نقوس المهدي
كاتب
ليلة تعرفي إليها، شرحتْ لي، سور خوانا، أنّ السبب في كلّ ذلك يرجع لانقطاع الطمث. حينها اعترضتُ بتحذلق بأنَّ الطمث ينقطع في الخمسين. تأملتني خوانا بنظرة هؤلاء القساوسة الذين يوشكون على معاقبتك ثم يقرّرون العفو عنك. ظلت تتأملني بابتسامة متعالية ومغوية، ثم أجابتني بهدوء: وأنت ماذا تعرف عن انقطاع طمث الراهبات، يا مخنث.
بعد خمس عشرة دقيقة، دفعت خوانا حساب المشروبات. وبعد عشرين، عثرنا، بمعجزة، على سيارة أجرة خالية في وسط منتزه "لا ريفورما". وبعد ثلاث وأربعين دقيقة، قفزت عليّ واستثارت كلّ أعضائي.
بحسب ما اعترفت لي، فقدت خوانا عذريتها مع راهب أشقر قبل أن تهجر الدير بأسبوع. لنكون أكثر دقة، علينا القول إنها فقدت عذريتها مع ستة أو سبعة رهبان، ليسوا جميعًا شُقرًا، وهي في التاسعة والثلاثين. ما إن جربتْ رجلًا، بحسب كلامها، حتى أحبَّت كلّ الرجال، كلّهم، كلّهم. التكرار هنا ليس من عندي، بل هو تكرار خوانا. هكذا كانت تحكي، بعينين مغمضتين وساقين منفرجتين.
لمّا أدركتْ أنها لن تكون أبدًا جديرة بنظرة الرب (وهو أمر أدركته في الحال)، تركت خوانا شعرها ينمو، وحصلت على عمل كمساعدة في عيادة بيطرية، وكرست وقت فراغها كلّه (كلّه، كلّه، كلّه) لمضاجعة الرجال من أي سن ولون ودين. شرطها الوحيد، بحسب ما أكدته، كان ألا يعشقوها. وأن يعدوها بذلك منذ اليوم الأول. وضّحت لهم (لنا) "أنني التزمت مع ربي منذ كنت في الثامنة عشرة وحتى التاسعة والثلاثين". وحيث أنه من المستحيل أن تطمح لأكثر من ذلك، باتت الآن ترغب في الجنس، الجنس الجنس. "رغم أني أعرف أني سأدان على ذلك".
قد يرتاب من لم يضاجع خوانا (ولنعترف أن احتمالية عدم المضاجعة بعيدة في مكسيكو سيتي) في عبارة "أعرف أني سأدان على ذلك". وقد يظنها ذريعة مباركة. لكن ليلة واحدة معها، وربما جماع سريع، تكفي لندرك إلى أي مدى كان تأكيد خوانا صارمًا وشفافًا.
كانت حياة خوانا الجنسية أكثر بكثير من ذلك. أقصد: من الحياة. وربما لا أكون متسرعًا إن أضفت أنها كانت العكس تمامًا: محض موت. بكل ما يتعلق به من بعث جسدي متكرر لا يمكن تجنبه إطلاقًا. يمكنني أن أتخيل الالتباسات التي تثار في العقول الأكثر تخلفًا: نشوات تشنجية، امتصاصات عميقة، استطالات مستحيلة، أكروبات خشنة. يا إلهي، يا إلهي، يا إلهي. حالة خوانا كانت مختلفة تمامًا: كانت بكاء، بلا أوضاع مريحة، بلا تكنيكات شرقية.
حالة خوانا كانت شيئًا شبه مفقود في حضارتنا: شهوانية طاهرة. رغبات لا يمكن كبحها وتأنيب ضمير صادق، وانتكاسات مهلكة. ما لا يصدق هو تلك الدورة التي قد تمر بالآخرين في أيام وشهور وسنوات، فيما تلخصها خوانا في دقائق معدودة. ولكي نصنع مقاربة علمية، علينا أن نقول إن النساء عادًة ما تجرّب مراحل الإثارة، المتعة، النشوة والخمود. بينما خوانا، في المقابل، تعاني احمرار الوجه، فقدان العقل، الندم والانتكاس. دون مقدمات. دون تأخير. كأنها عاصفة صيفية.
منذ لقائنا الأول في بيتها، شاهدتُ بفم مفتوح تلك الطقوس التي ستتكرر للأبد. كانت خوانا تتعرّى بوحشية. تعضني. ترفضني. تنتزعني من ملابسي الداخلية وتشدني إلى داخلها. حينئذ تبدأ اللقطة المدهشة، اللقطة التي تنتهي بسلب حواسي، وبشكل ما تُختم بـ"سأدان على ذلك": كانت خوانا تكلمني. كانت تتكلم، تعوي، تصلي، تتضرع، تبكي، تضحك، تغني، وتمتن. ولم يكن وصولها لهذه اللحظة يتطلب بطولات جسدية من أي نوع. مجرد قبولها فحسب. ومكافأة ذلك كانت ساحقة. ومن بين العبارات التوراتية الجريئة التي كانت خوانا ترتلها أثناء الممارسة، كانت تبهرني أكثرها بساطة:"تجرني للخطيئة يا ملعون"، "بسبب جسدك لا أملك المغفرة"، "ثم تدفعني إلى الجحيم". قد يظن أحد المرتابين أنها مجرد صيحات عقائدية، لكن هذه العبارات كانت تتسلل لقلبي. في النهاية أنا رجل عادي. لم أعتد على إثارة العواطف الكبيرة. ولم يحدث أبدًا، صدقوني، أن سُقت أحدًا إلى الجحيم.
مأساتي بالتحديد كانت هذه: كيف أضاجع امرأة أخرى بعد خوانا؟ هل يمكن أن نخرج من لهيب الجحيم الحسي لنستريح في نعومة أي سرير؟ لقد عشت معها حدثًا في كل لحظة. متعة بائسة. فعل خطيئة ذات معنى. فيما كان الجنس مع النساء الأخريات مجرد جنس. منذ تعرفت على خوانا، شعرت أن كل عشيقاتي العابرات، خاصة التقدميات منهن، فاترات، متوقعات، عاديات بشكل محبط. ما كنا نفعله معًا لم يكن مرعبًا، ولا فظيعًا، ولا خطيئة غير مغفورة. عندما كنا نتلامس، لم يكن أي منا يفقد مبادئه. كنا نتظاهر بأننا نتقابل لتناول العشاء.
كنا نمزح بأدب. وكنا نضجر بصفاء. مع رفيقاتي، بمرور الوقت، كنت أنتقل من اللامبالاة إلى الفوبيا، وأصل لكره إيماءات فارغة أتبادلها معهن. البدايات المحتاطة. التقلصات الصغيرة. الصرخات المعتدلة. حد أني صرت لا أحتمل البقاء مع أحد، أي أحد، أي أحد. في الليلة الأخيرة التي قضيتها في بيت خوانا، ارتدت ملابسها المعتادة: جيبة عريضة وحذاًء قديمًا. بشعر منكوش. بجلد مقنفد. دون مكياج. وعندما خلعتْ ملابسها وتأملتُ عضوها المشعر مرة أخرى، لم أستطع تجنب تقبيلها والهمس في أذنها: أنا عاشق يا خوانا. حينها أغلقت ساقيها فورًا، وانكمشت على نفسها فى الكنبة، ثم رفعت ذقنها وقالت: إذن، ارحل. قالتها لي بجدية لم أستطع أمامها أن ألح. بالإضافة لمعرفتي أني من نكثت العهد. ارتديت ملابسي بخجل. وبينما كنت أعبر الصالة الملأى بالصلبان وصور العذراء، سمعت خوانا تهمس باسمي. عدت إليها بأمل، فرأيتها تسير ببطء، وتقترب مني عارية. لاحظت أن قدميها باردتان. نظرتْ في عينيّ بمزيج من الحقد والشفقة. لا يمكن أن تذهب للجحيم بسبب العشق، قالت لي.
بعدها طُفيء النور.
ترجمة: أحمد عبد اللطيف
(الصورة: لوحة للفنان المصري رضا عبد الرحمن)
* أندريس نيومان (بوينوي آيريس، 1977) روائي وقاص وشاعر وناقد أرجنتيني يقيم في مدينة غرناطة (إسبانيا) منذ كان في الثالثة عشرة، ويعتبر أحد أبرز الأصوات الشابة في اللغة الإسبانية اليوم. نشر كتابه الأول قبل أن يتم العشرين، وفازت روايته "رحالة القرن" بجائزة ألفاجوارا المرموقة وكذلك بجائزة النقد. له العديد من المجموعات القصصية والتنظيرات حول فن القصة.
بعد خمس عشرة دقيقة، دفعت خوانا حساب المشروبات. وبعد عشرين، عثرنا، بمعجزة، على سيارة أجرة خالية في وسط منتزه "لا ريفورما". وبعد ثلاث وأربعين دقيقة، قفزت عليّ واستثارت كلّ أعضائي.
بحسب ما اعترفت لي، فقدت خوانا عذريتها مع راهب أشقر قبل أن تهجر الدير بأسبوع. لنكون أكثر دقة، علينا القول إنها فقدت عذريتها مع ستة أو سبعة رهبان، ليسوا جميعًا شُقرًا، وهي في التاسعة والثلاثين. ما إن جربتْ رجلًا، بحسب كلامها، حتى أحبَّت كلّ الرجال، كلّهم، كلّهم. التكرار هنا ليس من عندي، بل هو تكرار خوانا. هكذا كانت تحكي، بعينين مغمضتين وساقين منفرجتين.
لمّا أدركتْ أنها لن تكون أبدًا جديرة بنظرة الرب (وهو أمر أدركته في الحال)، تركت خوانا شعرها ينمو، وحصلت على عمل كمساعدة في عيادة بيطرية، وكرست وقت فراغها كلّه (كلّه، كلّه، كلّه) لمضاجعة الرجال من أي سن ولون ودين. شرطها الوحيد، بحسب ما أكدته، كان ألا يعشقوها. وأن يعدوها بذلك منذ اليوم الأول. وضّحت لهم (لنا) "أنني التزمت مع ربي منذ كنت في الثامنة عشرة وحتى التاسعة والثلاثين". وحيث أنه من المستحيل أن تطمح لأكثر من ذلك، باتت الآن ترغب في الجنس، الجنس الجنس. "رغم أني أعرف أني سأدان على ذلك".
قد يرتاب من لم يضاجع خوانا (ولنعترف أن احتمالية عدم المضاجعة بعيدة في مكسيكو سيتي) في عبارة "أعرف أني سأدان على ذلك". وقد يظنها ذريعة مباركة. لكن ليلة واحدة معها، وربما جماع سريع، تكفي لندرك إلى أي مدى كان تأكيد خوانا صارمًا وشفافًا.
كانت حياة خوانا الجنسية أكثر بكثير من ذلك. أقصد: من الحياة. وربما لا أكون متسرعًا إن أضفت أنها كانت العكس تمامًا: محض موت. بكل ما يتعلق به من بعث جسدي متكرر لا يمكن تجنبه إطلاقًا. يمكنني أن أتخيل الالتباسات التي تثار في العقول الأكثر تخلفًا: نشوات تشنجية، امتصاصات عميقة، استطالات مستحيلة، أكروبات خشنة. يا إلهي، يا إلهي، يا إلهي. حالة خوانا كانت مختلفة تمامًا: كانت بكاء، بلا أوضاع مريحة، بلا تكنيكات شرقية.
حالة خوانا كانت شيئًا شبه مفقود في حضارتنا: شهوانية طاهرة. رغبات لا يمكن كبحها وتأنيب ضمير صادق، وانتكاسات مهلكة. ما لا يصدق هو تلك الدورة التي قد تمر بالآخرين في أيام وشهور وسنوات، فيما تلخصها خوانا في دقائق معدودة. ولكي نصنع مقاربة علمية، علينا أن نقول إن النساء عادًة ما تجرّب مراحل الإثارة، المتعة، النشوة والخمود. بينما خوانا، في المقابل، تعاني احمرار الوجه، فقدان العقل، الندم والانتكاس. دون مقدمات. دون تأخير. كأنها عاصفة صيفية.
منذ لقائنا الأول في بيتها، شاهدتُ بفم مفتوح تلك الطقوس التي ستتكرر للأبد. كانت خوانا تتعرّى بوحشية. تعضني. ترفضني. تنتزعني من ملابسي الداخلية وتشدني إلى داخلها. حينئذ تبدأ اللقطة المدهشة، اللقطة التي تنتهي بسلب حواسي، وبشكل ما تُختم بـ"سأدان على ذلك": كانت خوانا تكلمني. كانت تتكلم، تعوي، تصلي، تتضرع، تبكي، تضحك، تغني، وتمتن. ولم يكن وصولها لهذه اللحظة يتطلب بطولات جسدية من أي نوع. مجرد قبولها فحسب. ومكافأة ذلك كانت ساحقة. ومن بين العبارات التوراتية الجريئة التي كانت خوانا ترتلها أثناء الممارسة، كانت تبهرني أكثرها بساطة:"تجرني للخطيئة يا ملعون"، "بسبب جسدك لا أملك المغفرة"، "ثم تدفعني إلى الجحيم". قد يظن أحد المرتابين أنها مجرد صيحات عقائدية، لكن هذه العبارات كانت تتسلل لقلبي. في النهاية أنا رجل عادي. لم أعتد على إثارة العواطف الكبيرة. ولم يحدث أبدًا، صدقوني، أن سُقت أحدًا إلى الجحيم.
مأساتي بالتحديد كانت هذه: كيف أضاجع امرأة أخرى بعد خوانا؟ هل يمكن أن نخرج من لهيب الجحيم الحسي لنستريح في نعومة أي سرير؟ لقد عشت معها حدثًا في كل لحظة. متعة بائسة. فعل خطيئة ذات معنى. فيما كان الجنس مع النساء الأخريات مجرد جنس. منذ تعرفت على خوانا، شعرت أن كل عشيقاتي العابرات، خاصة التقدميات منهن، فاترات، متوقعات، عاديات بشكل محبط. ما كنا نفعله معًا لم يكن مرعبًا، ولا فظيعًا، ولا خطيئة غير مغفورة. عندما كنا نتلامس، لم يكن أي منا يفقد مبادئه. كنا نتظاهر بأننا نتقابل لتناول العشاء.
كنا نمزح بأدب. وكنا نضجر بصفاء. مع رفيقاتي، بمرور الوقت، كنت أنتقل من اللامبالاة إلى الفوبيا، وأصل لكره إيماءات فارغة أتبادلها معهن. البدايات المحتاطة. التقلصات الصغيرة. الصرخات المعتدلة. حد أني صرت لا أحتمل البقاء مع أحد، أي أحد، أي أحد. في الليلة الأخيرة التي قضيتها في بيت خوانا، ارتدت ملابسها المعتادة: جيبة عريضة وحذاًء قديمًا. بشعر منكوش. بجلد مقنفد. دون مكياج. وعندما خلعتْ ملابسها وتأملتُ عضوها المشعر مرة أخرى، لم أستطع تجنب تقبيلها والهمس في أذنها: أنا عاشق يا خوانا. حينها أغلقت ساقيها فورًا، وانكمشت على نفسها فى الكنبة، ثم رفعت ذقنها وقالت: إذن، ارحل. قالتها لي بجدية لم أستطع أمامها أن ألح. بالإضافة لمعرفتي أني من نكثت العهد. ارتديت ملابسي بخجل. وبينما كنت أعبر الصالة الملأى بالصلبان وصور العذراء، سمعت خوانا تهمس باسمي. عدت إليها بأمل، فرأيتها تسير ببطء، وتقترب مني عارية. لاحظت أن قدميها باردتان. نظرتْ في عينيّ بمزيج من الحقد والشفقة. لا يمكن أن تذهب للجحيم بسبب العشق، قالت لي.
بعدها طُفيء النور.
ترجمة: أحمد عبد اللطيف
(الصورة: لوحة للفنان المصري رضا عبد الرحمن)
* أندريس نيومان (بوينوي آيريس، 1977) روائي وقاص وشاعر وناقد أرجنتيني يقيم في مدينة غرناطة (إسبانيا) منذ كان في الثالثة عشرة، ويعتبر أحد أبرز الأصوات الشابة في اللغة الإسبانية اليوم. نشر كتابه الأول قبل أن يتم العشرين، وفازت روايته "رحالة القرن" بجائزة ألفاجوارا المرموقة وكذلك بجائزة النقد. له العديد من المجموعات القصصية والتنظيرات حول فن القصة.