محمد مصطفى - "التراث بين الحفاظ عليه والعبث به" ألف ليلة وليلة نموذجا

الاهتمام بالتراث والثقافة والعادات والتقاليد الأصيلة هي السمة المميزة لهذا العصر الذي نعيش فيه، ولا نجزم إذا قلنا إنها السمة الأساسية لمسيرة النهضة منذ وجود الأمم علي الأرض، فلكل أمة تراثها، الذي هو القضية الأكثر أهمية لها، وفي واقعنا المعاصر تبدو المشكلة ليست في التراث، ولكن المشكلة التي أصبحت لدينا هنا هي سوء الفهم الخاطئ لذلك التراث

وفي هذا الإطار فقد عقدت لجنة الكتاب والنشر بالمجلس الأعلي للثقافة مؤتمرها السنوي، تحت عنوان "التراث بين الحفاظ عليه والعبث به - ألف ليلة وليلة نموذجا".
وقد صرح الدكتور شعبان خليفة مقرر اللجنة أن المؤتمر يدور حول ثمانية محاور، وهي منابع التراث الإنساني المصري - العربي - العالمي، والتناص وتحقيق النصوص، ونشر التراث الفكري والنشر التقليدي والإليكتروني للتراث الفكري - التنظيم الفني والاسترجاع للتراث الفكري، وحقوق التراث العربي وهويته، والمحتوي والشكل في التراث ألف ليلة وليلة نموذجا، ودراسات مقارنة عن ألف ليلة وليلة واستلهامتها، والتراث في ضوء الدراسات الأدبية والعلمية. فقضية التراث هي من القضايا البالغة الأهمية والحيوية، فكما قلنا إن لكل أمة تراثها، وهو ذلك التراث الذي يفخر العرب به حتي اليوم، فهو ما قد ميزنا عن كثير من الشعوب الأخري، وإن من أجمل ما جاء به هذا التراث هو كتاب (ألف ليلة وليلة) الذي هو عمل فني إبداعي لازالت ولسوف تتحدث عنه الشعوب في جميع أنحاء العالم.

وهنا جدير بالذكر في إطار الحديث عن التراث أن نوضح أنه يجب التفرقة بين طبع التراث، ونشر التراث، وإحياء التراث، وهناك فارق بين الأنواع الثلاثة، وقد يبدو أن هذا الفارق جوهري ورئيسي، فنحن عندما نعمد إلي رسالة قد تركها أحد المفكريين ونقوم بتحويل أوراقها من الأصفر إلي الأبيض فإن ذلك يسمي طبع التراث. في حين أن تحقيق التراث هو أنك تأتي بالرسالة المطبوعة وتقوم بمقرانتها بالنسخ الأخري الأقدم منها والأحدث، وتبذل كل ما في جهدك اتجاه هذا التراث فنكون هنا قد حققنا التراث، وما يهمنا هنا هو إحياء التراث الذي هو السمة الأساسية التي تهمنا، وذلك عن طريق أننا نقوم بالنظر إلي المشكلات التي أثارها المفكرين، ونقوم بالنظر إليها نظرة معاصرة. في تلك الحالة نكون قد حققنا إحياء التراث.
وفي ورقة الأستاذ مصطفي ماهر تحت عنوان (ألف ليلة وليلة كتابا عربيا مفتوحا أكتمل في قلب الثقافة الانسانية) أوضح لنا أن هذا الكتاب - أي ألف ليلة وليلة - هو مثله مثل كل الإبداعات الفنية والفلسفية والعلمية، التي تستهدف الانتماء إلي الثقافة الإنسانية الشاملة التي احتضنتها الثقافة العربية الإسلامية المؤمنة بعمران الكون، فمن خلال نظرة نقدية علي هذا الكتاب تبين أن الانتشار الهائل الذي حظي به لم يكن ليتحقق لولا القدر الكبير من العمل الفني الذي تميز به الذي أعطي بابا مفتوحا من المشاركات لمختلف الثقافات، كذا إعادة النظر في مفاهيم الحياة والسعادة التي يجدر بالإنسان الإستفادة منها في حياته وفي التعامل بين الناس.

قد أشار الباحث أحمد سويلم حول ما تم استلهامه من كتاب ألف ليلة وليلة في الشرق والغرب، وهو ما جعل كثير من الكتاب يكتبون حول الروعة الأدبية والقصص التي تناولها، والتي تركت أثرا بالغا في نفوس الشعوب جعلتهم يتحدثون عنها حتي اليوم، وفي ذلك الإطار أوضح لنا أن هناك عدة طرق للإستلهام، فمنها ما هو إستلهام شكلي، وهو ما تميزت تبه الليالي من خلال الحكي، كذلك هناك إستلهام الشخصية أي تعدد الشخصيات في ذلك الكتاب والتي منها: السندباد - وعلاء الدين - هارون الرشيد، وكيف قام الغرب بتناول كل شخصية وتحليلها.
علي مر العصور تركت قصص ألف ليلة وليلة مساحة شديدة من التميز قوامها روحها الشعبي، فنص ألف ليلة وليلة يعد من النصوص السردية العربية التي لاقت اهتماما واسعا خاصة لدي الدارسين، ولذلك حرصت الباحثة عواطف سيد أحمد علي بيان أن الخطاب الحكائي الذي أدي إلي وجود جذور للفكر النسوي، وأن شهرزاد قد سبقت دعاة مثل ذلك الفكر في لياليها منذ اليلة الأولي التي الحت علي أبيها بأن يزوجها من الملك شهريار ذلك الملك المخان والذي دفعه هذا الجرح إلي الانتقام من كل النساء، فإذا كان دعاة الفكر النسوي قد كرسوا ما دعا للقضاء علي كافة أشكال التمييز العنصرى بين الرجل والمرأة، فإن شهرزاد قد كرست ذلك الفكر من خلال الحكي.

وفي إطار تلك الروايات تجدر الإشارة إلي دور التناص فيما يحققه من إبداع بشكل عام يستلهم ذهن القارئ إليه، حيث يؤدي التوظيف الفني للتراث الشعري والأدبي دورا هاما في ذلك، وعلي الجانب الآخر، تجب الإشارة إلي أن القديم يمتد في الجديد، وهو ما نجده في كثير من الأعمال الأدبية الحديثة التي هي إمتداد طبيعي للتراث القديم، بل وهي إحياء لذلك التراث.

فالتراث بشكل عام هو نقطة الارتكاز في دوائر الحوار علي مستويات أدبية ونقدية متعددة، ويمكننا التنويه إلي دور التراث الإسلامي باعتباره جزءا من حضارتنا العربية الاسلامية، بل هو إمتداد لكثير من الأعمال في الوطن العربي.

وفي النهاية، فإن التراث هو الامتداد للحضارة العربية التي نحن نعيش عليها وإعادة إحياء مثل ذلك التراث لابد أن تكون هي الضرورة لدي تلك الشعوب، فما ميزنا عن كثير من الشعوب هو الاعتزاز بالتراث، فالغرب أخذ من تراثنا الكثير، وكان أكثر شاهد لدينا هو كتاب ألف ليلة وليلة الذي جعل الكثير من الكتاب في الغرب يسعون إلي ترجمته ويصدرون منه العديد من النسخ.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...