عاصم حمدان - قصص ألف ليلة وليلة وترسـُّخها في دوائر الأدباء والباحثين الفرنسيين والإنجليز

** تحدثنا في الحلقة الماضية من هذه الدراسة عن أثر الأدب العربي القصصي في الأدب الإنجليزي، مستشهدين بعمل الرحالة والأديب والعالم الإنثروبولجي ريتشارد بيرتون Richard Burton 1821 -1890 في ترجمة قصص ألف ليلة وليلة من العربية إلى الإنجليزية «شعرًا».
** وفي هذا السيّاق يرى المستشرق البريطاني المعروف هاملتون جبGibb 1895 – 1971 «بأنّ القصص العربي كان خاتمة لحركة كبيرة نحو تصوير الشرق في صورة خيالية كانت تُستمدّ من القصص، كما كانت تعذّيها الرّحلات الأولى إلى الشرق، والحركات التي قُصد بها أو من ورائها استعماره»، كما يرى في دراسة عن الأدب العربي أنّ بعض القصص الخرافية الغنائية نادرة الوجود في الآداب الأوروبية في حين أنها شائعة في الآداب العربية الشعبية، ثم إنّ من الآداب العربية ما كان موضوعه الرحلات وعجائب المخلوقات، وقد تركت أثرًا في الأدب الأوروبي، وحدث ذلك في عصر كانت فيه أوروبا تكاد لا تعرف السفر إلاَّ بقصد الحج إلى الأراضي المقدسة. [انظر: هاملتون جب: الأدب العربي، تعريب عبداللطيف حمزة (تراث الإسلام، لجنة الجامعيين للنشر، ج1، ص:179- 180].
** وإذا كان الاهتمام الفرنسي بقصص ألف ليلة وليلة قد بدأ مع بداية القرن الثامن عشر الميلادي على يد الباحث انطوان جالان، حيث يذكر الباحث عبدالرحمن بدوي «بأنّ العمل العظيم الذي اقترن به اسم جالان هو ترجمته لكتاب ألف ليلة وليلة ترجمة حرّة، تصرّف فيها تصرّفًا شديدًا، لكن بلغة جميلة، وتكييف للنص الأصلي بحيث يتلاءم مع الذوق الأوروبي». [موسوعة المستشرقين، د.عبدالرحمن بدوي، ط1 1984م، ص:11102]، فلقد التقطت -بعد ذلك- حاسّة الباحث الإنجليزي جوناثان سكوتJonthan Scott أستاذ الدراسات الشرقية في كلية الدراسات الهندية الشرقية East India College، الروح الأدبية والقصصية التي تسري في هذا العمل الشرقي، فعمل بتشجيع من صديقه أستاذ الدراسات العربية في جامعة أكسفورد بروفيسور وايت Whiteعلى ترجمته هذا العمل الأدبي إلى اللغة الإنجليزية في طبعة توصف بأنّها منقحة ومصحّحة بالاعتماد على الأصل العربي للقصص.
[انظر: Arabian Night's Entertainments , A new Edition Revised With Notes , By: The Rev. Fyler Townsnd, London Preface].
** وهذا العمل الذي قام به الباحث «سكوت» يستدعي طرح سؤال هام، وهو: هل كانت هناك مخطوطات لقصص ألف ليلة وليلة موجودة في المكتبات والمؤسسات البريطانية المعروفة باهتمامها بالدراسات العربية منذ قرون عدّة؟ وبالعودة إلى كتاب ألف وليلة من أصوله العربية الأولى -وهو من أهم المصادر المعتمدة والمحققة تحقيقًا علميًّا دقيقًا- نجد أنّ الباحث محسن مهدي يشير إلى نسخة موجودة بمكتبة جون ريلاندز -التّابعة لجامعة مانشستر فكتوريا- وبالرّجوع إلى فهرست المخطوطات العربية الموجودة بهذه المكتبة، نجد وصفًا تحليليًّا -باللغة الإنجليزية- لهذه المخطوطة من العمل القصصي -إيّاه- وتحمل رقم 646، ويتضمّن هذا الوصف الإشارة إلى أنّ جزءًا من أصل هذا العمل قد سقط، وربما كانت الحالة الرديئة لذلك الجزء المفقود قد أدّت إلى سقوطه، ويشار إلى أنّ الأصل الذي نقلت منه المخطوطة هو فرنسي، وأنّ ملكية هذه المخطوطة تعود إلى مهاجر فرنسي في مقاطعة Rosetta، وذلك قبل الحملة الفرنسية التي يعود تاريخها إلى 1798م - 1799م، وهذه الشخصية الفرنسية تحمل اسم: Jean Versy، ويعتقد أنه طالب للمستشرق الفرنسي المعروف «دي ساسي» De-sacy ، أو من يعرف بلقب شيخ المستشرقين الفرنسيين «1758-1838م». [أنظر ترجمته في: موسوعة المستشرقين، مصدر سابق، ص: 226-236، وأن اسم هذه الشخصية التي تعود ملكية هذه المخطوطة لها: كما ورد بالعربية في الفهرست هو يوحنّ بن يوسف وارسي].
** وإلحاقًا بهذه النسخة من القصص توجد نسخة أخرى تحمل رقم 647، وأنها كتبت من قبل أو لشخصية الطبيب الإنجليزي، الدكتور باترياك رسل Patrick Russell الذي كان يقيم آنذاك بمدينة حلب. كما تعتبره بعض المصادر أحد مؤرّخي هذه المدينة من بلاد الشام، ويذكر د.مهدي بأنّ هذه النّسخة نسخت في حلب بين عامي 1750 - 1771م. ويؤكّد مهدي أنّ نسخة أخرى من القصص موجودة في خزانة الكتب المعروفة باسم: المكتب الهندي في لندن، وتحمل رقم: 2699.
[أنظر: فهرست المخطوطات العربية في جامعة جون ريلاندز: Catalogue Of Arabic Manuscripts In The John Rylands Library, Manchester, By: A. Mingana]. [وانظر كذلك، كتاب ألف وليلة من أصوله العربية حققه وقدم له: محمد مهدي، بريل، ليدن، 1984م].
* ولعلّ في عملية الاستقصاء والبحث عن المخطوطات الموجودة من هذا العمل القصصي العربي في الخزائن البريطانية ما يكشف عن بواعث اهتمام الباحثين والأدباء والرحالة الإنجليز بترجمته، كما رأينا عند الأديب والرحالة «بيرتون» وعند سواه من الباحثين الذين سوف نعرض لأعمالهم -بإذن الله- في حلقات قادمة من هذه الدراسة.


* al-madinacom
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...