مقداد مسعود - على هامش الليالي الألف.. الأذن العصية واللسان المقطوع

القسم الاول

(1)
اتصالية الحكي بالحياة
تحكي لتعيش وتحكي لتعايش.. لتمط شريط حياتها. انها تحكي بل يجب ان تحكي والا حكاها سيف مسرور. عند كل فجر يجب ان توقف حكيها وبهذه الطريقة تضمن شهرزاد حياتها حتى الليلة التالية. جاعلة من الملك. (شهريار) بفعل الحكي مملوكاً لحكيها..
شهرزاد حكي اعزل ازاء مجهز بكل الحول وكل القوة. عبر الحكي تجرعت شهرزاد الحياة جرعة جرعة ، لكنها استمرت في الري والروي، في العيش والمعايشة. لولا لسانها... شرط فسلجي ضروري وهو غصن مكشوف من شجرة خبيئة، لولاه لما انحنت تلك الاذن العصية لشهريار الملك.

(2)
إتصالية الثأر بالحكي
العيش من الحكي والعيش في الحكي، ولأن شهرزاد خصبة تدفقت بالغصون البشرية وبالحكايات وبالتالي بالعمر المديد. عمر اورق في طيات المكتبات وعلى السنة الفصول. ولأنها خصبة لم تثأر بـ(شهريار) لم تقتل فيه الا القتل.
شهرزاد لا الحق المتمسك بالثأر من شهريار بل الحق الذي استعان بالفن/ بالحكي تخلصاً من حتمية الثأر.

(3)
إتصالية النجاة/ بالحكي
ظلمة لزجة هوت به (شهريار) الى بئر سوداء كالظن. بئر عمقها الف ليلة وليلة بل اكثر من ذلك اذا حسبنا الليالي التي قبل حكي شهرزاد. اعني بداية فترة الخيانة الزوجية.
في الليلة الاولى بالحكي والحكي وحده يتغلب انسان تاجر على قوة فتاكة (جني)، يتعجب الجني وبتأثير الحكي يتراجع عن قتل الانسان فيتقدم (التاجر) في السفر والحياة.. خلال جلسات سريرية تمتد قرابة ثلاثة سنوات تنبجس من عيون شهريار دموع الرحمة... هل ادرك شهريار، لا شهريار وحده بل كل مخلوقات الله لها اجنحة وان الفضاء ملكية عامة.. بالحكي وحده انتصر الانسان على الوحش. انتصرت شهرزاد وهي تدندن: هو لديه (مسرور)/ وانا لدي (حكايا)

(4)
الإصغاء / الإنصات
قبل شهرزاد: الرعية كلها على اختلاف تراتبيتها الاجتماعية: آذان محض. فيها يصب اللسان الأوحد (شهريار)، لهذه الآذان وظيفتان. قل وظيفة واحدة مزدوجة، الإصغاء/ الإنصات... انه "جسم الملك وما فيه من حضور غريب مادي واسطوري ومع القوة التي ينشرها بنفسه او ينقلها الى البعض/ (1). إصغاء تام للسان الأوحد وإنصات دؤوب على الألسن الكامنة.
قبل شهرزاد اللسان عاطل الاصح معطل عن وظيفته الأساس: النطق. ومقتصر على دفع الطعام وغير الطعام الى الجوف.

(5)
مرآة محدبة / مرآة مقعرة
شهريار من يوقفه؟ كل ليلة يقترف الدم نفسه، القدر تواطأ معه والمطلق يمهله والرعية وهم محض لحظات في سيرورته لم يبلغوا من المقامات غير مقام الصبر.
من يوقفه؟
من يستوقفه؟
وهو يرى نفسه (الحق على كل شيء)... حق من هذا الطراز هو واقع ولكنه ليس حقاً الا على وفق السياق الاعتباطي اعني ان هذا الواقع ليس من عناصر تاثيث العالم. شهريار لا هو سيف مبصر ولا سيف أعمى: شهريار سيف جد طويل وعلى عينيه غمامة فهو اذن سيف يتخبط وكل افقه مرآة، مرآة صغيرة وغير مستوية، احياناً تكون محدبة واخرى مقعرة.
مرآة كل ليلة تعيد انتاج هيمنتها اعتمادا على اقتصاد القاني الساخن المتدفق من الضحايا.

(6)
المشكاة / النور
بمبادرة منها لا بلمعة من سيفه قدمت نفسها: شهرزاد.
لم يكن ذلك بدافع الحب لشخصه او طمعاً في مركزه ومركزيته بل بقوة ما كسبت من انوثة وثقافة طوال فترة قبل الزواج وقولنا انوثة يتساوق مع قولنا رجولة فالرفاهية الاجتماعية المتأتية من تراتبيتها ضمن الراتوب الملكي وفّرت لها سيولة في الوقت وامكانات في التعلم فعمدت هي الى تخصيبها هذه السيولة بالدأب (المعرفي).
اثناء فترة الزواج ستعطي غريزة الزوج افضل ما كسبت من انوثة وثقافة وبفعلها التربوي هذا سقت صحراء تلك الغريزة الشهريارية الجديبة وبفعل السقاية الصحراء تصغر وستكون رحيمة عندها تبذر فيها شهرزاد: المشكاة والنور اعني الموسيقى والعقل لتعاملها المتفرد مع شهريار وقع الموسيقى على النفس ولحكيها هيمنة العقل المستنير بالمعرفة الانسانية. بفعلها هذا اخضعت شهريار الى اطوار من التهذيب وجعلته في تماس مع كيفية تناول الحياة شعرا. هنا نستعين بكلود ليفي شتراوس ونقول (شعرياً اذا كانت الموسيقى تؤثر مباشرة في حواسنا فقط فان العقل يتدخل في متعة الحواس)(2).

(7)
الأخلاق / التاج
توجه مثل هذا لهو متأت من تجربة شخصية في الحياة ومكتسب بفعل تربية بيتية. توجه مثل هذا هو وحده من يستطيع ان يروض الآخر العصي، معادلة لا تخلو من تعقيد وجهد لا يستغني عن برمجة.
اذن ليس هناك من خطوة مرتجلة خطتها شهرزاد.. عندما نريد ان نعاملها معاملة الحكيم نرى انها تعي (انه يجب على الحكيم المميز ان يجتهد بكل وسع طاقته ان يكون من الملك بين منزلتين فأنها احرى المنازل بدوام المتعة واستقامة الحال وقلة التنافس ومصارعة اهل الحسد والوشاة)(3) وهذا يعني ان شهرزاد متخلقة باخلاق التاج.

(8)
الأنا / الحق
وحدها شهرزاد من نطقت بغيبة النساء عن حالهن، ونطقها لم يكن كلاماً مباشراً عادياً بل حقلاً من الفسيفساء، خصب بالاستعارة والكناية والتشبيه المتجسد بالحكي المتداخل، كـ(كل) هي منظومةوكـ(جزء) أي حكاية واحدة، هي نص ذلك لان (ظاهرة بعينها يمكنها ان تبدو في ضوء صلات معينة صلات أُخر وبوصفها منظومة تفك رموز نصوص من مستوى آخر/ ريفايتير(4) ولان الانسان مفقود بقدر ما يتورم في اناه وموجود بقدر مجاورته للحق، فأن شهريار رغم كابوسية موجوديته فيزياوياً واجتماعياً فانه ايضا مفقود وبقدر كبير.

(9)
الغريزة الجنسية/ الفعل الجنسي
وحده الحكي: يلغي المرايا المشوهة، ويعين الذات لاستعادة سيرورتها. فالحكي ماء دافق ننزل فيه للتعميد، والحكي شمس تتفتح وردتها ورقة ورقة فتتساقط الظلمة بفعل القوة الصاعدة. في نسغ الحكي اوقفت شهرزاد جريان الدم من الليل وهي تحقنه بمصل الحكاية (ان للحكاية امتيازاً كبيراً يكمن في عدم تمركز الملكية الفردية للدلالة/ برنوفيلهام(5) في الحكي مناجاة شهرزاد وتعليم شهريار اهم درس في الجنسانية (ان فهم الغريزة الجنسية بصورة واعية اهم من الفعل الجنسي/ فوكو). عبر هذا الفهم اخذت تخبو شيئاً فشيئاً رهابية الدم في شهريار فتدفق شهريار في شهرزاد بثلاثة غصون بشرية، ذلك رصيدها من الامومة، كما صيرته في جوانب معينة انسانوياً اذ (لابد من اختراع لغة قيمية رفيعة للحوار والتواصل والمحبة ولغة تخاطب المرأة كشجرة وارفة/ بول دي هان)(6

(10)
الأعتناء / التهديد
الحكايات حبل غزلته شهرزاد والقته في بئر الـ(هو) العائد لشهريار، لتستخرج (انا) الملك التي سقطت فيه بفعل صدمة اخلاقية... سقطت في بئر سوداء كالظن.
شهرزاد (انا) متعالية، (انا) خصبة مقطوعة الصلة عن الـ(هو) العائد لها او لشهريار. كأن شهرزاد في تماس دائم مع (انا) عليا، (انا) اوحت اليها بمبادرة الزواج رغم خشية الاب على الأبنة (شهرزاد) من بطش الملك (شهريار). تتقدمها ثقافتها الموسوعية، كأنها الجارية (تودد). وحدها شهرزاد من دربت شهريار على تقنية الاصغاء وعلمته ان (الاعتناء بالحياة لا بالتهديد بالقتل هو الذي يمنح السلطة منفذها الى الجسد/ فوكو).

(11)
العنكبوت / الذبابة
شهريار هو من اوقف الرابطة الزوجية على راسها جاعلاً الوجه الانثوي يحتقن بدم الجسد البريء فاذا كان الزواج (وسيلة تسمح بكامل التفتح لشخصية الزوجة ولشخصية اولادهما../ روجيه غارودي)(7).
فالامر يختلف لدى شهريار فهو يقترن بالمرأة ليستمر معها بل ليجهز عليها. فالزواج تاشيرة دخول الى البيت. أي بيت اعني؟ لا أعني ذلك البيت المؤسس على المودة والرحمة بل اوهن البيوت. نعم شهريار عنكبوت/ الزوجة ذبابة/ السلطة الكليانية: شبكة الصيد.

(12)
السلطة / الجنس
عندما تضغط على كلمة سلطة، لابد ان تنز دماً من تضاعيفها وعرقاً من القائل بها (اذ لا تقوم بين السلطة والجنس الا علاقة سلبية: رد/ رفض/ صد.../ ميشال فوكو).

(13)
الجسد / الشبح
شهريار من النساء لا يختار الا العذراء، كذلك يخبرنا راوي ما قبل الليلة الاولى، وما قبل الليلة الاولى يكتسب اهميته بكونه العتبة التي لابد ان نطأها حتى ندخل البيت بيت الليالي الالف، واختياره العذراء لتوفرها على شرط الهتك (غشاء البكارة) وهو بفعلته هذه يحاول قتل المرأة قتلا مزدوجاً: اغتصاب الجسد وبالتالي اغتصاب الحياة من الجسد وهو في كل ليلة يعيد انتاج القتلة الاولى، فيموت شهريار في الحياة، يموت ليعيش بالموت وللموت وبهذه الطريقة تثأر القتيلة من قاتلها، فالحي الدمائي شهريار دون دراية منه انتج اثناء انتقامه الليلي من زوجته الاولى انتج شبحاً يطارده (ولكي يوجد شبح لا بد وجود جسد)(8)، القتيلة شبح يطارد القاتل فيستعين القاتل بقتل جديد فاذا بالقتيلة الاولى تعين القتيلة الجديدة وبقية القتيلات بمطاردة القاتل، وها هو بدلاً من ان يخلصه القتل مما هو فيه نراه يتماهى في القتيلة الاولى وهو يكرر انتاجها ويتواصل دمائياً معها بدلاً من محوها. الدم وظيفياً وهو يتدفق من الضحايا لا يغمر الزوجة الاولى بل يسقيها كأنها (تمص دماً وتبغي دماً وتبقى تلح وتستطعم/(9). وهكذا تعمد الضحية الاولى لتعذيب معذبها وهي تنتصب شبحاً يطارد شهريار والشبحية هنا تزيد من انتاجها فيصاب شهريار بشيزوفرينيا الاشباح اذا جاز القول، فيعاني من شبح الزوجة الاولى (من شبح الآخر ومن شبح الذات بوصفه شبحاً للآخر)(10).

(14)
الرجل / المرأة
شهريار لا يختار الا العذراء من النساء، وحتى لا تستطيع خيانته (على وفق نظريته) يعجل بقتلها ليبقيها محافظة لا على شرفها هي بل على شرفه هو المطعون فيه على ذمة الراوي الاول من قبل الزوجة الاولى انه (يميل الى تصورها وكأنها لا ترتوي كأنها تفترس الذكر، انه يهاب الافتراسية الجنسية فالرجل في كل الاحوال خاسر في المبارزة الجنسية والمرأة قدره المشؤوم/ غارودي يقظة الذكور(11). هذا هو قول الذكر الذي يرى في نفسه عقل المرأة، لكن هذا القول اصابته الخلخلة حيث تأكد الان (اكثر الدراسات العلمية ان الرجل اكثر شبقاً من المرأة واكثر تطلباً للعملية منها/حسب سلام خياط/ البغاء عبر العصور)(12).

(15)
الذات / الجمهور
الملك في شهريار بكل ما في مفردة (ملك) من كليانية هو الذي افقر ثراء الفعل الجنسي وخصوبته. افقره وهو يختزله الى فعل فيزولوجي وبالتالي مسخه وهو يستعمله وسيلة لغاية دمائية تتمثل بقتل حياة الجسد الانثوي فـ(الملك لا يمارس حقه بشأن الحياة الا باستعمال حقه في القتل او الاحتفاظ به. لا يعبر عن سلطته على الحياة الا بالموت الذي قادر على فرضه/ ديريدا(13). وهكذا يتحول هذا التصعيد الانسانوي الجميل الى فعل تسفيل. باغتصاب الجسد يبدأ و بأغتصاب الحياة ينتهي وهذه اعلى مراحل الوحشية فـ(الاغتصاب يجرد الفعل الجنسي وفعل الجماع من كل طابع انساني/ اليس كذلك يا روجيه غارودي؟)(14). ولان الجنس مطلع على وضع شهريار الضعيف، لذا نرى انه من خلال الزواج ليليا يحاول اعطاء الجنس ذات الاطلاع الضديد، انه يبغي تعريف الجنس بشهريار القوي. ذلك لاننا (ملزمون بمعرفة وضع الجنس بينما يشتبه به بأنه يعرف من جهته وضعنا/ فوكو(15). ترى لو توغلنا في حفريات التأويل ووصلنا الى مشارف الغلو يمكن ان نرى في الجنس ضمن مفهوم (فرويد) انه يمثل اعماق الذات الانسانية يقابلها اعماق المجتمع: الجمهور.
أليس في ممارسة الجنس وقتل الزوجة بعد استملاكها يمكن ان يكون رمزا لقتل مزدوج: قتل الزوجة الاولى الخائنة ومن خلالها قتل كل سلالة العبيد. اليس التضاد بين الجنس والسلطة هو التضاد بين الاسفل الاجتماعي والاعلى، الا يمثل (الجنس طاقة وحشية طبيعية صاعدا من الاسفل دائما وبين نظامات من فوق محاولة لاعاقتها)(16). شهريار كملك ومن منظوره الكلياني ما عداه هو، الكل: بشر/ اشياء: هي ممتلكاته هو وكأن لسان حاله يقول (وبوصفه لي: ملكيتي فأنا اوجه كل شيء الى)(17) والامتلاك يعني ايضا تملك ارادة الآخر وهذا بدوره يؤدي الى التشيوء، فالاغتراب عن سيرورة الحياة والمرأة لدى شهريار صنو العبد والعبد شتى/ اداة انتاج/.. والمرأة عند شهريار قبل شهرزاد من الناحية التراتبية في راتوب اكثر دونية من العبد فمن العبيد لم يقتل سوى نفرٍ قليلٍ ثم يستمر شهريار في استعمال العبد كأداة انتاج. اما المرأة فهو كل ليلة يفترس امرأة. صحيح ان العبد وهو اداة انتاج يعتبر الشرط غير العضوي للانتاج وشهريار في علاقته بالمرأة زوجة لم تهمه فاعلية المرأة الانتاجية بايلوجيا. المرأة لم تكن عنده ذات فاعلية بل موضوع استهلاك ومن النوع المنحط هي اداة ثأر يثأر بها منها.. وهكذا اخضعت المرأة الى آليات الجنسنة.
[/align]

ــــــــــــــــــــــ
المراجع المستعملة:
*-ألف ليلة وليلة/ بيروت/ المكتبة الشعبية/ 1979.
1-ميشال فوكو/ الجنسانية/ ت: مطاع صفدي/ بيروت دار الإنماء.
2-كلود ليفي شتراوس/ النظر –السمع- القراءة/ ت: الدكتور خليل احمد خليل/ بيروت/ دار الطليعة.
3-وضاح شرارة/ قراءة في كتاب التاج للجاحظ/ مجلة دراسات عربية/ ع12/ 1980.
4-تلبوت جتايلر/ ريفاتير والاسلوبية العاطفية/ ت: فاضل ثامر/ مجلة الثقافة الأجنبية/ عدد(1) 1992.
5-برنو فليهام/ التحليل النفسي للحكاية/ ت: طلال حرب (الكتاب مستنسخ)
6-بول دي مان/ العمى والبصيرة/ ت: سعيد الغانمي/ اصدار الأمارات العربية.
7-روجيه غارودي/ باحثات فرنسيات/ نقد مجتمع الذكور/ بيروت/ دار الطليعة/ 1985.
8-جاك ديريدا، أطباف ماركس/ ت: منذر عياش/ ط 1995/ حلب.
9- بيت شعر للجواهري الكبير.
10-جاك ديريدا/ أطياف ماركس.
11-غارودي/ مجتمع الذكور.
12-سلام خياط/ البغاء عبر العصور (كتاب مستنسخ)
13-ديريدا/ المصدر السابق.
14-غارودي/ المصدر السابق.
15-و16: فوكو/ الجنسانية/...


.../....
 
مقداد مسعود - على هامش الليالي الألف
الأذن العصية واللسان المقطوع


(القسم الثاني)

- (16)
شهرزاد / دنيازاد -
قارئ الليالي الالف، يلمس من ان شهرزاد تبلغ اقصى غايات التهذيب والتقية فملكية الحضور لا شعريتها تشترط على الآخر وهو في الحضرة الملكية تشترط عليه مهيمنة أساس اعني: ضبط النفس، انها صلة الوصل بين الآخر والملك فكل الممارسات الإنسانية عليها ان تلجم بلجام ضبط النفس واذا تحلى الآخر بذلك فمعناه: تخلق باخلاق التاج وحاز رضا الملك/ أليس كذلك يا ابا عثمان الجاحظ/ اخلاق التاج/ الجاحظ). ولان شهرزاد كل سقفها سيف مسرور فهي تدخر كل امكاناتها الفاعلة في ضبط النفس انها لا تحكي عن نفسها لشهريار مباشرة فهي تتظاهر بالحكي لاختها (دنيازاد): (قالت دنيازاد لاختها شهرزاد يا اختي اتمي لنا حديثك.. قالت: حبا وكرامة ان اذن الملك لي في ذلك/ فقال لها الملك احكي/ فقالت بلغني ايها الملك السعيد ذو الرأي السديد../ الليلة الثانية) قبل ذلك (تقول دنيازاد وقد ادرك الصباح شهرزاد ما اطيب حديثك وألطفه وألذه وأعذبه فقالت لها واين هذا مما سأحدثكم بالليلة المقبلة ان عشت وأبقاني الملك فقال الملك في نفسه والله ما اقتلها حتى اسمع بقية حديثها). نلاحظ ان الحوار القصير بين الاختين لا يخلو من افتعالية. ما الداعي لإطراء (دنيازاد) على اختها الا تمهيدا لقول شهرزاد (ان عشت وابقاني الملك) وهي توعد اختها بحكاية اعذب/ وألطف/ الذ من الاولى المحكية للتو "اين هذا مما سأحدثكم به الليلة المقبلة" انها بتهذيبها العالي تشترط على الملك اشتراطا يتمظهر في الحضرة الملكية بمظهر التوسل. من هذا المنطلق يمكن اعادة صياغة جملة شهرزاد كالتالي (لن احكي لك حكاية احلى من الاولى الا اذا ابقاني الملك).

(17)البطش/ الأجنحة
عندما نرى رأي (ادوارد سابيرو) سنرى في اللغة: (اداة قادرة على تشغيل سلسلة من الاستعمالات النفسية وتدفقها لا يتماثل مع تدفق المحتوى الداخلي للوعظ فقط بل يماثله على عدة مستويات. ابتداء من حالة الذهن التي تهيمن عليها صور معينة الى الحالة التي ينصرف فيها الانتباه الى المفاهيم المجردة وعلائقها فقط وهي الحالة التي تسمى تقليداً بالتفكير الاستدلالي) بهذه الرؤية نحاول التعامل مع اجراءات شهرزاد في الحكي.. نرى ان توجه شهرزاد نحو شهريار: لا هو بالتوجه الاعزل او المكره ولا هو بتوجه المطمئن بثراء الأنوثة مكوثنا الطويل والمتكرر في بنية الليالي الالف اعني تفعيل استجابتنا الشخصية لطبقات البنية، يشجعنا على القول التالي: شهرزاد توجه/ بسعة المعرفي محصن/ ومؤسس بالوعي الاجتماعي/ ومعد للاستطاعة/ للنفاذ بسلطان الحكي من اقطار البطش الى وهم الاجنحة.
توجه مثل هذا، لابد وهو يستعمل خصائص اللغة عبر الحكي ان يفعل هذا الاستعمال ما يؤدي بالتالي الى توسيع خصائص اللغة ذاتها. ذلك لان (الشكل الخارجي للغة هو الثابت فقط اما معناها الداخلي وقيمتها النفسية او توترها فيختلفان باختلاف التركيز او اهتمام الذهن/ اليس كذلك يا ادوارد سابيرو).

(18)
المرأة / البضاعة
ان قيمة المرأة الاستعمالية كسلعة غير خاضعة للتكرار. فقد مسختها شروط شهريار الى استعمال يتيم. ذلك من خلال الاجهاز عليها مع ضوء الصباح التالي للزواج. وهي كبضاعة اعني المرأة لدى شهريار لا تمتلك شجاعة البضاعة.المرأة تذهب الى مسلخ شهريار اعني مخدعه وهي ترتجف من صقيع الموت المتوثب اما تلك التي ولدت (لتمحو الفوارق) اعني البضاعة فأنها (صلفة الى حد العهر)(18) للكشف عن ذاتها شهرزاد ما وظفت الحكي. لم تستعمله لسرد سيرتها الذاتية. لم تعترف بين يديه لتزيد من ثقته بها او به هو.. انها عن الآخر الملتبس لباس الحكاية/ ولاختزال المسافة بينهما (شهريار/ الآخر) حكت. جاعلة من الحكي وسيلة افهام وحفلة تعارف بين الاثنين. اما سبب عدم الحكي عن ذاتها فيمكن اختزاله في سببين:
1-غياب الصدقية لدى شهريار اذا حكت شهرزاد.
2-حرص شهرزاد على التكتم لما تعرف من موقف شهريار الدمائي من المرأة.
ان قيمة كلام شهرزاد في مستوى من مستوياته اذا استعملنا المصطلح الاقتصادي ضمن الانتاج البضائعي يمكن ان نرى فيه نتاج يدوي قابل للتداول (وتكمن قيمتها في هذه الحال في مدى قدرتها على اجتذاب الناس) (أمبرتوأيكو/ القارئ في الحكاية)(19).

(19)
خارجية / داخلانية
الا يمكننا ان نقدم وجيز سيرورة او آليات الحكي الشهرزادي؟
من الصفحات الاولى نعرف ان الحكي سببه الظاهري (دنيازاد) فهي لا تعرف النوم الا عبر الانصات الى حكاية تحكيها لها أختها شهرزاد.
وهذا يقودنا الى الاستنتاج التالي: ان للحكي حركة خارجانية، فعلها (دنيازاد) ورد فعلها (شهرزاد) حركة داخلانية من شهرزاد وتخص بها شهريار لكنها لابد ان تمر عبر قناة الحركة الاولى/ الخارجانية

دنيا زاد
-----شهرزاد-----
شهريار

هذه هي الحركة العمودية لسيرورة الحكي وقد تعمدنا ان يكون خط العمق الذي يخص شهريار اطول من الخط العمودي الذي يتجه نحو دنيازاد، لاختلاف نوع الاستجابة لدى الاثنين. فالاخت دنيازاد غرضها من الحكاية التسلية اما غرض شهرزاد من استعمال دنيازاد لتفعيل استجابة المتلقي شهريار فانه سيؤدي الى غرض مزدوج: الامتاع/ والافهام، لهذا سيكون مداه اطول من مدى دنيازاد.
اما الحركة الافقية فهي كالتالي:
دنيازاد ــــــــــ شهرزاد
شهرزاد ــــــــــ شهريار

ويمكن ان تكون ضمن الحركة الثالثة:
دنيازاد------------شهرزاد
------------- شهريار
والعلاقة الافقية تكشف عن علاقة توازي بين كل شخصيتين وفي الوقت نفسه فان شخصية شهرزاد هي الشخصية المحور بين الزوج/ شهريار والاخت دنيازاد ومن التوازن تتشقق علاقة المقابلة وهي جلية بين:

(20)
الاسم/ المسمى
نأخذ الاسم (شهرزاد) ونصنع منه سلماً لننوش المسمى، يعيننا في ذلك صاحب الفتوحات المكية حين يقول (الاسم سلم الى المسمى)(20) نرى ان الاسم (شهرزاد) يتوزع مناصفة بين الاخت والزوج والاسماء ثلاثتها مكونة من ستة احرف (شهرزاد، دنيازاد، شهريار)
مع الزوج تتناصف بالاحرف الثلاثة الاولى: شهر... يار
مع الاخت تتناصف بالاحرف الثلاثة الاخيرة: زاد... دنيازاد
وخطاطة ذلك كالتالي
شهر------------- يار
دنيا -------------زاد
الا يمكن ان يؤول ذلك بوجود قرابة صوتية ودلالية بين الاسماء ثلاثتها (شهرزاد/ دنيازاد/ شهريار).

(21)
السري / العلني
شهرزاد لم تناقشه بمكابداته السرية / العلنية. لم تدعه يعترف لها اعترافاً خاصةً ما ناقشه بمفهومه الخاص عن المرأة. تركته يعتقد به وعلى الاعتقاد ذاته شجعته وهي تحكي له عن الدور الخياني للمرأة او مدى حيوانيتها (حكاية المرأة والدب).

(22)
العبد / المرأة
شهريار كملك ومن منظوره الكلياني ما عداه هو، الكل: بشر/ اشياء: هي ممتلكاته هو والامتلاك: وكأن لسان حاله يقول:
(وبوصفه لي مليكتي فانا اوجه كل شيء الي/ ص246/ اطياف/ ديريدا) يعني ايضا تملك ارادة الآخر وهذا يؤدي بدوره الى التشيؤ فالاغتراب عن سيرورة الحياة والمرأة لدى شهريار صنو العبد والعبد شيء/ اداة انتاج/ والمرأة عند شهريار قبل شهرزاد من الناحية التراتبية في راتوب اكثر دونية من العبد فمن العبيد لم يقتل سوى عشيق زوجته وزوجة اخيه ملك شاه ثم يستمر شهريار في استعمال العبد كأداة أنتاج أما المرأة فهو كل ليلة يفترس امرأة، صحيح ان العبد وهو أداة أنتاج يعتبر أيضا الشرط غير العضوي للإنتاج وشهريار في علاقته بالمرأة زوجه لن تهمه فاعلية المرأة الإنتاجية بايولوجيا، المرأة لم تكن لديه ذات فاعلية بل موضوع استهلاك ومن النوع المنحط هي اداة ثأر يثأر بها منها وهكذا أخضعت المرأة الى آليات الجنسنة، قارئ الليالي الألف يلمس من ان شهرزاد تبلغ أقصى غايات التهذيب والتقية فملكية الحضور لا شعريتها هذه الخصلة، هي تشترط على الآخر وهو في الحضرة الملكية تشترط عليه بهيئة أساس الا وهي ضبط النفس وصلة الوصل بين الآخر والملك فكل الممارسات الإنسانية عليها ان تلجم بلجام ضبط النفس واذا تحلى الآخر بذلك فمعناه تخلق بأخلاق التاج وحاز رضا الملك أليس كذلك يا أبا عثمان الجاحظ (أخلاق التاج/ الجاحظ) ولأن شهرزاد كل سقفها سيف مسرور فهي تدخر كل امكاناتها الفاعلة في ضبط النفس، أنها تحكي عن نفسها لشهريار مباشرة فهي تتظاهر بالحكي لأختها (دنيازاد) (قالت دنيازاد لأختها شهرزاد يا أختي أتمي لي حديثك.. قالت حبا وكرامة إن أذن لي الملك في ذلك فقال الملك لها احكي، فقالت بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي السديد../ الليلة الثانية) قبل ذلك: تقول دنيازاد وقد أدرك الصباح شهرزاد ما أطيب حديثك وألطفه وألذه وأعذبه فقالت لها: وأين هذا مما سأحدثكم به الليلة المقبلة ان عشت وأبقاني الملك فقال الملك في نفسه (والله ما اقتلها حتى اسمع بقية حديثها..) الحوار القصير بين الأختين لا يخلو من افتعالية الداعي لإطراء دنيازاد على أختها الا تمهيدا لقول شهرزاد (ان عشت وأبقاني الملك) وهي توعد أختها بحكاية اعذب من الاولى المحكية للتو: (أين هذا مما سأحدثكم به الليلة المقبلة) انها بتهذيبها العالي تشترط على الملك اشتراط بتمظهر في الحضرة الملكية بمظهر التوسل، من هذا المنطلق يمكن اعادة صياغة جملة شهرزاد كالتالي: لن احكي لك حكاية احلى من الاولى الا اذا ابقاني الملك اتساقا مع منظور شهريار للمرأة والمتطابق مع المنظور البضائعي، ان قيمة المرأة الاستعمالية كسلعة غير خاضعة للتكرار فقد مسختها شروط شهريار الى استعمال يتيم، ذلك من خلال الاجهاز عليها مع ضوء الصباح التالي للزواج وهي كبضاعة أي المرأة لا تمتلك شجاعة البضاعة فالمرأة تذهب الى مسلخ شهريار اعني مخدعه وهي ترتجف خوفاً، اما تلك التي ولدت (لتمحو الفوارق) اعني البضاعة فأنها صلفة الى حد التعهر بحسب قول جاك ديريدا/ ص299/ اطياف ماركس).
لم توظف شهرزاد الحكي للكشف عن ذاتها فهي لم تسرد سيرتها الخاصة، لم تعترف بين يديه لتزيده ثقة انها حكت عن الآخر لاختزال المسافة بينهما (شهريار/ الآخر) جاعلة من الحكي وسيلة افهام اما سبب عدم حكيها عن ذاتها..
1-غياب الصدقية لدى شهريار.
2-حرص شهرزاد على التكتم.
وقيمة كلام شهرزاد في احدى المستويات اذا استعملنا المصطلح الاقتصادي ضمن صيغة الأنتاج البضائعي يمكن ان نرى فيه نتاج يدوي قابل للتداول (وتكمن قيمتها في هذه الحال في مدى قدرتها على اجتذاب الناس/ ص 64 النص القرآني.. ادونيس(21)

(23)
إتصالية الملء والتفريغ
وشهرزاد لم تناقشه بمكابداته السرية، العلنية لم تدعه يعترف لها اعترافاً خاصاً، لم تناقشه بمفهومه الخاص عن المرأة، تركته يعتقد به وشجعته على الاعتقاد من خلال حكايات يرد فيها الدور الخياني للمرأة او حيوانيتها (حكاية المرأة والدب..)
فأنت لا تستطيع ملء حيزا بما لديك ان لم تفرغ ذلك الحيز بقناعة المتحكم فيه.. هل بالامكان ملء وعاء بماء طهور وهو ملآن بماء ملوث، أليس علينا في البدء تفريغ الوعاء ثم غسله وازالة آثاره ثم تطهيره تطهيرا تاما بعد ذلك نسكب فيه ما لدينا من ماء طهور، اما اذا سكبنا ما لدينا من ماء طهور دون ذلك فاننا نبذل جهدا عاطلا والامر لا يختلف بالنسبة لشهرزاد فهي من خلال دأبها المعرفي احرزت ماء طهورا لكن مكانه الآخر، الباطشة تحذرها من المغامرة في هذا المجال اذ ان عليها ان تتركه يستهلك ما لديه من تصورات حتى يفنيها بعد ان يكون بامكانها ان تزوده بتصورها الخاص او بشيء من هذا التصور اذ ان ما يعتقد به شهريار (يجب ان يعتقد به فينفق كثير من الطاقة حتى ينفك منه واننا لننهض حينئذ باسم انوار العقل لندين كل ظلمة/ ص257- 258 اطياف ماركس..) عبر الحكي كانت شهرزاد تخدر (الـ هو) في شهريار/ (الـ انا) في شهرزاد يخدر الـ(هو) في شهريار لان شهرزاد (انا يعرف من طاقة الـ هو كي يحقق مخططاته الباطنية، وحده من يستطيع السيطرة على الـ(هو) ويمدن الميول الهدامة للـ(هو)/ التحليل النفسي للحكايا/ برنوفلهايم) (22).

(24)
الاتصال / الاختلاف
المشتركات بين شاه زمان وشهريار كالتالي:
الاخوة/ السلطة/ الخيانة الزوجية، الاختلاف يختلف الاثنان في طريقة معالجة الامر فالاول شاه زمان يسارع في حسم الامر (فوجد زوجته راقدة في فراشه معانقة عبدا اسود من العبيد فلما رأى هذا اسودت الدنيا في وجهه وقال في نفسه اذا كان الامر وانا ما فارقت المدينة فكيف حال هذه العاهرة ان غبت عند اخي مدة ثم سل سيفه وضرب الاثنين فقتلهما في الفراش../ص2) اما شهريار فالامر يختلف بعد ان يكاشفه اخوه بمأساته الخاصة ويقترح عليه خدعة السفر وحين يرى ما يرى من خيانة زوجية لا ينفعل مثل اخيه بل يتعامل مع الامر ببرود العقل. اولا صحيح ان السارد الاول السارد المجهول يصفه (طار عقله من رأسه/ ص3) لكنه سرعان ما يقترح على اخيه (قم بنا نسافر الى حال سبيلنا وليس لنا حاجة بالملك حتى ننظر هل جرى لاحد مثلنا او لا، فيكون موتنا خير من حياتنا/ص4) وهذا يعني ان شهريار يريد التأكد بالدليل الملموس عبر مسح طوبوغرافي يقوم به هو شخصيا هو وأخيه وبعد هذا المسح يتشكل لدينا نسق ثلاثي للخيانة..
< خيانة زوجة ملك شاه زمان.
< خيانة زوجة شهريار.
< خيانة الصبية في ليلة زفافها من قبل العفريت.
اثناء المسح الطوبوغرافي تعترضهما شاه زمان وشهريار الصبية التي اختطفها الجني فترغمهما على النزول من الشجرة والا (بالله عليكما ان تنزلا والا نبهت عليكما العفريت فيقتلكما شر قتلة/ ص5).
وحين يترددان بعد النزول من الشجرة في فعل ما تأمرهما. تقول الصبية (ان لم تتقدما وتفعلا نبهت عليكما العفريت/ ص5) في نهاية اللقاء تخبرهما (ان هذا العفريت خطفني ليلة عرسي ثم انه وضعني في علبة وجعل العلبة داخل صندوق ورمى على الصندوق سبعة اقفال وجعلني في قاع البحر العجاج المتلاطم بالامواج ويعلم ان المرأة اذا ارادت امراً لن يغلبها شيء/ ص5) هنا يصادفنا اولا نوعان من الافعال (اختطفني) و(رمى) وهما فعلان يحتاجان الى بذل جهد مضاعف ويدلان على القوة في حين (وضعني) و(جعلني) و(جعل) يدلان على اللين والترفق وتعليل ذلك ان الفعلين الاولين (اختطفني) و(رمى) يتوقعان رد فعل قوي من الاخر بشري كان هذا، الاخر: اهل الصبية او معلم من معالم الطبيعة: (بحر) اما الفعلان الآخران لا يعقبهما رد فعل البتة ونحن هنا امام نسق خماسي: اختطفني ليلة عرسي/ وضعني في علبة/ وجعل العلبة داخل صندوق/ ورمى على الصندوق سبعة اقفال/ وجعلني في قاع البحر/ص5) والفعل الخماسي هذا يتميز ايضا بعلاماتية تعازيمية اعني سبعة اقفال بكل ما في الرقم (7) من ايحاءات سحرية وبكل ما يعنيه (القفل) من دلالات: غلق/ صد/ كبح / ردع/ .. الخ.
ان السارد الاول، السارد المجهول يثبت هنا ماهية تاريخية لا تغير فيها اعني ثبوتية طبيعة المرأة، فيؤكد السارد ان الطبع اقوى من الردع مهما كان الردع قوة بشرية في اعلى مراحل السلطة (ملك) او قوة غير مرئية اقوى من البشر وفي اعلى مراحلها.

ــــــــــــــــــــــــــ
المراجع المستعملة:
17-18: ديريدا/ أطياف ماركس.
19: أمبرتو أيكو/ القارئ في الحكاية/ ت: إنطوان أبو زيد/ ط1 1996/ الإلغاء
20: أمين يوسف عودة/ تأويل الشعر عند ابن عربي/ رابطة الكتاب الاردنيين.
21: أدونيس/ النص القرآني وآىفاق الكتابة/ دار الاداب/ 1993.
22: برونو فيلهام/ التحليل النفسي للحكاية.




.../...
 
مقداد مسعود - على هامش الليالي الالف.. (الاذن العصية واللسان المقطوع)


(القسم الثالث)

- (عفريت) وهذا يعني ان ارادة المرأة اقوى حتى من قوة العفريت فالعفريت يعرف (ان المرأة
منا اذا أرادت امرا لم يغلبها شيء/ ص5) كلام المرأة هذا ما كان له تأثير قوة السحر على الملكين كلام الصبية اشبه بتعزية السلوان او كما يصفه السارد الاول (فلما سمعا منها هذا الكلام تعجبا غاية العجب وقالا اذا كان هذا عفريتا وجرى له اعظم مما جرى لنا فهذا شيء يسلينا ثم انهما انصرفا من ساعتها عنها ورجعا الى مدينة الملك شهريار ودخلا قصره ثم رمى عنق زوجته وصار الملك شهريار كلما يأخذ بنتا بكرا يزيل بكارتها ويقتلها ولم يزل على ذلك مدة ثلاث سنوات/ ص5).

(25)
إتصالية ندية
هنا ينتهي دور الشاه زمان حيث ارتكب السارد المجهول فجوة حكواتية ولا يعلنها، هل يعقل ان يترك ملك ملكه ويقضي فترة طويلة لدى اخيه؟ نرى ان ملك شاه تعين هويته علاقته بالملك شهريار والجامع الاساس بين الاخوين رابطة الدم والجامع الرئيسي قيادة السلطة والمشترك الثيمي: الخيانة الزوجية والعلاقة بين الاخوين يمكن تصنيفها من النوع الجوهري ووظيفتها الاساس الكشف عن هوية الافراد الفائضين عن الحاجة (ملك شاه زمان/ دنيازاد) واللذين لهما وظيفة المساعدة في تنمية اولية سيرورة كلية الانتاج الحكواتي.
نرى ان رحلة الملك شهريار واخيه شاه زمان هي رحلة تفتيش عن انداد لهما وحين يعثران على ضالتيهما المنشودة يطمأن قلب شاه زمان عندما رأى ما رأى في قصر اخيه فاسترد عافيته وشهيته للطعام وشهوته للحياة (فلما اخو الملك قال والله ان بليتي اخف من هذه البلية... هذا اعظم مما جرى لي ولم يزل يأكل ويشرب/ ص5).

(26)
إتصالية العلة بالمعلول
نرى ان هذه الرحلة رحلة جغرافية تمس من الظاهر ظاهريتها فلا تعمل على تفكيك آليتها ومعرفة العلة والمعلول، انها اذاً رحلة افقية تكتفي بالعيان وتتمظهر فيه فلا تعرف من الابعاد سوى البعد الواحد تأخذه كمسلمة ولا تعترض عليه او تتشكك به، اما رحلة شهرزاد مع شهريار فهي رحلة مغايرة بل هي الرحلة الضديد انها لم تتحر جغرافيا بل توغلت في باطن الذات البشرية ودأبت على الحفر نحو الاعماق السرية لهذه الذات اذ هي رحلة عمودية في طبيعة الذات الانسانوية، ان شهرزاد تعيد (توزيع نظام اللسان بواسطة الربط بين كلام تواصلي يهدف الى الاخبار المباشر وبين انماط عديدة من الملفوظات السابقة عليه او المتزامنة معه/ ص 21/ جوليا كرستيفا/ علم النص)(1)
ان الكسب المعرفي لشهرزاد وبالضبط على حد قول السارد الاول، السارد المجهول (قد قرأت كتب التواريخ وسير الملوك المتقدمين واخبار الامم الماضين، انها جمعت الف كتاب من كتب التواريخ المتعلقة بالامم السالفة والملوك الخالية والشعراء/ ص5).
ان هذا الكسب المعرفي جعل شهرزاد تعي ان (معرفة الكلمات وحدها هي التي يمكن ان تعطي العقل الامل ان يحقق في يوم ما رغبته في الوصول الى معرفة السلسلة المكتملة التي ترقى من المشروط الى شروطه/ ص10/ عمانوئيل كانت/ مقدمة لكل ميتافيزيقيا)(2).

(27)
إتصالية المدار بالنظر
يعد مجهولية السارد الاول ضمن العتبة ما قبل الليلة الاولى- نص السارد الثاني لا يختلف عن السارد الاول الا بالمعلومة ويمكن اعتباره سارد ضمني، انه والد شهرزاد يحدث شهرزاد بشكل مباشر، بعدها يخاطب ابنته حكواتياً لعلها ترتد عن تصميمها حيث يسرد عليها (حكاية الحمار والعثور على صاحب الزرع) ثم نجتاز العتبة الالفية وندخل البيت الالفي مستهدين برعاية شهرزاد، في هذا الصدد ترى ان العلاقة الفاعلية بين فعل السارد الاول وفعل السارد الثاني من جهة وفعل شهرزاد الالفي هي من نوع العلاقة بين المدار والنظير وفق نظرية ايكو في كتابه (القارئ في الحكاية/ ت انطوان ابو زيد) ففي المدار تقلص مستويات الحكاية عبر انساقها الثلاثة اما في النظر فتتسع الحكاية وتتوارث وقد ازدادت غنا بنيويا، اننا في عملنا هذا نحاول ان نستعمل التجلي الخطي لا السطح المعجمي للنص عتبة لتفعيل البنى الخطابية في الليالي الالف اعني الفاعلانية والبنى الايديولوجية تفعيلاً يشترط علينا اداة ما وراء نصية نفتح بها مغاليق الليالي ونحن نتدرج في حفرنا الجيولوجي في طبقات الليالي.

(28)
التراتبية اللونية او التراتبية الاتصالية
هنا ينبثق سؤال مشروع: فاعلية استجابة المتلقي لدى شهريار المتفاعلة مع ذاتية التعبير لدى شهرزاد، الم تدفعه المشاركة في التعبير؟ أليس لشهريار الآلية الخاصة به الممتدة قبل شهرزاد ثلاث سنوات، (ولم يزل على ذلك مدة ثلاثة سنوات/ ص5) مدة لا تزيد على ليالي شهرزاد الا بثلاثة اشهر تقريباً، حكاية تحولات حياته اللونية من الابيض الناصع الى الاخضر الزاهي الممتد ثم الاصفر الفاقع فالاحمر القاني فالاحمر المسود المتدفق من القصر الى ارجاء المملكة ثم مرحلة انعدام الالوان عليها مرحلة القطع فالتراتبية اللونية الجميلة المتنضدة بالانامل الانثوية الرشيقة انامل شهرزاد. صحيح ان السارد الاول كان آية في الاختزال، اختزل جرائم واحوال بتجلي خطي بسيط (وصار الملك شهريار كلما يأخذ بنتاً بكرا يزيل بكارتها من ليلتها ولم يزل على ذلك مدة ثلاث سنوات فنجت الناس وهربت ببناتها ولم يبق في تلك المدينة بنت تتحمل الوطأ/ ص5) ان الانسان اذ يخيف يصبح هو الخوف ذاته ونحن نتمرن لغويا على هذا الاستنتاج نستعمل الجملة التالية (شهريار المخيف) عندما يستمر شهريار بممارسة التخويف، ببث الخوف نحو الآخرين فان هذا يعني اجراء تساو بين الصفة (الخوف) والموصوف (شهريار) ان فاعلية الخوف احدثت لدى الآخر انزياحا وبالتالي ساوقت بين الصفة والموصوف هذا على مستوى المبني اما على مستوى المعني فأنها احدثت اضطرابا بيّنا وعلى مستوى الانعكاس الشرطي: عندما يذكر اسم شهريار فان البريء الآخر يزداد وجيب قلبه ويبث موجاته اللونية على الوجه.

(29)
إتصالية الصباح بالكلام المباح
واذا كان السارد الثاني لا يعود الا خطفاً ولا يعاود الحكي البتة فان السارد الاول يكتفي بالاقل يتحصن فيه بمدة قنطرة تمتد بين الليلة الفارطة والليلة المقبلة اعني اللازمة التالية (وادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح) لازمة مثل هذه لا تقف عند التجلي الخطي، ولم يسطرها السارد الاول اعتباطا، لازمة مثل هذه ليست عاطلة عن العمل ولا مصابة بالبطالة المقنعة ونحن نفعل البنى الحكائية نرى ان هذه اللازمة تنتج استجابة مضاعفة لدى المتلقي الضمني تلهب فضوله وتلغي شوقه لمعرفة ما سوف يكون ام (الكلمة كاشارة ليست اتحاداً صوتياً معنوياً ولكنها صوتيات مؤتلقة ووجودها يتحقق بأثرها الايقاعي على المتلقي/ عبدالله الغرافي/ تشريح النص/ ط1/ 1987/ دار الطليعة)(3). حين يدرك شهرزاد الصباح يكون تأشير كلامها كالتالي:
تأثير مخفي: (قال الملك في نفسه والله ما اقتلها حتى اسمع بقية حديثها/ ص1-11) نرى ان التاثيرين على مستوى التصريح القولي. اما على المستوى الفعلي فيكشف عنه السارد الاول في قوله (ثم انهم باتوا تلك الليلة متعانقين/ ص11) اما التأثير الفعلي خارج المخدع فهو كالتالي (فخرج الملك محل حكمه وطلع الوزير بالكفن تحت ابطه ثم حكم الملك وولى وعزل الى آخر النهار ولم يخبر الوزير بشيء فتعجب الوزير غاية العجب/ ص11). شهرزاد تعي لا تحس فحسب ان ليس في مقدور رجل شفاء شهريار لان شهريار ملك والملك صنو الاله والاله لا انداد له واشكالية شهرزاد مع المرأة لا مع الرجل وكل وسائل الرجل (ان وجد الرجل الند) غير ناجعة وتبعث الريبة وسوء الطوية في دخيلة شهريار و(النظام الابوي يحاول دائماً اسكات المرأة/ غارودي)(4) من جانب آخر نرى الاب يقبح الزواج في عين ابنته شهرزاد من شهريار الملك لا من شهريار الرجل فهو لا اعتراض لديه على مسار انوثة ابنته (فالبيولوجية والجوهرية/ الليالي/ 7) المتواريان خلف رغبة الحاق الانوثة باجساد الاناث ستعودان بالضرورة على الابوة بالنفع/ غارودي)(5).

(30)
الضوء / الظل
اذن الخوف هنا ليس من شهريار الملك بل من شهريار السفاح المتحصن بالسلطة الكليانية، انه اذن الخوف من ليل شهريار لا من نهاره خوف من لا وعيه المتدفق والمنفلت ساخناً قانياً في الليل لا من وعيه المتزن وبياض النهار حقا (ان الحد الذي يفصل بين عصرين متضادين هو على درجة عالية من الاشكالية/ ايفلين كويلي) هنا التعرض بين اب كرس ابنته لمقاييس انثوية مختارة. (خضوع/ خجل/ عطف) مموها اياها ان هذه هي السمات الاساس للانثى وعدم الالتزام بها يعتبر مروقاً عن ناموس الطبيعة وبين ابنة مثل شهرزاد تريد استكمال طبيعتها كأنثى بانوثة اضافية متأتية من اكتسابها المعرفي معرفة ارتفعت بشهرزاد الى علو مرحلة التسوية بعد مرورها بمرحلة الانثى، فالانوثة بكل ما فيها من صفات انثوية ووعي خاص لحركية الحياة وهي مرحلة اوصلتها الى النسوية حيث المساهمة بتغيير وجهة (قرأت الكتب والتواريخ وسير الملوك المتقدمين واخبار الامم الماضية قيل انها جمعت الف كتاب من كتب التواريخ المتعلقة بالامم السالفة والملوك الخالدة والشعراء/ ص5) نظر الآخر: رجلاً كان او امرأة وشهرزاد في مهمتها التقويضية هذه تزداد رهقاً، فهي لا تسوس فردا عاديا بل تسوس –ياللتعاسة- سائساً عصياً مثل شهريار يعيد كل ليلة انتاج القتيلة الاولى لكن هذه الشخصية الدمائية ليست بطلة الليالي الالف بل موضوعها شهرزاد وحدها تتصدر البطولة وتصدرها لتواصل العيش مقترضة هواءً لرئتيها من حيوات، من فضاءات الليالي الالف.
هنا ينبثق السؤال الحق: حكايات شهرزاد هل كانت حكايات انثوية؟ ام حكايات انثى؟ نرى من وجهة نظرها المتأتية من تكرار قراءة الليالي ان شهرزاد احست ان الخضوع والاستمرار في التضاد التقليدي (انثى/ ذكر)سينتهي بتدمير الانثى لذا عمدت الى سحب علاقة ذكر- انثى عبر الحكي من هذا الخانق الضيق اى فضاء ارحب وهي بها (تصد المناورات التقويضية للآخر المكبوح) وهكذا توصلت الى تفكيك الميتافيزيقية الابوية القائلة بذلك الافتراض (بوجود تعارض بين قوة الرجل واستسلام المرأة/ ص37/ النسوية والانثى والانوثة) من جانب آخر علينا ان نوضح ان شهرزاد كانت تنفذ اجراءاتها ضمن جاهزية الجنسانية ذاتها التي تحتوي شهريار وليس خارجه او ضده فالتغيير الناجز في سلوكية شهريار (شفاءه من قتل الزوجات) على اهميته الكبرى لم يأخذ مدى اوسع من غرفة النوم فالسارد الاخير لم يطلعنا على متغيرات في حكم شهريار. ها نحن نعود ثانية الى الضوء والظل لقد امتص الضوء كل الظل، كل الضوء اختزنه فيه ولم يدعه يخترقه، احتجز الشيء (شهريار) الضوء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع المستعملة:
1-جوليا كرستينا/ علم النص/ ت: فريد الراهي/ دار بوتقال/ ط1 1991.
2-عمانوئيل كانت/ مقدمة لكل ميتافيزيقيا/ ت: نازلي اسماعيل حسين/ ط1 1967.
3-عبدالله محمد الغذامي/ تشريح النص/ ط1 1987/ بيروت/ دار الطليعة.
4-غارودي/ نقد مجتمع الذكور.
5-المصدر السابق.




.../...
 
مقداد مسعود - على هامش الليالي الألف.. (الأذن العصية واللسان المقطوع)


القسم الرابع والاخير

(31)
المرآة/ النافذة -
(شهرزاد) وأممهُ له ولم يدع له ثغرة ينفذ منها الى سواه لقد اثر الضوء بالشيء واضاءهُ واضاء ما حوله لكن الشيء لم يدع مويجات الضوء تصل الى الآخرين هذا ولا يقلل من اهمية الضوء (شهرزاد) انها بفعلها التقويض غيرت الكثير في كتلة الشيء شهريار وحدها شهرزاد من ابتكرت (لذة اخرى لذة في حقيقة اللذة، في معرفتها وعرضها واكتشافها والافتتان برؤيتها بقولها وفي سحر الآخرين واسرهم بها ونقلها اليهم في السر واظهارها عن طريق الحيلة انها لذة مختصة بالخطاب الصحيح للذة فوكو/ الجنسانية(28) ما فعلته شهرزاد حكائياً انها احدثت انزياحاً في بنية المكان على مستوى المجاز لدى شهريار وذلك عبر ازالة مهيمناته على نفسية شهريار نستعين بدريدا ونقول القصر الملكي نفسه في ظاهرية ظاهرته لكن رؤية ما لا يرى هي التي توسع في فضاءاته بسماحة الخيال نقلته الى امكنة وازمنة أُخر، ازمنة وامكنة مغايرة لما يرى شهريار القابع في ذاته والمقيم في قصره. بهذه الاجراءات الاسلوبية استطاعت شهرزاد ان تقوض كل مرايا القصر الدنس، الدمائي بكل ما في الدال النرجسي (المرايا) من مدلولات وفيرة عملت شهرزاد عملاً هو بحق (تقويض اتساقي لكل ما هو اتساقي) لدى شهريار وهي لم تكتف بتحطيم المرايا بفعل الخيال المسرود انها في انتاجيتها الحكائية كانت تعتمد على اقتصاد الكبح والفيض تكبح الميول الوحشية لشهريار وتتدفق باتجاهه بالانساني لهذا استطاعت انتاج البديل عن المرايا اعني انها حولت وجهة نظر شهريار من المرايا الى النظر عبر النوافذ والفرق واضح بين النافذة والمرآة فالمرآة نافذة ننظر فيها الى الداخل اما النافذة فهي مرآة ننظر من خلالها الى الخارج صحيح ان النافذة بيننا وبين الآخر لكننا نستطيع رؤية العالم من خلال حيزها، وفضاء الرؤيا اوسع بكثير من مقاساته الهندسية، النافذة انجذاب نحو البراني وعلاماتيا يمكن اعتبارها صرخة في جهامة الجدار او بسمة اتصال مع الاخر المرايا فضاء مغلق وانتباذ عن البراني وانجذاب نحو الجواني حد السر، شهرزاد وهي تتجرع الحياة جرعة. جرعة تعني (ان الغرباء مساكين وان كانوا امراء في بلادهم/ 2/ الليلة/ 58 (حكاية غانم ايوب) لذا تستحيل نافذة يطل منها شهريار على حكايات تتفرع الى شوارع مكتظة بالناس كافة دون تمييز شوارع تحدها جدران ذات نوافذ مفتوحة في بيوت فتتكشف لشهريار عوالم علية خفية كانت كشفاً يؤدي الى تفكير الذات الشهريارية بطريقة مغايرة لقد عمدت شهرزاد الى (تتبع مسار التركيب الاخلاقي بهدف ادانته وتأكيد تعارض الاضداد في شكله الحقائقي/ ص28/ جوليا كريستيفا/ علم النص)(29).
نصل بواسطة جلسات سريرية (معظم الحكايات روتها شهرزاد لشهريار في المخدع صحيح اننا لا نصل الى شهريار الضديد لكننا نصل الى شهريار وقد تخفف عنه الـ(هو) فشهرزاد عبر هذا التخفيف قوضت المهيمنات السابقة للمكان فأنتقل شهريار، والاصح نقلته شهرزاد الى حالة اعلى .

(32)
ذاتية التعبير/ ذاتية المتلقي
كيف؟ كيف استرسلت هذه الليالي كيف امتدت هذا الامتداد الالفي الرشيق كيف استطاعت ان تراكم الغرئبي وتجعلنا نستحمله ونتلقاه كمحتمل يحاكي الاصطناعي الواقعي ويتساوى والواقع ويتجاوزه (ان يؤثر فينا اكثر من الواقع) ان الحركة الاكثر جذرية تكمن هنا في الجمع بين سيميات (وحدات دلالية كبرى الى متعارضة وهو جمع يكفي لالحاق المستحيل بالحقيقي/ ص51/ علم النص/ كرستينا) ألا يعود الفضل الى ديمومة التفاعل في جدلية ذاتية التلقي لا اعني المتلقي الضمني فحسب بل كل المتلقين على مختلف تراتبيتهم الاجتماعية قاصدة والفكرية لهذه المنظومة الاجمل من النصوص الالفية وفي حالة توصيفنا الحكي بالمثير يمكننا القول (ان التأثير الادراكي لمثير ما يعتمد بالضرورة على ترقب الكائن العضوي/ على حد قول جيريوبرنو/ ايفاتير والاسلوبية العاطفية/ الثقافة الاجنبية/ عدد1 1992) وهذا يعني ان ذاتية المتلقي لدى شهريار في تجاوب فعال مع ذاتية التعبير لدى شهرزاد وشهرزاد تعول في استجابة شهريار على خبراته الحياتية الفارطة اذ (ادراكنا لشيء ما يتحدد احيانا بادراكنا لشيء آخر/ المصدر السابق).

(33)
القدرة/ الإجهاز
من هذا المنطلق يصغى شهريار للحكي انه يبحث عما يثبت صحة نظريته في دونية المرأة فاذا به من خلال الاصغاء الدؤوب وبالضبط من خلال الاستجابة المصعدة يحدث الانزياح في القصد الشهرياري، يساعد شهرزاد في هذه المهمة الصعبة عدم قدرة ذاتية التلقي الشهريارية في التنبؤ ضمن سياقات او آلية الحكي فهو متماه في الاستجابة المصعدة، لو ان شهريار امتلك هذه القدرة لاجهز على شهرزاد صبيحة الليلة الاولى وهكذا يمكن (النظر الى قدرة عدم التنبؤ بوصفها ذات تاثير قادر على تقوية الاستجابة/ ريفاتير والاسلوبية) وكأستجابة وهو يتلقى التأثير فأن التأثير لم تكن له قدرة القيام بنزهات استدراكية خارج النص).
الان وقد قطعنا شوطاً في الكشف نتوقف قليلا لدى حكاية (الجارية تودد) لا نختلف مع الاستاذ عبدالغني الملاح حول اسباب تأليف الحكاية (التراث الشعبي/ عدد خاص لالف ليلة وليلة/ ع1 سنة 1989)(31) كما اننا لا نتعامل معها على وفق ذلك السياق الذي يهمنا علاقتها والاصح تراتبيتها ضمن المتن الحكائي ان استجابة القارئ الاوفى لايمكنها ان تتجاوب مع فاعلية ذاتية التعبير وتتقبل سماع حكاية تنتصر فيها النسوية ذات الحجج الدامغة على منطق الذكور وهذا امر غير مقنع بالنسبة لرجل ما يزال يحمل نظرة دونية ازاء المرأة (في نفس مسار معقولية الاستهلاك هذه تصبح المعرفة بعد حصول التلقي الفج في مواجهة مع المحتمل/ ص24/ علم النص) أن حكيا مثل هذا قد يعجل بإنهاء حياة شهرزاد. المنظور الايدلوجي طرف من اطراف لسان القارئ في تذوق لذة النص فالبنى الفاعلية لا تمتلك سيادتها المطلقة على النص وهناك قسيمها اعني البنى الايدلوجية تؤثر سلباً وايجاباً في تلك السيادة البنيوية المشتركة في هذا المنطلق من غير المعقول ان تسرد شهرزاد في الليالي الاولى حكاية (تودد) لانها تتعارض مع كفاية شهريار الايديولوجية التي تنص على دونية المرأة ووضعها في راتوب دون راتوب العبد، كفاية شهريار الايديولوجية تتقاطع مع حكاية من هذا النوع وتصدر انزياحا مضادا يتسبب في لجم تأثيرها على استجابته كمتلقي نص من هذا النوع لا يفوز اذا استبق مع كفاية القارئ الايدلوجية بل ستسعى هذه الكفاية الى لجمه لتنتصر عليه

(34)
النسوية/ أنزياح المنظور الذكوري
في حكاية الجارية (تودد) تنتصر النسوية من خلال انتصار الانثى (تودد) بكل ما تعنيه النسوية من دعوة الى التغير المنظور التقليدي نحو المرأة من حيث هي طبيعة قارة لا تتغير ماهية تشترط النقصان لتواصل او آليات سيرورتها. تودد تحدث الانزياح المنتظر في المنظور الذكوري وهي علاماتيا مودة صافية الى تغيير العالم بشرط تأنيثه هذا على المستوى المنطق المباشر واذا كنا في حكاية (وردان الجزار) التقينا بأمرأة تفضل الالتحاق بالدب موتا فاننا في حكاية اخرى نصل بواسطة الادلة العلمية وبالضبط تشخيص حالة مرضية لدى فتاة مصابة بمرض ممارسة الجنس مع القرد (ليلة 379/ 380/381) في هذه الحكاية يعمد الطلب الى شفاء المرأة من هذه الحالة المرضية مؤكدا تجاوز النظرة القارة وان المرأة هي عرضة للعوارض اسوة بالرجل، ان تاخير هذه الحكاية يرتبط بذاتية التلقي لقد تشعبت ذاكرته (شهريار) واصبحت تلبي نداك.

(35)
التناقض/ السياق
الحكي/ الحياة
التفاعل مع ذاتية التعبير وهذا هو السبب الاهم في تأخير مثل هذه الحكايات على مستوى التنظير المشخص بعيننا قانون الشروط الدنيا للادراك (التناقض داخل السياق) فهو وحده من يعيننا في سر تأخير (شهرزاد) المتعمد في الحكايتين، أن أستجابة القارئ الاوفى (شهريار) هي التالية اما الاولية فهي لمفهوم (التناقض داخل السياق) فهذا المفهوم هو الذي يتحكم في جدلية تراكم الكمي للحكايا ومن خلال سيرورة هذا القانون نصل الى التغيير الثوري المتمثل في الاصغاء التام للحكايتين ولمشتقاتهما من الحكايات، ان الليالي ظاهرة انسانية (حكاية) وايضا مسار خطابي (رسالة/ ادب) تحكي لتعيش وتحكي لتعايش لتمط في شريط حكايتها وتخلص الانسان من الوحش الذي تلبسه ومن ثم تجلسه في فضاء مفتوح وسط جمهرة من الاصوات اصوات الطبيعة والطير وصراخات الانسان المقهور والمجالد في صراعه صوب النور، الخضرة، الهواء الطلق.

ـــــــــــــــــ
المراجع المستعملة:
28: فوكو/ الجنسانية
29: جوليا كرستينا
30: المصدر السابق
31: مجلة التراث الشعبي/ العدد الفصلي الاول/ شتاء 1989/ حكاية الجارية (تودد) وموقعها من الفكر العربي.
ـــــــــ
(*)ثلاثة كتب/ لم تستعمل كمراجع بصورة مباشرة/ لكن القارئ الفطن يرى حضورها في طية البحث.
(*)ادوارد سعيد/ محاضرات ريث/ 1993/ ت: غسان غصن/ مراجعة منى أنيس/ دار النهار/ بيروت/ ط 1/ 1996.
(*)عبد الكبير الخطيبي/ الليلة الثالثة بعد الألف/ من كتاب التجربة والكتابة.
(*)الشريف الرضي/ حقائق التاويل في مسائل التنزيل/ الجزء الخامس/ شرح محمد رضا كاشف الغطا/ مطبعة الغري/ النجف 1936.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...