نقوس المهدي
كاتب
بداية، لابد من توضيح، إذ أنني أتحمل المسئولية كاملة عن نشر ألف ليلة وليلة.. إنني أشكر الدكتور أحمد مجاهد لشجاعته الأدبية والأخلاقية، وكل الزملاء الذين يتحملون مسئوليات إصدار سلسلة الذخائر بقدر أو آخر، وأعتذر لهم عما سببته لهم من ترويع بسبب هذا البلاغ المنشور علي الإنترنت والصادر عن مكتب واحد يضم كل هذا العدد من المحامين مما يدل علي وجود شيء ما غير معلن الهدف منه ترويع المثقفين، والهدف أيضاً الإساءة إلي الإسلام والمسلمين والحضارة الإسلامية بإظهارهم معادين للنصوص الأدبية الإنسانية العظمي التي أصبحت أساساً في الوجدان البشري ولا يقبل العقل المساس بها.
الأمر ليس جديداً.. إذ بين الحين والحين تستغل التيارات التي تعمل لأهداف سياسية متمسّحة بالدين بعض النصوص أو سطوراً هنا أو هناك من رواية بهدف ترويع الأدباء والمثقفين الذين يجمعون علي موقف واحد ضد التيارات الأصولية التي تسعي إلي تقويض ما تبقي من الدولة الحديثة وبناء الدولة الدينية، أحياناً يستخدم حق التقاضي، وهناك من تخصص في ذلك ويسعي أيضاً للتكسب من مبالغ التعويضات التي صدرت بها أحكام وهناك من يلجأ إلي العنف المباشر، خطوط متوازية لكن الهدف واحد، لست في حاجة إلي توصيف الأوضاع القائمة، ولكن في إطار التدهور العام والمواقع التي تكسبها تلك الجماعات والتيارات من خلال اضطراب المجتمع وتراخي المواجهة.. يقف المثقفون بقوة رغم تشرذمهم، من هنا كان استهدافهم فرادي أو جماعات.. لقد عرضت فكرة إصدار سلسلة الذخائر علي طيب الذكر حسين مهران، وكان ذلك أثناء الاحتفال بافتتاح مؤتمر أبوحيان التوحيدي الذي اقترحت إقامته من خلال نقطة عبور، واستجاب إلي ذلك وزير الثقافة فاروق حسني ولست مبالغاً إذا قلت إنه من أنجح المؤتمرات التي أقيمت في الوطن العربي كافة خلال السنوات العشرين الأخيرة، كان الهدف من هذه السلسلة هو نشر الكتب النادرة من التراث التي أصبحت خارج نطاق الذاكرة الثقافية، أو تلك التي تمثل ركناً ركيناً في الثقافة العربية، ولكن بسبب تزايد التأثير الوهابي الذي انعكس علي دور النشر لم يعد أحد يقبل علي طباعة مؤلفات ابن سينا والجاحظ وأبوالعلاء وصدرالدين الشيرازي، ويلاحظ أن مراكز نشر هذا التراث الذي يمثل العصب في الثقافة العربية أصبحت خارج الوطن العربي مثل طهران والعواصم الأوروبية التي يقوم فيها بعض الناشرين الآن بتحقيق وطباعة نصوص نادرة، وقد نشرنا في سلسلة الذخائر أحد هذه الكتب مؤخراً »مضحك العبوس والترويح عن النفوس« لابن سودون، تحقيق المستعرب الهولندي أرنولد فروليك، وقام المستعرب الإنجليزي بتحقيق رائع لنص مهم من العصر العثماني هو »هز القحوف في شرح مقيد أبوشادوف« وصدر في بلجيكا، الهدف من الذخائر إعادة هذه النفائس إلي الذاكرة الثقافية العربية، بالنسبة إلي ألف ليلة وليلة أشعر دائماً أن من واجبي إتاحة هذا النص العالمي الذي لم يلق تقديراً كافياً في ثقافته ويعتبره البعض من منطلق الجهل فضيحة أو جريمة، أقدمت علي الطباعة، طبعة الهند في ثمانية مجلدات ولم يكن أحد قد رآها، حتي كبار الباحثين لم يقفوا عليها لندرتها. وعندما عدت للإشراف علي الذخائر لاحظت أن سعر طبعة بولاق المصورة عن الأصل يصل إلي ثلاثمائة جنيه وهي متاحة في الأسواق وعلي الإنترنت في أكثر من مائة وسبعين موقعاً، وهنا يبرز الهدف الحقيقي لهذه العصبة من المحامين، لأن العمل الذي قدموا البلاغ ضده متاح تماماً فلم نضف جديداً بنشره، أيضاً هناك حكم قضائي صادر عن محكمة الاستئناف يقضي بإتاحة تداول طبعة ألف ليلة وليلة الصادرة عن مكتبة محمد صبيح والتي أبلغ بعضهم شرطة الآداب(!) بمصادرتها، هذا الحكم تاريخي بكل معني الكلمة، وقد أشار الزميل طارق الطاهر إلي أهم ما حواه في هذا العدد، أشعر بالخجل لتكرار الحديث عن أهمية ألف ليلة وتأثيرها في الأدب الإنساني، وخلال الشهور الأخيرة قُدر لي أن أشارك في مؤتمرين دوليين، الأول في جامعة نيويورك فرع أبوظبي، وكان يضم أكبر أساتذة الأدب في العالم، وأذهلني مدي تأثير ألف ليلة في العالم خاصة في آسيا التي لم أكن أعرف عنها شيئاً، والمؤتمر الثاني في جامعة أرلنجن بألمانيا، أقارن بين اهتمام العالم والجهل المنطلق من عندنا ولا أري فيه إلا ثقافة تحتضر، القضية الأخطر التي تنطلق من هذه الدعوي تخص نشر التراث، هل تنشر النصوص كما هي أم نحذف منها؟ الموقف السليم في رأيي في النشر الكامل وعدم جواز الحذف، لأن الحذف يعني تدمير التراث خاصة أن القيم متغيرة، فما يحذف في عصر يسمح به في عصر، وهذا تدمير للذاكرة الثقافية.. إنني أدعو إلي وقفة صارمة في مواجهة
* أخبار الأدب : 02 - 05 - 2010
الأمر ليس جديداً.. إذ بين الحين والحين تستغل التيارات التي تعمل لأهداف سياسية متمسّحة بالدين بعض النصوص أو سطوراً هنا أو هناك من رواية بهدف ترويع الأدباء والمثقفين الذين يجمعون علي موقف واحد ضد التيارات الأصولية التي تسعي إلي تقويض ما تبقي من الدولة الحديثة وبناء الدولة الدينية، أحياناً يستخدم حق التقاضي، وهناك من تخصص في ذلك ويسعي أيضاً للتكسب من مبالغ التعويضات التي صدرت بها أحكام وهناك من يلجأ إلي العنف المباشر، خطوط متوازية لكن الهدف واحد، لست في حاجة إلي توصيف الأوضاع القائمة، ولكن في إطار التدهور العام والمواقع التي تكسبها تلك الجماعات والتيارات من خلال اضطراب المجتمع وتراخي المواجهة.. يقف المثقفون بقوة رغم تشرذمهم، من هنا كان استهدافهم فرادي أو جماعات.. لقد عرضت فكرة إصدار سلسلة الذخائر علي طيب الذكر حسين مهران، وكان ذلك أثناء الاحتفال بافتتاح مؤتمر أبوحيان التوحيدي الذي اقترحت إقامته من خلال نقطة عبور، واستجاب إلي ذلك وزير الثقافة فاروق حسني ولست مبالغاً إذا قلت إنه من أنجح المؤتمرات التي أقيمت في الوطن العربي كافة خلال السنوات العشرين الأخيرة، كان الهدف من هذه السلسلة هو نشر الكتب النادرة من التراث التي أصبحت خارج نطاق الذاكرة الثقافية، أو تلك التي تمثل ركناً ركيناً في الثقافة العربية، ولكن بسبب تزايد التأثير الوهابي الذي انعكس علي دور النشر لم يعد أحد يقبل علي طباعة مؤلفات ابن سينا والجاحظ وأبوالعلاء وصدرالدين الشيرازي، ويلاحظ أن مراكز نشر هذا التراث الذي يمثل العصب في الثقافة العربية أصبحت خارج الوطن العربي مثل طهران والعواصم الأوروبية التي يقوم فيها بعض الناشرين الآن بتحقيق وطباعة نصوص نادرة، وقد نشرنا في سلسلة الذخائر أحد هذه الكتب مؤخراً »مضحك العبوس والترويح عن النفوس« لابن سودون، تحقيق المستعرب الهولندي أرنولد فروليك، وقام المستعرب الإنجليزي بتحقيق رائع لنص مهم من العصر العثماني هو »هز القحوف في شرح مقيد أبوشادوف« وصدر في بلجيكا، الهدف من الذخائر إعادة هذه النفائس إلي الذاكرة الثقافية العربية، بالنسبة إلي ألف ليلة وليلة أشعر دائماً أن من واجبي إتاحة هذا النص العالمي الذي لم يلق تقديراً كافياً في ثقافته ويعتبره البعض من منطلق الجهل فضيحة أو جريمة، أقدمت علي الطباعة، طبعة الهند في ثمانية مجلدات ولم يكن أحد قد رآها، حتي كبار الباحثين لم يقفوا عليها لندرتها. وعندما عدت للإشراف علي الذخائر لاحظت أن سعر طبعة بولاق المصورة عن الأصل يصل إلي ثلاثمائة جنيه وهي متاحة في الأسواق وعلي الإنترنت في أكثر من مائة وسبعين موقعاً، وهنا يبرز الهدف الحقيقي لهذه العصبة من المحامين، لأن العمل الذي قدموا البلاغ ضده متاح تماماً فلم نضف جديداً بنشره، أيضاً هناك حكم قضائي صادر عن محكمة الاستئناف يقضي بإتاحة تداول طبعة ألف ليلة وليلة الصادرة عن مكتبة محمد صبيح والتي أبلغ بعضهم شرطة الآداب(!) بمصادرتها، هذا الحكم تاريخي بكل معني الكلمة، وقد أشار الزميل طارق الطاهر إلي أهم ما حواه في هذا العدد، أشعر بالخجل لتكرار الحديث عن أهمية ألف ليلة وتأثيرها في الأدب الإنساني، وخلال الشهور الأخيرة قُدر لي أن أشارك في مؤتمرين دوليين، الأول في جامعة نيويورك فرع أبوظبي، وكان يضم أكبر أساتذة الأدب في العالم، وأذهلني مدي تأثير ألف ليلة في العالم خاصة في آسيا التي لم أكن أعرف عنها شيئاً، والمؤتمر الثاني في جامعة أرلنجن بألمانيا، أقارن بين اهتمام العالم والجهل المنطلق من عندنا ولا أري فيه إلا ثقافة تحتضر، القضية الأخطر التي تنطلق من هذه الدعوي تخص نشر التراث، هل تنشر النصوص كما هي أم نحذف منها؟ الموقف السليم في رأيي في النشر الكامل وعدم جواز الحذف، لأن الحذف يعني تدمير التراث خاصة أن القيم متغيرة، فما يحذف في عصر يسمح به في عصر، وهذا تدمير للذاكرة الثقافية.. إنني أدعو إلي وقفة صارمة في مواجهة
* أخبار الأدب : 02 - 05 - 2010