مقدمة
من بين عدة قضايا تتطلب بحث واهتمام البشرية المعاصرة، تعد مسألة العلاقات الجنسية واحدة من أكثرهم أهمية. فلا يوجد مجتمع أو أمة بمنأى عن الإنكار الأسطوري الذي يدّعي أنها ليست قضية آنية ولا ملحة.
تحيا البشرية اليوم أزمة جنسية حادة أعمق كثيرًا من مجرد أن تكون غير صحية أو ضارة وذلك كونها قديمة جدًا وعالقة. وعبر رحلة التاريخ البشري الطويلة لن تجد،على الأرجح، وقتًا أصبحت فيه مشكلة الجنس مشكلة محورية في حياة المجتمعات؛ حيث أصبحت قضية العلاقات بين الجنسين بمثابة الساحر الذي يجذب انتباه الملايين المهتمين، وحيث سيقت الحالة الجنسية على أنها معين لا ينضب لإلهام أنواع شتى من الفنون.
ومع استمرارالأزمة وتنامي خطورتها، يزداد وضع الناس كارثية وتأزمًا، ويبذلون محاولات مضنية ويائسة لتسوية “مشكلة غير قابلة للحل”. ومع كل محاولة جديدة، تزداد عقدة العلاقات الشخصية تشابكًا. ويبدو الأمر وكأننا لم نتمكن بعد من التعرف على طرف الخيط الوحيد الذي سيمكننا في النهاية من النجاح في فك تشابك العقدة المستعصية. فالمشكلة الجنسية مثل الحلقة المفرغة، كلما ازاداد تهيب وخوف الناس منها، كلما ازدادوا تخبطًا وتشتتًا وعجزوا عن الفكاك من الدوران اللانهائي في الفراغ.
الكتلة المحافظة من البشرية ترى أننا يجدر بنا العودة إلى زمن الماضي السعيد، وأن علينا إعادة إرساء الأسس القديمة للأسرة وتعزيز المعايير الحسنة للأخلاق الجنسية. أما أنصار البرجوازية الفردية فيرون أن علينا تدمير والتخلص من كل الضوابط المنافقة البالية التي تقيد وتحد السلوك الجنسي، هذه “الخرق البالية” القمعية التي لا لزوم، لابد أن تُدفن للأبد، فقط الضمير الفردي، والإرادة الفردية لكل شخص هي التي تفصل في هذه المسائل الحميمة.
على الجانب الآخر، يؤكد الاشتراكيون أن تسوية المشاكل الجنسية ومعالجتها لن يكون إلا بإعادة تنظيم الأساس الاجتماعي والاقتصادي لهيكل المجتمع. لكن، أليس “تأجيل المشكلة إلى الغد” هذا دليل على أننا لم نجد “طرف الخيط السحري” الوحيد بعد؟ ألا يجدر بنا أن نجده أو على الأقل أن نحدده لأنه أملنا في حل التشابك؟ وألا ينبغي علينا أن نعثر عليه الآن، خاصة في هذه اللحظة تحديدًا؟
* عن مجلة تحرريات