نقوس المهدي
كاتب
«الخبر والحكاية... الشكل الدلالي في الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي»، هو عنوان الكتاب الصادر حديثاً عن دار «رؤية» في القاهرة للناقد والأكاديمي المغربي الدكتور بشرى قانت الذي يشير إلى تناص أحاديث «الإمتاع والمؤانسة» مع أحاديث «ألف ليلة وليلة»، رغم أن كتاب التوحيدي يفتقد الحكاية الإطارية لكتاب ليالي شهرزاد التي تنظم بنيته السردية بحكم طبيعتها الشفاهية، ولكنه لم يفتقد - في بنيته السردية - النسق الداخلي لبنية الليالي أي نسق التنضيد، حيث كل قصة من قصص الليالي مستقلة عن غيرها، ولا تربط بينها إلا وحدة الراوي (شهرزاد) والمروي له (شهريار). وهذا ما أفاد منه التوحيدي (الراوي) في روايته الأحاديث للوزير (المروي له).
وهناك مجالس واقعية يمثلها «الإمتاع والمؤانسة»، ومجالس تخيلية تجسدها «ألف ليلة وليلة». فالمجلس يعبر عن التفاعل بين المتكلم والسامع، وهي علاقة متجددة وفق العقد الكلامي الذي يمثل تلك الشروط الكلامية المتوزعة عبر شروط متعلقة بالوزير وأخرى مرتبطة بأبي حيان، وثالثة ذات علاقة بالكلام والمجلس، ويتوافق الطرفان بتكامل شروطهما، ويتجسد التفاعل بينهما من خلال نوع الكلام الذي يتم إنتاجه في المجلس باعتباره مقاماً للتواصل. وهو كلام أبان عن موسوعية أبي حيان الذي استند إلى الاستطراد في تنويع مواضيعه واعتمد في إجاباته على مصادر عدة وهي: الذاكرة، الحافظة، المتصرفة.
يعتمد أبو حيان على الذاكرة كمصدر للحديث عن شخصيات متعددة أو لوصف مشاهداته وذكر سماعاته، ويستحضر بالحافظة الأقوال الشعرية والنثرية المنسوبة إلى أصحابها وتمثل تعليقاته وأقواله الخاصة به المتصرفة. وهي كلها مصادر تحيل إلى الشفاهية المبنية على قواعد متجسدة في: التخزين النصي، التداول النصي، الإبداع النصي.
ويقسم الباحث الصيغ النوعية إلى قسمين هما: القول والإخبار. يحيل القول إلى جنس الحديث، بينما يدل الإخبار على جنس السرد، ويرتبط الإنشاد بجنس الشعر. وهي أجناس للكلام العربي مبثوثة في «الإمتاع والمؤانسة»، توجد في حالة تجاور أو تناوب أو تداخل، مع طغيان جنس السرد الذي يتضمن أنواعاً سردية بسيطة (الخبر والحكاية). ويقدم الباحث خبر «جحظة والبناء» كمثال على الخبر، وحكاية «جريح الزاهد» كتمثيل للحكاية. ويمكن تحديد الفروق بين النوعين من خلال الحدث (الفعل) الذي يعد محوراً للخبر، ومن خلال الفاعل الذي يمثل مركز توجيه الحكاية، وبذلك تكون الحكاية أوسع من الخبر؛ لاشتمالها على أكثر من وحدتين خبريتين.
أما من جهة علاقة النمط بالأثر الذي يحدثه السرد في المتلقي، فيتم التمييز بين الجد والهزل، فخبر «بناء الجدار» ذو مقصد هزلي، وحكاية «جريح الزاهد» ذات مقصد جدي، كما يوجد تداخل بين الجد والهزل في عدد من النصوص. ومن خلال اتصال أو انفصال الجد بالهزل يمكن النظر في السرد من خلالهما عبر تحقيق مقاصد معينة: التعرف (تحصيل المعرفة)، التدبر (العبرة)، التفكه (تحصيل المتعة الوجدانية والحسية)، ويتم تحقيق العبرة من طريق التأمل في حكاية «جريح الزاهد»، في حين تكون المتعة وجدانية في خبر «بناء الجدار».
كما كشفت المادة الفولكلورية عن حياة أبي حيان بما فيها من تناقض، وعبّرت عن شخصيته المتمردة ونفسيته المتشائمة؛ فالثلب عنده نوع من التنفيس، وحديثه عن صنوف من الشخصيات ضرب من الإسقاط النفسي، كما أن نوادر السياسة والشطار والعيارين تعكس موقفه من السلطة.
وحدّد الباحث استراتيجيات السرد عند التوحيدي وتتمثل في: الاحتجاج، الجدل، الاقتباس، النقل، التضمين، الإشارة، التلفيق، الإهمال المتعمد، التصريح، المراوغة، العناية بأصناف الكلام أكثر من رسم الشخصيات وسير الأحداث، قصد الإمتاع وبغية المؤانسة، ولكن ذلك لا يلغي مقصديته في تبليغ رسالة ما.
ويشير الباحث إلى أن الخبر ذو بنية دلالية بسيطة وأن الحكاية ذات بنية دلالية مركبة، على خلاف ما كانت تذهب إليه الأبحاث البنيوية التي لا تميز بين الخبر والحكاية من حيث دلالتهما، وإنما من حيث شكلهما (الخطاب).
ويشتغل الباحث على مجموعة من النصوص الحكائية ذاتها، ومقاربتها انطلاقاً من الحوارية والموضوعاتية. وهو اشتغال يؤكد ارتباط النصية بالانسجام والتماسك، وهذا ما يتيحه توظيف المفاهيم الموصولة بالمكونين وفي المقابل يبرز التباين القائم بين النوعين السرديين بتعرف كيفية تشكل دلالتهما، أي طريقة تقديم مادتهما الدلالية، وذلك من خلال تجلياتهما النصية. وهو تباين أفرزه التفاعل المعياري القائم بين المكونين الحواري والموضوعاتي في كل نوع سردي.
وانطلاقاً من هذين المكونين (الحوارية والموضوعاتية)، يعتبر هذان النوعان السرديان شكلين دلاليين متباينين من حيث كيفية تشكل دلالتهما. وتتم معالجة هذا التباين بالاشتغال على مجموعة من المفاهيم مثل: المفاهيم المرتبطة بالمكون الحواري والمتمثلة في الكون الدلالي والعوالم الدلالية وعلاقتها بالمركز التلفظي/ الفاعل، والتشاكل الدلالي الموصول بالمكون الموضوعاتي. تتجاوز هذه المفاهيم، عند الاشتغال على النوعين السرديين، حدودها اللسانية لتلامس الجانب السردي، وهنا يتم ربطها بالمادة الحكائية من خلال مجموعة من المقولات: الحدث، والشخصية، والزمن، والمكان.
ويحاول الباحث الإجابة عن أسئلة: كيف عبّرت الشخصية - انطلاقاً من تجلياتها النصية - عن أكوانها الدلالية، وعن انتقالاتها الدلالية المتعددة بين العوالم؟ كيف عملت على بناء التشاكلات الدلالية (الموضوعة) والتشاكلات المرتبطة بالمادة الحكائية (الشخصية - الزمن - المكان)؟ هل عبرت بالفعل عن التباين القائم بين الخبر والحكاية في طريقة تقديم مادتهما الدلالية؟
وهناك مجالس واقعية يمثلها «الإمتاع والمؤانسة»، ومجالس تخيلية تجسدها «ألف ليلة وليلة». فالمجلس يعبر عن التفاعل بين المتكلم والسامع، وهي علاقة متجددة وفق العقد الكلامي الذي يمثل تلك الشروط الكلامية المتوزعة عبر شروط متعلقة بالوزير وأخرى مرتبطة بأبي حيان، وثالثة ذات علاقة بالكلام والمجلس، ويتوافق الطرفان بتكامل شروطهما، ويتجسد التفاعل بينهما من خلال نوع الكلام الذي يتم إنتاجه في المجلس باعتباره مقاماً للتواصل. وهو كلام أبان عن موسوعية أبي حيان الذي استند إلى الاستطراد في تنويع مواضيعه واعتمد في إجاباته على مصادر عدة وهي: الذاكرة، الحافظة، المتصرفة.
يعتمد أبو حيان على الذاكرة كمصدر للحديث عن شخصيات متعددة أو لوصف مشاهداته وذكر سماعاته، ويستحضر بالحافظة الأقوال الشعرية والنثرية المنسوبة إلى أصحابها وتمثل تعليقاته وأقواله الخاصة به المتصرفة. وهي كلها مصادر تحيل إلى الشفاهية المبنية على قواعد متجسدة في: التخزين النصي، التداول النصي، الإبداع النصي.
ويقسم الباحث الصيغ النوعية إلى قسمين هما: القول والإخبار. يحيل القول إلى جنس الحديث، بينما يدل الإخبار على جنس السرد، ويرتبط الإنشاد بجنس الشعر. وهي أجناس للكلام العربي مبثوثة في «الإمتاع والمؤانسة»، توجد في حالة تجاور أو تناوب أو تداخل، مع طغيان جنس السرد الذي يتضمن أنواعاً سردية بسيطة (الخبر والحكاية). ويقدم الباحث خبر «جحظة والبناء» كمثال على الخبر، وحكاية «جريح الزاهد» كتمثيل للحكاية. ويمكن تحديد الفروق بين النوعين من خلال الحدث (الفعل) الذي يعد محوراً للخبر، ومن خلال الفاعل الذي يمثل مركز توجيه الحكاية، وبذلك تكون الحكاية أوسع من الخبر؛ لاشتمالها على أكثر من وحدتين خبريتين.
أما من جهة علاقة النمط بالأثر الذي يحدثه السرد في المتلقي، فيتم التمييز بين الجد والهزل، فخبر «بناء الجدار» ذو مقصد هزلي، وحكاية «جريح الزاهد» ذات مقصد جدي، كما يوجد تداخل بين الجد والهزل في عدد من النصوص. ومن خلال اتصال أو انفصال الجد بالهزل يمكن النظر في السرد من خلالهما عبر تحقيق مقاصد معينة: التعرف (تحصيل المعرفة)، التدبر (العبرة)، التفكه (تحصيل المتعة الوجدانية والحسية)، ويتم تحقيق العبرة من طريق التأمل في حكاية «جريح الزاهد»، في حين تكون المتعة وجدانية في خبر «بناء الجدار».
كما كشفت المادة الفولكلورية عن حياة أبي حيان بما فيها من تناقض، وعبّرت عن شخصيته المتمردة ونفسيته المتشائمة؛ فالثلب عنده نوع من التنفيس، وحديثه عن صنوف من الشخصيات ضرب من الإسقاط النفسي، كما أن نوادر السياسة والشطار والعيارين تعكس موقفه من السلطة.
وحدّد الباحث استراتيجيات السرد عند التوحيدي وتتمثل في: الاحتجاج، الجدل، الاقتباس، النقل، التضمين، الإشارة، التلفيق، الإهمال المتعمد، التصريح، المراوغة، العناية بأصناف الكلام أكثر من رسم الشخصيات وسير الأحداث، قصد الإمتاع وبغية المؤانسة، ولكن ذلك لا يلغي مقصديته في تبليغ رسالة ما.
ويشير الباحث إلى أن الخبر ذو بنية دلالية بسيطة وأن الحكاية ذات بنية دلالية مركبة، على خلاف ما كانت تذهب إليه الأبحاث البنيوية التي لا تميز بين الخبر والحكاية من حيث دلالتهما، وإنما من حيث شكلهما (الخطاب).
ويشتغل الباحث على مجموعة من النصوص الحكائية ذاتها، ومقاربتها انطلاقاً من الحوارية والموضوعاتية. وهو اشتغال يؤكد ارتباط النصية بالانسجام والتماسك، وهذا ما يتيحه توظيف المفاهيم الموصولة بالمكونين وفي المقابل يبرز التباين القائم بين النوعين السرديين بتعرف كيفية تشكل دلالتهما، أي طريقة تقديم مادتهما الدلالية، وذلك من خلال تجلياتهما النصية. وهو تباين أفرزه التفاعل المعياري القائم بين المكونين الحواري والموضوعاتي في كل نوع سردي.
وانطلاقاً من هذين المكونين (الحوارية والموضوعاتية)، يعتبر هذان النوعان السرديان شكلين دلاليين متباينين من حيث كيفية تشكل دلالتهما. وتتم معالجة هذا التباين بالاشتغال على مجموعة من المفاهيم مثل: المفاهيم المرتبطة بالمكون الحواري والمتمثلة في الكون الدلالي والعوالم الدلالية وعلاقتها بالمركز التلفظي/ الفاعل، والتشاكل الدلالي الموصول بالمكون الموضوعاتي. تتجاوز هذه المفاهيم، عند الاشتغال على النوعين السرديين، حدودها اللسانية لتلامس الجانب السردي، وهنا يتم ربطها بالمادة الحكائية من خلال مجموعة من المقولات: الحدث، والشخصية، والزمن، والمكان.
ويحاول الباحث الإجابة عن أسئلة: كيف عبّرت الشخصية - انطلاقاً من تجلياتها النصية - عن أكوانها الدلالية، وعن انتقالاتها الدلالية المتعددة بين العوالم؟ كيف عملت على بناء التشاكلات الدلالية (الموضوعة) والتشاكلات المرتبطة بالمادة الحكائية (الشخصية - الزمن - المكان)؟ هل عبرت بالفعل عن التباين القائم بين الخبر والحكاية في طريقة تقديم مادتهما الدلالية؟