الراية - الأمهات والمراجع: "ألف ليلة وليلة" طاف الدنيا بأرجائها

لم يعرف مؤلفه وقيل إنه هندي أو فارسي أو عربي (شامي)"ألف ليلة وليلة" أحد أهم المصادر الأدبية في الثقافة العربية، ولكن لم يجر الاهتمام به عربياً إلا في القرنين الماضيين، حيث كان العرب يعدونه من الأدب الشعبي الذي لا يرقى إلى مصاف الأدب الرفيع، ولكن وبعد أن زادت ترجماته بشتى اللغات في قارات العالم الخمس، أخذ الكتاب مكانته الحقيقية ..

طاف كتاب "ألف ليلة وليلة" الدنيا بأرجائها، متمثلاً سحر الشرق، حتى قيل إن الواقعية السحرية التي ولدت في أمريكا اللاتينية كتيار روائي معاصر جاءت من "ألف ليلة وليلة" مرجعين ذلك إلى تأثر الأدب الإسباني بالكتاب خلال العصر الأوربي الوسيط، على نحو ما ظهر في كتاب "دون كيشوت" لسرفانتس.

طبع الكتاب بالعربية لأول مرة في ألمانيا سنة 1825م بعناية المستشرق (هايخت) فأنجز منه ثمانية أجزاء، مع ترجمته إلى الألمانية، وتوفي قبل إتمام الكتاب، فأنجز الباقي تلميذه فليشر المتوفى سنة 1888م ثم طبع مرات لا تحصى أهمها: طبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر 1960م.

تقول الحكاية الأم التي تبسط ظلالها على حكايا الكتاب: (إن الملك شهريار لم يكتف بعدما اكتشف خيانة زوجته بقتلها هي وجواريه وعبيده، بل صار كل يوم يأخذ بنتاً بكراً فيفض بكارتها ويقتلها من ليلتها، فضج الناس وهربت بناتهم، فسألت شهرزاد أباها الوزير أن يقدمها لشهريار قائلة: "فإما أن أعيش، وإما أن أكون فداء لبنات المسلمين وسبباً لخلاصهن" وكان الوزير يطلع كل صباح بالكفن تحت إبطه، بينما ابنته شهرزاد تؤجل ميعاد موتها بالحكاية تلو الحكاية، حتى أنجبت للملك ثلاثة أولاد في ألف ليلة قضتها في قصره، وجعلته بحلاوة حديثها وطرافة حكاياها خلقاً آخر، ولا شك في أننا غير قادرين على تلخيص أثر هذا الكتاب منذ شاع ذكره في أوربا.

لم يعرف حتى الآن مؤلفه، وقد ذهب الشرواني في مقدمة الطبعة الإيرانية إلى أن واضع الكتاب شامي الأصل، جعله في لغة مبسطة متوخياً تعليم اللغة العربية للراغبين بها أكثر ما توخى الاقتراب من إفهام الناس، وقد أيده De Sacy الذي لا يستبعد أن يكون قد زاد على الأصل السوري النقلة والحكاؤون في كل زمان ومكان أخباراً وحكايات من عندهم.

يبدأ كتاب "ألف ليلة وليلة" كالتالي: "حكي والله أعلم أنه كان فيما مضى من قديم الزمان وسالف العصر والأوان ملك من ملوك ساسان بجزائر الهند والصين صاحب جند وأعوان وخدم وحشم له ولدان أحدهما كبير والآخر صغير وكانا بطلين وكان الكبير أفرس من الصغير وقد ملك البلاد وحكم بالعدل بين العباد وأحبه أهل بلاده ومملكته وكان اسمه الملك شهريار وكان أخوه الصغير اسمه الملك شاه زمان وكان ملك سمرقند العجم، ولم يزل الأمر مستقيماً في بلادهما وكل واحد منهما في مملكته حاكم عادل في رعيته مدة عشرين سنة وهم في غاية البسط والانشراح.

لم يزالا على هذه الحالة إلى أن اشتاق الكبير إلى أخيه الصغير فأمر وزيره أن يسافر إليه ويحضر به فأجابه بالسمع والطاعة وسافر حتى وصل بالسلامة ودخل على أخيه وبلغه السلام وأعلمه أن أخاه مشتاق إليه وقصده أن يزوره فأجابه بالسمع والطاعة وتجهز وأخرج خيامه وبغاله وخدمه وأعوانه وأقام وزيره حاكماً في بلاده وخرج طالباً بلاد أخيه.

فلما كان في نصف الليل تذكر حاجة نسيها في قصره فرجع ودخل قصره فوجد زوجته راقدة في فراشه معانقة عبداً أسود من العبيد، فلما رأى هذا اسودت الدنيا في وجهه وقال في نفسه: إذا كان هذا الأمر قد وقع وأنا ما فارقت المدينة فكيف حال هذه العاهرة إذا غبت عند أخي مدة، ثم أنه سل سيفه وضرب الاثنين فقتلهما في الفراش".
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...