علاء مشذوب - الجسد أولا

جسد الإنسان يشبه في تكوينه جسد الأرض، فكلاهما باعث الحياة، وكلاهما حامل لبذور فنائهما، وهو بذلك يتعرض للكثير من العوامل البيئية الطبيعية والمصطنعة، حتى تجد وبسبب تلك الظروف، إن جسد الإنسان يختلف من منطقة لأخرى، وإن ثقافته من حيث الاستعمال تختلف أيضاً، فالبعض يجده أداة لتحقيق أغراض روحانية يدفع كفدية كما في الكثير من الديانات القديمة،
فكانت تهدى النساء العذارى الى رئيس الكهنة، أو ترمى في البحر، أو يسيل مدها في محراب العبادة من أجل إرضاءهم، بل إن الديانة المسيحية في بعض أوجهها تعتقد إن السيد المسيح (ع) دفع جسده فدية وضريبة لتخليص الناس من ذنوبها، وهو بذلك تحمل أشق العذاب وأقسى أنواعه.
كما تختلف تغذية الجسد من بلد آخر، فنجد البعض، يغذيه على جميع ما يمشي على الأرض من الحيوانات وعلى كل ما هو مزروع على وجه البسيطة، دون أن تكون هناك قيود وموانع دينية أو اجتماعية، كما بعض المناطق الصينية وتايلاند والدول القريبة منها.
وتختلف ثقافة الملبس من بلد لآخر أيضاً، وهو مقرون بنوع الظروف التي يعيش فيها الإنسان، وإذ نجد بعض الحضارات، ونتيجة لظروفها البيئية الحارة، لا تغطي من الجسد إلا أسفله، ويبقى الجزء العلوي (حتى النساء) مكشوف، دون أن يثير ذلك أي رغبة جنسية أو حالة شذوذ ضمن ثقافتهم العامة، وفي العكس من تلك المناطق كما في القطب الجنوبي نجد إن مستوى الثلج الذي يمتد على طول السنة، يغطون الجسد من أخمص القدمين وحتى الرأس بجلود الحيوانات ذات الفروة العالية، بينما نجد في حضارات أخرى، ونتيجة لظروفها المعتدلة تغطى الأجزاء المهمة من الجسد، ضمن الكياسة العامة بما يظهر شكل الإنسان بأجمل صورة، بينما نجد في الحضارة الإسلامية، ورغم الظروف البيئية الحارة في أغلب أشهر السنة، فإنه يلزم المرأة بالحجاب والنقاب، وهو جزء من التقاليد الاجتماعية التي أرتقت إلى مستوى التحريم والتحليل، وأصبحت جزء من الدين رغم اختلاف المختصون في مجال الفقه، حول أحليته من حرمته؟
وبالتالي فإن اقتران لبس الجسد بالظرف المحيط به هو جزء من العرف العام والظرف البيئي الذي أنوجد فيه، والذي أعتقد البعض إنه جزء من الدين، وحاول جاهداً أن يجعل من الملبس الذي يغطي الجسد، ميزة له حتى نرى أنه أصبح يميز طبقات المجتمع، فنجد إن للكهنة أو القيمين على الجانب الديني في المجتمع ملبس خاص بهم، وفي العموم يمتد الى الظهور الأول لذلك الدين، ضمن بيئته، وظلوا محافظين عليه، رغم تقدم الحضارة والتطور الذي طرأ على الفكر الإنساني، ورغم إن الزي الأوربي أصبح هو السائد كزي بروتوكولي دولي، إلا أن البعض حاول أن يجد الزي الخاص به ويميزه وفي الوقت نفسه يرمز الى ديانته، من خلال العزوف عن لبس (ربطة العنق) كرمز للمسيحية على سبيل المثال؟
مثلما أصبح لكل نوع من الأعمال لبس معين، وهو يختلف بحسب تسلسله الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والديني وربما يتشابه به، كما في (الزي الخليجي) الذي يتشابه في شكله العام إبتداءا من الملك وصولاً الى أبسط شخص من عوام الناس، وكذلك المناطقي، حيث نجد الكثير منها ينخرط في زي واحد، وفي كل ذلك كانت الملابس والأزياء تفصل بما يناسب الجسد ووظائف الشخص الذي هو جزء من تكوينه؟ وهو في ذات الوقت يضفي نوع من المدنية، حيث يعد اللبس المدني هو الصفة الغالبة على الدول الأكثر تحضر ... الموضع يفيض بموجات متدرجة من الضوء الأزرق، فيما راحت الأجساد المتكومة فوق بعضها تتعلق بخيوط النور السابحة في الفضاء لترتفع بالتدريج مستعيدة هيئتها السابقة، فبدت (الكيمونات) لافتة ورائعة بألوانها الحارة وهي تحتضن تلك الأجساد الأنثوية المتناسقة•، حيث يتفاعل اللون والجسد وذوق الإنسان إيجابيا، من أجل المظهر اللائق، وبذلك قد أوجد بواعث نفسية، تريح النظر إليها في فصل الصيف ومثله في الشتاء، من حيث الألوان الحارة والباردة تبعاً لفصول السنة.. أستنفر الليل تلك البرودة الكامنة في أواخر أيلول وحط بها على جسده؟
كما حاولت البعض من القيم والمفاهيم الدينية أن تتدخل حتى في تهذيب الشكل العام للجسد من خلال إيجاد مجموعة من القوانين كممنوعات التي تراها واجبة التنفيذ كإطلاق اللحية وإهانة (الشارب) كما في البعض من التقاليد الإسلامية، مثلما حددت الكثير مما ينفع أو يضره، من ناحية التغذية، في الوقت الذي نجد فيه الديانات الأخرى، تختلف معه في ذلك، من ناحية تحريم وتحليل البعض من الحيوانات بمختلف أصنافها وأجناسها؟
من هنا نعتقد أنه عندما يصبح الجسد هو العلامة الفارقة عن الآخرين من حيث اللون والشكل والقامة، يحتم على صاحبه حينئذ على أن يعتني به، ومن أولى واجبات العناية هي الزينة بشقيها الملبسي والتجميلي، فنراه يسعى جاهداً لأن يظهر للآخرين بأبهى حلة مشفوعة بزينة تجميلية للشعر والبشرة، وأن كانت تتفاوت بين الذكور فإنها حتمية عند الإناث، حيث يحاول الإنسان في هذه الفترة خصوصاً أن يظهر للآخرين بأحلى صورة لتنم عن مظهره الجميل ليكون محط إعجاب منهم وبالتالي يلفت اليه الأنظار؟

جريدة تاتوو
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...