد والظلة والجارة وبكلها جاءت الاخبار ونطقت الاشعار " فاما " الكناية بالنعجة فقد أوضح القرآن في قصة داود عليه السلام " ان هذا اخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة " أي إمرأة " وأما " الكناية بالشاة فكما قال عنترة العبسي
يا شاة ما قنص لمن حلت له ... حرمت على وليها لم تحرم
فكنى عن امرأة وقال اي صيد أنت لمن يحل له ان يصيدك فأما أنا فان حرمة الجوار قد حرمتك على " وأما " الكناية بالقلوص فكما كتب رجل من مغزي كان فيه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوصيه بنسائه
الا أبلغ أبا حفص رسولا ... فدالك من أخي ثقة ازاري
قلائصنا هداك الله إنا ... شغلنا عنكم زمن الحصار
" وأما " الكناية بالسرحة وهي شجرة فكما قال حميد بن ثور
أبى الله الا أن سرحة مالك ... علي كل أفنان العضاه تروق
وانما كنى عن امرأة مالك بسرحة مالك أحسن كناية وعبر عن اتقانها في الحسن على سائر الغواني أحسن عبارة وقد سلك طريقته في هذه الكناية من قال
ومالي من ذنب اليهم علمته ... سوى انني قد قلت يا سرحة اسلمي
نعم فاسلمي ثم اسلمي ثمت اسلمى ... ثلاث تحيات وان لم تكلمي
وانما تقع مثل هذه الكناية عمن لا يجسرون على تسميتها أو يتذممون من التصريح بها كما قال الشاعر
واني لا كنى عن قذور بغيرها ... وأعرب أحيانا بها فأصرح
" وأما الحرث " فمنه قول الشاعر والقاه على طريق الألغاز
إذا أكل الجراد حروث قوم ... فحرني همه أكل الجراد
يعني - بحرثه - امرأة وفي القرآن " نساؤكم حرث لكم " " وأما الفراش " فقد قال الله تعالى في وصف الجنة " وفرش مرفوعة " يعني النساء الا تراه يقول على أثرها " إنا أنشأناهن انشاء فجعلناهن أبكارا " " وروي " عن بعضهم انه قال لرجل أراد أن يتزوج استؤثر فراشك أي تخير السمينة من النساء " وأما " العتبة ففي قصة ابراهيم عليه السلام زار ابنه اسماعيل عليه السلام فوافق حضوره غيبته عن المنزل فقدمت عليه امراته وأخبرته بحاله ولن تعرض عليه القرى فقال لها قولي لابني ان اباك يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تغير عتبتك فلما رجع اسماعيل عليه السلام وقصت عليه المرأة القصة وأدت اليه الرسالة طلقها في الساعة امتثالا لأمر أبيه لان قوله غير عتبتك كناية عن طلاقها والاستبدال بها " وأما " الكناية بالقارورة فمن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائق الابل التي عليها نساؤه رفقا بالقوارير " واما الكناية " بالقوصرة فمنها قول الراجز
أفلح من كانت له قوصرة ... يأكل منها كل يوم مره
" وأما النعل " فمنها قول عمر رضي الله تعالى عنه المرأة نعل يلبسها الرجل إذا شاء لا إذا شاءت هي " وأما الغل " فمنه قول بعض الحكماء من العرب وهو يذكر النسا ومنهن الودود والولود القعود ومنهن غل يضعه الله في عنق من يشاء ويفكه عمن يشاء " وأما القيد " فمنه قول أبي الحسن الجوهري الجرجاني من قصيدة في الصاحب يذكر استعداده للسير إلى حضرته ويكنى عن طلاق امرأته
جوادي قدامي وذيلي مشمر ... وقلبي من شوق يجيئ ويذهب
وقد كنت معقولا بأهلي مقيدا ... وها أنا من ذاك العقال مسيب
وعلى ذكر الطلاق فاني استحسن واستطرف جدا ما كتبه ابن العميد في الكناية عن حلف بعض الملوك بالطلاق وهو قوله في فصل من كتاب حلف يمينا سمي فيها حرائره " وأما الظلة " فهي عند بعض الكوفيين أصيلة وعند بعضهم مكنية وكذلك الحليلة وينشد
واني محتاج إلى موت ظلتي ... ولكن متاع السوء باق معمر
" وأما الجارة " ففيها يقول الاعشى أجارتنا بيني فانك طالق " ومن احسان " المتني المشهور قوله لسيف الدولة وقد أوقع ببني كلاب وسبى نساءهم ثم ردهن عليهم
ولو أن الامير سبى كلابا ... عداه عن شموسهم الضباب
وانما كني عن النساء بالشموس وعن المحاماة دونهن بالضباب والعرب قد تكنى أيضا عن النساء بالجآذر والظباء والمها والبقر " وأتى النعمان " بن المنذر بهذه الكناية وكان فيها دمه وذلك انه كان وتر زيد بن عدي اذ قتل أباه عدي بن زيد وزيد ترجمان الملك ابرويز وكان يتربص بالنعمان الدوائر ويبغي له الغوائل ولما علم ميل الملك إلى النساء وصف له بنات النعمان واشار عليه بخطبتهن وهو يعرف امتناعه من تزويج العجم لما في نفسه من النخوة فارسل اليه رسولا في الخطبة فقال النعمان أما للملك غنية ببقر العراق عن هؤلاء الاعرابيات السود وترجم زيد هذه اللفظة بالفارسية وقبح المعنى وأساء المحضر وقال انه يعير الملك بنيك البقر فأمر ابرويز باشخاص النعمان والقائه إلى الفيلة حتى خبطته بارجلها وأتت على بقيته.. ومما لا نهاية لحسنه كناية النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة الحسناء في المنبت السوء اياكم وخضراء الدمن " فصل في الكنايات عن الحرم " " لما نقل " ابو الحسن خمارويه بن طولون والى مصر ابنته المسماة قطر الندى إلى المعتضد كتب اليه يذكره حرمة سلفها بسلفه ويصف ما يرد عليها من ابهة الخلافة وروعة السلطان ووحشة الغربة ويساله ايناسها وبسطها وتقريبها فأراد الوزير عبيد الله بن سليمان ان يجيب عن الكتاب بخطه فسأله جعفر بن محمد بن ثوابة أن يعتمد عليه في الجواب ففعل فكتب جعفر بن محمد كتابا قال في فصل منه..وأما الوديعة أعزك الله فهي بمنزلة ما انتقل من شمالك الي يمينك ضنامنا بها وحيطه لها ورعاية لمودتك غفيها قلما عرضه على الوزير عبيد الله ارتضاه جدا وقال له كنايتك عنها بالوديعة نصف البلاغة ووقع له بالزيادة في جراياته واقطاعاته " ولما كانت " أيام عز الدولة بن معز الدولة ونقل ابنته إلى عمدة الدولة أبى ثعلب الحمداني كتب غنه أبو اسحاق الصابي إلى أبي ثعلب كتابا استحسنه أهل الصناعة وتحفظوا منه هذا الفصل لاشتماله على عدة كنايات لطيفة ونسخته.. وقد توجه ابو النجم بدر الحرمى وهو الامين على ما يلحظه الوفي بما يحفظه نحوك يا سيدي ومولاي أدام الله عزك بالوديعة وانما ثقلت من وطن إلى سكن ومن مغرس إلى معرس ومن مأوئ مري والعطاف إلى مثوى كرامة والطاف وهي بضعة مني حصلت لديك وثمرة من جنى قلبي انفصلت اليك وما بان عني من وصلت حبله بحبلك وتخيرت له بارع فضلك ويوأته المنزل الرحب من جميل خلائقك وأسكنته الكنف الفسيح من كريم شيمك وطرائفك ولا ضياع على ما تضمنه أمانتك وتشتمل عليه صيانتك.. قال مؤلف الكتاب وكثيرا ما يكنى ابن العميد والصاحب والصابي وعبد العزيز بن يوسف وهم بلغاء العصر وافراد الدهر عن البنت بالكريمة وعن الصغيرة بالريحانة وعن الام بالحرة والبرة وعن الاخت بالشقيقة وعن الزوجة بكبيرة البيت وعن الحرم بمن وراء الستر وعن الزفاف بتأليف الشمل واتصال الحبل ولو كتبت الفصول المتضمنة لهذه الكنايات لا متد نفس الباب وفيما أوردته من هذه النكت كفاية " وحدثني " أبو النصر محمد بن عبد الجبار العتبي قال لما توفيت والدة الأمير الرضي أبي القاسم نوح ابن منصور احتاج خالي أبو النصر العتبي إلى مكاتبة الحضرة في التعزية عنها فلم يرتض لفظة الام والوالدة في ذكرها فكتب كتابا قال في فصل منه وقد قرع الاسماع نفوذ قضاء الله فيمن كان البيت المعمور ببقائها مصعد الدعوات المقبولة ومهبط البركات المأمولة فارتضاه كتاب الحضرة وتحفظوه " فصل في الكناية عن عورة المرأة " أنشدني أبو القاسم الرسوري لبعض العرب
وإذا الكريم أضاع مطلب أنفه ... أو عرسه لكريهة لم يغضب
" والعرب " تقول ان الجنين إذا تمت أيامه في الرحم وأراد الخروج منه طلب بانفه الموضع الذي يخرج منه فقال لي الاستاذ ابو بكر الطبري انظر كيف لطف هذا الشاعر بحذفه للكناية عن فرج الام بقوله مطلب انفه " ومعنى " البيت ان الرجل متى لم يحم فرج أمه أو امراته لم يغضب من شيئ يؤتي اليه بعد ذلك.. وقال الصاحب في رسالته الموسومة بالتلبيه على مساوى شعر المتنبي قد كانت الشعراء تصف المآزر وتكني بها عما وراءها تنزيها لالفاظها عما يستبشع ذكره حتى تخطي هذا الشاعر المطبوع إلى التصريح الذي لم يهتد اليه غيره فقال
اني على شغفي بما في خمرها ... لأعف عما في سرا ويلاتها
وكثير من العهر أحسن من هذه العفافة " ومما " يستحسن للحجاج قوله لام عبد الرحمن ابن محمد بن الاشعث عمدت إلى مال الله فوضعته تحت ذيلك لانه كره أن يقول تحت استك كما تقوله العامة خوفا من ان يكون قد جازف كما عيب به عبد الله بن الزبير لما قال لامرأة عبد الله حارم أخرجي المال الذي تحت استك فقالت ما ظننت أحدا بلى شيئا من أمور المسلمين فيتكلم بهذا فقال بعض الحاضرين أما ترون إلى الخلع الخفي الذي أشارت اليه " وقال " أبو منصور الازهري في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اتيان النساء في محاشهن انها كناية عن ادبارهن وأصلها من الحش " وقال " الجاحظ في قول الله عز وجل اسمه والذين هم لفروجهم حافظون. وقوله وريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها انها كناية عن العورة ولما كثر في الكلام قال بعض المفسرين انه يحتاج إلى كناية فقال في قوله تعالى وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا انها كناية عن الفروج كأنه لم يعلم ان كلام الجلد من أعجب العجب ولو كان كذلك لقال عند ذكر الفروج والذين هم لجلودهم حافظون ولقال ومريم ابنة عمران التي أحصلت جلدها " وروي " الفقهاء ان رفاعة طلق امراته فتزوجت برجل يقال له عبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي وجر الباء ثم شكته الى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت ان الذي معه كهدية الثوب فقال النبي صلى الله عليه وسلم أن تراجعي رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك فانظر الى لطافة هذا الكلام وكثرة رونقه وحسن كنايته عن العورة والنكاح بالعسيلة التي هي تصغير العسل وهو يذكر ويؤنث " وذهب " من أنكر تأنيثه الي انه تصغير عسلة يقال عسلة وعسل كما يقال تمرة وتمر " ومن نادر " الكناية وجيدها قول ابي حكيمة راشد بن اسحق الكاتب في فنه الذي شهر من قصيدة
ثم فما عندك خير يرتجى ... أيها الاير القليل المنفعه
طالما جدلت فرسان الوغى ... وافتتحت القلعة الممتنعه
وتقحمت مطامير الهوى ... فعرفت الضيق منها والسعه
وعهدي بالاستاذ الطبري ينشد هذه الابيات ويعجب من جودتها في معناها ويقول ان من يكنى عن الاحراح والفقاح بمطامير الهوى لمن شياطين الانس الذين سخر لهم الكلام حتى قادوه بألين " زمم دمما يليق " بهذا الفصل قول البحتري في رجل تزوج قينة
تزوجها بعد احراقها ... قلوب الندامى واقلاقها
فكيف انبسطت ولم تنقيض ... لاجلاسها مع عشاقها
اذا كنت تمكن من حبها ... فانك تمكن من ساقها
" فصل يتصل به في الكناية عن عورة الرجل "
قال النبي صلى الله عليه وسلم من تعزي بعزاء الجاهلية فاعضوه بهن أبيه ولا تكنوا وقال عليه الصلاة والسلام من وقاه الله شر ما بين فكيه ورجليه دخل الجنة.. وقال الشاعر في مثل هاتين الكنايتين
وعضوين للأنسان لا عظم فيهما ... هما سببا اصلاحه وفساده
إذا صلحا كان الصلاح لديهما ... وان فسدا لم يحظ يوم معاده
وقد كنى عنها عبد العزيز بن محمد السوسي بالبلبلة فقال من قصيدة
وحين قامت على بلبلتي ... ولم أجد خيلة تبلبلت
يكنى عن جلد عميرة وعميرة كناية وكذلك القضيب والطومار قال ابو نعامة
زرت أخاكم يا بني صالح ... فلم يزل بنشر طومار
حتى اذا اخشوشن في كفه ... أدخله مصيدة الفار
" وقال دعبل "
يا من يقلب طومارا وينشره ... ماذا بقلبك من حب الطوامير
فيه مشابه من شيئ كلفت به ... طولا بطول وتدويرا بتدوير
ومن كنايات ابن الرومي في هذا الباب قوله يهجو شخصا
ما مر من يوم عليه وليلة ... الا وبعض غلامه في بعضه
" وأنشدني أبو الفتح البستي لنفسه "
وذات دل اذا لا حظت صورتها ... رجعت عنها بقلب جد مفتون
تزور عني بنون الصدغ حين رأت ... امام لهوي يقرا سورة النون
ولقد ملح في الجمع بين النونين وطرف في الكناية عن متاعه بامام اللهو وعن عوجاجه وقلة انتصابه بقراءة سورة النون وانما شبهه بسورة النون المعروفة " وكانت " جنان المدنية تكنى عن متاع الرجل بمفتاح اللذة وفي كتاب ملح النوادر أن رجلا رواد امرأة عذراء عن عذرتها فقالت هذه ختم الله فقال واشار الي متاعه وهذا مفتاح الله " ومن الكنايات " الجيدة في هذا الباب فلان عفيف الازار وفلان طاهر الذيل اذا كان عفيف الفرج " وقلت " في كتاب المبهج من عف ازاره خفت أوزاره وانما يكنى بالازار عما وراءه كما قالت امرأة من العرب
النازلين بكل معترك ... والطيبين معاقد الازر
وما احسن كنايات زيادة بن زيد عن عفة الفرج وشرف المنكح بقوله
فلما بلغنا الامهات وجدتم ... بني عمكم كانوا كرام المضاجع
" فصل " في الكناية عما يجري بين الرجال والنساء من اتباع الشهوة والتماس اللذة وطلب النسل لا أحسن ولا أجمل ولا ألطف من عناية الله تعالى عن ذلك بقوله " وقد أفضى بعضكم الى بعض " وقوله عز ذكره " فلما تغشاها " وقوله " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " وقوله " فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم " وقوله " فأتوا حرثكم أنى شئتم وقوله " فما استمتعتم به منهن
" وقوله في الكناية عن طلب ذلك حكاية عن يوسف عليه السلام " هي راودتني عن نفسي " فسبحان الله ما اجمع كلامه للمحاسن واللطائف وما أظهر أثر الاعجاز على انجازه وبسطه في معناه ولفظه " ومما " جاء في حسن الكناية عن النكاح في شعر الجاهلية قول الاعشى
وفي كل يوم أنت جاشم غزوة ... تشد لاقصاها عزيم عزائكا
مورثة مالا وفي الحي رفعة ... لما ضاع فيها من قروء نسائكا
القروء ههنا الاطهار لان الممدوح لما كان كثير الغزو ولم يغش النساء للغيبة عنهن في مغازيه أضاع اطهارهن " وقد زعم نقاد " الشعر ان هذه الكناية لطيفة دالة على حذق الشاعر بصنعته " وعندي " ان ضياع اطهار نساء الملوك ليس مما يخاطبون به وكذلك قول الاخطل في بني مروان
قوم اذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو بآتت بأطهار
فانه على حسنه من فضول القول الذي لو رزق فضل السكوت عنها لحاز الفضيلة وما للشاعر ذكر حرم الملوك فضلا عما يجري لهم معهن..وأما قول الربيع بن زياد
أفبعد مقتل مالك بن زهير ... ترجو النساء عواقب الاطهار
فهو أيضا كناية عن النكاح بعد الطهر يقول أيرجون أن يحملن مثله في شرفه وكرمه والعرب تزعم ان أكثر ما تكون المرأة اشتمالا على الحبل بعد مواقعة الرجل إياها بعيد طهرها من حيضها فيكون الحمل عاقبة الطهر.. ويروي ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع ذات ليلة وهو يطوف امرأة تغني بهذين
تطاول هذا الليل وأزور جانبه ... وارقني ان لا خليل ألاعبه
فو الله لولا لا شيئ غيره ... لزعزع من هذا السرير جوانبه
فسئل عنها فقيل هي مغيبة وزوجها فلان خارج في بعض البعوث فأمر برده اليها وزعزعة السرير؟ كناية عن الزج العفيف " ومما " يقاربها قول أبي عثمان الخالدي من ؟؟ واذا الليل كف كل رقيب وعاذل صرت الفرش تحت قوم صرير المحامل ومن الكنايات عن النكاح الحلج وقد استعمله أبو نواس في قوله
ثم توركت على متنه ... كأنني طير على برج
وكان منا عبث ساعة ... واندفع الحلاج في الحلج
وللقاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني من قصيدة هزل ومداعبة
تبيت تحلج طول الليل منكمشا ... وباختيار ينادي ادركوا الفرقا
وقام عمرو فامنه أكف يد ... لما انثنى أو تحسى منهم المرقا
اذا هو امته مثل الرمح واتسعت ... كالترس وافق شن عندها طبقا
ومن ملح البحتري في هذه الكناية قوله
لم يخط باب الدهليز منصرفا ... الا وخلخالها مع الشنف
وهو مسروق من قول غيره
ترفق قليلا قد اوجعتني ... وألصقت قرطي بخلخاليا
وقد أخذ الاستاذ أبو بكر الطبري هذه الكناية وزاد فيها حيث قال
والشأن في ظنك الظن الجميل بها ... وطال ما أوجعت كنفي رجلاها
وانظر إلى كعبها تبصر به ندبا ... من طول ما خدش الكعبين قرطاها
وقال أيضا
كمسترق اللحاظ إلى عروس ... وعند سواه تضطرب الحجول
" وحكى " الصولي عن المكتفى في حديث له قال سهرت البارحة فذكرت بعض أدوية السهر فانست فنمت قال فقلنا له والله ما سمعنا بأحسن من هذه الكناية قط فقال والله ما سمعتها قبل وقتي هذا وانما ساقها اللفظ ودواء السهر كناية عن النكاح وعن السكر " وبلغني " عن ابن عمر القاضي انه كان لا يجلس للخصوم حتى ينال من الطعام والشراب ويلم بأهله احتياطا على دينه وتعففا بالحلال عما عساه تتوق نفسه اليه من الحرام إذا بدرت منه لحظة لمن عساها تتحاكم اليه من النساء الحسان " فقرأت " لابي اسحاق الصابي فصلا في هذا المعنى بعينه من كتاب عهد سلطاني لبعض القضاة تعجبت من حسن عبارته ولطف كنايته وهو وأمره أن يجلس للخصوم وقد نال من المطعم والمشرب طرفا يقف به عند أول الكفاية ولا يبلغ به إلى آخر النهاية وان يعرض نفسه على أسباب الحاجة كلها وعوارض البشرية بأسرها لئلا يلم به ملم أو يطيف به طائف فيحيلان عن رشده ويحولان بينه وبين سدده.. وهذه نسخة رقعة للصاحب في المداعبة تشتمل على كنايات حسنة من هذا الباب خبر سيدي أدام الله عزه وان كتمه مني واستأثر به دوني مصون عندي وقد عرفت ذلك في شربه وانسه وغناء الضيف الطارق وعرسه وكان ما كان مما لست أذكره وجري فأجرى مما لست أنشره وأقول ان سيدي امتطي الاشهب فكيف وجد ظهره وركب الطيار فكيف شاهد حربه وهل سلم على حزونة الطريق وكيف تصرف أفي سعة أم ضيق وهل أفرد بالحج وقال في الجملة بالكره ليتفضل بتعريفي الخبر فما ينفعه الانكار ولا يغني عنه الا الاقرار وأرجو أن يساعدنا الشيخ أبو مرة كما ساعده مرة فنصلى للقبلة التي صلى ونتمكن من الدرجة التي خطب عليها هذا وله فضل السبق إلى ذلك الميدان الكثير الفرسان " ومما يليق " بهذا الفصل فصل ذكره الازهري في كتب تهذيب اللغة فقال إذا أتى الرجل المرأة في غير مأتاها قيل حمض تحميضا تحول من مكان إلى مكان - والخلة - ما كان حلوا - والحمض - فاكهتها يقال أحمض القوم احماضا إذا أفاضوا فيما يؤنسهم من الحديث والفكاهة " ويروى " عن سعيد بن سيار انه قال لابن عمر ما تقول في التحميض قال وما التحميض قال أن يأتي الرجل المرأة في دبرها قال أو يفعل ذلك مسلم " وقال " غير الازهري من الكناية عن الجارية المشهية لذلك قولهم هي مالكية لما روى عن مالك بن أنس من إباحة ذلك " ومما " يستظرف لابي اسحق الصابي قوله
باتت وكل مصون ... لي من حماها مباح
في ليلة لم يعبها ... والله الا الصباح
" فصل في افتضاض العذرة " من طريف الكناية عن أخذ العذرة ما قرأته في أخبار بشار بن برد حين قال يزيد بن منصور في دار المهدي يا شيخ ما صناعتك قال ثقب اللؤلؤ وأرى الصاحب أخذ من قوله لابي العلاء الاسدي وقد دخل بأهله من أبيات
وقد مضي يومان من شهرنا ... فقل لنا هل ثقب الدر
وله يقول أيضا
قلبي على الجمرة يا با العلا ... فهل فتحت الموضع المقفلا
وهل فككت الكيس عن ختمه ... وهل كحلت الناظر الاحولا
ولابن العميد في هذا المعنى إلى ابي الحسن بن هندو
انعم أبا حسن صباحا ... وازدد بزوجتك ارتياحا
قد رضت طرفك خاليا ... فهل استلفت له جماحا
وطرقت منغلقا فهل ... سني الاله له انفتاحا
وأنشدني أبو الفضل الميكالي لنفسه في مداعبة كانت له بين أهله
أبا جعفر هل فضضت الصدف ... وهل اذ رميت أصبت الهدف
وهل جبت ليلا بلا حشمة ... لهول السرى سدفا في سدف
وأظن السابق إلي وصف الافضاض حماد عجرد حيث قال وأحسن
قد فتحنا الحصن بعد امتناع ... بمبيح فاتح للقلاع
ظفرت كفى بتفريق شمل ... جاءنا تفريقه باجتماع
فاذا شعبي وشعب حبيبي ... انما يلتام بعد انصداع
وليس بالبارد قول اليعقوبي
وهمتي مذ كنت في حل التكك ... ولم يزل يعجبني ثقب الفلك
وقول أبي عبد الله بن الحجاج
جميع ملكي صدقه ... لاكسرن الفستقه
لابد ان اطعن بال ... رمح صميم الدرقه
وان أمد الميل في ... جوف سواد الحدقه
لابد من أن يقع الزر ... فين وسط الحلقه
ومن مشهور ما يقع في هذا الفصل ما يروى أن ابن القرية قال للحجاج وقد بنى ببعض نسائه الأبكار باليمن والبركة وشدة الحركة والظفر في المعركة.. ومن ملح الكناية عن البكر قول بعضهم
قالوا عشقت صغيرة فأجبتهم ... أشهي المطي إلى ما لم يركب
كم بين حبة لؤلؤ مثقوبة ... لبست وحبة لؤلؤ لم تثقب
وقد ناقضه من قال
ان المطية لا يلذ ركوبها ... حتى تذلل بالزمام وتركبا
والدر ليس بنافع أصحابه ... حتى يعالج بالسموط ويثقبا
ومن حسن الكناية عنها قولهم فلانة بخاتم ربها " ويروي " أن شيخا من العرب تزوج بكرا فعجز عن افتضاضها فلما أصبحت سئلت عن حالها فأنشدت بيتا ما شئ أدل منه على العجز عن أخذ العذرة
تبيت المطايا حائرات عن الهدى ... إذا ما المطايا لم تجد من يقيمها
ومن عويص هذا الباب قول الشاعر لابي المدبر
أبوك أراد أمك حين زفت ... فلم يوجد لامك بنت سعد
يعني لم يوجد لها عذرة وبنت سعد عذرة بنت كعب " فصل في الكناية عن الحيض " قال بعض المفسرين في قول الله تعالى " فضحكت " انه كناية عن الحيض وقال النبي صلى اللله عليه وسلم فيما ذم من النساء انهن ناقصات عقل ودين ثم قال تدع الصلاة أحداهن شطر عمرها يكني عن الحيض " وحدثني " سهل بن المرزبان قال كنت أحضر أحيانا ببغداد مجلس عنان المسمعة وكان الافاضل كثيرا ما ينتابونها للسماع الفائق وكانت تبتدئ بالقرآن استفتاحا ببركته فتجيد جدا ثم تأخذ في شأنها فبينما أنا ذات يوم عندها إذا ابتدأت بالشعر فارتفعت اصوات الحاضرين باستعادة عادتها في الابتداء بالقرآن وهي ساكتة فلما عاودوها مرات قال لهم صاحب الستارة ليس يجوز لها أن تقرأ القرآن فلم يفطن لهذه الكناية أكثرهم حتى تبههم انه كنى عن حيضها " ويحكى " أن بوران بنت الحسن بن سهل لما زفت إلى المأمون حاضت من هيبة الخلافة في غير وقت الحيض فلما خلا بها المأمون ومد يده إلى تكتها قرأت أتي أمر الله فلا تستعجلوه ففطن لحاله وتعجب من كنايتها وازداد اعجابا بها " وما أشبه " وقوفه على كنايتها الا بحال ابي فراس الحمداني حيث قال
وكنى الرسول عن الجواب تطرفا ... ولئن كني فلقد علمنا ما عنى
وكنت أقرأ في شعر بن الحجاج والامير مفتصد في بيت لا مجال فيه لمعني فصد الامير ولا أفطن له إلى ان اذكر لي بعض السادة انه كناية عن الحيض بلسان المجان من اهل بغداد فخرج لي معنى البيت لولا فرط قذعه لا وردته ثم أنشدت ما يحقق معناه لبعض العصريين
مشيت علىدمي وركبت هولا ... على خطر وجد به المسير
إلى من بين ثوبيها الاماني ... وفي ازرارها القمر المنير
فلما ان خطبت الوصل منها ... حجبت وقيل قد فصد الامير
فيالك ثم يالك من فصاد ... تعوق لي به حج كبير
" فصل في الحبل "
مجاهد في قول الله تعالى " فمرت به " قال انه كناية عن الحبل وكثيرا ما تجري هذه الكناية في الفارسية.. وما احسن ما كنى به الفرزدق عن جارية له حبلي توفيت بقوله
وجفن سلاح قد رزئت فلم أنح ... عليه ولم أبعث عليه البواكيا
وفي جوفه من صارم ذي حفيظة ... لو ان المنايا انسأته لياليا
" وسمعت " أبا الفضل عبد الله بن أحمد الميكالي في المذاكرة يقول تقول العرب في الاستخبار عن الحبلى والكناية عن ولادتها أحلبت ناقتك أم أجلبت أي أتت بأنني فتحلب أم بذكر فتحلب للبيع
" وقرأت " في كتاب جراب الدولة أن قحبة قالت لسحاقة ما أطيب الموز تكنى عن الاير قالت نعم ولكن ينفخ البطن تكنى عن الحبل " فصل في نوادر وملح في كنايات هذا الباب " ههنا أبيات مشهورة متنازعة منسوبة إلى جماعة من الجواري والغلمان فمنهم قينة رآها صديق لها ولما بها استخشن العرض وتأذي بالشعرة فنبا عنها وهجرها ثم انها أصلحت من شأنها وكتبت اليه تقول
فديتك سهلت الطريق الذي اشتكى ... جوادك فيه للحفى من خشونته
فأصبح بعد الحزن ميدان لذة ... يجول كميت اللهوفيه للذته
فان كنت ذا عزم على ان تزورنا ... فبادر وعجل فالهلال ابن ليلته
ومن كناية مجان بغداد عن تلك الحال في فم القنينة ليف قال ابن الحجاج
أحن اذ رأيت الكس ليلا ... بجنبي وهو منتوف نظيف
ولست أعافه ان جاء يوما ... وفي فمه وأعلا الراس ليف
إذا سمط الخروف أكلت منه ... ولست أعافه وعليه صوف
" ويحكى " ان الوليد بن يزيد أراد امرأة من قريش على ما يفعل بالاماء فقالت
صاعد أمير المؤمنين صاعد ... لست كما اعتدت من الولائد
" ويحكى " أن بعض الاكاسرة خرج متصيدا فتفرد عن أصحابه فاذا بشيخ كبير يعمل في أرض له فقال له ياشيخ هلا أدلجت فيكون لك من يكفيك فقال أدلجت ولكن ضللت الطريق فقال له زه فلما تلاحق بالملك أصحابه أعطي الشيخ أربعة آلاف درهم " أراد " هلا نكحت وأنت شاب فيكون لك اليوم من يكفيك من أولادك وقوله أضللت الطريق يحتمل معنيين احدهما انه لم يتزوج شابة ولودة والآخر انه لم يتبع ما كتبه الله له " وحكى " المازني قال جلس نساء ظراف إلى بشار بن برد فتحدث وتحدثن ثم قلنا له لوددنا انك ابونا فقال على اني على دين كسري "
وسمعت " ابا نصر سهل بن المزرباني يقول في المذاكرة شئل بعض النساء التي كان عمر بن عبد الله بن ابي ربيعة يشبب بهن عن حالها معه فقالت لعن الله ذلك الفاسق جمعني واياه مكان كذا عن خلوة كذا فحللت منه بواد غير ذي زرع تكنى عن عجزه في النكاح " ولما قال " ابو الصمت وهو اعرف بالشعر لعلي بن الجهم
لعمرك ما جهم بن بدر بشاعر ... وهذا علي بعده يدعي الشعرا
ولكن ابي قد كان جارا لامه ... فلما ادعي الاشعار أوهمني امرا
استظرف الناس هذه الكناية وسار البيتان كل مسير فقال علي والله ما هو بابي عذرة هذا المعنى وانما نسج منوال ما دار بين الفرزدق وكثير فسئل عن ذلك فقال بلغني ان كثيرا أنشد لنفسه قصيدة استحسنها السامعون وفيهم الفرزدق فقال كثير يا ابا ضحوك هل كانت امك ترد البصرة فقال لا يا ابا فراس ولكن كان ابي كثيرا ما يردها " ومن " خبيث الهجاء المشتمل على التصريح قول ابي الحسن بن طبا طبا العلوي لابي علي بن رستم وكانت حرمته تتهم بآذريون غلامه
يا رستمى لقد لهوت ببركة ... أصبحت تحمي حسنها وتصون
والعرس لاهية ببركتها التي ... يجري اليها الماء آذريون
" سئل " رجل عن امرأة فقال فيهل خصلتان من خصال الجنة يكنى عن البرد والسعة " وحديثي
" ابو سعد نصر بن يعقوب فقال طلب رجل غريب ببغداد امرأة حسناء يتزوجها فقالت له دلالة عندي هنا امرأة كانها باقة نرجس فخطبها وتزوجها فلما دخل بها اذ هي عجوز دميمة فدعي بالدلالة وقرعها على كذبها فقلت ما كذبتك حين قلت كأنها باقة نرجس وانما كنيت عن صفرة وجهها وبياض شعرها وخضرة ساقها " ومن نوادر " ما كنى به عن المرأة الخائنة لفراش زوجها قول ابن الرومي ويقال لابي علي البصير
أنت يا شيخ نائم فتنبه ... وانتصحني فلست من غشاشك
لك أنثي تزيف في كل وكر ... وتر بي الفراخ في أعشاشك
والعامة تكنى عن استئناف العاشقة ومعاودة المواصلة بعد وقوع الفترة وحدوث السلوة بتسخين الازار كما كتب بعضهم لعشيقه له.
خلوت بذكركم إذ غاب عني ... رقيب كنت قد ما أتقيه
وبردت المقيل فدك نفسي ... وتسخين الأرز يطيب فيه
" وقال الآخر "
ولست أحب الرز أول طبخه ... فكيف أحب الرز وهو مسخن
* كتاب: رسائل الثعالبي
المؤلف : الثعالبي
.