نقوس المهدي
كاتب
تتعدد صور المرأة في ألف ليلة وليلة بتعدد الحكايات، والتي يصل عددها إلى حوالي مائتي حكاية، كان الحضور الكبير للمرأة في أغلبها، فبجرد سريع لهده الحكايات تحضر أمامنا مجموعة أسماء لنساء لعبن دور البطولة في أغلب القصص، حتى التي جاءت تحمل أسماء الرجال، مثل حكاية " عبد الله البري وعبد الله البحري " من هؤلاء النسوة نذكر على سبيل المثال لا الحصر: الملكة إبريزة، الست بدور بنت الملك الغيور، الست دنيا بنت الملك زهرشاه، قضى فكان بنت شركان، نزهة الزمان، بدور بنت الجوهري، حياة النفوس، تودد الجارية، قوت القلوب، زمردة، زين المواصف، أنيس الجليس، مريم الزنارية وجلنار...الخ، وليس صدفة أن هده الحكايات تسردها امرأة هي شهرزاد.
تجدر الإشارة في البداية إلى أن ألف ليلة وليلة هي مجموعة متنوعة من القصص الشعبي، التي ألفت على مراحل، وأضيفت إليها مجموعات من القصص، بعضها له أصول هندية وفارسية قديمة، وبعضها مأخوذ من أخبار العرب وقصصهم، أما موطنها فقد تبث أنها تمثل بيئات شتى خيالية وواقعية، وأكثر البيئات بروزا هي في العراق وسوريا ومصر، كما أن المتمعن لهده الحكايات يجد ثمة اختلافا في بنيتها من حيث الأسلوب والتراكيب واللغة.
فنحن إذن أمام صور متعددة ومتناقضة تبعا لتنوع القصص وبيئاتها وبنياتها. تقول سهير القلماوي " إن هدا الكتاب لا تجمعه وحدة المؤلف ولا العصر، فهو لدلك يجمع أشتاتا من صور المرأة على مر العصور التي عاشها، ومن مختلف البيئات التي شاع فيها."
إدا تأملنا صورة المرأة في الحكايات نجد أن لها صورا عديدة متقابلة تعكس كل صورة ملامحها المختلفة عن الصور الأخرى، فهناك حكايات تقدم صورة إيجابية عن المرأة، إلا أنها تبقى محدودة العدد مقارنة مع غالبية الحكايات التي ترسم صورة سلبية لها، وهدا راجع بالخصوص للوجدان الشعبي بأبعاده التاريخية و مورثاته التي تتخذ فيها صورة المرأة تفسيرا سالبا ، هده الصورة التي نسجها أكثر من طرف و ساهمت المرأة نفسها في غزل خيوطها . تقول دليلة المحتالة لعزيز في حكاية " عزيز و عزيزة ": " أنت مولع بي ، ولكنك صغير السن و قلبك خالع عن الخداع ، فأنت لا تعرف مكرنا و لا خداعنا... و الآن أوصيك أن لا تتكلم مع واحدة و لا تخاطب واحدة من أمثالنا... لأنك غير عارف بخداع النساء و مكرهن." فكما يلاحظ من هدا الكلام، أن الخداع و المكر من طبيعة المرأة، و هدا الفهم ما زال سائدا حتى الآن في أوساط العامة ، كما يعبر عن دلك أحد الأمثال الشعبية:{ كيد الرجال هدَ الجبال، كيد النساء هدَ الرجال}.
يقول حسن الزيات في دراسته عن ألف ليلة و ليلة : " إن أسوأ ما سجله ألف ليلة و ليلة من ظلم للإنسان و جور النظم هو القسوة الجائرة على المرأة ، فإن حظها فيه منكود و صورتها فيه بشعة ". فما مرد دلك؟
بالعودة للحكايات نجدها تبدأ بالحديث عن صدمة رجل يعاني من عذابات مكر الأنثى ، بل إن الحكايات كلها بنيت على أساس المكر و الخيانة بكل صورها ،و تتخذ هده الصور طابعا سلبيا مند الصفحات الأولى ، حينما يكتشف الملك شهريار أن زوجته تخونه مع أحد عبيده ، فيقتلها و من معها ، و يقرر الإنتقام من النساء جميعا و دلك بأن يتزوج كل ليلة امرأة ثم يقتلها مع بزوغ الفجر.
هده النظرة السلبية للمرأة ، و التي ترى فيها أداة ترفيهية نجدها معممة على جميع بنات الجنس البشري في باقي الحكايات.
ففي " الحكاية الإطار" تلخص إحداهن في حكاية " شهريار الملك مع شهرزاد بنت الوزير" هده الصورة السلبية التي تؤلف طبيعة المرأة ، فتقول :
لا تأمنن إلى النساء و لا تثق بعهودهن
فرضاؤهن و سخطهن معلق بفروجهن
يبدين ودا كاذبا و الغدر حشو ثيابهن
بحديث يوسف فاعتبر متحدرا من كيدهن
أوما ترى إبليس أخرج آدم من أجلهن
هده الأبيات تلخص مجموعة صور عن المرأة يمكن إجمالها في عبارة " كيد النساء " وهي عبارة تتطابق و نظرة المجتمع العربي للمرأة ، التي لا ترى فيها سوى " ضلع أعوج" و أنها أصل كل بلاء ، حين أغواها الشيطان فأغوت بدورها آدم و أخرجته من الجنة . يقول الملك وردخان لنسائه " و أنا الآن لا ألومكن ، أيتها النساء ، بل ألوم نفسي وأؤدبها ، حيث لم أتذكر أنكن سبب الهفوة التي حصلت من أبينا آدم و لأجلها خرج من الجنة ، و نسيت أنكن أصل كل شر ".
لقد زرعت ألف ليلة و ليلة الشك في قلوب الرجال ، فجعلتهم لا يأتمنون النساء أبدا ، حيث ظلت و ما زالت تحتفظ بأكبر نماذج المرأة الخائنة . فصورة المرأة الجميلة تبدو دائما شهوانية تسلك أقدر الطرق في سبيل الوصول إلى عشيق لها غير زوجها ،و قد تلجأ على الإجرام من أجل دلك ، هده المرأة تمثلها بوضوح السيدة بدور التي أحبت قمر الزمان و تزوجته ، لكن سرعان ما يختفي ، فتخاطر و تضحي في سبيل لقياه ... و بعد سنوات من الحياة الزوجية ، تعشق ابن زوجها { من امرأة أخرى } ، وعندما لا تجد استجابة من الشاب ، تتآمر على حياته . هكذا تتحول نفس الشخصية ، من امرأة صالحة ، محبة، متفانية في إخلاصها للزوج ، إلى امرأة خائنة غادرة لذات الزوج .
من خصائص المرأة أيضا أنها " ناقصة عقل ودين " ففي حكاية " الحمال مع البنات " يقول ابن الملك للعفريت: " أيها العفريت الشديد والبطل الصنديد، إدا كانت امرأة ناقصة عقل ودين، لم تستحل ضرب عنقي ". ويقول الملك قمر الزمان: " لعن الله النساء الخائنات الناقصات عقلا ودينا ".
هده الصورة تجسدها بالخصوص محضيات القصر ونساء السلطة المتخمات ثراء، أما الجواري فألصق صورة بهن هي صورة المرأة المثيرة للرغبة، التي لا ترى فيها غير أنوتثها، وهي نفس الصورة التي شاعت في المخيال العربي الذي لا يرى الجمال إلا في المرأة الشابة، أما العجوز فقد وصفت مرة واحدة فقط بأنها " صبيحة الوجه " أما عدا دلك فقد وصفت بالقبح و بجميع السلبيات التي ذكرناها سابقا، كالمكر والخداع والجمع بين الرجال والنساء على الحرام، فحكايات الليالي تشير إلى أن هؤلاء العجائز اكتسبن في حياتهن، ومن خلال تعاملهن مع رجال عصرهن ونسائه، خبرة كبيرة في اصطياد الجواري الجميلات، وتقديمهن للرجال العشاق، وكان الرواة جريئين عليهن، فعلى سبيل المثال نجد أحد الرواة يصف العجوز شواهي ذات الدواهي في حكاية " عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان " ب"العاهرة" وبـ "سيدة العجائز الماكرة ومرجع الكهان في الفثن الثائرة " وفي حكاية " علي الزئبق المصري ودليلة المحتالة " يصف الراوي العجوز دليلة المحتالة بأنها أخبت من إبليس الذي كان قد تعلم المكر منها فقد كانت "صاحبة حيل وخداع " و العجوز في حكاية " نعم و نعمة " " متقنعة بثياب الزهد وفي تسبيح و ابتهال و قلبها ملآن بالمكر و الإحتيال ".
هده بعض من صور كثيرة وردت في ثنايا ألف ليلة وليلة ،لم يسعنا المقام لذكرها كلها ، يعكس أغلبها هدا التناقض في صورة المرأة ، و الذي يعود بالأساس إلى كون النساء واحدات في طبيعتهن مختلفات في سلوكهن ،و تبعا للسلوك تكون المرأة صالحة أو شريرة .
* elborouj
تجدر الإشارة في البداية إلى أن ألف ليلة وليلة هي مجموعة متنوعة من القصص الشعبي، التي ألفت على مراحل، وأضيفت إليها مجموعات من القصص، بعضها له أصول هندية وفارسية قديمة، وبعضها مأخوذ من أخبار العرب وقصصهم، أما موطنها فقد تبث أنها تمثل بيئات شتى خيالية وواقعية، وأكثر البيئات بروزا هي في العراق وسوريا ومصر، كما أن المتمعن لهده الحكايات يجد ثمة اختلافا في بنيتها من حيث الأسلوب والتراكيب واللغة.
فنحن إذن أمام صور متعددة ومتناقضة تبعا لتنوع القصص وبيئاتها وبنياتها. تقول سهير القلماوي " إن هدا الكتاب لا تجمعه وحدة المؤلف ولا العصر، فهو لدلك يجمع أشتاتا من صور المرأة على مر العصور التي عاشها، ومن مختلف البيئات التي شاع فيها."
إدا تأملنا صورة المرأة في الحكايات نجد أن لها صورا عديدة متقابلة تعكس كل صورة ملامحها المختلفة عن الصور الأخرى، فهناك حكايات تقدم صورة إيجابية عن المرأة، إلا أنها تبقى محدودة العدد مقارنة مع غالبية الحكايات التي ترسم صورة سلبية لها، وهدا راجع بالخصوص للوجدان الشعبي بأبعاده التاريخية و مورثاته التي تتخذ فيها صورة المرأة تفسيرا سالبا ، هده الصورة التي نسجها أكثر من طرف و ساهمت المرأة نفسها في غزل خيوطها . تقول دليلة المحتالة لعزيز في حكاية " عزيز و عزيزة ": " أنت مولع بي ، ولكنك صغير السن و قلبك خالع عن الخداع ، فأنت لا تعرف مكرنا و لا خداعنا... و الآن أوصيك أن لا تتكلم مع واحدة و لا تخاطب واحدة من أمثالنا... لأنك غير عارف بخداع النساء و مكرهن." فكما يلاحظ من هدا الكلام، أن الخداع و المكر من طبيعة المرأة، و هدا الفهم ما زال سائدا حتى الآن في أوساط العامة ، كما يعبر عن دلك أحد الأمثال الشعبية:{ كيد الرجال هدَ الجبال، كيد النساء هدَ الرجال}.
يقول حسن الزيات في دراسته عن ألف ليلة و ليلة : " إن أسوأ ما سجله ألف ليلة و ليلة من ظلم للإنسان و جور النظم هو القسوة الجائرة على المرأة ، فإن حظها فيه منكود و صورتها فيه بشعة ". فما مرد دلك؟
بالعودة للحكايات نجدها تبدأ بالحديث عن صدمة رجل يعاني من عذابات مكر الأنثى ، بل إن الحكايات كلها بنيت على أساس المكر و الخيانة بكل صورها ،و تتخذ هده الصور طابعا سلبيا مند الصفحات الأولى ، حينما يكتشف الملك شهريار أن زوجته تخونه مع أحد عبيده ، فيقتلها و من معها ، و يقرر الإنتقام من النساء جميعا و دلك بأن يتزوج كل ليلة امرأة ثم يقتلها مع بزوغ الفجر.
هده النظرة السلبية للمرأة ، و التي ترى فيها أداة ترفيهية نجدها معممة على جميع بنات الجنس البشري في باقي الحكايات.
ففي " الحكاية الإطار" تلخص إحداهن في حكاية " شهريار الملك مع شهرزاد بنت الوزير" هده الصورة السلبية التي تؤلف طبيعة المرأة ، فتقول :
لا تأمنن إلى النساء و لا تثق بعهودهن
فرضاؤهن و سخطهن معلق بفروجهن
يبدين ودا كاذبا و الغدر حشو ثيابهن
بحديث يوسف فاعتبر متحدرا من كيدهن
أوما ترى إبليس أخرج آدم من أجلهن
هده الأبيات تلخص مجموعة صور عن المرأة يمكن إجمالها في عبارة " كيد النساء " وهي عبارة تتطابق و نظرة المجتمع العربي للمرأة ، التي لا ترى فيها سوى " ضلع أعوج" و أنها أصل كل بلاء ، حين أغواها الشيطان فأغوت بدورها آدم و أخرجته من الجنة . يقول الملك وردخان لنسائه " و أنا الآن لا ألومكن ، أيتها النساء ، بل ألوم نفسي وأؤدبها ، حيث لم أتذكر أنكن سبب الهفوة التي حصلت من أبينا آدم و لأجلها خرج من الجنة ، و نسيت أنكن أصل كل شر ".
لقد زرعت ألف ليلة و ليلة الشك في قلوب الرجال ، فجعلتهم لا يأتمنون النساء أبدا ، حيث ظلت و ما زالت تحتفظ بأكبر نماذج المرأة الخائنة . فصورة المرأة الجميلة تبدو دائما شهوانية تسلك أقدر الطرق في سبيل الوصول إلى عشيق لها غير زوجها ،و قد تلجأ على الإجرام من أجل دلك ، هده المرأة تمثلها بوضوح السيدة بدور التي أحبت قمر الزمان و تزوجته ، لكن سرعان ما يختفي ، فتخاطر و تضحي في سبيل لقياه ... و بعد سنوات من الحياة الزوجية ، تعشق ابن زوجها { من امرأة أخرى } ، وعندما لا تجد استجابة من الشاب ، تتآمر على حياته . هكذا تتحول نفس الشخصية ، من امرأة صالحة ، محبة، متفانية في إخلاصها للزوج ، إلى امرأة خائنة غادرة لذات الزوج .
من خصائص المرأة أيضا أنها " ناقصة عقل ودين " ففي حكاية " الحمال مع البنات " يقول ابن الملك للعفريت: " أيها العفريت الشديد والبطل الصنديد، إدا كانت امرأة ناقصة عقل ودين، لم تستحل ضرب عنقي ". ويقول الملك قمر الزمان: " لعن الله النساء الخائنات الناقصات عقلا ودينا ".
هده الصورة تجسدها بالخصوص محضيات القصر ونساء السلطة المتخمات ثراء، أما الجواري فألصق صورة بهن هي صورة المرأة المثيرة للرغبة، التي لا ترى فيها غير أنوتثها، وهي نفس الصورة التي شاعت في المخيال العربي الذي لا يرى الجمال إلا في المرأة الشابة، أما العجوز فقد وصفت مرة واحدة فقط بأنها " صبيحة الوجه " أما عدا دلك فقد وصفت بالقبح و بجميع السلبيات التي ذكرناها سابقا، كالمكر والخداع والجمع بين الرجال والنساء على الحرام، فحكايات الليالي تشير إلى أن هؤلاء العجائز اكتسبن في حياتهن، ومن خلال تعاملهن مع رجال عصرهن ونسائه، خبرة كبيرة في اصطياد الجواري الجميلات، وتقديمهن للرجال العشاق، وكان الرواة جريئين عليهن، فعلى سبيل المثال نجد أحد الرواة يصف العجوز شواهي ذات الدواهي في حكاية " عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان " ب"العاهرة" وبـ "سيدة العجائز الماكرة ومرجع الكهان في الفثن الثائرة " وفي حكاية " علي الزئبق المصري ودليلة المحتالة " يصف الراوي العجوز دليلة المحتالة بأنها أخبت من إبليس الذي كان قد تعلم المكر منها فقد كانت "صاحبة حيل وخداع " و العجوز في حكاية " نعم و نعمة " " متقنعة بثياب الزهد وفي تسبيح و ابتهال و قلبها ملآن بالمكر و الإحتيال ".
هده بعض من صور كثيرة وردت في ثنايا ألف ليلة وليلة ،لم يسعنا المقام لذكرها كلها ، يعكس أغلبها هدا التناقض في صورة المرأة ، و الذي يعود بالأساس إلى كون النساء واحدات في طبيعتهن مختلفات في سلوكهن ،و تبعا للسلوك تكون المرأة صالحة أو شريرة .
* elborouj