نقوس المهدي
كاتب
كانت رواية الحب والمغامرات الفرنسية، في القرن السابع عشر تشير إلى درجة الصفر... رواية بلا صفات، حكاية متخيلة حتى التقزز... كانت حرّة في أن تعطي القراء العبث الذي يحبونه، دون أي هدف آخر... [فهي] محشوة بالأخطاء والتنكرات... ومهما يكن البطل نبيلاً يجابهه البرابرة، أو محارباً رومانياً، فإن عقدة غرامية تقودها [أي الرواية] خلال عشرة مجلدات [أو أكثر] وقد تنسى العقدة طوال مجلد كامل، وتتولد المغامرات الواحدة من الأخرى، فتتعقّد وتتشابك...))(1)
أما في القرن الثامن عشر فإن هذه الرواية قد تطورات تطوراً ملموساً وأصبحت النوع الأدبي الأول كمّاً وكيفاً... ويبدو أن الليالي)) -إلى جانب عوامل أخرى- قد ساهمت بشكل مباشر في نموّها وإثرائها، وذلك بما قدّمته لها من مادة روائية غزيرة وأساليب فنية متنوعة: جهزتها بكل التقنيات الضرورية ووجهتها إلى ما كان ينقصها من الاهتمام بالمغامرات وعوامل الإثارة.
1-التمرد على مفاهيم الحب القديمة
من المعروف أنّ الكاتب الفرنسي الكلاسيكي كان يعاني من مشقة حين يتطرق إلى موضوع الحب والغرام، لا سيما إذا كان من النوع الآثم، لأن ما كان يبحث عنه، في هذه الفترة، هو الأناقة والصقل وتغليب العقل على كل الحواس الأخرى. ثم جاءت الليالي)) فأعطت مفهوماً جديداً للحب يتكشف عن ذاته، ويفرض نفسه: ثورة في الحياة العاطفية... ففي أعمال راسين كان الحب ضعيفاً، وأما في الليالي)) فإنه ينبوع الشهوات، حيث القانون الطبيعي الذي يعلو على كل المحرمات، فينصح الكائن البشري أن يغوص في أعماق ذاته... إنها تتحدث عن نيران العاطفة وغليانها، عن شرارات القلب الساخنة، عن هموم الحب، وحكاياتها تسبح في جو من اللذة الجسدية، وغالباً ما تكون درامية، وعلى الدوام شهوانية... والحب الذي يتولد من جمال الأجساد المتألق، يمتزج بعبادة السعادة واللذة التي لا يعقبها ندم))(2) .
نسفت الليالي))، إذن، مفاهيم الحب البالية، وساعدت الكتاب على قول ما لم يكونوا يجرؤون على قوله وتسمية الأشياء بأسمائها. لقد سمحت لهم أن يتطرقوا إلى موضوعات الجنس المختلفة وأن يطلقوا لخيالهم العنان في وصف الحب الشرقي) ينبوع الشهوات وتصوير المرأة الجميلة التي كان الأبطال يعانون الآلام من أجل التمتع بجسدها الدافئ:
نساء وصبيات جميلات فاتنات، يعجز اللسان على وصفهنّ... يعشن في مقصورات بنيت بالذهب والفضة، تحيطها الأسوار العالية، ويحرسها قطعان سود من خصيان العبيد...))(3)
وفي الحقيقة، لقد وفق العديد من الروائيين فيفييل(4) ، مدام دوفيلديو(5) ، شفريي(6) ، مدام دوجوميز(7) ، لامورليير(8) ، الآنسة دو لاروش(9) ...) في وصف المواقف الغزلية واللقطات الجنسية الجريئة، محللين بدقة أزمات المرأة الشرقية) التي كانت -في نظرهم- مهانة، مظلومة، لا يراعى لها حق ولا يقام لها وزن. وهكذا أصبح الشرق، في كتاباتهم، إسقاطاً لرغباتهم، لكنه إسقاط اتخذ مواصفاته وشكله من خلال تلامس رقيق مع صورة الشرق التي عرضتها ألف ليلة وليلة)) أي أن هذا الشرق بقعة تشبه الحلم، فيه تتوفر الموسيقى ويسود الحب الشهواني).
ويبدو أن هؤلاء الروائيين قد أولعوا بمحاكاة السرد المتبع في الليالي، بل برهنوا على امتلاك أساليب شهرزاد وطرائقها الفنية. فمن الملاحظ -مثلاً- أن رواياتهم تجري أحداثها على نمط حكايات ألف ليلة وليلة)): لقاء ونظرة فحب ثم لقاء وتعبير عن الحب، ثم فراق قد يطول أو يقصر حسب ما يصنعه الروائي من حواجز بين البطل وحبيبته، ولقاء في الأخير بعد سلسلة من المغامرات والمخاطر) يتوج عادة بالزواج السعيد. قد تختطف الحبيبة لتنقل بعد ذلك إلى قصر الملك أو الحاكم وتضم إلى الحريم، وهنا يتدخل البطل لإنقاذها فيواجه الأهوال والأخطار ويكتشف الحقائق والأسرار... وقد يرى فارس أميرة أو جارية فيحبها في الحال ويسعى جاهداً للالتقاء بها، غير أن السلطان) يقف في وجهه ويعمل كل ما في وسعه للقضاء عليه.
البطل أنجولا في رواية لامورليير(10) يعثر، في صندوق ذهبي على صورة لامرأة رائعة الجمال، فيقع في حبها ويسعى جاهداً للالتقاء بها(11) . وتتدخل الجان الخيرة لمساعدته بينما تعمل الجان الشريرة على عرقلة مسعاه وهكذا يتدخل الروائي لخلق الحواجز الأسطورية بين البطل وحبيبته، مطعّماً نصه بالمشاهد العاطفية: الحب، الغيرة، الانتقام...) أما البطل الصقلي في رواية الآنسة دولاروش(12) فيتنكر في زي النساء ويقع أسيراً في أيدي قطاع الطرق ثم يباع كجارية) لحاكم تونس... وفي قصر الباشا يلتقي بالجارية سليمة التي يبوح لها بسره فتحبه حباً شديداً وتحاول أن تنقذه من شر الحاكم... وبعد مغامرات وفراق طويل، يلتقي البطل من جديد بحبيبته في القسطنطينية عند الملك التركي فيسعدان بهذا اللقاء... ويبدو واضحاً أن هذه الرواية -التي اهتمت بالجنس واللقاءات المدبرة- تحمل آثاراً قوية لتلك الأجواء التي أذاعتها الليالي)) بل إنها مستلهمة من حكاية الملك قمر الزمان وابنيه الأسعد والأمجد)) ترجمة جالان: 2/145-216)(13) .
يمكن القول، إذن، إن روايات الحب والمغامرات الفرنسية قد اقتبست من الليالي)) تقنياتها أدوات الرومانسية، حبكها...) ومغامراتها، والصور العديدة التي كشفت عنها من حياة الشرق لا سيما صور القصور والسراي والحريم وسوق الرقيق وبيوت البغاء وملامح القوافل في الأسواق، وخان التجار... إنها روايات حوّلت الشرق إلى أرض للمغامرات والمخاطرات المغرية وموطن للحب والانفعالات القوية...
ويبدو أن روائيات من أمثال دوجوميز ودوفيلديو ودولاروش قد تجاوزن، في كتاباتهن، عقدة الحياء والاحتشام في تطرقهن لموضوع الحب والجنس. فلقد تجردن من كل القيود والمحرمات وتفوقن في تصوير النساء الجميلات المتمردات، والتعبير عن قضايا الحب سواء كان حسياً أو جسدياً، وعرض ما كان يدور في حريم الملوك والسادة من اضطهاد للجواري والعبيد.(14) ويعترف الدارسون أن هؤلاء الروائيات -اللاتي اهتممن بهموم المرأة الشرقية ونسجن آراء سيئة حول الحريم-(15) اقتبسن مادتهن الروائية من حكايات شهرزاد، لا سيما في التاريخ السري للقصر العثماني)) ومذكرات حريم)) والصقلي وسليمة)).
2-توظيف العناصر الخارقة الفانتاستيك)
والجدير بالتنبيه أن العديد من روايات الحب والمغامرات الفرنسية، في القرن الثامن عشر، استلهمت من الليالي)) العنصر الخارق الفانتاستيك) الذي يبعث الرهبة والخوف. فلقد وظفت الجنيات والسحرة والأرواح والأعمال الخارقة، تلبية لرغبات القارئ الفرنسي الذي أصبح لا يجد ضالته المنشودة إلا في قصة بطلها عاشق شجاع ثؤور يملك طاقية الإخفاء أو خاتم سليمان، وتطيعه الجان بل تقدم له المساعدات الضرورية بخضوع تام...(16) ففي رواية أنجولا نجد البطل يستنجد بالجان الخيرة لتلبية رغباته... وتتدخل جنية لتقوده نحو حبيبته على الرغم من مواجهة العفريت ماكيس للشرير...(17) وبعد مغامرات وأهوال تدور في عالم السحر والأرواح يلتقي أنجولا بحبيبته ليزياد فيظفر بها ويسعدان... وتعد هذه الرواية من أهمّ الروايات التي برعت في وصف مشاهد الحب ولحظات العشق... ولقد استعرض فيها لامورليير كل معلوماته عن السحر في الشرق، من طلاسم ومسخ وحل للألغاز وتفاسير للأحلام. أما في رواية مرآة الأميرات الشرقيات))(18) -التي تدور أحداثها في عالم السحر والتحولات، وتصور حياة الأميرات المتمردات- فتقدم لنا الكاتبة فانيان أدوات سحرية جديدة مثل المرآة التي تنبئ بالمستقبل، وطاقية الإخفاء، وخاتم سليمان، وترسم لنا علاقة البشر بعالم السحر والجان المليء بالمخاطر والأهوال. ويبدو أن هذه الرواية -التي اهتمت بوصف اللقاءات المثيرة بين الإنس والعفاريت- قد اعتمدت كثيراً على أدوات البناء الشرقي والعناصر الخارقة والفوطبيعية التي عرضتها الليالي بكل بهجة وسرور.(19)
لقد أصبحت -الآن- الجان والعفاريت تؤدي وظائف خطيرة في الرواية الفرنسية التي امتزجت فيها مشاهد الحب والغرام بالعناصر المدهشة والغريبة)(20) . فهي لا تقوم بمساعدة الأبطال فحسب، تقودهم إلى عشيقاتهم أو إلى الكنوز المدفونة في باطن الأرض وسراديب القصور القديمة). وإنما تحب وتعشق أيضاً الأميرات والجواري، وتعمل كل ما في وسعها من أجل إسعادهن وإرضاء طلباتهن، وقد لا تتردد في الانتقام منهن...(21) وأصبح الشرق عالماً جديداً من الأحلام يحقق الرغبات الدفينة النفسية والجنسية)، عالماً شهوانياً وحسياً ومترفاً يسكنه الملوك والأمراء والعفاريت وعبدة النار والسحرة والنسوة الجميلات المغريات القادرات على إثارة الفتنة...
3-التأثر بموضوعات الرحلات
ولم تتأثر روايات الحب والمغامرات، في هذه الفترة، بموضوعات السحر والتنجيم التي أذاعتها الليالي))، وإنما تأثرت أيضاً بموضوعات الرحلات التي اشتهرت بها حكايات شهرزاد، وحاولت أن تستغلها أيّما استغلال. ويبدو أن رحلات السندباد البحري بما فيها من صور وأوصاف ومغامرات قد أوحت إلى الكثير من الروائيين أن يؤلفوا عما كانوا يتخيلون من رحلات تجري أحداثها في عوالم خيالية مليئة بالمخاطر والأهوال. وكان من نتائج هذا التأثير أن انتشرت في الرواية الفرنسية اللقطات الكليشهات)) التي تميزت بها الليالي عن باقي القصص الشعبية العالمية مثل: الحيوانات العجيبة العملاقة طير الرخ)، وجبال المغناطيس، وصخور الذهب والفضة، والخيول الطائرة، وأشجار الجوهر واللؤلؤ، وعبدة النار، وبساط الريح، والفانوس السحري...
ونذكر من روايات الحب والمغامرات التي تأثرت بموضوع الرحلات الشهرزادية:
-اكتشاف امبراطورية كنتهار 1730) للروائي فارين دومونداس.
-أسفار الأمير العجيبة 1735) للروائي بوجن.
-أسفار نيكولا في أعماق الأرض 1753) لهولبيرغ.
-الرجل الطائر 1763) للسيدة بوبسو.
-مذكرات يهودي متجول 1777)لآنو
-الجزر الذهبية 1778) للسيدة لوكليرفو.
-الجزر المجهولة 1783) لجرفيل.
إن هذه الروايات تدور أحداثها -في الأغلب الأعم- في عوالم شرقية خيالية، تسيطر عليها قوى السحر ويسودها جو روائي بديع. أما أبطالها فلا يختلفون كثيراً عن السندباد البحري في رحلاتهم ومغامراتهم واجتناء المكاسب. يعاودون الأسفار إلى مناطق نائية سعياً وراء المال والكنوز ويرجعون إلى بلدانهم سالمين غانمين على الرغم من الصعاب والمخاطر التي كانت تصادفهم. ويبدو أن حب الاستطلاع الذي فطر عليه هؤلاء الأبطال وسعيهم وراء المعرفة وتعرضهم إلى المشقات والأهوال هو الذي جعل هذه الروايات أشد سحراً من سواها ودفع بالقراء إلى اقتنائها وقراءتها بشغف شديد.
إنها روايات شيقة تلهب الخيال: أبطالها مغامرون يعرضون حياتهم للخطر من أجل استكشاف الحقائق، يعانون كما يعاني السندباد، ويشاركون قمر الزمان تقلبات الدنيا، ويرحلون على البساط المسحور، ويمتطون طير الرخ أو الحصان الطائر. أما أمكنتها فجزر خيالية تارة، وكهوف عجيبة تارة أخرى، وعوالم غريبة باطن الأرض مثلاً) تارة ثالثة. ترسو السفينة قرب جزيرة مجهولة، وينزل المسافرون للبحث عن الماء والزاد، وإذا الجزيرة هي سمكة عملاقة تعيش وسط البحر فتراكمت عليها الرمال ونبتت على ظهرها الأشجار... وقد تحركت تلك الجزيرة/ السمكة ونزلت إلى الأعماق وانطبق عليها البحر المتلاطم بالأمواج، ولا ينجو من الغرق سوى البطل الذكي الذي يتمكن -في نهاية المطاف- من العودة إلى وطنه بعد أن اكتشف سر الوجود وحقيقة الكون.(22) وقد تتيه السفينة في البحر، ويغرق كل المسافرين إلا البطل الذي ينجو ويصل إلى جزيرة... يهبط إلى أعماق كهف فيكتشف جبالاً مليئة بالجواهر واللآلئ، وكائنات غريبة، وحيات عظيمة عملاقة ونباتات سحرية... وفي النهاية، يسافر في النهر ويعود إلى وطنه بالثراء العظيم.
خوارق وأعاجيب عدة تنقذ الأبطال مما يقعون فيه من مآزق وورطات... يواجهون الأعاصير والوحوش والسحرة والكائنات العجيبة، ويعودون إلى باريس بأكياس من الجواهر واللآلئ التي يعثرون عليها في الجزر الخيالية(23) ، التي لا تختلف كثيراً عن جزر الليالي)). عالية ومطلة على البحر، فيها أطيار وأشجار متنوعة، وأزهار ومياه وجواهر وذهب، وكائنات خيالية عملاقة، وكهوف مخيفة، وأنهار...)).
وخلاصة القول إن روايات الحب والمغامرات الفرنسية، في القرن الثامن عشر، اقتبست من الليالي كل ما يخدمها ويسهم في نموها: استخدمت تقنياتها، واستوحت منها عدداً كبيراً من الصور والمشاهد والنماذج والرموز، بل حاكتها في أسلوبها الأسطوري والخرافي. وهذا يعني أن الروائيين الفرنسيين قد استسلموا لفن السرد القصصي الشهرزادي المتداخل، هذا الفن المغري الذي أبقى السلطان شهريار معقود اللسان، والذي توفرت لهم فيه أصداء لهمومهم ورغباتهم...
ولئن كانت الليالي)) قد أثرت في روايات الحب والمغامرات ووجهتها توجيهاً لا عهد لها به ونفخت فيها روحاً جديدة، فإن رواية العادات والتحليل النفسي لم تنج من هذا التأثير ولا من هذا التوجيه. ولعل أبرز من يمثل هذا الاتجاه في القرن الثامن عشر: كريبيون الابن الذي كانت أعماله الروائية عبارة عن ألعاب سيكولوجية تهتم بالعقد والأمراض النفسية، وتشبع حب الاستطلاع وتزوّد بتسلية من النوع الراقي.
=========
(1) - ر.م. ألبيرس، تاريخ الرواية الحديثة، 18.
(2) - L'introduction de J. Gaulmier, in Les Mille et une nuits, traduction d'Antoine Galland, 14.
(3) - SAURIN, MIRZA et Fatme, Paris, 1776, 3-4.
(4) - Vieuville d'Orville, le prince turc, 1724/ AMAZOLIDE 1716)/ ZULIMA 1718).
(5) - DE Villedieu, Memoires de serail, 1710.
(6) - CHEVRIER, Minakalis, 1732.
(7) - DE GOMEZ, Histoires secretes do la maison othomane, 1722.
CREMANTINE REINE DE SANGA
(8) - La Morliere, ANGOLA, 1746.
(9) - De La roche, Bibliotheque des romans, 1778.
(10) - La Morliere, ANGOLA.
(11) - إن هذه الرواية أنجولا) التي تفننت في وصف الحب بنوعيه الحسي والجسدي، مستمدة من حكايتي بدر وجوهرة)) وسيف وزين)). ففي الأولى نجد البطل يبذل جهداً خارقاً للالتقاء بامرأة لا يعرفها وإنما سمع مجرد وصف لها فوقع في حبها وصفها له أحد أصدقائه) وفي الثانية يرى البطل صورة مطرزة لامرأة فيتملكه حبها ويقاسي في سبيلها الأهوال: يقطع البراري والبحار من أجل العثور عليها. وفي الليالي حكايات أخرى نلتقي فيها بأبطال يرون في نومهم نساء فيستيقظون وقد هاموا بهن ويظلون أياماً عديدة مغمومين إلى أن يلتقوا بهن.
(12) - رواية الصقلي وسليمة)) تحلل مشاكل المرأة الشرقية وأزماتها النفسية، وتعلل الأسباب التي تؤدي إلى انهيار النساء، وبالتالي، إلى سقوطهن في عالم الدعارة.
(13) - في هذه الحكاية تتنكر البطلة بزي الرجال، فيحترمها الملك لشجاعتها، وتحبها الأميرة التي كانت تعتقد أنها عثرت على فارس أحلامها.
(14) - اهتممن كثيراً بوصف اللقاءات المدبرة والمثيرة بين الجنسين، ولحظات العشق، والصراع الذي يدور في القصور بين الجواري والنساء.
(15) اعتبرن الحريم دور فسق ودعارة يسكنها شقيات حرمن من الحب... ويبدو أنه بتأثير الأفكار التقليدية المبالغة والسائدة حول تعدد الزوجات في الشرق غلب الانطباع بأن هذا الشرق هو بلاد الجنس والتحلل الأخلاقي.
(16) - لم ينج روائيو القرن الثامن عشر المشهورون من أثر الليالي والسقوط في دائرة السحر الشرقي. فجان فرانسوا مارمونتيل J.F. MARMONTEL) 1723-1820) كتب أكثر من عشر قصص تجري وقائعها في الشرق الإسلامي، وحاول أن يصوّر فيها ما كان يجري في قصور تركيا والشام من غراميات بين الأمراء والجواري. أما الروائي لوساج فلقد خصص مجالاً للشرق في روايته الشهيرة الشيطان الأعرج))، وهي الرواية التي تخيل فيها الشيطان le diable) ينزع سقوف المنازل ليشاهد ما يجري فيها من مشاكل، والتي وصف فيها كذلك حياة اللصوص وقطاع الطرق. وقد اعتنى في الفصلين الثالث عشر والرابع عشر، بتصوير حياة الحريم، والعبيد الخصيان وعادات العرب وتقاليدهم...
(17) في حكاية الوزير نور الدين مع شمس الدين أخيه)) يأخذ أحد العفاريت البطل من البصرة إلى حبيبته في القاهرة ليلاً... وقبل طلوع الفجر يقوم هذا العفريت بمساعدة عفريتة بإعادة البطل الأسطوري الذي قضى ليلة جنسية مع عشيقته.
(18) - Mile FAGNAN, Le miroir des princesses orientales, 1755.
(19) - يبدو أن رواية مرآة الأميرات الشرقيات)) متأثرة بحكايات الليالي التي كثيراً ما تعود بنا إلى موضوع علاقة الإنسان بالجان والعفاريت عالم الخوارق). ولا يستبعد أن تكون هذه الرواية -التي نجد فيها العفريت مرزاق يقع في هوى الأميرة ويبذل كل ما في وسعه للسيطرة على عواطفها- مقتبسة من حكاية الحمال والبنات الثلاث) ترجمة جالان 1/145-148). ومثلما يقتل العفريت جرجيس الأميرة التي خانته مع إنسي، يقتل العفريت مرزاق معشوقته التي رفضته ورفضت كنوزه. وما أكثر الجميلات، في الليالي، اللواتي أحببن عفريتاً فارتفع بهن في آفاق السماء أو غاص بهن في أعماق الأرض وقدم لهن كل ما يملك من كنوز وأسرار.
(20) - يبدو أن عالم السحر والتحولات كانت له أهمية قصوى في إنجاح روايات الحب والمغامرات الفرنسية التي جاءت مواكبة لتحول في الذوق الأدبي، يتمثل في التمتع بقراءة أعمال تمزج الطبيعي بالخارق والواقعي بالعجيب: البطل الفقير) ينام مع حبيبته الأميرة) في مدخل باب وهو أغنى سعادة) من السلاطين... والفارس العاشق يلمس خاتماً فتكون في خدمته الأرواح...
(21) - يبدو أن هذه الظاهرة علاقة العفاريت بالنساء) والتي اشتهرت بها ليالي شهرزاد لم تكن معروفة في الرواية الفرنسية قبل القرن الثامن عشر، وإنما انتشرت في الأدب الفرنسي بعد ظهور ترجمة أنطوان جالان...
(22) _ MORLLY, Le naufrage des iles flottantes.
لا بد من الإشارة -هنا- إلى أن مغامرة السندباد الأولى مسرحها جزيرة من نوع السمك الكبير.
(23) - C.F.J.J. Clairfons, Les iles flottantes.
إن البطل في هذه الرواية يتعرض إلى سلسلة من المخاطر والمغريات، يخرج منها مرهقاً ولكنه أكثر حكمة وغنى، عارفاً بحجم قوته وإمكانياته.
* د. شريفي عبد الواحد
أثر ألف ليلة وليلة في روايات الحب والمغامرات الفرنسية في القرن الثامن عشر)
أما في القرن الثامن عشر فإن هذه الرواية قد تطورات تطوراً ملموساً وأصبحت النوع الأدبي الأول كمّاً وكيفاً... ويبدو أن الليالي)) -إلى جانب عوامل أخرى- قد ساهمت بشكل مباشر في نموّها وإثرائها، وذلك بما قدّمته لها من مادة روائية غزيرة وأساليب فنية متنوعة: جهزتها بكل التقنيات الضرورية ووجهتها إلى ما كان ينقصها من الاهتمام بالمغامرات وعوامل الإثارة.
1-التمرد على مفاهيم الحب القديمة
من المعروف أنّ الكاتب الفرنسي الكلاسيكي كان يعاني من مشقة حين يتطرق إلى موضوع الحب والغرام، لا سيما إذا كان من النوع الآثم، لأن ما كان يبحث عنه، في هذه الفترة، هو الأناقة والصقل وتغليب العقل على كل الحواس الأخرى. ثم جاءت الليالي)) فأعطت مفهوماً جديداً للحب يتكشف عن ذاته، ويفرض نفسه: ثورة في الحياة العاطفية... ففي أعمال راسين كان الحب ضعيفاً، وأما في الليالي)) فإنه ينبوع الشهوات، حيث القانون الطبيعي الذي يعلو على كل المحرمات، فينصح الكائن البشري أن يغوص في أعماق ذاته... إنها تتحدث عن نيران العاطفة وغليانها، عن شرارات القلب الساخنة، عن هموم الحب، وحكاياتها تسبح في جو من اللذة الجسدية، وغالباً ما تكون درامية، وعلى الدوام شهوانية... والحب الذي يتولد من جمال الأجساد المتألق، يمتزج بعبادة السعادة واللذة التي لا يعقبها ندم))(2) .
نسفت الليالي))، إذن، مفاهيم الحب البالية، وساعدت الكتاب على قول ما لم يكونوا يجرؤون على قوله وتسمية الأشياء بأسمائها. لقد سمحت لهم أن يتطرقوا إلى موضوعات الجنس المختلفة وأن يطلقوا لخيالهم العنان في وصف الحب الشرقي) ينبوع الشهوات وتصوير المرأة الجميلة التي كان الأبطال يعانون الآلام من أجل التمتع بجسدها الدافئ:
نساء وصبيات جميلات فاتنات، يعجز اللسان على وصفهنّ... يعشن في مقصورات بنيت بالذهب والفضة، تحيطها الأسوار العالية، ويحرسها قطعان سود من خصيان العبيد...))(3)
وفي الحقيقة، لقد وفق العديد من الروائيين فيفييل(4) ، مدام دوفيلديو(5) ، شفريي(6) ، مدام دوجوميز(7) ، لامورليير(8) ، الآنسة دو لاروش(9) ...) في وصف المواقف الغزلية واللقطات الجنسية الجريئة، محللين بدقة أزمات المرأة الشرقية) التي كانت -في نظرهم- مهانة، مظلومة، لا يراعى لها حق ولا يقام لها وزن. وهكذا أصبح الشرق، في كتاباتهم، إسقاطاً لرغباتهم، لكنه إسقاط اتخذ مواصفاته وشكله من خلال تلامس رقيق مع صورة الشرق التي عرضتها ألف ليلة وليلة)) أي أن هذا الشرق بقعة تشبه الحلم، فيه تتوفر الموسيقى ويسود الحب الشهواني).
ويبدو أن هؤلاء الروائيين قد أولعوا بمحاكاة السرد المتبع في الليالي، بل برهنوا على امتلاك أساليب شهرزاد وطرائقها الفنية. فمن الملاحظ -مثلاً- أن رواياتهم تجري أحداثها على نمط حكايات ألف ليلة وليلة)): لقاء ونظرة فحب ثم لقاء وتعبير عن الحب، ثم فراق قد يطول أو يقصر حسب ما يصنعه الروائي من حواجز بين البطل وحبيبته، ولقاء في الأخير بعد سلسلة من المغامرات والمخاطر) يتوج عادة بالزواج السعيد. قد تختطف الحبيبة لتنقل بعد ذلك إلى قصر الملك أو الحاكم وتضم إلى الحريم، وهنا يتدخل البطل لإنقاذها فيواجه الأهوال والأخطار ويكتشف الحقائق والأسرار... وقد يرى فارس أميرة أو جارية فيحبها في الحال ويسعى جاهداً للالتقاء بها، غير أن السلطان) يقف في وجهه ويعمل كل ما في وسعه للقضاء عليه.
البطل أنجولا في رواية لامورليير(10) يعثر، في صندوق ذهبي على صورة لامرأة رائعة الجمال، فيقع في حبها ويسعى جاهداً للالتقاء بها(11) . وتتدخل الجان الخيرة لمساعدته بينما تعمل الجان الشريرة على عرقلة مسعاه وهكذا يتدخل الروائي لخلق الحواجز الأسطورية بين البطل وحبيبته، مطعّماً نصه بالمشاهد العاطفية: الحب، الغيرة، الانتقام...) أما البطل الصقلي في رواية الآنسة دولاروش(12) فيتنكر في زي النساء ويقع أسيراً في أيدي قطاع الطرق ثم يباع كجارية) لحاكم تونس... وفي قصر الباشا يلتقي بالجارية سليمة التي يبوح لها بسره فتحبه حباً شديداً وتحاول أن تنقذه من شر الحاكم... وبعد مغامرات وفراق طويل، يلتقي البطل من جديد بحبيبته في القسطنطينية عند الملك التركي فيسعدان بهذا اللقاء... ويبدو واضحاً أن هذه الرواية -التي اهتمت بالجنس واللقاءات المدبرة- تحمل آثاراً قوية لتلك الأجواء التي أذاعتها الليالي)) بل إنها مستلهمة من حكاية الملك قمر الزمان وابنيه الأسعد والأمجد)) ترجمة جالان: 2/145-216)(13) .
يمكن القول، إذن، إن روايات الحب والمغامرات الفرنسية قد اقتبست من الليالي)) تقنياتها أدوات الرومانسية، حبكها...) ومغامراتها، والصور العديدة التي كشفت عنها من حياة الشرق لا سيما صور القصور والسراي والحريم وسوق الرقيق وبيوت البغاء وملامح القوافل في الأسواق، وخان التجار... إنها روايات حوّلت الشرق إلى أرض للمغامرات والمخاطرات المغرية وموطن للحب والانفعالات القوية...
ويبدو أن روائيات من أمثال دوجوميز ودوفيلديو ودولاروش قد تجاوزن، في كتاباتهن، عقدة الحياء والاحتشام في تطرقهن لموضوع الحب والجنس. فلقد تجردن من كل القيود والمحرمات وتفوقن في تصوير النساء الجميلات المتمردات، والتعبير عن قضايا الحب سواء كان حسياً أو جسدياً، وعرض ما كان يدور في حريم الملوك والسادة من اضطهاد للجواري والعبيد.(14) ويعترف الدارسون أن هؤلاء الروائيات -اللاتي اهتممن بهموم المرأة الشرقية ونسجن آراء سيئة حول الحريم-(15) اقتبسن مادتهن الروائية من حكايات شهرزاد، لا سيما في التاريخ السري للقصر العثماني)) ومذكرات حريم)) والصقلي وسليمة)).
2-توظيف العناصر الخارقة الفانتاستيك)
والجدير بالتنبيه أن العديد من روايات الحب والمغامرات الفرنسية، في القرن الثامن عشر، استلهمت من الليالي)) العنصر الخارق الفانتاستيك) الذي يبعث الرهبة والخوف. فلقد وظفت الجنيات والسحرة والأرواح والأعمال الخارقة، تلبية لرغبات القارئ الفرنسي الذي أصبح لا يجد ضالته المنشودة إلا في قصة بطلها عاشق شجاع ثؤور يملك طاقية الإخفاء أو خاتم سليمان، وتطيعه الجان بل تقدم له المساعدات الضرورية بخضوع تام...(16) ففي رواية أنجولا نجد البطل يستنجد بالجان الخيرة لتلبية رغباته... وتتدخل جنية لتقوده نحو حبيبته على الرغم من مواجهة العفريت ماكيس للشرير...(17) وبعد مغامرات وأهوال تدور في عالم السحر والأرواح يلتقي أنجولا بحبيبته ليزياد فيظفر بها ويسعدان... وتعد هذه الرواية من أهمّ الروايات التي برعت في وصف مشاهد الحب ولحظات العشق... ولقد استعرض فيها لامورليير كل معلوماته عن السحر في الشرق، من طلاسم ومسخ وحل للألغاز وتفاسير للأحلام. أما في رواية مرآة الأميرات الشرقيات))(18) -التي تدور أحداثها في عالم السحر والتحولات، وتصور حياة الأميرات المتمردات- فتقدم لنا الكاتبة فانيان أدوات سحرية جديدة مثل المرآة التي تنبئ بالمستقبل، وطاقية الإخفاء، وخاتم سليمان، وترسم لنا علاقة البشر بعالم السحر والجان المليء بالمخاطر والأهوال. ويبدو أن هذه الرواية -التي اهتمت بوصف اللقاءات المثيرة بين الإنس والعفاريت- قد اعتمدت كثيراً على أدوات البناء الشرقي والعناصر الخارقة والفوطبيعية التي عرضتها الليالي بكل بهجة وسرور.(19)
لقد أصبحت -الآن- الجان والعفاريت تؤدي وظائف خطيرة في الرواية الفرنسية التي امتزجت فيها مشاهد الحب والغرام بالعناصر المدهشة والغريبة)(20) . فهي لا تقوم بمساعدة الأبطال فحسب، تقودهم إلى عشيقاتهم أو إلى الكنوز المدفونة في باطن الأرض وسراديب القصور القديمة). وإنما تحب وتعشق أيضاً الأميرات والجواري، وتعمل كل ما في وسعها من أجل إسعادهن وإرضاء طلباتهن، وقد لا تتردد في الانتقام منهن...(21) وأصبح الشرق عالماً جديداً من الأحلام يحقق الرغبات الدفينة النفسية والجنسية)، عالماً شهوانياً وحسياً ومترفاً يسكنه الملوك والأمراء والعفاريت وعبدة النار والسحرة والنسوة الجميلات المغريات القادرات على إثارة الفتنة...
3-التأثر بموضوعات الرحلات
ولم تتأثر روايات الحب والمغامرات، في هذه الفترة، بموضوعات السحر والتنجيم التي أذاعتها الليالي))، وإنما تأثرت أيضاً بموضوعات الرحلات التي اشتهرت بها حكايات شهرزاد، وحاولت أن تستغلها أيّما استغلال. ويبدو أن رحلات السندباد البحري بما فيها من صور وأوصاف ومغامرات قد أوحت إلى الكثير من الروائيين أن يؤلفوا عما كانوا يتخيلون من رحلات تجري أحداثها في عوالم خيالية مليئة بالمخاطر والأهوال. وكان من نتائج هذا التأثير أن انتشرت في الرواية الفرنسية اللقطات الكليشهات)) التي تميزت بها الليالي عن باقي القصص الشعبية العالمية مثل: الحيوانات العجيبة العملاقة طير الرخ)، وجبال المغناطيس، وصخور الذهب والفضة، والخيول الطائرة، وأشجار الجوهر واللؤلؤ، وعبدة النار، وبساط الريح، والفانوس السحري...
ونذكر من روايات الحب والمغامرات التي تأثرت بموضوع الرحلات الشهرزادية:
-اكتشاف امبراطورية كنتهار 1730) للروائي فارين دومونداس.
-أسفار الأمير العجيبة 1735) للروائي بوجن.
-أسفار نيكولا في أعماق الأرض 1753) لهولبيرغ.
-الرجل الطائر 1763) للسيدة بوبسو.
-مذكرات يهودي متجول 1777)لآنو
-الجزر الذهبية 1778) للسيدة لوكليرفو.
-الجزر المجهولة 1783) لجرفيل.
إن هذه الروايات تدور أحداثها -في الأغلب الأعم- في عوالم شرقية خيالية، تسيطر عليها قوى السحر ويسودها جو روائي بديع. أما أبطالها فلا يختلفون كثيراً عن السندباد البحري في رحلاتهم ومغامراتهم واجتناء المكاسب. يعاودون الأسفار إلى مناطق نائية سعياً وراء المال والكنوز ويرجعون إلى بلدانهم سالمين غانمين على الرغم من الصعاب والمخاطر التي كانت تصادفهم. ويبدو أن حب الاستطلاع الذي فطر عليه هؤلاء الأبطال وسعيهم وراء المعرفة وتعرضهم إلى المشقات والأهوال هو الذي جعل هذه الروايات أشد سحراً من سواها ودفع بالقراء إلى اقتنائها وقراءتها بشغف شديد.
إنها روايات شيقة تلهب الخيال: أبطالها مغامرون يعرضون حياتهم للخطر من أجل استكشاف الحقائق، يعانون كما يعاني السندباد، ويشاركون قمر الزمان تقلبات الدنيا، ويرحلون على البساط المسحور، ويمتطون طير الرخ أو الحصان الطائر. أما أمكنتها فجزر خيالية تارة، وكهوف عجيبة تارة أخرى، وعوالم غريبة باطن الأرض مثلاً) تارة ثالثة. ترسو السفينة قرب جزيرة مجهولة، وينزل المسافرون للبحث عن الماء والزاد، وإذا الجزيرة هي سمكة عملاقة تعيش وسط البحر فتراكمت عليها الرمال ونبتت على ظهرها الأشجار... وقد تحركت تلك الجزيرة/ السمكة ونزلت إلى الأعماق وانطبق عليها البحر المتلاطم بالأمواج، ولا ينجو من الغرق سوى البطل الذكي الذي يتمكن -في نهاية المطاف- من العودة إلى وطنه بعد أن اكتشف سر الوجود وحقيقة الكون.(22) وقد تتيه السفينة في البحر، ويغرق كل المسافرين إلا البطل الذي ينجو ويصل إلى جزيرة... يهبط إلى أعماق كهف فيكتشف جبالاً مليئة بالجواهر واللآلئ، وكائنات غريبة، وحيات عظيمة عملاقة ونباتات سحرية... وفي النهاية، يسافر في النهر ويعود إلى وطنه بالثراء العظيم.
خوارق وأعاجيب عدة تنقذ الأبطال مما يقعون فيه من مآزق وورطات... يواجهون الأعاصير والوحوش والسحرة والكائنات العجيبة، ويعودون إلى باريس بأكياس من الجواهر واللآلئ التي يعثرون عليها في الجزر الخيالية(23) ، التي لا تختلف كثيراً عن جزر الليالي)). عالية ومطلة على البحر، فيها أطيار وأشجار متنوعة، وأزهار ومياه وجواهر وذهب، وكائنات خيالية عملاقة، وكهوف مخيفة، وأنهار...)).
وخلاصة القول إن روايات الحب والمغامرات الفرنسية، في القرن الثامن عشر، اقتبست من الليالي كل ما يخدمها ويسهم في نموها: استخدمت تقنياتها، واستوحت منها عدداً كبيراً من الصور والمشاهد والنماذج والرموز، بل حاكتها في أسلوبها الأسطوري والخرافي. وهذا يعني أن الروائيين الفرنسيين قد استسلموا لفن السرد القصصي الشهرزادي المتداخل، هذا الفن المغري الذي أبقى السلطان شهريار معقود اللسان، والذي توفرت لهم فيه أصداء لهمومهم ورغباتهم...
ولئن كانت الليالي)) قد أثرت في روايات الحب والمغامرات ووجهتها توجيهاً لا عهد لها به ونفخت فيها روحاً جديدة، فإن رواية العادات والتحليل النفسي لم تنج من هذا التأثير ولا من هذا التوجيه. ولعل أبرز من يمثل هذا الاتجاه في القرن الثامن عشر: كريبيون الابن الذي كانت أعماله الروائية عبارة عن ألعاب سيكولوجية تهتم بالعقد والأمراض النفسية، وتشبع حب الاستطلاع وتزوّد بتسلية من النوع الراقي.
=========
(1) - ر.م. ألبيرس، تاريخ الرواية الحديثة، 18.
(2) - L'introduction de J. Gaulmier, in Les Mille et une nuits, traduction d'Antoine Galland, 14.
(3) - SAURIN, MIRZA et Fatme, Paris, 1776, 3-4.
(4) - Vieuville d'Orville, le prince turc, 1724/ AMAZOLIDE 1716)/ ZULIMA 1718).
(5) - DE Villedieu, Memoires de serail, 1710.
(6) - CHEVRIER, Minakalis, 1732.
(7) - DE GOMEZ, Histoires secretes do la maison othomane, 1722.
CREMANTINE REINE DE SANGA
(8) - La Morliere, ANGOLA, 1746.
(9) - De La roche, Bibliotheque des romans, 1778.
(10) - La Morliere, ANGOLA.
(11) - إن هذه الرواية أنجولا) التي تفننت في وصف الحب بنوعيه الحسي والجسدي، مستمدة من حكايتي بدر وجوهرة)) وسيف وزين)). ففي الأولى نجد البطل يبذل جهداً خارقاً للالتقاء بامرأة لا يعرفها وإنما سمع مجرد وصف لها فوقع في حبها وصفها له أحد أصدقائه) وفي الثانية يرى البطل صورة مطرزة لامرأة فيتملكه حبها ويقاسي في سبيلها الأهوال: يقطع البراري والبحار من أجل العثور عليها. وفي الليالي حكايات أخرى نلتقي فيها بأبطال يرون في نومهم نساء فيستيقظون وقد هاموا بهن ويظلون أياماً عديدة مغمومين إلى أن يلتقوا بهن.
(12) - رواية الصقلي وسليمة)) تحلل مشاكل المرأة الشرقية وأزماتها النفسية، وتعلل الأسباب التي تؤدي إلى انهيار النساء، وبالتالي، إلى سقوطهن في عالم الدعارة.
(13) - في هذه الحكاية تتنكر البطلة بزي الرجال، فيحترمها الملك لشجاعتها، وتحبها الأميرة التي كانت تعتقد أنها عثرت على فارس أحلامها.
(14) - اهتممن كثيراً بوصف اللقاءات المدبرة والمثيرة بين الجنسين، ولحظات العشق، والصراع الذي يدور في القصور بين الجواري والنساء.
(15) اعتبرن الحريم دور فسق ودعارة يسكنها شقيات حرمن من الحب... ويبدو أنه بتأثير الأفكار التقليدية المبالغة والسائدة حول تعدد الزوجات في الشرق غلب الانطباع بأن هذا الشرق هو بلاد الجنس والتحلل الأخلاقي.
(16) - لم ينج روائيو القرن الثامن عشر المشهورون من أثر الليالي والسقوط في دائرة السحر الشرقي. فجان فرانسوا مارمونتيل J.F. MARMONTEL) 1723-1820) كتب أكثر من عشر قصص تجري وقائعها في الشرق الإسلامي، وحاول أن يصوّر فيها ما كان يجري في قصور تركيا والشام من غراميات بين الأمراء والجواري. أما الروائي لوساج فلقد خصص مجالاً للشرق في روايته الشهيرة الشيطان الأعرج))، وهي الرواية التي تخيل فيها الشيطان le diable) ينزع سقوف المنازل ليشاهد ما يجري فيها من مشاكل، والتي وصف فيها كذلك حياة اللصوص وقطاع الطرق. وقد اعتنى في الفصلين الثالث عشر والرابع عشر، بتصوير حياة الحريم، والعبيد الخصيان وعادات العرب وتقاليدهم...
(17) في حكاية الوزير نور الدين مع شمس الدين أخيه)) يأخذ أحد العفاريت البطل من البصرة إلى حبيبته في القاهرة ليلاً... وقبل طلوع الفجر يقوم هذا العفريت بمساعدة عفريتة بإعادة البطل الأسطوري الذي قضى ليلة جنسية مع عشيقته.
(18) - Mile FAGNAN, Le miroir des princesses orientales, 1755.
(19) - يبدو أن رواية مرآة الأميرات الشرقيات)) متأثرة بحكايات الليالي التي كثيراً ما تعود بنا إلى موضوع علاقة الإنسان بالجان والعفاريت عالم الخوارق). ولا يستبعد أن تكون هذه الرواية -التي نجد فيها العفريت مرزاق يقع في هوى الأميرة ويبذل كل ما في وسعه للسيطرة على عواطفها- مقتبسة من حكاية الحمال والبنات الثلاث) ترجمة جالان 1/145-148). ومثلما يقتل العفريت جرجيس الأميرة التي خانته مع إنسي، يقتل العفريت مرزاق معشوقته التي رفضته ورفضت كنوزه. وما أكثر الجميلات، في الليالي، اللواتي أحببن عفريتاً فارتفع بهن في آفاق السماء أو غاص بهن في أعماق الأرض وقدم لهن كل ما يملك من كنوز وأسرار.
(20) - يبدو أن عالم السحر والتحولات كانت له أهمية قصوى في إنجاح روايات الحب والمغامرات الفرنسية التي جاءت مواكبة لتحول في الذوق الأدبي، يتمثل في التمتع بقراءة أعمال تمزج الطبيعي بالخارق والواقعي بالعجيب: البطل الفقير) ينام مع حبيبته الأميرة) في مدخل باب وهو أغنى سعادة) من السلاطين... والفارس العاشق يلمس خاتماً فتكون في خدمته الأرواح...
(21) - يبدو أن هذه الظاهرة علاقة العفاريت بالنساء) والتي اشتهرت بها ليالي شهرزاد لم تكن معروفة في الرواية الفرنسية قبل القرن الثامن عشر، وإنما انتشرت في الأدب الفرنسي بعد ظهور ترجمة أنطوان جالان...
(22) _ MORLLY, Le naufrage des iles flottantes.
لا بد من الإشارة -هنا- إلى أن مغامرة السندباد الأولى مسرحها جزيرة من نوع السمك الكبير.
(23) - C.F.J.J. Clairfons, Les iles flottantes.
إن البطل في هذه الرواية يتعرض إلى سلسلة من المخاطر والمغريات، يخرج منها مرهقاً ولكنه أكثر حكمة وغنى، عارفاً بحجم قوته وإمكانياته.
* د. شريفي عبد الواحد
أثر ألف ليلة وليلة في روايات الحب والمغامرات الفرنسية في القرن الثامن عشر)