داود بن عيسى الأيوبي - صبحاني بوجهه القمري

صَبّحاني بوجههِ القَمريِّ = وأصبحاني بالسلسبيلِ الرّويِّ
بدرُ ليلٍ يَسعى بشمسِ نهارٍ = فشهيٌّ ينتابُنا بِشهيِّ
فاعجبا لاجتماعِ بدرٍ وشمسٍ = في سماءَي سَنا كمالٍ سَنيِّ
مِن بهاهُ البدريِّ تكسى بهاءً = والبهاءُ البدريُّ بالشّمسيِّ
ان تبدّت بوجهِها ذَهبياً = قلتُ هذا مِن وجهِهِ الفِضيِّ
أو تراءت بخدِّها نَوفَرِيّاً = قلتُ هذا مِن خَدّهِ الورديّ
ما رأينا مِن قبلِ خدِّيهِ ورداً = يانعاً فوقَ عارضٍ سَوسَنيِّ
كيف يُجنى البنفسجُ الغضُّ منه = وهو يُحمى بالنّاظِر النّرجسيِّ
يا ولوعاً بالنَّبلِ أصميتَ قلبي = بسهامٍ من لحظِكَ البابليِّ
رَشَقتها مِن حاجبيكَ قِسيّ = مُنتضاةٌ أحسن بها مِن قِسيِّ
ففؤادي باللَّحظِ والخدِّ منه = بينَ سهمٍ جانٍ ووردٍ جنيِّ
فهو ميتٌ بذا وحيٌّ بهذا = مِثلُ عيشي شديدهُ بالرَّخيِّ
يا رشيقاً فديتُه مِن رشيقٍ = يَتثنى كالذابلِ السّمهريِّ
عاطني صِرفها بصرفٍ برُودٍ = خَصِرٍ من رُضابكَ البَرديِّ
عاطنيها في بهجة الكأسِ تُجلى = بينَ عودٍ شادٍ وعودٍ شديِّ
قم فها فحمةُ الظّلامِ استطارت = تحتها جمرةُ الضِّياءِ الضّويِّ
حَربةُ الفجرِ أنفذت مَنحرَ اللّي = لِ كطعنِ الكميِّ نحرَ الكميِّ
تَتراءى مصقولةً في رشاشٍ = مُشرقٍ من نجيعهِ المَشرفيِّ
فاسودادٌ فوقَ ابيضاضِ احمرارٍ = كالنّسيجِ المُشّهرِ الخَسروي
أو كأنَّ الجاديَّ غُلِفَ بالكا = فورِ مِن تحتِ ندِّهِ العَنبريِّ
وقيانُ الأشجارِ في وَضحِ الأس = حارِ تشدُو بلحنِها المَعبدِيِّ
كلّما طرّبَ الهزارُ هديلاً = حنّتِ الورقُ مِن شجاهُ الشّجيِّ
بتغاريدَ تُخرِسُ ابنَ سُريحٍ = وغناءٍ يُغني عن ابنِ غنيِّ
مُعرباتٌ بلحنِها عن غرامٍ = مُغرباتٌ في لحنهِ الأعجميِّ
بحسابٍ لا بالدَّساتينِ تُحصى = لا ولا مُطلقٍ ولا ملويِّ
واسقنيها فقد بدا زَهرُ النّو = رِ على نُورِ صُبحِها الأزهريِّ
فثغورُ الرّياضِ تضحكُ بِشراً = لبكاءِ الوليِّ والوَسميِّ
ولسانُ الرّبيعِ يُثني عليه = بعبارتِ عرفهِ المَندليِّ
كلّما راحت الرِّياحُ تَمشّى = بينَ زاهٍ من نبتهِ وزهيِّ
تَتمشّى ما بينَ تِبرٍ ونَدٍّ = مِن عرارٍ ذاكٍ وَرندٍ ذكيِّ
عاطنيها كأنّها وَهجُ الشّم = سِ تبدّت مِن بُرجِها الحَمليِّ
فهي في كأسِها كنارٍ وماءٍ = قُيّدا باقتدارِ أيدٍ قَوِيِّ
ذائبُ النارِ حلَّ في جامدِ ال = ماءِ فاعجب بالذّائبِ الجَمديِّ
ذهبٌ حلَّ في اناءِ لُجينٍ = فتحلّى باللؤلؤِ الحَببيِّ
يا صريعَ الكاساتِ خُذها سُلافاً = تُذهبِ الهمَّ بالسّنا الذّهَبيِّ
ما تمشّت في الجسمِ الا تمشّت = بشفاءٍ مِن كلِّ داءٍ دويِّ
انّما مهلةُ الشّبابِ بهاءٌ = فاغتنمها بنهبِ عيشٍ هَنيِّ
فكأن قد مَضى الشّبابُ نهيّاً = وأتى الشّيبُ بالنُّهى الهَرميِّ
وتوقّع مِن بعدِ ذلكَ حِلماً = مُستمدّاً مِن الحليمِ العليِّ


 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...