نقوس المهدي
كاتب
تتنقل مارينا وورنر في كتابها الموسوعي "السحر الأغرب: مشاهد فاتنة من وحي ألف ليلة وليلة" بخفة بين الزمان والمكان، لترصد تاريخ الأساطير والخرافة والسحر منذ الأساطير الإغريقية القديمة والفارسية والهندية ثم العربية والأوروبية، وتربط كلّ ذلك بفتنة الأسطورة والخيال في حكايات ألف ليلة وليلة، موضحةً ما كان لهذه الحكايات من تأثير على مسيرة أدب الخرافة، لا سيما في أوروبا القرن الثامن عشر فيما أسمته ظاهرة "ألف ليلة وليلة".
الكتاب صدر أخيراً عن مشروع "كلمة" للترجمة في أبوظبي، وجاءت الترجمة بقلم الأكاديمية في جامعة أدنبرة عبلة عودة.
وكان الفرنسي أنطوان جالان أوّل من ترجم ما وصل إليه من حكايات ألف ليلة وليلة من اللغة العربية إلى الفرنسية في عدة مجلّدات خلال الفترة ما بين عامي 1717 -1704، وقد قال في مقدمة ترجمته إنه حصل على جزء من الحكايات من مخطوط عربي قديم عثر عليه في إحدى زياراته لبلاد الشام في القرن الثامن عشر، وأخذ عدداً آخر من الحكايات عن رجلٍ سوري كان يعيش في فرنسا آنذاك يُدعى حنّا دياب يتقن اللغتين العربية والفرنسية.
باتت حكايات ألف ليلة وليلة منذ وصولها إلى أوروبا في عصور التنوير جزءاً لا يتجزأ من التيار الرئيس للثقافة الأدبية والشعبية الأوروبية، وتأثر بها كتاب وفلاسفة ومفكرون بارزون بعد أن قرأوها بلغات متعددة، مثل فولتير وغوته وبيكفورد، وصولاً إلى إتالو كالفينو وبورخيس وغيرهم من الكتّاب الذين تأثروا بصورة أو بأخرى بسحر هذه الحكايات وجموح الخيال فيها، فكانت البذرة الأولى التي ترعرعت لتثمر لاحقاً أدب الواقعية السحرية كما يرى كثير من النقاد.
ترى مارينا وورنر في رحلة هذه الحكايات الطويلة، التي تنقلت فيها بين بلاد فارس والهند والعراق والقاهرة وسوريا، حتى وصلت إلى أوروبا على أيدي المترجمين ومن قبلهم الرحّالة والتجار والمغامرين، صورةً مشرقة للتلاقح الثقافي والحوار المستمر بين الحضارات في الشرق والغرب بعيداً عن الصراعات السياسية والعسكرية التي شابت العلاقات بين الحضارتين منذ الحروب الصليبية الأولى وصولاً إلى الحقبة الاستعمارية في أوروبا.
ويرنو الكتاب إلى أن يكون مرجعاً مفيداً للباحثين والدارسين في حقول الأدب والخرافة وعلم الإنسان والآداب المقارنة. كما يُعيد هذا الكتاب تقديم حكايات ألف ليلة وليلة التي ظُلمت كثيراً في ديارها على نحو يسلط الضوء على أهمية هذه الحكايات والدور الذي لعبته في نقل الثقافة الشرقية إلى أبعد من حدودها الجغرافية.
وفي تصديرها الكتاب، تقول المترجمة عبلة عودة إن مارينا وورنر قرأت حكايات ألف ليلة وليلة للمرة الأولى مترجمةً إلى اللغة الإنجليزية في طفولتها، عندما أهدتها جدتها ترجمة المستشرق البريطاني إدوارد لين لهذه الحكايات التي كانت بعنوان "أسمار الليالي العربية" وكانت قد نُشرت عام 1853، فكانت تلك أوّل مواجهة بين وورنر وهذه الحكايات الخيالية الشيقة التي استحوذت على عقلها طفلة، ثم باحثة وأكاديمية فيما بعد. كان الفرنسي أنطوان جالان أوّل من ترجم ما وصل إليه من حكايات ألف ليلة وليلة من اللغة العربية إلى الفرنسية في عدة مجلّدات خلال الفترة ما بين عامي 1717 -1704، وقد قال في مقدمة ترجمته إنه حصل على جزء من الحكايات من مخطوط عربي قديم عثر عليه في إحدى زياراته لبلاد الشام في القرن الثامن عشر، وأخذ عدداً آخر من الحكايات عن رجلٍ سوري كان يعيش في فرنسا آنذاك يُدعى حنّا دياب يتقن اللغتين العربية والفرنسية، فكان يَقصّ على جالان ما يعرفه من الحكايات، ويقوم جالان بكتابتها وجمعها، ثم إضافها لاحقاً إلى مجلدات ألف ليلة وليلة التي نشرها على أجزاء.
ولا تخفي وورنر تأثرها بأفكار إدوارد سعيد حول الاستشراق والمستشرقين الذين قدّموا حكايات ألف ليلة وليلة بما فيها من أساطير وخرافات شعبية في صورة تقارير واقعية عن الحياة في الشرق، وعززوا ترجماتهم لهذه الحكايات بوثائق وأدوات وصور ولوحات جاؤوا بها من بلاد الشرق التي زاروها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر حين كان جلّ الشرق تحت نفوذ الإمبراطورية العثمانية، فكان القارئ الأوروبي يربط الحكايات الخرافية التي يقرؤها بالهوامش والملاحق والصور التي أضافها المستشرقون، لتقديم بيئة الحكايات كما أسموها والتعريف بأبطال حكاياتها، فكانت النتيجة إسقاط الخيال على الواقع ورسم صورة مُتخيلة وغير حقيقية عن ذلك الشرق الغرائبي البعيد، وقد ظلّت هذه الصورة قائمة وقتاً طويلاً في غياب وسائل التنقل والاتصال التي جاء بها القرن العشرين.
أدرجت المؤلفة ملخصاً لخمس عشرة حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة في هذا الكتاب وزّعتها بين أجزاء الكتاب الخمسة وفصوله العشرين، فكانت بذلك تمنح قارئها متعة خاصة وجائزة ثمينة تستميله بها لاستكمال قراءة الفصول واحداً بعد الآخر، وقد انتقت وورنر من حكايات ألف ليلة وليلة ما يتعلق مباشرة بالأسطورة والسحر والحكاية الخرافية لتجعلها في خدمة موضوع الكتاب، ونثرتها بين فصوله تبعاً للبحث الذي يتناوله كل فصل.
وكشفت عودة أنها عادت في ترجمة الحكايات المختارة في الكتاب إلى نصوص ألف ليلة وليلة الأصلية باللغة العربية، إلا أنّ العائق الأول الذي واجهته تمثّل في عدم تصنيف الحكايات تحت عناوين محددة في معظم النسخ في المكتبات العربية، فمعظم الكتب الموجودة تُقدم الحكايات متصلة ليلة إثر ليلة، وليس هناك ما يفصل بينها إلا طلوع الصباح وسكوت شهرزاد عن الكلام المباح في انتظار الليلة الموالية، وهو دون شك الهيكل الأصلي للحكايات التي كانت تتناسل من بعضها داخل الحكاية الإطارية التي تجمع شهرزاد واختها دنيازاد والسلطان شهريار، إلا أنّ ذلك يُصعّب مهمة المترجم الذي يبحث عن حكايات بعينها ذُكرت في المؤلف المزمع ترجمته وسط بحر واسع من مئات الحكايات.
واعتمدت المترجمة في النهاية مرجعين أساسيين لحكايات ألف ليلة وليلة باللغة العربية عثرت عليهما في جامعة أدنبرة في أسكتلندا، المملكة المتحدة. المرجع الأول "ألف ليلة وليلة" صادر عام 1914 عن المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين في بيروت في خمسة أجزاء، وقد راجعه وحرّره الأب أنطون اليسوعي، حيث كانت الحكايات مرتبة بحسب ترتيب الليالي من الليلة الأولى وحتى الليلة الواحدة بعد الألف، غير أنها حملت أيضاً عناوين محددة مثل حكاية "الصيّاد والعفريت" وحكاية "مدينة النحاس"، وحكاية "الشاب المسحور" وهكذا، مما سهّل مهمة العثور على الحكاية المطلوبة في مؤلف "السحر الأغرب"، وقد وجدت المترجمة هذا المرجع في مكتبة قسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في جامعة أدنبره في أسكتلندا.
يقول الأب أنطون اليسوعي في مقدمة كتاب ألف ليلة وليلة: "وجملة القول إنّ ما فيه من التفنن والانسجام والسلاسة والأعمال الدالة على الشجاعة وغرائب الوقائع واختلاف الأوصاف والإصابة في إعطاء كلِّ حالة لبوسها هو الذي حمل الناس من أعارب وأعاجم على تعشقه والولوع به". (ألف ليلة وليلة، 1914- ص 4)
كما اعتمدت عبلة عودة أيضاً مرجعاً آخر لمزيد من التوثيق والمقارنة بين النسخ المختلفة لحكايات ألف ليلة وليلة، وهو كتاب موجود في قسم المجموعات الخاصة في مكتبة جامعة أدنبره في اسكوتلندا، ولا يزال هذا الكتاب محفوظاً بحالة ممتازة مع أنه صادر عام 1839، ويُعدّ من أقدم كتب ألف ليلة وليلة باللغة العربية إذا ما استبعدنا المخطوطات القديمة المحفوظة في متاحف باريس ولندن.
جاء في صفحة عنوان هذا الكتاب بعض التفاصيل المثيرة للاهتمام لذا توردها بكامل تفاصيلها:
كتاب "ألف ليلة وليلة"، ويدعى عموماً أسمار الليالي للعرب مما يتضمن الفكاهة ويورث الطرب. قد طبعه كاملاً مكملاً: وليم حي مكناطن سكرتير الدولة الإنجليزية في الممالك الهندية في أربع (الصحيح أربعة) مجلدات في لسانه الأصلي العربي منقولاً من نسخة مكتوبة بالديار المصرية وأوردها في الهند المرحوم ميجر طرنر مكّان الذي طبع شاهنامة قبل هذا الزمان في التاسعة بعد الثلاثين من المائة التاسعة عشر من السنين المسيحية. 1839
وجدت المترجمة في هذين المرجعين جلّ الحكايات التي اختارتها مارينا وورنر في "السحر الأغرب" فيما عدا ثلاث حكايات لم ترد في أيّ من النسخ العربية التي اطّلعنا عليها، ولعلها من الحكايات التي ألّفها المترجمون الغربيون، مستلهمين أسلوب ألف ليلة وليلة ثم أضافوها إلى ترجماتهم، وهي التي تسميها وورنر بالحكايات "اليتيمة"، أي التي ليس لها مرجعية في المصادر العربية، وهذه الحكايات هي: الحكاية الثالثة: الأمير أحمد والجنية بري بانو، والحكاية السادسة: ثروة مستعادة، والحكاية الحادية عشر: الجنية والأمير المصري.
لقد استعانت المترجمة بالمرجعين السابقين في ترجمة الحكايات التي أوردتها المؤلفة مع مراعاة المحافظة على الأحداث والشخصيات والأفكار التي أرادت إبرازها في الملخص الذي قدمته عن كلّ حكاية. أما بالنسبة إلى الحكايات "اليتيمة" فقد تُرجمت مباشرة من نصّ المؤلفة، وحاولت عودة قدر المستطاع الاقتراب من أسلوب ألف ليلة وليلة في الحكي.
واشتمل الكتاب، الذي أملت المترجمة أن يكون في خدمة الثقافة العربية عموماً، على خمسة أقسام وعشرين فصلاً، وخاتمة حول "كلّ ما قيل في الليالي...". وحملت الفصول العناوين الآتية:
الجزء الأول، سليمان: الملك الحكيم
الحكاية الأولى: الصياد والعفريت
الفصل الأول: سيّد الجن
الحكاية الثانية: مدينة النحاس
الفصل الثاني: ركوب الريح؛ بساط الريح. (الجزء الأول)
الحكاية الثالثة: الأمير أحمد والجنية بري بانو
الفصل الثالث: زربية ثمينة – بساط الريح. (الجزء الثاني)
الجزء الثاني: فنون سوداء – آلهة غريبة
الحكاية الرابعة: الشاب المسحور
الفصل الرابع: أسوأ الساحرات
الفصل الخامس: مواقف مصرية
الحكاية الخامسة: حسن الصائغ البصري
الفصل السادس: المجوس والدراويش
الحكاية السادسة: ثروة مُستعادة
الفصل السابع: معرفة الأحلام
الجزء الثالث: متاع حيّ
الفصل الثامن: كل ما ترغب في معرفته عن الشرق
الحكاية السابعة: الملك يونان والحكيم دوبان
الفصل التاسع: عالم الأشياء في "الليالي العربية"
الحكاية الثامنة: أبو محمد الكسلان
الفصل العاشر: الطلاسم
الحكاية التاسعة: معروف الإسكافي
الفصل الحادي عشر: صوت الدمية
الفصل الثاني عشر: حديث المال
الجزء الرابع: حفلة تنكرية شرقية
الفصل الثالث عشر، شوارب بديعة: تهريج هاملتون وتمثيل فولتير
الحكاية العاشرة: أنس الوجود مع محبوبته الورد في الأكمام.
الحكاية الحادية عشر: الجنية والأمير المصري
الفصل الرابع عشر: رموز العجب – أرابيسك ويليم بيكفورد.
الفصل الخامس عشر: حفلة تنكرية شرقية- "الديوان الغربي - الشرقي" لغوته.
الجزء الخامس: رحلات العقل
الحكاية الثانية عشر: الملك قمر الزمان ابن الملك شهرمان
الفصل السادس عشر: تجارب الفكر – تحليق قبل الطيران
الفصل السابع عشر: لماذا علاء الدين؟
الفصل الثامن عشر: أحلام الآلات
الحكاية الثالثة عشر: الحكماء أصحاب الطاووس والبوق والفرس
الفصل التاسع عشر: ظلال لوتي رينغر
الحكاية الرابعة عشر: علاء الدين أبو الشامات
الفصل العشرون: الأريكة – دراسة تاريخية
الحكاية الخامسة عشر: الأمير أردشير وحياة النفوس
الكتاب صدر أخيراً عن مشروع "كلمة" للترجمة في أبوظبي، وجاءت الترجمة بقلم الأكاديمية في جامعة أدنبرة عبلة عودة.
وكان الفرنسي أنطوان جالان أوّل من ترجم ما وصل إليه من حكايات ألف ليلة وليلة من اللغة العربية إلى الفرنسية في عدة مجلّدات خلال الفترة ما بين عامي 1717 -1704، وقد قال في مقدمة ترجمته إنه حصل على جزء من الحكايات من مخطوط عربي قديم عثر عليه في إحدى زياراته لبلاد الشام في القرن الثامن عشر، وأخذ عدداً آخر من الحكايات عن رجلٍ سوري كان يعيش في فرنسا آنذاك يُدعى حنّا دياب يتقن اللغتين العربية والفرنسية.
باتت حكايات ألف ليلة وليلة منذ وصولها إلى أوروبا في عصور التنوير جزءاً لا يتجزأ من التيار الرئيس للثقافة الأدبية والشعبية الأوروبية، وتأثر بها كتاب وفلاسفة ومفكرون بارزون بعد أن قرأوها بلغات متعددة، مثل فولتير وغوته وبيكفورد، وصولاً إلى إتالو كالفينو وبورخيس وغيرهم من الكتّاب الذين تأثروا بصورة أو بأخرى بسحر هذه الحكايات وجموح الخيال فيها، فكانت البذرة الأولى التي ترعرعت لتثمر لاحقاً أدب الواقعية السحرية كما يرى كثير من النقاد.
ترى مارينا وورنر في رحلة هذه الحكايات الطويلة، التي تنقلت فيها بين بلاد فارس والهند والعراق والقاهرة وسوريا، حتى وصلت إلى أوروبا على أيدي المترجمين ومن قبلهم الرحّالة والتجار والمغامرين، صورةً مشرقة للتلاقح الثقافي والحوار المستمر بين الحضارات في الشرق والغرب بعيداً عن الصراعات السياسية والعسكرية التي شابت العلاقات بين الحضارتين منذ الحروب الصليبية الأولى وصولاً إلى الحقبة الاستعمارية في أوروبا.
ويرنو الكتاب إلى أن يكون مرجعاً مفيداً للباحثين والدارسين في حقول الأدب والخرافة وعلم الإنسان والآداب المقارنة. كما يُعيد هذا الكتاب تقديم حكايات ألف ليلة وليلة التي ظُلمت كثيراً في ديارها على نحو يسلط الضوء على أهمية هذه الحكايات والدور الذي لعبته في نقل الثقافة الشرقية إلى أبعد من حدودها الجغرافية.
وفي تصديرها الكتاب، تقول المترجمة عبلة عودة إن مارينا وورنر قرأت حكايات ألف ليلة وليلة للمرة الأولى مترجمةً إلى اللغة الإنجليزية في طفولتها، عندما أهدتها جدتها ترجمة المستشرق البريطاني إدوارد لين لهذه الحكايات التي كانت بعنوان "أسمار الليالي العربية" وكانت قد نُشرت عام 1853، فكانت تلك أوّل مواجهة بين وورنر وهذه الحكايات الخيالية الشيقة التي استحوذت على عقلها طفلة، ثم باحثة وأكاديمية فيما بعد. كان الفرنسي أنطوان جالان أوّل من ترجم ما وصل إليه من حكايات ألف ليلة وليلة من اللغة العربية إلى الفرنسية في عدة مجلّدات خلال الفترة ما بين عامي 1717 -1704، وقد قال في مقدمة ترجمته إنه حصل على جزء من الحكايات من مخطوط عربي قديم عثر عليه في إحدى زياراته لبلاد الشام في القرن الثامن عشر، وأخذ عدداً آخر من الحكايات عن رجلٍ سوري كان يعيش في فرنسا آنذاك يُدعى حنّا دياب يتقن اللغتين العربية والفرنسية، فكان يَقصّ على جالان ما يعرفه من الحكايات، ويقوم جالان بكتابتها وجمعها، ثم إضافها لاحقاً إلى مجلدات ألف ليلة وليلة التي نشرها على أجزاء.
ولا تخفي وورنر تأثرها بأفكار إدوارد سعيد حول الاستشراق والمستشرقين الذين قدّموا حكايات ألف ليلة وليلة بما فيها من أساطير وخرافات شعبية في صورة تقارير واقعية عن الحياة في الشرق، وعززوا ترجماتهم لهذه الحكايات بوثائق وأدوات وصور ولوحات جاؤوا بها من بلاد الشرق التي زاروها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر حين كان جلّ الشرق تحت نفوذ الإمبراطورية العثمانية، فكان القارئ الأوروبي يربط الحكايات الخرافية التي يقرؤها بالهوامش والملاحق والصور التي أضافها المستشرقون، لتقديم بيئة الحكايات كما أسموها والتعريف بأبطال حكاياتها، فكانت النتيجة إسقاط الخيال على الواقع ورسم صورة مُتخيلة وغير حقيقية عن ذلك الشرق الغرائبي البعيد، وقد ظلّت هذه الصورة قائمة وقتاً طويلاً في غياب وسائل التنقل والاتصال التي جاء بها القرن العشرين.
أدرجت المؤلفة ملخصاً لخمس عشرة حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة في هذا الكتاب وزّعتها بين أجزاء الكتاب الخمسة وفصوله العشرين، فكانت بذلك تمنح قارئها متعة خاصة وجائزة ثمينة تستميله بها لاستكمال قراءة الفصول واحداً بعد الآخر، وقد انتقت وورنر من حكايات ألف ليلة وليلة ما يتعلق مباشرة بالأسطورة والسحر والحكاية الخرافية لتجعلها في خدمة موضوع الكتاب، ونثرتها بين فصوله تبعاً للبحث الذي يتناوله كل فصل.
وكشفت عودة أنها عادت في ترجمة الحكايات المختارة في الكتاب إلى نصوص ألف ليلة وليلة الأصلية باللغة العربية، إلا أنّ العائق الأول الذي واجهته تمثّل في عدم تصنيف الحكايات تحت عناوين محددة في معظم النسخ في المكتبات العربية، فمعظم الكتب الموجودة تُقدم الحكايات متصلة ليلة إثر ليلة، وليس هناك ما يفصل بينها إلا طلوع الصباح وسكوت شهرزاد عن الكلام المباح في انتظار الليلة الموالية، وهو دون شك الهيكل الأصلي للحكايات التي كانت تتناسل من بعضها داخل الحكاية الإطارية التي تجمع شهرزاد واختها دنيازاد والسلطان شهريار، إلا أنّ ذلك يُصعّب مهمة المترجم الذي يبحث عن حكايات بعينها ذُكرت في المؤلف المزمع ترجمته وسط بحر واسع من مئات الحكايات.
واعتمدت المترجمة في النهاية مرجعين أساسيين لحكايات ألف ليلة وليلة باللغة العربية عثرت عليهما في جامعة أدنبرة في أسكتلندا، المملكة المتحدة. المرجع الأول "ألف ليلة وليلة" صادر عام 1914 عن المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين في بيروت في خمسة أجزاء، وقد راجعه وحرّره الأب أنطون اليسوعي، حيث كانت الحكايات مرتبة بحسب ترتيب الليالي من الليلة الأولى وحتى الليلة الواحدة بعد الألف، غير أنها حملت أيضاً عناوين محددة مثل حكاية "الصيّاد والعفريت" وحكاية "مدينة النحاس"، وحكاية "الشاب المسحور" وهكذا، مما سهّل مهمة العثور على الحكاية المطلوبة في مؤلف "السحر الأغرب"، وقد وجدت المترجمة هذا المرجع في مكتبة قسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في جامعة أدنبره في أسكتلندا.
يقول الأب أنطون اليسوعي في مقدمة كتاب ألف ليلة وليلة: "وجملة القول إنّ ما فيه من التفنن والانسجام والسلاسة والأعمال الدالة على الشجاعة وغرائب الوقائع واختلاف الأوصاف والإصابة في إعطاء كلِّ حالة لبوسها هو الذي حمل الناس من أعارب وأعاجم على تعشقه والولوع به". (ألف ليلة وليلة، 1914- ص 4)
كما اعتمدت عبلة عودة أيضاً مرجعاً آخر لمزيد من التوثيق والمقارنة بين النسخ المختلفة لحكايات ألف ليلة وليلة، وهو كتاب موجود في قسم المجموعات الخاصة في مكتبة جامعة أدنبره في اسكوتلندا، ولا يزال هذا الكتاب محفوظاً بحالة ممتازة مع أنه صادر عام 1839، ويُعدّ من أقدم كتب ألف ليلة وليلة باللغة العربية إذا ما استبعدنا المخطوطات القديمة المحفوظة في متاحف باريس ولندن.
جاء في صفحة عنوان هذا الكتاب بعض التفاصيل المثيرة للاهتمام لذا توردها بكامل تفاصيلها:
كتاب "ألف ليلة وليلة"، ويدعى عموماً أسمار الليالي للعرب مما يتضمن الفكاهة ويورث الطرب. قد طبعه كاملاً مكملاً: وليم حي مكناطن سكرتير الدولة الإنجليزية في الممالك الهندية في أربع (الصحيح أربعة) مجلدات في لسانه الأصلي العربي منقولاً من نسخة مكتوبة بالديار المصرية وأوردها في الهند المرحوم ميجر طرنر مكّان الذي طبع شاهنامة قبل هذا الزمان في التاسعة بعد الثلاثين من المائة التاسعة عشر من السنين المسيحية. 1839
وجدت المترجمة في هذين المرجعين جلّ الحكايات التي اختارتها مارينا وورنر في "السحر الأغرب" فيما عدا ثلاث حكايات لم ترد في أيّ من النسخ العربية التي اطّلعنا عليها، ولعلها من الحكايات التي ألّفها المترجمون الغربيون، مستلهمين أسلوب ألف ليلة وليلة ثم أضافوها إلى ترجماتهم، وهي التي تسميها وورنر بالحكايات "اليتيمة"، أي التي ليس لها مرجعية في المصادر العربية، وهذه الحكايات هي: الحكاية الثالثة: الأمير أحمد والجنية بري بانو، والحكاية السادسة: ثروة مستعادة، والحكاية الحادية عشر: الجنية والأمير المصري.
لقد استعانت المترجمة بالمرجعين السابقين في ترجمة الحكايات التي أوردتها المؤلفة مع مراعاة المحافظة على الأحداث والشخصيات والأفكار التي أرادت إبرازها في الملخص الذي قدمته عن كلّ حكاية. أما بالنسبة إلى الحكايات "اليتيمة" فقد تُرجمت مباشرة من نصّ المؤلفة، وحاولت عودة قدر المستطاع الاقتراب من أسلوب ألف ليلة وليلة في الحكي.
واشتمل الكتاب، الذي أملت المترجمة أن يكون في خدمة الثقافة العربية عموماً، على خمسة أقسام وعشرين فصلاً، وخاتمة حول "كلّ ما قيل في الليالي...". وحملت الفصول العناوين الآتية:
الجزء الأول، سليمان: الملك الحكيم
الحكاية الأولى: الصياد والعفريت
الفصل الأول: سيّد الجن
الحكاية الثانية: مدينة النحاس
الفصل الثاني: ركوب الريح؛ بساط الريح. (الجزء الأول)
الحكاية الثالثة: الأمير أحمد والجنية بري بانو
الفصل الثالث: زربية ثمينة – بساط الريح. (الجزء الثاني)
الجزء الثاني: فنون سوداء – آلهة غريبة
الحكاية الرابعة: الشاب المسحور
الفصل الرابع: أسوأ الساحرات
الفصل الخامس: مواقف مصرية
الحكاية الخامسة: حسن الصائغ البصري
الفصل السادس: المجوس والدراويش
الحكاية السادسة: ثروة مُستعادة
الفصل السابع: معرفة الأحلام
الجزء الثالث: متاع حيّ
الفصل الثامن: كل ما ترغب في معرفته عن الشرق
الحكاية السابعة: الملك يونان والحكيم دوبان
الفصل التاسع: عالم الأشياء في "الليالي العربية"
الحكاية الثامنة: أبو محمد الكسلان
الفصل العاشر: الطلاسم
الحكاية التاسعة: معروف الإسكافي
الفصل الحادي عشر: صوت الدمية
الفصل الثاني عشر: حديث المال
الجزء الرابع: حفلة تنكرية شرقية
الفصل الثالث عشر، شوارب بديعة: تهريج هاملتون وتمثيل فولتير
الحكاية العاشرة: أنس الوجود مع محبوبته الورد في الأكمام.
الحكاية الحادية عشر: الجنية والأمير المصري
الفصل الرابع عشر: رموز العجب – أرابيسك ويليم بيكفورد.
الفصل الخامس عشر: حفلة تنكرية شرقية- "الديوان الغربي - الشرقي" لغوته.
الجزء الخامس: رحلات العقل
الحكاية الثانية عشر: الملك قمر الزمان ابن الملك شهرمان
الفصل السادس عشر: تجارب الفكر – تحليق قبل الطيران
الفصل السابع عشر: لماذا علاء الدين؟
الفصل الثامن عشر: أحلام الآلات
الحكاية الثالثة عشر: الحكماء أصحاب الطاووس والبوق والفرس
الفصل التاسع عشر: ظلال لوتي رينغر
الحكاية الرابعة عشر: علاء الدين أبو الشامات
الفصل العشرون: الأريكة – دراسة تاريخية
الحكاية الخامسة عشر: الأمير أردشير وحياة النفوس