عبدالله الجعيثن - ما قيل في أعذب العيون وأكذبها: عيون النساء

أنا والله أشتهي سحر عينيك وأخشى مصارع العشاق

عيون النساء الجميلات بحيرات رقيقة
ولكنها تغرق أعظم السباحين..
وهذا يذكرنا يقول جرير - وهو شعر قيل إنه أجمل ما قيل في الغزل: -

إن العيون التي في طرفها حور = قتلنن ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به = وهن أضعف خلق الله إنساناً

وهن - على ضعفهن - يذبن الرجال الذين يذيبون الحديد كما قال الفارس العربي:

نحن قوم تذيبنا الأعين النج = ل على أننا نذيب الحديدا

وقديماً قال شكسبير:

"أين الشاعر الذي يستطيع أن يرينا جمالاً كالذي نراه في عيني المرأة؟"

قلت: إن الجمال ليس في وجه امرأة جميلة فقط، ولا في عينين فاتنتين فقط، ولكن الجمال يتجلى في كون الله الواسع من المناظر الرائعة فالسماء بنجومها والأرض بربيعها والشفق بألوانه والمطر برذاذه والطيور ذات الأصوات العذبة ونسيم النعيم إذا هب من خميلة مليئة بالزهور حاملاً روائح العطور يداعب بها الوجوه وينعش النفوس الجمال موجود أيضاً في الصحراء بجلالها واتساعها وشموخها وزهورها البريئة وخاصة غب المطر أو حين يكسوها العشب الأخضر والزهور البرية تتمايل فوق العشب بحبور.

الجمال موجود أيضاً في روائع الآداب والفنون، وفي العمارة والموسيقي، وفي المودة بين الأصدقاء، بل الجمال يكون أعمق في مواقف الكرم والشهامة، ولكن جمال المرأة عاقة، وجمال عينيها خاصة، خلب ألباب الشعراء والمعاشقين والناظرين، لأنه جمال محسوس وغامض معاً، ويثير الواقع والخيال في آن.. خاصة إذا كانت المرأة الجميلة خجولة.. يقول الأمير خالد الفيصل.

عز الله أني في ظبي نجد مغروم = راعي العيون اللي مع الزين خجله

وجمال العيون يصيب الناظر بالظمأ.. وبالمعذاب، يقول علي الضوي:

تعبت من الظمأ ومن السراب اللي محاصرني = حبيبي هومتي ترحمني عيونك وتسقيني

وسعة النظر للعيون الجميلة مشوبة بالألم والظمأ.. كالموسيقى التي تظميك ثم ترويك.. غير أن الألم الذي تثيره متعة العيون الجميلة مزدوج يقول إبن الرومي:

ويلاه إن نظرت وإن هي أسبلت = وقع السهام ونزعهن اليم

***

ويعترف شعراء الفصحى والعامية بعجزهم عن وصف عيون المعشوقة لأن فيها من الجمال سحراِ لا يحد وسراً لا يمكن الوصول إليه.. يقول محمد البراهيم:

القمر والشمس بعيونك تطوف = يا بعد حبي جمعتهم سوى
الجمال اللي عيوني له تشوف = كيف أبا أوصفها الجمال وما حوى
ما ألوم الشعر لو صابه عزوف = دام نور الياس بعيوني ضوى
كل ما اكتب قصيده يا الهنوف = رمش عينك قال لي مالك لوى!

ويقول ذو الرمة:

لها بشر مثل الحرير ومنطق = رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر
وعينان قال الله كونا فكانتا = فعولان بالألباب ما لا تفعل الخمر

***

وإذا كان العرب يقولون:

"الحلاوة في العنيين، والملاحة في الفم، وكمال الحسن في الشعر" فإن خالد الفيصل يرى أن نصف زين النساء في عيني محبوبته، والنصف الثاني في باقيها:

نصف زين الخلايق في عيونه
وباقي الزين في باقيه كله!
فهي أخذت "زين العالم" كله!

***

أما علي بن الجهم - وقصته معروفه - قدم إلى بغداد من البادية فمدح الخليفة بقوله:

أنت كالكلب في الوفاء = وكالتيس في قراع الخطوب

فهم الحرس بالوثوب عليه فردهم الخليفة بإشارة وقال لمن حوله وهو يتبسم:

هذا أعرابي قدم من البادية فهو يمدح بما يعرف من محيطه.. دعوه حتى يتحضر.. ولم يكد يتحضر في بغداد ويرى الجمال حتى رق ولان وقال:

عيون المها بين الرصافة والجسر = جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

***

ويقول مثل عالمي:

"أعذب العيون وأكذبها عيون النساء" والكذب هنا قد يكون نظرة إغراء لا تحمل حبا، وقد لا تكون نظرة إغراء أصلاً ولكن الجميلة صاحبة العيون الساحرة تبدو نظرتها كأنها إغراء أو دعوة مفتوحة للحب أو وعد بغرام وهي لا تقصد شيئاً من هذا ولكنها لا تتحكم في جمال عينيها فكيفما نظرت نشرت الإغراء والوعد بالغرام..

ويبدو أن ذلك لا يقتصر على النساء الجميلات فقط، فحتى الرجل الوسيم إذا أحبته المرأة صارت عيناه هي الأعذب والأكذب، تقول نجاح المساعيد:

تخطي واسامح وأعتذر لك وأرضيك = لأن كذبك في عيونك حقيقة!!

***

وفي ديوانه (واحات من الصحراء) يقول الدكتور مانع سعد العتيبة في محبوبته

ساد أو تسيد في الحشايا = غر بنى في القلب بنيان
فيه امراضي وفيه الدوايا = مرفوق ما حيبه انسان
ما خذ شبه من المهيا = في الجيد لي مدعوج العيان
والدعج في العيون هو (الحوار): شدة = الواد في سواد العين، وشدة البياض
في بياضها مع التماع ساحر حين تنظر = أو تقلب عينيها.. قال عمر بن أبي

ربيعة:

ولها عينان في طرفيهما = حور منها وفي الجيد غيد

***

وللعيون الجميلة ابتسام تشرق له الاكوان، يقول السياب:

عيناك غابتا نخيل ساعة السحر = أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
عيناك حين تبسمان تورق الكروم = وترقص الأضواء كالأقمار في نهر

ويقول سعيد عقل:

وقع عينيك على نجمتنا = قصة تحكي وبث وسمر
قالتا: تنظر فاحلولى الندى = واستراح الظل والنور انهمر
مفرد لحظك إن سرحته = طار بالأرض جناح من زهر
وإذا هدبك جاراه المدى = راح كون تلو كون يبتكر

وهي أكوان في خيال الشعراء، فهي أكوان من جمال لم يروه من قبل..

***

ويقول أسير الشوق:
حبك مسافة عمرنا = وأشواقنا عابر سبيل
وأحلى الليالي صبرنا = في رحلة فراق طويل
وعيون ترسم دربنا = يزهي بها الرمش الظليل

فالعيون ترسم درب الحب بفرشاة جمالها وسحر نظراتها وحنان لغتها ورمش الحبيب لا يعود مجرد رمش.. إنه سحر..

***

وفي الغياب بتذكر العشاق عيني الحبيبة كل ليلة:

في كل ليلة عيونك درب ترحالي = ياما تمادى الغياب وما تلاقينا

كما يقول بدر الحمد..

أما نديم الحرف فإن عيني الحبيبة ترحل به لعاطر الذكريات، ورمشها يسعد مساءه كله:

ترحل بي عيونك لماضي سنينك
وأشوف نفسي اللي قبالي.. قبالي
ويسعد مسا هالليل في رمش عينك
يا للي هدب عينك.. ليالي.. ليالي

***

وعينا الجميلة تلهمان الشاعر.. وتلهبانه..
هي اللذة.. والألم.. وهما ما يثير لواعج الوجدان..

لصالح جودت:

عيناك يانجواي أهواهما
أذوب في عمقهما الأعمق
أرى خيالي في مغانيهما
يسري بلا عقل ولا منطق
تلك خميلاتي، وفي ظلها..
ألمح لون الأمل المشرق
وملهماتي الشعر، لو لم تثر
لواعج الإلهام لم أنطق

***

ونختم بهذا البيت لشاعر العرب المتبني:

لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي
وللحب ما لم يبق منه وما بقى
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...