علي خليل حمد - حديث الطّير والحيوان في كتاب "ألف ليلة وليلة"

"ألف ليلة وليلة" حكاية إطارية طويلة، تبدأ باكتشاف ملكٍ يدعى شهريار خيانة زوجته له مع أحد العبيد فقتلها وقتله؛ ولكنه لم يتوقف عند ذلك، بل قررّ الانتقام من غيرها من النّساء، وذلك بأن يتزوج امرأة كل ليلة ليقتلها في اليوم التالي؛ وقد استمر شهريا على هذا الحال زمناً طويلاً إلى أن تزوج ابنة وزيره الذكية المثقفة، المسمّاة شهرزاد، والتي قصّت على زوجها الملك حكاية في ليلة زواجها ولم تكمل الحكاية مما جعله يؤجل عملية القتل يوما آخر لتتم فيه شهرزاد رواية الحكاية ولكن شهرزاد الذكية تواصل رواية الحكاية/ الحكايات دون أن تتمها في ليلتها ليؤجل شهريار عملية القتل يوماً بعد يوم، حتى إذا مضى على زواجه من شهرزاد ألف يوم ويوم، عدل أخيراً عن قراره المشؤوم، واحتفظ بشهرزاد زوجة له بعدئذ.

يجد قارئ "ألف ليلة ولية" في حكاية "الطيور والوحوش مع ابن آدم" (الليلتان 149، 150) وجه شبه واضح مع الرسالة الثامنة في رسائل إخوان الصفا، وهي بعنوان "في كيفية تكوين الحيوانات وأصنافها"؛ ويتمثل هذا الشبه في الشكوى المرة من جور الإنسان ومن معاملته للطير والحيوان كما يعامل الأشياء، دون أي اعتبار لما تحسّان به من حزن وألم شديدين.

تبدو الصورة التي كوّنتها الطيور والحيوانات للإنسان –ابن آدم- واضحة تماماً في حكاية "البطة المرعوبة"؛ وهي حكاية تعرض فيها بعض الحيوانات والطيور المظالم التي أوقعها الإنسان بها ومخاوفها منه كذلك؛ وفيما يأتي تلخيص لهذه الحكاية:

"البطَّة المرعوبة"

أوى طاووسٌ وأنثاه إلى جزيرة في عُرض البحر، هرباً من السّباع التي كانت تهدّد حياتهما في موطنهما الأصلي بجانب البحر. وذات يوم، جاءت إليهما بطة فزعة، كانت تعيش في الجزيرة؛ فرحّبا بها وطمأناها إلى أن أحداً لن ينالها بسوءٍ، لصعوبة الوصول إلى وسط البحر حيث تقيم ويقيم الطاوسان.

وعندما سألاها عن السبب في فزعها الشديد أجابت:

تمثلّت لي في منامي، ذات ليلة، صورة ابن آدم، وهو يخاطبني وأنا أخاطبه، ثم سمعت قائلاً يقول: احذري منه؛ فإنه كثير الحيل والخداع، وإنّه لا يسلم أحدُ من شرّه، ولا ينجو منه طير ولا وحش؛ فاستيقظت من منامي فزعة مرعوبة، وما زلت كذلك إلى الآن.

وأضافت البطة:

لقد مضيت على غير هدى، وتابعت السّير إلى أن وصلت إلى الجبل، وهناك وجدت على باب مغارة شبلاً أصفر اللون استجرت به من شرّ ابن آدم، وحرّضته على التخلص منه ومن شرّه، وكان قد شجّعه على تلبية طلبي تحذير والده الأسد له من ابن آدم ومكائده.

وفي طريقنا، أنا والشبل، قابلنا عدداً من الحيوانات الهاربة من ابن آدم، الواحد منها بعد الآخر، وهي: الحمار، والفرس، والجمل، وكان كل منها يشكو إلى الشبل العذاب الأليم الذي أنزله به ابن آدم، ويطلب إلى الشبل ما طلبته البطّة إليه: الخلاص من ابن آدم.

وصفت البطة للطاوسين كل حالة من هذه الحالات الثلاث، التي لا يوجد بينها كبير اختلاف؛ ولذا نكتفي منها بوصفها لحالة الفرس وحدها:

"لم يزل يجري [الفرس] حتى وقف بين يدي الشبل ابن الأسد، فلما رآه الشبل استعظمه وقال له: ما جنسك أيها الوحش الجليل وما سبب شرودك في هذا البرّ العريض الطويل؟ فقال: يا سيّد الوحوش أنا فرس من جنس الخيل، وسبب شرودي هروبي من ابن آدم."

"فتعجب الشبل من كلام الفرس، وقال: لا تقل هذا الكلام فإنه عيب عليك وأنت طويل غليظ، وكيف تخاف من ابن آدم مع عظم جثتك وسرعة جريك؟ وأنا مع صغر جسمي قد عزمت على ألتقي مع ابن آدم فأبطش به وآكل لحمه، وأسكّن روع هذه البطّة المسكينة وأقرها في وطنها، وها أنت لمّا أتيت في هذه السّاعة قطعت قلبي بكلامك وأرجعتني عما أردت أن أفعله، فإن كنت أنت مع ضخامتك قد قهرك ابن آدم ولم يخف من طولك وعرضك، مع أنك لو رفسته برجلك لقتلته ولم يقدر عليك بل تسقيه كأس الردى؛ فضحك الفرس لمّا سمع كلام الشبل، وقال: هيهات أن أغلبه يا ابن الملك، فلا يغرك طولي وعرضي ولا ضخامتي مع ابن آدم، لأنه من شدة حيله ومكره يصنع لي شيئا يقال له الشّكال، ويضع في قوائمي الأربعة شٍكالين من حبال الليف الملفوفة باللباد، ويصلبني من رأسي في وتد عالٍ، وأبقى واقفاً وأنا مصلوب لا أقدر أن أقعد ولا أنام، وإذا أراد أن يركبني يعمل لي شيئا في رجلي من الحديد اسمه الرِّكاب، ويضع على ظهري شيئاً يسمّى السّرج، ويشدّه بحزامين من تحت إبطي، ويضع في فمي شيئا من الحديد يسمّيه اللجام، ويضع فيه شيئاً من الجلد يسمّيه الصرع، فإذا ركب فوق ظهري على السّرج يمسك الصّرع بيده ويقودني ويهمزني بالركاب في خواصري حتى يدميها، ولا تسأل يا ابن السلطان عما أقاسيه من ابن آدم، فإذا كبرت وانتحل ظهري ولم أقدر على سرعة الجري يبيعني للطحان ليدورّني في الطاحون، فلا أزال دائراً فيها ليلاً ونهاراً إلى أن أهرم، فيبيعني للجزار فيذبحني ويسلخ جلدي وينتف ذنبي ويبيعها للغرابلي والمناخلي، ويسلي شحمي."

"فلما سمع الشبل كلام الفرس ازداد غيظاً وغما"

ولكن غيظه وغمه لم يفيداه شيئاً؛ إذ سرعان ما جاء ابن آدم، ومعه عدة نجّار، وبضعة ألواح من الخشّب، وعندما سأله الشبل عن غايته ادّعى أنه يبحث عن الفهد الذي طلب منه أن يصنع له بيتاً يسكن فيه، ويأوي إليه، ويمنع عنه عدوّه من بني آدم، وعندئذ ألحّ عليه الشبل أن يصنع بيتاً مماثلاً له؛ وكان أن تمنع الآدمي في البداية، ولكنه صنع الصندوق أخيراً وعندما دخل الشبل فيه أغلقه عليه وأحكم إغلاقه، ثم حفر حفرة بالقرب من الصندوق، وألقى عليه الحطب وأحرقه بالنار.

وتنتهي الحكاية بمرور سفينة تائهة بالقرب من الجزيرة، ونزول الركاب فيها، حيث وجدوا البطة فاصطادوها وأخذوها معهم إلى السفينة، أما الطاوس وأنثاه ففرّا من الجزيرة بحثا عن مكان آمن يحلاّن فيه.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...