أبو حكيمة الكاتب

أبو حكيمة الكاتب
راشد بن إسحاق بن راشد أبو محمد الكاتب الأنباري، يلقب أبا حكيمة - بضم الحاء - شاعر أديب أفنى عامة شعره في مراثي متاعه.
قال ابن المرزبان: يقال إنما كان يقول ذلك لتهمة لحقته من عبد الله بن طاهر أيام خدمته له في خادم لعبد الله؛ ومن شعره:
ولي خادم يرنو بطرف غزال ... يدل بحسنٍ فائقٍ وجمال
دعاني إلى ما يستحل ابن أكثم ... وقد يستحل الشيخ غير حلال
ولما بدا لي ما يريد اجتنبته ... وقلت له إني لذلك قالي
وقلت له: حاولت ما لست قادراً ... عليه ولو غاليت فيه بمالي
بليت بأير لا يخف إلى الوغى ... إذا ما التقى الزحفان يوم قتال
ويجبن عن حل الإزار وتحته ... مواضع مستنٍ له ومجالي
فأصبح لا تسمو إلى اللهو نفسه ... ولا تخطر اللذات منه ببال
تدلدل فوق الخصيتين كأنه ... رشاء على رأس الركية بالي
ولو قام لم أسعفك فيما طلبته ... أحق بأيري منك أم عيالي
وقال أيضاً في المعنى:
أيا أير قد صرت أحدوثةً ... لمن في البلاد من العالم
ألم تك فيما مضى منعظاً ... تشبه بالوتد القائم
وقد كنت تملأ كف الفتاة ... فأصبحت تدخل في خاتم
وقال في المعنى:
دعيت إلى شادنٍ أدعج ... يشبه بالقمر الأبلج
فألفيت أيرك مستحذراً ... وقد يحرم المرء ما يرتجي
ترى تركه أيما حسرة ... وأنت به مستهام شجي
وصرت تحرج من نيكه ... ولو قام أيرك لم تحرج (2)
سواء عليك إذا ما رنوت ... إلى مثله جئت أو لم تجي
وقال أيضاً:
نام أيري والنوم ذل وهون ... واعتراه بعد الحراك سكون
بات نضواً وبت أبكي عليه ... إن همي بهمه مقرون
كيف يلتذ عيشه آدمي ... بين رجليه صاحب محزون
دب فيه البلى فماتت قواه ... وهو حي لم تخترمه المنون
أيها الأير لم تخني ولكن ... غالني فيك ريب دهرٍ خؤون
طالما قمت كالمنارة تهتز ... اهتزازاً تسمو إليه العيون
رب يومٍ رفعت فيه قميصي ... فكأني في مشيتي مجنون
سلبتك الأيام لذة عيشٍ ... يقصر الوصف دونها والظنون
كانت الحادثات تنكل منه ... وخطوب الزمان فيها تهون
فتخليت من مجون التصابي ... وتخلى منك الصبا والمجون
أين إقدامك الشديد إذا ما ... شمرت بالكماة حرب زبون
فقت أبطالها طعناً وضرباً ... ولكل الأشياء فوق ودون
كم صدوق اللقاء دارت عليه ... في غمار الوغى رحاك الطحون
وحصون لما وردت عليها ... أيقنت بالبلاء تلك الحصون
وصريع أبحت منه مكاناً ... كان يحميه مرةً ويصون
وشديد المراس أنفذت فيه ... طعنةً يستلذها المطعون
تركته بعد المخافة منها ... وهو صب بحسنها مفتون
فحنى قوسك الزمان وأفنت ... ك خطوب تفنى عليها القرون
لم يدع منك حادث الدهر إلا ... جلدةً كالرشاء فيها غصون
يتثنى كانه صولجان ... أو كما عوجت من الخط نون
فإذا أبصرت خزاياك عيني ... شرقت بالدموع مني الجفون
فمتى أنت مفلح بعد هذا ... أترى ذاك في حياتي يكون
وقال أيضاً في المعنى:
إذا وصفت من كل أير شجاعة ... أبى جبن ايري أن يحيط به وصف
يفر حذار الزحف من رأس فرسخٍ ... فكيف تراه حين يقرب بي (1) الزحف
ويكسل بين الغانيات عن الذي ... يتم لإخوان السرور به القصف
ينام على كف الفتاة وتارةً ... له حركات ما تحس به الكف
كما يرفع الفرخ ابن يومين رأسه ... إلى أبويه ثم يدركه الضعف
تطوق فوق الخصيتين كأنه ... رشاء على رأس الركية ملتف
تقول سليمى حين غيره البلى ... وأعقبه من صرف أيامه صرف
لئن دق واسترخى لقد كان مرةً ... له مقبض في كف لامسه يجفو
صبيحة يغدو للنطاح بهامةٍ ... من الصخر لا قرنان فيها ولا قحف
إذا شئت لاقاني بمتنٍ مقومٍ ... ومشحوذة مثل السنان لها حرف
فمالي أراه ضارباً بجرانه ... كذي سكرة مالت به الخمرة الصرف
يعز عليه أن يقوم لحاجة ... ولو قام لم يتبعه عضو ولا عطف
تكرد عيشي مذ رأيت انحناءه ... وللدهر أحداث تكدر ما يصفو
وقال:
ومنتبهٍ بين الندامى رأيته ... وقد رقد الندمان دب إلى الساقي
فأولج فيه مثل أسود سالخٍ ... أصم من الحيات ليس له راقي
فلما انتحى فيه تحرك واتكا ... وأطرق عند الرهز أحسن إطراق
فقلت له لا تلفين مقصراً ... ولا مشفقاً في غير موضع إشفاق
أجد تحت (3) خصييه فإن سكوته ... سكوت فتىً صب إلى النيك مشتاق
فلو لم يكن يقظان ما قام أيره ... ولا لف عند النيك ساقاً إلى ساق
وقال:
كأن أيري من رخو مفصله ... خريطة قد خلت من الكتب
أو حية أرقم مطوقة ... قد جعلت رأسها إلى الذنب
وقال في مرضه الذي مات فيه وهو بطريق مكة:
أطبقت للنوم جفناً ليس ينطبق ... وبت والدمع في خديك يستبق
لم يسترح من له عين مؤرقة ... وكيف يعرف طعم الراحة الأرق
وددت لو تم لي حجي ففزت به ... ما كل ما تشتهيه النفس يتفق
وكانت وفاته بطريق مكة بعد الأربعين ومائتين، رحمه الله تعالى.



* كتاب: فوات الوفيات
المؤلف: محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن بن شاكر بن هارون بن شاكر الملقب بصلاح الدين (المتوفى: 764هـ)
المحقق: إحسان عباس

 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...