طارق عبدالواحد - ولما أدرك شهرزاد الصباح!

“ولما أدرك شهرزاد الصباح، سكتت عن الكلام المباح”. بهذه الجملة تنتهي جميع الحكايات التي تقصها شهرزاد على الملك شهريار، لتبدأ في الليلة التالية حكاية أخرى، وهكذا. لكن الكلام الذي كان “مباحاً” لمدة ألف سنة، لم يعد كذلك، على خلفية الدعاوى المرفوعة في المحاكم المصرية ضد كتاب “ألف ليلة وليلة” بدعوى احتوائه على مقاطع قصصية “تخدش الحياء العام”.

ولهذا الكتاب التراثي الجميل قصة طريفة. وتقول القصة: إن الملك شهريار فقد ثقته بالنساء جميعاً حين ضبط زوجته في سرير أحد “العبيد”، فقتلها انتقاماً لشرفه. وأخذ يتزوج كل ليلة بامرأة جديدة، لليلة واحدة، بدون أن يتوقف عن مراقبة عروسه، وتفتيش موبايلها وإيميلها وصفحتها على الفايسبوك، ثم يقتلها بعد انقضاء الليلة الأولى، لأنه لا أمل في إصلاح جنس النسوان المفطور على الخيانة، دون أن يخطر على باله، لمرة واحدة، أن يسأل نفسه، لماذا تفضل الملكة “عبدا” عليه، وهو الملك!

وهكذا حتى جاء دور شهرزاد، ابنة الوزير، التي وضعت خطة للنجاة من سيف وشكوك الملك. وتتلخص الخطة بأن تروي شهرزاد حكايات مشوقة ومؤثرة تمتد طوال الليل. حكايات تشد الأنفاس وتخطف الألباب.. جعلت الملك الشكاك يؤجل قرار القتل ليلة بعد ليلة، وصولاً إلى النهاية السعيدة التي أصلحت من حال الملك، وحلت عقدته، وليعيش الزوجان “بسبات ونبات ويخلفوا صبيان وبنات”!

والرسالة البسيطة التي تنطوي عليه فكرة “الحكايات” التي تؤدي كل واحدة منها إلى الأخرى، إلى مالا نهاية، هي أن “الحكي” لا ينقذ من الموت فقط، بل هو الحياة، نفسها!
ولكن مهلاً، فهذه ليست هي القصة الحقيقية، بل هي مجرد رواية يلعب فيها الخيال دور البطولة. وأما القصة الحقيقية، فتقول إن الملك شهريار أصيب بحنق عظيم حين اكتشف أن زوجته تخونه مع أحد العبيد، فذبحها انتقاماً لكرامته. ولكن ذلك لم يشف غليله، فآثر ألا يقتل “العبد” بل أراد التنكيل به، فخصاه.

ولم يهدأ غضب الملك، فكان كلما رأى عبداً، انفتح جرحه، فتفتق ذهنه عن فكرة “تاريخية”، إذ جمع كل “العبيد” الذين يخدمون في القصر، وخصاهم جميعاً اقتصاصاً لنفسه، وهذا ما يفسر وجود طبقة “المخصيين” في القصور الملكية. وكانت المفاجأة أن جرح الملك لم يندمل، ولم تهدأ نفسه. ثم خطرت بباله فكرة ملكية رائعة نفذها على الفور، إذ أصدر فرماناً يقضي بخصي جميع العاملين في القصر، من الوزراء والحكام والفقهاء والشعراء والحرّاس والخدم والحشم.
وبدأ يتزوج كل ليلة فتاة جديدة، لليلة واحدة، ثم يقتلها بعد ذلك، وانتبه الملك أن هؤلاء الفتيات اللواتي يتزوجهن لا بد وأنهن قابلوا شباناً في الشوارع أو المدارس وأماكن العمل، فأصدر مرسوماً ملكياً ساحقاً ماحقاً يقتضي بخصي جميع الذكور في المملكة، من البشر والحيوانات والنباتات.

أما شهرزاد، فالحقيقة أنها لم تحكِ ولا حكاية، وهي اصلاً لا تتذكر ولا قصة أو خرافة من تلك الحكايات التي كانت جدتها تحكيها لها وهي صغيرة، ولكنها سهرت طوال الليل وحيدة وحزينة، و”لما أدرك شهرزاد الصباح” أخذت توقظ زوجها النائم بجانبها، وتقول له: “قم.. وطلقني”!!



* arabamericannews
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...