ديب علي حسن - شهرزاد.. امرأة لكــل العصــور .. وأول علماء النـــفس...

ماذا لو أن شهريار لم يكن موجوداً هل كنا اخترعناه لنصل إلى شهرزاد؟.

ألف ليلة وليلة الكتاب الخالد أبد الدهر سحرنا به عندما كنا صغاراً نقرأ ونحلّق في آفاق بعيدة، كم أبحرت مع حكاياه وسهرت تحت شجرة التوت لأصل إلى خاتمة ليلة من الليالي؟ رسمت في خيالي صوراً لشخصيات وأبطال، وزرت أماكن في محيط ألف ليلة وليلة إلى حيث حدودها قبل أن أغادر قريتي الصغيرة وعلى أبعد حد محافظتي.

سحر الخيال سحر الصورة، سحر القص والتشويق.. عالمنا التلفزيون آنئذ، نعم شهرزاد صاحبة ذلك ولكن أعود من جديد للسؤال: ماذا لو أن شهريار لم يكن موجوداً أكان أحدهما اخترع الآخر؟ أم نحن اخترعناهما معاً لملء أوقات فراغنا كما كنا نظن ونحن نقرأ ألف ليلة وليلة لأول مرة أو لاكتشاف الخيانة.

كتاب ينمو معك كلما نمت ثقافتك وازدادت معارفك يعطيك الخيال والصورة والمتعة الآنية إن أردت ذلك ويعطيك عالماً أوسع وأرحب وأكثر قدرة على جعلك تطرح أسئلة عن سحر الخيال، عن سحر الإبداع الجماعي، عن اكتشاف، عن قصد أو دون قصد كيف كانت ألف ليلة وليلة ترجمة محلية للقول (في البدء كانت الكلمة) الكلمة الساحرة الجارحة القاتلة، الكلمة الدواء والداء، شهرزاد أول علماء النفس عبر التاريخ وبالتأكيد كانت عيادتها في كل مكان، كانت في دمشق في بغداد في أماكن كثيرة رحلة علاج طويلة كان عليها أن تخوضها لشفاء شهريار وأي مخاطرة تلك أن تكون في طائرة يقودها حاقد.. شهريار حمل شهرزاد على أجنحة سطوته وإن دخلت عالمه باختيارها لكنها كانت قد تمكنت من أدواتها ومن وسائلها وقدرتها على التغيير، لم تكن قاسية عنيفة في أدواتها كما سيفعل فرويد بعد ذلك مع مرضاه الذين أخضعهم للتحليل وأسقط على علم النفس ما في التوراة من عقد وفضائح جنسية.

(شهرزاد) أول عالم نفس في التاريخ أول محلل نفسي أول روائية تكتب رواية لا تقف عند حدود زمان ومكان، أبطالها خارقون خيالها العلمي جامح فصنعت الحصان الناري والمرايا العاكسة.

واليوم كيف نقرأ شهرزاد؟ هل نقدمها كما قدمتها الدراسات من خلال تحليل صورة المرأة في ألف ليلة وليلة وقد فعلت ذلك د. سهير القلماوي في كتابها المتميز (ألف ليلة وليلة) وقد خصصت فصلاً كاملاً للحديث عن المرأة في ألف ليلة وليلة وترى أنه يمكننا أن نحصر صورة المرأة في الليالي تحت بابين، باب استمدت صوره من واقع الحياة الاجتماعية للتجار، وباب استمدت صوره من خيال صبغ صبغاً قوياً بواقع هذه الحياة، وللمرأة حسب قلماوي دوران الأول: الحب والثاني: الكيد.

ولم تكن د. القلماوي الوحيدة التي وقفت عند صورة المرأة في ألف ليلة وليلة بل فعلت ذلك (ألفة الأدلبي) في كتابها (نظرات في تراثنا الشعبي).

أما الدراسات الأخرى فهي لا تعد ولا تحصى، استلهمت ألف ليلة وليلة في فنون الآداب المرئية والمسموعة والمقروءة.

ولكن لا أدري لماذا تلح على المقارنة بين أسلوبها العلاجي وأسلوب فرويد وأسلوب عالم السلوك الأمريكي (سكينر) صاحب الكتاب الشهير: تكنولوجيا السلوك الانساني الذي صدرت ترجمته العربية منذ سنوات ضمن سلسلة عالم المعرفة الكويتية.

سكينر عالم النفس الأمريكي له أسلوبه في تطويع الكائنات وتدجينها وجعل الإنسان آلة مبرمجة أما شهرزاد فما الذي فعلته؟ سكينر رأى السلوك الإنساني تكنولوجيا توجه ويمكن التلاعب به كيفما أردنا، وقد تم استغلال هذا الإنجاز في هندسة التلاعب بالعقول وغزوها، بينما طهرت شهرزاد العقول من الأدران وفتحت آفاقاً واسعة لا ضفاف لها، كل يوم نكتشف قيماً جديدة فيها ولكن هذا يقودنا إلى سؤال: أين شهرزاد اليوم من شهرزاد الأمس أين حكاياتها وأين شهريارها؟.. لماذا انعكست المعادلة وسيطر شهريار على شهرزاد وعاد ليصوغ حكاياتها؟ هل هو انتكاس وانتقام؟ من يشفي من الآن؟ شهرزاد في مصح شهريار ومبضعه ليس رحيماً وما أصعب النكوص.

هل تستيقظ شهرزاد من غفوتها.


-thawra.alwehda
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...