دانييل خارمس - فيديا دافيدوفيتش.. ت: إبراهيم فضل الله



تربص فيديا طويلا بطاسة الزبدة ، وأخيراً ، سنحت له سانحة ، عندما انحنت زوجته لتقليم أظافر قدميها ، سريعاً ، وبحركة واحدة أخرج قالب الزبد من الطاسة ووضعه في فمه ، لكن غطاء الطاسة عندما قام فيديا بإعادته ، أصدر رنيناً.
اعتدلت الزوجة حالاً في جلستها ، وعندما اكتشفت أن الطاسة فارغة ، أشارت إليها بالمقص وقالت بلهجة صارمة :
- الزبدة التي كانت بالطاسة ، أين هي؟
اصطنع فيديا الدهشة بعينيه وهو يمد عنقه ، ليبحلق في الطاسة .
- الزبدة مخبوءة في فمك ، قالت الزوجة وهي تلوح بالمقص نحو فيديا
- هز فيديا رأسه بالنفي
- أهااا ، قالت الزوجة – أنت صامت وتلوح برأسك ، لأن فمك محشو بالزبدة
- جحظ فيديا بعينيه ولوح بيديه نحو الزوجة ، وكأنه يقول لها " ماذا دهاك ، ماذا بك ، لا شئ أبداً من هذا القبيل "
- لكن الزوجة قالت :أنت تكذب . افتح فمك
- ممم ، غمغم فيديا
- افتح فمك ، قالت الزوجة في اصرار
- بسط فيديا راحتيه وقبضهما ، وكأنه يقول " آه ، نعم ، لقد خرج تماماً عن بالي ، سأعود حالاً "
ثم وقف ، متأهباً لمغادرة الغرفة .
- توقف ، صرخت الزوجة
- إلا أن فيديا أسرع الخطى إلى أن إختفى خارجاً من الباب .
- اندفعت الزوجة وراءه ، إلا أنها في آخر لحظة توقفت قرب الباب ، لأنها كانت عارية ، ولا يمكنها الخروج إلى الرواق المزدحم بالأخرين من سكان ذلك السكن العام .
- يا للعنة ، لقد أفلت ، قالت الزوجة وهي تلقي بنفسها على الأريكة

أما فيديا ، توجه عبر الرواق إلى غرفة على بابها لافتة كتب عليها: "ممنوع الدخول قطعياً " ، فتح الباب وولج إلى الغرفة .

كانت الغرفة التي ولج إليها فيديا ، مستطيلة وضيقة ، بنافذة مغطاة بأوراق متسخة . في ناحية الجدار الأيمن للغرفة انتصبت أريكة مكسورة وقذرة ، وقامت منضدة عند النافذة مصنوعة من لوح خشبي مسنود من أحد أطرافه إلى جارور ومن الطرف الآخر إلى ظهر مقعد . على الجدار ثبت رف مزدوج ، عليه شئ مبهم.

لم يكن بالغرفة أي شئ آخر ، إذا تجاهلنا الرجل ذي الوجه المخضر الشاحب ، المستلقي على الأريكة ، المرتدي لسترة بنية طويلة متساوية الأطراف و سروال كتاني أسود ، تدلت من طرفيه قدمان حافيتان مغسولتان بعناية .

لم يكن ذلك الرجل نائماً وحدق بإنتباه تجاه الدخيل

قام فيديا بالتحية محنياً رأسه وثانياً إحدى قدميه وراء الأخرى ، ثم خرط قطعة الزبدة من فمه باصبعه ، وعرضها على الرجل المستلقي .

- قال صاحب الغرفة ، دون أن يغير من رقدته : واحد ونصف
- قال فيديا : يفتح الله
- قال صاحب الغرفة : كفى.
- قال فيديا : حسناً كما تشاء ، وخرط الزبدة من أصبعه على الرف
- قال السيد : عد غداً من أجل استلام النقود
- صرخ فيديا : آخ ، ماذا تظن ! أترى أنا في حوجة إليها الآن . أتفهم ، بأن روبل ونصف هي مجرد ....
- قال السيد بصوت جاف : أغرب عن وجهي .
فهرول فيديا خارجاً من الغرفة على أطراف أصابعه ، وهو يغلق الباب من ورائه بحرص شديد .



----------------------------
خارمس
10 فبراير 1939
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...