نقوس المهدي
كاتب
* نقلت صحيفة الحياة في عددها الصادر يوم 18 أبريل 2014م موجزًا لمحاضرة الدكتور محمّد خير البقاعي في أسبوعيّة الزّميل الكريم الأستاذ الدكتور عبدالمحسن القحطاني، والتي أدارها النّاقد والمثقّف المعروف الأستاذ حسين بافقيه، وكانت المحاضرة بعنوان «ألف ليلة وليلة وترجماتها الفرنسية»، وكان العنوان - الذي ربّما استنتجته الصحفية من محاضرة البقاعي - مثيرًا، وهو «النسخة الفرنسية من ألف وليلة أقدم من المخطوط العربي». ويؤسفني القول بأنّ هذا الاستنتاج، إن كان قد ورد على لسان المحاضر أو استنتجه المحرّر الذي يفترض أن يكون متخصصًا، بأنه استنتاج غير دقيق، إنْ لم يكن خاليًا من الصحّة، ويفترض في مؤلّف مثل الدكتور البقاعي أن يلمّ بجميع، أو على الأقل، بأشهر الترجمات لهذا العمل الأدبي، سواءً ما كان منها باللّغة الفرنسية أو الإنجليزية، إضافة إلى حقيقة هامة وهي أنّ المخطوطات العربية لهذا العمل الأدبي سبقت بزمن طويل الاهتمام الغربي بترجمته.
* وبالعودة إلى النّص الذي حقّقه الباحث محسن مهدي، ونشرته دار بريل Brill للنشر ليدن Leiden، وصدر في عام 1984م، وكان عنوان هذه الدّراسة الهامّة وغير المسبوقة هو: «كتاب ألف ليلة وليلة مِنْ أصوله العربية الأولى»، والجزء الأخير من العنوان ينفي نفيًا قاطعًا أن تكون النسخة الفرنسية أقدم مِنْ المخطوط العربي.
* يشير مهدي إلى أنّ النّسخة الأم قد ألّفت في العصر المملوكي، أو أنّ تأليفها لم يسبق النّصف الثّاني من القرن السابع من الهجرة «النصف الثاني من القرن الثالث عشر من الميلاد».
* وقسّم الباحث النّسخ من هذا العمل الأدبي الهام إلى فرعين؛ أحدهما الشامي والآخر المصري، وأقدم نسخ الفرع الشامي هي التي تحتفظ بها المكتبة الوطنية بباريس، وهي في ثلاثة أجزاء، ثمّ النّسخة التي تحتفظ بها المكتبة الرسولية بمدينة الفاتيكان، ثمّ نسخة مكتبة جون رايلندز Rylands بمدينة مانشستر البريطانية، وقد أطّلعت شخصيًّا على هذه النّسخة أثناء دراستي بقسم الدّراسات الشرقية بجامعة مانشيستر فيكتوريا 1982- 1986م.
* وبين يدي فهرست مكتبة جون رايلندز:John Rylands Catalogue of Arabic Manuscripts, by A.Mingana March 1934.
* وقد اشتملت صفحات هذا الفهرست على وصف لبعض مخطوطات هذا العمل العربي الهام، وحملت المخطوط الأولى رقم: 646، وقد ورد في النّص اسم العمل بداية باللغة العربية (ألف ليلة وليلة) ثم بالإنجليزية Arabian Nights، وتمت الإشارة في بداية الوصفة إلى أنّ هذه النّسخة رقم 646 تعود ملكيتها لشخص يدعى Jean Versy، وأنّه كان قد توطّن مدينة Rosetta قبل الحملة الفرنسية المعروفة التي حدثت ما بين عام 1798- 1799م، وأنّه تلميذ للمستشرق De Sacy، دي ساسي، والذي ينعته الباحث العربي في شؤون الاستشراق د. عبدالرحمن بدوي بأنه شيخ المستشرقين الفرنسيين، وأنه عاش في الحقبة 1758 - 1838م، ومن جهوده العلمية تحقيقه لـ»مقامات الحريري»، و»كليلة ودمنة». [أنظر: موسوعة المستشرقين، د. عبدالرحمن بدوي، دار العلم للملايين، ط1، 1984، ص226-232]. ويشير سياق وصف هذه المخطوطة إلى أنّ ناسخ هذه المخطوطة هو نفسه ناسخ مخطوطة مكتبة Bodleian (بودليانا)، المتضمنة جزئية من القصص نفسه والموسوم «علي بابا والأربعون سارقًا»، وأنّ اسمه كما ورد في الأخيرة: يوحنّا بن يوسف وارسي.
* ويتضمن الفهرست كذلك الإشارة إلى المخطوطة رقم 647 من العمل نفسه - أي ألف ليلة وليلة- وأنّها كانت في الأصل من مجموعة د. راسل Russell مؤلّف كتاب تاريخ مدينة (حلب)، ولعلّ ما ذكرناه في هذه الجزئية المتصلة بهذا العمل الأدبي، الذي تقاسمته ثقافات ولغات مختلفة، ما يضيء الطّريق أمام الباحثين في تقصّي رحلة هجرة التّراث العربي والإسلامي من مكتباته وخزائنه الأصلية إلى البلاد الغربية بدوافع ونزعات مختلفة، ولكن يحمد لها في النهاية أنّها حافظت عليه، وصنّفته في حقبة كانت الأمّة الإسلاميّة والعربيّة تعاني فيها من عوامل ضعف حضاري وفكري، وهو الأمر الذي يُطلّ - للأسف- علينا اليوم في صورة مختلفة، حيث تُقدِم جماعات متشدّدة وإرهابيّة على ارتكاب جريمة إنسانية في حقّ هذا التّراث عندما تقوم بحرقه أو تمزيقه بغية التخلّص منه، كما حدث لبعض خزائن المخطوطات في (تومبكتو) توهمًا منهم أنّ هذا التّراث يحتوي على مخالفات عقدية، متناسين أو ربّما جاهلين بأنّ العرب الأوائل في العصور الذّهبية للحضارة العربية والإسلامية، والذين حملوا دعوة الدّين الخاتم، قد حافظوا، وعيًا منهم بمقاصد هذا الدّين العظيم، على تراث الأمم الأخرى، وأضافوا إليه من أفكارهم ورؤاهم ما يجعله قادرًا على الاستمرار والديمومة، بحيث أضحت الحضارة العربية والإسلامية جسرًا هامًا وفاعلاً ومنتجًا بين الحضارات الإنسانية القديمة والحضارة الحديثة.
وأعود إلى ما بدأت به هذه المقالة - أصلاً- وهو محاضرة الدكتور البقاعي، وافتقادها - للأسف الشديد- للدقّة العلمية المطلوبة، ومن هذا المنطلق الهام فإنّني سوف أعود بإذن الله في حلقات أخرى للترجمات الأوروبية، وخصوصًا الإنجليزية والفرنسية منها، وذلك لأهمية هذا العمل الأدبي - أعني ألف ليلة وليلة-، وتأثيره في الأدب الغربي الحديث، وخصوصًا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وفي الاتجاه الرومانتيكي على وجه التّحديد، كما يذكر ذلك الباحث المعروف الدكتور محمد غنيمي هلال في دراسته الهامة عن الأدب المقارن. والله وليُّ التّوفيق.
* al-madinacom
* وبالعودة إلى النّص الذي حقّقه الباحث محسن مهدي، ونشرته دار بريل Brill للنشر ليدن Leiden، وصدر في عام 1984م، وكان عنوان هذه الدّراسة الهامّة وغير المسبوقة هو: «كتاب ألف ليلة وليلة مِنْ أصوله العربية الأولى»، والجزء الأخير من العنوان ينفي نفيًا قاطعًا أن تكون النسخة الفرنسية أقدم مِنْ المخطوط العربي.
* يشير مهدي إلى أنّ النّسخة الأم قد ألّفت في العصر المملوكي، أو أنّ تأليفها لم يسبق النّصف الثّاني من القرن السابع من الهجرة «النصف الثاني من القرن الثالث عشر من الميلاد».
* وقسّم الباحث النّسخ من هذا العمل الأدبي الهام إلى فرعين؛ أحدهما الشامي والآخر المصري، وأقدم نسخ الفرع الشامي هي التي تحتفظ بها المكتبة الوطنية بباريس، وهي في ثلاثة أجزاء، ثمّ النّسخة التي تحتفظ بها المكتبة الرسولية بمدينة الفاتيكان، ثمّ نسخة مكتبة جون رايلندز Rylands بمدينة مانشستر البريطانية، وقد أطّلعت شخصيًّا على هذه النّسخة أثناء دراستي بقسم الدّراسات الشرقية بجامعة مانشيستر فيكتوريا 1982- 1986م.
* وبين يدي فهرست مكتبة جون رايلندز:John Rylands Catalogue of Arabic Manuscripts, by A.Mingana March 1934.
* وقد اشتملت صفحات هذا الفهرست على وصف لبعض مخطوطات هذا العمل العربي الهام، وحملت المخطوط الأولى رقم: 646، وقد ورد في النّص اسم العمل بداية باللغة العربية (ألف ليلة وليلة) ثم بالإنجليزية Arabian Nights، وتمت الإشارة في بداية الوصفة إلى أنّ هذه النّسخة رقم 646 تعود ملكيتها لشخص يدعى Jean Versy، وأنّه كان قد توطّن مدينة Rosetta قبل الحملة الفرنسية المعروفة التي حدثت ما بين عام 1798- 1799م، وأنّه تلميذ للمستشرق De Sacy، دي ساسي، والذي ينعته الباحث العربي في شؤون الاستشراق د. عبدالرحمن بدوي بأنه شيخ المستشرقين الفرنسيين، وأنه عاش في الحقبة 1758 - 1838م، ومن جهوده العلمية تحقيقه لـ»مقامات الحريري»، و»كليلة ودمنة». [أنظر: موسوعة المستشرقين، د. عبدالرحمن بدوي، دار العلم للملايين، ط1، 1984، ص226-232]. ويشير سياق وصف هذه المخطوطة إلى أنّ ناسخ هذه المخطوطة هو نفسه ناسخ مخطوطة مكتبة Bodleian (بودليانا)، المتضمنة جزئية من القصص نفسه والموسوم «علي بابا والأربعون سارقًا»، وأنّ اسمه كما ورد في الأخيرة: يوحنّا بن يوسف وارسي.
* ويتضمن الفهرست كذلك الإشارة إلى المخطوطة رقم 647 من العمل نفسه - أي ألف ليلة وليلة- وأنّها كانت في الأصل من مجموعة د. راسل Russell مؤلّف كتاب تاريخ مدينة (حلب)، ولعلّ ما ذكرناه في هذه الجزئية المتصلة بهذا العمل الأدبي، الذي تقاسمته ثقافات ولغات مختلفة، ما يضيء الطّريق أمام الباحثين في تقصّي رحلة هجرة التّراث العربي والإسلامي من مكتباته وخزائنه الأصلية إلى البلاد الغربية بدوافع ونزعات مختلفة، ولكن يحمد لها في النهاية أنّها حافظت عليه، وصنّفته في حقبة كانت الأمّة الإسلاميّة والعربيّة تعاني فيها من عوامل ضعف حضاري وفكري، وهو الأمر الذي يُطلّ - للأسف- علينا اليوم في صورة مختلفة، حيث تُقدِم جماعات متشدّدة وإرهابيّة على ارتكاب جريمة إنسانية في حقّ هذا التّراث عندما تقوم بحرقه أو تمزيقه بغية التخلّص منه، كما حدث لبعض خزائن المخطوطات في (تومبكتو) توهمًا منهم أنّ هذا التّراث يحتوي على مخالفات عقدية، متناسين أو ربّما جاهلين بأنّ العرب الأوائل في العصور الذّهبية للحضارة العربية والإسلامية، والذين حملوا دعوة الدّين الخاتم، قد حافظوا، وعيًا منهم بمقاصد هذا الدّين العظيم، على تراث الأمم الأخرى، وأضافوا إليه من أفكارهم ورؤاهم ما يجعله قادرًا على الاستمرار والديمومة، بحيث أضحت الحضارة العربية والإسلامية جسرًا هامًا وفاعلاً ومنتجًا بين الحضارات الإنسانية القديمة والحضارة الحديثة.
وأعود إلى ما بدأت به هذه المقالة - أصلاً- وهو محاضرة الدكتور البقاعي، وافتقادها - للأسف الشديد- للدقّة العلمية المطلوبة، ومن هذا المنطلق الهام فإنّني سوف أعود بإذن الله في حلقات أخرى للترجمات الأوروبية، وخصوصًا الإنجليزية والفرنسية منها، وذلك لأهمية هذا العمل الأدبي - أعني ألف ليلة وليلة-، وتأثيره في الأدب الغربي الحديث، وخصوصًا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وفي الاتجاه الرومانتيكي على وجه التّحديد، كما يذكر ذلك الباحث المعروف الدكتور محمد غنيمي هلال في دراسته الهامة عن الأدب المقارن. والله وليُّ التّوفيق.
* al-madinacom