نقوس المهدي
كاتب
لم يحظَ كتاب بالفحص والبحث والنقد والتمحيص والتحليل والإحالات والتشكيك والنسب والمصدرية والإضافة والتحوير مثل كتاب “ألف ليلة وليلة”. وهذا التنويع بذاته يشي بأن ألف ليلة وليلة كتاب ليس عابرا في ذاكرة السردية العربية القديمة، ولا في السردية العالمية أيضا، بتقنياته الإطارية وحكاياته المتناسلة وشكله المتجدد.
تناول هذا الكتاب بأيّ صفة بحثية لا يخلو من مغامرات، فالكتاب خاضع لأسئلة كثيرة في بنيته السردية المستحدثة بقياسات عصره وتشكيله الحكاياتي المتداخل وتاريخيته الغامضة، ومن ثمّ الأسئلة التي تثار دائما في هويته الشخصية على مدار عقود طويلة: ما هي هوية الكتاب؟ هل هي فارسية كما يُشاع أم شامية كما ظن المستشرق دو ساسي أم مصرية كما اعتقد المستشرق لين، أم هويته عباسية عراقية؟ وهل الكتاب مترجم عن لغات أخرى؟ وهل هو سرد شفهي تمّ تجميعه وتدوينه في مراحل مختلفة؟ أم هو تأليف عربي خالص؟ فما هي هويته الأصلية؟
في كتابه الجديد “ألف ليلة وليلة: كتاب عراقي أصيل”، يريد الشاعر المعروف سامي مهدي أن يثبت عراقية هذا الأثر السردي بوصفه نتاج بيئة عربية إسلامية عباسية، تنتمي إلى أواخر القرن الثالث الهجري، عبر إحالات تاريخية واجتهادات بحثية شخصية في غرر الكتب التراثية التي تعدّ مصادر بحثية أساسية، وقد قطع الباحث بداية بعراقية هذا الأثر الكبير من عنوانه الواسع على الأقل، معتمدا على ثلاثة مصادر تراثية هي “مروج الذهب” للمسعودي و”الفهرست” لابن النديم و”الإمتاع والمؤانسة” لأبي حيان التوحيدي، فيرى أن المعلومات المتوفرة في هذه الكتب عن ألف ليلة وليلة صحيحة وموثوقة لأن مؤلفيها “أقرب إلى عصر الكتاب وزمن تأليفه” فيستخلص عبر مداولاته مع هذه المصادر وغيرها أن الكتاب قد أُلّف في العراق وفي أواخر القرن الثالث الهجري “على أرجح الاحتمالات”، فهي الحقبة المناسبة من جميع الوجوه لتأليفه.
هذه الأرجحية في “الاحتمالات” ستبدو أنها لن تقطع بتاريخية تأليفه أو أسبقيته العراقية، لكنها أقرب إلى القطع، فالباحث جعلها مرنة لاجتهادات أخرى. بمعنى أن القطع لم يكن حازما وأن باب الاجتهاد مفتوح وقد بقي معلقا لذوي الاختصاص والباحثين عن حقيقة الأثر “الألفليلاتي” وزمنيته، لكنه يشير في خلاصته “… في رأيي، كتاب أصيل مؤلّف، لا هو مترجم.. ولا هو مرويات شفهية مدونة.. ومؤلفه كاتب واحد”.
لا توجد “إثباتات” قاطعة في هذا النسب، لكنه محاولات تأويل ودراسة وتحليل ممكنة جدا في ما تركه هذا الكتاب من مغايرات شكلية وموضوعية في طريقة القص العباسية وزمنها وتأثيرات الحالة الاجتماعية والسياسية عليه، وهذا استدعى محاججات متعددة عن كتب أخرى تشبه ألف ليلة وليلة في تآليفها كـ”هزار أفسانة” و”ألف خرافة” و”ألف سمر” وغيرها. يرى الباحث أن النظام القصصي في ألف ليلة وليلة مكتوب بلغة عربية وليس من المرويات الشفهية، فكُتّاب وقُصّاص هذا الأثر “لم يكونوا مؤلفين، بل رواة مرتبطين بمرجع مكتوب” وأنّ “المؤلف عربي، مسلم، واسع الخيال، مرهف الحس، عميق الصلة بحياة الشعب اليومية ومشاكلها وهمومها وأحزانها”، على العكس من بقية التآليف الأخرى التي تشابهت مع هذا الأثر العربي، لكن زاد عليها المحرّفون بما يناسب عصورهم وأحوالهم الاجتماعية والسياسية.
وفي هذا الحيز الصغير لا يمكن التوسع في هذه الدراسة الجدية ومصادرها وحججها وبراهينها التراثية والتاريخية والسياسية، لكن الشاعر سامي مهدي الذي قدّم أكثر من دراسة وبحث في موضوعات شعرية وسردية مختلفة، يبدو باحثا مجتهدا في إثبات عراقية ألف ليلة وليلة. لكنّ هذه “العراقية” المقترحة تحتاج أيضا إلى أرجحيات وأدلة ملموسة لإثبات نسب هذا الكتاب المتجدّد.
كاتب من العراق
وارد بدر السالم
تناول هذا الكتاب بأيّ صفة بحثية لا يخلو من مغامرات، فالكتاب خاضع لأسئلة كثيرة في بنيته السردية المستحدثة بقياسات عصره وتشكيله الحكاياتي المتداخل وتاريخيته الغامضة، ومن ثمّ الأسئلة التي تثار دائما في هويته الشخصية على مدار عقود طويلة: ما هي هوية الكتاب؟ هل هي فارسية كما يُشاع أم شامية كما ظن المستشرق دو ساسي أم مصرية كما اعتقد المستشرق لين، أم هويته عباسية عراقية؟ وهل الكتاب مترجم عن لغات أخرى؟ وهل هو سرد شفهي تمّ تجميعه وتدوينه في مراحل مختلفة؟ أم هو تأليف عربي خالص؟ فما هي هويته الأصلية؟
في كتابه الجديد “ألف ليلة وليلة: كتاب عراقي أصيل”، يريد الشاعر المعروف سامي مهدي أن يثبت عراقية هذا الأثر السردي بوصفه نتاج بيئة عربية إسلامية عباسية، تنتمي إلى أواخر القرن الثالث الهجري، عبر إحالات تاريخية واجتهادات بحثية شخصية في غرر الكتب التراثية التي تعدّ مصادر بحثية أساسية، وقد قطع الباحث بداية بعراقية هذا الأثر الكبير من عنوانه الواسع على الأقل، معتمدا على ثلاثة مصادر تراثية هي “مروج الذهب” للمسعودي و”الفهرست” لابن النديم و”الإمتاع والمؤانسة” لأبي حيان التوحيدي، فيرى أن المعلومات المتوفرة في هذه الكتب عن ألف ليلة وليلة صحيحة وموثوقة لأن مؤلفيها “أقرب إلى عصر الكتاب وزمن تأليفه” فيستخلص عبر مداولاته مع هذه المصادر وغيرها أن الكتاب قد أُلّف في العراق وفي أواخر القرن الثالث الهجري “على أرجح الاحتمالات”، فهي الحقبة المناسبة من جميع الوجوه لتأليفه.
هذه الأرجحية في “الاحتمالات” ستبدو أنها لن تقطع بتاريخية تأليفه أو أسبقيته العراقية، لكنها أقرب إلى القطع، فالباحث جعلها مرنة لاجتهادات أخرى. بمعنى أن القطع لم يكن حازما وأن باب الاجتهاد مفتوح وقد بقي معلقا لذوي الاختصاص والباحثين عن حقيقة الأثر “الألفليلاتي” وزمنيته، لكنه يشير في خلاصته “… في رأيي، كتاب أصيل مؤلّف، لا هو مترجم.. ولا هو مرويات شفهية مدونة.. ومؤلفه كاتب واحد”.
لا توجد “إثباتات” قاطعة في هذا النسب، لكنه محاولات تأويل ودراسة وتحليل ممكنة جدا في ما تركه هذا الكتاب من مغايرات شكلية وموضوعية في طريقة القص العباسية وزمنها وتأثيرات الحالة الاجتماعية والسياسية عليه، وهذا استدعى محاججات متعددة عن كتب أخرى تشبه ألف ليلة وليلة في تآليفها كـ”هزار أفسانة” و”ألف خرافة” و”ألف سمر” وغيرها. يرى الباحث أن النظام القصصي في ألف ليلة وليلة مكتوب بلغة عربية وليس من المرويات الشفهية، فكُتّاب وقُصّاص هذا الأثر “لم يكونوا مؤلفين، بل رواة مرتبطين بمرجع مكتوب” وأنّ “المؤلف عربي، مسلم، واسع الخيال، مرهف الحس، عميق الصلة بحياة الشعب اليومية ومشاكلها وهمومها وأحزانها”، على العكس من بقية التآليف الأخرى التي تشابهت مع هذا الأثر العربي، لكن زاد عليها المحرّفون بما يناسب عصورهم وأحوالهم الاجتماعية والسياسية.
وفي هذا الحيز الصغير لا يمكن التوسع في هذه الدراسة الجدية ومصادرها وحججها وبراهينها التراثية والتاريخية والسياسية، لكن الشاعر سامي مهدي الذي قدّم أكثر من دراسة وبحث في موضوعات شعرية وسردية مختلفة، يبدو باحثا مجتهدا في إثبات عراقية ألف ليلة وليلة. لكنّ هذه “العراقية” المقترحة تحتاج أيضا إلى أرجحيات وأدلة ملموسة لإثبات نسب هذا الكتاب المتجدّد.
كاتب من العراق
وارد بدر السالم