نقوس المهدي
كاتب
شهرزاد هو اسم الفتاة التي تقص حكايات ألف ليلة وليلة.
إن الشروع في قراءة «ألف ليلة وليلة» يعني اقتحام عالم لا يعترف بالحدود أو بالاختلافات الثقافية، من المحيط الأطلسي حتى حدود الصين، حيث يتكلم الفرس العربية ويحكمون شعوباً غريبة عنهم.
تتكون لفظة «شهرزاد» من كلمتين «شهر» و«زاد» وهما تعنيان «العريقة الأصل»، كان شهريار زوج شهرزاد فارسياً هو الآخر، اسمه يتكون من لفظتي «شهر» و«يار» اللتين تفيدان «صاحب المملكة» إلا أن شهرزاد لا تتوجه إلى زوجها باللغة الفارسية، إنما بلغة أجنبية منها العربية، كما أن شهريار يحكم شعباً غريباً عنه لأنه «كان ملكاً على جزر الهند والصين».
ورغم قدرة الحكايات على تجاوز الحدود الثقافية إلا أنها احتفظت بواحد منها وجعلت منه عائقاً لا يمكن تجاوزه، وأعني به الاختلاف بين الجنسين، إن ما يفصل الرجال عن النساء في الحكايات ليس مجرد حاجز، ولكنه هوة عميقةو والعلاقة التي تجمع هؤلاء بأولئك هي الحرب التي يخوضها أحدهما ضد الآخر.
تنطلق حكايات «ألف ليلة وليلة» من حرب طاحنة بين الجنسين بالفعل، إنها مأساة مليئة بالكراهية والدم، تعرف نهايتها بفضل عبقرية شهرزاد الجريئة، وبراعتها في فن التواصل، ونشاهد منذ بداية الحكايات الارتباط الوثيق بين العنف الجنسي والعنف السياسي من طرف الآباء المنكوبين ضد ملكهم، لم يبق هناك إلا أسرة واحدة تملك بنات عذراوات في مملكة شهريار، وهي أسرة الوزير الذي أشرف على قتل الفتيات، إذ كانت له بنتان هما «شهرزاد» و«دنيازاد».
لم تصل شهرزاد قصر شهريار إلا بعد عدة سنين، حيث لم يشأ والدها التضحية بها، ولكنها أصرت على مواجهة الملك: «... فقالت لأبيها يوما:ً يا أبتاه، إني مطالعتك على ما في سري. فقال: ما هو؟ قالت أشتهي منك أن تزوجني إلى الملك شهريار، إما أنني أتسبب في خلاص الخلق، وإما أنني أموت وأهلك».
من هنا تمثل الفتاة التي تسكن مخيال الفنانين والمفكرين الشرقيين صورة للمقاومة والبطولة السياسية، إن شهرزاد لا تذهب إلى الموت بسذاجة بل إن لها استراتيجيتها ولها خطتها المضبوطة: أن تتحدث إلى الملك، وتشد أنفاسه إليها، إلى حد يجعله غير قادر على التخلي عنها وعن موتها، وستنجح الخطة وستنجو شهرزاد من الموت: «... قال الملك في نفسه والله لا أقتلها حتى أسمع بقية الحديث وأقتلها ليلة الغد....».
إن تحويل غرائز مجرم يستعد لقتلك عن طريق الحكاية انتصار رائع، ولكي تنجح في ذلك كان على شهرزاد أن تتحلى بثلاث مزايا استراتيجية: أولها: تتمثل في معرفتها الواسعة، وثانيها: تتجسد في قدرتها على خلق التشويق قصد شدّ انتباه المجرم، أما الثالثة: فهي هدوؤها، أي قدرتها على التحكم في الموقف رغم الخوف.
كانت الخصلة الأولى ذات طبيعة ثقافية، إذ إن شهرزاد قد تلقت التعليم الذي كانت تستفيد منه الأميرات ولذلك نجد حديثاً عن ثقافتها الموسوعية في بداية الكتاب: «كانت الكبيرة شهرزاد قد قرأت الكتب والمصنفات والحكمة، وكتب الطبيات، وحفظت الأشعار، وطالعت الأخبار، وعلمت أقوال الناس وكلام الحكماء والملوك، عارفة لبيبة حكيمة وأديبة، قد قرت ودرت».
ولكن العلم لا يكفي وحده لمنح المرأة سلطة على الرجل: انظروا إلى مثقفاتنا المعاصرات، الكثيرات العدد واللامعات، سواء في الشرق أو في الغرب، إنهن عاجزات عن تغيير غرائز الموت لدى شهرياراتنا المحدثين....، من هنا تأتي أهمية تحليل الطريقة التي خططت بها شهرزاد لنجاحها تحليلاً دقيقاً.
أما الصفة الثانية التي تميزت بها بطلتنا، فهي ذات طبيعة نفسية، إنها تدري كيف تختار وتنسج كلماتها لكي تنفذ كسهام إلى روح المجرم، وبذلك تواجه العنف بالحوار.
إن اعتماد الكلمة كسلاح وحيد في صراع قاتل يشكل اختياراً جريئاً بشكل نادر، على المعتدى عليه إذا شاء التوفر في حظ في الانتصار، أن يكون متيقناً من فهمه لدوافع المعتدي، إدراكه لنواياه، وتحديد الهجمات عن طريق السبق إلى المبادرة كما يحصل في لعبة الشطرنج، ما يجسد صعوبة اختبار شهرزاد أكثر من غيره هو أن الملك «العدو» يظل في البداية صامتاً، فقد اكتفى خلال الشهور الستة الأولى بالاستماع إلى ضحيته دون أن ينبس ببنت شفة، ولم تكن شهرزاد تدرك عواطفه إلا من خلال تعابير وجهه وجسده، كيف تمكنت في هذه الحالة من أن تجد الشجاعة الكافية للاستمرار في التحدث وحدها خلال الليل؟ كيف يمكنها أن تتجنب الخطأ النفسي وتتلافى الخطوة القاتلة؟ كما يفعل صانع الاستراتيجية الذي يستعمل معرفته لتوقع ردود فعل الخصم ووضع تكتيكاته.
كان على شهرزاد أن تتخيل ما يدور بخلد شهريار باستمرار، وأن تفعل ذلك بأكبر قدر من الدقة، لأن أبسط خطأ يكون قاتلاً.
أخيراً، تتمثل الخصلة الثالثة التي تمتاز بها المقاتلة الشابة في برودة دمها، بحيث إنها تتحكم في خوفها، إلى الحد الذي تحتفظ معه بوضوح أفكارها، وتتسلم زمام اللعبة عوض الانقياد للخصم، لقد نجت شهرزاد إذاً بفضل ذكائها وخصالها الفكرية كمخططة ممتازة، لم ترم جسدها العاري في خمول على فراش الملك، لو فعلت لودعت الحياة، فهي أدركت بأن هذا الرجل لم يكن يعاني من الحرمان الجنسي، بل إنه يعاني من إحساس حاد بالنقص مرتبط بالشعور الذي ولدته لديه خيانة زوجته له، فما يحتاجه الملك هو طبيب نفسي يساعده على أن يعيش المأساة التي تنخره من جديد حتى يتحرر منها، وذلك ما شرعت شهرزاد في القيام به متسلحة بجرأة خارقة، حكت له مئات الحكايات التي تكرر الحبكة إلى مالا نهاية، كما لو أن الأمر يتعلق بهذيان: إنها حبكة الرجال الأقوياء الذين خانتهم زوجاتهم، ولكي تشجمع شهريار على أن يضخم مأساته تضرب المثل بحالات الجن، أي تلك الكائنات الخارقة التي لا تقهر والتي تتعرض هي الأخرى لخيانة الزوجات عندما تجازف بالإقفال عليهن، وتأثير تلك الحكايات المهموسة في الظلام يزعزع قوانين محكمة الملك التي تبدو مجرد سراب يماثل في هشاشته ضوء النهار، لقد تخلى الملك بالفعل عن مشروعه المرعب، وخضع لتأثير شهرزاد البارع، واعترف بخطئه عندما وجه غضبه ضد النساء.
«قال الملك: لقد زهدتني يا شهرزاد في ملكي وندمتني على ما فرط مني في قتل النساء والنبات، فهل عندك شيء عن حديث الطيور؟».
هكذا يعترف المستبد بأن حواره الطويل مع زوجته قد غير تصوره للعالم، وقد قاد هذا الاعتراف العديد من الكتاب العرب في القرن العشرين إلى إضفاء سلطة حضارية على النساء عامة وعلى شهرزاد خاصة.
يوجه المفكر المصري «طه حسين» نداء إلى المستقبل: إذا كان حب امرأة يفدي أفعال الرجال حسب رأيه، فإن هؤلاء سيرتكزون على السلام والطمأنينة عوض العنف.
إن شهرزاد تجسد في نظر «طه حسين» غريزة الموت الغامضة والمأساوية لدى الرجل.. ولم يدرك الملك بأن أسيرته حاملة لسر لا يستهان به إلا بعد أن استمع إليها خلال سنوات طويلة، وكان عليه أن يكتشف ذلك السر ليصل أخيراً إلى النضج العاطفي والطمأنينة، ويبدأ الخلاص حسب «طه حسين» حين يتم الحوار بين المضطهد والمضطهد، بين القوي والضعيف، ولا يمكن للحضارة أن تزدهر حقاً إلا إذا تعلم الرجال نسج علاقة مع الكائنات الأقرب إليهم.
هكذا بعث «طه حسين» وهو الكفيف العاجز عن خوض الحرب، كشأن المرأة، الرسالة المتضمنة في حكاية شهرزاد الوسيطية.
هناك ارتباط بين الكرامة الإنسانية، وتحرير المرأة، هذا الارتباط يجعل من شهريار أن يعترف بأن على الرجل أن يستعمل الكلمة عوضاً عن القوة في كل نزاع.
من هنا لا يمكن أن تعتبر الحكايات بمنزلة أسطورة حضارية راهنة جداً، حيث تثبت شهرزاد بذكائها وحكمتها أن العقل ينتصر على العنف، وأن إقامة الحوار تفرض علينا بالضرورة أن نجعل اختلافنا يواجه اختلاف الآخر، وأن نتبين الحدود التي تفرقنا ونحترمها، وحين نقدر الحوار في كل أبعاده، نقدر معركة لسنا متأكدين من نهايتها، إذ إننا لا نعرف من سيكون المنتصر أو المهزوم.
إن الشروع في قراءة «ألف ليلة وليلة» يعني اقتحام عالم لا يعترف بالحدود أو بالاختلافات الثقافية، من المحيط الأطلسي حتى حدود الصين، حيث يتكلم الفرس العربية ويحكمون شعوباً غريبة عنهم.
تتكون لفظة «شهرزاد» من كلمتين «شهر» و«زاد» وهما تعنيان «العريقة الأصل»، كان شهريار زوج شهرزاد فارسياً هو الآخر، اسمه يتكون من لفظتي «شهر» و«يار» اللتين تفيدان «صاحب المملكة» إلا أن شهرزاد لا تتوجه إلى زوجها باللغة الفارسية، إنما بلغة أجنبية منها العربية، كما أن شهريار يحكم شعباً غريباً عنه لأنه «كان ملكاً على جزر الهند والصين».
ورغم قدرة الحكايات على تجاوز الحدود الثقافية إلا أنها احتفظت بواحد منها وجعلت منه عائقاً لا يمكن تجاوزه، وأعني به الاختلاف بين الجنسين، إن ما يفصل الرجال عن النساء في الحكايات ليس مجرد حاجز، ولكنه هوة عميقةو والعلاقة التي تجمع هؤلاء بأولئك هي الحرب التي يخوضها أحدهما ضد الآخر.
تنطلق حكايات «ألف ليلة وليلة» من حرب طاحنة بين الجنسين بالفعل، إنها مأساة مليئة بالكراهية والدم، تعرف نهايتها بفضل عبقرية شهرزاد الجريئة، وبراعتها في فن التواصل، ونشاهد منذ بداية الحكايات الارتباط الوثيق بين العنف الجنسي والعنف السياسي من طرف الآباء المنكوبين ضد ملكهم، لم يبق هناك إلا أسرة واحدة تملك بنات عذراوات في مملكة شهريار، وهي أسرة الوزير الذي أشرف على قتل الفتيات، إذ كانت له بنتان هما «شهرزاد» و«دنيازاد».
لم تصل شهرزاد قصر شهريار إلا بعد عدة سنين، حيث لم يشأ والدها التضحية بها، ولكنها أصرت على مواجهة الملك: «... فقالت لأبيها يوما:ً يا أبتاه، إني مطالعتك على ما في سري. فقال: ما هو؟ قالت أشتهي منك أن تزوجني إلى الملك شهريار، إما أنني أتسبب في خلاص الخلق، وإما أنني أموت وأهلك».
من هنا تمثل الفتاة التي تسكن مخيال الفنانين والمفكرين الشرقيين صورة للمقاومة والبطولة السياسية، إن شهرزاد لا تذهب إلى الموت بسذاجة بل إن لها استراتيجيتها ولها خطتها المضبوطة: أن تتحدث إلى الملك، وتشد أنفاسه إليها، إلى حد يجعله غير قادر على التخلي عنها وعن موتها، وستنجح الخطة وستنجو شهرزاد من الموت: «... قال الملك في نفسه والله لا أقتلها حتى أسمع بقية الحديث وأقتلها ليلة الغد....».
إن تحويل غرائز مجرم يستعد لقتلك عن طريق الحكاية انتصار رائع، ولكي تنجح في ذلك كان على شهرزاد أن تتحلى بثلاث مزايا استراتيجية: أولها: تتمثل في معرفتها الواسعة، وثانيها: تتجسد في قدرتها على خلق التشويق قصد شدّ انتباه المجرم، أما الثالثة: فهي هدوؤها، أي قدرتها على التحكم في الموقف رغم الخوف.
كانت الخصلة الأولى ذات طبيعة ثقافية، إذ إن شهرزاد قد تلقت التعليم الذي كانت تستفيد منه الأميرات ولذلك نجد حديثاً عن ثقافتها الموسوعية في بداية الكتاب: «كانت الكبيرة شهرزاد قد قرأت الكتب والمصنفات والحكمة، وكتب الطبيات، وحفظت الأشعار، وطالعت الأخبار، وعلمت أقوال الناس وكلام الحكماء والملوك، عارفة لبيبة حكيمة وأديبة، قد قرت ودرت».
ولكن العلم لا يكفي وحده لمنح المرأة سلطة على الرجل: انظروا إلى مثقفاتنا المعاصرات، الكثيرات العدد واللامعات، سواء في الشرق أو في الغرب، إنهن عاجزات عن تغيير غرائز الموت لدى شهرياراتنا المحدثين....، من هنا تأتي أهمية تحليل الطريقة التي خططت بها شهرزاد لنجاحها تحليلاً دقيقاً.
أما الصفة الثانية التي تميزت بها بطلتنا، فهي ذات طبيعة نفسية، إنها تدري كيف تختار وتنسج كلماتها لكي تنفذ كسهام إلى روح المجرم، وبذلك تواجه العنف بالحوار.
إن اعتماد الكلمة كسلاح وحيد في صراع قاتل يشكل اختياراً جريئاً بشكل نادر، على المعتدى عليه إذا شاء التوفر في حظ في الانتصار، أن يكون متيقناً من فهمه لدوافع المعتدي، إدراكه لنواياه، وتحديد الهجمات عن طريق السبق إلى المبادرة كما يحصل في لعبة الشطرنج، ما يجسد صعوبة اختبار شهرزاد أكثر من غيره هو أن الملك «العدو» يظل في البداية صامتاً، فقد اكتفى خلال الشهور الستة الأولى بالاستماع إلى ضحيته دون أن ينبس ببنت شفة، ولم تكن شهرزاد تدرك عواطفه إلا من خلال تعابير وجهه وجسده، كيف تمكنت في هذه الحالة من أن تجد الشجاعة الكافية للاستمرار في التحدث وحدها خلال الليل؟ كيف يمكنها أن تتجنب الخطأ النفسي وتتلافى الخطوة القاتلة؟ كما يفعل صانع الاستراتيجية الذي يستعمل معرفته لتوقع ردود فعل الخصم ووضع تكتيكاته.
كان على شهرزاد أن تتخيل ما يدور بخلد شهريار باستمرار، وأن تفعل ذلك بأكبر قدر من الدقة، لأن أبسط خطأ يكون قاتلاً.
أخيراً، تتمثل الخصلة الثالثة التي تمتاز بها المقاتلة الشابة في برودة دمها، بحيث إنها تتحكم في خوفها، إلى الحد الذي تحتفظ معه بوضوح أفكارها، وتتسلم زمام اللعبة عوض الانقياد للخصم، لقد نجت شهرزاد إذاً بفضل ذكائها وخصالها الفكرية كمخططة ممتازة، لم ترم جسدها العاري في خمول على فراش الملك، لو فعلت لودعت الحياة، فهي أدركت بأن هذا الرجل لم يكن يعاني من الحرمان الجنسي، بل إنه يعاني من إحساس حاد بالنقص مرتبط بالشعور الذي ولدته لديه خيانة زوجته له، فما يحتاجه الملك هو طبيب نفسي يساعده على أن يعيش المأساة التي تنخره من جديد حتى يتحرر منها، وذلك ما شرعت شهرزاد في القيام به متسلحة بجرأة خارقة، حكت له مئات الحكايات التي تكرر الحبكة إلى مالا نهاية، كما لو أن الأمر يتعلق بهذيان: إنها حبكة الرجال الأقوياء الذين خانتهم زوجاتهم، ولكي تشجمع شهريار على أن يضخم مأساته تضرب المثل بحالات الجن، أي تلك الكائنات الخارقة التي لا تقهر والتي تتعرض هي الأخرى لخيانة الزوجات عندما تجازف بالإقفال عليهن، وتأثير تلك الحكايات المهموسة في الظلام يزعزع قوانين محكمة الملك التي تبدو مجرد سراب يماثل في هشاشته ضوء النهار، لقد تخلى الملك بالفعل عن مشروعه المرعب، وخضع لتأثير شهرزاد البارع، واعترف بخطئه عندما وجه غضبه ضد النساء.
«قال الملك: لقد زهدتني يا شهرزاد في ملكي وندمتني على ما فرط مني في قتل النساء والنبات، فهل عندك شيء عن حديث الطيور؟».
هكذا يعترف المستبد بأن حواره الطويل مع زوجته قد غير تصوره للعالم، وقد قاد هذا الاعتراف العديد من الكتاب العرب في القرن العشرين إلى إضفاء سلطة حضارية على النساء عامة وعلى شهرزاد خاصة.
يوجه المفكر المصري «طه حسين» نداء إلى المستقبل: إذا كان حب امرأة يفدي أفعال الرجال حسب رأيه، فإن هؤلاء سيرتكزون على السلام والطمأنينة عوض العنف.
إن شهرزاد تجسد في نظر «طه حسين» غريزة الموت الغامضة والمأساوية لدى الرجل.. ولم يدرك الملك بأن أسيرته حاملة لسر لا يستهان به إلا بعد أن استمع إليها خلال سنوات طويلة، وكان عليه أن يكتشف ذلك السر ليصل أخيراً إلى النضج العاطفي والطمأنينة، ويبدأ الخلاص حسب «طه حسين» حين يتم الحوار بين المضطهد والمضطهد، بين القوي والضعيف، ولا يمكن للحضارة أن تزدهر حقاً إلا إذا تعلم الرجال نسج علاقة مع الكائنات الأقرب إليهم.
هكذا بعث «طه حسين» وهو الكفيف العاجز عن خوض الحرب، كشأن المرأة، الرسالة المتضمنة في حكاية شهرزاد الوسيطية.
هناك ارتباط بين الكرامة الإنسانية، وتحرير المرأة، هذا الارتباط يجعل من شهريار أن يعترف بأن على الرجل أن يستعمل الكلمة عوضاً عن القوة في كل نزاع.
من هنا لا يمكن أن تعتبر الحكايات بمنزلة أسطورة حضارية راهنة جداً، حيث تثبت شهرزاد بذكائها وحكمتها أن العقل ينتصر على العنف، وأن إقامة الحوار تفرض علينا بالضرورة أن نجعل اختلافنا يواجه اختلاف الآخر، وأن نتبين الحدود التي تفرقنا ونحترمها، وحين نقدر الحوار في كل أبعاده، نقدر معركة لسنا متأكدين من نهايتها، إذ إننا لا نعرف من سيكون المنتصر أو المهزوم.