نقوس المهدي
كاتب
للفلاسفة والأدباء عالمهم الخاص، ينهلون منه إبداعهم ونتاجهم ليغنوا به عالم الآخرين. وحين تضيق بهم مساحة العالم الكوني، يبحثون عن موانئ هادئة يركون إليها لتستقر أرواحهم الهائمة في بحار الكون. ويطلقون العنان لعواطفهم المكبوتة لإشباع رغباتهم وحاجاتهم الإنسانية، بعد سنوات من الحرمان والعزلة استثماراً للحدود المكانية والزمانية لخلق كائن إبداعي فعال يساهم في الحراك الاجتماعي.
عالم المرأة، هو الملجأ والملاذ الأخير للفلاسفة والأدباء لاستعادة التوازن والسكون، وإجراء اختبار لعواطف الذات، سجينة الإبداع والأفكار العظيمة. هذا الملجأ الأمن، قد لايكون أماناً للبعض منهم، وأنما سجن جديد سرعان ما يلوذون بالهروب منه ساخطين على الحب والمرأة باعتبارهما السجن والسجان!.
ينتمي معظم الفلاسفة في العالم إلى الطبقات الأرستقراطية كما هو الحال لأفلاطون وأرسطو ونيتشه...في حين هناك فلاسفة آخرين (وهم قلة) ينتمون إلى الطبقات الفقيرة من المجتمع وعلى رأسهم سقراط الباحث عن قوت يومه وعائلته.
لم يوفق سقراط في زواجه أبداً، إما لكون زوجته كانت عائقاً في طريقه وغير قادرة على فهمه باعتباره فيلسوف عظيم وإما لأنشغاله عن عائلته وقوت يومها بالفلسفة التي لم تسد رمقاً، وكلا الاعتبارين قد يكونا السبب في نقمته على الزواج.
وينصح ((سقراط)) الشباب بالزواج متهكماً وناصحاً بقوله:" تزوج يابني فأن وفقت في زواجك عشت سعيداً، وأن لم توفق أصبحت فيلسوفاً".
في حين يجد البعض الآخر من الفلاسفة والأدباء، أن المشكلة ليست في الزواج ذاته، وأنما باختيار المرأة المناسبة التي تتوافق معها في العواطف والأفكار وبطريقة الحياة. وهذا الاختيار يخضع لقياس نضج وعمر المرأة، فأن كانت صغيرة السن وقليلة الخبرة فأنها تسعى إلى استغلالك إلى أقصى الحدود مقابل منحك هامش من السعادة.
والمرأة الناضجة والمجربة والبالغة من العمر خريفه، تمنحك كل شيء ولاتطلب إلا القليل، أنها تبحث عن الاستقرار والحياة الهادئة وتستخدم كامل خبرتها لتخلق لك عالم آمن تلجأ إليه مستسلماً وراغباً في الأسر دون عنوة.
ويرى ((بلزاك)) من خلال تجربته في هذا المضمار:" بأن المرأة التي بلغت الأربعين من العمر، تعطيك كل شيء. والمرأة ذي العشرين ربيع تأخذ منك كل شيء ولاتعطي إلا لقليل".
هذه التجربة في الاختيار للمرأة، لايقرها ادباء أخرون لأنهم لايؤمنون بشيء اسمه الحب مع المرأة بالرغم من إيمانهم بالحب ذاته ويعبرون عنه بشي شبيه لمغزى الحب وليس الحب نفسه. إن تعيش مع امرأة وتحتضنها كل يوم وتغازلها كل ساعة وتمارس الحب معها كل ليله، لايعني أنك تحبها!.
الحب عالم آخر، يحدد مقاسه الأديب ويخلق شخوصه وشروطه وسماته ونورقه، ثم يبحث عن المرأة التي تنطبق عليها كل تلك المواصفات والشروط لينصبها ملكة على عرش عالمه (عالم الحب) الذي اخترعه في لحظة من لحظات الصفاء والهيام والجنون التي انتابته.
ولايتخيل ((فلوبيير)) هناك عالم للحب قائلاً:" لم يحدث قط أني احتضنت امرأة حقاً (ولا حتى مدام كولية ذاتها) وكل ما ضمته ذراعي كان جسداً وخيالاً للحب وليس الحب نفسه".
تجارب الحب الفاشلة مع المرأة قد تترك أثرها العميق على بعض الأدباء، مما يخلق لديهم إحساساً بضمور عالم الحب مع الزمن. والحب الراهن ليس إلا تعبيراً عن حالة آنية ترافق المرأة والرجل لحظة ممارسة الحب ذاته وماعداه سوى عواطف فارغة، تخلق الأجواء اللازمة والشروط (الشرعية) لقضاء أوقات سعيدة تنتهي بممارسة الجنس. ومن ثم يعود كل طرف إلى مواقعه ناسياً عواطفه الجياشة تجاه الطرف الآخر.
ويصف ((صلاح عبد الصبور)) تلك الصورة من الحب السابقة لفعل الجنس قائلاً:" الحب في هذا الزمان يارفيقتي.....كالحزن، لايعيش إلا لحظة البكاء أو لحظة الشبق".
ويرفض أدباء آخرين هذا التأطير لحالة الحب وربطها الجدلي بفعل الجنس، ويجدوا أن عملية الفصل بين الفعلين شرط أساسي لممارسة الفعل الثاني فبدون حالة الحب لايمكن أن يكون هناك معناً للجنس. المرأة عالم الحب ذاته، عالم يحتمل الشفافية والصفاء والرقة والعاطفة......وهكذا يستمر ليرتقي هذا العالم صعوداً إلى قمته الشاهقة حيث يمارس فعل الجنس كنتاج طبيعي لهذا التسلسل والبناء العجيب الذي يساهم به الرجل والمرأة.
ويعلق ((أدونيس)) على شفافية المرأة وفعل الجنس قائلاً:" لو تخلط شفافية المرأة بشفافية السماء.......لو يصير العالم حجراً مسكوناً بالجنس".
وقد عانى بعض الأدباء من حالة الحب السلبي (حب من طرف واحد) وسعوا إليه بكل قواهم وسلكوا كل السُبل لكنه يهرب منهم أبداً، لربما يعود الأمر إلى شكل الأديب ذاته الذي لايغري ويجذب المرأة، لأن الحب له شروطه الجمالية والخلقية والسلوكية والاعتبارية ودونها لايحقق ذاته بل يكون سبباً منفراً لأحد قطبية.
ويصف ((السياب)) تلك الحالة من الحب السلبي قائلاً:" ولكن........كل من أحببت قبلك ما أحبوني.......ولاعطفوا عليًّ، عشقت سبعاً كن أحياناً........ترف شعورهن عليًّ، تحملني إلى الصين".
وبعيداً عن تلك الهواجس المضللة عن الحب والمرأة، يقف أدباء آخرين معلنين صراحة إيمانهم بالحب وجدوى العلاقة مع المرأة....أنها حواء، وعشتار......آلهة الخصب ولولاها لامعنى لهذه الحياة. المرأة أول مشرع للأحاسيس والعواطف، فما قيمة الجمال دون الإحساس به وما قيمة الجنس دون العواطف الجياشة ذاتها.
المرأة والحب، هما انعكاس العاطفة والجمال.....فلا قيمة للبراعم النامية دون أن يوقظها فصل الربيع، ولاقيمة ليقظة البراعم دون الثمار......وهكذا فان المرأة والحب قيمة وجدانية تؤسس لفعل الحياة والمستقبل.
ويعبر ((رامبو)) عنها قائلاً:" في هذه الليالي التي لاقعر لها.......ترقدين محاطة، بمليون عصفور ذهبي.......ياقوة المستقبل".
إن اختلاف الرؤى حول المرأة والحب لدى الفلاسفة والأدباء، لايعود إلى رؤية فلسفية أو فكرية بل إلى رؤية عاطفية مستندة لتجارب شخصية. وإخفاقات الزواج والحب تؤسس لرؤية ذاتية، تعبر عن حالتها الآنية وليس لها علاقة بموقف من المرأة ذاتها أو من حالة الحب نفسه.
عموماً الفلاسفة والأدباء أكثر قدرة من الآخرين على توثيق تجاربهم الشخصية مع النساء والحب. وحالة الهيام التي تنتابهم واختلاف عوالمهم عن حدودها الأرضية، تمنحهم القدرة على صياغة الرؤى المختلفة عن الأشياء والكائنات المحيطة. وليس بالضرورة أن تكون تلك الرؤى شمولية، لكنها بالتأكيد تعبر عن سياقها العاطفي المستند لبرهان التجربة الشخصية.
* عن الحوار المتمدن
عالم المرأة، هو الملجأ والملاذ الأخير للفلاسفة والأدباء لاستعادة التوازن والسكون، وإجراء اختبار لعواطف الذات، سجينة الإبداع والأفكار العظيمة. هذا الملجأ الأمن، قد لايكون أماناً للبعض منهم، وأنما سجن جديد سرعان ما يلوذون بالهروب منه ساخطين على الحب والمرأة باعتبارهما السجن والسجان!.
ينتمي معظم الفلاسفة في العالم إلى الطبقات الأرستقراطية كما هو الحال لأفلاطون وأرسطو ونيتشه...في حين هناك فلاسفة آخرين (وهم قلة) ينتمون إلى الطبقات الفقيرة من المجتمع وعلى رأسهم سقراط الباحث عن قوت يومه وعائلته.
لم يوفق سقراط في زواجه أبداً، إما لكون زوجته كانت عائقاً في طريقه وغير قادرة على فهمه باعتباره فيلسوف عظيم وإما لأنشغاله عن عائلته وقوت يومها بالفلسفة التي لم تسد رمقاً، وكلا الاعتبارين قد يكونا السبب في نقمته على الزواج.
وينصح ((سقراط)) الشباب بالزواج متهكماً وناصحاً بقوله:" تزوج يابني فأن وفقت في زواجك عشت سعيداً، وأن لم توفق أصبحت فيلسوفاً".
في حين يجد البعض الآخر من الفلاسفة والأدباء، أن المشكلة ليست في الزواج ذاته، وأنما باختيار المرأة المناسبة التي تتوافق معها في العواطف والأفكار وبطريقة الحياة. وهذا الاختيار يخضع لقياس نضج وعمر المرأة، فأن كانت صغيرة السن وقليلة الخبرة فأنها تسعى إلى استغلالك إلى أقصى الحدود مقابل منحك هامش من السعادة.
والمرأة الناضجة والمجربة والبالغة من العمر خريفه، تمنحك كل شيء ولاتطلب إلا القليل، أنها تبحث عن الاستقرار والحياة الهادئة وتستخدم كامل خبرتها لتخلق لك عالم آمن تلجأ إليه مستسلماً وراغباً في الأسر دون عنوة.
ويرى ((بلزاك)) من خلال تجربته في هذا المضمار:" بأن المرأة التي بلغت الأربعين من العمر، تعطيك كل شيء. والمرأة ذي العشرين ربيع تأخذ منك كل شيء ولاتعطي إلا لقليل".
هذه التجربة في الاختيار للمرأة، لايقرها ادباء أخرون لأنهم لايؤمنون بشيء اسمه الحب مع المرأة بالرغم من إيمانهم بالحب ذاته ويعبرون عنه بشي شبيه لمغزى الحب وليس الحب نفسه. إن تعيش مع امرأة وتحتضنها كل يوم وتغازلها كل ساعة وتمارس الحب معها كل ليله، لايعني أنك تحبها!.
الحب عالم آخر، يحدد مقاسه الأديب ويخلق شخوصه وشروطه وسماته ونورقه، ثم يبحث عن المرأة التي تنطبق عليها كل تلك المواصفات والشروط لينصبها ملكة على عرش عالمه (عالم الحب) الذي اخترعه في لحظة من لحظات الصفاء والهيام والجنون التي انتابته.
ولايتخيل ((فلوبيير)) هناك عالم للحب قائلاً:" لم يحدث قط أني احتضنت امرأة حقاً (ولا حتى مدام كولية ذاتها) وكل ما ضمته ذراعي كان جسداً وخيالاً للحب وليس الحب نفسه".
تجارب الحب الفاشلة مع المرأة قد تترك أثرها العميق على بعض الأدباء، مما يخلق لديهم إحساساً بضمور عالم الحب مع الزمن. والحب الراهن ليس إلا تعبيراً عن حالة آنية ترافق المرأة والرجل لحظة ممارسة الحب ذاته وماعداه سوى عواطف فارغة، تخلق الأجواء اللازمة والشروط (الشرعية) لقضاء أوقات سعيدة تنتهي بممارسة الجنس. ومن ثم يعود كل طرف إلى مواقعه ناسياً عواطفه الجياشة تجاه الطرف الآخر.
ويصف ((صلاح عبد الصبور)) تلك الصورة من الحب السابقة لفعل الجنس قائلاً:" الحب في هذا الزمان يارفيقتي.....كالحزن، لايعيش إلا لحظة البكاء أو لحظة الشبق".
ويرفض أدباء آخرين هذا التأطير لحالة الحب وربطها الجدلي بفعل الجنس، ويجدوا أن عملية الفصل بين الفعلين شرط أساسي لممارسة الفعل الثاني فبدون حالة الحب لايمكن أن يكون هناك معناً للجنس. المرأة عالم الحب ذاته، عالم يحتمل الشفافية والصفاء والرقة والعاطفة......وهكذا يستمر ليرتقي هذا العالم صعوداً إلى قمته الشاهقة حيث يمارس فعل الجنس كنتاج طبيعي لهذا التسلسل والبناء العجيب الذي يساهم به الرجل والمرأة.
ويعلق ((أدونيس)) على شفافية المرأة وفعل الجنس قائلاً:" لو تخلط شفافية المرأة بشفافية السماء.......لو يصير العالم حجراً مسكوناً بالجنس".
وقد عانى بعض الأدباء من حالة الحب السلبي (حب من طرف واحد) وسعوا إليه بكل قواهم وسلكوا كل السُبل لكنه يهرب منهم أبداً، لربما يعود الأمر إلى شكل الأديب ذاته الذي لايغري ويجذب المرأة، لأن الحب له شروطه الجمالية والخلقية والسلوكية والاعتبارية ودونها لايحقق ذاته بل يكون سبباً منفراً لأحد قطبية.
ويصف ((السياب)) تلك الحالة من الحب السلبي قائلاً:" ولكن........كل من أحببت قبلك ما أحبوني.......ولاعطفوا عليًّ، عشقت سبعاً كن أحياناً........ترف شعورهن عليًّ، تحملني إلى الصين".
وبعيداً عن تلك الهواجس المضللة عن الحب والمرأة، يقف أدباء آخرين معلنين صراحة إيمانهم بالحب وجدوى العلاقة مع المرأة....أنها حواء، وعشتار......آلهة الخصب ولولاها لامعنى لهذه الحياة. المرأة أول مشرع للأحاسيس والعواطف، فما قيمة الجمال دون الإحساس به وما قيمة الجنس دون العواطف الجياشة ذاتها.
المرأة والحب، هما انعكاس العاطفة والجمال.....فلا قيمة للبراعم النامية دون أن يوقظها فصل الربيع، ولاقيمة ليقظة البراعم دون الثمار......وهكذا فان المرأة والحب قيمة وجدانية تؤسس لفعل الحياة والمستقبل.
ويعبر ((رامبو)) عنها قائلاً:" في هذه الليالي التي لاقعر لها.......ترقدين محاطة، بمليون عصفور ذهبي.......ياقوة المستقبل".
إن اختلاف الرؤى حول المرأة والحب لدى الفلاسفة والأدباء، لايعود إلى رؤية فلسفية أو فكرية بل إلى رؤية عاطفية مستندة لتجارب شخصية. وإخفاقات الزواج والحب تؤسس لرؤية ذاتية، تعبر عن حالتها الآنية وليس لها علاقة بموقف من المرأة ذاتها أو من حالة الحب نفسه.
عموماً الفلاسفة والأدباء أكثر قدرة من الآخرين على توثيق تجاربهم الشخصية مع النساء والحب. وحالة الهيام التي تنتابهم واختلاف عوالمهم عن حدودها الأرضية، تمنحهم القدرة على صياغة الرؤى المختلفة عن الأشياء والكائنات المحيطة. وليس بالضرورة أن تكون تلك الرؤى شمولية، لكنها بالتأكيد تعبر عن سياقها العاطفي المستند لبرهان التجربة الشخصية.
* عن الحوار المتمدن