سفيتلانا ألكسيفيتش - أرض الموت " فصلان من كتاب " أصوات من تشيرنوبيل".. ت: د. محمد عبدالحل

  • بادئ الموضوع د.محمد عبدالحليم غنيم
  • تاريخ البدء
د

د.محمد عبدالحليم غنيم


" أرض الموت "


فصلان من كتاب " أصوات من تشيرنوبيل"

تأليف : سفيتلانا ألكسيفيتش

ترجمة : د.محمد عبدالحليم غنيم



1- منولوج عن لماذا نتذكر :
هل كنت قد قررت أن تكتبى عن هذا ؟ (عن هذا) لكن لم أكن أود للناس أن يعرفوا هذا عنى ، ماذا جرى لى هناك . من ناحية ، هناك الرغبة مفتوحة لقول كل شىء ، و من ناحية أخرى – أشعر كما لو كنت أعرى نفسى ، ولا أحب أن أفعل ذلك .

هل تتذكرين كيف كان ذلك فى رواية تولستوى ؟ شعر بيير بينروخوف بصدمة كبيرة من جراء الحرب . و أعتقد أنه و العالم قد تغير إلى الأبد . لكن بعد ذلك مر الوقت و قال لنفسه " سأظل أصرخ فى معلم القيادة كما كان من قبل ، وسأظل أتذمر كما كان الحال من قبل " إذن لماذا يتذكر الناس ؟ ألكى يتمكنوا من تحديد الحقيقة ؟ أمن أجل الإنصاف ؟ حتى يتمكنوا من تحرير أنفسهم و النسيان ؟ هل لأنهم يفهمون أنهم جزء من الحدث العظيم ؟ أم ينظرون إلى الماضى لكى يحجبوه ؟ و كل هذا على الرغم من أن حقيقة الذكريات أشياء هشة جداً . و سريعة الزوال ، و ليست هذه هى المعرفة الدقيقة، لكن أعتقد أن شخصاً يعمل هذا من تلقاء نفسه . إنها ليست حتى معرفة ، إنها أقرب إلى مجموعة من العواطف .

عواطفى .. ناضلت . حفرت فى ذاكرتى و تذكرت .

وكان الأكثر رعباً، بالنسبة لى هو ما كان خلال مرحلة الطفولة – تلك كانت الحرب .

أتذكر كيف كنا -نحن الأولاد- نلعب : "ماما و بابا " –و خلعنا ملابسنا القليلة ووضعناها الواحدة فوق الأخرى . وهؤلاء كانوا أول أطفال ولدوا بعد الحرب ، لأن خلال الحرب كان قد تم نسيان الأطفال . انتظرنا أن تظهر الحياة . لعبنا " ماما و بابا " أردنا أن نشاهد كيف يمكن أن تـظهر الحياة ، كنا فيما بين الثامنة و العاشرة من العمر .

رأيت امرأة تحاول أن تقتل نفسها . فى الأدغال بجوار النهر . كان معها طوبة و كانت تضرب نفسها فى الرأس يه . كانت حاملاً من جندى محتل و الذى تكرهه القرية كلها . أيضاً ، واأنا صبى ، رأيت ولادة بعض القطط . وساعدت أمى فى سحب العجل من أمه . سحبت خنزيرتنا للقاء خنزير ذكر . أتذكر– أتذكر كيف أحضروا جثة أبى ، كان يرتدى سترته ،التى خاطتها له أمى بنفسها . كان قد ثم إطلاق النار عليه من رشاش آلى . و كانت قطع ملطخة بالدم لشئ ما تخرج من تلك السترة . أرقدوا أبى على سريرنا الوحيد ، لم يكن هناك شىء آخر يوضع عليه . فيما بعد تم دفنه أمام المنزل . ولم يكن فى الأرض قطن ، كان الوحل عميقاً . من الأسرة لجذر الشمندر ، كانت هناك معارك تدول حولنا . كان الشارع ممتلئا بالقتلى والخيول.

بالنسبة لى ، تلك الذكريات شخصية جداً ، لم أتحدث بها لأحد بصوت عال مطلقاً .

فى ذلك الوقت فكرت فى الموت كما فكرت فى الميلاد تماماً . كان لدى نفس الشعور عندما رأيت العجل يخرج من البقرة – و القطط و هى تولد – و كذلك عندما رأيت تلك المرأة بالحجر بين الأدغال تقتل نفسها ، لسبب ما بدا لى أن كل ذلك هو نفس الأشياء – الحياة والموت

أتذكر من أيام طفولتى كيف تكون رائحة المنزل عندما يتم خصى ذكر الخنزير . عليك فقط أن تلمسينى و أنا أسقط بالفعل هناك . أسقط فى ذلك الكابوس . ذلك الرعب . أنا أسقط فيه . أتذكر ايضاً ، كيف و نحن صغار النساء وهن يأخذوننا معهم إلى الساونا و نرى أرحام كل تلك النساء ( هذا ما كنا نفهمه فى ذلك الوقت ) تسقطن على الأرض و يتم ربطهن بالخرق . رأيت هذا . كن يسقطن بسبب آلام الولادة الصعبة . ليس هناك رجال ، لقد كانوا جميعاً فى الجبهة .أو مع أنصارهم ، ولم تكن هناك خيول ، فتحمل النساء الأثقال بأنفسهن . و يحرثن بأنفسهن الحدائق والمزارع الجماعية .

عندما صرت أكبر و كنت فى علاقة حميمة مع امرأة أردت أن أتذكر هذا – ماذا رأيت فى الساونا . أردت أن أنسى . أنسى كل شىء . و نسيت . فكرت فى معظم الأشياء المرعبة التى قد حدثت. الحرب . و ذلك الذى أحافظ عليه الآن . ذلك ما كنت أحافظ عليه . لكن بعد أن سافرت إلى منطقة تشيرنوبيل ، لقد ذهبت إلى هناك عدة مرات حتى الآن . وفهمت كم أنا عاجز . أتمزق . لم يعد ماضى يحمينى . فلا توجد هناك أية إجابات .كانت هناك من قبل، لكن الآن لا . المستقبل هو الذى يدمرنى ، و ليس الماضى .


2- منولوج عن ماذا يمكن أن نقول عن الحياة والموت :

دخل الذئب إلى الفناء ليلا . تطلعت من النافذة ، وهناك كان هو بعينيه اللامعتين مثل المصابيح الشديدة ، الآن تعودت على كل شيء . لقد كنت أعيش وحدى لسبع سنوات ، سبع سنوات منذ أن رحل البشر .

فى بعض الأحيان أكون هناك ، فقط جالسة ، أفكر وافكر ، حتى يطلع النهار من جديد . وحتى فى هذا اليوم كنت سهرانة طوال الليل ، أجلي فى سريرى وبعد ذلك خرجت لأنظر كيف كانت الشمس . ماذا ينبغى أن أحكى لك ؟ الموت هو أكثر الأشياء عدلا فى الكون . لا يمكن لأحد على الإطلاق أن يهرب منه . الأرض تبتلع كل شيء – الرحمة والقسوة والمذنبين بعيدا عن ذلك ، لا يوجد عدل على وجه الأرض . عملت بجد وشرف طوال حياتها كلها ، لكننى لم أحصل على العدل . لقد قسم الله الأشياء على نحو ما ، مع مرور الزمن جاء القدر هناك ولم يترك لى شيئا . يمكن للشباب أن يموت ، والعجوز يجب ان يموت .. فى البداية انتظرت قدوم الناس .. أعتقد أنهم سيعودون لا أحد قال أنهم رحلوا إلى الأبد ، قالوا أنهم راحلون لفترة من الوقت . لكن الان أنا فقط أنتظر الموت . ليس الموت صعبا ، لكنه مرعب . لا توجد كنيسة . لن يأتى الكاهن . لا يوجد هناك من أعترف له بخطاياى .

فى المرة الأولى قالوا لنا أننا مصابون بالإشعاع ، اعتقدنا أنه نوع من المرض ، ومن يصاب به سيموت على الفور ، لا . قالوا أن هذا شيء يرقد على الأرض وينتشر داخل الأرض ، لكن لا يمكن أن تراه . ربما الحيوانات لديها القدرة على رؤيته وسماعه ، لكن الناس لا يستطيعون ، ولم يكن ذلك حقيقة ! لقد رأيته . هذا االسيزيوم يرقد فى فنائى . حتى صار مبتلا بالمطر ، كان فى لون الحبر السود . كان يرقد هناك ويتقطر لها فى قطع .

عدت إلى البيت هربا من المزرعة ، دخلت صديقتى . وكانت هناك قطعة أخرى ، زرقاء وعلى بعد مائتين متر ، كانت هناك واحدة أخرى فى حجم المنديل الذى على راسى ، ناديت على جارتى ، المرأة الأخرى . جرينا كلنا ننظر فى كل الحدائق ، والحقول القريبة – حوالى من هكتاريت – وجدنا فيها أربع قطع كبيرة ، كانت واحدة منها حمراء .

فى اليوم التالى أمطرت السماء مبكرا ، ومع حلول وقت الغداء اختفت . حضر البوليس ولكن لم يكن هناك شيء يمكن رؤيته . فقط قلنا لهم القطع كانت هكذا . ( تشير إلى الحجم بيديها ) ، أحب منديلى ، أزرق وأحمر ...

لم نكن خائفين من هذه الأشعة . عندما لم تستطع أن تراها ولم نعرف ماذا كانت ، ربما حزنا خائفين قليلا ، لكن منذ أن رأيناها ، لم نعد خائفين مثلنا . البوليس والجنود وصفوا تلك الإشارات بعضها كانت وراء البيوت ، والبعض الآخر فى الشارع – كتبوا 70 كورى ، 60 كورى .

عشنا دائما على البطاطس ، ثم فجأة لم يسمحوا لنا ! كان ذلك سيئا جدا لبعض الناس ، وكان مضحكا للبعض الآخر . نصحونا أن نعمل فى حدائقنا بالأقنعة والقفازات المطاطية ، ثم جاء عالم كبير آخر إلى قاعة الاجتماعات وقال لنا أننا فى حاجة إلى غسل أفنيتنا . هيا أسرعوا ، لم أستطع أن أصدق ما أسمع . أمرونا أن نغسل شوارعنا وأغطيتنا ، وستائرنا ، لكنها مخزنة ! فى الخزانات والسراويل الطويلة ، لا يوجد هناك إشعاع ! وراء الزجاج ؟ خلف الأبواب المغلقة ! أسرعوا . إنها فى الغابة وفى الحقل . أغلقوا الأوعية ، وابنوا عليها ولفوها فى السيلوفان . قائلين أن الماء كان قذرا . كيف يكون قذرا عندما يكون لطيفا جدا ؟ قالوا لنا حفنة من الهراء . سوف تموتون ، أنتم فى حاجة إلى أن ترحلوا . اخلوا المنازل ، أصيب الناس بالرعب وامتلأت قلوبهم بالخوف .

فى الليل بدأ الناس فى حزم أمتعتهم ، جمعت أنا أيضا ملابسى وطويتها ، أوسمتى الحمراء التى تسلمتها لأخلاصى فى العمل وكوبيك الحظ . هذا الحزن ! ملأ قلبى دعونى مزروعة هنا . وبعد ذلك سمعت عن كيف أخلى الجنود أحدى القرى . بقاء هذين العجوزين رجل وامرأة ، حتى ذلك الحين ، عندما تحمس الناس وركبوا الحافلات ، أخذا بقرتهما ودخلا الغابة لقد انتظر هناك ، مثلما هو الحال أثناء الحرب ، عندما كانوا يحرقون القرى . لماذا يطاردنا جنودنا ( تبدأ فى البكاء ) إنها ليست زريبة . لا أريد أن أبكى .

أوه ! – انظر هناك – غراب . أنا لا أطردها بعيداً . على الرغم من أن الغربان تسرق البيض من الحظيرة ، ومع ذلك لا أطاردها بعيداً . وكذلك لا أطارد أى أحدٍ ! أمس أتى إلى أرنب صغير . هناك قرية قريبة ، و هناك أيضاً تعيش امرأة وحديدة، قلت : أزورها ، لعل ذلك يفيد ، وربما لا ، لكن على الأقل سيكون هناك شخص ما أتكلم معه . فى الليل كل شئ مؤلم ، تشوكنى ساقى ، كما لو كان هناك نمل صغير يجرى فى داخلها ، ذلك أن أعصابى تجرى داخلى ، يحدث مثل هذا عندما أحمل شيئا ، مثل سحق قمحة .سحق .سحق . ثم يهدأ العصب. لقد علمت بالفعل بما فيه الكفاية فى حياتى ، وحزت بما يكفى ، و لقد كان لدى ما يكفى من كل شئ ولا أريد أى شئ أكثر من ذلك .

لدى بنات وأبناء ... كلهم فى المدينة . لكنى لن أذهب إلى أى مكان ! منحنىى الله طول العمر ، لكنه لم يمنحنى نصيب من العدل . أعلم أن الشخص العجوز يصاب بالإزعاج ، ذلك لأن الجيل الأصغر ....

لم أفرح كثير بأطفالى . النساء ، اولئاك اللاتى ذهبت إلى المدينة ، يكون دائماً . كذلك زوجات أبنئاهم تؤذى مشاعرها . أوحتى ابنتها يطلبن أن يرجعن . زوجى هنا . وفن هنا . إن سأكون معه . ( تسلك زورها فجأة ) ولماذا ينبغى أن أرحل ؟ الجو لطيف هنا . كل شئ ينمو ، كل شئ يتفتح . من أصغر طائر إلى الحيوانات ، كل شىء يعيش .

سأتذكر كل شئ من أجلك . الطائرات وهى تطير وتطير، كل يوم . إنها تطير حقا حقا بشكل منخفض فوق رؤوسنا ، نحو المفاعل .نحو المحطة ، واحدة وراء الأخرى . بينما هنا لابد أن يتم إلخلاؤنا ، هم ينقلونا إلى الخارج . يقتحمون المنازل ، احتجب الناس واختبأوا . تعوى الحيوانات، و يبكى الصغار . إنها الحرب ! ومع شروق الشمس .... جلست ولم أخرج من الخص ، ومع ذلك فى الواقع لم أكن أغلقه أيضاً . طرق الجنود الباب : " ماما عليك أن تحزمى أمتعتك" ؟ وقلت : " هل ستقيدون يدى وقدمى " لم يقولوا أى شئ . لم يقولوا أى شىء . ثم غادروا . كانوا صغارا . كانوا أطفالاً ! زحفت النساء العجائز على ركبهن أمام المنازل متوسلات ، فحملهم الجنود من تحت أبطانهن ووضعنهن من فى السيارة . لكن قلت لهم أن كل من يلمسنى سوف يتحمل عاقبة ذلك ، أعلنت بغضى لهم، لعنتهم بشكل واضح ، لم أبكى، فى ذلك اليوم لم أبكى . جلست فى منزلى . دقيقة واحدة وكان الصراخ . صراخ ! وبعد ذلك هدوء . هدوء تام . فى ذلك اليوم - ذلك اليوم الذى لم أترك فيه المنزل .

قالوا لى فيما بعد أنه كان هناك طابور من الناس يتمشون، وبجوار ذلك كان هناك طابور من المواشى ، إنها الحرب . يحب زوجى أن يقول أن البشر تتبادلون إطلاق النار. إنها الحرب، لكن الله هو الذى يسلم لهم الرصاص . فكل انسان يختار مصيره ، الصغار يرحلون ، البعض منهم مات بالفعل ، فى مكانهم الجديد ، على حين أننى ، مازلت أتجول بتأن، واثقة. فى بعض الأحيان يدعو الأمر إلى السأم وأبكى. القرية كلها خالية. كل أنواع الطيور هنا. تطير حولى ويوجد أيائل هنا كل ما تريد ( تبدأ فى البكاء )

أتذكر كل شىء ، الجميع تحمس ورحل، لكنهم تركوا كلابهم وقططهم، فى الايام القليلة الاولى أخذت أسكب اللبن لجميع القطط، وأقدم قطع الخبز للكلاب. كان يقفون فى أفنتيهم ينتظرون أسيادهم ، انتظروهم لوقت طويل . أكلت القطط الجائعة الخيار وكذلك أكلت الطماطم .إلى أن جاء الخريف قمت برعاية حديقة جارتى . حتى السياج . تهدم السياج . بنيته من جديد . انتظرت قدوم الناس . اسم كلبة جارتى زوخوك . قلت : " زوخوك . إذا رأيت الناس أولاً ، نادى على "

حلمت ذات ليلة أننى أخلى.صرخ الضابط : " سيدتى ، نحن عازمون عل حرق كل شىء ودفنه ." ثم قادونى إلى مكان ما ، مكان مجهول ، مكان غير واضح المعالم ، لا هو حديقة . ولا هو قرية ولا هو تحت الأرض .

فى وقت ما – كانت عندى قطيطة صغيرة ، فاسكا . ذات شتاء . كانت الفئران جائعة حقاً وكانت تهاجمنا .ولم يكن هناك مكان تذهب إليه . زحفت تحت الأغطية . كان لدى حبوب فى برميل.أحدثت خرقا فى البرميل. لكن فاسكا أنقذنى ، بدونه كنت سأموت ، لقد تحدثنا انا هو ونحن تناول العشاء . بعد ذلك اختفى فاسكا . أكلته الكلاب الجائعة ، ربما ، لا أعرف. كانت دائما ما تجرى حولنا وهى جائعة حتى ماتت. وكانت القطط جائعة جداً ، فأكلت صغارها. ليس خلال الصيف، لكن خلال الشتاء ياربى اغفر لى !

فى بعض الأحيان الآن لا أستطيع حتى عمل كل ذلك فى المنزل . بالنسبة لامرأة عجوز مثلى حتى الموقد بارد فى الصيف . تأتى الشرطة إلى هنا فى بعض الأحيان ،لكى يتحققوا من بعض الأمور ، فيحضرون لى الخبز ، لكن ما الذى يتحققون منه ؟.

إنه أنا والقط . هذا قط مختلف . عندما نسمع الشرطة ، نكون سعداء و نجرى إلى هناك . يحضرون له العظم وبالنسبة لى يسألوننى.: " ماذا لو أتى قطاع الطرق؟ " ، " ماذا لو وصلوا إلى ؟ ما الذى سوف يأخذونه ؟ روحى ؟ لأن ذلك كل ما أملكه " أولاد طيبون . يضحكون، أحضروا لى بطاريات للراديو ، الآن أستمع إليه ، أحب ليودميلا زكينا ، لكنها لم تعد تغنى كثيرا . ربما كبرت فى السن الآن ، مثلى ، اعتاد رجلى أن يقول –تعود أن يقول : " الرقص عال ، ضعى الكمان مرة أخرى فى كيسه "

سأقول لك كيف وجدت قطتى . لقد فقدت فاسكا . انتظرت يوماً ، يومين ، ثم شهراً . لذلك كان ذلك . كنت فى كل ذلك وحدى . لا مخلوق واحد أتحدث إليه. تجولت فى القرية ، داخل بيوت الآخرين ، أنادى بصوت عال ، فاسكا . موركا . فاسكا. موركا . فى البداية كان هناك الكثير منها يدور حولى ، وبعد لك اختفت فى مكان ما . لا يهمنى الموت. الأرض تسع الجميع ، لذلك أمشى وأمشى ، ليومين ، و فى اليوم الثالث رأيته تحت المخزن . تبادلنا النظرات . هو سعيد وأنا سعيدة . لكنه لم يقل شيئاً . قلت : " لا بأس ، هيا تذهب إلى البيت " لكنه جلس هناك ، وأخذ يموء . عندئذ قلت : " وماذا ستعمل هناك وحدك ؟ ’ ستأكلك الذئاب – سوف يمزقونك إرباً . هيا نذهب ، عندى بيض ، وعندى قليلا من السمن " لكن كيف أشرح له ذلك ؟ لا تفهم القطط لغة البشر . إذن كيف له أن يفهمنى ؟ مشيت إلى الأمام ، فجرى ورائى وهو يموء: " سأقتطع لك بعض الشحم " ماو، " ستعيش معاً نحن الأثنان " ماو " سأسميك فاسكا أيضاً " ماو . وقد عشنا معاً لمدة شتاءين حتى الآن .

فى الليل كنت أحلم أن شخصاً ما ينادى على. صوت الجار " زينا " ثم فى هدوء، ومرة أخرى " زينا "

فى بعض الأحيان أشعر بالسأم وعندئذ أبكى .

أذهب إلى المقابر . هناك ماما. وابنتى الصغيرة دفنوها وهى مصابة بالتيفود أثناء الحرب ، أخذناها على الفور إلى المقبرة . ودفناها، بزغت الشمس من بين السحب، وأشرقت وأشرقت . مثل : يجب أن تذهب ، وتحفر عنها ، هناك زوجى. فيديا ، جلست معهم جميعا . تنفست الصعداء قليلاً . يمكنك أن تتكلم مع الميت تماماً مثلما تتكلم مع الحى . ليس هناك فرق بالنسبة لى . يمكن أن نسمع هذا وهذا . عندما تكون وحدك ... وعندما تكون حزيناً . عندما تكون حزيناً للغاية .

إيفان بروهورفيتش جافريلينكو كان معلماً ، كان يعيش بجوار المقبرة مباشرة. انتقل إلى جزيرة القرم ، حيث كان ابنه هناك . و بجواره كان بيوتر إيفنوفتش مويسكى . يقود تراكتور . كان Stakhanovite (ستاخنوفيت أى عامل فى الاتحاد السوفيتى ) ، فى ذلك الحين كان الجميع يتوق إلى أن يكون ستاخنوفيت ، له يدان ساحرتان . كان يستطيع عمل الدانتيل من الخشب . كان منزله ، يتسع للقرية كلها . أوه . أشعر جداً بالسوء ، ودمى يغلىى عندما مزقوا ذلك . دفنوا ذلك . دفنوا ذلك . كان الضابط يصرخ : " " لا تفكرى فى ذلك . ياجدة ! إنه فى البقعة الساخنة " وفى نفس الوقت كان ثملا . وصلت إلى هناك – بيوتر يبكى :" هيا ، ياجدة كل شئ على ما يرام " قال لى أن اذهب . وكان المنزل التالى لميشا ميخاليف الذى كان يكره وجود القطط الصغير فى المزرعة . مات سريعاً ، ترك هنا ، ومات على الفور . وبجوار منزله كان منزل ستبا بيخوف ، كان عالم حيواناات . تم حرق جثته ! . الناس السيئون تحرق جثثهم ليلاً . لم يعش طويلاً . لقد دفن فى مكان ما، فى منطقة موجيلوف - أثناء الحرب – فقدنا الكثير جداً من البشر ! فاسيل ما كروتيتش كوفاليف . ماكسيم نيكوفونكو . اعتادوا أن يعيشوا ، كانوا سعداء . فى الإجازات يغنون ويرقصون ، ويعزفون على آلة الهيرمونيكا . والآن ، تبدو المكان مثل السجن . فى بعض الأحيان أغلق عينى وأمشى عبر القرية - حسناً ، وأقول لهم ، ما هو الإشعاع ؟

هناك فراشة تحلق ، والنحل يطن . وفاسكا يصطاد الفأر . ( تبدأ فى البكاء )

أوه ليوبوشكا ، هل تفهم ما أقوله لك ، لشدة أسفى ؟ عليك أن تنقل ذلك للناس ، ربما لن أكون هنا بعد الآن . سأكون فى الأرض . تحت الجذور ...

زينايدا يفدوكموفنا كوفالينكو ،عائدة للوطن .

المؤلفة : سفيتلانا ألكسيفيتش

ولدت سفيتلانا ألكسيفيتش فى31مايو عام 1948 فى بلدة Stanislav (الآن Ivano-Frankivsk ) فى غرب أوكرانيا لأب من بيلاروسيا وأم أوكرانية ، وتربت فى روسيا البيضاء . بعد انتهاء الدراسة عملت صحفية فى عدد من الصحف المحلية قبل أن تتخرج من جامعة ولاية بلاروسيا عام 1972 ، ثم صارت مراسلة لمجلة نيمان الأدبية فى مينسك عام 1976. واصلت سفيتلانا ألكسيفيتش مهنة الصحافة والكتابة السردية من خلال المقابلات مع شهود العيان عن الأحداث الأكثر إثارة فى البلاد مثل الحرب العالمية الثانية والحرب الروسية الأفغانية وسقوط الاتحاد السوفيتى وكارثة مفاعل تشيرنوبيل . وبعد الاضطهاد من قبل نظام لوكاشينكو ، رحلت عن بيلاروسيا عام 2000 . وخلال العقد التالى من 2000 إلى 2011 عاشت سفيتلانا ألكسيفيتش متنقلة بين باريس وجوتنبرج وبرلين ودول أخرى .وفى عام 2011 عادت إلى مينسك . وبخلاف جائزة نوبل حصلت على عشر جوائز أدبية كان آخرها قبل نوبل بالطبع عام 2013، ومن أبرز أعمالها التى استحقت عليها جائزة نوبل :

1- وجوه غير أنثوية للحرب ، منسك 1985.

2- أولاد الزنك ،موسكو 1991.

3- مفتون بالموت ،موسكو 1994

4- أصوات من تشيرنوبيل ، موسكو .1997

5- آخر الشهود ، قصص غير طفولية ، موسكو 2004.

6- الوقت المستعمل ، موسكو 2013.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...