خيري شلبي - سهير القلماوي وألف ليلة وليلة

1/1

حار المستشرقون والعرب في معرفة الأصول الحقيقية لألف ليلة وليلة . هل هي من أصول هندية؟ أم فارسية؟ أم عربية؟ وسر هذه الحيرة هو أن قصص هذا الكتاب تعكس جوانب من حضارات وتراث كل هاتيك الشعوب حتي ليصعب علي الباحث المدقق الوصول إلي رأي قاطع بأن أصل هذا الكتاب هو هذا البلد أو ذاك . أما سر الاهتمام فإنه ذلك الانبهار الشديد الذي أصاب العالم أجمع بهذا الكتاب منذ أول احتكاك به عن طريق الترجمة الفرنسية التي كانت أول ترجمة له، فمنذ أن عرفه الغرب إلي اليوم وهو يتخذه كتابا تربوياً من الدرجة الأولي، حتي أن الأستاذ الفرنسي الذي ترجمه أول مرة ونعني به » أنطوان جالان « توجه بالترجمة إلي ابنته - نعم ابنته - لعلها تستوعب فيه من عبر ودروس أخلاقية وإنسانية تستهدفها حكايات ألف ليلة وليلة مع العلم بأنه ترجمها ترجمة أمينة لم تشطب حرفاً وحداً بدعوي خدش الحياء أو ما إلي ذلك من ذرائع عبيطة متخلفة . ولم يتوقف اهتمام الغرب بهذا الكتاب طوال العصور والأجيال، من دولة إلي دولة ومن جيل إلي جيل تعاد طباعة الترجمات القديمة وتتعدد الترجمات الجديدة، فضلاً عن دراسات وأبحاث ومقالات ورسائل علمية جامعية لم يتوقف تدفقها، بل يتزايد في جميع الأمم المتحضرة ذات العقول المتحررة من الأوهام . ولو بحثنا في حجم الفوائد العلمية والثقافية والفنية التي استفادها الغرب من هذا الكتاب الفريد لوجدنا أن الثقافة العالمية المعاصرة تدين لهذا الكتاب بالكثير الكثير . أما بالنسبة لنا نحن العرب فقد بقي هذا الكتاب عنواناً علينا وعلي الشرق كله، لقد لفت أنظار العالم إلينا، فبدأ الاهتمام بثقافتنا وتراثنا الشعبي بنوع خاص . وتقول الدكتورة سهير القلماوي في بحثنا الرائد الكبير عن المرأة في ألف ليلة وليلة الذي حصلت بموجبه علي إجازة الدكتوراه بإشراف الدكتور طه حسين : » لسنا نبالغ إذا قلنا إن ألف ليلة وليلة كانت الحافز الأهم لعناية الغرب بالشرق عناية تتعدي النواحي الاستعمارية التجارية والسياسية، بل لسنا نبالغ إذا أرجعنا كثيراً من قوة حركة الاستشراق وانتشارها إلي ما تركه هذا الأثر في نفوس الغربيين «. ونقلاً عن الدكتورة سهير نحاول استرجاع ما قاله المستشرقون حول أصل ألف ليلة وليلة . يقرر الأب الصالحاني : » إنها تأليف عربي، مستدلاً في ذلك بنص ابن النديم في الفهرست، وبالروح الإسلامي في الكتاب، ويذكر هارون الرشيد الذي لابد أن يكون ذكره قد أتي بعد زمن حياته بكثير وإلا ما رضي خلفاؤه أن ينزل هذا الملك العظيم منزل السفال والغوغاء، ومستدلاً أيضاً بأن اختيار الأمكنة وقع علي بغداد ودمشق ومصر «. وتقول الدكتورة سهير إن » أول من أدلي بشيء له قيمة في باب البحث عن ألف ليلة وليلة كان المستشرق النمساوي فون هامر . فقد كان جالان أشار في ترجمته منذ أوائل القرن الثامن عشر إلي أن أصل هذه القصص هندي . وقال كثيرون بعد ذلك أقوالاً مختلفة لا تستند إلي دليل ولا تدل علي بحث أو درس وإنما هي مجرد فكرة أو ظن، وكذلك فون هامر كان أول من أشار إلي أن نصاً في كتاب مروج الذهب للمسعودي يشير إلي وجود كتاب بهذا الاسم . ونشر هذ النص في المجلة الأسبوعية في أبريل سنة 1827 . وأهم ما يمكن أن نخرج به من هذا النص هو أن كتابا مترجماً عن الفارسية اسمه ألف ليلة وليلة أو ألف ليلة فقط كان معروفاً أيام المسعودي أي في منتصف القرن الرابع الهجري . وكان معروفاً أنه ترجم منذ أيام المأمون أو المنصور فيما ترجم في أيامهما من آثار غير عربية، وأن هذا الكتاب فيه ذكر للملك والوزير وابنته، وأن كتباً أخري مثله كانت معروفة مثل كتاب السندباد وشماس وغيرهما مما نراه مدمجاً في المجموعة التي نعرفها اليوم . وفي آخر المقال يرجع فون هامر - مستنداً إلي هذا النص - أن الكتاب ترجم أيام المنصور جد الرشيد الذي يلعب هذا الدور المهم في قصصه «. وفي مقدمته للترجمة الألمانية التي قام بها فون هامر يقسم الكتاب إلي عدة أقسام .. » فجزء أصله قديم جداً نُقل إما عن الهند أو فارس وهذا نوعان : نوع فيه الخيال والمبالغات والقصد منه التسلية ليس غير، مثل قصة ملك الثعابين، ويقول عن هذا النوع إنه هو الذي كان منتشراً أيام الرسول صلي الله عليه وسلم . والنوع الثاني الذي سيق للموعظة والعبرة وهذا كثير وأصله الهندي أوضح من أن يحتاج إلي بحث . أما القسم الثاني فهو القسم العربي الذي يرجع زمنه إلي الخلفاء، وأولهم هارون الرشيد . ثم قسم ثالث وهو الأحدث يرجع إلي أصل مصري يصور الحياة الاجتماعية فيها «. ولكن المستشرق » دوساس « يعارض هذا الرأي يفنده مبدياً شكه في صحته علي أساس أن رأي هوم لا يمكن أن يؤيده هذا الروح الإسلامي القوي العام الذي صبغ الكتاب كله مهما يكن موضوع القصة وأيما كان منظرها . علي أن » فون هامر « في سنة 1839 يقدم دليلاً جديداً يؤكد به دليله الأول، وهو أن النص الذي يشير إلي ألف ليلة وليلة في كتاب الفهرست لمحمد بن إسحاق بن النديم في المقالة الثامنة عن الجزء الثامن التي يتحدث فيها عن الخرافات، ويشير هذا النص إلي أن كتاباً فارسياً اسمه ( هزار أفسان ) هو أول ما عُمل في باب كتابة الخرافات، وأن وصف هذا الكتاب ينطبق من حيث المقدمة والطريقة العامة في القص علي ما بين أيدينا من كتاب ألف ليلة وليلة، وأن كتاب ( هزار أفسان ) حدثت به شهرزاد الملك في ألف ليلة وليلة وأن فيه دون المائتي سمر، وأن ابن النديم رآه فحكم عليه بأنه كتاب غث بارد . ثم يتسع ذلك الجهشياري صاحب كتاب الوزراء بتأليف كتاب يجمع ألف سمر من أسمار العرب يتحدث بها في ليال، فمات دون أن يكمل أربعمائة وثمانين ليلة . غير أن المستشرق الإنجليزي الشهير السير إدوارد وليم لين، الذي كان من أوائل المهتمين بكتاب ألف ليلة وليلة يعلق علي نص المسعودي مرجحاً أن مؤلف ألف ليلة وليلة واحد .. » وذلك لأسباب : أولاً لأنها تصف حالة اجتماعية بعينها ذات طبيعة متوافقة . وثانياً لأننا لا نجد مثل هذه القصص في كتب عربية أقدم من هذه المجموعة . وثالثاً لأنه ليس هناك فروق بين النسخ المعروفة لا يمكن إرجاع أسبابها أو تعليلها في يسر وسهولة إذا عرفنا أن من هذه النسخ ما كان ناقصاً واحتيج فيه إلي إكمال . ومنها ما كتب عن تسميع شفاهي فيه نقص ظاهر أكمل فيما بعد، وإلا فكيف نعلل هذه التشابهات القريبة جداً بين قصص بعينها توجد في كل النسخ «. ويحدد لين عصر ظهور الصورة الأخيرة للكتاب بأواخر القرن الخامس عشر الميلادي وأوائل القرن السادس عشر، ويعين وطن المؤلف بأنه مصر، ويعلل هذا التعيين بأن » الحالة الاجتماعية هي حال مصر «. ويرد علي الملحوظة التي نشرها » دوساس « والتي وجدها مكتوبة بالفارسية علي هامش نسخة كلكتا الثانية بخط الناسخ نفسه الشيخ الشيرواني حيث ينص أن المؤلف سوري لغته العربية، كتب الكتاب بقصد تسهيل تعلم اللغة العربية لمن يريد تعلمها . وتشير الدكتورة سهير القلماوي إلي أن المستشرق » شوفان « استغل هذه الملاحظة : » وأطال في بحثها فخرج بأن المؤلف المصري هذا كان شخصين وليس واحداً . مصري وصف الحياة الاجتماعية المصرية، وآخر كان يهودياً ثم أسلم، وهذا ما يفسر كثرة وجود الإسرائيليات في ألف ليلة وليلة، ويفسر أيضاً كثرة ما يحكي فيها عن الذين آمنوا أو دخلوا الدين الإسلامي بعد أن كانوا من الكافرين . وأخيراً يرجح شوفان أن هذا المصري اليهودي الذي أسلم هو إبراهيم بن ميمون الذي عاش قبل عام 1518م «.




.../...
 
خيري شلبي
سهير القلماوي تبحث في أصول ألف ليلة وليلة
( 2 - 2 )

أما المستشرق » برتن « فإنه يتوصل إلي النتائج التالية » إن الأصل لهذا المؤلف مأخوذ عن أقدم القصص مثل السندباد والسبعة وزراء وجلعاد يمكن إرجاعها إلي عصر المنصور أي القرن الثامن الميلادي - ولعله يريد إرجاع عصر دخولها العربية .. ثم إن بعض القصص المشتركة في كل النسخ ترجع إلي القرن العاشر وبعض قصص حديثة أضيفت فيما بعد يرجع عهدها إلي القرن الثالث عشر . وأما المؤلف فهو غير معروف لأنه لم يكن هناك مؤلف واحد وإنما كان هناك ناشرون ونساخ ولا يمكن أن نتحدث عنهم إلا إذا ظهرت نسخ أكثر مما بين أيدينا من الكتاب «. ويقرر المستشرق » ليتمان « مستنداً إلي نص للقرطبي ورد في كتاب نفح الطيب للمقري في صدد الكلام عن بناء الهودج في بستان القاهرة والبدوية التي بناه لها الآمر بأحكام الله أن القصص الشعبية حول هذه البدوية وحول ابن مية من أبناء عمومتها أصبحت مثل قصص الأبطال وألف ليلة وليلة وما شابهها مما يدل علي أنه كان لألف ليلة وليلة صورة معروفة شائعة في القرن الثامن عشر الميلادي . يقرر ليتمان أن » صورة من هذا الكتاب عرفت في مصر وشهدت تحول منتصف القرن الثاني عشر الميلادي، وأن هذه الصورة التي لا يمكن أن نحكم علي محتوياتها بشيء ظلت في مصر وأخذت تنمو وتزداد علي مر الزمن . ويقرر ليتمان ثانياً أنه ما دمنا لا نملك نسخة من هذه المجموعة العربية القديمة ولا نسخة من الأصل الفارسي المشار إليه فإن الميدان سيظل مفتوحاً أمام كل الفروض «. ويعين المستشرق » ماكدونالد « الأطوار التي مر بها كتاب ألف ليلة وليلة بأنها : » أولا الأصل الفارسي الهزارأفسان . ثانياً الترجمة العربية لهذا الأصل الفارسي . وثالثاً : صورة من هذا الكتاب كانت المقدمة فيها مأخوذة من الهزار أفسان . وأما القصص التي تلتها فقد كانت من أصل عربي . وهي توجد الآن مكان القصص الفارسية الأصلية . هذه القصص الغربية كانت مختصرة لا قيمة لها وكان فيها ولا شك قصة التاجر والجني ... إلخ، رابعاً : ألف وليلة وليلة كما وجدت في مصر الفاطميين المتأخر في القرن الثاني عشر الميلادي والتي قد لا تختلف عن الصورة الثالثة إلا بأنها كانت شائعة في مصر . وخامساً : ألف ليلة وليلة كما نجدها في نسخة جالان التي تعتبر أقدم نسخة، والتي لا تختلف كثيراً عن النسخة المصرية المعروفة وعن سائر النسخ الأخري المتداولة «. إلا أن الأستاذ ليتمان » يشك في أن يكون هناك ترجمة كاملة للهزار أفسان ويرجح أن الترجمة كانت المقدمة العربية ليس غير وأن ما أضيف بعد هذه المقدمة وإن كان من أصول غير عربية فإنه قصص عربي له صيغته الإسلامية . وبهذا لا يكون الشبه بين ألف ليلة وليلة وبين الهزار أفسان إلا المقدمة ولفظ ألف، ولكن ما دمنا لا نملك نسخة من ألف ليلة وليلة القديمة هذه ولا من الهزارأفسان فإننا لا نستطيع أن نؤكد شيئاً وكل ما نستطيع أن نؤكده هو أن الليالي التي بين أيدينا قسمان منفصلان : قسم بغدادي وقسم مصري .. القسم البغدادي يدخل فيه كل القصص الهندي أو الفارسي الذي دخل العربية زمن العباسيين . والقسم المصري ما كتب من هذه القصص في مصر أو سوريا لاتصال البلدين صلة وثيقة أيام المماليك وتحت حكم الأتراك . كذلك نلاحظ أن هناك قصص بغداديا غُىِّر وحُوِّر في مصر، وأن قصصا مصريا ألف من زمن أقدم من زمن الرشيد فضلاً عن أن يكون من زمنه، ولكنها لا يمكننا أن نحدد الزمن الذي وجدت فيه النسخة الكاملة للمجموعة البغدادية قبل أن تدخل مصر لتنسخ وتتغير «. وأما المستشرق الدانماركي » أو يستروب « ففي محاولته تحديد الجزء الأصلي الفارسي من ألف ليلة وليلة ينص علي أن : » أهم الأدلة في هذا الميدان سيكون وجود هذه القصص بالفارسية أو الهندية في عصور سابقة لوجود كتاب باسم ألف ليلة وليلة . هذه المشابهات القديمة إما أن تكون نصوصاً صريحة كاملة للقصة وإما أن تكون شبها قويا في الصفات المميزة لها أو تشابهاً قريباً في بعض الأجزاء . ويضيف إلي هذه الأدلة كلها دليلاً لست أراه شيئاً وهو وجود أسماء بعينها . فما الذي يمنع العرب من استعمال أسماء هندية أو فارسية إن أرادوا أن يقصوا قصة يجعلون حوادثها تدور في الهند أو فارس ماداموا قد سمعوا هذه الأسماء، والثابت أنهم قد عرفوها، ثم يرجع » أويستروب « بعض القصص إلي أصلها الصريح في الهندية ذاكراً القصة الهندية الأصلية بعينها، وهو يذكر بعض الأسماء فيها، التي تثبت أنها دخيلة علي العربية . ثم يشير إلي أن طريقة إدخال قصة في قصة من خواص الأدب السنسكريتي وأن قص القصة لمنع السامع من أن يعمل عملاً ضاراً بغيره ظاهرة هندية معروفة حتي إنه في العربية ترجمة حرفية لعبارة سنسكريتية .. وظاهرة تحول الحيوان أيضاً غريبة عن العرب وعن المعتقدات الإسلامية . وهكذا يستمر معدداً في ثنايا بحثه بعض ملاحظات من هذا النوع «. ويهمنا أن نسجل هنا الملاحظة الواعية التي سجلتها الدكتورة سهير علي هذه الفقرة إذ تقول : » وأري بهذه المناسبة أن ألاحظ شيئاً عن بحث كثير من المستشرقين في هذا الميدان وهو قولهم هذه ظاهرة لا تلائم الطبيعة العربية أو الأمة الإسلامية فإنهم ولنأخذ المستشرق لين مثلاً، قد أسرفوا في الحكم علي الطبيعة العربية والأمة الإسلامية؛ لأنهم جعلوا أساس حكمهم علي الفكرة العامة . وهذا أساس للحكم غير كاف، فالذي لا شك فيه أن نواحي من ألصق ما تكون بهذا الموضوع، موضوع الأدب الشعبي، لم تصور لا في كتب الأدب ولا في كتب الدين . وليس يكفي مستشرقاً مثل لين أن يزور مصر لكي يستطيع أن يحكم أحكاماً علي الطبيعة الإسلامية أو المصرية، وإنما لابد لهذا الحكم من دراسات طويلة ذاتية قريبة من الشعب متصلة به اتصالاً وثيقاً أقله اللغة . وقد يكون الشرقي أقدر علي إدراك كنهها وأسرع إلي لمحها وأقدر علي تحديدها من الغرب «. وبعد أن تستعرض الدكتورة سهير ما قاله المستشرقون في صدد أصل الليالي نقدم تعليقها الذي توضحه هذه الفقرة أجل وضوح، إذ تقول : » إذا عرفنا كل هذا وتذكرنا الحقائق التي أثبتناها في مستهل هذا البحث عرفنا أن الكلام في تاريخ الليالي رجم بالغيب في أكثر الأحيان . فمعالم مهمة للبحث مفقودة فقداناً تاماً . هناك فجوة كبيرة من الزمن لا نملك فيها من الليالي إلا إشارات لا يمكن، مهما أسرفنا في تحميلها أكثر مما يصبح لها أن تحتمل، أن نصل بها إلي شيء مهم ثابت . ثم هناك البدء الأساسي وهو غامض كل الغموض . فالأصل الفارسي المترجم عنه ليس موجوداً ولا نعرف عنه أكثر من الحقائق الأولية التي لا توصل إلي شيء . والصورة العربية الأولي سواء أكانت ترجمة للكل أو للجزء ليست بين أيدينا . وما وصل إلينا عنها غامض لا يقرر إلا حقائق أولية لا توصل هي بدورها إلي شيء . والنسخ التي بين أيدينا إذا تجاوزنا عن مدي هذه الاختلافات التي لم تدرس بعد، وكان درسها وتحديدها يعين علي شيء، يرجع تاريخ أقدمها إلي زمن حديث نسبياً كما يمكن أن يقودنا الاستنتاج لا النص الصريح، وهي بعد متقاربة كلها من حيث الزمن، أما الاستنتاج الداخلي عن تاريخ الأصل من ذكر تواريخ ومواضع وأعلام فتعترضه صعوبات أهمها إمكان حشر هذه الألفاظ التي نعتمد عليها وسهولة هذا الحشر، وهو إن دل علي شيء فإنه يدل علي صورة من صور قصة بعينها أو، وهذا هو الأرجح، يدل علي تحرير ما للقصة بعد أن أخذت صورتها النهائية بزمن ... إلخ إلخ «. والواضح إذن أننا لو استرشدنا بكلام الدكتورة وبحثنا في جوهر الليالي وموضوعاتها وما تضمنه من أبعاد اجتماعية وسياسية وتاريخية فسوف نضع أيدينا علي حقيقة جوهرية مهمة للغاية، تلك هي عروبة هذا العمل الفني حتي ولو كانت فكرته الأساسية مستقاة من آداب شعوب أخري، فالمعروف أن معظم الأفكار الفنية تنبت في بيئة لتكتمل في بيئة أخري . وبعض الأفكار الفنية قد تنسلخ من بيئتها الأصلية لتحمل جنسية البيئة التي اكتملت فيها، وأبرز مثل علي ذلك هو كتاب ألف ليلة وليلة . وسواء كانت بعض الحكايات من أصول هندية أو فارسية فإن الصياغة الفنية النهائية لليالي تعتبر صياغة عربية صرفة ما في ذلك شك . إن شخصيات الليالي كلها وإن حمل بعضها أسماء أعجمية تعتبر عربية المحتوي والملامح الخارجية . ولو بحثنا في شخصية شهرزاد نفسها لوجدنا أن تكوينها النفسي عربي محض، كما أن محتواها الثقافي نابع من أدبيات عربية قديمة . لقد صيغت هذه الليالي من وجدان عربي، وبروح سردية من موهبة الحكي العربي . إن عظمة الصياغة العربية هي في شعبيتها وجرأتها في تسمية الأشياء بأسمائها، وفي كونها صياغة استوعبت كل التراث الثقافي للشرق وجعلت منه سبيكة درامية إنسانية تنطق بأصالة الشخصية المصرية العربية، أو العربية المصرية .
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...