نقوس المهدي
كاتب
الباب الخامس في الطب اللطيف
من كلام الشيخ عبد الله الأدكاوي
مالي إن جئت نحو الحب يمنعني ... عنه الوشاة بلا ذنبٍ ولا سبب
إن دق باباً يقولوا ما هنا أحدٌ ... أو حل ساحتهم لا قوه بالغضب
وإن شكا ما به المسكين في ورقٍ ... رموه بالزور والبهتان والكذب
حار الملوك لما يسعون في تلفي ... فيا خيار الملا لم تمنعوا أربي
لو أنصفوني وراعوني وقد وضع الحديد في لأنجوني من الكرب
لكن على لسع أحشائي بعذلهم ... قد أحرقوها وزادوها من الوصب
تالله ما لسعة الزنبور أوجع من ... إبعادهم نظري عن خشفي السرب
لكنني سوف ألقى ما أسر به ... أن أذهب الله ما ينوون من عطبي
وأغتذي ليس بي من وجعةٍ ألماً ... ويصبحون وهم في الذل والتعب
ومن ذلك:
قال لي عارف دواؤك يا ذا ... ماء وردٍ له يضاف الزبيب
قلت ورد الخدود فهو يؤذي القلب شماً وللنفوس يطيب
ويريح الحشا أجل ويقوي العصب الرخو وهو للروح طيب
ويزيل العنا ويذهب بالهم ... وفي وقته يطيب الأريب
شمه هو المسك بالوصب المذ ... هب بلي إذا حباه الحبيب
وبه يحصل المنى ويطيب الوقت أيضاً وينتهي المرغوب
ومنى النفس حين يأتي لحبي ... ذلك الأهيف الأغن الربيب
انتهى كلام الأدكاوي ومن ذلك:
قضبان درٍ وأقمارٌ على كثب ... قد ألفت فتنة للهائم الدنف
وليس في الكرم المشهور قتل فتىً ... يغير ما قود هذا من الجنف
يا عاذلي قد أذاب القلب حب رشاً ... إذا بدا كدت أن أطغى من الشغف
لي دمعةٌ أحرقت من فيضها كبدي ... بالهزل يا عاذلي جهلاً ولم تخف
إثماً وأعظم بخل المرء غفلته ... عن النصيحة للمشفي على التلف
عذلتني ووضعت العذل مجتهداً ... في غير موضعه يا طيب السلف
لأبكين على ما فات من عمري ... في حب منتصفٍ في غير منتصف
وأعلن الحزن إعلان الثواكل إذ ... لا صبر لي عن وصال التائه الصلف
فلا نهارٌ ولا ليلٌ ألذ به ... هذا لشدة ما ألقى من الكلف
كلوم قلبي أبديتها عداتك لي ... بالوصل يا موقفي دهري على الخلف
ومن ذلك:
غزال خده الورد الجني ... وريقته هو الخمر الشهي
فقلبي يسكن الإسقام طراً ... لسغيبةٍ من له الوجه البهي
أقام مواصلاً للصد حتى ... لفي قلبي لذلك سمهري
لقد ناديت لما راع قلبي ... أغث قلبي فأنت له ولي
أما لو أن قلبك ذاق وجداً ... لجاد فقال لي قلبٌ جلي
فقلبٌ فيه وجد مستكنٍ ... وشوقٌ والخمار هو الشجي
ومن ذلك:
ادمان عذلك للمحزون قاتله ... أما ترى دمعه قد حد هاطله
قد حطه من على السمك رافعه ... فالحزن واصله والصبر خاذله
يبيت والطرف منه لا يلائمه ... غمض وأنى له ما قد يحاوله
تراه يبدي لمن قد لامه جلداً ... فقد تحير والرحمن عاذله
يا من يذيب بطول اللوم مهجة من ... يلومه في هواه وهو جاهله
انظر إلى الجسد المضني على قمرٍ ... زها على البدر إذ تمت سمائله
كالمزن والعسل الممزوج ريقته ... والدعص ردف وغصن البان حامله
يا عاذلي والهوى إني لختبلٌ ... فاسأله عن حالتي يا من يسائله
وإنه لتمر الريح بي سحراً ... من أرضه فيزيل الحق باطله
وعذلٍ ورقيبٍ يدفعان ضنى جسمي ولم يريا ما الصب قائله
قلبي مضرته في الحب دائمةً ... والوجد آفته والشوق قاتله
ومن ذلك:
شربت على النسرين مع طلعة الفجر ... ومن هو أخفى في النفوس مع التبر
فأيقن أن قد حان عقلي لحسنه ... فصد دلالاً ثم حن إلى القدر
فلو كان فيض الدمع ينفع مدنفاً ... بكيت بدمعٍ لا يمل من النظر
لقد فاز أصحاب القلوب التي لها ... على البين صبر أو تحن إلى الصبر
شكوت إلى السود المفارق لوعتي ... فقلن مشيب الرأس داعية الهجر
فما حيلتي والبلغم اليوم آفتي ... على أن هجر الحب قاصمة الظهر
ومن ذلك:
ظبيٌ أذاب مفاصلي بدلاله ... فاق الظباء بحسنه وجماله
فكأنما حجز العبير بجلده ... من طيبه ما في الورى كمثاله
الزعفران تراب أرض مؤملي ... أفديه من قصرٍ وبدلاله
قد صد واتخذ القطيعة ديدناً ... وزها على دنفي بحسن خصاله
أنا منه فيما لو تعشقه الورى ... لأتى على الأرواح بعض خياله
قد خر نجمي فيه بعد علوه ... وأذاب جسمي عند زم رحاله
يا بؤس قلبٍ حاوه من لحظه ... في حسنه قد فاق لحظ غزاله
قد صد مغترماً وعلق مهجتي ... بأبائه وصغا إلى عذاله
أفهل على ما قد أكابد مسعدٍ ... أم هل مجيرٌ من طويل ملامه
يختال مثل المرأة الرود التي ... هي راحة المحزون من بلباله
ماذا على مولاي بعد صدوده ... لو كان أتحفني بطيب خياله
يا أيها الزاكي الولادة جد لمن ... قد ذاب من كمدٍ برد سؤاله
أبدى الهوى دمعي فأخرج كلما ... أخفي فيا ويلاه من أفعاله
فبحق من جعل المشيمة موطناً ... للطفل فك القلب من أغلاله
ومن ذلك:
سأسلخ قلبي من عزاي ومن صبري ... وأشغله بالهم والحزن والفكر
فما الحية الصماء إن هي أسرعت ... إلى قول لاقيها خروجاً من الصخر
بأسرع من دمعي إذا لام لائمي ... وعنفني في طول شوقي إلى البدر
أعاذل بي وجدٌ شديدٌ ولوعةٌ ... تزيد ووقع ما يمل من القطر
فهل من معينٍ لي على طول حسرتي ... وهل راحمٍ لي من بلاي ومن ضري
أعاذل قد أكثرت لومي على البكا ... فخذ خبري أنبيك بالصدق من أمري
تطلع في المرآة مالك مهجتي ... فتاةٌ بحسن الخال في الخد والثغر
فأسرع في الإعراض عني وأسرعت ... دموعي دراكاً تستهل على النحر
فيا حسنه بين الولايد كالدمى ... كبدر تمامٍ حف بالأنجم الزهر
لقد زاده الرحمن حسناً وبهجةً ... كما زادني في الهجر في الذل والصغر
ومن ذلك:
دعي طول هذا الهجر يا غرة البدر ... فمالي على الهجران والبعد من صبر
كأني أدمنت الجلوس على الغضا ... ففي كبدي وجدٌ أحر من الجمر
أقول على ما بي من الضر والأسى ... ودمعي دماً يجري على الخد والنحر
أيا من كأن اللبد منها للينه ... حريرٌ وذاك الريق كالمسك والخمر
صلي مستهاماً يقطع الليل حسرةً ... تقلبه أيدي الغرام إلى الفجر
أقيك جميع البؤس يا أكرم الورى ... وأحسنهم من بين بدوٍ ومن حضر
أغيثي أسيراً في يديك عنانه ... له مقلةٌ ما أن تمل من القطر
ومن ذلك: ومن كلام الشيخ الأدكاوي
قالوا إذا كنت تهوى كل ذي هيفٍ ... فاصبر إذا زخرف الواشون بالفند
كم تحت كم هذا الظبي من عجبٍ ... تعنى به المرأة الحسناء من كمد
أذاب بالحر لما مل وا أسفي ... قلبي ولكن شوقي فيه بالرصد
عشق المليح بلى، والخريدة لا ... يمل فكري لها قددن لي رشدي
إن شاء أنزل بي ما لو ضجرت به ... ألقى المشيمة مثل المسقط الولد
ومن ذلك:
لنزف الدمع إن تصلب دوا ... عليك بنظرةٍ ممن تحب
فإنك إن ظفرت بها أحلت الدم الجاري لوصفٍ يستحب
وتغدو في أسير العيش دهراً ... يؤخذ منك للإسقام طب
ورأيك يبتغي في كل وقتٍ ... وأمك للدوا شيح وشب
فقل عندي عقاقير وعفص ... وكندر منقى وغداك عشب
ومن كل نصف من واحدٍ أو ... ثلاث جزو فيه أدب
ويعجن إن تشاء بخل خمرٍ ... تصير أمام دهرك بل تحب
وقل في الوصف من يعمل لهذا ... ويستعمله لا يلقاه كرب
ومن ذلك:
أترجو لنزف الدم من عينك الشفا ... ويؤخذ عنك الصبر في برء دائكا
ويغدو مزاجٌ منك في غاية القوى ... فيسحق حساد بكيب شفائكا
فقل لحداة العيس والقوم هجع ... يعجى بخل فيه كشف عنائكا
وعنك إذا وافت حماه عشية ... تحمله ما فيه حسن ثنائكا
وتخبره ما حل فيك من الضنا ... فلو نظر المرآة رق هنالكا
عساه برفقٍ منه يحنو تكرماً ... فموصوفة عنه مداواة دايكا
ومن ذلك:
حرمني طيب الكرى ... وعاث في الجسم وجد
فقلت ماذا جن ... يا ذا الدلال والجيد
قل للبوائق انتهى ... سيرا فقد زاد الكمد
ومن ذلك:
رأى المنثور من أهوى فوافى ... وفي خديه أزهار نثيره
فحار اللب في ذاك المحيا ... وقلت أيابس يحكي نضيره
وقام الورد في خديه حالا ... يفتح لي عيون أخي بصيره
فقلت لورده سد كل ورد ... فأنت رئيس كل بالضرورة
بشمك يستريح الكبد مني ... ولبي عنه براح الكدودة
ومن ذلك:
قالوا يقال: إذا ما كنت ذا شغفٍ ... بمن تحب وتهوى أن تنال منى
هناك أربعة إن كنت تفعلها ... تزيده منك قرباً دائماً وهنا
اصبر على الجور منه إن أصابك في ... اللحم والدم أسقام وفرط عنا
وأن ترى كل لبسٍ يرتدى خشناً ... من الحرير أو الكتان لو خشنا
وإن دعاك لما لا تشتهيه ولو ... دخول نار لظى الحمام قل حسنا
وإن شممت من الغادين رائحةً ... من عرفها طر إليها منعشا بدنا
إن الطريق إليه في الوصول له ... مريبةً فاقتحمها تلق ما حسنا
وأقنع فديتك بالإقبال والنظر البديع منه إلى الوجه المنير سنا
واعلم يقيناً بأن نلت المرام متى ... أباحك الحسن المرغوب منه منى
آخر كلام الشيخ عبد الله الأدكاوي ومن ذلك:
رشا يفوح المسك من أردانه ... الويل لي يا قوم من عدوانه
سبحان خالقه لقد حار الورى ... من حسنه وتعجبوا من شأنه
قد صار جسمي مثل شيءٍ يابسٍ ... بؤساً لصبٍ ذاب من أشجانه
حتى متى أنا في عذابٍ دائمٍ ... والدمع ليس.....في جريانه
يا من يفيه الدر احكم نظمه ... والورد في خديه في أبانه
لو أن طيفك عاج نحوي عرجة ... لا عاض قلبي الغر بعد هوانه
ولو ابتغى أجر التاميل درى ... نحوي يروم الصبر في أعوانه
لو زارني من بعد ثالثة لما ... أخلى الكئيب الصب من إحسانه
مولاي ما يقوى الفؤاد على نوى ... ظبيٍ يخال السحر من أجفانه
والعاذل الخسف الدماغ يقول لي ... دع من جفاك ولح في طغيانه
ومن ذلك:
كأن العيون النرجس الغض إذ دنت ... ترافق أحياناً حذار المراقب
لقد حار طرفي عندما قد رأيت من ... ملاحظها شزراً وضاقت مذاهبي
فما مسكن الوجد الذي بين أضلعي ... فقد ذبت من فرط الدموع السواكب
اعاذل دع عنك الصداع فليس لي ... رسول إلى الحور الحسان الكواعب
ألا إن إفراط الضنا المتولد المقيم بقلبي من عتاب المعاتب
فمن لكئيبٍ بات من شدة الأسى ... تقلبه الأسقام من كل جانب
لقد ذاب من فرط الحرارة قلبه ... فقد بان بالمحبوب عن كل صاحب
ومن ذلك:
من لجسمٍ في ثياب الدنف ... ذاب حتى صار مثل الألف
كره العذال أن يلبسه ... فتحلى في ثياب النحف
حن لي من تائهٍ معتدلٍ ... قد سبا كل الورى بالهيف
بدرٌ تم ماله من مشبه ... تم حسناً وعلا بالترف
يا عذولي في هواه لا تلم ... فكفى قلبي دوام الأسف
غادة في الحب لا يتركها ... كفه عن لوم أهل الدنف
من لصبٍ زاده في نومه ... طيف من يهواه بعد الأسف
فأراك الخوف والرعب وقد ... كاد يفنيه بفرط ذرف
يقطع الذكر لمن مر به ... ولمن أوعده بالتلف
فهو تحت القحط واليبس من العيش لا يعرف غير الكلف
ومن ذلك:
من خده الياسمين يجنى ... بدرٌ يفوق البدور حسنا
مهفهفٌ حار إذا تبدى ... عقلي وألبست إذ تثنى
وقلبه يابسٌ وقلبي ... يكاد لينا يذوب حزنا
قد نال من صالحٍ وفضلٍ ... حظاً جسيماً وقد تهنى
يا قوم ماذا لمن جفاني ... في أن يراني أموت غبنا
من بعد أن كان لي البقاء ... وكان لي صاحباً وخدنا
قد كان لي في الدنو منه ... من بارد العيش كل معنى
نادمني خمره وكان المزاج من ريقه المهنا
ومن ذلك:
يليق بالغادة الإعراض والأنف ... وليس يحسن بالمستهزئ الصلف
أسعى على الرأس طوعاً نحو مالكتي ... وذاك للهائم المضني لها شرف
يا لائمي في هواها دع ملامك لي ... فلوم أهل الهوى يا لائمي سرف
أفدي التي تقطع الأيام في فرحٍ ... وعبدها هائمٌ صبٌ بها دنف
لو أن في السد دار الجود سرت لها ... لا أنثني عن طلابها ولا أقف
وعاذلٍ بطويل العذل يفتح لي ... باب الغرام فدمعي دهره يكف
كأنني يابس الأغصان من عجفٍ ومن أذاب فؤادي ناعمٍ ترف
قد والهوى حار عقلي من تتايهها ... والرسل ما بيننا بالصحف تختلف
والحاسد للنكد النمام يعذلني ... يقول دعها فما كل الورى خلف
ومن ذلك:
على النبلوفر الغض اصطبحنا ... ومعنا من يفوق البدر حسنا
غزال بارد الريق المهنا ... وما كل له ريق مهنا
فهل غصنٌ من الأغصان رطب ... يميس إذا تبختر أو تثنى
أعاذل ليس ينفع لوم صبٍ ... فدع طول الملام ولا تعنا
رأيت العذل أوشمة على من ... يلوم إذا تعتب أو تجنا
أرى السهر المقيم على جفوني ... سيجعلها له وطناً وسكنا
يتيمني ويجلب لي غموماً ... إذا القمري في سحرٍ تغنا
أطار النوم عن عيني غزال ... تخال الورد من خديه يجنى
متى يهدى ويسكن ما بقلبي ... وسؤلي قد رأى بي ما تمنى
لقد جلب الصداع إلى من ... قد كان لي سكناً وخدنا
ومن ذلك:
منع النوم مقلتي ثم ناما ... ورأى أن وصل مثلي حراما
شادن يمنع الهموم إلى القلب بإعراضه وينشي السقاما
هو غضٌ رطبٌ ودعصٌ وبرٌ ... هو بدر ٌ كما البدور التماما
ريقه باردٌ لذيذٌ ولكن ... شربه يورث الكئيب الحماما
خده روضة البنفسج والور ... د في عارضيه نبت الخزاما
ومن ذلك:
نأت ولعل انأي يعقب سلوة ... فيبرى فؤادي من معالجة الكرب
فيا عاذلي ما أطول الليل بعدها ... وأعظم ما يلقاه قلبي من الرعب
أبيت ومالي شاغل غير ذكرها ... ودمعي دماً تجري على الخد بالسكب
فإني لأرجو أن يكون معذبي ... عليماً بما ألقاه من عالج الحب
فينقذني من شدة الضر والأسى ... وإن كنت لا أرجو لسقمٍ من الطب
وقومي كمثل النحل ... تجمعوا ... يلومونني واللوم من أعظم الذنب
يطيلون لومي في هوى من أذابني ... ومن لست أنساه على البعد والقرب
تراهم على شبه الشراب عجائباً ... فما مثلهم في سائر العجم والعرب
ومن ذلك من كلام الشيخ الأدكاوي
من شبه الورد الجني بخد من ... أهواه فهو جويهلٍ أو مسرف
بل بارد أو يابسٍ في طبعه ... قولوا له التشبيه يبرد تنصفو
إن الحرائر لو رأت ما قد حوت ... روضات وجنته التي هي أشرف
قالت أما في الرأس ممن شبهوا ... عقل ولكن أين من يعترف
والمرء مهما لم يميز عبده ... أهل النهى من فرقة قد حرفوا
في شم ورد الخد أكبر لذةٍ ... ويسكن الداء الذي لا يعرف
إن الصداع لفي الفضول حقيقة ... فأصغوا إلى ما لقت لا تتوقفوا
آخر كلام الشيخ الأدكاوي ومن ذلك:
من قال ممن لم يذق ... جور الغزال الجؤذر
إن كان من رجل وال ... لا جاهل لم يشعر
وغدا يقول نصيحة ... منه لقومٍ حضر
من كان يرغب في السلا ... ية في جميع الأعصر
يدع الهوى فهو الخليفة في تلاف الأكثر
قلنا له إن الهوى ... قد كان في زمن السر
أغنى النبي المصطفى ... رب اللوا والمنبر
أو قال من قلنا له ... كم من أديبٍ كالسري
هو كان ذا شغفٍ بكل ... كحيل طرفٍ أحور
وأولوا النبي
ومحمد وهو الأمين بلي بعشقه كوثر
وهو الخليفة وأبي هرون الزكي العنصر
من قال إن العشق عا ... ر قل له يا مفتري
والله مننت فما به ... عار أجل أنت العري
ما كنت لو أحببت إلا ... من يلوم المزدري
وله تعود موافقاً ... في غيبةٍ أو محضر
وتود أن لو كنت با ... لأموال حبا تشتري
وتود لو يدخل المحبوب قلبك يا حري
فانهض إلى عشق الظبا ... في العشق أعظم مفخر
لتكون عمل به السلطان غير مظفر
هذا آخر كلامه
دموعي لحيني أعلنت بالسرائر ... ونمت على مكنون ما في الضمائر
أما والهوى ما كنت أعلم أن من ... أؤمله يصغي إلى قول زاجر
أعاذلتي والله إن معذبي ... ليعلم أني في الهوى غير صابر
إذا قلت يا سؤلي أجرني أجابني ... وكنت من البلوى إلى غير ناصر
ثنائي عليه كل يومٍ مجدد ... ويظهر لي أني له غير شاكر
فماذا عليه لو أجاب متيماً ... ففي ذاك أحرٌ عند أهل البصائر
إذا أنا أحسنت الثناء يقول لي ... أظنك يا هذا مجيرٌ أم عامر
فويلاه مما قالي أن قوله ... يدل على إتيانه للكبائر
غدا مثل إبليس العين مفندي ... يقول دع الشكوى حكومة جائر
فما باله في كل يومٍ وليلةٍ ... يلوم وطول اللوم ليس بضائر
فيا لائمي ماذا تقول لمدنفٍ ... له قلب محزونٍ وفعله ساحر
نلوم وما سيتوجب اللوم من بكا ... على من سباه باللحاظ الفواتر
يجوز لإنسانٍ يعنف مدنفاً ... لطول بكاه بالدموع الهوامر
إذا قيل للمحزون كف عن البكا ... آهاً مصونات الدموع البوادر
ومن ذلك:
دع ملامي يا عاذلي دع ملامي ... حسب قلبي صبابتي وغرامي
كيف صبري وكلما مطر الد ... مع على وجنتي يزيد هيامي
لهف نفسي على مطيرة بغدا ... د وأنسي بها وطيب مقامي
عين يا عين أنقطي لا تسحي ... إن في السح منك كشف اكتتامي
ليت حظي قطيرة من وصال ... من خيالٍ يزورني في المنام
ومن ذلك:
لو قد شهدت الصب عند فراق من ... يهوى ولوعة قلبه يتزايد
وكأنه رجلٌ على جمر الغضا ... يبكي ويلطم خده ويعدد
يبكي على ما فات من زمن الصبا ... واللهو غضٌ والهوى يتجدد
تركوه إذ دخل المشيب برأسه ... فرد أو ولو عنه وهو مشرد
فتراه في أحواله متحير ... وبقلبه نار الأسى تتوقد
ابدا تراه برأس أعلى حائط ... في الحي ينظر من إليه يقصد
عذلوه في هذا فقال مجيبهم ... أخشى رسولاً بالجفا يتوعد
بالله أشهد أن كل متيمٍ ... أحشاؤه من وجده ما تبرد
وعزيزةٌ في الحسن أعلم أنها ... تعنو لها شمس النهار وتسجد
عدلت على دنفي وفيه لعمرها ... تلغي فيا ويلاه كم اتجلد
قد كنت قبل البين أخضع تارةً ... للعاذلين وتارةً أتودد
يا أيها العذال إن بمهجتي ... حرقٌ يشيب لها الغلام الأمرد
إن رمت أن بمهجتي السلو بمهجتي ... هدمته نيرانٌ بها ما تخمد
ومن ذلك:
أصابك الحساد بالعين ... فسوأتني بالهجر والبين
فأي شيءٍ يا مداهمتي ... أشد من تفريق الفين
يا لائمي لا تلحني في البكا ... فالبين أجرى أدمع العين
دعني فقد والله يا لائمي ... بدلت بعد الزين بالشين
أضنى ولا أظهر ما نالني ... كأنني بين رقيبين
مشوي الحشى والقلب من لوعة ... فمهجتي بين حريقين
قولي لمن لام على لوعتي ... وأدمعي تجري بسمحين
دعني فقد والله يا لائمي ... أبرمتني بالزور والمين
ومن ذلك:
أما لك علمٌ أنني بك مدنفٌ ... وأن دموعي للصبابة تذرف
لقد..... العيش غدوة ... لعلمي بأني ليس لي منك منصف
فكم وله يعتادني وتأسف ... فقد صرت صباً بالصبابة أعرف
إذا فاض دمعي يا أخي ذبت حسرة=وإن غاض أضناني فكم أنا مدنف
فثغرك ذاك اللؤلؤي أذابني ... وريقك يا سؤلي الذي هو قرقف
فكن لي مجيراً يا سروري فإنني ... مشوق معنى قد براني التلهف
فوصلك يا سؤلي سروري وبغيتي ... وهجرك يا سؤلي لعبدك متلف
أجارك رب الناس من مثل حالتي ... وعافاك من ضري وما أتخوف
فوصلك لي بعد التهاجر جنة ... وقربك يا سؤلي سرور مؤلف
أجر كبدي من شدة الضر والأسى ... فأنت بفعل الخير والبر تعرف
ومن ذلك:
ما تسكن النفس يا سؤلي إلى سكن ... قد هبت كشف الذي القى من الشجن
مسرة بعدت والساعة اقتربت ... إذ بالمدينة لاح لا يغترني
كأن زوبعةً بالقلب قد لعبت ... فكل ريحٍ بقلبي لا تنهنهني
يا من أباهي به شمس النهار لقد ... كتمت وجدي فصاح القلب وا حزني
فغنها أدمعي تبدي إذا سجمت ... ما أكتم الناس يا من قد تملكني
عواذلي إن تتوبوا كان أجركم ... أجر الصلاة إذا قامت على السنن
كم لائمٍ قد رأى دمعي فصاح لقد ... كشفت ما بك من سرٍ ومن علن
كأن دمعي بحرٍ مذرف رويت ... به الربا والقرى طراً مع المدن
ومن ذلك:
ألما بي على دار الرباب ... ببردٍ من غليلي واكتئابي
فإني من غرامي ليس ترقى ... دموعي من همولٍ وانسكاب
فما حالي وأطيب من تحياتي ... مماتي للذي بي من عذابي
ومن سمك السماء لقد براني ... هوى شمس تجلت عن سحاب
أقول من من الصبابة حين تبدو ... من السحب المحيطة بالقباب
بروحي أحسن الثقلين وجهاً ... وأنطقهم حكماً أو صواب
أما لو كنت أملك حسن صبري ... صبرت وما جنحت إلى العتاب
رأت دنفي فقالت أنت صبٌ ... فقلت لها بصاحبة النقاب
3فقالت كف عنك فقد أسنت مناك وزلت عن عهد الشباب
فقلت لها وما هذا ببدع ... إذا سمت الوصال بلا ارتياب
فقالت بعد أن قد شئت قل لي ... فقلت الشيب يستر بالخضاب
فقال شبابها لي كف عنها ... وفرق بيننا بأنواع العقاب
إذا وصفت فبدرٌ فوق غصن ... على حقفٍ من الصم الصلاب
ومن ذلك:
سر بما نالني من الوصب ... وأظهر الهجر لي بلا سبب
وعاق قلبي عن السلو فقد ... صار عزاي عنه من العجب
يا مدعي النصح قل لظالمتي ... أرث لقلبي من شدة الكرب
لا تهجريني فالهجر يقتلني ... وواصليني يا ظبية اللبب
لبست ثوباً للسقم يشملني ... فهو جمالي في العجم والعرب
حكم الهوى نافذ وأنفذه ... ما كان فيمن يقول باللعب
آفتي التي أرسلت تعاتبني ... مع ظنها بي وقفي على الريب
وقولها لي هذا أمرٌ أبينه ... يكون بيع النفوس بالنشب
فقلت قلب المشوق أرسله ... يبيعه يا كريمة الحسب
وكان رهناً فسر يا أملي ... أن نشتريه بخالص الذهب
فتعتقيه فالرق منه لمن ... يملكه منك أشرف الرتب
صدت فلما شكوت مسكنتي ... جادت بفضل على الفتى الجذب
عادت بفضل عاد في كبدي ... صدع من الحب غير منشعب
وعاذلٍ قال لي يعنفني ... وقد لعمري أخطا ولم يصب
ماذا بكم من أليم هجرك كم ... قلت حشائي قد ذاب من اللهب
يا بفنه في اللذي أراد من الهجر ... الصبر عن الحب غير مجتنب
فسره ما أرى وقال لقد صبرت عن لذةٍ وعن طرب
فقلت دعني فكل داهيةٍ ... برأس مثلي حلت فلا كذب
فقال جد بالذي ذخرت له ... فبذلك الحال خير مكتسب
ومن ذلك:
صبٌ أضر به طويل بكاه ... لما نأى عنه جميل عزاه
وأذاب طول اللوم فؤاده ... ووهت لعمر أبيك منه قواه
يا قوم هل رجل يعين بدعوة ... يجزيه رب العالمين جزاه
قد حرت في أمري وأمر معذبي ... بصدوده عني وطول جفاه
بؤساً لصبٍ لاتني زفراته ... عن فعلها حتى تذيب حشاه
لهفي على من شفني بصدوده ... أسفي على من هدني بنواه
يا قوم كثرة لوعتي قد أمرضت ... قلبي فيا ويلي لطول ضناه
لهفي على الولد الشفيق لقد جفا ... زهواً فطرفي قد جفاه كراه
أبدي مصادمتي فعوتب فاحتوى ... قربي فصادمني جعلت فداه
عاتبته في ذلك الصلف الذي ... هو قاتلي فبكى ودام بكاه
ناديته لم ذا؟ فقال لطول ما ... تشكو ومن جمل الغرام شكاه
فأجبته هو ذا ترق لذلتي ... أي والذي خلق الهوى وبراه
فأجابني يا من تملك قلبه ... هل أنت ممن لا يخيب رجاه
فأجبته أكثرت عتبك في الهوى ... من طال فيك على البعاد بلاه
قد صرت مما نالني يا سيدي ... صباً سقيماً عز منك دواه
فأزل ضنى جسمي أجارك من يرى ... ما تأت من خطأ ولست تراه
لي مهجة من حرها ذابت أسىً ... معها فؤاد طال فيك عناه
دعا دمعي فأسرع بانسكابٍ ... ووكلني بنوحٍ وانتحاب
ومن ذلك:
فهل ... إلى ثوبٍ ... فينقذني من الكرب الصعاب
بكيت على الفراق فكل شيءٍ ... يؤول إلى التفرق والذهاب
ألا يا قوم كفوا عن ملامي ... تنالوا الفوز في يوم الحساب
بكيت فقال لي أملي وسؤلي ... بعد أتبكي وصل واقتراب
قل اللهم فرج عن فؤادي ... من العذال أشباه الذئاب
وقل يا رب امسخهم قروداً ... فقد قصدوا فؤادي بالعذاب
فقلت له ساد من ذاك حتى ... أفوز بما رجوت من الطلاب
فلسنا نقطع الأهوال إلا ... بما نرجوه من قرب الإياب
فلا زال العواذل في هوانا ... جلودهم تمزق بالعقاب
ومن ذلك:
قال المعنف إذا صعدت أنفاسي ... وقد وضعت يدي حزناً على رأسي
إن الموفق من لا يشتكي ألماً ... فقلت واكبدي من عدله أنفاسي
قالوا لحماد إن أظهرت هجرك لي ... حلفت عاجل أطماعي من الياس
يا سيدي يا ابن اسحق أجر كبدي ... من قول من قال ما بالحب من باس
يا سيدي أي شيءٍ ترتجيه لنا ... العيد بهجته للطاعم الكاسي
لو كنت أهديت لي وعداً قنعت به ... روحي فداؤك هذا أعظم الناس
حتى متى أنا في همٍ وفي كمد ... والدمع لي أونس كابتي جلاسي
ومن ذلك:
أهلاً بمن زارني على وجلٍ ... ودمعه خيفة العدا واكف
فقمت نحو العريش أنزل من ... درن عقاراً كوردة القاطف
فقال لي مازحاً يهازلني ... هذا حل للصائم العاكف
فقلت أيها يا من به كلفي ... فقال أفديك من فتىً عارف
بالحب يا من يبوح مجتهداً ... الغيد والناس لا تكن واصف
لما تقاسيه فالغرام على ... كل محبٍ ذي حسرةٍ واقف
فقلت هبني كتمت هجرك لي ... فما احتيالي إن طاف بي طائف
منك فأذكى ناراً على كبدي ... وأنت تدري أن الهوى حائف
مولاي كن ناظراً لمسكنتي ... يا أكرم الناظرين للحائف
واعطف على ذلتي برفقك بي ... فأكرم الناس من غدا عاطف
ومن ذلك:
أصلحوا بين مهجتي والغرام ... فجفوني مقروحةً بانسجام
كم لنا يا عواذلي في الهوى ... من زفراتٍ موصولةٍ بدوام
أكثري لوم مدنفٍ أقليه ... فإني على استماع الملام
ذو اصطبارٍ ولو أطار منامي ... ما ألاقيه من أليم الغرام
كل صبٍ في الزيت من ألم البين سينجو منه بقرب اللمام
ويح طرفي عليه رحمة ربي ... قد دعاني إلى ورودٍ والحمام
قد رثى العاذلون لي فؤادي ... إذ رأوه مبلى بطول الهيام
ولجسمي لما رأوه سقيماً ... ولطرفي لهجره لمنامي
ولدمعٍ كمثل ساقيةٍ تجري ... سجاماً يزري بصوب الغمام
ومن ذلك:
حبذا من.. لي عبثا ... ودموع العين تنهمل
أنت في العشاق أول من ... طرفه بالغمض مكتحل
قلت دعني من ملامك لي ... ومن التعذال يا رجل
ما اتخذت النوم مسلاةً ... بل عليه كنت أتكل
ليظل السكر يغمرني ... فكيف الطيف لي أمل
يا سليمان الكريم أما ... ترث لي فالعقل مختبل
سيدي يا ابن الكرام قد ... هد جسمي الخوف والوجل
من إلى داود يشفع لي ... من غرامٍ ما به فشل
من كلام الشيخ عبد الله
قيل لي أن من هويت سقيم ... فاعتراني لذاك وجدٌ مقيم
قلت أنا نرجو له البرء مما ... قد عراه والله بر رحيم
يا حبيبي إن كنت تشكو سقاماً ... إن جسمي من الجفاء سقيم
حيثما كنت أو تكون خف الله تعالى فالجسم مني كليم
هل قبيح لو كنت في هذه الليلة عندي يا فاتني لا تريم
في سرورٍ ولذةٍ لم يشبها ... منكر بل مدامةٌ ونديم
ثم تضحي يا منية القلب في عا ... فية في أثنائها ما تروم
فأنثني باسماً قال لك البشرى ... سآتيك والدجا مركوم
ثم من شاء فليقل في ما شا ... ء فإني برده لزعيم
وإن ارتاب في فعالي يبايعني ... بأني على الوفاء أدوم
لا أبالي بمن يلوم ولو أصبح في الخزي ذلك الرجوم
ومن ذلك:
سرق النوم من جفوني لما ... صدّ عني من كنت أهوى لقاه
واعتراني ما بعضه لو يعاني ... رجلٌ ذاب من أليم عناه
لو درى ما أصاب قلبي من ... همٍ وغمٍ لكان قل جفاه
إنما صده ففارق من ... قيل عذولي يا فض ربي فاه
أله أن يميله عن محبٍ ... ما له في الورى حبيب سواه
أحمد الله كلما لام القلب شوقاً فلو كفانا كفاه
أنا فانٍ وهائمٌ وهو لاهٍ ... عن كثيبٍ ما أن له إلا هو
في نعيمٍ ولذةٍ لا تناهى ... زاده الله نعمةً وحباه
فاتخذ منحتي ثواباً لدى ميزانك الآن بالمنير سناه
لا تدعني أهيم في كل وادٍ ... لاستماعٍ فقال خذ ما تراه
قال صبراً مع كل حزن سرور ... قلت من لي بالصبر يا تياه
إن تصل وهو في اليق تلق الميزان يا منيتي الذي ترضاه
أو تجر عامدا أقل يا عذولي سرقت لذتي وما أهواه
ومن ذلك:
قال لي من أراد مني سلوى ... قول واشٍ فدم عديم عدو
بعض هذا التلاف في ذلك الشا ... دن قلت احذرن عدمتك هجوي
أيجوز الجفا لربرب الأعرا ... ب الذي في لقاه ينمو هدوي
إن من لام فيه لا شك والله لفي طبعه أشد عدده
وكلام النساء أعذب منه ... إن عند النساء بعض خدي
لو رأى ما يقوم عندي من الوجد لما لام أو لوجدي يقوي
هو عندي هديته، في مقام الما ... ء مطف وحر شوقي يروي
بل إذا زارني فيشفي الذي بي ... من سقامٍ يضني ويعيي وينوي
وهو عندي من الضما ريقه الرا ... ئق حقاً ألذ من كل حلو
ومن ذلك:
كساني كسوة الصب المعنى ... حبيب لا يقاس به حبيب
وإني الخادم النعلين منه ... وعندي ترب نعليه يطيب
فهل لك تكبت الأعدا بوصلي ... وتأتي نحو داري يا أريب
ويغتاظ العدو بجمع شملي ... ويغدو باكياً وله نحيب
ومن ذلك:
دعاني............ ... خلعت عذاري في هواه ولا إثما
فما رجل غلا فتى دينه الهوى ... وإن لامه اللاحي يرى إذ صما
مدامعه يا صاح جارية إذا ... دعاها أجابت لا تكون له خصما
وتخرج منها شاء إخراجها دما ... وإن شاك محبوباً له شوكة حما
ومن شأنه أن يستمر ذهابه ... على رجله لا يمتطي شقرا ولا دهما
ومحبوبه وافى وكان مغاضبا ... فلما رآه قادماً فاز بالنعمى
ولم أنسه في ليلةٍ جاء زائرا ... بمحبوبةٍ قد حركتها له الأسما
بالإبرة خاطت عين عاذلها فقد ... غدا من تعاميه يفوق على الأعمى
قد فرط الواشي لما قد أصابه ... من الغم إذ وافته رغم العدا اسما
فقال لها يا منيتي ألف مرحبا ... بمقدمك ومنظرك الأسمى
ولكن رابني هالكاً قد أذابه ... بعادك يا من تغرها وصفة الأعمى
فقالت لك البشرى ظفرت بدرةٍ ... فريدة عصرس لا ترى مثلها حتما
فهمت ولكني تماسكت عندما ... سمعت كلاما يبعث الميت إن حما
فقل ما أحيلى صوتها وألذه ... وقل اغتنم فما يردتك أو لثما
ومن ذلك:
من اشترى قبلةً ممن يحب بما ... يختاره من عروضٍ شاء أو نشب
يا نعمه رجل فازت تجارته ... فإنه قد شرى دراً بمخشلب
أفدي غلاماً رقيق الخصر ذا هيفٍ ... أزرى السلاف بصافي ريقه الضرب
رآه بعض أحبائي فقيل له ... هذا الذي قد سبى ذياك بالشنب
يا حسنه إنه ينحني وإن رآه ... يبوح في الحال لي عنه بلا كذب
يا طيبه في مهادي حين أهصر منه القد فوق الفراش اللين الرطب
كم قلت يا بدر يا نور العيون أما ... تخشى الوشاة فقال الكل كالخشب
وقال دعهم فهم أعداء إن وجدوا ... لنا فراشاً تراموا فيه باللهب
لا بارك الله فيهم قد بلوتهم ... فليبل منهم جديد الأثواب القشب
ومن ذلك:
قد صد عني من أحب وقد نأى ... عن مقلتي عمداً بغير جناح
فأزال عني بالصدود لذاذاتي ... وأحال جدي عامداً ومزاحي
ناديت حين جفا تركت متيماً ... وهجرت صباً دائم الأتراح
وحجبت عني النوم ذا الأجفان من ... عدم الكرى نسباً إلى السفاح
فاردد رقادي بالوصال تكرماً ... يا نزهة الأقداح والأحداق
أواهٍ كم أشكو إليك وأنت لا ... تصغي لشكوى ذي ضنى وجراح
هذا فؤادي ذاب من ألم النوى ... ولدى النواحي قد أطلت نواحي
يا ما أشد الهجر حقاً إنه ... كالموت يقتلنا بغير سلاح
لو خلت ما بي عاذلي لرحمتني ... وترى فسادي فيه عين صلاحي
ومن ذلك:
يا قوم جفتني عامدا ولها ... في القلب مني محل ما به أحد
إن غبت تأكل لحمي ثم تعتبني ... مهما حقرت وحالي ليس تفتقد
في قرطها عجب في خدها لهب ... في ثغرها شنب باللحظ تنتقد
ولو..... وخيبة من فرط لوعته ... حرٌ يضيق به لو ذاقه الأسد
قالوا تحب لقاها؟ قلت وكيف لي ... منها صبيٌ به يستروح الكبد
عني تربيه والألبان ترضعه ... وكم به وبها من فرحة أجد
والآن صار له مذ زارني دنف ... يعيذه الله ممن دأبه الحسد
ومن ذلك:
قال المعنف لي وأنكر لوعتي ... حتى م دمعك كل يومٍ تذرف
تبكي على رجلٍ جفاك تعمداً ... والبخل منه لعمر جدك يعرف
فأجبته لأني كما بمعذبي ... من صبره عني فقلبي يرجف
ظبيٌ كان الدر داخل فيه إذ ... يبدي ابتساماً والشقائق تعطف
من خده فلان عيني كلما أبصرته ... غضضت ذاك وأرشف
أبدى صدوداً قال يقربك الذي ... تشكو سلاماً دائماً يا مدنف
قلت السلام على الحبيب مضاعفا ... مادام في الثقلين عني تطرف
يا ليته يدنو فقال تعجباً ... هيهات ذاك وهل حبيبٌ ينصف
فأجبته في هديه ووفائه ... أن ينثني للمستهام ويعطف
يا حسنه في عزه وحماله ... لو كان لي في وعده لا يخلف
إن الهوى عجب ومحمل عبأة ... شي تنوء به الجبال وتضعف
ما لامني في حب من هو قاتلي ... إلا خفيف عقله ومكلف
ومن ذلك:
لقد قال لي سيدي مرةً ... ودمعي منسفحٌ ساجم
إذا قيل رجل أهل الزما ... ن فقل عاشقٌ صابرٌ كاتم
فقلت له قد وحق الهوى ... وددت بأني بك عالم
فقال ستعلم إن دام ما ... تكابده أنني راحم
فقلت خف الله في قتلي ... فإنك بالهجر لي ظالم
لحسبي بأنك في عالمٍ ... بأني على ما جرى نادم
وشكواي يخلقني إن شكوت فها أنا ذا أبدا واجم
بكيت وإني أرجى السلو ... وما أنا من لوعتي سالم
محموم جسمٍ عليل الفؤاد ... به كمدٌ أبدا ً دائم
ومن سنة الحب أن السقام بصاحبه ثابتٌ لازم
ومن ذلك:
منه عرفت المطل بالوعد ... من يحجب الأغصان بالقد
إذا بد هلكت عجباً به ... ويلي لقد أثمت بالصد
يا لائمي في أن شكوت الذي ... حل بقلبي من لظى الوقد
كم لائمٍ لام فقال اصطبر ... فقلت لا صبر على البعد
عن من هواه قتلتي جاهداً ... يا ليته خفف من وجدي
إني لمن حبيه في محنةٍ ... شهد الله بما عندي
ما ينثني قلبي إذا لمته ... في الصبر عنه آهٍ من جهدي
يا عاذلي في حبه كم إذا ... قد جل ما أخفي وما أبدي
ومن ذلك:
لست عنها يا عاذلي بالصبور ... صرت عبداً لها ونعم المصير
يا فؤاد.... رحمةً بي ... فادني نحوها فعاد الغرور
فإلى الله أشتكي ضر قلبٍ ... ماله من غرامه من مجير
ليس وصلي على مناي حرام ... بل حرام هجر الذليل الحقير
قد وحق النبي طال خضوعي ... ثم مالي على الهوى من نصير
قد نهاني العذول عن فيض دمعي ... وعذولي بالحب غير خبير
لي في الحب موتة كل يومٍ ... من غرامٍ وسحٍ دمع غزير
هذه حالتي ومن يتهمني ... في نعيمٍ ولذةٍ وسرور
لامني جاهلٌ فقال أتبكي ... وبكاء المحب غير نكير
ليس موتي فجأةً بعجيبٍ ... لبلائي بها وفرط الزفير
بل عجيبٌ إن قيل عاش فلانٌ ... وهو مبلى بحب ظبيٍ غرير
ما احتيالي قد مات صبري وعاشت ... زفراتي من بعد طول الدثور
وعرتني بالحيل والرجل أحزان ... فقلبي من لوعتي في سعير
وإذا قيل من عشقت أنادي ... بدرٌ تم من فوق غصنٍ نضير
ومن ذلك:
لا غرو أن صحت ويلي من الكمد ... او قلت مالي من صبرٍ ومن كمد
والله والله إيماناً مضاعفة ... لقد تمكن سهم الحب من كبدي
ماذا أقول لمن تلحى على دنفي ... إذا أطال من التعذال والفند
أجيء كل غداة أشتكي سقمي ... إلى طبيبٍ لما ألقى من البعد
سقر يعجز عن برئي فوا أسفي ... على المعذب لي عن غير ما قود
هم يظنون أني غير مكتئبٍ ... والعين بالدمع ما تعرى من الرمد
ومن ذلك:
إنني يا أخي وقفت بخيا ... ط ثوبٍ رثٍ كثير الفتوق
قلت شلله لي فقال بد ... ينار فناديته بقولٍ رقيق
دع مكاسي وشلل البعض منه ... فبقلبي منه كمثل الحريق
يا مناي وسيدي أنت شلل ... قال قد جئتني بوجهٍ صفيق
لست ممن علي حقوق ... لا ولا لي فما أرى من صديق
قلت قد جئت من مكانٍ بعيد ... قال لو جئت من مكانٍ سحيق
ثم نادى أبرمتني وحاني ... فكأني أهويت من منجنيق
عاش في ذلة علقه الله بعينيه في أشد مضيق
كاد عقلي يزول من قفزةٍ لي ... ودعاه بالويل وسط الطريق
راعه الله كلما نقر الدف ... بفقدان كل خلٍ شفيق
ورماه بمثل ما قد رماني ... من هوانٍ وغلظةٍ وعقوق
ومن ذلك:
نظرت إليها إذ تبدت من الحذر ... فناديتها والدمع من مقلتي يجري
وأظهرت أعرابي لقولك باسماً ... فقالت أبتغي الوصل بالنحر والشعر
فقلت لها إني إلى الوصل راغبٌ ... فجودي كي تنقذيني من الأسر
فقالت فلم يا أرجل الناس تشتكي ... غرامك قل لي قلت من شدة الضر
فقالت فعندي ياسمين منضد ... ودر كخدي قلت قد جئت بالسحر
فكم عاذلٍ أعلمته لصبابتي ... فقال دع الشكوى وعود إلى الصبر
فقلت له والقلب مني نواله ... وأي اصطبارٍ للكئيب على الهجر
لقد بان صبري يا عذول وخانني ... عزاي فدمعي ما يمل من القطر
جعلت لباسي في الأنام قطيفة ... من السقم تدنيني لحيني من القبر
فيا عاذلي ماذا عليك بلوعتي ... دع اللوم لي فاللوم من أعظم الوزر
أتعذلني في حب من هي فتنتي ... ومن قد زهت حسناً على الشمس والبدر
لقد نسج الحسن البديع بلطفه ... لها حلة تبقي عليها إلى الحشر
فدع لوم صبٍ قد أضر الهوى به ... وأنحله فالسقم في جسمه يبري
وروح فؤادي من بكا بك ساعة ... فمالي إذا قد رمت الصبر من عذري
ومن ذلك:
قد زرت وجداً ووسواساً بهجرك لي ... يا هذا فأرسلي العواد عن خبري
أرى هموماً على قلبي مواصلة ... عائداتي يطلن اللوم لي فذري
لومي وإلا فزيديني فلست بذي ... صبرٍ وكيف بصبرٍ لي على القمر
والآس من قال زيدي في ضناه ... ولو بصرن جسمي لما أسرعن في ضرري
يا ويح ميت الهوى ماذا لقيه لقد ... شهرت من لوعتي في البدو والحضر
لم يا عذولي أو هونٌ عليك بما ... ألقى فإن ملامي أعظم النكر
من مات عشقاً فلا تنكر شهادته ... وكن عليماً بما قاسى من السهر
إن لم يقولوا بكا قالوا ضنى أسفاً ... قد كنت أحذر لو وقيت من حذر
مفندي لم فان العاذلات على ... هواي حابيني إذ قلت بالنكر
الصبر فانٍ فجودي يا معذبتي ... أو فاسألي جلدي يا أحسن البشر
فمن لعبدك والناس تشمله ... أقيك كل الردى بالسمع والبصر
ومن ذلك:
جهولٌ بما بي قال لا تكثر البكا ... وكن صابراً أكرم صاحب
وهل رجلٌ يا قوم يحس صبره ... ومحبوبه في قربه غير راغب
أطال فلان لوعتي بصدوده ... كغيث ابن عمي عنه خوف المراقب
فما غير زنديقٍ يلوم متيماً ... ويعذله والعذل لي غير غائب
إذا قيل لي حتى متى تكثر البكا ... أجبت بدمعٍ دائم السح ساكب
أعاذل كيف الصبر بعد فراق من ... يرى أن الصب ضربة لازب
لقد علمت كل القبائل أن من ... نأى عنه من يهواه جم المصايب
ألا بأبي من قال لي إذ بثثته ... غرامي وقد أعيت وجوه المطالب
فديتك هذا حسن رأيٍ رأيته ... أم الحب غطى عنك سبل المذاهب
فقلت له يا كل شيءٍ أحبه ... مقالة صبٍ صادقٍ غير كاذب
فأقسم بالزيتون والتين حلفه ... لهجرك لي يا سيدي غير واجب
وما أنت بالخل الذي يحمل الجفا ... ويعجبه بعد القريب المسائب
ومن ذلك:
دخل الغرام إلى صميم حشائي ... فشكوت طول صبابتي وعنائي
ما خالص الود الممكن عندكم ... إذ تفخرون بفقدكم من دائي
إن كان منزل من يحبك قد نأى ... فلأبكين على فوات بكائي
ما بال قومٍ يكثرون ملامتي ... مالي عزٌ أعز من فنائي
رمت الوصال فلم أنل من وصله ... إلا كظل الحائط الميفاء
وسألته عطفاً علي فلم يجد ... ماذا على مولاي في إحيائي
ماذا على العذال لو قد زارني ... إلا أنام فكيف نلت منائي
وا حر قلبٍ دواؤه ودواؤه ... بيديه لا يلوي على الرقباء
ومن ذلك:
وقف الهوى بي والمدامع تمهل ... إذ قيل قد قوصوا تحولوا
يا ساحر الصب المعذب قلبه ... عن حسن ما أهل الهوى قد حولوا
لأني على من شفني برحيله ... والحب داخل مهجتي لا يرحل
من كل بابٍ قد رددت بحسرة ... فالنفس من فرط التذلل تذبل
لح العذول فقال دع عنك البكا ... ماذا له لكنه لا يفعل
بالله يا أهل الوفا قولوا له ... ......فقال فإنني لا أفعل
يا ليت كل الدار عين أعاذلي ... والصالحين فلي دموع تهمل
قد صار في دار التذلل موطني ... ماذا على رجلٍ عليه تذللي
ومن ذلك:
بأبي وأمي من رقد ... عني وأغرا بي السهد
الصب منقطع الرجاء ... من التبصر والجلد
ما حيلتي وأنا الذي ... قد ذبت من طول الكمد
أشكو إلى العذال ما ... ألقاه من طول الفند
يا بؤس منقطعٍ إلى ... من ليس ينجز ما وعد
يا بؤس من يحضى هوى ... يبديه دمعٌ يطرد
قد كنت أحسن في الهوى ... حالاً من اللاحي النكد
قد أكثر الناس الملا ... مة للغريب المنفرد
مل تم أسوأ حالة من ... عاشقٍ لم يقتصد
قال الحبيب وفي فؤا ... دي منه نارٌ تتقد
السقم ضيفك قلت لا ... قد أقام مع الأبد
يا قوم كيف لمهجتي ... صبرٌ وقد ذاب الجسد
ما بال دمعي لا يني ... كالمزبد الطافي الزبد
وإذا شكوت صبابتي ... قبل البكا من الرشد
وظهورها فخليناها بحمد الله سبحانه وتعالى وكتبناها متوالية متوالية وقد وجدنا في نسختنا كتابة خافية في بطون الطيور والوحوش على قاريها وهي هذه:
يا من يديم الغضب ... حتى متى تجتنب
لقد بان لي ما أحب ... منك أزلت الغضب
ومن ذلك:
دعني فإني دنف ... ولي حبيبٌ صلف
مازال منك جنف ... كل مليحٍ صلف
هذا بلا نحيبٍ ... يبكيه بعد التجنب
ومن ذلك:
رسول قلبي محجب ... مالي من الحب مهرب
سكوتي عن الأديب ... حذاراً من الرقيب
أناديك من قريبٍ ... مناي فلا تجيب
أنا المدنف الكئيب ... أيها الهائم الغريب
خف الله يا غريب ... ولا تكثر النحيب
دع النوح يا غريب ... على الشادن الربيب
لقد أعرض الحبيب ... فقال اترك النحيب
إن صرت فرداً بلا حبيب ... قد ذبت من كثرة النحيب
فكن صبوراً على الكروب ... ما يصنع البين المفترى بي
من صد عنك تجنب ... وإنما يتعتب
إني لصبٌ معذبٌ ... وظالمٌ متجنب
ومن ذلك:
ليس من كان ذا دنفٍ ... ينكر التيه والصلف
من لصبٍ بكم كلف ... قلبه معدن الدنف
من جميع الورى خلف ... لا ترى صده جنف
أنا صبٌ بمن حنف ... ثم أغوى بي التلف
ومن ذلك:
قد كنت مثل التجنب ... لما يقول أكذب
صلني فإني معذب ... يا من بوصلي تحبب
قد جفا أحسن العرب ... فيم أعرف الضرب
إنه يقبح الكذب ... كيف تجشو بلا سبب
قد نعاني بلا سبب ... أحسن العجم والعرب
وإذا صد واحتجب ... فدع الدمع ينسكب
لا تقل صد واحتجب ... إنما كان لي سبب
بأبي أنت ما السبب ... الذي أوجب الغضب
قد جفاني بلا سبب ... أحسن العجم والعرب
ليس صبر الفتى عجب ... وبه يأمن العطب
ذا تجنيك والغضب ... كل يومٍ بلا سبب
وهذا آخر ما أوردناه والحمد لله على كل حال وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
ومن ذلك:
طال الضما إلى خود منعمة ... كبدرٍ تم على بانٍ من القضيب
فظلت من شدة الخوف المبرح بي ... أصيح بالويل بين الناس والحرب
متى يلم فيشفي ما أكابده ... خيالها من أليم السقم والوصب
وزادني ألماُ قول الوشاة لها ... عديه وصلاً يرجيه بلا كذب
أقول هذا مقام الصب فاحتكمي ... فيه بما شئت من جدٍ ومن لعب
يا من يقوم مقام الموت هجرتها ... يا أحسن الناس من عجمٍ ومن عرب
ماذا يغرك لو أحسنت ظنك بي ... وجدت بالوصل بعد الهجر والغضب
ظن النساء بأني الصب ذو جلدٍ ... هيهات ليس بصبارٍ على الكرب
وأخجلت من كلام الحاسدين لها ... وقولهم فيم لا ترثين للعطب
عديه عن كنت تنوين الوفاء له ... خيراً ولا تركبي في جحفلٍ لجب
من الصدود فما الأعراب تفعل ما ... فعلت بالصب عند الفوز بالسلب
في بعض سقمي لهل العقل معتبرٌ ... وفي صدورك عن شكواي يا بأبي
وقال قومٌ دع الشكوى فما هجرت ... إلا لقتلك أو صدت بلا سبب
ومن ذلك:
نهاني عن مجالسة الأنام ... منامي كي أدوم على غرامي
ولي شغلٌ عن الإخوان طراً ... لما بالجسم من فرط السقام
فمالي نزهةٌ إلا بكائي ... وطول تلذذي جوف الظلام
أظن العقل سوف يبد مني ... لما أبديه من طول الهيام
ومن ذلك:
أسيل الخد يسحر بالمحاجر ... غريب الحكم في الأحكام جائر
لقلبي والنبي عليه نارٌ ... وقتل الصب سلطان الجآذر
رأى وصلي حراماً فأنقاني ... لذاك الهجر عند ذوي البصائر
أما والله لو أسطيع صبراً ... صبرت وعدل مثلي غير صابر
بكيت عليه من حرقٍ لأني ... أكلمه فيسكت فعل هاجر
إبن لي يا فديتك أي جرمٍ ... له قال المعنف أنت عاذر
أترغب في الجهاد فدتك نفسي ... وأفضل منه وصلك لي فبادر
ومن ذلك:
من ذا يساعد من دامت صبابته ... على البكاء فقد قامت قيامته
أكثرت عذلك من يغريه عذلكم ... أيضاً ومثلي لا تغنى ملامته
يا من زيارته تحي النفوس أجر ... صباً كئيباً فقد طالت إقامته
لو قيل ما تتمنى قلت زورة من ... كالبدر طلعته والغصن قامته
نفسي الفدا لمن بشاشته ... في الحب غذ عظمت فيه فضاضته
ومن ذلك:
عن غير جرمٍ نأت فوا أسفي ... أوقفتني حبها على التلف
ما بي على ما لقيت من جلدٍ ... أحنى على مهجتي من الدنف
قد قال قومٌ وأدمعي سكب ... واهاً لهذا وجسمه النحف
قلت عليكم بترك لومكم ... كفى ما بي من فارط الأسف
أبيت لا بات من كلفت به ... بمثل ما بي من شدة الكلف
قد وكل القلب بالغرام فمن ... يخجل قد الغصون بالهيف
خود كان التفاح وجنتها ... وريقها كالمرام في الرشف
تباً لقلبي فإنه سببٌ ... إلى هلاكي بكثرة الخلف
هل من نصوحٍ أشكو إليه فقد ... وقفت منها على شفا جرف
ها أنا يا سادتي بديع أسى ... على بديعٍ في التيه والصلف
يا معدن الحسن جد بمغفرةٍ ... معدن السقم فيك والأسف
آهٍ على ظبيةٍ تريق دمعي ... درة نحرٍ من خالص الصدف
ومن ذلك:
أيا صبري فما أسطيع صبراً ... وذاك لأنني خالفت ضرا
إذ أجل الذي أخفي وأبدي ... من البلوى دعوت الله جهرا
أكف الناس عن عذلي ولومي ... وأنت أراك مما بي مقرا
أعاذل ما أطرا العذل يسلي ... محباً لا ولا يثنيه قهرا
لقد أهدى الملام إلي سقما ... سريعاً في هلاكي ليس يبرا
أعاذل دع ملامك لي ودعني ... فقد حملتني من ذاك وقرا
أتطمع أن أعود إلى سلو ... فدعني واجعلن وصليك هجرا
أعاذل لو ترى في الليل دمعي ... ترى مطر جرى سحاً وقطرا
ومن ذلك:
وعشت يا أكرم العالمين بخيرٍ ... وأمانٍ من كل ضنكٍ عسير
أنا في حيرةٍ لصدك عني ... عن غير احترامٍ وغير نكير
قد رثا كل عاذلٍ لبكائي ... ولحا فيك كل وغدٍ حقير
صرت في مأتمٍ وكان سروراً ... بك تيمني في الماثم البكور
بأبي أنت جد بما أتمنا ... هـ سريعاً يا سيدي وأميري
وأغثني من الوصال بشيءٍ ... واجعلن ذاك بي يسر التيسير
وأعظ من قد أشار بهجري ... وابعثن لي يسر ضميري
زر فعندي ما تشتهي من شرابٍ ... وبخورٍ ولذةٍ وسرور
ومن ذلك:
قال أناسٌ أعرضت وتبدلت ... فقلت دلالاً ليس يقوى بها هجري
فلو أن سقراط الحكيم بلطفه ... رآني وما ألقى لعجزه أمري
أتنكر لي أن النساء سبينني ... وقد تأسيني الناس في سالف الدهر
أقول على اسم الله يا من يلومني ... إليك كفاني ما لقيت من الضر
رويدك إن الحب للمرء قاتلٌ ... فيورده قبل الممات إلى القبر
سأشكو الذي يلقى فؤادي من الأسى ... إلى عاذلي كيما يضيق عن الزجر
ملامك فاتركه أيا من يلومني ... ففي تركه أجرٌ ففز أنت بالأجر
أتعذل من يرجو بلومك نفعه ... وما نفعه إلا دنو الذي الخبر
عذابي من أضنى فؤادي وشفني ... هواه ومن أربا بوجهٍ على البدر
خضعت برغمي ذلةً واستكانةً ... لما قد تناوله من التيه والكبر
خف الله يا من لح في قتل هايمٍ ... ففي قتله وزرٌ وحاشاك من وزر
ومن ذلك:
قال لي إذ رأى طويل هزالي ... من عليه معولي واتكالي
كم على من جفاك تظهر حناً ... وهو بالحزن والبكى لا يبالي
قلت يا من عليه كل اعتمادي ... لا ترعني بالهجر بعد الوصال
لو جعلت السلام حظي لا جزل ... ت فبذل السلام خير نوال
قال والباذل السلام له أج ... ر لقد جئتني بقول المحال
فقلت دعني فكم نجا منك قلبي ... لم أبكيك في طول الليالي
حبذا من كان قامته الغص ... ن زهى في الورى بحسن اعتدال
وحكى الجيد منه جيد غزال ... وله غرة كضوء الهلال
للغلام العذار منه وللمر ... ة اعطافه وحسن الدلال
ما احتيالي والعاذل السوداء بي ... وا بلائي لقد طال خيالي
ومن ذلك:
إدمان عذلك للمحزون قاتله ... أما ترى دمعه قد فاض هاطله
قد حطه من على السمك رافعه ... فالحسن واصله والصبر خاذله
يبيت والطرف منه ما يلائمه ... غمض وأنى له مما يحاوله
تراه يبدي لمن قد لامه جلداً ... فقد تحير والرحمن عاذله
يا من يذيب بطول اللوم مهجته ... من ذا يلوم هواه وهو جاهله
انظر إلى الجسد المضنى على قمرٍ ... زهت على البدر إذ شمت شمائله
كالمزن والعسل الممزوج ريقته ... والدعص ردفاً وغصن البان حامله
يا عاذلي والهوى إني لمختبلٌ ... فسله عن حاله يا من يسائله
وإنه لتمر الريح بي سحراً ... من أرضه فينزل الحق باطله
وعاذلٍ ورقيبٍ يدفعان ضنى ... ولم يريا ما الصب باذله
فلي مضرته في الحب دائمة ... والوجد آفته والشوق قاتله
ومن ذلك:
ولما شكوت الحب قال لصخرة ... فلم تكثر الشكوى إلى غير راحم
فقلت له إن الرضا منك بغيتي ... فجد لي بما أبغيه يا بن الأكارم
دع الهجر لي يا من عليه معولي ... ولا تصغ يا سؤلي إلى قول لائم
عليك من الصب السلام تحيةً ... وعشت سليماً من جميع المآثم
فقد أكثر الصب السؤال فكن له ... مجيباً وجد بالوصل يا خير حاكم
أترضى هداك الله يا أكرم الورى ... بقتل محبٍ فوجع القلب هائم
أليس الرضا يجلو عن القلب رينه ... ففرج جوى قد حل بين الحيازم
فبالسمع يا مولاي والبصر الذي ... هما لذتي أفديك من كل غاشم
فأنت خليلي والخلال منوطةٌ إلى خله الخل الكريم المسالم
فرب عذولٍ يجلب الصد والأسى ... إلى قلب من يلحاه غير مكاثم
رزقت الهوى مني وفي الرزق خطوة ... ولاسيما والوصل بعد التصادم
ومن ذلك:
دوائي دنو الحب بعد صدوده ... ليبرد قلبي من أليم وقوده
أرى كل محبوبٍ يرق لحبه ... وحبي لا يرثي لضر عبيده
وكل محبٍ خاضعٍ لحبيبه ... ولاسيما أن راعه بصدوده
فسقيا لمن يحظى بقرب حبيبه ... ويرثى له إن لم يرعه وعيده
ومن ذلك:
قال الذين رأوا صدود منائي ... عني وطول صبابتي وعنائي
ما خلد الرحمن خلقاً في الورى ... في ضنك عيشٍ أو دوام رخاء
يا سادة الأدباء هل من راحمٍ ... يرثي لمسكنتي وطول بكائي
أو من يرى في الناس يشفع لي بالي ... من قد علا كرماً على الكرماء
أيكون في الدنيا كمثلي في الهوى ... أو مثل من أهواه في البخلاء
ذ ليس فعل الأسخياء فعاله ... في صده عني يريد فنائي
كيف لخلاص وفي فؤادي جمرةٌ ... أبداً تزيد تغرماً بذكائي
يا عاذلي إن كنت تبغي الآخرة ... التي هي بغية الشهداء
فافعل فديتك في فعال الأتقيا ... ء وخلني صباً أموت بدائي
ومن ذلك:
قال العذول وقد رأى سقمي ... حتام لا تخلو من الهم
فأجبته بأن الحسن أسقمني ... والحب يذهب صحة الجسم
لو كان طعم الهجر من عسلٍ ... كان الطعام له من العزم
وأنا اليدين من الصدود لكم ... قبل الوصال وبعد ما ينم
أشكو نواهم قبل وصلهم ... والفقر من صبري ومن علم
والصبر عن طيب الطعام فهل ... به ينبغي بوصلك عارض السقم
ومن ذلك:
ليس من أظهر القناعة بالطي ... ف قنوعاً بل ذاك غير قنوع
كيف يا واحد الملاحة للصب ... المعنى بلذةٍ من هجوع
رزق العاذل الجلادة والصبر ... ومال الرزقين غير بديع
ومن ذلك:
عن غير جرم نأى فبرح بي ... من هو زين الورى من العرب
بعد الرضى أظهر التبرم بي ... يا طول غولي ويا نعم حرب
يا طول حربي عليه حين جفا ... وصد عني عن غير ما سبب
على السرور السلام بعد ضنى ... أوقف قلبي ظلماً على العطب
إذا شكوت الذي أكابده ... قال اكتئب شر مكتئب
حلل قتلي كذبحة الجز ... ار المقصود في ذبحه للنصب
كم يكمد القلب بالصدود وكلكم ... يسخن عيني بكثرة الشغب
يظهر ما في الحشا أسى ويذ ... يب الكليتين الضعاف
والدمع يبدي الذي أكاتمه ... من لوعتي ويقيم الغدر من تعب
كن ذاكراً بالجميل يا أملي ... فأنت في الذكر عالي النسب
ومن ذلك:
يا أفضل العالمين رأياً ... وأحسن العالمين شكلا
أروى جميع البقول دمعي ... وأعوز الخافقين سجلا
يا عالم الهند هل دواءٌ لمد ... نفٍ ما يفيق خبلا
يا فطناً بالأمور قل لي ... ما بال قلبي يزيد ثكلا
والله والله إن قلبي ... لا يتمنى سواك خلا
لو رام هذا لخس عندي ... ونال بين القلوب ذلا
ومن ذلك:
من لحزينٍ دنفٍ مغرمٍ ... هان من السقم على العابد
عرف بعض السقم لما بدا ... عليه ماذا يبدو من الشاهد
ما بال من يتمنى هجره ... ما باله أعرض كالحاقد
قال تعذالي فيا ليته ... يبذل طيفاً منه للراقد
ومن ذلك:
تبينت الحسناء وجدي فأعرضت ... وصدت دلالاً لا تبتغي قتلي عمدا
فما حيلتي والمرأة السوء عندها ... تشير بأن الهجر للمبتلى أهدا
فلو تنصف الأيام لان فؤادها ... ولو أنه من قسوةٍ قد غدا صلدا
أما ومرور اللهو بعد فراقها ... لقد تلفت روحي وفت بها وجدا
ومن عدم الإخوان أن ينصحوا اللقى مثل ما لاقيت من عيشة نكدا
محادثة الإخوان تكشف لذة ... وتورث من قد صد أحبابه زهدا
متى تذهب الأحزان علي بوصلها ... فتاة ترى أني لها في الهوى عبدا
ويعذلني من ليس يفنيني لوعتي ... بعدلٍ بلى يزداد نار الهوى وقدا
ثلاثة أيامٍ لنعم تقول إلى ... لك الويل لم تبد لتائهةٍ صدا
ومن ذلك:
عجبت لنزف الدم من فعلة الصب ... على ما يقاسيه من الضر والكرب
وفي الدم غذ يجري مع الدمع راحة ... لباكٍ بكى شجواً على فرقة الحب
فيا عاذلي هل يؤخذ الصب عنوةً ... بصبرٍ وهل صبرٌ لمختبل القلب
أليم الهوى زاج على كل حالةٍ ... وضر الهوى يبقى على الدنف الصب
يلوم العذول الصب جهلاً بحبه ... فيسحق منه القلب بالخوف والرعب
ويعلم أن الصب يضعف قلبه ... ويعجز عن صبرٍ على البعد والقرب
ومن ذلك:
إذا كان المعشوق مخلٍ بقربه ... فعشاقه في ضنك عيشٍ وفي جدب
فيا عاذلي عن كنت ترحم مغرماً ... وتحمله إن ظل يشكو جوى الحب
فخذ خبري إن الرباب تعطلت ... فديتك في المرآة في ساعة الحب
فتاهت بصدغٍ فوق خد موردٍ ... بصورة بدرٍ لاح في الشرق والغرب
فآفة جسم الصب فرط نحوله ... كما آفة الدمع التواصل بالسكب
ومن ذلك:
خل عن لومي وعن فندي ... فكفى ما بي من الكمد
هل على بدرٍ كشمس ضحى ... ثغره أنقى من البرد
ظلت تلحاني عليه وقد ... زاده شكواي في البعد
فعلى قلبي السلام فلي ... جسدٌ يبلى على الأبد
قال لي من ذكره أبداً ... سائر بالفضل في البلد
لك من وصلي فنوناً أبدا ... ما يحس القلب فاتئد
قيدني للحب في مسدٍ ... منك والرجلين في صفد
وأرى طرفي سيورد مهلكاً بالناس في رعد
ففؤادي فيه جمر الغضا ثابتٌ والراحم الصمد
ومن ذلك:
قال جار في هواك عذولي ... قلت لا علم للفتى المسؤول
إن بعض الجواب فيه شفاءٌ ... ليس معروفٌ ذاك كالمجهول
قد سمعنا من سائر الحكماء اليوم نولاً ثمن في العقول
كل صبٍ فاعلم بذلٍ في الحب أيها السائل الكثير الفضول
أي شيءٍ ألذ من عيش صبٍ ... جاءه حبه بغير رسول
ومن ذلك:
قالت لجاراتٍ لها خيفة ... هذا الذي تيممه حبي
قلن لها هل لك في قربه ... قالت أخاف البعد من رب
فقلت مولاتي تحب التقى ... وقتلتي من أعظم الذنب
قلن لقد شانك في فعلها ... فقلت لما زادني كربي
فقلن مزح فناديتهم ... قد سائني إذ ساءها عتب
ومن ذلك:
فاطري الفدا الحلو المعاني ... ومعير الجمال حور الجنان
من نأى بالرفاد عني فعيني ... أبداً من دموعها في سوان
شادن يان باصطباري إذ ... بان فقد جار عن بياني لساني
عاذلي دع الغداة ملامي ... وأقلا كفا كما ما دهاني
إن لي دمعه تخون إذا ما ... صد عني بوجهه وجفاني
ومن ذلك:
رآه الوجد صباً فاحتواه ... وحالفه وواصله ضناه
فيا داعي الغرام أجب قليباً ... وأسرع في الإجابة غذ دعاه
فقال أراك مسلوباً كئيباً ... كذاك الصب مسلوباً عزاه
فمن لمدلهٍ كلفٍ حزينٍ ... له سقمٌ يسرك أن تراه
ومن ذلك:
القلب من عبدك المسكين مختبلٌ ... والدمع من عينيه في الخد ينهمل
وأنت كالملك الفظ الغليظ إذا ... شكا إليك فما ترثي ولا تصل
فجسم عبدك بال والجوارح من ... فرط الغرام بنار الشوق تشتعل
والوجد يا أملي وقف على كبدي ... من جنده وغرامي فيك متصل
أخفي الهوى جاهداً من عاذلي فإذا ... زاد اشتياقاً فأنت السؤل والأمل
ليت العواذل ذاقوا ما أكابده ... فلو كرى اشتغل العذال ما عدلوا
من ليس ينفك من حزنٍ ومن كمدٍ ... فعقله ذاهلٌ والقلب مختبل
قد كان سقمي فيما شئت ينفذ لي ... فقد تعطل لما ضاقت الحيل
وعسكر الصبر قد ولى ورايته ... قد نكست هرباً والجند قد خذلوا
ومن ذلك:
أقاتلتي ما أشد الصدود ... وأرجعه للفؤاد العميد
لقد برح الحب بالعاشقين ... وأذهب صبر الصبور الجليد
لزهدني هجركم في الحيا ... ة ورغبني في جنان الخلود
نبا السمع عن عذل العاذلات كمثل بنو السدود الطرود
فديتك زرني مع الزائر ... ين ليكمد ذلك قلب الحسود
فمن منقذي من لحاظ الظبا ... ولسع عقارب تلك الخدود
أذاب فؤادي عذل العذو ... ل على دنفي بالحسان القدود
لقد دق قول الورى في الهوى ... ووضع الوصال مكان الصدود
وقد أورق الحب بعد الذبو ... ل فأي خيارٍ لصبٍ وحيد
معذبتي هل فعال الملو ... ل يقوم مقام فعال الودود
ومن ذلك:
قلبي وعيشك ذو وجدٍ وذو سقمٍ ... والعين تذرف دمعاً وأكفا بدم
فقلت بحبك قد دام الغرام به ... موكلٌ بالأسى والضر والألم
يا من لمكتئبٍ بالحب مشتغف ... قد شاع ضر الهوى في اللحم والعظم
ومن ذلك:
قلت إذا قال رسول الحبي ... ب فيم أعلنت بالبكا والنحيب
يا رسول الحبيب حسبي الذي بي ... لا تلمني على اتصال الكروب
عمرك الله هل رأيت محباً ... لم يمت حسرة لبين الحبيب
ليس وصلي على الحبيب حرامٌ ... بل حرام هجر الحزين الكئيب
فإلى الله أشتكي ما بقلبي ... من غليلٍ وزفرةٍ ونحيب
لي حبيبٌ عليه أهلك ضراً ... لبلائي به وخوف الرقيب
يحسب الريح إن تنثني تثنيه ويحسن اعتداله للقضيب
تاه زهواً لطيبة الأصل والفر ... ع الذي قد زها بكل قضيب
قلت لم لا تشد بالوعد قلبي ... ولتكن يا هديت غير كذوب
قال لي القلب تستريح إلى الوعد سآتيك بالمعنى عن قريب
ومن ذلك:
لا عدت أشكو الهوى إلى أحدٍ ... سواك يا سيدي ويا سندي
ما بذل سري إلى سواك وقد ... علمت ما بي من شدة الكمد
قد أعظم الناس ما أكابده ... من ضر جسمي غذ خانني جلدي
قد قدر الله حكم ملكك لي ... يا غايتي في الورى ومعتمدي
فكن مجيري من الغرام ومن ... نارٍ تلظى بالجمر في كبدي
وإن أتحفوني قبل المساء بما ... أرجوه يا عدتي ويا عمدي
فأنت يا غايتي ويا أملي ... عن برء السقام من جسد
ومن ذلك:
قال ازدجر قلت إني غير مزدجرٍ ... لقد أضر الهوى بالسمع والبصر
فهل رسولٌ إلى مولاي يخبره ... أن العذول سعى والله في ضرري
يظن وصلي إذا ما سمته غرراً ... كما أرى صحبة الحسنا من الغرر
والله والله لا طاوعت ذا عذلٍ ... فيمن رضاه يزيد اليوم في عمري
أشكو إلى الله يوم الحب عن دنفٍ ... كنومة المرأة الخرقاء في السحر
أبكي عليه لأني كلما ذهبت ... إلى الوصال بدا لم أحظ بالظفر
لو أحسن النظر الظبي العزيز لنا ... لجاد، والنظر الإحسان للبشر
ولو أشار إلى عمري لجدت له ... بالسمع والبصر.... للعمر
قد صادني بعذارٍ لو رآه يدال ... خضرة الآس في روضٍ من الزهر
لا مجل الأسى حسناً بل يزيد على ... حسن الرياض وحسن الشمس والقمر
ومن ذلك:
فرحت بطيفٍ من أمامة زارني ... فقلت له أهلاً وسهلاً ومرحبا
بمن قد أذاب القلب وجداً وحسرةً وأظهر لي بعد الوصال تجنبا
فقال تنبه زادك الله حسرةً ... فهذا إلى قلبي من الشهد أطيبا
فقلت وقاك الله من ألم الذي ... ألاقيه يا خير البرية منصبا
وأعطاك رب العرش ملكاً مجرداً ... وزادك منه ذو الجلال تغربا
فقد كنت أرجو منك قرباً فزدتني ... بعاداً فيا ويلي بقيت معذبا
وأظهرت لي بعد الوصال تناسياً ... ففي كبدي نارٌ تزيد تلهبا
فحتام تنوي لي صدودا وغلظة ... وتركا لمن قد هام شرقاً ومغربا
ومن ذلك:
قال المتيم حين ذاق غرامه ... والشوق منه وراءه وأمامه
من أين لي جلد على اللوم الذي ... قد طال منه فكن له وملامه
قد أكثر القشيري لومي في الهوى ... وخرجت لما أن سمعت كلامه
أما النهار إذا بدا قمرٌ له ... وإذا أتى ليلٌ رغبت ظلامه
كم حسرة دخلت فؤاد متيمٍ ... ووراءه وظن يلب مقامه
ما بال هجراني مع الترحال عن ... من لا يلذ شرابه وطعامه
ما حيلتي يا عاذلي رجلٌ عزا ... عني فكن أبداً تقود زمامه
وأظن لي وجد ومنزله جفا ... عني فدمعي قد بكيت سجامه
ومن ذلك:
قال المعنف لي لما شكوت له ... شوقي إلى من زها حسن على القمر
أما رسول بما تلقاه يخبره ... عساه يكشف ما تلقى من الضرر
فقلت والله لو علمته دنفي ... لما حباني بغير الدمع والسهر
لأنه لو رضي وصلي لجاد به ... ولم أرد شافعاً من سائر البشر
أعاذه الله من سقمي ومن ضرري ... ففي فؤادي لما ألقاه كالشرر
أبكي عليه وحقي أن أرى كلفاً ... ببدر تم نشا في أحسن الصور
من قال لي لم هجرت النوم قلت له ... هذا لرائحة النسرين في السحر
قد أعرض الحب عني بعد وصلته ... وبعد طيب الرضا والفوز بالظفر
ماذا عليه وقد أعلمته دنفي ... لو خفف المحمل الداعي إلى الضجر
ذكرت طيباً من العيش المواصل باللذات بعد خفيفٍ غير معتذر
دع الكئيب فلا تكثر ملامته فإنه ناح في الأصل والبكر
إن عاذلي كف عن لومي وعن عذلي ... ولم يرده يفز بالسمع والبصر
ومن ذلك:
قال إذ قلت قد أذبت فؤادي ... ومنعت الجفون طعم الرقاد
هل رسول أتى فأخبرني عنك ... بما قد لقيته في البعاد
قلت إني والله مختبل العقل قليل العزا طويل السهاد
فأجرني يا أفضل الناس من طو ... ل غرامي ولوعتي وانفرادي
فلقد أنكر العباد سقاماً ... هو في كل ساعةٍ في ازدياد
يا غزالاً هواه شرد نومي ... كن معيني على الأمور الشداد
ليت شعري متى توقع لي منك بوصلٍ به تغيظ الأعادي
وانتظاري لوصلك الفرج مازال يعجبني العا ... جل يا سيدي يذيب فؤادي
ومن ذلك:
ما زال يعجبني الفراغ وإنني ... لأظن ذلك قادني لشقائي
فالقلب مني بالهموم موكل ... قد قرحت جفني بطول بكائي
قد صرت بالشهوات صباً مغرماً ... وأجلها عندي وصال منائي
ومن ذلك:
قال العذول وأدمعي تجري ... سحاً على الخدين والنحر
هذا رسول الحب مبتسماً ... وبوجهه علم من البشر
فأظنه والله يخبر عن ... مولاك بالإبعاد والهجر
فأجبته من لي زورة من ... قد وكل الأجفان بالقطر
فأعاض سمعي بعد صحبته ... وقرا على اللوم والزجر
إني على ما كان من دنفي ... راضٍ لما يأتيه من أمر
فاقبل مناي قول ذي كمدٍ ... صبٍ وصدقه على خبر
ومن ذلك:
قال الرسول فقد شكوت صبابتي ... ستفوز بالزلفى وحسن مآب
أرى جل ما بك من غرامٍ فاسترح ... من ذاك ترك الذكر للأحباب
واجعلني للموعد القول منك تأوهاً ... كمتيمٍ آذى الهوى منصاب
فأجبته وصلي أصد به النوى ... والقلب فيه تلهبٍ كشهاب
قال أوصني ماذا أقول ولا تدع ... فكذلك المجموع بالأحباب
فأجبته غذ قال بزفرةٍ ... حزني وقال لقد فطنت لم بي
يا سيدي أرأيت عبداً يشتكي ... مولاه قال بلى فكان جوابي
يا أيها الإنسان قل لمعذبي ... هل ترضى عن قلبٍ بحبك صابي
يا من إذا امتنع الجواب أذابني ... وأعيش إن قال استمع لخطابي
هجر المنام مع الطعام لهجركم ... حتى يموت بكثرة الأوصاب
مزج المدامع والشراب بكاسه ... عشقاً ووجداً ليس ذا بعجاب
ألا ما للعواذل لي ومالي ... أطالوا اليوم من قيلٍ وقال
ألا وإنفاق مالي من حلالٍ ... وما ذاك هديت بسهلٍ في الضلال
رأيت تصرم الآجال يدنو ... ومالي لا تجلد بي يحال
تلومني وتقريب الأماني ... لعلمي لا يصح فما أعتيالي
سأجعل أكثر الأشغال عندي ... إلى طلب المحامد والمعالي
ألا يا عاذلي فاقطع ملامي ... وإلا حزت إكرام الموالي
أعاذل هل خلال لوم مثلي ... ألا دعني من القول المحال
فمن لمتيمٍ كئيبٍ حزين ... أتى بثلاث أحمالٍ ثقال
ومن ذلك:
لقد كان فيض الدمع يشفي صبابتي ... فمذ قام قد قامت علي قيامتي
جعلت شفيعي خاتم الرسل علها ... ترق لبلواي وطول صبابتي
وقلت لها قد والنبي سبيتي ... فبحت بما أخفيه من عظم فاقتي
صليني ففي وصلي حياتي وراحتي ... ولا تهجريني إن هجرك آفتي
معذبتي والله ما رمت سلوة ... ولكنني أشكو لفرط جهالتي
صلي مدنف طالت عليه حياته ... وتعجيل موتي يا فديتك رحلتي
كتمتك ما بي من أليم صبابتي ... وبحت لكي تصغي لعظيم شكايتي
ولي عاذلٌ في الحب قد رمت وصله ... فما اسطعت ما أملته لشقاوتي
محبك يخشى أن الذي ... يحاذره إن لم يف بزيارتي
ولي عاذلٌ ما منه بد علقته ... لشدة حيني في أوان غرامتي
ومن ذلك:
الورد يخجل من تورد خده ... والغصن يعجب من رشاقة قده
هل بارد عذب المذاق أشنب ... يطفي فؤادي من حرارة وقده
من يابس الأغصان صرت نحافة ... لما نأى سؤلي وضن برفده
قل للعواذل ليس يبرد بعض ما ... ألقاه إلا أن يفئ بوعده
قد كدت من فرط الحرارات التي ... عزلت على ... أني ميتٌ من بعده
كم قد شكوت إلى التي ... في مهجتي أطغى صبيحة صده
حتى متى أنا في عذابٍ دائمٍ ... ومعذبي في غفلةٍ عن عبده
كم ينفض الرأس العذول بجهله ... ويقول قد بخل الحبيب بورده
كيف احتيالي والمعد لمهجتي ... صوت الصدود بهجره وببعده
إن قلت صلني تاه تيه مغضب ... فالويل لي فلقد بليت بحقده
من لي بأن يهدئ بعض ما ... في مهجتي ممن يصول بجنده
فدع الصداع فلست أسمع عاذلاً ... يعرو الكئيب ببرقه وبرعده
ومن ذلك:
لما شكوت الحب قال مفندي ... لازلت في كمدٍ تروح وتغتدي
هل لي على طول البكى من مسعد ... فلقد نأى صبري وقل تجلدي
يا من عليه من الأنام معولي ... كن راحمي من حيرتي وتلددي
لم صرت لي بعد السلام تحريا ... وأرعتني بتوعدٍ وتهدد
يا من كأن السحر حشو جفونه ... والكحل في عينيه غير الأثمد
هل منك لي وعدٌ يطيب عيشتي ... فلقد علمت بحاجتي وبمقصدي
يا من كأن الشهد لذة ريقه ... والنكهة الخمر العتيق العسجد
والثغر درٌ والسواك يزينه ... فكأنه عقدٌ ولما يعقد
يا من يزيد على الهلال ملاحة ... والفض يحكيه بحسن تأدد
يا كاملاً في الفضل جد لتذللي ... بزيارة من طيفك المتردد
يا سيد جمع الفصاحة والحجى ... لازال نجمك في بروج الأسعد
ومن ذلك:
الحت لم يبق لي صبراً ولا جلدا ... يوم الرحيل ولا لبا ولا كبدا
لا كأن أول من يسعى ببينكم ... لازال ما عاش قصي الدار منفردا
يقول صبراً وما في الصبر من فرجٍ ... لذي الأسى يوم نادى والرحيل غدا
أنى وكيف يكون الصبر مسلاة ... وفي الحشا منه شوق يصدع الكبدا
قد كدت أتلف في يوم النوى خجلاً ... ودمع عيني على خدي مطردا
عهدي به وركاب البين سائرة ... وقد نفس من في الحي ثم حدا
فقلت هل تمكن المشتاق يا سكني ... مما يبوح بما يلقى إذا وجدا
فقال لي إن في الكتمان معذرة ... فقد شكا البث والأشواق والكمدا
ما في الفؤاد مكان يطمئن به ... سرورها هو ذا من وجده فقدا
قتل المحب حرام يوم ودع من ... يهوى ولم يكتسب صبراً ولا جلدا
ومن ذلك:
لا تقبلن على حبيبٍ وأشيا ... وارحمه أن الحب قد أضناه
أترى له في النوم يا زين الورى ... طمعاً لعل الطيف أن يلقاه
عبث الأسى بفؤاده فأذابه ... وجفا المنام فما يزور كراه
ما عذب الله الجليل جلاله ... أحداً بأعظم أن يطيل ضناه
صل يا محمد مدنفاً من حبكم ... فلقد تقطع بالهوى قلباه
هل من رسولٍ لي فيخبر بالذي ... ألقى من الأسواء وهو يراه
الله يعلم ما أجن من الأسى ... من هجر بدر لا أحب سواه
ومن ذلك:
أعرض عن غير ما اجترام ... من هو كالغصن في القوام
هذا على أنني كئيب ... أبكيه بالأدمع السجام
ماذا عليه فدته نفسي ... لو جاد بالوصل في الأنام
يعلم أن السلام فرض ... ويظهر البخل بالسلام
ما بال من قال لي تسلى ... وهل سلوٌ لمستهام
لا تك يا لائمي جهولاً ... فاللوم من أكبر الآثام
يقول لا تمتشط فإني ... أراك من أظرف الأنام
وإنما ألتقي دنوا ... من الغواني بلا احتشام
عز قيام السلو يوما ... على فؤادي من الهيام
تباً لطرفي فإنه قد ... أوقف قلبي على الحمام
هل يورث اللوم حسن صبري ... هيهات بل زاد في الغرام
ما أضعف القلب غير من ... قد شرد عن مقلتي منامي
وأضعف القلب حب من قد ... تاه على البدر في التمام
ومن ذلك:
العار في قتل المحب الهائم ... يا بدر تم في قضيبٍ ناعم
فتوق ما فيه التشبه جاهداً ... حاشاك من فعل الظلام الغاشم
يا أيها الملك المعظم قدره ... كن راحمي من فيض دمع ساجم
ويلي من اللحظ الخفي إذا بدا ... من حافظٍ للعهد غير مصارم
ومن ذلك:
تقتلني يا حب بالمطل ... فإنني مختبل العقل
ولا تشاور في وصال امرئٍ ... منزله وقف على الذل
تراه يبكي من غرامٍ على ... ما فاته من لذة الوصل
يا عذولي ليس اصطباري بخلاً ... في دفيق لقلة العقل
يا طول شوقي للفتى لبيته ... وما فؤادي منه بالثكل
ومن ذلك:
لقد صد من أهواه عن غير ما جرم ... سوى طول شكواي الذي من السقم
جفاه على ما بي من الضر والأسى ... فشوقي على طول الزمان به ينمي
سأبكي عليه ما حييت بعولة ... وإن زاد فيض الدمع كلما على كلم
على الصبر من قلبي السلام فما أرى ... سبيلاً سوى صبري على فارط الهم
إذا ما شكوت الحب قال بضجرة ... سألتك لا تعنى وأسرف في الشتم
فوجدي به في كل يومٍ وليلةٍ ... يزيد وحبي ليس يقلع عن ظلم
رعى الله أيام الصبى ونعيمها ... على أنني لم أخل فيها من الأثم
ومن سقمي في كل يومٍ وليلةٍ ... يقطع قلبي بالقطيعة والصرم
ألا بأبي من أسبه البدر وجهه ... بلى فاق ضوء البدر في ليلة التم
سأندبه في كل ربع ومنزل ... بعبرة عيني ما تمل من السجم
تشير إلينا من بعيد أصابع ... كأني قد أبرأتها من جوى السقم
ويومئ لي من أحب مخافة ... بإصبعه هذا القتيل بلا جرم
ومن ذلك:
هذا فؤادي لديك فاحتكمي ... فيه بما شئت يا مدى هممي
غبت فغاب السرور يا أملي ... ودام ضري وزاد في ألمي
الذنب لي فاغفري لمعترفٍ ... بذنبه ما يفيق من سقم
أنفع شيءٍ يسير مغفرة ... لمدنف قد أتاك ذا عدم
من لي برد الذي فتنت به ... من برئ سقمي وشدة الألم
ألزمتني مذ كنت مسكنة ... أوهت فؤادي وأنت في نعم
ينيب بين الرقاد عن بصري ... فلم أنم حسرة ولم أنم
ومن ذلك:
قد آن أن ترحم الصب الكئيب وإن ... ترثي بلواه إذ قد طال بلواه
هو الحقير الذليل المستكين فجد ... له بوصل فقد أفسدت دنياه
يا أيها الناس هل داع لذي ارق ... حيران قد هجرت للغمض عيناه
أو شافعٍ لي إلى من ليس يرحمني ... عساه يرثي لمن قد دام شكواه
ويترك الكبر والإعراض عن دنف ... يرى بطول التجني منه أعفاه
يا قاتلي إن رأيت الحظ فتلك لي ... فقد رضيت بما لو منك يلقاه
ومن ذلك:
أيا هاجري عن الوصل الذي كانا ... قد دام صبري وذقت النوم ألوانا
فأي منفعةٍ للحاسدين إذا ... صددت عني وقد أظهرت هجرانا
فالمشاعر والبيت الحرام أجر ... قلباً كئيباً أتاك الله غفرانا
لك المكان الذي ما حله أحد ... من قلب عبدك فأبدل مناك إحسانا
أعاذلتي لا أنسى لله كفي ملام من ... به بعض ما يلقاه فنضرب المثل
ومن ذلك:
رأى ما بي من الضرر ... فناداني على ضجر
إلى سقراط فأشكو الحسب لا تشكو إلى بشر
إلى من رأس أهل العلم من بدوٍ ومن حضر
وقل دمعي يراه الشوق لما بان مصطبري
فقل له على خوفٍ ... فؤادك صيغ من حجر
وطرفك شجرة يوبو ... على هاروت بالحور
فقال وأنت مكتئب ... فقلت تراه في نظري
فقال بفرحة يا ليت ... دمعك فاض كالمطر
فقلت وكل ممتحنٍ ... طويل السقم والضرر
لكان الشجر مقلته ... لما فيها من الفتر
أيجمل أن تعذبني ... بطول البث والسهر
فدع هجري هداك الله يا سمعي ويا بصري
فإن الثمر في وصلي ... بلا مني ولا كدر
ومن ذلك:
محمد يا ذا المجد والجود والفضل ... أذابت فؤاد الدائم البث والوجد
أما ورسول الحب يا خير من مشى ... على الأرض من حر تقي ومن عبد
لقد عذب الله الفؤاد بهجركم ... وفاضت دموع العين مني على الخد
ومن ذلك:
أعاذلي ما أنفع الصبر لو داما ... لقد بعدت نفسي بالوصل أعواما
إلى أن وشى واشٍ إلى من أحبه ... فصد فسقمي عند ذلك قد داما
ينفعني طيب الشراب وبرده ... بلوم عذولي ليته لم يكن لاما
لقد ضم مني الثوب جسما نلحلاً ... كساه الضنا منه ضراراً وإسقاما
أخال الشراب البارد المعذب علقماً ... إذا صد من أهوى ورام غراما
ومن ذلك:
قصدتك لما قلت طف بيوتنا ... فإنك إن طوفت لست تخيب
وجئتك مشتاقاً إليك ملبياً ... وغيرك إن نادى فليس أجيب
شكوت إليك الحب فارحم ديانة ... وإن شئت للأخرى فأنت أديب
أغثني فإني مستهامٌ وإنني ... أناديك من قربٍ فأنت قريب
فديتك لا علم لغيرك بالذي ... لقيت وإن تعلم فأنت مصيب
ستعلم أني إن ذللت فأهله ... لأني أسير في يديك غريب
فيا ضافراً مني بروحٍ أذابها ... يريد اصطباري أن ذا العجب
فإن أك مخطأً أو مصيباً فخلني ... فلم أر للدنيا سواك طبيب
ومالي ذنبٌ في الهوى غير ذلتي ... فإن يك ذا ذنبٍ فلست أتوب
ومن ذلك:
رأى المعنف لي دمعي فأنكره ... وقال فيم تطيل النوح يا رجل
فقلت إن رسول الحب أخبره ... عنه بما ساءني فالدمع منهمل
وقال قد سار فادع الله يحفظه ... فقلت لي في البكا عن ذاكم غفل
إن كان ليس يرى وصلي فكيف يرى ... قتلي ومالي لا ذنب ولا زلل
لا وأخذ الله من بالوصل يمطلني ... والهجر فهو به يا عاذلي عجل
ماذا عليه إذا أعلمته دنفي ... لو جاد بالوصل فهو السؤ والأمل
يا من أذاب فؤادي لا تلم دنفاً ... فليس يردعه لومٌ ولا عذل
أتاكم الله يا عشاق رحمته ... فكلكم أبداً من وجده ثمل
هل من كريمٍ يجير المستجير به ... فإن لي كبداً بالشوق تشتعل
بالله يا قوم هل داعٍ لذي خبل ... قد كاد يهلكه مما به الخبل
مضى رسولي إلى الأحباب معتذراً ... فأكرموه وقالوا هكذا الرسل
ومن ذلك:
الريح من أرضك يا ذخري ... يزيد والرحمن في عمري
يا أيها الظبية البشر بالله يا ... مخجلة القطر مع البدر
جودي فمالي من نشاط إذا ... غبت إلى شيء من الأمر
قد بان صبري مذ نأت قوتي ... والقلب مني في يد الأسر
تزيد إسقامي وأنت التي ... يزيدني ضعفاً إلى هجر
أنت مناي من جميع الورى ... وأنت في سرٍ وفي جهر
يا من لها تخضع شمس الضحى ... لك الجمال العالي القدر
عيشي بخير ما سرى كوكب ... وما دعا داع مع الفجر
ومن ذلك:
دعاني عاذلي ليرى عليلي ... فسر بما تبين من نحول
فهل رجل يخفف من ملامي ... وينجيني من الكرب الطويل
دموعي الدهر جارية همول ... يروعك صوتها عند الهمول
فمن لمدلهٍ إذا ما ... سمعت به عطفت على العليل
أظن النفس تخرج من غرامي ... ولكني على الطمع الجميل
فمالي شوكة فتدب عني ... ولا آوي إلى رأي أصيل
عذيري من فتاةٍ قلت جودي ... فقالت بالصبابة والغليل
فقلت أرجله هذا أبيني ... هديت رأيتها أمً بالفضول
وملت إلى مفندي فلما ... شكوت لها بتكرار العويل
وما حركتها إلا بدمعٍ ... فقال القلب قدك من مثيل
أتطمع بالإيابة من خليل ... فقلت لفرط ذا الحزن الدخيل
فيا من بره ضري أمالي ... إلى وصلٍ فديتك من سبيل
ومن ذلك:
نبئني يا رسول ما قال لما ... قلت قد ذاب فيك هماً وغما
هل رثى يا رسول من سقامي ... أم تمادى عليه جوراً وظلما
فلك الله راعياً وكفيلاً ... من رسولٍ يرى النصيحة غنما
أحرام وصلي عليه لأني ... منه يا ابن الكرام أقرب رحما
يا رسولي أعاذك الله من ضر ... فؤادٍ يزداد بالعذل كلما
كن معيني عليه إن فؤادي يتلظى والجسم يزداد سقما
أجميل بأن أقيم على الوحدة ... إذ رأى الدموع سحاً وسجما
قل يا رسول ألقيت خيراً ... لم أذق مذ غبت للنوم طعما
عله أن يرق لي من سقامي ... فيرى بعد حربه لي سلما
قل له يا رسول مالي جليس ... أتشتكي به ليزداد علما
قل له أنت في أمانٍ من السو ... ء ولم يبق لي صدودك جسما
ومن ذلك:
أيجمل يا بني العم الكرام ... ملامي على ما بي من سقام
فلم أر في الهوى أحداً شكى ما ... بقلبي من تباريح الغرام
ألا يا أحسن الأبوين جد لي ... بترك اللوم فهو من الآثام
ومن ذلك:
في مهجتي نارٌ توقد ... وغرامٌ ليس ينفذ
ومناي لا أشكو إليه صبابتي لا تهدد
ما باله قد ملني ... ظلماً ومال يفند
يا لائمي في صبوتي ... والله جاء ولم ينكد
لو قد قنعت بطيفه ... والله جاء ولم ينكد
قل لي فديتك يا رسو ... ل نقالة الفطن المسدد
هل قال حبي بعض ما ... أهوى فقلبي مكمد
ومن ذلك:
إذا قال العذول وقد لحاني ... تنزه عنه واله عن الغواني
أتيت إلى رسولٍ باكتئاب ... مخافة صبوة منه لشان
أقول الله يعلم ما ألاقي ... فكن عوني لأني ذو امتهان
فأنت مواصلي حقاً لما بي ... تجود لقدرٍ شاب من الهوان
فلي جسمٌ براه الله نضوا ... ولي قلبٌ من الأحزان فان
أقول لمن يعنفني عليه ... معينى ربك المبدي يراني
فليس أحادثني عنه بعجب ... بل الإعجاب ذلي واستكاني
* كتاب: التحف والظرف
المؤلف: محمد بن أحمد بن عبد المغيث بن محمد بن إبراهيم بن محمد التميمي الدارمي (المتوفى: 378هـ)
من كلام الشيخ عبد الله الأدكاوي
مالي إن جئت نحو الحب يمنعني ... عنه الوشاة بلا ذنبٍ ولا سبب
إن دق باباً يقولوا ما هنا أحدٌ ... أو حل ساحتهم لا قوه بالغضب
وإن شكا ما به المسكين في ورقٍ ... رموه بالزور والبهتان والكذب
حار الملوك لما يسعون في تلفي ... فيا خيار الملا لم تمنعوا أربي
لو أنصفوني وراعوني وقد وضع الحديد في لأنجوني من الكرب
لكن على لسع أحشائي بعذلهم ... قد أحرقوها وزادوها من الوصب
تالله ما لسعة الزنبور أوجع من ... إبعادهم نظري عن خشفي السرب
لكنني سوف ألقى ما أسر به ... أن أذهب الله ما ينوون من عطبي
وأغتذي ليس بي من وجعةٍ ألماً ... ويصبحون وهم في الذل والتعب
ومن ذلك:
قال لي عارف دواؤك يا ذا ... ماء وردٍ له يضاف الزبيب
قلت ورد الخدود فهو يؤذي القلب شماً وللنفوس يطيب
ويريح الحشا أجل ويقوي العصب الرخو وهو للروح طيب
ويزيل العنا ويذهب بالهم ... وفي وقته يطيب الأريب
شمه هو المسك بالوصب المذ ... هب بلي إذا حباه الحبيب
وبه يحصل المنى ويطيب الوقت أيضاً وينتهي المرغوب
ومنى النفس حين يأتي لحبي ... ذلك الأهيف الأغن الربيب
انتهى كلام الأدكاوي ومن ذلك:
قضبان درٍ وأقمارٌ على كثب ... قد ألفت فتنة للهائم الدنف
وليس في الكرم المشهور قتل فتىً ... يغير ما قود هذا من الجنف
يا عاذلي قد أذاب القلب حب رشاً ... إذا بدا كدت أن أطغى من الشغف
لي دمعةٌ أحرقت من فيضها كبدي ... بالهزل يا عاذلي جهلاً ولم تخف
إثماً وأعظم بخل المرء غفلته ... عن النصيحة للمشفي على التلف
عذلتني ووضعت العذل مجتهداً ... في غير موضعه يا طيب السلف
لأبكين على ما فات من عمري ... في حب منتصفٍ في غير منتصف
وأعلن الحزن إعلان الثواكل إذ ... لا صبر لي عن وصال التائه الصلف
فلا نهارٌ ولا ليلٌ ألذ به ... هذا لشدة ما ألقى من الكلف
كلوم قلبي أبديتها عداتك لي ... بالوصل يا موقفي دهري على الخلف
ومن ذلك:
غزال خده الورد الجني ... وريقته هو الخمر الشهي
فقلبي يسكن الإسقام طراً ... لسغيبةٍ من له الوجه البهي
أقام مواصلاً للصد حتى ... لفي قلبي لذلك سمهري
لقد ناديت لما راع قلبي ... أغث قلبي فأنت له ولي
أما لو أن قلبك ذاق وجداً ... لجاد فقال لي قلبٌ جلي
فقلبٌ فيه وجد مستكنٍ ... وشوقٌ والخمار هو الشجي
ومن ذلك:
ادمان عذلك للمحزون قاتله ... أما ترى دمعه قد حد هاطله
قد حطه من على السمك رافعه ... فالحزن واصله والصبر خاذله
يبيت والطرف منه لا يلائمه ... غمض وأنى له ما قد يحاوله
تراه يبدي لمن قد لامه جلداً ... فقد تحير والرحمن عاذله
يا من يذيب بطول اللوم مهجة من ... يلومه في هواه وهو جاهله
انظر إلى الجسد المضني على قمرٍ ... زها على البدر إذ تمت سمائله
كالمزن والعسل الممزوج ريقته ... والدعص ردف وغصن البان حامله
يا عاذلي والهوى إني لختبلٌ ... فاسأله عن حالتي يا من يسائله
وإنه لتمر الريح بي سحراً ... من أرضه فيزيل الحق باطله
وعذلٍ ورقيبٍ يدفعان ضنى جسمي ولم يريا ما الصب قائله
قلبي مضرته في الحب دائمةً ... والوجد آفته والشوق قاتله
ومن ذلك:
شربت على النسرين مع طلعة الفجر ... ومن هو أخفى في النفوس مع التبر
فأيقن أن قد حان عقلي لحسنه ... فصد دلالاً ثم حن إلى القدر
فلو كان فيض الدمع ينفع مدنفاً ... بكيت بدمعٍ لا يمل من النظر
لقد فاز أصحاب القلوب التي لها ... على البين صبر أو تحن إلى الصبر
شكوت إلى السود المفارق لوعتي ... فقلن مشيب الرأس داعية الهجر
فما حيلتي والبلغم اليوم آفتي ... على أن هجر الحب قاصمة الظهر
ومن ذلك:
ظبيٌ أذاب مفاصلي بدلاله ... فاق الظباء بحسنه وجماله
فكأنما حجز العبير بجلده ... من طيبه ما في الورى كمثاله
الزعفران تراب أرض مؤملي ... أفديه من قصرٍ وبدلاله
قد صد واتخذ القطيعة ديدناً ... وزها على دنفي بحسن خصاله
أنا منه فيما لو تعشقه الورى ... لأتى على الأرواح بعض خياله
قد خر نجمي فيه بعد علوه ... وأذاب جسمي عند زم رحاله
يا بؤس قلبٍ حاوه من لحظه ... في حسنه قد فاق لحظ غزاله
قد صد مغترماً وعلق مهجتي ... بأبائه وصغا إلى عذاله
أفهل على ما قد أكابد مسعدٍ ... أم هل مجيرٌ من طويل ملامه
يختال مثل المرأة الرود التي ... هي راحة المحزون من بلباله
ماذا على مولاي بعد صدوده ... لو كان أتحفني بطيب خياله
يا أيها الزاكي الولادة جد لمن ... قد ذاب من كمدٍ برد سؤاله
أبدى الهوى دمعي فأخرج كلما ... أخفي فيا ويلاه من أفعاله
فبحق من جعل المشيمة موطناً ... للطفل فك القلب من أغلاله
ومن ذلك:
سأسلخ قلبي من عزاي ومن صبري ... وأشغله بالهم والحزن والفكر
فما الحية الصماء إن هي أسرعت ... إلى قول لاقيها خروجاً من الصخر
بأسرع من دمعي إذا لام لائمي ... وعنفني في طول شوقي إلى البدر
أعاذل بي وجدٌ شديدٌ ولوعةٌ ... تزيد ووقع ما يمل من القطر
فهل من معينٍ لي على طول حسرتي ... وهل راحمٍ لي من بلاي ومن ضري
أعاذل قد أكثرت لومي على البكا ... فخذ خبري أنبيك بالصدق من أمري
تطلع في المرآة مالك مهجتي ... فتاةٌ بحسن الخال في الخد والثغر
فأسرع في الإعراض عني وأسرعت ... دموعي دراكاً تستهل على النحر
فيا حسنه بين الولايد كالدمى ... كبدر تمامٍ حف بالأنجم الزهر
لقد زاده الرحمن حسناً وبهجةً ... كما زادني في الهجر في الذل والصغر
ومن ذلك:
دعي طول هذا الهجر يا غرة البدر ... فمالي على الهجران والبعد من صبر
كأني أدمنت الجلوس على الغضا ... ففي كبدي وجدٌ أحر من الجمر
أقول على ما بي من الضر والأسى ... ودمعي دماً يجري على الخد والنحر
أيا من كأن اللبد منها للينه ... حريرٌ وذاك الريق كالمسك والخمر
صلي مستهاماً يقطع الليل حسرةً ... تقلبه أيدي الغرام إلى الفجر
أقيك جميع البؤس يا أكرم الورى ... وأحسنهم من بين بدوٍ ومن حضر
أغيثي أسيراً في يديك عنانه ... له مقلةٌ ما أن تمل من القطر
ومن ذلك: ومن كلام الشيخ الأدكاوي
قالوا إذا كنت تهوى كل ذي هيفٍ ... فاصبر إذا زخرف الواشون بالفند
كم تحت كم هذا الظبي من عجبٍ ... تعنى به المرأة الحسناء من كمد
أذاب بالحر لما مل وا أسفي ... قلبي ولكن شوقي فيه بالرصد
عشق المليح بلى، والخريدة لا ... يمل فكري لها قددن لي رشدي
إن شاء أنزل بي ما لو ضجرت به ... ألقى المشيمة مثل المسقط الولد
ومن ذلك:
لنزف الدمع إن تصلب دوا ... عليك بنظرةٍ ممن تحب
فإنك إن ظفرت بها أحلت الدم الجاري لوصفٍ يستحب
وتغدو في أسير العيش دهراً ... يؤخذ منك للإسقام طب
ورأيك يبتغي في كل وقتٍ ... وأمك للدوا شيح وشب
فقل عندي عقاقير وعفص ... وكندر منقى وغداك عشب
ومن كل نصف من واحدٍ أو ... ثلاث جزو فيه أدب
ويعجن إن تشاء بخل خمرٍ ... تصير أمام دهرك بل تحب
وقل في الوصف من يعمل لهذا ... ويستعمله لا يلقاه كرب
ومن ذلك:
أترجو لنزف الدم من عينك الشفا ... ويؤخذ عنك الصبر في برء دائكا
ويغدو مزاجٌ منك في غاية القوى ... فيسحق حساد بكيب شفائكا
فقل لحداة العيس والقوم هجع ... يعجى بخل فيه كشف عنائكا
وعنك إذا وافت حماه عشية ... تحمله ما فيه حسن ثنائكا
وتخبره ما حل فيك من الضنا ... فلو نظر المرآة رق هنالكا
عساه برفقٍ منه يحنو تكرماً ... فموصوفة عنه مداواة دايكا
ومن ذلك:
حرمني طيب الكرى ... وعاث في الجسم وجد
فقلت ماذا جن ... يا ذا الدلال والجيد
قل للبوائق انتهى ... سيرا فقد زاد الكمد
ومن ذلك:
رأى المنثور من أهوى فوافى ... وفي خديه أزهار نثيره
فحار اللب في ذاك المحيا ... وقلت أيابس يحكي نضيره
وقام الورد في خديه حالا ... يفتح لي عيون أخي بصيره
فقلت لورده سد كل ورد ... فأنت رئيس كل بالضرورة
بشمك يستريح الكبد مني ... ولبي عنه براح الكدودة
ومن ذلك:
قالوا يقال: إذا ما كنت ذا شغفٍ ... بمن تحب وتهوى أن تنال منى
هناك أربعة إن كنت تفعلها ... تزيده منك قرباً دائماً وهنا
اصبر على الجور منه إن أصابك في ... اللحم والدم أسقام وفرط عنا
وأن ترى كل لبسٍ يرتدى خشناً ... من الحرير أو الكتان لو خشنا
وإن دعاك لما لا تشتهيه ولو ... دخول نار لظى الحمام قل حسنا
وإن شممت من الغادين رائحةً ... من عرفها طر إليها منعشا بدنا
إن الطريق إليه في الوصول له ... مريبةً فاقتحمها تلق ما حسنا
وأقنع فديتك بالإقبال والنظر البديع منه إلى الوجه المنير سنا
واعلم يقيناً بأن نلت المرام متى ... أباحك الحسن المرغوب منه منى
آخر كلام الشيخ عبد الله الأدكاوي ومن ذلك:
رشا يفوح المسك من أردانه ... الويل لي يا قوم من عدوانه
سبحان خالقه لقد حار الورى ... من حسنه وتعجبوا من شأنه
قد صار جسمي مثل شيءٍ يابسٍ ... بؤساً لصبٍ ذاب من أشجانه
حتى متى أنا في عذابٍ دائمٍ ... والدمع ليس.....في جريانه
يا من يفيه الدر احكم نظمه ... والورد في خديه في أبانه
لو أن طيفك عاج نحوي عرجة ... لا عاض قلبي الغر بعد هوانه
ولو ابتغى أجر التاميل درى ... نحوي يروم الصبر في أعوانه
لو زارني من بعد ثالثة لما ... أخلى الكئيب الصب من إحسانه
مولاي ما يقوى الفؤاد على نوى ... ظبيٍ يخال السحر من أجفانه
والعاذل الخسف الدماغ يقول لي ... دع من جفاك ولح في طغيانه
ومن ذلك:
كأن العيون النرجس الغض إذ دنت ... ترافق أحياناً حذار المراقب
لقد حار طرفي عندما قد رأيت من ... ملاحظها شزراً وضاقت مذاهبي
فما مسكن الوجد الذي بين أضلعي ... فقد ذبت من فرط الدموع السواكب
اعاذل دع عنك الصداع فليس لي ... رسول إلى الحور الحسان الكواعب
ألا إن إفراط الضنا المتولد المقيم بقلبي من عتاب المعاتب
فمن لكئيبٍ بات من شدة الأسى ... تقلبه الأسقام من كل جانب
لقد ذاب من فرط الحرارة قلبه ... فقد بان بالمحبوب عن كل صاحب
ومن ذلك:
من لجسمٍ في ثياب الدنف ... ذاب حتى صار مثل الألف
كره العذال أن يلبسه ... فتحلى في ثياب النحف
حن لي من تائهٍ معتدلٍ ... قد سبا كل الورى بالهيف
بدرٌ تم ماله من مشبه ... تم حسناً وعلا بالترف
يا عذولي في هواه لا تلم ... فكفى قلبي دوام الأسف
غادة في الحب لا يتركها ... كفه عن لوم أهل الدنف
من لصبٍ زاده في نومه ... طيف من يهواه بعد الأسف
فأراك الخوف والرعب وقد ... كاد يفنيه بفرط ذرف
يقطع الذكر لمن مر به ... ولمن أوعده بالتلف
فهو تحت القحط واليبس من العيش لا يعرف غير الكلف
ومن ذلك:
من خده الياسمين يجنى ... بدرٌ يفوق البدور حسنا
مهفهفٌ حار إذا تبدى ... عقلي وألبست إذ تثنى
وقلبه يابسٌ وقلبي ... يكاد لينا يذوب حزنا
قد نال من صالحٍ وفضلٍ ... حظاً جسيماً وقد تهنى
يا قوم ماذا لمن جفاني ... في أن يراني أموت غبنا
من بعد أن كان لي البقاء ... وكان لي صاحباً وخدنا
قد كان لي في الدنو منه ... من بارد العيش كل معنى
نادمني خمره وكان المزاج من ريقه المهنا
ومن ذلك:
يليق بالغادة الإعراض والأنف ... وليس يحسن بالمستهزئ الصلف
أسعى على الرأس طوعاً نحو مالكتي ... وذاك للهائم المضني لها شرف
يا لائمي في هواها دع ملامك لي ... فلوم أهل الهوى يا لائمي سرف
أفدي التي تقطع الأيام في فرحٍ ... وعبدها هائمٌ صبٌ بها دنف
لو أن في السد دار الجود سرت لها ... لا أنثني عن طلابها ولا أقف
وعاذلٍ بطويل العذل يفتح لي ... باب الغرام فدمعي دهره يكف
كأنني يابس الأغصان من عجفٍ ومن أذاب فؤادي ناعمٍ ترف
قد والهوى حار عقلي من تتايهها ... والرسل ما بيننا بالصحف تختلف
والحاسد للنكد النمام يعذلني ... يقول دعها فما كل الورى خلف
ومن ذلك:
على النبلوفر الغض اصطبحنا ... ومعنا من يفوق البدر حسنا
غزال بارد الريق المهنا ... وما كل له ريق مهنا
فهل غصنٌ من الأغصان رطب ... يميس إذا تبختر أو تثنى
أعاذل ليس ينفع لوم صبٍ ... فدع طول الملام ولا تعنا
رأيت العذل أوشمة على من ... يلوم إذا تعتب أو تجنا
أرى السهر المقيم على جفوني ... سيجعلها له وطناً وسكنا
يتيمني ويجلب لي غموماً ... إذا القمري في سحرٍ تغنا
أطار النوم عن عيني غزال ... تخال الورد من خديه يجنى
متى يهدى ويسكن ما بقلبي ... وسؤلي قد رأى بي ما تمنى
لقد جلب الصداع إلى من ... قد كان لي سكناً وخدنا
ومن ذلك:
منع النوم مقلتي ثم ناما ... ورأى أن وصل مثلي حراما
شادن يمنع الهموم إلى القلب بإعراضه وينشي السقاما
هو غضٌ رطبٌ ودعصٌ وبرٌ ... هو بدر ٌ كما البدور التماما
ريقه باردٌ لذيذٌ ولكن ... شربه يورث الكئيب الحماما
خده روضة البنفسج والور ... د في عارضيه نبت الخزاما
ومن ذلك:
نأت ولعل انأي يعقب سلوة ... فيبرى فؤادي من معالجة الكرب
فيا عاذلي ما أطول الليل بعدها ... وأعظم ما يلقاه قلبي من الرعب
أبيت ومالي شاغل غير ذكرها ... ودمعي دماً تجري على الخد بالسكب
فإني لأرجو أن يكون معذبي ... عليماً بما ألقاه من عالج الحب
فينقذني من شدة الضر والأسى ... وإن كنت لا أرجو لسقمٍ من الطب
وقومي كمثل النحل ... تجمعوا ... يلومونني واللوم من أعظم الذنب
يطيلون لومي في هوى من أذابني ... ومن لست أنساه على البعد والقرب
تراهم على شبه الشراب عجائباً ... فما مثلهم في سائر العجم والعرب
ومن ذلك من كلام الشيخ الأدكاوي
من شبه الورد الجني بخد من ... أهواه فهو جويهلٍ أو مسرف
بل بارد أو يابسٍ في طبعه ... قولوا له التشبيه يبرد تنصفو
إن الحرائر لو رأت ما قد حوت ... روضات وجنته التي هي أشرف
قالت أما في الرأس ممن شبهوا ... عقل ولكن أين من يعترف
والمرء مهما لم يميز عبده ... أهل النهى من فرقة قد حرفوا
في شم ورد الخد أكبر لذةٍ ... ويسكن الداء الذي لا يعرف
إن الصداع لفي الفضول حقيقة ... فأصغوا إلى ما لقت لا تتوقفوا
آخر كلام الشيخ الأدكاوي ومن ذلك:
من قال ممن لم يذق ... جور الغزال الجؤذر
إن كان من رجل وال ... لا جاهل لم يشعر
وغدا يقول نصيحة ... منه لقومٍ حضر
من كان يرغب في السلا ... ية في جميع الأعصر
يدع الهوى فهو الخليفة في تلاف الأكثر
قلنا له إن الهوى ... قد كان في زمن السر
أغنى النبي المصطفى ... رب اللوا والمنبر
أو قال من قلنا له ... كم من أديبٍ كالسري
هو كان ذا شغفٍ بكل ... كحيل طرفٍ أحور
وأولوا النبي
ومحمد وهو الأمين بلي بعشقه كوثر
وهو الخليفة وأبي هرون الزكي العنصر
من قال إن العشق عا ... ر قل له يا مفتري
والله مننت فما به ... عار أجل أنت العري
ما كنت لو أحببت إلا ... من يلوم المزدري
وله تعود موافقاً ... في غيبةٍ أو محضر
وتود أن لو كنت با ... لأموال حبا تشتري
وتود لو يدخل المحبوب قلبك يا حري
فانهض إلى عشق الظبا ... في العشق أعظم مفخر
لتكون عمل به السلطان غير مظفر
هذا آخر كلامه
دموعي لحيني أعلنت بالسرائر ... ونمت على مكنون ما في الضمائر
أما والهوى ما كنت أعلم أن من ... أؤمله يصغي إلى قول زاجر
أعاذلتي والله إن معذبي ... ليعلم أني في الهوى غير صابر
إذا قلت يا سؤلي أجرني أجابني ... وكنت من البلوى إلى غير ناصر
ثنائي عليه كل يومٍ مجدد ... ويظهر لي أني له غير شاكر
فماذا عليه لو أجاب متيماً ... ففي ذاك أحرٌ عند أهل البصائر
إذا أنا أحسنت الثناء يقول لي ... أظنك يا هذا مجيرٌ أم عامر
فويلاه مما قالي أن قوله ... يدل على إتيانه للكبائر
غدا مثل إبليس العين مفندي ... يقول دع الشكوى حكومة جائر
فما باله في كل يومٍ وليلةٍ ... يلوم وطول اللوم ليس بضائر
فيا لائمي ماذا تقول لمدنفٍ ... له قلب محزونٍ وفعله ساحر
نلوم وما سيتوجب اللوم من بكا ... على من سباه باللحاظ الفواتر
يجوز لإنسانٍ يعنف مدنفاً ... لطول بكاه بالدموع الهوامر
إذا قيل للمحزون كف عن البكا ... آهاً مصونات الدموع البوادر
ومن ذلك:
دع ملامي يا عاذلي دع ملامي ... حسب قلبي صبابتي وغرامي
كيف صبري وكلما مطر الد ... مع على وجنتي يزيد هيامي
لهف نفسي على مطيرة بغدا ... د وأنسي بها وطيب مقامي
عين يا عين أنقطي لا تسحي ... إن في السح منك كشف اكتتامي
ليت حظي قطيرة من وصال ... من خيالٍ يزورني في المنام
ومن ذلك:
لو قد شهدت الصب عند فراق من ... يهوى ولوعة قلبه يتزايد
وكأنه رجلٌ على جمر الغضا ... يبكي ويلطم خده ويعدد
يبكي على ما فات من زمن الصبا ... واللهو غضٌ والهوى يتجدد
تركوه إذ دخل المشيب برأسه ... فرد أو ولو عنه وهو مشرد
فتراه في أحواله متحير ... وبقلبه نار الأسى تتوقد
ابدا تراه برأس أعلى حائط ... في الحي ينظر من إليه يقصد
عذلوه في هذا فقال مجيبهم ... أخشى رسولاً بالجفا يتوعد
بالله أشهد أن كل متيمٍ ... أحشاؤه من وجده ما تبرد
وعزيزةٌ في الحسن أعلم أنها ... تعنو لها شمس النهار وتسجد
عدلت على دنفي وفيه لعمرها ... تلغي فيا ويلاه كم اتجلد
قد كنت قبل البين أخضع تارةً ... للعاذلين وتارةً أتودد
يا أيها العذال إن بمهجتي ... حرقٌ يشيب لها الغلام الأمرد
إن رمت أن بمهجتي السلو بمهجتي ... هدمته نيرانٌ بها ما تخمد
ومن ذلك:
أصابك الحساد بالعين ... فسوأتني بالهجر والبين
فأي شيءٍ يا مداهمتي ... أشد من تفريق الفين
يا لائمي لا تلحني في البكا ... فالبين أجرى أدمع العين
دعني فقد والله يا لائمي ... بدلت بعد الزين بالشين
أضنى ولا أظهر ما نالني ... كأنني بين رقيبين
مشوي الحشى والقلب من لوعة ... فمهجتي بين حريقين
قولي لمن لام على لوعتي ... وأدمعي تجري بسمحين
دعني فقد والله يا لائمي ... أبرمتني بالزور والمين
ومن ذلك:
أما لك علمٌ أنني بك مدنفٌ ... وأن دموعي للصبابة تذرف
لقد..... العيش غدوة ... لعلمي بأني ليس لي منك منصف
فكم وله يعتادني وتأسف ... فقد صرت صباً بالصبابة أعرف
إذا فاض دمعي يا أخي ذبت حسرة=وإن غاض أضناني فكم أنا مدنف
فثغرك ذاك اللؤلؤي أذابني ... وريقك يا سؤلي الذي هو قرقف
فكن لي مجيراً يا سروري فإنني ... مشوق معنى قد براني التلهف
فوصلك يا سؤلي سروري وبغيتي ... وهجرك يا سؤلي لعبدك متلف
أجارك رب الناس من مثل حالتي ... وعافاك من ضري وما أتخوف
فوصلك لي بعد التهاجر جنة ... وقربك يا سؤلي سرور مؤلف
أجر كبدي من شدة الضر والأسى ... فأنت بفعل الخير والبر تعرف
ومن ذلك:
ما تسكن النفس يا سؤلي إلى سكن ... قد هبت كشف الذي القى من الشجن
مسرة بعدت والساعة اقتربت ... إذ بالمدينة لاح لا يغترني
كأن زوبعةً بالقلب قد لعبت ... فكل ريحٍ بقلبي لا تنهنهني
يا من أباهي به شمس النهار لقد ... كتمت وجدي فصاح القلب وا حزني
فغنها أدمعي تبدي إذا سجمت ... ما أكتم الناس يا من قد تملكني
عواذلي إن تتوبوا كان أجركم ... أجر الصلاة إذا قامت على السنن
كم لائمٍ قد رأى دمعي فصاح لقد ... كشفت ما بك من سرٍ ومن علن
كأن دمعي بحرٍ مذرف رويت ... به الربا والقرى طراً مع المدن
ومن ذلك:
ألما بي على دار الرباب ... ببردٍ من غليلي واكتئابي
فإني من غرامي ليس ترقى ... دموعي من همولٍ وانسكاب
فما حالي وأطيب من تحياتي ... مماتي للذي بي من عذابي
ومن سمك السماء لقد براني ... هوى شمس تجلت عن سحاب
أقول من من الصبابة حين تبدو ... من السحب المحيطة بالقباب
بروحي أحسن الثقلين وجهاً ... وأنطقهم حكماً أو صواب
أما لو كنت أملك حسن صبري ... صبرت وما جنحت إلى العتاب
رأت دنفي فقالت أنت صبٌ ... فقلت لها بصاحبة النقاب
3فقالت كف عنك فقد أسنت مناك وزلت عن عهد الشباب
فقلت لها وما هذا ببدع ... إذا سمت الوصال بلا ارتياب
فقالت بعد أن قد شئت قل لي ... فقلت الشيب يستر بالخضاب
فقال شبابها لي كف عنها ... وفرق بيننا بأنواع العقاب
إذا وصفت فبدرٌ فوق غصن ... على حقفٍ من الصم الصلاب
ومن ذلك:
سر بما نالني من الوصب ... وأظهر الهجر لي بلا سبب
وعاق قلبي عن السلو فقد ... صار عزاي عنه من العجب
يا مدعي النصح قل لظالمتي ... أرث لقلبي من شدة الكرب
لا تهجريني فالهجر يقتلني ... وواصليني يا ظبية اللبب
لبست ثوباً للسقم يشملني ... فهو جمالي في العجم والعرب
حكم الهوى نافذ وأنفذه ... ما كان فيمن يقول باللعب
آفتي التي أرسلت تعاتبني ... مع ظنها بي وقفي على الريب
وقولها لي هذا أمرٌ أبينه ... يكون بيع النفوس بالنشب
فقلت قلب المشوق أرسله ... يبيعه يا كريمة الحسب
وكان رهناً فسر يا أملي ... أن نشتريه بخالص الذهب
فتعتقيه فالرق منه لمن ... يملكه منك أشرف الرتب
صدت فلما شكوت مسكنتي ... جادت بفضل على الفتى الجذب
عادت بفضل عاد في كبدي ... صدع من الحب غير منشعب
وعاذلٍ قال لي يعنفني ... وقد لعمري أخطا ولم يصب
ماذا بكم من أليم هجرك كم ... قلت حشائي قد ذاب من اللهب
يا بفنه في اللذي أراد من الهجر ... الصبر عن الحب غير مجتنب
فسره ما أرى وقال لقد صبرت عن لذةٍ وعن طرب
فقلت دعني فكل داهيةٍ ... برأس مثلي حلت فلا كذب
فقال جد بالذي ذخرت له ... فبذلك الحال خير مكتسب
ومن ذلك:
صبٌ أضر به طويل بكاه ... لما نأى عنه جميل عزاه
وأذاب طول اللوم فؤاده ... ووهت لعمر أبيك منه قواه
يا قوم هل رجل يعين بدعوة ... يجزيه رب العالمين جزاه
قد حرت في أمري وأمر معذبي ... بصدوده عني وطول جفاه
بؤساً لصبٍ لاتني زفراته ... عن فعلها حتى تذيب حشاه
لهفي على من شفني بصدوده ... أسفي على من هدني بنواه
يا قوم كثرة لوعتي قد أمرضت ... قلبي فيا ويلي لطول ضناه
لهفي على الولد الشفيق لقد جفا ... زهواً فطرفي قد جفاه كراه
أبدي مصادمتي فعوتب فاحتوى ... قربي فصادمني جعلت فداه
عاتبته في ذلك الصلف الذي ... هو قاتلي فبكى ودام بكاه
ناديته لم ذا؟ فقال لطول ما ... تشكو ومن جمل الغرام شكاه
فأجبته هو ذا ترق لذلتي ... أي والذي خلق الهوى وبراه
فأجابني يا من تملك قلبه ... هل أنت ممن لا يخيب رجاه
فأجبته أكثرت عتبك في الهوى ... من طال فيك على البعاد بلاه
قد صرت مما نالني يا سيدي ... صباً سقيماً عز منك دواه
فأزل ضنى جسمي أجارك من يرى ... ما تأت من خطأ ولست تراه
لي مهجة من حرها ذابت أسىً ... معها فؤاد طال فيك عناه
دعا دمعي فأسرع بانسكابٍ ... ووكلني بنوحٍ وانتحاب
ومن ذلك:
فهل ... إلى ثوبٍ ... فينقذني من الكرب الصعاب
بكيت على الفراق فكل شيءٍ ... يؤول إلى التفرق والذهاب
ألا يا قوم كفوا عن ملامي ... تنالوا الفوز في يوم الحساب
بكيت فقال لي أملي وسؤلي ... بعد أتبكي وصل واقتراب
قل اللهم فرج عن فؤادي ... من العذال أشباه الذئاب
وقل يا رب امسخهم قروداً ... فقد قصدوا فؤادي بالعذاب
فقلت له ساد من ذاك حتى ... أفوز بما رجوت من الطلاب
فلسنا نقطع الأهوال إلا ... بما نرجوه من قرب الإياب
فلا زال العواذل في هوانا ... جلودهم تمزق بالعقاب
ومن ذلك:
قال المعنف إذا صعدت أنفاسي ... وقد وضعت يدي حزناً على رأسي
إن الموفق من لا يشتكي ألماً ... فقلت واكبدي من عدله أنفاسي
قالوا لحماد إن أظهرت هجرك لي ... حلفت عاجل أطماعي من الياس
يا سيدي يا ابن اسحق أجر كبدي ... من قول من قال ما بالحب من باس
يا سيدي أي شيءٍ ترتجيه لنا ... العيد بهجته للطاعم الكاسي
لو كنت أهديت لي وعداً قنعت به ... روحي فداؤك هذا أعظم الناس
حتى متى أنا في همٍ وفي كمد ... والدمع لي أونس كابتي جلاسي
ومن ذلك:
أهلاً بمن زارني على وجلٍ ... ودمعه خيفة العدا واكف
فقمت نحو العريش أنزل من ... درن عقاراً كوردة القاطف
فقال لي مازحاً يهازلني ... هذا حل للصائم العاكف
فقلت أيها يا من به كلفي ... فقال أفديك من فتىً عارف
بالحب يا من يبوح مجتهداً ... الغيد والناس لا تكن واصف
لما تقاسيه فالغرام على ... كل محبٍ ذي حسرةٍ واقف
فقلت هبني كتمت هجرك لي ... فما احتيالي إن طاف بي طائف
منك فأذكى ناراً على كبدي ... وأنت تدري أن الهوى حائف
مولاي كن ناظراً لمسكنتي ... يا أكرم الناظرين للحائف
واعطف على ذلتي برفقك بي ... فأكرم الناس من غدا عاطف
ومن ذلك:
أصلحوا بين مهجتي والغرام ... فجفوني مقروحةً بانسجام
كم لنا يا عواذلي في الهوى ... من زفراتٍ موصولةٍ بدوام
أكثري لوم مدنفٍ أقليه ... فإني على استماع الملام
ذو اصطبارٍ ولو أطار منامي ... ما ألاقيه من أليم الغرام
كل صبٍ في الزيت من ألم البين سينجو منه بقرب اللمام
ويح طرفي عليه رحمة ربي ... قد دعاني إلى ورودٍ والحمام
قد رثى العاذلون لي فؤادي ... إذ رأوه مبلى بطول الهيام
ولجسمي لما رأوه سقيماً ... ولطرفي لهجره لمنامي
ولدمعٍ كمثل ساقيةٍ تجري ... سجاماً يزري بصوب الغمام
ومن ذلك:
حبذا من.. لي عبثا ... ودموع العين تنهمل
أنت في العشاق أول من ... طرفه بالغمض مكتحل
قلت دعني من ملامك لي ... ومن التعذال يا رجل
ما اتخذت النوم مسلاةً ... بل عليه كنت أتكل
ليظل السكر يغمرني ... فكيف الطيف لي أمل
يا سليمان الكريم أما ... ترث لي فالعقل مختبل
سيدي يا ابن الكرام قد ... هد جسمي الخوف والوجل
من إلى داود يشفع لي ... من غرامٍ ما به فشل
من كلام الشيخ عبد الله
قيل لي أن من هويت سقيم ... فاعتراني لذاك وجدٌ مقيم
قلت أنا نرجو له البرء مما ... قد عراه والله بر رحيم
يا حبيبي إن كنت تشكو سقاماً ... إن جسمي من الجفاء سقيم
حيثما كنت أو تكون خف الله تعالى فالجسم مني كليم
هل قبيح لو كنت في هذه الليلة عندي يا فاتني لا تريم
في سرورٍ ولذةٍ لم يشبها ... منكر بل مدامةٌ ونديم
ثم تضحي يا منية القلب في عا ... فية في أثنائها ما تروم
فأنثني باسماً قال لك البشرى ... سآتيك والدجا مركوم
ثم من شاء فليقل في ما شا ... ء فإني برده لزعيم
وإن ارتاب في فعالي يبايعني ... بأني على الوفاء أدوم
لا أبالي بمن يلوم ولو أصبح في الخزي ذلك الرجوم
ومن ذلك:
سرق النوم من جفوني لما ... صدّ عني من كنت أهوى لقاه
واعتراني ما بعضه لو يعاني ... رجلٌ ذاب من أليم عناه
لو درى ما أصاب قلبي من ... همٍ وغمٍ لكان قل جفاه
إنما صده ففارق من ... قيل عذولي يا فض ربي فاه
أله أن يميله عن محبٍ ... ما له في الورى حبيب سواه
أحمد الله كلما لام القلب شوقاً فلو كفانا كفاه
أنا فانٍ وهائمٌ وهو لاهٍ ... عن كثيبٍ ما أن له إلا هو
في نعيمٍ ولذةٍ لا تناهى ... زاده الله نعمةً وحباه
فاتخذ منحتي ثواباً لدى ميزانك الآن بالمنير سناه
لا تدعني أهيم في كل وادٍ ... لاستماعٍ فقال خذ ما تراه
قال صبراً مع كل حزن سرور ... قلت من لي بالصبر يا تياه
إن تصل وهو في اليق تلق الميزان يا منيتي الذي ترضاه
أو تجر عامدا أقل يا عذولي سرقت لذتي وما أهواه
ومن ذلك:
قال لي من أراد مني سلوى ... قول واشٍ فدم عديم عدو
بعض هذا التلاف في ذلك الشا ... دن قلت احذرن عدمتك هجوي
أيجوز الجفا لربرب الأعرا ... ب الذي في لقاه ينمو هدوي
إن من لام فيه لا شك والله لفي طبعه أشد عدده
وكلام النساء أعذب منه ... إن عند النساء بعض خدي
لو رأى ما يقوم عندي من الوجد لما لام أو لوجدي يقوي
هو عندي هديته، في مقام الما ... ء مطف وحر شوقي يروي
بل إذا زارني فيشفي الذي بي ... من سقامٍ يضني ويعيي وينوي
وهو عندي من الضما ريقه الرا ... ئق حقاً ألذ من كل حلو
ومن ذلك:
كساني كسوة الصب المعنى ... حبيب لا يقاس به حبيب
وإني الخادم النعلين منه ... وعندي ترب نعليه يطيب
فهل لك تكبت الأعدا بوصلي ... وتأتي نحو داري يا أريب
ويغتاظ العدو بجمع شملي ... ويغدو باكياً وله نحيب
ومن ذلك:
دعاني............ ... خلعت عذاري في هواه ولا إثما
فما رجل غلا فتى دينه الهوى ... وإن لامه اللاحي يرى إذ صما
مدامعه يا صاح جارية إذا ... دعاها أجابت لا تكون له خصما
وتخرج منها شاء إخراجها دما ... وإن شاك محبوباً له شوكة حما
ومن شأنه أن يستمر ذهابه ... على رجله لا يمتطي شقرا ولا دهما
ومحبوبه وافى وكان مغاضبا ... فلما رآه قادماً فاز بالنعمى
ولم أنسه في ليلةٍ جاء زائرا ... بمحبوبةٍ قد حركتها له الأسما
بالإبرة خاطت عين عاذلها فقد ... غدا من تعاميه يفوق على الأعمى
قد فرط الواشي لما قد أصابه ... من الغم إذ وافته رغم العدا اسما
فقال لها يا منيتي ألف مرحبا ... بمقدمك ومنظرك الأسمى
ولكن رابني هالكاً قد أذابه ... بعادك يا من تغرها وصفة الأعمى
فقالت لك البشرى ظفرت بدرةٍ ... فريدة عصرس لا ترى مثلها حتما
فهمت ولكني تماسكت عندما ... سمعت كلاما يبعث الميت إن حما
فقل ما أحيلى صوتها وألذه ... وقل اغتنم فما يردتك أو لثما
ومن ذلك:
من اشترى قبلةً ممن يحب بما ... يختاره من عروضٍ شاء أو نشب
يا نعمه رجل فازت تجارته ... فإنه قد شرى دراً بمخشلب
أفدي غلاماً رقيق الخصر ذا هيفٍ ... أزرى السلاف بصافي ريقه الضرب
رآه بعض أحبائي فقيل له ... هذا الذي قد سبى ذياك بالشنب
يا حسنه إنه ينحني وإن رآه ... يبوح في الحال لي عنه بلا كذب
يا طيبه في مهادي حين أهصر منه القد فوق الفراش اللين الرطب
كم قلت يا بدر يا نور العيون أما ... تخشى الوشاة فقال الكل كالخشب
وقال دعهم فهم أعداء إن وجدوا ... لنا فراشاً تراموا فيه باللهب
لا بارك الله فيهم قد بلوتهم ... فليبل منهم جديد الأثواب القشب
ومن ذلك:
قد صد عني من أحب وقد نأى ... عن مقلتي عمداً بغير جناح
فأزال عني بالصدود لذاذاتي ... وأحال جدي عامداً ومزاحي
ناديت حين جفا تركت متيماً ... وهجرت صباً دائم الأتراح
وحجبت عني النوم ذا الأجفان من ... عدم الكرى نسباً إلى السفاح
فاردد رقادي بالوصال تكرماً ... يا نزهة الأقداح والأحداق
أواهٍ كم أشكو إليك وأنت لا ... تصغي لشكوى ذي ضنى وجراح
هذا فؤادي ذاب من ألم النوى ... ولدى النواحي قد أطلت نواحي
يا ما أشد الهجر حقاً إنه ... كالموت يقتلنا بغير سلاح
لو خلت ما بي عاذلي لرحمتني ... وترى فسادي فيه عين صلاحي
ومن ذلك:
يا قوم جفتني عامدا ولها ... في القلب مني محل ما به أحد
إن غبت تأكل لحمي ثم تعتبني ... مهما حقرت وحالي ليس تفتقد
في قرطها عجب في خدها لهب ... في ثغرها شنب باللحظ تنتقد
ولو..... وخيبة من فرط لوعته ... حرٌ يضيق به لو ذاقه الأسد
قالوا تحب لقاها؟ قلت وكيف لي ... منها صبيٌ به يستروح الكبد
عني تربيه والألبان ترضعه ... وكم به وبها من فرحة أجد
والآن صار له مذ زارني دنف ... يعيذه الله ممن دأبه الحسد
ومن ذلك:
قال المعنف لي وأنكر لوعتي ... حتى م دمعك كل يومٍ تذرف
تبكي على رجلٍ جفاك تعمداً ... والبخل منه لعمر جدك يعرف
فأجبته لأني كما بمعذبي ... من صبره عني فقلبي يرجف
ظبيٌ كان الدر داخل فيه إذ ... يبدي ابتساماً والشقائق تعطف
من خده فلان عيني كلما أبصرته ... غضضت ذاك وأرشف
أبدى صدوداً قال يقربك الذي ... تشكو سلاماً دائماً يا مدنف
قلت السلام على الحبيب مضاعفا ... مادام في الثقلين عني تطرف
يا ليته يدنو فقال تعجباً ... هيهات ذاك وهل حبيبٌ ينصف
فأجبته في هديه ووفائه ... أن ينثني للمستهام ويعطف
يا حسنه في عزه وحماله ... لو كان لي في وعده لا يخلف
إن الهوى عجب ومحمل عبأة ... شي تنوء به الجبال وتضعف
ما لامني في حب من هو قاتلي ... إلا خفيف عقله ومكلف
ومن ذلك:
لقد قال لي سيدي مرةً ... ودمعي منسفحٌ ساجم
إذا قيل رجل أهل الزما ... ن فقل عاشقٌ صابرٌ كاتم
فقلت له قد وحق الهوى ... وددت بأني بك عالم
فقال ستعلم إن دام ما ... تكابده أنني راحم
فقلت خف الله في قتلي ... فإنك بالهجر لي ظالم
لحسبي بأنك في عالمٍ ... بأني على ما جرى نادم
وشكواي يخلقني إن شكوت فها أنا ذا أبدا واجم
بكيت وإني أرجى السلو ... وما أنا من لوعتي سالم
محموم جسمٍ عليل الفؤاد ... به كمدٌ أبدا ً دائم
ومن سنة الحب أن السقام بصاحبه ثابتٌ لازم
ومن ذلك:
منه عرفت المطل بالوعد ... من يحجب الأغصان بالقد
إذا بد هلكت عجباً به ... ويلي لقد أثمت بالصد
يا لائمي في أن شكوت الذي ... حل بقلبي من لظى الوقد
كم لائمٍ لام فقال اصطبر ... فقلت لا صبر على البعد
عن من هواه قتلتي جاهداً ... يا ليته خفف من وجدي
إني لمن حبيه في محنةٍ ... شهد الله بما عندي
ما ينثني قلبي إذا لمته ... في الصبر عنه آهٍ من جهدي
يا عاذلي في حبه كم إذا ... قد جل ما أخفي وما أبدي
ومن ذلك:
لست عنها يا عاذلي بالصبور ... صرت عبداً لها ونعم المصير
يا فؤاد.... رحمةً بي ... فادني نحوها فعاد الغرور
فإلى الله أشتكي ضر قلبٍ ... ماله من غرامه من مجير
ليس وصلي على مناي حرام ... بل حرام هجر الذليل الحقير
قد وحق النبي طال خضوعي ... ثم مالي على الهوى من نصير
قد نهاني العذول عن فيض دمعي ... وعذولي بالحب غير خبير
لي في الحب موتة كل يومٍ ... من غرامٍ وسحٍ دمع غزير
هذه حالتي ومن يتهمني ... في نعيمٍ ولذةٍ وسرور
لامني جاهلٌ فقال أتبكي ... وبكاء المحب غير نكير
ليس موتي فجأةً بعجيبٍ ... لبلائي بها وفرط الزفير
بل عجيبٌ إن قيل عاش فلانٌ ... وهو مبلى بحب ظبيٍ غرير
ما احتيالي قد مات صبري وعاشت ... زفراتي من بعد طول الدثور
وعرتني بالحيل والرجل أحزان ... فقلبي من لوعتي في سعير
وإذا قيل من عشقت أنادي ... بدرٌ تم من فوق غصنٍ نضير
ومن ذلك:
لا غرو أن صحت ويلي من الكمد ... او قلت مالي من صبرٍ ومن كمد
والله والله إيماناً مضاعفة ... لقد تمكن سهم الحب من كبدي
ماذا أقول لمن تلحى على دنفي ... إذا أطال من التعذال والفند
أجيء كل غداة أشتكي سقمي ... إلى طبيبٍ لما ألقى من البعد
سقر يعجز عن برئي فوا أسفي ... على المعذب لي عن غير ما قود
هم يظنون أني غير مكتئبٍ ... والعين بالدمع ما تعرى من الرمد
ومن ذلك:
إنني يا أخي وقفت بخيا ... ط ثوبٍ رثٍ كثير الفتوق
قلت شلله لي فقال بد ... ينار فناديته بقولٍ رقيق
دع مكاسي وشلل البعض منه ... فبقلبي منه كمثل الحريق
يا مناي وسيدي أنت شلل ... قال قد جئتني بوجهٍ صفيق
لست ممن علي حقوق ... لا ولا لي فما أرى من صديق
قلت قد جئت من مكانٍ بعيد ... قال لو جئت من مكانٍ سحيق
ثم نادى أبرمتني وحاني ... فكأني أهويت من منجنيق
عاش في ذلة علقه الله بعينيه في أشد مضيق
كاد عقلي يزول من قفزةٍ لي ... ودعاه بالويل وسط الطريق
راعه الله كلما نقر الدف ... بفقدان كل خلٍ شفيق
ورماه بمثل ما قد رماني ... من هوانٍ وغلظةٍ وعقوق
ومن ذلك:
نظرت إليها إذ تبدت من الحذر ... فناديتها والدمع من مقلتي يجري
وأظهرت أعرابي لقولك باسماً ... فقالت أبتغي الوصل بالنحر والشعر
فقلت لها إني إلى الوصل راغبٌ ... فجودي كي تنقذيني من الأسر
فقالت فلم يا أرجل الناس تشتكي ... غرامك قل لي قلت من شدة الضر
فقالت فعندي ياسمين منضد ... ودر كخدي قلت قد جئت بالسحر
فكم عاذلٍ أعلمته لصبابتي ... فقال دع الشكوى وعود إلى الصبر
فقلت له والقلب مني نواله ... وأي اصطبارٍ للكئيب على الهجر
لقد بان صبري يا عذول وخانني ... عزاي فدمعي ما يمل من القطر
جعلت لباسي في الأنام قطيفة ... من السقم تدنيني لحيني من القبر
فيا عاذلي ماذا عليك بلوعتي ... دع اللوم لي فاللوم من أعظم الوزر
أتعذلني في حب من هي فتنتي ... ومن قد زهت حسناً على الشمس والبدر
لقد نسج الحسن البديع بلطفه ... لها حلة تبقي عليها إلى الحشر
فدع لوم صبٍ قد أضر الهوى به ... وأنحله فالسقم في جسمه يبري
وروح فؤادي من بكا بك ساعة ... فمالي إذا قد رمت الصبر من عذري
ومن ذلك:
قد زرت وجداً ووسواساً بهجرك لي ... يا هذا فأرسلي العواد عن خبري
أرى هموماً على قلبي مواصلة ... عائداتي يطلن اللوم لي فذري
لومي وإلا فزيديني فلست بذي ... صبرٍ وكيف بصبرٍ لي على القمر
والآس من قال زيدي في ضناه ... ولو بصرن جسمي لما أسرعن في ضرري
يا ويح ميت الهوى ماذا لقيه لقد ... شهرت من لوعتي في البدو والحضر
لم يا عذولي أو هونٌ عليك بما ... ألقى فإن ملامي أعظم النكر
من مات عشقاً فلا تنكر شهادته ... وكن عليماً بما قاسى من السهر
إن لم يقولوا بكا قالوا ضنى أسفاً ... قد كنت أحذر لو وقيت من حذر
مفندي لم فان العاذلات على ... هواي حابيني إذ قلت بالنكر
الصبر فانٍ فجودي يا معذبتي ... أو فاسألي جلدي يا أحسن البشر
فمن لعبدك والناس تشمله ... أقيك كل الردى بالسمع والبصر
ومن ذلك:
جهولٌ بما بي قال لا تكثر البكا ... وكن صابراً أكرم صاحب
وهل رجلٌ يا قوم يحس صبره ... ومحبوبه في قربه غير راغب
أطال فلان لوعتي بصدوده ... كغيث ابن عمي عنه خوف المراقب
فما غير زنديقٍ يلوم متيماً ... ويعذله والعذل لي غير غائب
إذا قيل لي حتى متى تكثر البكا ... أجبت بدمعٍ دائم السح ساكب
أعاذل كيف الصبر بعد فراق من ... يرى أن الصب ضربة لازب
لقد علمت كل القبائل أن من ... نأى عنه من يهواه جم المصايب
ألا بأبي من قال لي إذ بثثته ... غرامي وقد أعيت وجوه المطالب
فديتك هذا حسن رأيٍ رأيته ... أم الحب غطى عنك سبل المذاهب
فقلت له يا كل شيءٍ أحبه ... مقالة صبٍ صادقٍ غير كاذب
فأقسم بالزيتون والتين حلفه ... لهجرك لي يا سيدي غير واجب
وما أنت بالخل الذي يحمل الجفا ... ويعجبه بعد القريب المسائب
ومن ذلك:
دخل الغرام إلى صميم حشائي ... فشكوت طول صبابتي وعنائي
ما خالص الود الممكن عندكم ... إذ تفخرون بفقدكم من دائي
إن كان منزل من يحبك قد نأى ... فلأبكين على فوات بكائي
ما بال قومٍ يكثرون ملامتي ... مالي عزٌ أعز من فنائي
رمت الوصال فلم أنل من وصله ... إلا كظل الحائط الميفاء
وسألته عطفاً علي فلم يجد ... ماذا على مولاي في إحيائي
ماذا على العذال لو قد زارني ... إلا أنام فكيف نلت منائي
وا حر قلبٍ دواؤه ودواؤه ... بيديه لا يلوي على الرقباء
ومن ذلك:
وقف الهوى بي والمدامع تمهل ... إذ قيل قد قوصوا تحولوا
يا ساحر الصب المعذب قلبه ... عن حسن ما أهل الهوى قد حولوا
لأني على من شفني برحيله ... والحب داخل مهجتي لا يرحل
من كل بابٍ قد رددت بحسرة ... فالنفس من فرط التذلل تذبل
لح العذول فقال دع عنك البكا ... ماذا له لكنه لا يفعل
بالله يا أهل الوفا قولوا له ... ......فقال فإنني لا أفعل
يا ليت كل الدار عين أعاذلي ... والصالحين فلي دموع تهمل
قد صار في دار التذلل موطني ... ماذا على رجلٍ عليه تذللي
ومن ذلك:
بأبي وأمي من رقد ... عني وأغرا بي السهد
الصب منقطع الرجاء ... من التبصر والجلد
ما حيلتي وأنا الذي ... قد ذبت من طول الكمد
أشكو إلى العذال ما ... ألقاه من طول الفند
يا بؤس منقطعٍ إلى ... من ليس ينجز ما وعد
يا بؤس من يحضى هوى ... يبديه دمعٌ يطرد
قد كنت أحسن في الهوى ... حالاً من اللاحي النكد
قد أكثر الناس الملا ... مة للغريب المنفرد
مل تم أسوأ حالة من ... عاشقٍ لم يقتصد
قال الحبيب وفي فؤا ... دي منه نارٌ تتقد
السقم ضيفك قلت لا ... قد أقام مع الأبد
يا قوم كيف لمهجتي ... صبرٌ وقد ذاب الجسد
ما بال دمعي لا يني ... كالمزبد الطافي الزبد
وإذا شكوت صبابتي ... قبل البكا من الرشد
وظهورها فخليناها بحمد الله سبحانه وتعالى وكتبناها متوالية متوالية وقد وجدنا في نسختنا كتابة خافية في بطون الطيور والوحوش على قاريها وهي هذه:
يا من يديم الغضب ... حتى متى تجتنب
لقد بان لي ما أحب ... منك أزلت الغضب
ومن ذلك:
دعني فإني دنف ... ولي حبيبٌ صلف
مازال منك جنف ... كل مليحٍ صلف
هذا بلا نحيبٍ ... يبكيه بعد التجنب
ومن ذلك:
رسول قلبي محجب ... مالي من الحب مهرب
سكوتي عن الأديب ... حذاراً من الرقيب
أناديك من قريبٍ ... مناي فلا تجيب
أنا المدنف الكئيب ... أيها الهائم الغريب
خف الله يا غريب ... ولا تكثر النحيب
دع النوح يا غريب ... على الشادن الربيب
لقد أعرض الحبيب ... فقال اترك النحيب
إن صرت فرداً بلا حبيب ... قد ذبت من كثرة النحيب
فكن صبوراً على الكروب ... ما يصنع البين المفترى بي
من صد عنك تجنب ... وإنما يتعتب
إني لصبٌ معذبٌ ... وظالمٌ متجنب
ومن ذلك:
ليس من كان ذا دنفٍ ... ينكر التيه والصلف
من لصبٍ بكم كلف ... قلبه معدن الدنف
من جميع الورى خلف ... لا ترى صده جنف
أنا صبٌ بمن حنف ... ثم أغوى بي التلف
ومن ذلك:
قد كنت مثل التجنب ... لما يقول أكذب
صلني فإني معذب ... يا من بوصلي تحبب
قد جفا أحسن العرب ... فيم أعرف الضرب
إنه يقبح الكذب ... كيف تجشو بلا سبب
قد نعاني بلا سبب ... أحسن العجم والعرب
وإذا صد واحتجب ... فدع الدمع ينسكب
لا تقل صد واحتجب ... إنما كان لي سبب
بأبي أنت ما السبب ... الذي أوجب الغضب
قد جفاني بلا سبب ... أحسن العجم والعرب
ليس صبر الفتى عجب ... وبه يأمن العطب
ذا تجنيك والغضب ... كل يومٍ بلا سبب
وهذا آخر ما أوردناه والحمد لله على كل حال وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
ومن ذلك:
طال الضما إلى خود منعمة ... كبدرٍ تم على بانٍ من القضيب
فظلت من شدة الخوف المبرح بي ... أصيح بالويل بين الناس والحرب
متى يلم فيشفي ما أكابده ... خيالها من أليم السقم والوصب
وزادني ألماُ قول الوشاة لها ... عديه وصلاً يرجيه بلا كذب
أقول هذا مقام الصب فاحتكمي ... فيه بما شئت من جدٍ ومن لعب
يا من يقوم مقام الموت هجرتها ... يا أحسن الناس من عجمٍ ومن عرب
ماذا يغرك لو أحسنت ظنك بي ... وجدت بالوصل بعد الهجر والغضب
ظن النساء بأني الصب ذو جلدٍ ... هيهات ليس بصبارٍ على الكرب
وأخجلت من كلام الحاسدين لها ... وقولهم فيم لا ترثين للعطب
عديه عن كنت تنوين الوفاء له ... خيراً ولا تركبي في جحفلٍ لجب
من الصدود فما الأعراب تفعل ما ... فعلت بالصب عند الفوز بالسلب
في بعض سقمي لهل العقل معتبرٌ ... وفي صدورك عن شكواي يا بأبي
وقال قومٌ دع الشكوى فما هجرت ... إلا لقتلك أو صدت بلا سبب
ومن ذلك:
نهاني عن مجالسة الأنام ... منامي كي أدوم على غرامي
ولي شغلٌ عن الإخوان طراً ... لما بالجسم من فرط السقام
فمالي نزهةٌ إلا بكائي ... وطول تلذذي جوف الظلام
أظن العقل سوف يبد مني ... لما أبديه من طول الهيام
ومن ذلك:
أسيل الخد يسحر بالمحاجر ... غريب الحكم في الأحكام جائر
لقلبي والنبي عليه نارٌ ... وقتل الصب سلطان الجآذر
رأى وصلي حراماً فأنقاني ... لذاك الهجر عند ذوي البصائر
أما والله لو أسطيع صبراً ... صبرت وعدل مثلي غير صابر
بكيت عليه من حرقٍ لأني ... أكلمه فيسكت فعل هاجر
إبن لي يا فديتك أي جرمٍ ... له قال المعنف أنت عاذر
أترغب في الجهاد فدتك نفسي ... وأفضل منه وصلك لي فبادر
ومن ذلك:
من ذا يساعد من دامت صبابته ... على البكاء فقد قامت قيامته
أكثرت عذلك من يغريه عذلكم ... أيضاً ومثلي لا تغنى ملامته
يا من زيارته تحي النفوس أجر ... صباً كئيباً فقد طالت إقامته
لو قيل ما تتمنى قلت زورة من ... كالبدر طلعته والغصن قامته
نفسي الفدا لمن بشاشته ... في الحب غذ عظمت فيه فضاضته
ومن ذلك:
عن غير جرمٍ نأت فوا أسفي ... أوقفتني حبها على التلف
ما بي على ما لقيت من جلدٍ ... أحنى على مهجتي من الدنف
قد قال قومٌ وأدمعي سكب ... واهاً لهذا وجسمه النحف
قلت عليكم بترك لومكم ... كفى ما بي من فارط الأسف
أبيت لا بات من كلفت به ... بمثل ما بي من شدة الكلف
قد وكل القلب بالغرام فمن ... يخجل قد الغصون بالهيف
خود كان التفاح وجنتها ... وريقها كالمرام في الرشف
تباً لقلبي فإنه سببٌ ... إلى هلاكي بكثرة الخلف
هل من نصوحٍ أشكو إليه فقد ... وقفت منها على شفا جرف
ها أنا يا سادتي بديع أسى ... على بديعٍ في التيه والصلف
يا معدن الحسن جد بمغفرةٍ ... معدن السقم فيك والأسف
آهٍ على ظبيةٍ تريق دمعي ... درة نحرٍ من خالص الصدف
ومن ذلك:
أيا صبري فما أسطيع صبراً ... وذاك لأنني خالفت ضرا
إذ أجل الذي أخفي وأبدي ... من البلوى دعوت الله جهرا
أكف الناس عن عذلي ولومي ... وأنت أراك مما بي مقرا
أعاذل ما أطرا العذل يسلي ... محباً لا ولا يثنيه قهرا
لقد أهدى الملام إلي سقما ... سريعاً في هلاكي ليس يبرا
أعاذل دع ملامك لي ودعني ... فقد حملتني من ذاك وقرا
أتطمع أن أعود إلى سلو ... فدعني واجعلن وصليك هجرا
أعاذل لو ترى في الليل دمعي ... ترى مطر جرى سحاً وقطرا
ومن ذلك:
وعشت يا أكرم العالمين بخيرٍ ... وأمانٍ من كل ضنكٍ عسير
أنا في حيرةٍ لصدك عني ... عن غير احترامٍ وغير نكير
قد رثا كل عاذلٍ لبكائي ... ولحا فيك كل وغدٍ حقير
صرت في مأتمٍ وكان سروراً ... بك تيمني في الماثم البكور
بأبي أنت جد بما أتمنا ... هـ سريعاً يا سيدي وأميري
وأغثني من الوصال بشيءٍ ... واجعلن ذاك بي يسر التيسير
وأعظ من قد أشار بهجري ... وابعثن لي يسر ضميري
زر فعندي ما تشتهي من شرابٍ ... وبخورٍ ولذةٍ وسرور
ومن ذلك:
قال أناسٌ أعرضت وتبدلت ... فقلت دلالاً ليس يقوى بها هجري
فلو أن سقراط الحكيم بلطفه ... رآني وما ألقى لعجزه أمري
أتنكر لي أن النساء سبينني ... وقد تأسيني الناس في سالف الدهر
أقول على اسم الله يا من يلومني ... إليك كفاني ما لقيت من الضر
رويدك إن الحب للمرء قاتلٌ ... فيورده قبل الممات إلى القبر
سأشكو الذي يلقى فؤادي من الأسى ... إلى عاذلي كيما يضيق عن الزجر
ملامك فاتركه أيا من يلومني ... ففي تركه أجرٌ ففز أنت بالأجر
أتعذل من يرجو بلومك نفعه ... وما نفعه إلا دنو الذي الخبر
عذابي من أضنى فؤادي وشفني ... هواه ومن أربا بوجهٍ على البدر
خضعت برغمي ذلةً واستكانةً ... لما قد تناوله من التيه والكبر
خف الله يا من لح في قتل هايمٍ ... ففي قتله وزرٌ وحاشاك من وزر
ومن ذلك:
قال لي إذ رأى طويل هزالي ... من عليه معولي واتكالي
كم على من جفاك تظهر حناً ... وهو بالحزن والبكى لا يبالي
قلت يا من عليه كل اعتمادي ... لا ترعني بالهجر بعد الوصال
لو جعلت السلام حظي لا جزل ... ت فبذل السلام خير نوال
قال والباذل السلام له أج ... ر لقد جئتني بقول المحال
فقلت دعني فكم نجا منك قلبي ... لم أبكيك في طول الليالي
حبذا من كان قامته الغص ... ن زهى في الورى بحسن اعتدال
وحكى الجيد منه جيد غزال ... وله غرة كضوء الهلال
للغلام العذار منه وللمر ... ة اعطافه وحسن الدلال
ما احتيالي والعاذل السوداء بي ... وا بلائي لقد طال خيالي
ومن ذلك:
إدمان عذلك للمحزون قاتله ... أما ترى دمعه قد فاض هاطله
قد حطه من على السمك رافعه ... فالحسن واصله والصبر خاذله
يبيت والطرف منه ما يلائمه ... غمض وأنى له مما يحاوله
تراه يبدي لمن قد لامه جلداً ... فقد تحير والرحمن عاذله
يا من يذيب بطول اللوم مهجته ... من ذا يلوم هواه وهو جاهله
انظر إلى الجسد المضنى على قمرٍ ... زهت على البدر إذ شمت شمائله
كالمزن والعسل الممزوج ريقته ... والدعص ردفاً وغصن البان حامله
يا عاذلي والهوى إني لمختبلٌ ... فسله عن حاله يا من يسائله
وإنه لتمر الريح بي سحراً ... من أرضه فينزل الحق باطله
وعاذلٍ ورقيبٍ يدفعان ضنى ... ولم يريا ما الصب باذله
فلي مضرته في الحب دائمة ... والوجد آفته والشوق قاتله
ومن ذلك:
ولما شكوت الحب قال لصخرة ... فلم تكثر الشكوى إلى غير راحم
فقلت له إن الرضا منك بغيتي ... فجد لي بما أبغيه يا بن الأكارم
دع الهجر لي يا من عليه معولي ... ولا تصغ يا سؤلي إلى قول لائم
عليك من الصب السلام تحيةً ... وعشت سليماً من جميع المآثم
فقد أكثر الصب السؤال فكن له ... مجيباً وجد بالوصل يا خير حاكم
أترضى هداك الله يا أكرم الورى ... بقتل محبٍ فوجع القلب هائم
أليس الرضا يجلو عن القلب رينه ... ففرج جوى قد حل بين الحيازم
فبالسمع يا مولاي والبصر الذي ... هما لذتي أفديك من كل غاشم
فأنت خليلي والخلال منوطةٌ إلى خله الخل الكريم المسالم
فرب عذولٍ يجلب الصد والأسى ... إلى قلب من يلحاه غير مكاثم
رزقت الهوى مني وفي الرزق خطوة ... ولاسيما والوصل بعد التصادم
ومن ذلك:
دوائي دنو الحب بعد صدوده ... ليبرد قلبي من أليم وقوده
أرى كل محبوبٍ يرق لحبه ... وحبي لا يرثي لضر عبيده
وكل محبٍ خاضعٍ لحبيبه ... ولاسيما أن راعه بصدوده
فسقيا لمن يحظى بقرب حبيبه ... ويرثى له إن لم يرعه وعيده
ومن ذلك:
قال الذين رأوا صدود منائي ... عني وطول صبابتي وعنائي
ما خلد الرحمن خلقاً في الورى ... في ضنك عيشٍ أو دوام رخاء
يا سادة الأدباء هل من راحمٍ ... يرثي لمسكنتي وطول بكائي
أو من يرى في الناس يشفع لي بالي ... من قد علا كرماً على الكرماء
أيكون في الدنيا كمثلي في الهوى ... أو مثل من أهواه في البخلاء
ذ ليس فعل الأسخياء فعاله ... في صده عني يريد فنائي
كيف لخلاص وفي فؤادي جمرةٌ ... أبداً تزيد تغرماً بذكائي
يا عاذلي إن كنت تبغي الآخرة ... التي هي بغية الشهداء
فافعل فديتك في فعال الأتقيا ... ء وخلني صباً أموت بدائي
ومن ذلك:
قال العذول وقد رأى سقمي ... حتام لا تخلو من الهم
فأجبته بأن الحسن أسقمني ... والحب يذهب صحة الجسم
لو كان طعم الهجر من عسلٍ ... كان الطعام له من العزم
وأنا اليدين من الصدود لكم ... قبل الوصال وبعد ما ينم
أشكو نواهم قبل وصلهم ... والفقر من صبري ومن علم
والصبر عن طيب الطعام فهل ... به ينبغي بوصلك عارض السقم
ومن ذلك:
ليس من أظهر القناعة بالطي ... ف قنوعاً بل ذاك غير قنوع
كيف يا واحد الملاحة للصب ... المعنى بلذةٍ من هجوع
رزق العاذل الجلادة والصبر ... ومال الرزقين غير بديع
ومن ذلك:
عن غير جرم نأى فبرح بي ... من هو زين الورى من العرب
بعد الرضى أظهر التبرم بي ... يا طول غولي ويا نعم حرب
يا طول حربي عليه حين جفا ... وصد عني عن غير ما سبب
على السرور السلام بعد ضنى ... أوقف قلبي ظلماً على العطب
إذا شكوت الذي أكابده ... قال اكتئب شر مكتئب
حلل قتلي كذبحة الجز ... ار المقصود في ذبحه للنصب
كم يكمد القلب بالصدود وكلكم ... يسخن عيني بكثرة الشغب
يظهر ما في الحشا أسى ويذ ... يب الكليتين الضعاف
والدمع يبدي الذي أكاتمه ... من لوعتي ويقيم الغدر من تعب
كن ذاكراً بالجميل يا أملي ... فأنت في الذكر عالي النسب
ومن ذلك:
يا أفضل العالمين رأياً ... وأحسن العالمين شكلا
أروى جميع البقول دمعي ... وأعوز الخافقين سجلا
يا عالم الهند هل دواءٌ لمد ... نفٍ ما يفيق خبلا
يا فطناً بالأمور قل لي ... ما بال قلبي يزيد ثكلا
والله والله إن قلبي ... لا يتمنى سواك خلا
لو رام هذا لخس عندي ... ونال بين القلوب ذلا
ومن ذلك:
من لحزينٍ دنفٍ مغرمٍ ... هان من السقم على العابد
عرف بعض السقم لما بدا ... عليه ماذا يبدو من الشاهد
ما بال من يتمنى هجره ... ما باله أعرض كالحاقد
قال تعذالي فيا ليته ... يبذل طيفاً منه للراقد
ومن ذلك:
تبينت الحسناء وجدي فأعرضت ... وصدت دلالاً لا تبتغي قتلي عمدا
فما حيلتي والمرأة السوء عندها ... تشير بأن الهجر للمبتلى أهدا
فلو تنصف الأيام لان فؤادها ... ولو أنه من قسوةٍ قد غدا صلدا
أما ومرور اللهو بعد فراقها ... لقد تلفت روحي وفت بها وجدا
ومن عدم الإخوان أن ينصحوا اللقى مثل ما لاقيت من عيشة نكدا
محادثة الإخوان تكشف لذة ... وتورث من قد صد أحبابه زهدا
متى تذهب الأحزان علي بوصلها ... فتاة ترى أني لها في الهوى عبدا
ويعذلني من ليس يفنيني لوعتي ... بعدلٍ بلى يزداد نار الهوى وقدا
ثلاثة أيامٍ لنعم تقول إلى ... لك الويل لم تبد لتائهةٍ صدا
ومن ذلك:
عجبت لنزف الدم من فعلة الصب ... على ما يقاسيه من الضر والكرب
وفي الدم غذ يجري مع الدمع راحة ... لباكٍ بكى شجواً على فرقة الحب
فيا عاذلي هل يؤخذ الصب عنوةً ... بصبرٍ وهل صبرٌ لمختبل القلب
أليم الهوى زاج على كل حالةٍ ... وضر الهوى يبقى على الدنف الصب
يلوم العذول الصب جهلاً بحبه ... فيسحق منه القلب بالخوف والرعب
ويعلم أن الصب يضعف قلبه ... ويعجز عن صبرٍ على البعد والقرب
ومن ذلك:
إذا كان المعشوق مخلٍ بقربه ... فعشاقه في ضنك عيشٍ وفي جدب
فيا عاذلي عن كنت ترحم مغرماً ... وتحمله إن ظل يشكو جوى الحب
فخذ خبري إن الرباب تعطلت ... فديتك في المرآة في ساعة الحب
فتاهت بصدغٍ فوق خد موردٍ ... بصورة بدرٍ لاح في الشرق والغرب
فآفة جسم الصب فرط نحوله ... كما آفة الدمع التواصل بالسكب
ومن ذلك:
خل عن لومي وعن فندي ... فكفى ما بي من الكمد
هل على بدرٍ كشمس ضحى ... ثغره أنقى من البرد
ظلت تلحاني عليه وقد ... زاده شكواي في البعد
فعلى قلبي السلام فلي ... جسدٌ يبلى على الأبد
قال لي من ذكره أبداً ... سائر بالفضل في البلد
لك من وصلي فنوناً أبدا ... ما يحس القلب فاتئد
قيدني للحب في مسدٍ ... منك والرجلين في صفد
وأرى طرفي سيورد مهلكاً بالناس في رعد
ففؤادي فيه جمر الغضا ثابتٌ والراحم الصمد
ومن ذلك:
قال جار في هواك عذولي ... قلت لا علم للفتى المسؤول
إن بعض الجواب فيه شفاءٌ ... ليس معروفٌ ذاك كالمجهول
قد سمعنا من سائر الحكماء اليوم نولاً ثمن في العقول
كل صبٍ فاعلم بذلٍ في الحب أيها السائل الكثير الفضول
أي شيءٍ ألذ من عيش صبٍ ... جاءه حبه بغير رسول
ومن ذلك:
قالت لجاراتٍ لها خيفة ... هذا الذي تيممه حبي
قلن لها هل لك في قربه ... قالت أخاف البعد من رب
فقلت مولاتي تحب التقى ... وقتلتي من أعظم الذنب
قلن لقد شانك في فعلها ... فقلت لما زادني كربي
فقلن مزح فناديتهم ... قد سائني إذ ساءها عتب
ومن ذلك:
فاطري الفدا الحلو المعاني ... ومعير الجمال حور الجنان
من نأى بالرفاد عني فعيني ... أبداً من دموعها في سوان
شادن يان باصطباري إذ ... بان فقد جار عن بياني لساني
عاذلي دع الغداة ملامي ... وأقلا كفا كما ما دهاني
إن لي دمعه تخون إذا ما ... صد عني بوجهه وجفاني
ومن ذلك:
رآه الوجد صباً فاحتواه ... وحالفه وواصله ضناه
فيا داعي الغرام أجب قليباً ... وأسرع في الإجابة غذ دعاه
فقال أراك مسلوباً كئيباً ... كذاك الصب مسلوباً عزاه
فمن لمدلهٍ كلفٍ حزينٍ ... له سقمٌ يسرك أن تراه
ومن ذلك:
القلب من عبدك المسكين مختبلٌ ... والدمع من عينيه في الخد ينهمل
وأنت كالملك الفظ الغليظ إذا ... شكا إليك فما ترثي ولا تصل
فجسم عبدك بال والجوارح من ... فرط الغرام بنار الشوق تشتعل
والوجد يا أملي وقف على كبدي ... من جنده وغرامي فيك متصل
أخفي الهوى جاهداً من عاذلي فإذا ... زاد اشتياقاً فأنت السؤل والأمل
ليت العواذل ذاقوا ما أكابده ... فلو كرى اشتغل العذال ما عدلوا
من ليس ينفك من حزنٍ ومن كمدٍ ... فعقله ذاهلٌ والقلب مختبل
قد كان سقمي فيما شئت ينفذ لي ... فقد تعطل لما ضاقت الحيل
وعسكر الصبر قد ولى ورايته ... قد نكست هرباً والجند قد خذلوا
ومن ذلك:
أقاتلتي ما أشد الصدود ... وأرجعه للفؤاد العميد
لقد برح الحب بالعاشقين ... وأذهب صبر الصبور الجليد
لزهدني هجركم في الحيا ... ة ورغبني في جنان الخلود
نبا السمع عن عذل العاذلات كمثل بنو السدود الطرود
فديتك زرني مع الزائر ... ين ليكمد ذلك قلب الحسود
فمن منقذي من لحاظ الظبا ... ولسع عقارب تلك الخدود
أذاب فؤادي عذل العذو ... ل على دنفي بالحسان القدود
لقد دق قول الورى في الهوى ... ووضع الوصال مكان الصدود
وقد أورق الحب بعد الذبو ... ل فأي خيارٍ لصبٍ وحيد
معذبتي هل فعال الملو ... ل يقوم مقام فعال الودود
ومن ذلك:
قلبي وعيشك ذو وجدٍ وذو سقمٍ ... والعين تذرف دمعاً وأكفا بدم
فقلت بحبك قد دام الغرام به ... موكلٌ بالأسى والضر والألم
يا من لمكتئبٍ بالحب مشتغف ... قد شاع ضر الهوى في اللحم والعظم
ومن ذلك:
قلت إذا قال رسول الحبي ... ب فيم أعلنت بالبكا والنحيب
يا رسول الحبيب حسبي الذي بي ... لا تلمني على اتصال الكروب
عمرك الله هل رأيت محباً ... لم يمت حسرة لبين الحبيب
ليس وصلي على الحبيب حرامٌ ... بل حرام هجر الحزين الكئيب
فإلى الله أشتكي ما بقلبي ... من غليلٍ وزفرةٍ ونحيب
لي حبيبٌ عليه أهلك ضراً ... لبلائي به وخوف الرقيب
يحسب الريح إن تنثني تثنيه ويحسن اعتداله للقضيب
تاه زهواً لطيبة الأصل والفر ... ع الذي قد زها بكل قضيب
قلت لم لا تشد بالوعد قلبي ... ولتكن يا هديت غير كذوب
قال لي القلب تستريح إلى الوعد سآتيك بالمعنى عن قريب
ومن ذلك:
لا عدت أشكو الهوى إلى أحدٍ ... سواك يا سيدي ويا سندي
ما بذل سري إلى سواك وقد ... علمت ما بي من شدة الكمد
قد أعظم الناس ما أكابده ... من ضر جسمي غذ خانني جلدي
قد قدر الله حكم ملكك لي ... يا غايتي في الورى ومعتمدي
فكن مجيري من الغرام ومن ... نارٍ تلظى بالجمر في كبدي
وإن أتحفوني قبل المساء بما ... أرجوه يا عدتي ويا عمدي
فأنت يا غايتي ويا أملي ... عن برء السقام من جسد
ومن ذلك:
قال ازدجر قلت إني غير مزدجرٍ ... لقد أضر الهوى بالسمع والبصر
فهل رسولٌ إلى مولاي يخبره ... أن العذول سعى والله في ضرري
يظن وصلي إذا ما سمته غرراً ... كما أرى صحبة الحسنا من الغرر
والله والله لا طاوعت ذا عذلٍ ... فيمن رضاه يزيد اليوم في عمري
أشكو إلى الله يوم الحب عن دنفٍ ... كنومة المرأة الخرقاء في السحر
أبكي عليه لأني كلما ذهبت ... إلى الوصال بدا لم أحظ بالظفر
لو أحسن النظر الظبي العزيز لنا ... لجاد، والنظر الإحسان للبشر
ولو أشار إلى عمري لجدت له ... بالسمع والبصر.... للعمر
قد صادني بعذارٍ لو رآه يدال ... خضرة الآس في روضٍ من الزهر
لا مجل الأسى حسناً بل يزيد على ... حسن الرياض وحسن الشمس والقمر
ومن ذلك:
فرحت بطيفٍ من أمامة زارني ... فقلت له أهلاً وسهلاً ومرحبا
بمن قد أذاب القلب وجداً وحسرةً وأظهر لي بعد الوصال تجنبا
فقال تنبه زادك الله حسرةً ... فهذا إلى قلبي من الشهد أطيبا
فقلت وقاك الله من ألم الذي ... ألاقيه يا خير البرية منصبا
وأعطاك رب العرش ملكاً مجرداً ... وزادك منه ذو الجلال تغربا
فقد كنت أرجو منك قرباً فزدتني ... بعاداً فيا ويلي بقيت معذبا
وأظهرت لي بعد الوصال تناسياً ... ففي كبدي نارٌ تزيد تلهبا
فحتام تنوي لي صدودا وغلظة ... وتركا لمن قد هام شرقاً ومغربا
ومن ذلك:
قال المتيم حين ذاق غرامه ... والشوق منه وراءه وأمامه
من أين لي جلد على اللوم الذي ... قد طال منه فكن له وملامه
قد أكثر القشيري لومي في الهوى ... وخرجت لما أن سمعت كلامه
أما النهار إذا بدا قمرٌ له ... وإذا أتى ليلٌ رغبت ظلامه
كم حسرة دخلت فؤاد متيمٍ ... ووراءه وظن يلب مقامه
ما بال هجراني مع الترحال عن ... من لا يلذ شرابه وطعامه
ما حيلتي يا عاذلي رجلٌ عزا ... عني فكن أبداً تقود زمامه
وأظن لي وجد ومنزله جفا ... عني فدمعي قد بكيت سجامه
ومن ذلك:
قال المعنف لي لما شكوت له ... شوقي إلى من زها حسن على القمر
أما رسول بما تلقاه يخبره ... عساه يكشف ما تلقى من الضرر
فقلت والله لو علمته دنفي ... لما حباني بغير الدمع والسهر
لأنه لو رضي وصلي لجاد به ... ولم أرد شافعاً من سائر البشر
أعاذه الله من سقمي ومن ضرري ... ففي فؤادي لما ألقاه كالشرر
أبكي عليه وحقي أن أرى كلفاً ... ببدر تم نشا في أحسن الصور
من قال لي لم هجرت النوم قلت له ... هذا لرائحة النسرين في السحر
قد أعرض الحب عني بعد وصلته ... وبعد طيب الرضا والفوز بالظفر
ماذا عليه وقد أعلمته دنفي ... لو خفف المحمل الداعي إلى الضجر
ذكرت طيباً من العيش المواصل باللذات بعد خفيفٍ غير معتذر
دع الكئيب فلا تكثر ملامته فإنه ناح في الأصل والبكر
إن عاذلي كف عن لومي وعن عذلي ... ولم يرده يفز بالسمع والبصر
ومن ذلك:
قال إذ قلت قد أذبت فؤادي ... ومنعت الجفون طعم الرقاد
هل رسول أتى فأخبرني عنك ... بما قد لقيته في البعاد
قلت إني والله مختبل العقل قليل العزا طويل السهاد
فأجرني يا أفضل الناس من طو ... ل غرامي ولوعتي وانفرادي
فلقد أنكر العباد سقاماً ... هو في كل ساعةٍ في ازدياد
يا غزالاً هواه شرد نومي ... كن معيني على الأمور الشداد
ليت شعري متى توقع لي منك بوصلٍ به تغيظ الأعادي
وانتظاري لوصلك الفرج مازال يعجبني العا ... جل يا سيدي يذيب فؤادي
ومن ذلك:
ما زال يعجبني الفراغ وإنني ... لأظن ذلك قادني لشقائي
فالقلب مني بالهموم موكل ... قد قرحت جفني بطول بكائي
قد صرت بالشهوات صباً مغرماً ... وأجلها عندي وصال منائي
ومن ذلك:
قال العذول وأدمعي تجري ... سحاً على الخدين والنحر
هذا رسول الحب مبتسماً ... وبوجهه علم من البشر
فأظنه والله يخبر عن ... مولاك بالإبعاد والهجر
فأجبته من لي زورة من ... قد وكل الأجفان بالقطر
فأعاض سمعي بعد صحبته ... وقرا على اللوم والزجر
إني على ما كان من دنفي ... راضٍ لما يأتيه من أمر
فاقبل مناي قول ذي كمدٍ ... صبٍ وصدقه على خبر
ومن ذلك:
قال الرسول فقد شكوت صبابتي ... ستفوز بالزلفى وحسن مآب
أرى جل ما بك من غرامٍ فاسترح ... من ذاك ترك الذكر للأحباب
واجعلني للموعد القول منك تأوهاً ... كمتيمٍ آذى الهوى منصاب
فأجبته وصلي أصد به النوى ... والقلب فيه تلهبٍ كشهاب
قال أوصني ماذا أقول ولا تدع ... فكذلك المجموع بالأحباب
فأجبته غذ قال بزفرةٍ ... حزني وقال لقد فطنت لم بي
يا سيدي أرأيت عبداً يشتكي ... مولاه قال بلى فكان جوابي
يا أيها الإنسان قل لمعذبي ... هل ترضى عن قلبٍ بحبك صابي
يا من إذا امتنع الجواب أذابني ... وأعيش إن قال استمع لخطابي
هجر المنام مع الطعام لهجركم ... حتى يموت بكثرة الأوصاب
مزج المدامع والشراب بكاسه ... عشقاً ووجداً ليس ذا بعجاب
ألا ما للعواذل لي ومالي ... أطالوا اليوم من قيلٍ وقال
ألا وإنفاق مالي من حلالٍ ... وما ذاك هديت بسهلٍ في الضلال
رأيت تصرم الآجال يدنو ... ومالي لا تجلد بي يحال
تلومني وتقريب الأماني ... لعلمي لا يصح فما أعتيالي
سأجعل أكثر الأشغال عندي ... إلى طلب المحامد والمعالي
ألا يا عاذلي فاقطع ملامي ... وإلا حزت إكرام الموالي
أعاذل هل خلال لوم مثلي ... ألا دعني من القول المحال
فمن لمتيمٍ كئيبٍ حزين ... أتى بثلاث أحمالٍ ثقال
ومن ذلك:
لقد كان فيض الدمع يشفي صبابتي ... فمذ قام قد قامت علي قيامتي
جعلت شفيعي خاتم الرسل علها ... ترق لبلواي وطول صبابتي
وقلت لها قد والنبي سبيتي ... فبحت بما أخفيه من عظم فاقتي
صليني ففي وصلي حياتي وراحتي ... ولا تهجريني إن هجرك آفتي
معذبتي والله ما رمت سلوة ... ولكنني أشكو لفرط جهالتي
صلي مدنف طالت عليه حياته ... وتعجيل موتي يا فديتك رحلتي
كتمتك ما بي من أليم صبابتي ... وبحت لكي تصغي لعظيم شكايتي
ولي عاذلٌ في الحب قد رمت وصله ... فما اسطعت ما أملته لشقاوتي
محبك يخشى أن الذي ... يحاذره إن لم يف بزيارتي
ولي عاذلٌ ما منه بد علقته ... لشدة حيني في أوان غرامتي
ومن ذلك:
الورد يخجل من تورد خده ... والغصن يعجب من رشاقة قده
هل بارد عذب المذاق أشنب ... يطفي فؤادي من حرارة وقده
من يابس الأغصان صرت نحافة ... لما نأى سؤلي وضن برفده
قل للعواذل ليس يبرد بعض ما ... ألقاه إلا أن يفئ بوعده
قد كدت من فرط الحرارات التي ... عزلت على ... أني ميتٌ من بعده
كم قد شكوت إلى التي ... في مهجتي أطغى صبيحة صده
حتى متى أنا في عذابٍ دائمٍ ... ومعذبي في غفلةٍ عن عبده
كم ينفض الرأس العذول بجهله ... ويقول قد بخل الحبيب بورده
كيف احتيالي والمعد لمهجتي ... صوت الصدود بهجره وببعده
إن قلت صلني تاه تيه مغضب ... فالويل لي فلقد بليت بحقده
من لي بأن يهدئ بعض ما ... في مهجتي ممن يصول بجنده
فدع الصداع فلست أسمع عاذلاً ... يعرو الكئيب ببرقه وبرعده
ومن ذلك:
لما شكوت الحب قال مفندي ... لازلت في كمدٍ تروح وتغتدي
هل لي على طول البكى من مسعد ... فلقد نأى صبري وقل تجلدي
يا من عليه من الأنام معولي ... كن راحمي من حيرتي وتلددي
لم صرت لي بعد السلام تحريا ... وأرعتني بتوعدٍ وتهدد
يا من كأن السحر حشو جفونه ... والكحل في عينيه غير الأثمد
هل منك لي وعدٌ يطيب عيشتي ... فلقد علمت بحاجتي وبمقصدي
يا من كأن الشهد لذة ريقه ... والنكهة الخمر العتيق العسجد
والثغر درٌ والسواك يزينه ... فكأنه عقدٌ ولما يعقد
يا من يزيد على الهلال ملاحة ... والفض يحكيه بحسن تأدد
يا كاملاً في الفضل جد لتذللي ... بزيارة من طيفك المتردد
يا سيد جمع الفصاحة والحجى ... لازال نجمك في بروج الأسعد
ومن ذلك:
الحت لم يبق لي صبراً ولا جلدا ... يوم الرحيل ولا لبا ولا كبدا
لا كأن أول من يسعى ببينكم ... لازال ما عاش قصي الدار منفردا
يقول صبراً وما في الصبر من فرجٍ ... لذي الأسى يوم نادى والرحيل غدا
أنى وكيف يكون الصبر مسلاة ... وفي الحشا منه شوق يصدع الكبدا
قد كدت أتلف في يوم النوى خجلاً ... ودمع عيني على خدي مطردا
عهدي به وركاب البين سائرة ... وقد نفس من في الحي ثم حدا
فقلت هل تمكن المشتاق يا سكني ... مما يبوح بما يلقى إذا وجدا
فقال لي إن في الكتمان معذرة ... فقد شكا البث والأشواق والكمدا
ما في الفؤاد مكان يطمئن به ... سرورها هو ذا من وجده فقدا
قتل المحب حرام يوم ودع من ... يهوى ولم يكتسب صبراً ولا جلدا
ومن ذلك:
لا تقبلن على حبيبٍ وأشيا ... وارحمه أن الحب قد أضناه
أترى له في النوم يا زين الورى ... طمعاً لعل الطيف أن يلقاه
عبث الأسى بفؤاده فأذابه ... وجفا المنام فما يزور كراه
ما عذب الله الجليل جلاله ... أحداً بأعظم أن يطيل ضناه
صل يا محمد مدنفاً من حبكم ... فلقد تقطع بالهوى قلباه
هل من رسولٍ لي فيخبر بالذي ... ألقى من الأسواء وهو يراه
الله يعلم ما أجن من الأسى ... من هجر بدر لا أحب سواه
ومن ذلك:
أعرض عن غير ما اجترام ... من هو كالغصن في القوام
هذا على أنني كئيب ... أبكيه بالأدمع السجام
ماذا عليه فدته نفسي ... لو جاد بالوصل في الأنام
يعلم أن السلام فرض ... ويظهر البخل بالسلام
ما بال من قال لي تسلى ... وهل سلوٌ لمستهام
لا تك يا لائمي جهولاً ... فاللوم من أكبر الآثام
يقول لا تمتشط فإني ... أراك من أظرف الأنام
وإنما ألتقي دنوا ... من الغواني بلا احتشام
عز قيام السلو يوما ... على فؤادي من الهيام
تباً لطرفي فإنه قد ... أوقف قلبي على الحمام
هل يورث اللوم حسن صبري ... هيهات بل زاد في الغرام
ما أضعف القلب غير من ... قد شرد عن مقلتي منامي
وأضعف القلب حب من قد ... تاه على البدر في التمام
ومن ذلك:
العار في قتل المحب الهائم ... يا بدر تم في قضيبٍ ناعم
فتوق ما فيه التشبه جاهداً ... حاشاك من فعل الظلام الغاشم
يا أيها الملك المعظم قدره ... كن راحمي من فيض دمع ساجم
ويلي من اللحظ الخفي إذا بدا ... من حافظٍ للعهد غير مصارم
ومن ذلك:
تقتلني يا حب بالمطل ... فإنني مختبل العقل
ولا تشاور في وصال امرئٍ ... منزله وقف على الذل
تراه يبكي من غرامٍ على ... ما فاته من لذة الوصل
يا عذولي ليس اصطباري بخلاً ... في دفيق لقلة العقل
يا طول شوقي للفتى لبيته ... وما فؤادي منه بالثكل
ومن ذلك:
لقد صد من أهواه عن غير ما جرم ... سوى طول شكواي الذي من السقم
جفاه على ما بي من الضر والأسى ... فشوقي على طول الزمان به ينمي
سأبكي عليه ما حييت بعولة ... وإن زاد فيض الدمع كلما على كلم
على الصبر من قلبي السلام فما أرى ... سبيلاً سوى صبري على فارط الهم
إذا ما شكوت الحب قال بضجرة ... سألتك لا تعنى وأسرف في الشتم
فوجدي به في كل يومٍ وليلةٍ ... يزيد وحبي ليس يقلع عن ظلم
رعى الله أيام الصبى ونعيمها ... على أنني لم أخل فيها من الأثم
ومن سقمي في كل يومٍ وليلةٍ ... يقطع قلبي بالقطيعة والصرم
ألا بأبي من أسبه البدر وجهه ... بلى فاق ضوء البدر في ليلة التم
سأندبه في كل ربع ومنزل ... بعبرة عيني ما تمل من السجم
تشير إلينا من بعيد أصابع ... كأني قد أبرأتها من جوى السقم
ويومئ لي من أحب مخافة ... بإصبعه هذا القتيل بلا جرم
ومن ذلك:
هذا فؤادي لديك فاحتكمي ... فيه بما شئت يا مدى هممي
غبت فغاب السرور يا أملي ... ودام ضري وزاد في ألمي
الذنب لي فاغفري لمعترفٍ ... بذنبه ما يفيق من سقم
أنفع شيءٍ يسير مغفرة ... لمدنف قد أتاك ذا عدم
من لي برد الذي فتنت به ... من برئ سقمي وشدة الألم
ألزمتني مذ كنت مسكنة ... أوهت فؤادي وأنت في نعم
ينيب بين الرقاد عن بصري ... فلم أنم حسرة ولم أنم
ومن ذلك:
قد آن أن ترحم الصب الكئيب وإن ... ترثي بلواه إذ قد طال بلواه
هو الحقير الذليل المستكين فجد ... له بوصل فقد أفسدت دنياه
يا أيها الناس هل داع لذي ارق ... حيران قد هجرت للغمض عيناه
أو شافعٍ لي إلى من ليس يرحمني ... عساه يرثي لمن قد دام شكواه
ويترك الكبر والإعراض عن دنف ... يرى بطول التجني منه أعفاه
يا قاتلي إن رأيت الحظ فتلك لي ... فقد رضيت بما لو منك يلقاه
ومن ذلك:
أيا هاجري عن الوصل الذي كانا ... قد دام صبري وذقت النوم ألوانا
فأي منفعةٍ للحاسدين إذا ... صددت عني وقد أظهرت هجرانا
فالمشاعر والبيت الحرام أجر ... قلباً كئيباً أتاك الله غفرانا
لك المكان الذي ما حله أحد ... من قلب عبدك فأبدل مناك إحسانا
أعاذلتي لا أنسى لله كفي ملام من ... به بعض ما يلقاه فنضرب المثل
ومن ذلك:
رأى ما بي من الضرر ... فناداني على ضجر
إلى سقراط فأشكو الحسب لا تشكو إلى بشر
إلى من رأس أهل العلم من بدوٍ ومن حضر
وقل دمعي يراه الشوق لما بان مصطبري
فقل له على خوفٍ ... فؤادك صيغ من حجر
وطرفك شجرة يوبو ... على هاروت بالحور
فقال وأنت مكتئب ... فقلت تراه في نظري
فقال بفرحة يا ليت ... دمعك فاض كالمطر
فقلت وكل ممتحنٍ ... طويل السقم والضرر
لكان الشجر مقلته ... لما فيها من الفتر
أيجمل أن تعذبني ... بطول البث والسهر
فدع هجري هداك الله يا سمعي ويا بصري
فإن الثمر في وصلي ... بلا مني ولا كدر
ومن ذلك:
محمد يا ذا المجد والجود والفضل ... أذابت فؤاد الدائم البث والوجد
أما ورسول الحب يا خير من مشى ... على الأرض من حر تقي ومن عبد
لقد عذب الله الفؤاد بهجركم ... وفاضت دموع العين مني على الخد
ومن ذلك:
أعاذلي ما أنفع الصبر لو داما ... لقد بعدت نفسي بالوصل أعواما
إلى أن وشى واشٍ إلى من أحبه ... فصد فسقمي عند ذلك قد داما
ينفعني طيب الشراب وبرده ... بلوم عذولي ليته لم يكن لاما
لقد ضم مني الثوب جسما نلحلاً ... كساه الضنا منه ضراراً وإسقاما
أخال الشراب البارد المعذب علقماً ... إذا صد من أهوى ورام غراما
ومن ذلك:
قصدتك لما قلت طف بيوتنا ... فإنك إن طوفت لست تخيب
وجئتك مشتاقاً إليك ملبياً ... وغيرك إن نادى فليس أجيب
شكوت إليك الحب فارحم ديانة ... وإن شئت للأخرى فأنت أديب
أغثني فإني مستهامٌ وإنني ... أناديك من قربٍ فأنت قريب
فديتك لا علم لغيرك بالذي ... لقيت وإن تعلم فأنت مصيب
ستعلم أني إن ذللت فأهله ... لأني أسير في يديك غريب
فيا ضافراً مني بروحٍ أذابها ... يريد اصطباري أن ذا العجب
فإن أك مخطأً أو مصيباً فخلني ... فلم أر للدنيا سواك طبيب
ومالي ذنبٌ في الهوى غير ذلتي ... فإن يك ذا ذنبٍ فلست أتوب
ومن ذلك:
رأى المعنف لي دمعي فأنكره ... وقال فيم تطيل النوح يا رجل
فقلت إن رسول الحب أخبره ... عنه بما ساءني فالدمع منهمل
وقال قد سار فادع الله يحفظه ... فقلت لي في البكا عن ذاكم غفل
إن كان ليس يرى وصلي فكيف يرى ... قتلي ومالي لا ذنب ولا زلل
لا وأخذ الله من بالوصل يمطلني ... والهجر فهو به يا عاذلي عجل
ماذا عليه إذا أعلمته دنفي ... لو جاد بالوصل فهو السؤ والأمل
يا من أذاب فؤادي لا تلم دنفاً ... فليس يردعه لومٌ ولا عذل
أتاكم الله يا عشاق رحمته ... فكلكم أبداً من وجده ثمل
هل من كريمٍ يجير المستجير به ... فإن لي كبداً بالشوق تشتعل
بالله يا قوم هل داعٍ لذي خبل ... قد كاد يهلكه مما به الخبل
مضى رسولي إلى الأحباب معتذراً ... فأكرموه وقالوا هكذا الرسل
ومن ذلك:
الريح من أرضك يا ذخري ... يزيد والرحمن في عمري
يا أيها الظبية البشر بالله يا ... مخجلة القطر مع البدر
جودي فمالي من نشاط إذا ... غبت إلى شيء من الأمر
قد بان صبري مذ نأت قوتي ... والقلب مني في يد الأسر
تزيد إسقامي وأنت التي ... يزيدني ضعفاً إلى هجر
أنت مناي من جميع الورى ... وأنت في سرٍ وفي جهر
يا من لها تخضع شمس الضحى ... لك الجمال العالي القدر
عيشي بخير ما سرى كوكب ... وما دعا داع مع الفجر
ومن ذلك:
دعاني عاذلي ليرى عليلي ... فسر بما تبين من نحول
فهل رجل يخفف من ملامي ... وينجيني من الكرب الطويل
دموعي الدهر جارية همول ... يروعك صوتها عند الهمول
فمن لمدلهٍ إذا ما ... سمعت به عطفت على العليل
أظن النفس تخرج من غرامي ... ولكني على الطمع الجميل
فمالي شوكة فتدب عني ... ولا آوي إلى رأي أصيل
عذيري من فتاةٍ قلت جودي ... فقالت بالصبابة والغليل
فقلت أرجله هذا أبيني ... هديت رأيتها أمً بالفضول
وملت إلى مفندي فلما ... شكوت لها بتكرار العويل
وما حركتها إلا بدمعٍ ... فقال القلب قدك من مثيل
أتطمع بالإيابة من خليل ... فقلت لفرط ذا الحزن الدخيل
فيا من بره ضري أمالي ... إلى وصلٍ فديتك من سبيل
ومن ذلك:
نبئني يا رسول ما قال لما ... قلت قد ذاب فيك هماً وغما
هل رثى يا رسول من سقامي ... أم تمادى عليه جوراً وظلما
فلك الله راعياً وكفيلاً ... من رسولٍ يرى النصيحة غنما
أحرام وصلي عليه لأني ... منه يا ابن الكرام أقرب رحما
يا رسولي أعاذك الله من ضر ... فؤادٍ يزداد بالعذل كلما
كن معيني عليه إن فؤادي يتلظى والجسم يزداد سقما
أجميل بأن أقيم على الوحدة ... إذ رأى الدموع سحاً وسجما
قل يا رسول ألقيت خيراً ... لم أذق مذ غبت للنوم طعما
عله أن يرق لي من سقامي ... فيرى بعد حربه لي سلما
قل له يا رسول مالي جليس ... أتشتكي به ليزداد علما
قل له أنت في أمانٍ من السو ... ء ولم يبق لي صدودك جسما
ومن ذلك:
أيجمل يا بني العم الكرام ... ملامي على ما بي من سقام
فلم أر في الهوى أحداً شكى ما ... بقلبي من تباريح الغرام
ألا يا أحسن الأبوين جد لي ... بترك اللوم فهو من الآثام
ومن ذلك:
في مهجتي نارٌ توقد ... وغرامٌ ليس ينفذ
ومناي لا أشكو إليه صبابتي لا تهدد
ما باله قد ملني ... ظلماً ومال يفند
يا لائمي في صبوتي ... والله جاء ولم ينكد
لو قد قنعت بطيفه ... والله جاء ولم ينكد
قل لي فديتك يا رسو ... ل نقالة الفطن المسدد
هل قال حبي بعض ما ... أهوى فقلبي مكمد
ومن ذلك:
إذا قال العذول وقد لحاني ... تنزه عنه واله عن الغواني
أتيت إلى رسولٍ باكتئاب ... مخافة صبوة منه لشان
أقول الله يعلم ما ألاقي ... فكن عوني لأني ذو امتهان
فأنت مواصلي حقاً لما بي ... تجود لقدرٍ شاب من الهوان
فلي جسمٌ براه الله نضوا ... ولي قلبٌ من الأحزان فان
أقول لمن يعنفني عليه ... معينى ربك المبدي يراني
فليس أحادثني عنه بعجب ... بل الإعجاب ذلي واستكاني
* كتاب: التحف والظرف
المؤلف: محمد بن أحمد بن عبد المغيث بن محمد بن إبراهيم بن محمد التميمي الدارمي (المتوفى: 378هـ)
صورة مفقودة