صلاح سليم علي - شهرزاد والدب.. رحلة في حكاية [ما لم تُرْوِهِ شهرزاد من حكاية الشاطر حسن] لأنورعبد ال

رحلة في حكاية: [ما لم تُرْوِهِ شهرزاد من حكاية الشاطر حسن] لأنورعبد العزيز

بدهي ان يعكس النص الأدبي الفضاء الحضاري بأبعاده التاريخية والجغرافية والإجتماعية والزمنية ...وفي غياب المؤلف كما في نصوص عربية معينة ك[ألف ليلة وليلة] و[الأسد والغواص] تكتسب المؤشرات النصية أهمية كبرى في الإشارة الى المؤلف [المؤلفين] بتحديد ملامحه الحضارية أو شخصيته الحضارية ...وفي ألف ليلة وليلة التي تشير الحكايات فيها الى العراق وسورية ومصر وتركيا وأيران، نلاحظ تنوعا هائلا في أجناس الروايات التي تعزى الى شهرزاد فمنها مايرد في كتب البلدانيين كحكاية [مدينة النحاس] التي نقرأها بالتفاصيل نفسها في معظم كتب البلدانيين ونرى اشارة لدى ابن خلدون اليها ايضا..كما تحتضن الروايات حكايات شعبية انتشرت في العهود القديمة وتتطرق الى الجماعات الصوفية التي انتشرت في الشرق الأوسط في العهود المتأخرة ففي [الحمال والبنات] تجمع الرواية الرشيد ووزيره جعفر البرمكي بقلندرية نعرف من التاريخ ان ظهورهم كان بعد مرور قرون على وفاة الرشيد ..وتهدف روايات الف ليلة وليلة الى تسلية المستمع ..وأخذه الى عالم خيالي يتنافر مع الواقع الذي يعيش فيه فتقدم لأبطالها حلولا سحرية عاجلة من خلال مصباح سحري او بساط طائر ..لكن عالما يشاطر البشر فيه الجن جوانب حياتهم كلها تقريبا لايخلو من الكيد والمكر والغدروالخيانة وسفك الدماء ..وتلك آفات إجتماعية تخترم الطبقات الإجتماعية كلها في [ألف ليلة وليلة] التي تنطلق الرواية فيها على مفهوم الخيانة الزوجية التي زرعت لدى شهريار الرغبة في قطع رؤوس النساء بعد ليلة من التزوج بهن..وكان قدر شهرزاد ان تحافظ على راسها باتقان استخدامه في رواية الحكايات للملك المغدور والتوقف عند الفجر بدون انهاء الرواية وفي نقطة مثيرة فيها على انتظار ليلة اخرى تواصل فيها الرواية وهكذا اصبح لدينا [الف ليلة وليلة] ..تجاوزت منشأها الآسيوي شرقا وغربا واصبحت واحدة من العناوين البارزة في الأدب العالمي.. و[الف ليلة وليلة] في هيكلها العام واسلوبها لاتختلف عن [كليلة ودمنة] او [الأسد والغواص]..وكلتاهما تنتسبان الى بواكير العصر العباسي، اي بعيد تاسيس بغداد على الرغم من التاثير الواضح للكوفة والبصرة في النتاج الادبي وفي تصدير الحركات والأفكار المناهضة للسلطة العربية على العهد الأموي ثم العباسي الذي شهد تدفقا هائلا للفرس في الحواضر العربية وصاحب ذلك ظهور الحركة الشعوبية وانتشارظاهرة الزندقة .. وكانت النخب المدنية والدوائر الأدبية في الكوفة والبصرة وبغداد فارسية في اغلبها فلابد، والحال هذه، ان يعكس النتاج الأدبي للعصر العباسي الأول الثقافات السائدة في بغداد وكذلك في البصرة والكوفة اللتان وطنهما الموالي منذ عهد السيادة العربية على خلافة عمر بن الخطاب (رض)..وتضم الثقافات السائدة في بغداد على ذلك العهد الوانا شعبية آسيوية مهادها الجبال والوديان والكهوف تنطوي في باطنها على مخاوف جدودية مترسخة وعقائد طوطمية يحتل فيها الحيوان موقعا مركزيا..وتلك ثقافة تختلف بوجوه رئيسة عن ثقافة السهول والصحراء...وشهرزاد ومن روى لها كأن يكون ابن المقفع يشاطرها تلك المخاوف والذكريات والمهاد الحضاري بكل الوانه التراثية والأسطورية...إلا أن [ألف ليلة وليلة] أشبه بكرة الثج التي تكبر كلما تدحرجت..
يتناول أنور عبد العزيز الدوافع العمقية وراء رغبة شهرزاد في الروي ... فهي تخلق ابطالها وتمتلك خيوط تحريكهم بأناملها..وهي تخلق المعضلات وتضع الحلول لكل مايواجه ابطالها راضية مرضية بعالم لم تجد صعوبة في ابتكاره وتصويره لرجل دموي أخرق عقد العزم على إيذائها..فبدهي ان تتماهى بشخصيات النساء اللاتي تبتكرهن فتعيش ظروفهن في سرائها وضرائها وتحلم احلامهن ولكنها تمتنع عن الكشف عن مشاعرهن عندما يقود مثل هذا الكشف الى تجريدهن من المظاهر الإجتماعية والأعراف التي تحدد الأدوار التي يترتب على المرأة ان تلعبها في المجتمع..وشهرزاد في رأي أنور لم تكن تروي بدافع التضحية إنقاذا لبني جنسها كما لم تهدف الى تعليم شهريار من خلال الروايات فن الحياة وتجارب الأمم بل (تمادت شهرزاد وأطالت واسترخت مع لذائذ حكاياها لألف ليلة وزادت.. وهي أبداً –وكما لفق الرواة- لم تكن قلقة على مصيرها وبنات جنسها بقدر ما كانت تطفئ في روحها شهوة حكي أزلية وبعد أن أطمأنت أنها تروي وتحكي لملك بليد أبله أسترخى وأستأنس بحكاياتها) بمعنى انها كانت تعيد خلق عالمها تخيليا...وأرى ان هذا الخلق لم يكن بغير استمتاع ...ولاسيما عندما تكون الحكاية نارية تنبثق من أحلام المرأة الآسيوية ومكبوتاتها..وفي الريف الآسيوي وبخاصة في أيران حيث ظهرت الخرافات الألف (هزار أفسانة) التي ترجمها ابن المقفع الى العربية لتحمل نواة ألف ليلة وليلة..تتنوع الروايات التي تتحدث عن الحيوانات ولاسيما (الخرس) او الدب الذي يرد في طقوس شامانية لدى القبائل البدائية الواطنة للغابات والجبال أو القريبة منها في أيران وأذربيجان وجبال العراق...ومن الروايات المنتشرة في العراق وإيران حتى في أواخر القرن العشرين أختطاف دب لإمرأة أو دبة لرجل..وهي موضوع حكاية الشاطر حسن..أما اختيار الدب بطلا لست الحسن أو لشهرزاد فيعود الى ترسخ هذا النمط الجدودي الأقرب الى البشر في عقل شهرزاد الراوية والمنطلقات الحضارية في آسيا بنقل ابن المقفع او أخوان الصفا او غيرهم كثير في بغداد او البصرة او سمرقند أوكرمنشاه فالدب هو ملك الحيوانات ويشاطر الإنسان هيكله وآثار يديه وقدرته على الوقوف على قدميه منتصبا وللدب دورة حياة مماثلة للبشر ويقتات كالبشر على النباتات والحيوانات..وفي قراءتنا لحكايات الشعوب الآسيوية حول الدببة نطالع على سبيل المثال هذه الرواية عن قبيلة الأوديغا السبيرية:
(كانت هناك أمرأة تعيش مع شقيقها ..وفي كل يوم تقدم لأخيها لحما رديئا محتفظة باللحم الدسم للدب..مما دعى الأخ الى الإختباء ليرى مايحدث فشاهد الدب يأتي. وفي اليوم التالي أرسل شقيقته لجلب الللحم من التيغا[غابة تكثر فيها الأيلة]..ومكث في انتظار الدب مرتديا ثياب شقيقته..وعلى الرغم من تشككه في صوت الأخ، دخل الدب البيت ليتعرض الى الضرب ويجري هاربا..وعندما وصلت الأخت الى البيت، عرفت بماحدث وقررت مغادرة البيت..وفي التيغا بدأت الأخت بطقوس شامانية وأخذت تنادي الدب مستخدمة عظم لوح كتف دب لطرق الطبل..فجاء الدب وجامعها..فيتتبع الأخ شقيقته ويعرف ماحدث لها مع الدب..وبعد ايام قابل دبين صغيرين أخبراه انه خالهما..فيذهب الأخ الى بيتهما ليلتقي بشقيقته وزوجها الدب ..ويقترح الدب ان ينطلقوا لصيد الدببة..وخلال المطاردة يقتل الأخ دبا وحدث انه جرح بالمصادفة زوج شقيقته ايضا. وفي البيت كان الدب يحتضر..فنصح شقيق زوجته: أحذر من أكل لحم الدب..ولاتعطي قلب الدب لأمرأة..ولا تأكل لحم أيدي الدب..ولا تسمح لأختك بأكل لحم دب..وبعد وفاة الدب تحولت المرأة زوجته الى دب بري..وحدث ان قتلها شقيقها في أثناء الصيد مما ترك اابناءها الدببة في عهدته ..وفي الخريف اراد الصغيران السبات..فعمل وكرا لهما واوصاهما بعدم الخروج من الوكر وترك آثارهما في الثلج..ولكن الدبان الصغيران خرجا فعثر عليهما صياد آخر وقتلهما ..فتزوج الخال شقيقة الصياد تعويضا عن ابنا شقيقته)
يبدو من هذه الحكاية الشعبية الآسيوية أن للدببة علاقات مع البشر ترقى الى الخؤولة..وعلى الرغم من كونها خرافة فهي تعكس بوضوح وجود الدب في هذه المجتمعات حتى ان هناك فيما تخبرنا الروايات عبادة مكرسة للدب ومهرجانا مكرسا للدب وان الجماعات البدائية في آسيا تعتقد ان الدب يفهم لغة البشر وأن ظهوره في الأحلام له مغاز كبيرة من شأنها التأثير على توجيه أفعالهم وحركاتهم..
وفي [الف ليلة وليلة]، تراثا كانت أم إمرأة، يحتل الحيوان عموما والدب بوجه خاص موقعا مهما يتجلى أكثر شيء في حكاية [وردان الجزاروالمرأة والدب] ولاضير من نقلها هنا كاملة:
(ومما يحكى أنه في زمان الحاكم بأمر الله رجل بمصر يسمى وردان وكان جزاراً في اللحم الضاني، وكانت امرأة تأتيه كل يوم بدينار يقارب وزنه وزن دينارين ونصف من الدنانير المصرية وتقول له أعطني خروفاً وتحضر معها حمالاً بقفص فيأخذ الدينار ويعطيها خروفاً فيحمله الحمال وتأخذه وتروح به إلى مكانها، وفي ثاني يوم وقت الضحى تأتي، وكان ذلك الجزار يكتسب منها كل يوم ديناراً وأقامت مدة طويلة على ذلك.

فتفكر وردان الجزار ذات يوم في أمرها وقال في نفسه: هذه المرأة كل يوم تشتري مني بدينار ولم تغلط يوماً واحداً وتشتري مني بدراهم هذا أمر عجيب. ثم أن وردان سأل الحمال في غيبة المرأة فقال له: أنا في غاية العجب منها فإنها كل يوم تحملني الخروف من عندك وتشتري حوائج الطعام والفاكهة والنقل بدينار آخر وتأخذ من شخص نصراني مروقتين نبيذ وتعطيه ديناراً وتحملني الجميع وأسير معها إلى بساتين الوزير، ثم تعصب عيني بحيث أني لا أنظر موضعاً من الأرض أحط فيه قدمي وتأخذ بيدي فما أعرف أين تذهب بي ثم تقول: حط هنا، وعندها قفص آخر فتعطيني الفارغ ثم تمسك يدي وتعود بي إلى الموضع الذي شدت عيني فيه بالعصابة فتحلها وتعطيني عشرة دراهم.

فقال له الجزار: كان الله في عونها، ولكن ازداد فكراً في أمرها وكثرت عندها الوساوس وبات في قلق عظيم، ثم قال وردان الجزار: فلما أصبحت أتتني على العادة وأعطتني الدينار وأخذت الخروف وحملته للحمال وراحت فأوصيت صبي على الدكان وتبعتها بحيث لا تراني.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثمانين بعد الثلاثمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن وردان الجزار قال: فأوصيت صبي على الدكان وتبعتها بحيث لا تراني، ولم أزل أعاينها إلى أن خرجت من مصر وأنا أتوارى خلفها حتى وصلت إلى بساتين الوزير فاختفيت حتى عصبت عيني الحمال وتبعتها من مكان إلى مكان إلى أن أتت الجبل فوصلت إلى مكان فيه حجر كبير وحطت القفص عن الحمال فصبرت إلى أن عادت بالحمال ورجعت ونزعت جميع ما كان في القفص وغابت ساعة، فأتيت إلى ذلك الحجر فزحزحته ودخلت فوجدت خلفه طابقاً من نحاس مفتوحاً ودرجاً نازلة فنزلت في تلك الدرج قليلاً قليلاً حتى وصلت إلى دهليز كثير النور فمشيت فرأيت هيئته باب قلعة فارتكنت في زوايا في زوايا الباب فوجدت صفة بها سلالم خارج باب القاعة فتعلقت فيها فوجدت صفة صغيرة بها طاقة تشرف على قاعة فنظرت في القاعة فوجدت المرأة قد أخذت الخروف وقطعت منه مطايبه وعملته في قدر ورمت الباقي قدام دب كبير عظيم الخلقة فأكله عن آخره وهي تطبخ..

فلما فرغت أكلت كفايتها ووضعت الفاكهة والنقل وحطت النبيذ وصارت تشرب بقدح وتسقي الدب بطاسة من ذهب حتى حصل لها نشوة السكر، فنزعت ثيابها ونامت فقام الدب وواقعها وهي تعاطيه أحسن ما يكون لبني آدم حتى فرغ وجلس واستراح ولم يزل كذلك حتى فعل ذلك عشر مرات ثم وقع كل منهما مغشياً عليه وصارا لا يتحركان..

فقلت في نفسي هذا وقت انتهاز الفرصة، فنزلت ومعي سكين تبري العظم قبل اللحم فلما صرت عندهما وجدتهما لا يتحرك فيهما عرق لما حصلت لهما من المشقة فجعلت السكين في منحر الدب واتكأت عليه حتى خلصته وانعزلت رأسه عن بدنه فصار له شخير عظيم مثل شخير الرعد، فانتبهت المرأة مرعوبة فلما رأت الدب مذبوحاً وأنا واقف والسكين في يدي زعقت زعقة عظيمة حتى ظننت أن روحها قد خرجت وقالت لي: يا وردان أيكون هذا جزاء الإحسان فقلت لها: يا عدوة نفسهاهل عدمت الرجال حتى تفعلي الفعل الذميم، فأطرقت رأسها إلى الأرض لا ترد جواباً وتأملت الدب وقد نزعت رأسه عن جثته ثم قالت: يا وردان أي شيء أحب إليك أن تسمع الذي أقوله لك ويكون سبب لسلامتك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الواحدة والثمانين بعد الثلاثمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن المرأة قالت: يا وردان أي شيء أحب إليك أن تسمع الذي أقوله لك ويكون سبباً لسلامتك وغناك إلى آخر الدهر أو تخالفني ويكون سبباً لهلاكك، فقلت: أختار أن أسمع كلامك فحدثيني بما شئت، فقالت اذبحني كما ذبحت الدب وخذ من هذا الكنز حاجتك وتوجه إلى حال سبيلك، فقلت لها: أنا خير من هذا الدب فارجعي إلى الله تعالى وتوبي وأتزوج بك ونعيش باقي عمرنا بهذا الكنز قالت: أيا وردان إن هذا بعيداً كيف أعيش بعده والله إن لم تذبحني لأتلفن روحك فلا تراجعني تتلف وهذا ما عندي من الرأي والسلام فقلت: أذبحك وتروحين إلى لعنة الله ثم جذبتها من شعرها وذبحتها وراحت إلى لعنة الله والملائكة والناس جميعاً. وبعد ذلك نظرت في المحل فوجدت فيه قبة من الذهب والفصوص واللؤلؤ ما لا يقدر على جمعه أحد من الملوك فأخذت قفص الحمال وملأته على قدر ما أطيق وسترته بقماشي الذي كان علي وحملته وطلعت من الكنز وسرت ولم أزل سائراً إلى باب مصر وإذا بعشرة من جماعة الحاكم بأمر الله مقبلون والحاكم خلفهم فقال: يا وردان، قلت: لبيك أيها الملك. قال: هل قتلت الدب والمرأة؟ قلت: نعم. قال: حط عن رأسك وطب نفساً فجميع ما معك من المال لك لا ينازعك أحد عليه. فحطيت القفص بين يديه فكشفه ورآه وقال: حدثني بخبرهما وإن كنت أعرفه كأني حاضر معكم فحدثته بجميع ما جرى وهو يقول: صدقت. فقال: يا وردان قم سر بنا. فتوجهت إليه معه فوجدت الطابق مغلقاً فقال: ارفعه يا وردان فإن هذا الكنز لا يقدر أحد أن يفتحه غيرك فإنه مرصود باسمك وصفتك. فقلت: والله لا أطيق فتحه. فقال: تقدم أنت في بركة الله. فتقدمت إليه وسميت الله تعالى ومددت يدي إلى الطابق فارتفع كأنه أخف ما يكون فقال الحاكم: انزل وأطلع ما فيه فإنه لا ينزله إلا من باسمك وصورتك وصفاتك من حين وضع وقتل الدب هذا الدب وهذه المرأة على يديك وهو عندي مؤرخ وكنت أنتظر وقوعه حتى وقع. قال وردان: فنزلت ونقلت له جميع ما في الكنز ثم دعا بالدواب وحمله وأعطاني قفصي بما فيه فأخذته وعدت إلى بيتي وفتحت لي دكاناً في السوق وهذا السوق موجود إلى الآن ويعرف بسوق وردان)

على الرغم من أختلاف المكان والأسماء تتماثل الحكايتان المرأة في الشاطر حسن والمرأة في وردان الجزار..فكلتيهما تعشق دبا ...وفي المفاضلة بين الدب والأنسان تختار المرأة الدب والموت معه على الأنسان والحياة معه...فهل هذا أختيار شهرزاد ام هو مؤشر على العمق النفسي لكاتب هذه الروايات في [ألف ليلة وليلة]...وفي متابعتنا لعرض أنور لشهرزاد نتلمس الخيوط نفسها:

( وشهرزاد كبرت المسألة وجعلت من الشاطر أسطورة الأزمان... شهرزاد لعبت لعبتها المخاتلة وما كان يهمها من أمر حسن غير شهوتها للحكي والتلفيق، وهي ما كانت منحازة لحسن وهو من بني جنسها، ورغم أنها سعت لجعل صورة الدبّ كريهة فقد كانت تتمنى متلهفة لو أنها هي من أختارها الدب لتكون معشوقته وحتى محظيته لأبد الدهر، وهي رغم تعاطفها مع الصبية المأسورة في الكهف البعيد فقد كانت تحلم أن تكون هي ساكنته وهي المأسورة لتلتذ بمباهج ذلك الأسر الذي لم تدرك الصبيّة الغرّة تلاوين سعادته... وشهرزاد كانت خبيرة بما لم تحظ به المغرورة وهي هي شهرزاد ومن كانت تحلم بمن ينال شفتيها بسطوة دبّ ويهتك أسرار جسدها وينسج من شعرها خيمة حبّ، لذا فهي ما كانت محايدة وما أنصفت في تقدير حب الأثنين للصبية المغرورة وفشلت في مهمتها الحكائية كراوية أمينة وشاهدة أحداث)

يبدو من تصوير أنور للشاطر حسن ان الأخير أشبه بشعراء عذرة ممن تاه عن حبيبته وتاهت عنه الى احضان دب آدمي بينما يرى ان شهرزاد وهي الأخبر بإتجاه مشاعرها وغرائزها تروي لتحلم وتحلم لتستمتع ..وموضوع المتعة يكمن في الإستسلام المطلق لقوة عفوية تضع وحشيتها وادعة تحت تصرفها..الدب يمثل الوداعة والوحشية ..الشبقية والعفوية ..وهو البديل لسطوة الرجل وغروره ولامبالاته..

وتماثل معالجة أنور لشهرزاد معالجة توفيق الحكيم لها في مسرحيته [شهرزاد] غير ان الحكيم يعوض الدب بعبد أسود تخون معه شهريار..وذلك مفهوم يتكرر في [ألف ليلة وليلة]..فالمرأة في معظم روايات شهرزاد ..وهذا يعكس قناعة أبن المقفع أيضا: ماكرة وخائنة ووضيعة يكمن تحت حليها وجمالها وحش لا يتلذذ بغير الوحوش ولايستطيب لغيرالخيانة والرذيلة طعما...

الخيمة في السرد تقابل الكهف والصحراء الجبل ..إلا أن الخيمة نهار مفتوح في كل الإتجاهات والكهف ليل مغلق على كل الإتجاهات..وان كانت الخيمة ترمز الى الحب العذري وجميل بثينة وكثير عزة وقيس ليلى والملاك، يرمز الكهف الى البهيمية والغرائز وقد انفلتت من عقالها فالفتاة في الخيمة تشتاق الى الكهف لأنه حرك غرائزها وخاطب انوثتها والمرأة في مصر الفاطمية أختارت مغارة في جبل المقطم لتشبع فيها سيدها الدب وتشبع به غرائزها..وبين المرأتين تقف شهرزاد او من تمثلهن شخصيتها تحت هذه الطائلة نموذجا للمرأة الشرقية الضامئة الى الحب بأشكاله العليا التي انهارت في [ألف ليلة وليلة] لتترك مكانها غرائز ظلامية واستيهامات وحشية اتخذت من كهوف آسيا ودببها تجسيدا منحلا ومعذبا لها في الوقت نفسه..
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...