نقوس المهدي
كاتب
اذا كان ثمة قبول بفكرة الجذر اللاتيني لكلمة (حكاية ) التي تعني الصياغة والتحايل فمن شأن هذا القبول السماح لنا بمقاربتها بمؤديات الليلة الاخيرة في حكايات الف ليلة وليلة ومن ثم العمل على فحصها ودراستها بأعتبارها من صلب حيل السرد وجزء من تقنية انتاجية تعني بتدوير السرد واحالة النهايات الى محتملات متداخلة في انماط سردية قائمة على ( نوع من تهذيب الاكاذيب ). والتي تدفع بشهرزاد نحو اكثر الطرق متاهة في توليد حكاياتها من خلال بناء حكائي متداخل يفترض اللانهاية ويتضاعف بمرور ( الحكاية الواحدة بعدد من الحكايات ) متوخية ادامة الشاغل الحكائي الذي يتجاوز المدى الزمني للحكايات الالف ويفيض عنه الى ليلة اضافية تقع خارج محيط الحكايات الالف متخذة من النهاية عقبة يفترض التغلب عليها عن طريق ( التوليد الداخلي لحكاية من حكاية اخرى ). وهي الوسيلة التي لا يمكن معها وقف الحكايات ابداً اذ بأمكان شهرزاد ( حكاية قصة يحكي فيها شخص ما قصة اخرى ، وهذه الاخيرة يحكي فيها شخص اخر قصة ايضاً ). وهكذا استطاعت شهرزاد وضع حكاياتها في سياق ما يمكن تسميته بالسرد اللامنقطع الذي يتعذر ايقافه والمستند الى لعبة سردية تعود الى نفسها على الدوام محققة استدامة السرد ودائريته بحيث ينجم عن ذلك زوال الفرق بين البداية والنهاية ويكشف عن جانب من سياقات الانتاج الحكائي في حكايات الف ليلة وليلة. وحقيقة الامر ان المروي من الحكايات لا يصمد طويلاً امام رغبة الفضول لدى الملك شهريار الا بالاعتماد على ما لم يروَ بعد، لذلك فأن ما يشغل شهرزاد ليس ما ترويه من حكايات والتي سرعان ما تصبح مهدورة القيمة بمجرد الانتهاء من روايتها على مسامع الملك شهريار، بل ان ما يشغلها حقاً هو ما يتعذر على السرد بلوغه، بسبب كونه يكفل اذكاء فضول الملك الى ما لا نهاية ، وبناء على ذلك نرى ان فكرة الاحالة الى الغائب والمفقود حاضرة في الحكايات منذ البداية فمن بين مقاصد السرد خلق صورة ظلية لحكايات غائبة ومفقودة بموجب العلاقة الاحالية بين حكاية واخرى والتي تجعل من الراوي يتقدم بأستمرار باتجاه الحكاية التي لا يصل اليها ابداً ، من خلال آليات سردية مفتوحة ومستحيلة الانهاء، بأمكانها ان تجنب الراوي ما يترتب عن اخراج الحكاية من السر الى العلن فأظهار الحكاية وبالتالي انقضاؤها يعتبر مفسدة لها من جهة المروي له ونوعاً من التلويح بخطر نضوب الحكايات.
اذاً ، لابد من حيلة سردية تحيل نحو الغائب والمفقود من الحكايات وهي بمثابة مخرج يوجه اشتغالات الراوي باتجاه تقنيات الاخفاء لحدث ما والحؤول دون تجليه في سرد اية حكاية وهي تقنية تماثل في احسن تقريب، غياب الوجه ، الذي يجعلنا ندرك اهمية حضوره حالما يظهر في المرآة .
ومن هنا جاءت فكرة الليلة الاضافية ( الليلة ما بعد الالف ) على الصورة التي صممت فيها . انها ليلة ليست كسائر الليالي بالنظر لوقوعها خارج محيط الحكايات الالف وهي على هذا الاساس تشعرنا بتأكيد شئ غائب ومفقود ، شئ يواصل حضورة عبر متاهات سردية متكتمة، بل انها دعوة مفتوحة باتجاه الغائب والمفقود بأمكانها ان تسعف تصوراتنا بأن (ما ظهر من الحكايات ليس كل شئ ، بل ان هناك شيئاً اخر غائباً ومفقوداً) وما دامت النهاية تعد بشئ لا تكشف عنه الحكايات الالف فأن انقضاء اجل الحكايات مرتهن بما لا يأتي بعد .
ومن ذلك نتبين ان فكرة الختام لا تحكم صلتها بالاغلاق وليس بمقدورها الامساك بأية نهاية . وعليه فأنها تشير الى بدء بنية التأليف وليس انقضاءها متحولة الى كيفية من كيفيات استئناف السرد وهي على هذا النحو تتجاوز الخاتمة لأمور تقع وراءها ، انها شئ يتأسس ولا يدل مطلقاً على زمن انقضاء الحكايات، ويمكن اعتبارها سرود ضمنية تعيق انغلاق السرد مما يجعل محتماً على الحكايات ان تتواصل لدرجة انها تقع خارج مقدرة السرد على التوقف والامساك ببقاياه.
ومن ذلك ندرك ان الليلة الإضافية في حقيقة الامر هي بنية سردية تختزل اعداداً لا متناهية من الحكايات المحملة برسائل غير مفضـوضة تنعش رغبة الفضول لدى الملك وبما يتجاوز قصد الختام، فهي وان كان تقترن بالليلة الأخيرة لكنها تشير على الدوام الى ما يتلوها لتتـرك الباب مفتوحا امام الحكايات لتوليد بعضها عن بعض، تلك الحكايات التي لا تناط بعهدتها ايه نهاية امتثالاً لحاجتها الدائمة الى مشاركة غيرها، وهو امتياز اضافي توليه شهرزاد اهتمامها من حيث كونه دواماً لحكاياتها .
ان الليلة الإضافية ( او الليلة ما بعد الالف ) تقوم بمقام العنصر المولد الذي يؤمن الاتصال بدورة من الحكايات اللاحقة حيث تسمح لكل نهاية ان تمسك بخيط بداية جديدة وعلى هذا النحو فهي بمثابة فعل تأليفي متصل يعتمد تقنيات وآليات القص التي لا تنتج سرداً فحسب وانما مثيرات مفقودة بجوارها، ونتيجة لذلك فأن السرد في الحكايات لا يمكن التعاطي معه الا بوصفه نتاجاً محذوفاً لا قيمة له الا بما ينتجه من مفقودات حكائية تتخطى نطاق قدرات الحكايات الحاضرة الى الحد الذي لا يمكن معه تصور الحكايات الالف بدون حكايات أُخر تظل على علاقة دائمة مع الغائب والمفقود، وتماشياً مع منطق عملها هذا فأن ما يتجلى من السرد يقود الى ما يحتجب منه في الحكايات، اذ لا معنى ولا قدرة لظهور أي شئ من دون اختفاء يسبقه. ان سرداً من هذا النوع ( غير قابل للمبادلة بغيره ) لا سيما فيما يتعلق بالحكايات التي تخرق نهاياتها وتشعرنا بمقدار الحاجة للإحالة نحو الغائب والمفقود اذ سيكون بوسعنا رواية ما لم يروَ بعد حينما تتحول الحكايات المسرودة الى فرجات نظــر تسمح لنا بأدراك الحكايات من دون الاستماع اليها ، اذا يصبح الامساك بالمفقود اقرب منالاً ، ونتيجة لذلك فأن مفهوم السرد في الحكايات الشهرزادية يتجاوز مفهوم الحكاية ذاتها من حيث كونه يشكل حقلاً كتابياً لاحقاً يتوق الى ما هو ابعد من الحكايات الالف ، فليس بمقدورنا ايقاف السرد وهو الناقل لدلالة الحياة المطروحة بديلاً عن الموت.
ان الامر يستدعي سرداً لا نهاية له بل ان الوحدات السردية المصحوبة بلذة انجاب حكاية والتي من شأنها اعاقة حضور الموت جديرة بأن لا تنتهي طالما ان الغائب من الحكايات هو الذي يشكل الفارق بين الحياة والموت وانهما رهن بأستمرار السرد او عدمه.
وعلى هذا الاساس يكون ممكناً الاقرار بأهمية ما تطرحه شهرزاد خارج المتن الالفي للياليها ، انه المتن الاكثر تميزاً للسرد الشهرزادي الذي لاينصرم اوانه من حيث كون النهاية تمثل بدءاً اخراً واستمراراً لوجود الحكايات ، فالسرد الذي يسلب النهاية من أي دور ينتظرها لا يمكن ان يكون الا تأليفا مستمراً باتجاه المساحات السردية غير المسماة والتي لم تظهر حكاياتها بعد.
ان السرد الاكثر اهمية هو ما يغيب عن المروي في كل حكاية فالمنقضي او المروي من السرد تستحيل اعادته . اما الغائب فهو المدرك الذي بالامكان استحضاره لاحقاً ، بمعنى ان شهرزاد نفسها تعجز عن تثبيت حدود اية حكاية تحمل امتياز تجاوز نهاياتها عبر زحاف حكائي يظل على الدوام يعد بشئ في سياق عالم الحكايات وزمنها الذي لا يهرم.
* newsabah
اذاً ، لابد من حيلة سردية تحيل نحو الغائب والمفقود من الحكايات وهي بمثابة مخرج يوجه اشتغالات الراوي باتجاه تقنيات الاخفاء لحدث ما والحؤول دون تجليه في سرد اية حكاية وهي تقنية تماثل في احسن تقريب، غياب الوجه ، الذي يجعلنا ندرك اهمية حضوره حالما يظهر في المرآة .
ومن هنا جاءت فكرة الليلة الاضافية ( الليلة ما بعد الالف ) على الصورة التي صممت فيها . انها ليلة ليست كسائر الليالي بالنظر لوقوعها خارج محيط الحكايات الالف وهي على هذا الاساس تشعرنا بتأكيد شئ غائب ومفقود ، شئ يواصل حضورة عبر متاهات سردية متكتمة، بل انها دعوة مفتوحة باتجاه الغائب والمفقود بأمكانها ان تسعف تصوراتنا بأن (ما ظهر من الحكايات ليس كل شئ ، بل ان هناك شيئاً اخر غائباً ومفقوداً) وما دامت النهاية تعد بشئ لا تكشف عنه الحكايات الالف فأن انقضاء اجل الحكايات مرتهن بما لا يأتي بعد .
ومن ذلك نتبين ان فكرة الختام لا تحكم صلتها بالاغلاق وليس بمقدورها الامساك بأية نهاية . وعليه فأنها تشير الى بدء بنية التأليف وليس انقضاءها متحولة الى كيفية من كيفيات استئناف السرد وهي على هذا النحو تتجاوز الخاتمة لأمور تقع وراءها ، انها شئ يتأسس ولا يدل مطلقاً على زمن انقضاء الحكايات، ويمكن اعتبارها سرود ضمنية تعيق انغلاق السرد مما يجعل محتماً على الحكايات ان تتواصل لدرجة انها تقع خارج مقدرة السرد على التوقف والامساك ببقاياه.
ومن ذلك ندرك ان الليلة الإضافية في حقيقة الامر هي بنية سردية تختزل اعداداً لا متناهية من الحكايات المحملة برسائل غير مفضـوضة تنعش رغبة الفضول لدى الملك وبما يتجاوز قصد الختام، فهي وان كان تقترن بالليلة الأخيرة لكنها تشير على الدوام الى ما يتلوها لتتـرك الباب مفتوحا امام الحكايات لتوليد بعضها عن بعض، تلك الحكايات التي لا تناط بعهدتها ايه نهاية امتثالاً لحاجتها الدائمة الى مشاركة غيرها، وهو امتياز اضافي توليه شهرزاد اهتمامها من حيث كونه دواماً لحكاياتها .
ان الليلة الإضافية ( او الليلة ما بعد الالف ) تقوم بمقام العنصر المولد الذي يؤمن الاتصال بدورة من الحكايات اللاحقة حيث تسمح لكل نهاية ان تمسك بخيط بداية جديدة وعلى هذا النحو فهي بمثابة فعل تأليفي متصل يعتمد تقنيات وآليات القص التي لا تنتج سرداً فحسب وانما مثيرات مفقودة بجوارها، ونتيجة لذلك فأن السرد في الحكايات لا يمكن التعاطي معه الا بوصفه نتاجاً محذوفاً لا قيمة له الا بما ينتجه من مفقودات حكائية تتخطى نطاق قدرات الحكايات الحاضرة الى الحد الذي لا يمكن معه تصور الحكايات الالف بدون حكايات أُخر تظل على علاقة دائمة مع الغائب والمفقود، وتماشياً مع منطق عملها هذا فأن ما يتجلى من السرد يقود الى ما يحتجب منه في الحكايات، اذ لا معنى ولا قدرة لظهور أي شئ من دون اختفاء يسبقه. ان سرداً من هذا النوع ( غير قابل للمبادلة بغيره ) لا سيما فيما يتعلق بالحكايات التي تخرق نهاياتها وتشعرنا بمقدار الحاجة للإحالة نحو الغائب والمفقود اذ سيكون بوسعنا رواية ما لم يروَ بعد حينما تتحول الحكايات المسرودة الى فرجات نظــر تسمح لنا بأدراك الحكايات من دون الاستماع اليها ، اذا يصبح الامساك بالمفقود اقرب منالاً ، ونتيجة لذلك فأن مفهوم السرد في الحكايات الشهرزادية يتجاوز مفهوم الحكاية ذاتها من حيث كونه يشكل حقلاً كتابياً لاحقاً يتوق الى ما هو ابعد من الحكايات الالف ، فليس بمقدورنا ايقاف السرد وهو الناقل لدلالة الحياة المطروحة بديلاً عن الموت.
ان الامر يستدعي سرداً لا نهاية له بل ان الوحدات السردية المصحوبة بلذة انجاب حكاية والتي من شأنها اعاقة حضور الموت جديرة بأن لا تنتهي طالما ان الغائب من الحكايات هو الذي يشكل الفارق بين الحياة والموت وانهما رهن بأستمرار السرد او عدمه.
وعلى هذا الاساس يكون ممكناً الاقرار بأهمية ما تطرحه شهرزاد خارج المتن الالفي للياليها ، انه المتن الاكثر تميزاً للسرد الشهرزادي الذي لاينصرم اوانه من حيث كون النهاية تمثل بدءاً اخراً واستمراراً لوجود الحكايات ، فالسرد الذي يسلب النهاية من أي دور ينتظرها لا يمكن ان يكون الا تأليفا مستمراً باتجاه المساحات السردية غير المسماة والتي لم تظهر حكاياتها بعد.
ان السرد الاكثر اهمية هو ما يغيب عن المروي في كل حكاية فالمنقضي او المروي من السرد تستحيل اعادته . اما الغائب فهو المدرك الذي بالامكان استحضاره لاحقاً ، بمعنى ان شهرزاد نفسها تعجز عن تثبيت حدود اية حكاية تحمل امتياز تجاوز نهاياتها عبر زحاف حكائي يظل على الدوام يعد بشئ في سياق عالم الحكايات وزمنها الذي لا يهرم.
* newsabah