محمد عبد الرحمن يونس - استبداد النساء في الف ليلة وليلة

يكاد يتّفق معظم رواة ألف ليلة وليلة على رؤية تكاد تكون واحدة، ينطلقون منها لوصف نساء اللّيالي، وأخلاقهنّ وعاداتهنّ، وعلاقاتهنّ بالرّجال في القصور وأسواق التّجارة، وهذه الرؤية محكومة بقيم الرّجل السّلطويّ البطريركيّ الذي لا يثق بأيّة امرأة مهما كانت. ومن هذه الرّؤية قُدّمت النّساء الزّواني(1)، و القوّادات(2)، والمحتالات(3)، والمتآمرات على كلّ من يقف أمام رغباتهنّ الشّهوانيّة الفاجرة(4)، واللّواتي لا علاقة لهنّ بالعفّة والأخلاق الفاضلة، لأنّهنّ فاسدات الطّويّة والهوى(5)، والنّساء اللّواتي هنّ أصل المصائب(6)، والفساد والمكر والخديعة(7)، ومن هنا فقد رأى هؤلاء الرّجال أنّ المرأة شرّ، وأنّ الانقياد إلى رأيها و مشاورتها يعني مزيداً من الخسائر(8).

وإذا كانت هناك استثناءات تنظر إلى المرأة نظرة احترام لمكانتها، بوصفها أمّا أو أختاً أو زوجة صالحة و مخلّصة(9)، فإنّ هذه الاستثناءات نادرة جدّاً، ولا تشكّل نموذجاً للمرأة الموصوفة والمُحتفى بها في اللّيالي، أو مقياساً يمكّننا من خلاله أن نتبيّن أهم ملامح المرأة في اللّيالي. ولعلّ أهمّ ملمح من ملامح النّساء في حكايات ألف ليلة وليلة، هو ملمح المرأة السلطويّة المستبدّة الطاغية التي تقف ندّاً للرجال في ممارسة الطّغيان والاستبداد، والّتي تفوقهم في أحيان أخرى، سواء أكانت من الحرائر أم من الجّواري الحظايا؛ فالمرأة التي تساعدها ظروفها لأن تكون في منزلة عليا من طبقات المجتمع، نجدها تمارس اضطهاداً و تسلّطاً على من دونها من الرّجال والنّساء، فهي تستمدّ سلطتها من سلطة زوجها، سواء أكان خليفة أم سلطاناً، أو من سلطة رجل قويّ عشيق يخضع لرغباتها وأهوائها. وتشير حكايات اللّيالي إلى أنّ هذه النّماذج السّلطويّة النّسائيّة هي نماذج دمويّة، مثلها مثل رجال السّلطة، إذ إنّها تلجأ إلى القتل إذا غضبت، وترتكب جرائم أخرى كثيرة إذا مُنعت من تحقيق رغباتها. و بطبيعة الحال لا يستطيع بعض رواة اللّيالي الشّعبيّين معاقبة هاته النّسوة السّلطويّات على جرائمهنّ، لئلاّ تفقد حكاياتهم مصداقيّتها و بعدها السّياسيّ. فهاته النّسوة محصّنات بسلطات الرّجال وبطشهم، ومن هنا فإنّ قدراتهنّ على اختراق القوانين وإلغائها كبيرة جدّاً، وقدراتهن على زرع الفساد والتّخريب، من دون أن ينلن أيّ عقاب، أكبر من ذلك بكثير.

ويحاول هذا البحث دراسة أهم مظاهر الاستبداد والتسلط التي تمارسها نساء ألف ليلة وليلة على من حولهن من الرجال والخدم والمقربين. ويعرجّ على طبيعة أخلاق هاته النساء، وممارساتهن المتعددة الأشكال في حكايات ألف ليلة وليلة، كما يعرض لمظاهر الرؤية الإيديلوجية المعادية لهاته النساء، وكما يبثها رواة ألف ليلة وليلةفي فضاء نصوص ألف ليلة وليلة .

ــــــــــــــــــــــ
بحث منشور في :
مجلة مقاربات الأكاديمية المحكمة، المغرب، العدد الأول ، عام 2008م.

(1) - مؤلف مجهول: ألف ليلة و ليلة، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، د. ت، 1/13، 14، 15، 22. و مواضع أخرى كثيرة جدّاً .
(2) - م ن، 1/146؛ 2/34.
(3) – م ن، 1/161، 162، 165؛ 2/325-326.
(4) م ن، 2/295-296.
(5) – م ن، 2/41؛ 3/85-86.
(6) – م ن، 2/299.
(7)– م ن، 2/59،238.
(8) – م ن، 3/171.
(9) – م ن، 1/278؛ 3/158، 159، 187.


د. محمد عبد الرحمن يونس - استبداد النساء في الف ليلة وليلة


.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...