تواعدا سرا في مكان نائي يقع بين أحضان الجبل في ساعة لاعلاقة لها بالزمن، فمنذ لقائهما الأول بالصدفة تغاضى الزمن عنهما. تجاذبا أطراف الشهوة المُطنبة واستغرقا في أعماق الحلم الأبيض، أنهَـكـَهُما لهاث الشوق حتى الثمل، كانت روحاهما منشغلتين بالثرثرة في حين كان لساناهما منشغلين بأشياء أخرى أكثر أهمية . كانا قد تعوّدا على لغة جديدة لم يُلقَّـناها في المدرسة و لا في الحياة، لغة ابتكراها على مقاس تعابير جَسَدَيهما بالضبط، قواعدُها تتغيّر و تتجدّد مع كل شهقة و زفرة شوق. كُـلّما انتأيا عن ساحة الحب المُضجّة بالهول و لو للحظات استدرجَهُما الحب من جديد ليزجّ بهما في انفجار آخر، كانا يعتقدان في غضون تلك اللحظات المُقدّسة أنه لم يبقى في الكون سواهما، لذلك لم يباليا بتّة ً بصدى صراخهما الذي اخترق النوافذ و الأبواب، تمُرّ الساعات دون وعي منهما بالزمن، يسترسلان في التَّـيَـهان الجميل، و ينجُوان بأعجوبة بعد كل اهتزاز!في يوم من الأيام تواعدا سرا في نفس المكان كما جرت العادة، واغـترفا سوية من نبع الشوق العذب، وإذا بدقات الساعة على الحائط تخترق مسمعها و عقلها، و لأول مرة تعي وقعَ الزمن الحقيقي و هي معه، في حين كان هو منشغلا باحتواء شظايا ذكورته التي بعثرها آخر زلزال افتعلاه، سألَـتهُ لأول مرة مُستخدمة ً اللغة المتعارف عليها لدى البشر العاديين : ومــــاذا بعد....؟!أجابها بلهجة استغراب : و هل هناك أجمل بعد هذا ؟!سكتت برهة ثم انتفضت من نبع الشوق الذي كانا يغرفان منه طيلة السنوات التي سقطت سهوا من زمنها، تيقَّنت أنّ ذلك هو آخر لقاء بينهما خارج الزمن و قالت: عُذرا... حان وقتُ العودة، لقد تأخرتُ كثيرا. كانت تقصد العودة إلى الزمن الذي كانت غائبة ً عنه منذ التقيا أول مرة صُدفة في كشك يبيع المجلات و الكتب القديمة.
صورة مفقودة