نقوس المهدي
كاتب
أقر وأعترف أن هذا الكتاب أضحكني وأبكاني ، وأماتني ثم أحياني، وأخذ مني الوجد مأخذه وأنا في مجلسي، حتى كاد أن يسلب مني عقلي، بعد أن سلب مني فؤادي، وأسر روحي في عالمه الرومانسي الجميل..
فاسم الكتاب رنان " روضة المحبين ونزهة المشتاقين"، واسم المؤلف علم من أعلام الإسلام العظام وهو "ابن قيم الجوزيه".. الذي استشهد فيه بعشرات الأبيات الشعرية الراقية السامقة والسامية أيضا سمو الشعر العربي الراقي وعلو كعبه، وجاءت استشهاداته الشعرية تنضح عشقا ووجدا وشغفا وغراما !!
وبالرغم من أن ابن القيم ألف كتابه هذا وهو مغترب عن وطنه بعيد عن أهله ، بعيد عن كتبه، كما يقول هو في مقدمة كتابه، إلا أن كتابه هذا جاء- في نظري- أفضل مما لو اعتكف مؤلف آخر غيره بين كتبه ومكتبته ليخرج ما يشاء ويستشهد بما يشاء مما يشاء من الأقوال والأشعار والخواطر التي قيلت عن ألسنة غيره من السابقين له والمعاصرين له ، وقد نظمه ورتبه وعنونه، وبحث مسائله بشكل فاق الوصف، واستنطق الرجل ذاكرته التي أسعفته بعشرات العشرات من الأبيات المنوعة والمصنفة في كل ما يخطر ببالك من دواعي الحب والعشق والوله والوجد والدنف والشغف والصبوة والصبابة والمقة والوصب واللوعة والهيام واللمم والخبل والرسيس.. وغيرها مما يصل إلى قرابة الستين مسمى من المسميات التي قد تبدو غريبة حتى عن عالم الرومانسية والرومانسيين الآن، وعن سماع وآذان المحبين والعاشقين والوالهين.
ولن أستطرد في هذه المسميات ولا في فصول الكتاب ولا مباحثه، لكنني سأقطف لكم من روضة المحبين ما جذبني وأسرني من أبياته الشعرية التي استشهد بها صاحب الروضة
(في سواد العين وأضلع القلب)
فتعالوا مثلا لهذين البيتين الذي يستدل بهما على مساكنة المحبوب لمحبيه على الدوام وإن لم يكن أشار لمن هما:
(ومن عجب أني أحن إليهم/ وأسأل عنهم من لقيت وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها/ ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي)
ودعوني أسألكم : بالله عليكم هل رأيتم شيئا أقرب من هذا القرب، فالعين تطلب محبيها وهم في سوادها، وهل العين إلا بياض وسواد أي محب ومحبوب، ثم شوق قلبه إليهم وهم مغروزون في أضلعه لم يفارقوه، وحنينه موصول إليهم سائلا كل من يلقاه بالرغم من أنه معه؟؟؟
وهذا يؤكد المعنى نفسه في بيت أخر يقول فيه قائله:
(خيالك في عيني وذكرك في فمي/ ومثواك في قلبي فأين تغيبُ؟)
(أنت روحي)
وتعالوا لبيتين آخرين يستدل فيهما بقرب المحبوب من روحه التي بين جنبيه يقول فيهما:
(يا ميقما في خاطري وجناني/ وبعيدا عن ناظري وعياني
أنت روحي إن كنت لست أراها / فهي أدنى إلي من كل داني)
أما هذه الأبيات فيستوي قرب دار المحبوب وبعده لأنه مقيم بين جوانحه وحشاه واسمع لرقة الشعر وعذوبته حيث يقول صاحبها:
(ياثاويا بين الجوانح والحشى/ مني وإن بعدت علي دياره
عطفا على صب بحبك هائم/ إن لم تصله تصدعت أعشاره
لا يستفيق من الغرام وكلما/ حجوبك عنه تهتكت أستاره)
وانظر إلى الألفاظ التي كانت مطلعه “يا ثوايا بين الجوانح والحشى” وانظر أيضا إلى التي يختم بها شطر البيت الثاني تصدعت أعشاره، وشطر البيت الثالث تهتكت أستاره..
وهي في رأيي كلمات لا يمكن أن تخرج إلا من صب مدنف قتله الغرام وشفه الوجد شفا.
(وقف الهوى )
واقرأ معي هذه الأبيات التي يستدل بها ابن القيم على ثبات القلب على أحكام الغرام واستلذاذ العذل فيه والملام:
(وقف الهوى بي حيث أنتِ / فلا متقدم عنه ولا متأخرُ
وأهنتني فأهنت نفسي جاهدا/ ما من يهون عليك ممن يكرم
أشبهت أعدائي فصرت أحبهم إذ كان حظي منك حظي منهم
أجد الملامة في هواكِ لذيذة/ حبا لذكركُِ فليلمني اللومُ)
ومن مطلعه "وقف الهوى بي حيث أنتُ"، إلى الختام "فليلمني اللومُ " تجدها كلمات خارقة حارقة تأخذك أخذا وتكاد المعاني تتداعى إليك خاضعة الأعناق بلجام من اللفظ الحريري السلس الذي لا تستطيع المعاني معه إلا أن تنقاد إليك كرها إن لم تأتي في بادئ الأمر طواعية.
زعمت فؤادك ملها
أما هذا البيت فقد يأخذك من أول وهلة أخذا شديدا واقرأه بتأنٍ
(إن التي زعمت فؤادك ملَّها/ خُلقتْ هواك كما خُلقتَ هوى لها)
يالله على روعة البيت وتركيبته اللفظية ومعناه!!
سيما في الشطر الأخير وقد أبدع فيه قائله أيما إبداع، لخص هواه وهواها في ذلك الفعل المبني للمجهول تارة للأنثى المحبوبة “خُلقتْ” وتارة للذكر المحب “خُلقتَ” أي: أنتَ.
(قصص شعرية عاشقة)
وفي استدلاله بأبيات الشعر تجد الحوار والاستفهام والتساؤل والإثبات والنفي تجتمع كلها في بيتين يعطيك قصة عشقه بشكل سهل ومبسط مثل قول من قال:
(وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا/ سوى أن يقولوا إنني لك عاشقُ
نعم، صدق الواشون أنت حبيبة/ إليّ وإن لم تصف منك الخلائقُ)
وأما الأبيات الأربعة التالية فتنضح عشقا باديا على صاحبها وكأني بابن الرومي- وهو صاحبها قد قصد أن يكون قصة شعرية أو بلغة أهل الصحافة” قصة خبرية” ، تكون سهلة جدا ومرنة وتعطيك الحكاية كلها في أسطر قليلة وألفاظ جذابة ومعاني راقية.. يقول:
(أعانقها والنفس بعد مشوقة/ إليها وهل بعد العناق تداني
وألثم فاها كي تزول صبابتي/ فيتشد ما ألقى من الهيمانِ
ولم يك مقدار الذي بي من الجوى/ ليشفيه ما ترشف الشفتان
كأن فؤادي ليس يشفي غليله/ سوى أن يرى الروحان يمتزجانِ)
جنون العشق !!
وهذه قصة ثالثة فيها أسلوب المحاورة وفيها العشق بل وجنون العشق نفسه يقول صاحبها الشاعر:
(قالت جننت بمن تهوى فقلت لها / العشق أعظم مما بالمجانين
العشق لا يستفيق الدهر صاحبه / وإنما يصرع المجنون في الحين)
وهذه قصة عاشق كاد أوار الحب أن يقتله لدرجة أنه يستشعر فعلا نار هذا الحب تنضح على جسده فيتبرد بالماء عساه أن يخفف ما به واسمع ماذا يقول:
(إذا وجدت أوار الحب في كبدي/ أقبلت نحو سقاء القوم أبتردُ
هبني بردت ببرد الماء ظاهره/ فمن لنار على الأحشاء تتقدُ)
(المرضى المحبون)
أما الأبيات التالية التي ساقها على لسان ابي نواس ولم يذكر اسمه صراحة فقد بلغ بها المنتهى في تصوير القصة الشعرية بالشكل الراقي لفظا ومعنى والشاعر يتقمص شخصية محب مريض وزواره حوله ولم يشعر بحمى مرضه حتى حدثه عواده بشكوى محبوبته ولنسمع ماذا قال:
(إني حُممتُ ولم أشعر بحماك/ حتى تحدث عوَّادي بشكواكِ
فقلت ما كانت الحمى لتطرقني/ من غير ما سبب إلا لحمّاك
وخصلة كنت فيها غير متهم / عافاني الله منها حين عافاكِ
حتى اتفقت نفسي ونفسك في/ هذا وذاك، وفي هذا وفي ذاكِ )
وانظر إلى هذا الذي مرض فعاده محبوبه فمرض المحبوب فعوفي محبوبه فأتي يعوده فقال :
(مرض الحبيب فعدته/ فمرضت من حذري عليه
وأتى الحبيب يعودني/ فبرئت من نظري إليه)
هل الحب قبل فقط؟
السؤال السابق لايغفله ابن القيم وهو يستدعي الشواهد الشعرية التي توضح أن مراحل الحب بين المحبين تتخطى الحب والهوى والوله والعشق والجنون والخبل والرسيس إلى أن يلتحم الحبيب في محبوبه كله فيتحدان جسدا وروحا، أو بمعنى مختصر أن يذوق عسيلتها وتذوق عسيلته، ولايقتصر الوضع على التقبيل والشم والأحضان فقط، بل إلى ما أهو أبعد من هذا وقد عبر عنها بلفظة الجماع، في قصص شعرية مسبوكة اللفظة طاغية المعنى يقول في بعضها:
( تقول وقد قبلتها ألف قبلة/ كفاك أما شيء لديك سوى القبل
فقلت لها حب على القلب حفظه/ وطول بكاء تستفيض له المقل
فقالت لعمر الله مالذة الفتى / من الحب في قول يخالفه العمل)
وهي ابيات مغلفة بالحياء والتورية والإشارات المفهومة ضمنا غير المصرح بها طبعا
أما القصة الشعرية التالية فقد تحطى فيها التصريح التلميح حيث يقول صاحبها:
( رأت حبي سعادُ بلا جماع/ فقالت حبلنا حبل انقطاعِ
ولست أريد حبا ليس فيه/ متاع منك يدخل في متاعي
فلو قبلتني ألفا وألفا / لما ارضيت منك إلا بالجماع
إذا ماالصب لم يك ذا جماع/ يرى المحبوب كالشيء المضاعِ
جماع الصب غاية كل أنثى/ وداعية لأهل العشق داعي
فقلت لها وقد ولت تعالي/ فأنك بعد هذا لن تراعي
وإنك لو سألت بقاء يوم / خلي عن جماعك لن تطاعي
فقالت مرحبا بفتى كريم/ ولا أهلا بذي الخنع اليراع
إذا ما البعل لم يكن ذا جماع/ يرى في البيت من سقط المتاعِ)
وهنا أجدني ألتزم الصمت ومضطر أن أسكت شهرزاد عن الكلام المباح لأن نور الفجر لاح، وقد سمعت الدنيا من الديك الصياح!!
فاسم الكتاب رنان " روضة المحبين ونزهة المشتاقين"، واسم المؤلف علم من أعلام الإسلام العظام وهو "ابن قيم الجوزيه".. الذي استشهد فيه بعشرات الأبيات الشعرية الراقية السامقة والسامية أيضا سمو الشعر العربي الراقي وعلو كعبه، وجاءت استشهاداته الشعرية تنضح عشقا ووجدا وشغفا وغراما !!
وبالرغم من أن ابن القيم ألف كتابه هذا وهو مغترب عن وطنه بعيد عن أهله ، بعيد عن كتبه، كما يقول هو في مقدمة كتابه، إلا أن كتابه هذا جاء- في نظري- أفضل مما لو اعتكف مؤلف آخر غيره بين كتبه ومكتبته ليخرج ما يشاء ويستشهد بما يشاء مما يشاء من الأقوال والأشعار والخواطر التي قيلت عن ألسنة غيره من السابقين له والمعاصرين له ، وقد نظمه ورتبه وعنونه، وبحث مسائله بشكل فاق الوصف، واستنطق الرجل ذاكرته التي أسعفته بعشرات العشرات من الأبيات المنوعة والمصنفة في كل ما يخطر ببالك من دواعي الحب والعشق والوله والوجد والدنف والشغف والصبوة والصبابة والمقة والوصب واللوعة والهيام واللمم والخبل والرسيس.. وغيرها مما يصل إلى قرابة الستين مسمى من المسميات التي قد تبدو غريبة حتى عن عالم الرومانسية والرومانسيين الآن، وعن سماع وآذان المحبين والعاشقين والوالهين.
ولن أستطرد في هذه المسميات ولا في فصول الكتاب ولا مباحثه، لكنني سأقطف لكم من روضة المحبين ما جذبني وأسرني من أبياته الشعرية التي استشهد بها صاحب الروضة
(في سواد العين وأضلع القلب)
فتعالوا مثلا لهذين البيتين الذي يستدل بهما على مساكنة المحبوب لمحبيه على الدوام وإن لم يكن أشار لمن هما:
(ومن عجب أني أحن إليهم/ وأسأل عنهم من لقيت وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها/ ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي)
ودعوني أسألكم : بالله عليكم هل رأيتم شيئا أقرب من هذا القرب، فالعين تطلب محبيها وهم في سوادها، وهل العين إلا بياض وسواد أي محب ومحبوب، ثم شوق قلبه إليهم وهم مغروزون في أضلعه لم يفارقوه، وحنينه موصول إليهم سائلا كل من يلقاه بالرغم من أنه معه؟؟؟
وهذا يؤكد المعنى نفسه في بيت أخر يقول فيه قائله:
(خيالك في عيني وذكرك في فمي/ ومثواك في قلبي فأين تغيبُ؟)
(أنت روحي)
وتعالوا لبيتين آخرين يستدل فيهما بقرب المحبوب من روحه التي بين جنبيه يقول فيهما:
(يا ميقما في خاطري وجناني/ وبعيدا عن ناظري وعياني
أنت روحي إن كنت لست أراها / فهي أدنى إلي من كل داني)
أما هذه الأبيات فيستوي قرب دار المحبوب وبعده لأنه مقيم بين جوانحه وحشاه واسمع لرقة الشعر وعذوبته حيث يقول صاحبها:
(ياثاويا بين الجوانح والحشى/ مني وإن بعدت علي دياره
عطفا على صب بحبك هائم/ إن لم تصله تصدعت أعشاره
لا يستفيق من الغرام وكلما/ حجوبك عنه تهتكت أستاره)
وانظر إلى الألفاظ التي كانت مطلعه “يا ثوايا بين الجوانح والحشى” وانظر أيضا إلى التي يختم بها شطر البيت الثاني تصدعت أعشاره، وشطر البيت الثالث تهتكت أستاره..
وهي في رأيي كلمات لا يمكن أن تخرج إلا من صب مدنف قتله الغرام وشفه الوجد شفا.
(وقف الهوى )
واقرأ معي هذه الأبيات التي يستدل بها ابن القيم على ثبات القلب على أحكام الغرام واستلذاذ العذل فيه والملام:
(وقف الهوى بي حيث أنتِ / فلا متقدم عنه ولا متأخرُ
وأهنتني فأهنت نفسي جاهدا/ ما من يهون عليك ممن يكرم
أشبهت أعدائي فصرت أحبهم إذ كان حظي منك حظي منهم
أجد الملامة في هواكِ لذيذة/ حبا لذكركُِ فليلمني اللومُ)
ومن مطلعه "وقف الهوى بي حيث أنتُ"، إلى الختام "فليلمني اللومُ " تجدها كلمات خارقة حارقة تأخذك أخذا وتكاد المعاني تتداعى إليك خاضعة الأعناق بلجام من اللفظ الحريري السلس الذي لا تستطيع المعاني معه إلا أن تنقاد إليك كرها إن لم تأتي في بادئ الأمر طواعية.
زعمت فؤادك ملها
أما هذا البيت فقد يأخذك من أول وهلة أخذا شديدا واقرأه بتأنٍ
(إن التي زعمت فؤادك ملَّها/ خُلقتْ هواك كما خُلقتَ هوى لها)
يالله على روعة البيت وتركيبته اللفظية ومعناه!!
سيما في الشطر الأخير وقد أبدع فيه قائله أيما إبداع، لخص هواه وهواها في ذلك الفعل المبني للمجهول تارة للأنثى المحبوبة “خُلقتْ” وتارة للذكر المحب “خُلقتَ” أي: أنتَ.
(قصص شعرية عاشقة)
وفي استدلاله بأبيات الشعر تجد الحوار والاستفهام والتساؤل والإثبات والنفي تجتمع كلها في بيتين يعطيك قصة عشقه بشكل سهل ومبسط مثل قول من قال:
(وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا/ سوى أن يقولوا إنني لك عاشقُ
نعم، صدق الواشون أنت حبيبة/ إليّ وإن لم تصف منك الخلائقُ)
وأما الأبيات الأربعة التالية فتنضح عشقا باديا على صاحبها وكأني بابن الرومي- وهو صاحبها قد قصد أن يكون قصة شعرية أو بلغة أهل الصحافة” قصة خبرية” ، تكون سهلة جدا ومرنة وتعطيك الحكاية كلها في أسطر قليلة وألفاظ جذابة ومعاني راقية.. يقول:
(أعانقها والنفس بعد مشوقة/ إليها وهل بعد العناق تداني
وألثم فاها كي تزول صبابتي/ فيتشد ما ألقى من الهيمانِ
ولم يك مقدار الذي بي من الجوى/ ليشفيه ما ترشف الشفتان
كأن فؤادي ليس يشفي غليله/ سوى أن يرى الروحان يمتزجانِ)
جنون العشق !!
وهذه قصة ثالثة فيها أسلوب المحاورة وفيها العشق بل وجنون العشق نفسه يقول صاحبها الشاعر:
(قالت جننت بمن تهوى فقلت لها / العشق أعظم مما بالمجانين
العشق لا يستفيق الدهر صاحبه / وإنما يصرع المجنون في الحين)
وهذه قصة عاشق كاد أوار الحب أن يقتله لدرجة أنه يستشعر فعلا نار هذا الحب تنضح على جسده فيتبرد بالماء عساه أن يخفف ما به واسمع ماذا يقول:
(إذا وجدت أوار الحب في كبدي/ أقبلت نحو سقاء القوم أبتردُ
هبني بردت ببرد الماء ظاهره/ فمن لنار على الأحشاء تتقدُ)
(المرضى المحبون)
أما الأبيات التالية التي ساقها على لسان ابي نواس ولم يذكر اسمه صراحة فقد بلغ بها المنتهى في تصوير القصة الشعرية بالشكل الراقي لفظا ومعنى والشاعر يتقمص شخصية محب مريض وزواره حوله ولم يشعر بحمى مرضه حتى حدثه عواده بشكوى محبوبته ولنسمع ماذا قال:
(إني حُممتُ ولم أشعر بحماك/ حتى تحدث عوَّادي بشكواكِ
فقلت ما كانت الحمى لتطرقني/ من غير ما سبب إلا لحمّاك
وخصلة كنت فيها غير متهم / عافاني الله منها حين عافاكِ
حتى اتفقت نفسي ونفسك في/ هذا وذاك، وفي هذا وفي ذاكِ )
وانظر إلى هذا الذي مرض فعاده محبوبه فمرض المحبوب فعوفي محبوبه فأتي يعوده فقال :
(مرض الحبيب فعدته/ فمرضت من حذري عليه
وأتى الحبيب يعودني/ فبرئت من نظري إليه)
هل الحب قبل فقط؟
السؤال السابق لايغفله ابن القيم وهو يستدعي الشواهد الشعرية التي توضح أن مراحل الحب بين المحبين تتخطى الحب والهوى والوله والعشق والجنون والخبل والرسيس إلى أن يلتحم الحبيب في محبوبه كله فيتحدان جسدا وروحا، أو بمعنى مختصر أن يذوق عسيلتها وتذوق عسيلته، ولايقتصر الوضع على التقبيل والشم والأحضان فقط، بل إلى ما أهو أبعد من هذا وقد عبر عنها بلفظة الجماع، في قصص شعرية مسبوكة اللفظة طاغية المعنى يقول في بعضها:
( تقول وقد قبلتها ألف قبلة/ كفاك أما شيء لديك سوى القبل
فقلت لها حب على القلب حفظه/ وطول بكاء تستفيض له المقل
فقالت لعمر الله مالذة الفتى / من الحب في قول يخالفه العمل)
وهي ابيات مغلفة بالحياء والتورية والإشارات المفهومة ضمنا غير المصرح بها طبعا
أما القصة الشعرية التالية فقد تحطى فيها التصريح التلميح حيث يقول صاحبها:
( رأت حبي سعادُ بلا جماع/ فقالت حبلنا حبل انقطاعِ
ولست أريد حبا ليس فيه/ متاع منك يدخل في متاعي
فلو قبلتني ألفا وألفا / لما ارضيت منك إلا بالجماع
إذا ماالصب لم يك ذا جماع/ يرى المحبوب كالشيء المضاعِ
جماع الصب غاية كل أنثى/ وداعية لأهل العشق داعي
فقلت لها وقد ولت تعالي/ فأنك بعد هذا لن تراعي
وإنك لو سألت بقاء يوم / خلي عن جماعك لن تطاعي
فقالت مرحبا بفتى كريم/ ولا أهلا بذي الخنع اليراع
إذا ما البعل لم يكن ذا جماع/ يرى في البيت من سقط المتاعِ)
وهنا أجدني ألتزم الصمت ومضطر أن أسكت شهرزاد عن الكلام المباح لأن نور الفجر لاح، وقد سمعت الدنيا من الديك الصياح!!