د. يسري عبد الغني عبد الله - " ألف ليلة وليلة " عندما يمثل الأدب الشعبي سمات مجتمعه

الشهرة والذيوع :

لقد أصبحت قصص ألف ليلة وليلة من الشهرة وذيوع الصيت بحيث قيل : إن مما دفع الغرب إلى الهيمنة على الشرق واستعماره هو ما جاء في كتاب ( الليالي ) أو ألف ليلة وليلة عن الشرق وفنونه وعظمته وسحره .

وقد صار هذا الكتاب موضع دراسة علماء الغرب وباحثيه منذ سنة 1700م تقريباً حتى وقتنا الراهن ، فتناولوه بالبحث والدرس والترجمة والنسخ ، ولولاهم ـ دون مبالغة ـ ما بقى هذا الأثر الفني إلى يومنا هذا ، في الوقت الذي ـ بكل أسف ـ لم يحاول فيه علماء الشرق تناوله بالبحث والتحليل في أي ناحية سواء أكانت اجتماعية أو فكرية أو لغوية ( باستثناء دراسات قليلة جداً ) ، وأصبح الدارس لهذه القصص أو تلك الحكايات يتلمس الطريق ويستهدي بما كتبه الغربيون عنها .

ويكفي أن يعرف القارئ الكريم بأن الليالي طبعت أكثر من ثلاثين مرة مختلفة في بريطانيا وفرنسا خلال القرن الثامن عشر الميلادي وحده ، وإنها نشرت نحو ( 300 مرة ) في لغات أوربا الغربية ، حتى أنه ليقال بأن الليالي هي أعظم الكتب العربية حظوة لدى علماء الغرب ، وأنهم أعطوه من الجهد العلمي أكثر مما أعطوا أي كتاب آخر ، وأن آدابهم قد تأثرت به تأثراً كبيراً .

حقاً إنه الكتاب الذي طاف الدنيا بأرجائها ، وتمثل فيه سحر الشرق ، وترجم إلى معظم لغات الدنيا ـ كما ذكرنا ـ حيث طبع بالعربية لأول مرة في ألمانيا سنة 1825 بعناية المستشرق / هانجت ، فأنجز منه ثمانية أجزاء مع ترجمته للألمانية ، وتوفي قبل إتمام الكتاب ، فأنجز تلميذه فليشر المتوفى سنة 1888 بقية الأجزاء .

ثم طبع طبعات عديدة أهمها طبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر سنة 1960 ، وتقول الحكاية الأم التي تبسط ظلالها على حكاية الكتاب : أن الملك شهريار لم يكتف بعد ما اكتشف خيانة زوجته بقتلها هي وجواريه وعبيده ، بل صار كل يوم يأخذ بنتاً بكراً يدخل بها ثم يقتلها من ليلتها ، فضج الناس منه وهربت بناتهم ، فسألت شهرزاد أباها الوزير أن يقدمها لشهريار قائلة : فإما أن أعيش ، وإما أن أكون فداء لبنات جنسي ، وسبباً لخلاصهن .

وكان الوزير يطلع كل صباح بالكفن تحت إبطه بينما ابنته شهرزاد تؤجل ميعاد موتها بالحكاية تلو الحكاية ، حتى أنجبت للملك ثلاثة أولاد في ألف ليلة قضتها في قصره ، وجعلته بحلاوة حديثها ، وطرافة حكاياتها إنساناً آخر .

نموذج لهذا الاهتمام :

ولا شك في أن أي باحث لا يستطيع تلخيص أثر هذا الكتاب منذ شاع ذكره في أوربا ، وليس في وسعنا إلا تقديم نموذج من هذا الاهتمام ألا وهو كتاب (جوته وألف ليلة وليلة) للكاتبة الألمانية / كاترينا مومسن ، الذي ترجمه أحمد الحمو في دمشق سنة 1980 ، حيث عاش جوته منذ نعومة أظفاره مع هذا الكتاب ، وكان يحفظ حكاياته عن ظهر قلب ، إلى درجة أنه كان يلعب دور شهرزاد عندما تتاح له الفرصة ، وكان في صباه وفي شيخوخته يستخدم رموز الحكايات وصورها في كتاباته ورسائله ، أي أن هذا الكتاب كان بالنسبة له (كتاب عمره ) .

كل ذلك والترجمة الألمانية لليالي لم تكن قد أنجزت بعد ، وإنما كان يرجع إلى الترجمة الفرنسية المجتزئة التي قام بها المستشرق الفرنسي / أنطون جالان ، خلال الفترة ما بين عامي 1704 ـ 1717 ، وذلك قبل أن تظهر الترجمة الألمانية عام 1825 ، مما جعل جوته يمضي آخر سني حياته مع هذه الترجمة ، وكانت وفاته سنة 1832 .

ونحب أن نشير إلى الطفرة التي اكتسبتها الدراسات الدائرة حول الليالي ، نتيجة للتوثيق الذي قام به محسن مهدي للنسخ الغربية ( لليالي) ، في عمل صدر له في ليدن الهولندية ، سنة 1984.

كما يمكن لنا مراجعة مجموعة الرسومات التي صاحبت الترجمات الغربية لألف ليلة وليلة في كتاب (ألف ليلة وليلة : مقالات نقدية وببليوجرافية ) والصادر عن دار المهجر بكمبريدج ، بالإنجليزية ، سنة 1985 .

منزلة الليالي من الأدب العربي :

يقال : إن كتاب ألف ليلة مترجم عن اللغة الفارسية إلى العربية ، كما يقرر المسعودي في كتابه (مروج الذهب ) ، وابن النديم في كتابه (الفهرست) .

وفي الكتاب عناصر هندية واضحة ، تتمثل في تداخل القصص ، وفي الإطار العام للحكي ، مما يربطه بالأدب الهندي ، كما أن فيه آثار يونانية ... وعلى كل حال فإن هذا الكتاب قد عرف عند المسلمين قبل منتصف القرن العاشر الميلادي .

ولكن من السهل أن ندرك أن الليالي هي من الأدب الشعبي يتمثل فيها سمات مجتمعه ، فهي برغم ما نبذل فيها من مجهود لا زالت مجهولة المؤلف ومجهولة الأصل أيضاً ، ولغتها لم تصل إلى درجة اللغة العربية الفصحى ، وأفكارها وأخيلتها تعبر عن عقلية الشعب ( الناس العاديين ) وحياته .

ومن المقطوع به أن الكتاب لم ينسخ على الصورة التي كان يروى بها بل تناولته يد الإصلاح والتهذيب اللغوي ، ذلك لأن الليالي قد وجد في عصور مختلفة ، وأفكار متعددة ، وصور متباينة .

وإذا كانت قوامه فارسية كما يذكر بعض الباحثين فمعنى ذلك أنه ترجم كتابه إلى اللغة العربية ، ثم قصه القصاص بعد أن قرءوه أو سمعوه .

ثم جاء دور الإفاضة إليه فكان القاص إذا سمع قصة معينة تروى وراءها راجت لدى السامعين أضافها إلى الكتاب بعد أن يقوم بتجويد القصة التي من هذا القبيل ويخضعها لشيء من الذوق الذي قد هذب إلى حد ما .

وبعد ذلك قد يبعد بها عن الإفراط في السذاجة والمغالاة في البساطة ، ولكنه قد يعود مرة أخرى عند قصها إلى السذاجة والبساطة التي تحاشاها عند التدوين ، وقد يفعل ذلك إرضاء للجمهور الذي يستمع إليه ، ولسان حاله يقول : " هذا ما يريده الجمهور !! " ولكنه قطعاً عند النسيان ( نسيان جزء معين من القصة ) كان يعود إلى القصص المدون .

وقد ورد في كتاب الليالي نفسه ما يؤكد كلامنا ، وذلك في مقدمة قصة "سيف الملوك وبديعة الجمال " وفي أواخر الجزء الثالث من الليالي : ومضمون المقدمة أن رسول الملك الشغوف بالقصص ، قد وفد على مصر والشام تلمساً للقصص فوجد قصاصاً في مدينة دمشق السورية ، وحوله الناس يستمعون إليه ، فقد سحرهم بقصصه الشيقة ، فجلس رسول الملك في مجلس القوم ( جمهور المستمعين ) يستمع معهم إلى أن انتهى القصاص ، وسأله رسول الملك عن قصة ( سيف الملوك وبديعة الجمال ) فأخذه إلى بيته وأعطاه قلماً وقرطاساً ( ورقاً ) ، وأعطاه أيضاً كتاباً أو أوراقاً نقل منها القصة كاملة ، وقرأها عليه ، وصححها له ، ثم عاد إلى سيده الملك ، الذي استحسن القصة وحفظها عنده في خزائنه ، ليطالعها له الرسول كلما تملكه السأم أو الملل فاشتاق إلى سماع القصص .

وجاء أيضاً في مقدمة الكتاب : ... وبعد ، فإن سير الأولين صارت عبرة للآخرين ، لكي يرى الإنسان العبر التي حصلت لغيره فيعتبر ، فيطالع حديث الأمم السالفة ، وما جرى لهم فيزدجر ... فمن تلك العبر الحكايات التي تسمى ألف ليلة وليلة ، وما فيها من الغرائب والأمثال .

إلى غير ذلك من الإشارات التي تذكر لنا أن الخليفة قد يأمر أن يؤرخ ما حصل لفلان ، وأن يحفظ هذا التاريخ ، كما أمر الخليفة العباسي / هارون الرشيد مثلاً ، أن يؤرخ لجميع ما جرى لغانم بن أيوب من أوله إلى آخره ، وأن يدون في السجلات ليطلع عليه من يأتي بعده فيتعجب من تصرفات الأقدار ، ويفوض الأمر لخالق الليل والنهار ...

ثم هذه العبارة التي كثيراً ما نطالعها في قصص الليالي : إن قصتي عجيبة لو كتبت بالإبر على آفاق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر ...

النسخ والتدوين :

ولعل نسخ الكتاب وتدوينه هو الذي حدا بالقصاص إلى تناول كتب القصص عربية كانت أو مترجمة عن اللغة الهندية ، أو عن اللغة الفارسية ، أو عن غيرهما من اللغات التي كانت معروفة في زمن وضع قصص الليالي ، وكذلك الاتجاه إلى أخبار أدبية مكتوبة ومعلومات ساذجة مدونة في كتب مختلفة عن عجائب البحار والخلق ، أو عن أخبار الملوك ، وآدابهم ، أو عن أخبار الكتاب والشعراء ، وآدابهم ، فاستخدموا هذه القصص ، وتلك الأخبار ، واستغلوها استغلالاً وافياً في قصص شعبي تعلو درجته عن القصص الشعبي الساذج المتداول على ألسنة الناس في كل بقاع الدنيا ، وذلك لما يقتضيه التدوين من تهذيب وإعادة صياغة .

على أن هذا لا يمنع من أن موضوع قصص كثيرة من الليالي وجد في صور ساذجة في البيئات العربية المختلفة ، وأن القاص قام بتدوينه على تلك الصورة ، وإن كان هذا التدوين لم يصل على حالته إلى الكتاب الذي بين أيدينا الآن ، وإنما تناولته الصناعة الفنية ، والتجويد اللغوي قبل أن يصير جزءاً من الكتاب .

الرأي المعارض :

ولعل أيضاً ما كان يلقاه القصاص من جانب بعض الحكام والعلماء وأصحاب الأدب الراقي من تزمت وعنت ، واعتبار أن هذه النوعية من القصص ملهاة أولى بأولى الرشاد والجد في الحياة أن يبتعدوا عنها ، لعل ذلك هو لعب دوراً مهماً في تكوين هذا الكتاب على النحو المعروف لنا الآن .

وعليه يمكن لنا القول : بأن كتاب الليالي لم يكن بابه مفتوحاً على مصراعيه ـ كما يذهب البعض ـ ليقبل كل قصص شعبي ، وإنما اشترط في هذه القصص أن تخضع لدرجة معينة من التجويد الفني ، وأن لا يصدم الشعور الديني للجماعة ، ولو ظاهراً على الأقل .

وليس معنى خضوع قصص الليالي لنوع من التجويد الفني هو خروجها عن نطاق الأدب الشعبي ، بل إن ذلك يدل على تحقق سمة الجماعية في إنتاج قصص الليالي ، وعدم إسنادها إلى مؤلف بعينه حتى تكتسب الحصانة والقداسة ضد التغيير والتبديل .

عن أصل الكتاب :

لقد اختلف الباحثون اختلافاً كبيراً حول أصل كتاب ألف ليلة وليله ، هل أصله فارسي ؟ ، وأن التسمية منقولة عن عنوان كتاب فارسي شهير هو ( هزار أفسانة ) ، وترجمته بالعربية ( ألف خرافة ) ؟ ، أم أن أصله هندي ؟ ، أم أنه عربي الأصل ؟ .

وأياً ما كان الأمر فالبحث عن حقيقة هذا الكتاب تصادف صعوبة شديدة تكاد تكون في درجة الاستحالة ، ذلك لأن أصل الكتاب مفقود ، ومؤلفه مجهول ، وزمان وضعه مبهم ، ومكان أحداثه مشتبه ، إلى جانب أن التاريخ ـ بأصل وضعه ـ لا يعنى بالأقاصيص ولا يهتم بالخرافات والأساطير .

كما أن لغة الكتاب ، وأبطال قصصه ، لا تعطي لنا حكماً قاطعاً في تحديد زمن وضعه ، ذلك لأن القصاص الذين تناقلوه والنساخ الذين دونوه في البلاد المختلفة ، قد تناولوه ونقلوه على وفق لهجاتهم ، وعبثوا به حسب أهوائهم ، وخضوعاً لأولي السلطان والغلبة عليهم .

وعليه فمن المحال أن نجد نسختين من الليالي تتفقان معاً لا في الترتيب ، ولا في النص ، مهما كتب البعض على غلاف بعض الطبعات أنها طبعة عن النسخة الأصلية ، وذلك بالطبع يخالف الحقيقة والبحث العلمي الجاد .

ومع هذا فقد أرجع بعض البحاثة زمن تأليف الكتاب إلى سنة 590 هـ ، أو سنة 653 هـ ، أو سنة 763 هـ ، ولكني أعتقد أن كل هذا وهم ، وسنده العلمي ضعيف جداً .

وقد جاء في كتاب : ( مروج الذهب ومعادن الجوهر ) للعلامة / أبو الحسن علي المسعودي ، المتوفى سنة 346 هـ = 956 م ، عن كتاب الليالي : إن هذه أخبار موضوعة ، وقصص ابتدعها من تقرب من الملوك بروايتها ، وهي مترجمة عن الفارسية والهندية .

ويقول العلامة / محمد بن اسحق المعروف لنا بـ ( بن النديم ) ،والمتوفى سنة 385 هـ ، في كتابه (الفهرست ) : أن أول من صنف الخرافات ، وجعل لها كتاباً ، وأودعها الخزائن ، هم الفرس الأول ، ثم أغدق في ذلك ملوك الطبقة الثالثة من الفرس ، ونقلته العرب إلى العربية ، وتناوله الفصحاء فهذبوه ، وصنفوا في معناه ما يشبهه ، وأول كتاب هو ( هزار أفسانة ) ، ومعناه في اللغة الفارسية ( ألف خرافة ) .

نعود لنقول : إنه مهما تشعب البحث فإن الكتاب في صورته الراهنة ، يجمع بين قصص أصلها فارسي ، وأخرى أصلها هندي ، وثالثة أصلها رومي ، ورابعة أصلها عربي وجدت منفردة في غير هذا الكتاب ، وجاء ذكرها في أمهات كتب الأدب العربي ... وأن ما كان أصله غير عربي ، فقد خضع للتقاليد العربية ، والنزعة الإسلامية ، بحيث أصبح عربياً في أغلب فكره ، إسلامياً في جميع نزعاته واتجاهاته .

النواة الأولى :

يذهب بعض الباحثين إلى أن كتاب ألف ليلة وليلة ترجم إلى اللغة العربية في أواخر القرن الثالث الهجري ، بعنوان ( ألف ليلة ) ، وكان هو النواة للكتاب ، ثم تجمع حول تلك النواة ـ في الأزمنة الواقعة بين القرن الرابع والقرن العاشر للهجرة ـ عدة طبقات : طبقة بغدادية عراقية ، وطبقة مصرية ، وطبقة أخرى تجمعت من الكتب التي تعنى بالقصص ليصير الكتاب إلى ما وصل إليه الآن .

الطبقة البغدادية :

يقول بعض البحاثة أن كتاب ( ألف ليلة وليلة ) كتاب بغدادي الصياغة والبناء ، رغم توافره على أحداث شامية وبصرية ومصرية ووجود أبطال فيه من دول وشعوب ، لكنه كتب في بغداد دون سواها ، ولا يهم بعد هذا ما أضافه الوراقون الذين خدعوا هواة البحث من مستشرقين وسواهم ، وأضافوا لليالي ليال أخرى ليست منها ولم تروها شهرزاد لمليكها ولم تسمعها دنيا زاد مطلقا .

و يقولون : إذا كانت أبطال الحكاية ( شهريار – شهرزاد – دنيا زاد ) ينتمون تسمية إلى غير بغداد , إلى فارس مرة والى الهند مرة أخرى , فان ذلك لا يضعف آصرة الليالي العربية الألف ببغداد, ذلك أن اختيار هذه الشخصيات وتسمياتها والأخوين الملكين المنكوبين تم بتصميم مسبق من قبل مؤلف الليالي فكيف هو الأمر , والادعاء ببغدادية الليالي يتعارض على نحو واضح بوجود الحكايات الكثيرة التي حدثت بالشام ومصر وسواهما ؟

ويقولون : إن الكثير من هذه الحكايات كان يجري في مسرح مشترك يمتد من بغداد إلى الشام إلى القاهرة مثل حكاية علي الزيبق ودليلة وحكاية قمر الزمان وسواهما كثير .

الطبعات وعراقية الأصل :

استقبل القارئ العربي منذ أكثر من أربعة قرون كتاب الليالي خلال العديد من الروايات, وتعرف القارئ الأوربي على هذا الكتاب ضمن طبعات متعددة.

ويحقق د. محسن مهدي طبعات الكتاب المتعددة ويحدد المهمة منها( في كتابه: كتاب ألف ليلة و ليلة من أصوله العربية ألأولى ، ط ليدن سنة 1984) بالتالي :

طبعة بولاق ، الطبعة الشعبية المغربية ، نسخة الأب أنطوان صالحاني المطبوعة بالمطبعة الكاثوليكية ببيروت ، نسخة رشدي صالح ، مطبعة دار الشعب ، القاهرة ، نسخة برسلاو التي حققها بعد هذا عبد الصاحب العقابي ونشر أجزاء منها في مجلة التراث الشعبي .

هنا قام الباحث د. مهدي بتحقيق الكتاب تحقيقاً علمياً معتمداً في ذلك على النسخة الأقدم خطياً ( وهي نسخة المكتبة الوطنية بباريس) وعلى نسختي المكتبة الرسولية بالفاتيكان ومكتبة جون رايلندرز في مانجستر.

ووضع محسن مهدي مقدمة لمناقشة النقاط التالية :

1- نقد النسخ القديمة للكتاب وهي : أ - طبعة كلكتا الأولى ، ب- طبعة برسلاو ، ج- طبعة بولاق الأولى ، د- طبعة كلكتا الثانية



2- تحقيق الكتاب

3- نسخ الكتاب الخطية وشجرتها وهي : أ- الأمهات القديمة والأم والدستور ، ب-الفرع الشامي ، ج- الفرع المصري ، ونجد هنا يشير إلى الأصول العراقية للكتاب على نحو موجز ويربطها بالنتائج التي توصل إليها في تسلسل الفرع الشامي

4- لغة الكتاب : خصائصها العامة والإملاء والترقيم.

ويضع الباحث جدولا برموز الطبعات التي استعان بها في تحقيقه العلمي لنصوص الليالي حيث أخرجها بثلاثة أجزاء طبعت في لندن سنة 1984 .

والدكتور مهدي في مقدمته الثمينة للتحقيق يقول أن الناس يقرؤون الليالي بنسخ مشوهة لا ينتمي الكثير منها إلى أصل الكتاب ويقول محللاً : بعد أن انتقلت نسخ الكتاب الخطية بين الشام ومصر مدة تزيد على أربعة قرون من الزمن وترجمت من نسخ خطية إلى اللغة التركية والفرنسية والانكليزية وظهرت مقتطفات مطبوعة في انكلترا في نهاية القرن الثامن عشر طبع هذا الكتاب لأول مرة في كلكتا بالهند في جزأين في المطبعة الهندو ستا نية وبرعاية كلية فورد وليم, الجزء الأول طبع سنة 1814 بعنوان ( حكاية مائة ليلة من ألف ليلة) ، والثاني طبع سنة 1886تحت عنوان( المجلد الثاني من كتاب ألف ليلة وليلة) ونشرهما الشيخ / أحمد بن محمد شيرواني عضو هيئة التدريس في الكلية, وقد اهتدى محسن مهدي إلى أن شيرواني أعتمد نسخة خطية وجدت في مكتبة المكتب الهندي في لندن ، وهي منقولة عن نسخة مكتبة مانجستر دون تاريخ , لكن مهدي يضعها بين سنتي1750-1771 وقد نقلت من حلب بمعرفة الطبيب الانكليزي باتريك رسل ، وهي واحدة من أصول الروايات الشامية لليالي ومهدي يعتبر نص شيرواني نصاً ، ملفقاً وقد أضيف إليه الكثير.

هنا يقول الدكتور محسن جاسم الموسوي( في كتابه : الوقوع في دائرة السحر – ط بيروت 1986 ): وبالرغم من أن تاريخ أول ترجمة انكليزية عرفت باسم : شارع كرب لمجهولية اسم مترجمها فإن الدليل المتوفر يشير إلى أنها كانت متداولة عام1706 ، وهذه قناعة المستشرق دنكان بلاك ماكونالند ، و في عام 1713 كانت النسخة قد مرت بأربع طبعات ، وهنا يتعرض د. الموسوي إلى صور الانتحال والإضافات والتزييف في الطبعات الانكليزية ، ويجد المحقق د. مهدي أن طبعة برسلاو العربية التي تمت على يد هابخت ( واعتمدها العقابي في تحقيقه) هي نسخة مزيفة وكثيرة الإضافات المخلة, رغم أن طبعة بولاق قد اعتمدت عليها ، وكذلك تحقيقات المستشرقين دي ساسي وفلايشر ، وهنا يتعرض المحقق إلى زعم هابخت أنه حصل على النسخة الخطية من عالم تونسي يدعى م . النجار

ويقول الباحث : ( ص480) إلى أن ما هو معروف أن الأمهات القديمة للكتاب قد الفت في العراق في أوائل العهد العباسي ثم انتقل الكتاب إلى بلاد الشام ثم مصر مشيرا إلى حفظ لغة الكلام العراقية فيه دون أن يتسع في الشرح ودون ذكر لاسم المؤلف على وجه الصراحة , لكنه عند تحقيقه الهام لحقيقة الليالي التي دونها المؤلف الحقيقي يجدها 282 حكاية فقط .

ولابد لنا من الإشارة هنا إلى العدد الخاص الذي أصدرته مجلة التراث الشعبي العراقية في شتاء عام 1989، الخاص بألف ليلة وليلة وشارك فيه دارسون مرموقون تحدثوا عن الليالي الألف من مختلف الجوانب مشيرين إلى الطبعات الأوربية المتعددة لليالي.

المهم هنا ونحن نتحدث عن مصدر تأليف الكتاب ومؤلفه أن نعرض ما توصل إليه المستشرق ليتمان في كتابه ( ألف ليلة وليلة) الذي ترجمه : إبراهيم خورشيد وعبد الحميد يونس وحسن عثمان عن دائرة المعارف الإسلامية ، وطبع في القاهرة و بيروت سنة 1982 ونوجز أفكاره بالنقاط التالية:

أول باحث في الكتاب هو دي ساسي الذي أنكر وجود مؤلف واحد للكتاب ولكنه رفض وجود عناصر فارسية وهندية في الكتاب رفضا قاطعا وقال بنحلة الرأي المنسوب للمسعودي حول ذلك أشار دي ساسي إلى رأي وليم لين بوجود مؤلف واحد للكتاب ولكنه خالفه باعتبار وجود أسماء أبطال فرس وهنود وسواهم

استعرض ليتمان الطبعات الانكليزية والفرنسية المعروفة واثبت وجود إضافات كثيرة للوراقين ووجود نسخ منحولة عن الكتاب وهو نفس رأي الأستاذين / محسن مهدي ومحسن جاسم الموسوي ، واثبت ليتمان أن ناشري بعض طبعات ألف ليلة بالفرنسية وبالانكليزية( ص36 ) قد استخدموا نسخا مصحفة مثل جالاند الذي اعتمد نصوصاً مدونة ونصوصاً رواها له آخرون شار ليتمان إلى إضافات : ادوار كوتييه ، وفون هامر ، وكوسان .. وسواهم ، رفض ليتمان ما قاله فون شليكل بوجود أصل سنسكريتي لألف ليلة, وقال بوجود حكايات هندية متفرقة أضيفت إلى طبعات الكتاب دون أن يفصح عنها.

أشار ليتمان بشكل واضح إلى زيف طبعة النص العربي على يد هابخت الذي أصدر في برسلاو ثمانية أجزاء بين 1825-1838 ثم اصدر فلشر المجلدات الأربعة الباقية بين سنتي 1842-1843 , ويشير ليتمان (ص48 -49) على نحو قاطع بز يف الطبعات وإضافات كثيرة إلى الأصل , ثم يستنكر زيف ادعاءات فليشر بأنه نقل الأصل من مخطوط تونسي ويقول (أن هابخت وقف على كثير من القصص العربي جاءه من مصادر مختلفة فنسج منه متناً جديداً لكتاب ألف ليلة ناهجاً في الكثير الطريق نفسه الذي نهجه في الترجمة … فجاء كتابه غثاً).

يشير ليتمان إلى الطبعات المتعددة بالغات الأوربية للكتاب مما لا نجد الإشارة له ضرورياً في بحثنا هذا مشيرين إلى القائمة الموسعة للترجمات للغات الأخرى التي نشر فيها الكتاب وهو يصف هذه النشرات (ص49) أنها تشتمل على حكايات ومخطوطات مستقلة أضيفت إلى الكتاب, وهو يجد أن النص المصري فيه الكثير من زيادات الوراقين , لكنه يؤكد عروبة حكايات الليالي (ص63).

يشير ليتمان إلى أن الكثير من الحكايات المضافة أتت من كتب أخرى أو من مناخات شرقية أخرى لا صلة لها بالكتاب مثل حكاية التاجر مع الجني التي يرويها المفضل بن سلمة في كتابه المسمى ب(الفاخر) وأن هناك حكايات عن القاهرة والعصر الفاطمي مثل حكاية علاء الدين وسواها كثير.

ولابد من الإشارة هنا أن كتاب الباحث د. أحمد محمد الشحاذ (بغداد في ألف ليلة وليلة – ط الشؤون الثقافية – بغداد-1992)لا يشير إلى مؤلف واحد للكتاب بل إلى مجموعة ويشير أيضاً إلى إضافات الوراقين على الكتاب , وإضافات الدارسين الأوربيين على الأصول العربية وإصدارهم الكثير من الحكايات المشابهة سعياً وراء الربح والشهرة في رأينا , وهو يقول : أن المستشرق البريطاني أدوار لين أول المبهورين بالليالي فسافر إلى الشرق وأقام في مصر والعراق فترة طويلة ترجم خلالها الليالي وأضاف إليها الكثير من التعليقات والهوامش (ص9).

ويقول الشحاذ – ما هو مكرر عند الموسوي ومهدي والدارسين الأوربيين – أن أنطوان جالان الذي ترجم الكتاب للفرنسية بين1646-1715 فتح الباب عريضاً للتقليد حيث نشر جازون ما اسماه (تكملة لألف ليلة وليلة ) ونشر برتن – مترجم الليالي- سبعة أجزاء سماها ب( ليالي ملحقة ) , واستقى منها هانز اندرسن موضوعات قصصه عن المصباح السحري و السندباد وهناك الآلاف من النصوص الأوربية والشرقية التي استلهمت الليالي .

المؤلفون :

1- الجهشياري : لما كانت بغداد دون سواها مركز صناعة هذا الكتاب وذلك لأن الحكايات الأساسية انطلقت من عاصمة الخلافة الإسلامية يومذاك فإن العديد من المصادر تؤكد على بغداديته مكاناً وتأليفاً, ويقول كتاب ليتمان(ص142) بعراقية وبغدادية الكثير من الحكايات مثل : بلوقيا والسندباد وورد خان والجارية تودد, لكنه يضع الكثير من الحكايات في خانة القاهرة والشام, بل والهند أيضاً .

إن د. عبد الملك مرتاض في كتابه( ألف ليلة وليلة – دراسة سيمائية تفكيكية لحكاية حمال بغداد-ط الشؤون الثقافية ببغداد سنة1989) يشير صراحة(ص7 وما بعدها ) إلى أن اصطناع بعض الشخصيات في الليالي لا يعني أن هذا الأثر فارسي أو هندي أو إغريقي ٌثم عربي ، ثم يقول : أقدم أشارة يفترض أنها قيلت عن ألف ليلة وليلة والتي أوردها أبن النديم في الفهرست تذهب إلى أن أبن عبدوس الجهشياري أفاد من أسفار ألأولين فأختار منها طرفاً صالحاً, واستظهر بعد ذلك بقصاص عصره وظرفاء عهده في تدبيج الأربعمائة والثمانين ليلة التي نفترض أنها ألف ليلة وليلة التي بين أيدينا الآن , مع إقحام عدد آخر من الليالي من أجل البلوغ بها إلى عدد ألف ليلة وليلة) ويضيف أن إضافة حكايات جزئية للوراقين وسواهم لا يعني إن الشعوب الأخرى أسهمت إسهاماً فعلياً في انجاز الليالي.

في الفصل السابع من كتاب مرتاض وعنوانه( المعجم الفني للغة السرد في حكاية حمال بغداد)يناقش الباحث ما جاءت به د. سهير القلماوي والموسوي وجمال بن الشيخ من عرض لآراء المستشرقين في أصول الليالي ، ويقول في (ص273 وما بعدها ) أنه لاحظ المعجم اللغوي الفني العام للحكايات ليطرح التالي: لاحظنا تواتر عبارات بعينها ومواقف وشخصيات بعينها مما يثير أمام الدارس القلق سؤالاً مذهلاً قد لا يزيد القضية إلا تعقيداً وأشكالاً وهو: هل ليس هناك حقاً مؤلف واحد لألف ليلة وليلة ؟ أننا أذا قلنا بتعددية المؤلفين قامت لدينا عقبة كأداء إذ كيف يتعدد المؤلفون وتتوحد اللغة الفنية للسرد؟ وتتوحد الرؤية الفنية والمواقف والشخصيات) ثم يطرح أسئلة أخرى عن إمكانية تعدد المؤلفين وانسجام الرؤى والأساليب ووجود الوحدة الفنية للسرد.

بعد دراسة الوقائع الفنية والتاريخية يقول مرتاض بوجوب كون الجهشياري أبن عبدوس , كاتب الخليفة المقتدر هو مدون بل مؤلف الليالي الأربعمائة والثمانين ليلة ثم عاجلته المنية دون استكمال مشروعه(ص276) وأنه كان طامحاً للوزارة ومات وهو حاجب للوزير حامد بن عباس ,وقد أكد المسعودي وأبن النديم على عمل الرجل وحرصه عليه ، يخترق هذا الرأي رأي الباحث سامي مهدي في كتابه: ( ألف ليلة وليلة كتاب عراقي أصيل ) ط2014 حيث يجد أن الجهشياري قد ألف كتاباً آخر غير ألف ليلة , لكنه يؤكد عراقية الكتاب ووحدته الموضوعية وهو غير هزار أفسانة وسواه ولكنه لا يقطع برأي في تسمية المؤلف.

2- التوحيدي : يميل الباحث حمزة حسان الأعرجي في كتابه ( تاريخ ألف ليلة وليلة ) ط مكتب الضياء – الموصل -1999 إلى اعتبار أبي حيان التوحيدي هو المؤلف الحقيقي لألف ليلة وليلة ( من ص56 إلى ص64 من فصل : من هو كاتب الليالي؟) ويقول عنه ما هو متداول من أنه ألف أكثر من خمسين كتابا أشهرها المقابسات والإمتاع والمؤانسة ومثالب الوزيرين وعجائب الغرائب وترويح الأرواح وسواها كثير .

و يقول الأعرجي : مؤكداً رأيه عن هذه الكتب : أنك ( تحس من خلال أسلوب كاتبها الذي يكاد يتطابق تماماً مع أسلوب كاتب ( ألف ليلة وليلة) وإذا قرأنا مدخل هذه الحكايات التي يفتتحها القاص بهذه العبارات( حكي والله أعلم انه فيما مضى من قديم الزمان وسالف العصر والأوان ملك من ملوك ساسان بجزائر الهند والصين صاحب جند وأعوان) وهذا يكاد أن يتطابق ( مع ) ما جاء في كتاب المقابسات (حيث ) يقول فيه أبو حيان( وليكن ذلك المثال ملكا في زمانك وبلادك واسع الملك عظيم الشأن , بعيد الصيت ,شائع الهيبة, معروفا بالحكمة( المقابسة الثانية )

ويضيف الأعرجي (ص60) ما نصه :(أما بقية هذه المقابسة فتكاد تكون أساساً لما جاء في حكاية الملك النعمان في امتحان الجارية نزهة الزمان التي اقتبسها ابن حمدون في كتابه التذكرة) ويشير الأعرجي أن التوحيدي يتعرض في المقابسات إلى هزار افسان وكتب الأسمار الأخرى دون أن يتعرض بالحديث عن كتاب ألف ليلة , وهو نفس الإجراء الذي اتبعه المؤلف المرشح الأول – الجهشياري- في عدم تعرضه بالحديث عن القماطير المدونة التي خلفها ورائه .

الأعرجي هنا يقيم الدلائل الأسلوبية على التشابه في كتاب الليالي بكتب المسامرات التوحيدية , وهو يعلل عدم ذكر التوحيدي لأسمه على الكتاب بقوله ص62 (ويبدو أن كاتب الليالي اغفل تدوين اسمه على كتابه هذا لئلا يحط هؤلاء- يقصد الكتاب الآخرين – من قدره ككاتب كبير ومفكراً له مكانته في تاريخ الأدب) والراجح عندي أن أبا حيان والجهشياري وهما يؤلفان لياليهما لم يستكملاها وأدركتهما الوفاة قبل إتمامهما مشروعيهما وقد استكمل الآخرون الليالي من وراقين ومدعين بطرق وأساليب متعددة حاولت بناء نسق تأليفي واحد.

3- محمد بن سكرة الهاشمي البغدادي : هو الشاعر محمد بن عبد الله بن محمد الشهير بابن سكرة البغدادي , وهو شاعر ماجن من أولاد الخلفاء ومن أحفاد علي بن المهدي بن المنصور العباسي وتوفى ببغداد سنة385 هـ .

تبنى الروائي / محمود سعيد في مقالة له نشرت في جريدة الزمان في عدد 15 تموز 2014 بعنوان ( ألف ليلة تعود إلى مبدعها ) وجهة نظر العلامة الدكتور / هادي حسن حمودي التي نشرها على حلقات في جريدة الحياة اللندنية تحت عنوان ( الف ليلة تسترد مؤلفها ) خلال شهر كانون الثاني 1998 , بدأها بالعدد الصادر يوم 27 من ذلك الشهر .

ووجهة نظر د.حمودي تؤكد بالبحث أن الشاعر أبن سكرة هو مؤلف الليالي وفي بغداد وانه وزعها على احدي عشرة نسخة توزعت في الأمصار ، وحمودي يدرس ويحصي تسميات المدن والأزقة والعواصم في الليالي فيجد أن اسم بغداد ذكر478 مرة وكان ذكر الشام 66 مرة وذكر مصر والقاهرة22 مرة وذكر الصرة18 مرة وهكذا بالنسبة للحارات في الكرخ مثل درب الزعفران وسواه ، حمودي ببحثه الميداني الجرئ في تفاصيل الليالي يجعلك تقف مقارناً بحثه بما توصل إليه الآخرون في نسبة الليالي إلى التوحيدي أو الجهشياري .

لابد من القول هنا – وهذا لا يعد دليلاً بحال – أن الجهشياري عاش عصر ابن سكرة وتوفى قبله بأربع سنوات وفي بغداد , وأن التوحيدي ولد عام 310 هـ ,وهو عند وفاة الجهشياري وابن سكرة كان صبياً عاش بعدهما زمناً طويلاً حتى توفى عام 414هـ ، ويقيناً أن التوحيدي الوراق كان يعرف ما ترك ابن سكرة والجهشياري ,أو هكذا نرجح,ويقيناً أيضاً أن لكل واحد من الرجال أسلوبه في السرد والرواية , وأن الليالي الألف وواحد تمتاز عن سواها بأسلوبها الخاص وبنيتها الدرامية الخاصة , وهي بنية الطبقات الحكائية الغرائبية التي أشبعت بحثاً في ألاف الكتب والدراسات.

من هو المؤلف ؟

مادمنا على قناعة بأن( ألف ليلة وليلة ) كتاب بغدادي ندعو أن يقام متحف خاص به ببغداد المحروسة ,و ليس مهماً أن يكون مؤلفه التوحيدي أو الجهشياري أو أبن سكرة, والراجح أن الجميع عاشوا عصر الليالي المجيدة ونعموا بها ونحن ندعو من هذا المنبر إلى تأكيد انفراد مؤلف بعينه بواسطة بحوث جديدة تنير الطريق للأجيال القادمة من أهل بغداد , أهل ألف ليلة وليلة ، وختامًا لهذه الجزئية أحب أن أشير إلى الدراسة القيمة التي كتبها الباحث العراقي / باسم عبد الحميد حمودي بعنوان : بغدادية الكتاب والمؤلف ، حيث أكد فيها بالأدلة والأسانيد أصالة كتاب ألف ليلة وليلة .

نعود لنقول : أنه بالنسبة للطبقة البغدادية العراقية فهي تتألف من أقاصيص وحكايات غرامية صغيرة ، أخذت من حياة العرب ، واتسمت بالنزعة الإسلامية ، وفاضت بنعيم الحب والترف ،ومثلت حياة الطبقة البرجوازية ( الوسطى ) ، بإسلوب صحيح ، كما أنها صورت حضارة بغداد العباسية على أيام الخليفة العباسي / هارون الرشيد ، بخيال خصب رائع ، وقد تجمعت هذه الطبقة خلال القرنين الرابع والخامس للهجرة .

ومن أشهر حكايات الطبقة البغدادية : حكاية ( على بن بكار ) ، وحكاية ( البنات الثلاث مع الحمال ) ، وحكاية ( الصعاليك الثلاثة ) ، وحكاية ( السندباد البحري ) ، والقصة الأخيرة وصف جذاب لسبع سفرات اتسمت بالخطورة الشديدة في مياه الهند والصين ، قام بها السندباد البحار على عهد حضارة بغداد والبصرة في العراق .

سفرات السندباد البحري :

وهنا نحاول أن نجيب عن سؤال هو : هل سفرات البحار السندباد ، كانت سفرات حقيقية ؟ ، وللإجابة عن هذا السؤال نقول : إن بعض الباحثين ( ونحن منهم ) يذهبون إلى أن السفرات البحرية التي قام بها السندباد البحري كانت سفرات حقيقية ، أي أنه من الممكن أن يكون السندباد البحري شخصية حقيقية ، ولكن الناس بالغوا في مغامراتها ، وبالتالي شوهوها ، وبالطبع الذي يتحمل مسئولية ذلك هم الرواة ، حيث قاموا بالمبالغة الشديدة والتزييف ، فجعلوا من السندباد رجلاً خارقاً ( سوبر مان ) ، فوق العادة .

ورغم ذلك لم يدخل هذا التزييف أو تلك المبالغة في تصوير نفسية هذا الرحالة الذي ملئ قلبه بحب الأسفار وعشقها ، ومقابلة الأخطار وجهاً لوجه .

فالسندباد البحري في كل مرة يخوض غمرات الأهوال والمهالك والمخاطر ، ويعاهد نفسه ألا يقوم مرة أخرى برحلة مماثلة ، وأنه سوف يعتزل هذه المغامرات ، ويجلس بين أهله وناسه آمناً مطمئناً ، ولكنه بعد النجاة ، والعودة إلى الديار والتنعم بالرخاء والأمان بين الأهل والخلان ، يعاوده الحنين إلى البحر والمغامرة ، ويستأجر سفينة ثم يقلع بها من البصرة العراقية مسافراً إلى حيث يريد معلناً عن بداية مغامرة جديدة من مغامرات السندباد البحري .

وغني عن البيان أن سفرات السندباد ومغامراته كانت نبعاً فياضاً نهل منه أهل الفن والأدب في شتى المجالات ، فقد حولها الغرب إلى العديد من الأفلام السينمائية ، والمسلسلات التلفازية ، كما تأثر بها العديد من الكتاب والأدباء والفنانين في الشرق والغرب .

الجانب الإنساني :

ونحب أن نشير هنا أنه بالإضافة إلى نفسية السندباد البحري المليئة بحب الأسفار ، وخوض المغامرات في شجاعة متفردة ، وذكاء فطري متميز ، نحب أن نشير إلى الجانب الإنساني في شخصية السندباد ، فهو محب للناس ، عطوف على الفقراء والمساكين ، يسعى إلى مساعدة المحتاجين ، ويمد يد العون إلى الضعفاء ، ويسارع بإغاثة الملهوف ، أو كل من يتعرض لمشكلة معينة ويطلب العون أو المساعدة مهما كلفه ذلك من أخطار ومتاعب ومشاق ، نضيف إلى ذلك كرمه الواضح ، ودون أن نبالغ فإن كل هذه الصفات عربية أصيلة ، أخذها السندباد البحري من بيئته التي ولد وترعرع وعاش فيها .. فهل توافقني أيها القارئ المفضال على أن السندباد البحري شخصية عربية الدم واللحم والمنشأ .. ؟

الطبقة المصرية :

أما الطبقة المصرية من الليالي ، فتعتبر أوسع الطبقات ، وفي نفس الوقت أصلحها للبحث والدراسة والتحليل ، وأصدقها في اللهجة ، وأقلها في البلاغة .

وهذه الطبقة من الحكايات تكونت أو تألفت على مدى قرون خمسة ، من القرن الخامس إلى القرن العاشر الهجري ، تكونت من القصص العربية ، ومن التقاليد الإسلامية ، ومن السير اليهودية ، ومن الأساطير الفرعونية ... ولعل هذا يتضح بجلاء لمن يقرأ هذه الحكايات .

وهذه الطبقة المصرية تنقسم إلى طبقتين أساسيتين :

أولاً : الطبقة الأولى :

وهذه الطبقة طبقة قديمة ، تنتهي بالقرن الثامن الهجري ، أي من القرن الخامس إلى القرن الثامن الهجري ، وهي على وجه الإجمال : حسنة الأسلوب ، شريفة القصد والغرض ، تدور حول المغامرة والحرب ، وتعتمد على الطلاسم والأرصاد والجن والسحر والأقدار ، وتعارض وتنافر الأخلاق ، وتضارب المشاعر والعواطف .

ومن أمثلة ذلك : حكاية (جودر التاجر وأخوته ) ، وحكاية (الوزير نور الدين وشمس الدين ) ، وحكاية (مسرور وزين المواصف ) ، وحكاية (قمر الزمان الثانية ) ، وحكاية (الخياط الأحدب ) ، وحكاية (مزين بغداد ) ، وحكاية (على بشار وزمردة ) .

ونحب أن نعلق هنا فنقول : إن حكاية (مزين بغداد ) مأخوذة دون شك عن الطبقة البغدادية ، وهي تعد من القصص الفنية القوية الرائعة ، كما يذهب الكثير من النقاد إلى ذلك .

وأطالب أهل البحث المقارني في الأدب أن يعقدوا مقارنة أدبية بين حكاية (الخياط الأحدب ) ، ورواية ( أحدب نوتردام ) المشهورة ، ليتضح لهم مدى تأثير الليالي على الأدب الأوربي قديمه وحديثه .

ثانياً : الطبقة الحديثة :

وتنتهي الطبقة المصرية الحديثة من الليالي بالقرن العاشر الهجري ، ونلاحظ عليها عامية اللغة ، وركاكة الأسلوب ، وجرأة العبارة التي لم نعهدها في الطبقة الأولى .

وهي تدور حول حيل المحتالين ، ومخاطر اللصوص وقطاع الطرق ، وتصور كثيراً من أخلاق الناس ، وهي تلجأ في أحايين كثيرة إلى تذكير النفوس بالعبر بغية إيقاظها من غفلتها وضلالها ، وفي هذه الطبقة نجد المحتال الداعر إلى جانب المتصوف الزاهد .

وفي رأينا أن هذا أمراً طبيعياً منطقياً لا غبار عليه ، فقد كانت هذه هي طبيعة المجتمع المصري في تلك الفترة ، فقد كان من الناس من يلجأ إلى طريق الله سبحانه وتعالى ، طريق التقوى والصلاح والورع ، والبعض الأخر ينصرف إلى طريق الشيطان ، طريق الفساد والغواية والضلال .. ولعل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية كان لها أكبر الأثر .

وقد كان من الممكن أن نجد هذه الظواهر الاجتماعية أو الأخلاقية في حكايات الطبقة البغدادية ، فظروف الحياة في مصر تتشابه وتتقارب مع الحياة في العراق بطريقة أو أخرى ، وذلك خلال تلك الفترة من التاريخ ، لولا أن مغامرات الحب واللهو والغرام كانت طاغية فيها أو عليها لدرجة أنها ألهت الرواة والقصاص عن كل شئ في الواقع المعاش سواها ، وإلا فشخصية ( العقاب ) ومكائده وحيله الكثيرة المتقنة ، وتغلبه على المحتالة الشريرة ، والتي ذكرها المسعودي لنا في كتابه ( مروج الذهب ) ، كانت كفيلة جداً بأن تأخذ قدراً كبيراً من هذه الطبقة ، ولكن ذلك لم يحدث .

ومن أشهر حكايات الطبقة المصرية الأخيرة : حكاية ( علاء الدين العجيب ) ، وحكاية ( علي بابا واللصوص الأربعون ) ، وحكاية ( معروف الإسكافي ) ، وحكاية ( أحمد الدنف ) ، وحكاية ( على الزئبق ) ، وحكاية ( دليلة أو ليلة المحتالة ) .

قصص جديد :

وفوق هذه الطبقات التي تكلمنا عنها تجمعت في العصور الحديثة جملة من القصص الكبيرة ، والأقاصيص الصغيرة ليصل الكتاب إلى الغاية التي حددها اسمه ( ألف ليلة وليلة ) ، ونحب أن نشير إلى أن بعض حكايات الليالي منقولة أو متشابهة إلى حد كبير مع حكايات وردت في بعض كتب الأدب العربي ، مثل كتاب ( العقد الفريد ) لأحمد بن عبد ربه ، المتوفى سنة 327 هـ ، وكتاب ( المستطرف في كل فن مستظرف ) للإبشيهي ، وكتاب ( مجالس العرائس أو قصص الأنبياء ) للثعالبي ، والكتب التي تحدثت عن الأنبياء ( عليهم السلام ) ، وعن الصالحين والأتقياء والزهاد ، وكلها لم يقصد بها إلا توسيع الكتاب .

الليالي في مرآة النقد :

رغم أننا قد أشرنا فيما سبق إلى أن الدراسات العربية التي تناولت الليالي مازالت قليلة ومحدودة جداً ، إلا أننا نحب أن نذكر هنا كتاب الأستاذة الدكتورة / سهير القلماوي ( رحمها الله ) والمعنون بـ ( ألف ليلة وليلة ) والذي طبع لأول مرة سنة 1943 عن دار المعارف القاهرية ، ثم طبع طبعة ثانية سنة 1959 بلا تغيير ، في 321 صفحة ، وبعد ذلك طبع أكثر من مرة ، كان آخرها عن مشروع مكتبة الأسرة المصري ( القراءة للجمع ) .

والكتاب دراسة نقدية تاريخية لمجموعة القصص الشعبية المعروفة ، حاولت فيها أن تبين نسخ هذه القصة الأصلية ، ومجهودات أهل الاستشراق والشرقيين في ترجمتها وطبعها والكتابة عنها .

وقد نبهت على أن ما لفت أوربا إلى تلك القصص الشعبية هو الترجمة التي قام بها ( أنطوان جالان ) الأستاذ الفرنسي ، وطبعها مرات عديدة ، متصرفاً فيها ، ما شاء له ذوقه وهواه .

وفي الوقت نفسه نبهت على أن المستشرق / ليتمان كان من أكبر الباحثين إخلاصاً وصواباً حين قرر أن صورة من الليالي عرفت في مصر حوالي منتصف القرن الثاني عشر الميلادي .

وفي البحث عن أصل الليالي ترى أستاذتنا الدكتورة / سهير أنه سقت إلى الناحية الفولكلورية ، وكل المجهودات التي تبذل في هذا الجانب تؤدي إلى سلسلة من الفروض التي تؤدي بدورها إلى الغموض ، ولعلنا قد أوضحنا ذلك فيما سبق .

والكتاب مقسم إلى أقسام ثلاثة ، الأول والثاني يتحدثان عن الليالي ، والجهد الذي بذل فيها ، والبحث عن أصلها ، أما القسم الثالث فتعرض فيه المؤلفة شتى موضوعات الليالي عرضاً نقدياً ، فثمة موضوع الخوارق ، وثمة الموضوعات الدينية والتاريخية والتعليمية ، وثمة موضوع عن الحيوان ، وموضوع عن المرأة.

وعن طريق هذه الدراسة قدمت المؤلفة دراسة لبعض نواحي الليالي مستهدفة كشف تلك الآفاق الواسعة التي تفتحها تلك القصص للدرس والمناقشة وإمكان الاستدلال من الداخل ، وعن طريق دراسة فنية تناولت القصص الواردة في الليالي ، ودلالتها على بيئات وأذواق مختلفة .

ويمكن لنا القول بأن الكتاب بهذا كله نظرة علمية إلى جانب من أساطيرنا وحكاياتنا الشعبية ، ويمكن لدارس أدبنا الشعبي في الشرق أن يجد فيه خطة يسير عليها إذا ما أراد التعرض لما يمكن أن نسميه بـ ( الفولكلوريات ) الإسلامية ( إن جاز التعبير ) ، وهو مهم من ناحية أنه يضع علامات على الطريق عندما نريد أن نفهم نفسية شعبنا الذي كتب الليالي وأضاف إليها ، ثم استمع إليها ، وتأثر بها .

وأخيراً نقول : إن أثر الليالي ظهر جلياً عند كتاب الغرب فيما أبدعوه من قصص وأقاصيص ومسرحيات تراجيدية وكوميدية وغنائية ، وشعر غنائي .. واستمر هذا الأثر الكبير في الحياة الأوربية الأدبية والفنية إلى يومنا هذا .

وغني عن البيان أن القصص والمسرحيات العربية في العصر الحديث تأثرت تأثراً بالغاً بألف ليلة وليلة ، كما نجد في مسرح الأستاذ / توفيق الحكيم مثل مسرحيته (شهرزاد) ، ومسرحيته (شمس النهار) ، وفي قصة الدكتور / طه حسين (أحلام شهرزاد ) ... إلى آخره .


الأسانيد والمراجع

ملحوظة : خلال البحث أشرنا إلى العديد من المراجع ووجدنا أنه من المفيد ذكر بقية المراجع التي عدنا إليها :

(1)رجب النجار، حكايات الشطار والعياريين ، سلسلةعالم المعرفة ، الكويت ، سبتمبر ، 1981 .

(2) رشدي صالح ، ألف ليلة وليلة ، كتاب الشعب ، القاهرة ، 1968.

(3) عبد الحميد يونس ، الحكاية الشعبية ، المكتبة الثقافية ، هيئة الكتاب ، القاهرة ، 1986.

(4) عبد الحميد يونس ، التراث الشعبي ، سلسلة كتابك ، دار المعارف ، القاهرة .

(5) عبد الحميد يونس ، دفاع عن الفولكلور، هيئة الكتاب ، القاهرة ، 1973 .

(6) عبد المنعم شميس ، الجن والعفاريت في الأدب الشعبي ، المكتبة الثقافية ، هيئة الكتاب ، القاهرة ، 1976.

(7) محمد غنيمي هلال ، الأدب المقارن ، دار نهضة مصر ، القاهرة ، بدون تاريخ .

(8) سهير القلماوي ، ألف ليلة وليلة ، دار المعارف ، القاهرة ، 1959.

(9) أحمد حسن الزيات،مجموعة محاضرات عن ألف ليلة وليلة ، القاهرة ، بدون تاريخ .

(10) أندريه مايكيل ، سبع حكايات من ألف ليلة وليلة ، ترجمة : هيام أبو الحسن بالاشتراك مع سامية أسعد ، دار الفكر المعاصر ، القاهرة ، 1986


د. يسري عبد الغني عبد الله


* bahrainanthropologyblogspotcom
 
التعديل الأخير:
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...