ولما تفيّأنا ظلالَ خميلةٍ = تَساقطَ مثلُ الدرِّ فوق خُطانا
وحَدّثتُها بالحبّ - وَهْي مُصيخةٌ = على أملٍ أن تلتقي شفتانا
أشاحت إلى الأزهار عنّي بوجهها = دلالاً وقالت لي : «كفى هذيانا
أتأمل مني أن أُصدّقَ بالهوى = جُزافاً.. وطَرْفي لا يراه عِيانا؟»
فقلتُ لها : «يا ميُّ! =ما الروضُ ناضراً = ولا الطيرُ أحلى ما يكون لِسانا
بأحسنَ من خَدٍّ تَورّدَ في الصِّبا = وأعذبَ من ثغرٍ يفيض بيانا
لقد كان أولى أن نُبيحَ لبعضنا = عوالمَ بعضٍ في ربيع صِبانا
وما قيمةُ الأزهارِ في جانب الصِّبا = أليس الصِّبا - يا ميُّ - أعظمَ شأنا؟
أُناشدكِ الحبَّ الذي عهدُنا بهِ = سَويّاً كأخفى ما يكون مكانا
ألم تشعري شيئاً تَمثَّلَ بيننا = لأوّلِ عهدٍ تَمّ فيه لِقانا؟
أبعدَ تعاطينا معاًَ كأسَ أُلفةٍ = يجوز لنا ألا نُحسَّ صَدانا؟
فما لكِ تَسْتعدينَ قلبي على الهوى = كأنكِ ما شاطرتِهِ الخفقانا !
تعالَي إلى عهدٍ وثيقٍ من الهوى = نعيش عليه في الحياة كلانا
فلا يزدهي قلبي بشيءٍ مُؤَمّلٍ = إذا لم يصادف في فؤادكِ شانا
ونُفرغ في كأس الأمانيِّ حُبَّنا = فتسعى به ما بيننا شفتانا
ولا نلتقي إلا كما لفّتِ الصَّبا = فُروعاً تفيّأنا بهنَّ أمانا
ونختال في روض المحبّةِ وحدَنا = فلا يتغنّى طيرُها لسوانا
وإن تعهدي يوماً فؤادَكِ خافقاً = شعرتُ لقلبي مثلَه خفقانا
كأنّ الذي ينساب ملءَ كليهما = صُبابةُ ما ساقي الغرامِ سقانا
وآناً نُبكّي كالطيور وجودَنا = بلحنٍ... وكالأزهار نضحك آنا
فنُسعد بعضاً باشتراك سرورنا = ونُسعد بعضاً باشتراك أسانا
كذلك نحيا بالسَّواء... وها فمي = ضماناً لعهدٍ لو أردتِ لكانا»
فعندئذٍ مالت إليَّ ببِشْرها.. = وملتُ... وأُنسينا الوجودَ كلانا
فأدنيتُ ثغري باشتياقٍ لثغرها = فما افترَّ حتى قبّلتْه حنانا
وطوّق زَندي خصرَها فتمايلتْ = عليه بغنجٍ ريثما تََتدانى
وقالت «إذن، هذا هو الحبُّ» قلتُ: «بلْ = هو الراحُ» قالت: «فلنبلَّ صَدانا»