نقوس المهدي
كاتب
منذ خمسة وسبعين عاماً وبالتحديد في 10 مايو/أيار 1937 استيقظ الكاتب والشاعر والأديب مصطفى صادق الرافعي عند أذان الفجر، وكان يشعر بآلام جمة، فجلس يقرأ بعضاً من آيات القرآن الكريم، وبعد محاولات علاجية قام بها نجله الطبيب محمد ولم تفلح، رحل هذا الطود الشامخ في صباح اليوم ذاته بعد أن أثرى الحياة الأدبية المصرية والعربية بمدد أدبي وثقافي كبير، بدأه بـ (إعجاز القرآن)، و(تاريخ آداب العرب)، و(تحت راية القرآن المعركة بين القديم والجديد)، ثم (كتاب المساكين) و(حديث القمر)، و(رسائل الأحزان والحب)، و(السحاب الأحمر)، ثم (ديوان الرافعي ثلاثة أجزاء) بالإضافة إلى ديوان (النظرات). وكان قد كتب (النشيد المصري الوطني) الذي تغنت به أجيال عديدة في المدارس المصرية.
رحل إذن مصطفى صادق الرافعي ودفن جوار أبويه في مقبرة الرافعي بطنطا، ولم يشيعه إلا عشرات من زملائه الموظفين في محكمة طنطا وبعض جيرانه، ومنذ ذلك الوقت لم تحتف به المؤسسات الثقافية العملاقة، رغم قيمة وأهمية الرافعي الكبيرة في تاريخ الأدب العربي عموماً.
والجدير بالذكر أن الرافعي من أصول سورية، ولكن والده قد أنجبه في مصر وتعلم فيها والتحق بالمحكمة الشرعية طوال حياته بعد أن حصل على الشهادة الابتدائية، وبدأ حياته شاعراً ثم اتجه للنثر، وتفوق فيه تفوقاً ملحوظاً، ويعتبر من أصحاب الأساليب المرموقة والمؤثرة مثله مثل العقاد وطه حسين وسلامة موسى وغيرهم من أعلام القرن العشرين.
وتعتبر كتاباته النثرية مثل (أوراق الورد)، و(السحاب الأحمر)، و(حديث القمر) من علامات النثر الرفيعة في ذلك الزمن، وهناك كتابات كثيرة عنه من أعلام عصره مثل أحمد حسن الزيات صاحب ومدير مجلة الرسالة، وفيليكس فارس، ومحمد سعيد العريان رفيق دربه المخلص الأمين، والذي كتب سلسلة مقالات عنه في مجلة الرسالة بعد رحيله مباشرة، ويعتبر هذا الكتاب المرجع الرئيسي لحياة الرافعي، وسرد فيه العريان تفاصيل لم تكن الحياة الأدبية والثقافية المصرية تعرف عنها شيئاً، خاصة تفاصيل علاقته العاطفية بالأديبة، الآنسة (مي) والتي كتب لها معظم رسائله المنشورة.
رغم أن الكتاب كان يتحدث بأمانة شديدة، ودقة واضحة، إلا أن العريان كان منحازاً جداً لاستاذه، وكان من الممكن أن تمر المقالات مروراً عادياً كما تمر معظم المقالات المنشورة في المجلة، إلا أن العريان تعرض للعلاقة العدائية التي كانت بين الرافعي والعقاد، ففي الحلقة 26 كتب العريان عن تعرض الرافعي للعقاد في ديوانه (وحي الأربعين) وكانت العلاقة بين الرافعي والعقاد شائكة منذ وقت طويل عندما التقى الاثنان في مستهل عشرينيات القرن الماضي في مجلة(المقتطف)، وكان الرافعي قد أصدر كتابه (عن الإعجاز القرآني)، فسأل الرافعي رأي العقاد في الكتاب، فأجابه العقاد بما لم يعجب الرافعي، والرافعي كان أصم، وكان يتبادل الحوار مع محدثه بالكتابة على الورق، وعندما لم يعجب رأي العقاد الرافعي سأله الأخير: إنك تجحد فضل كتابي، فهل تراك أحسن رأياً من سعد زغلول؟) فكتب له العقاد: (وما سعد؟ وما رأي سعد)؟ عند ذلك قبض الرافعي بأصابعه على الورقة التي دون فيها العقاد رأيه المستخف بسعد عندما كان (سعد) هو زعيم الأمة الأول بلا منازع.
وقال الرافعي للعقاد: هل تستطيع أن تجهر برأيك في سعد على صفحات الجرائد؟ ورد العقاد من فوره على الرافعي قائلاً: اسألني هذا السؤال في جريدة من الجرائد، وسيكون جوابي ماذكرته لك الآن، وهكذا بدأت معارك ضارية بين الاثنين شهدتها عدة مجلات وصحف حول أفكار وكتابات وأشعار كثيرة، ومافعله العريان مجرد نكء لجراح قديمة، لكن الله كان قد اختار أحد طرفيها إلى جواره، ورغم رحيل الرافعي إلا أن تلاميذه موجودون بقوة، متنفذون بالصحف والمجلات وكافة وسائل الثقافة المتعددة، لذلك كان مقال العريان مفجراً لمعركة جديدة لكنها بين آخرين، ويصف العريان العلاقة بين العقاد والرافعي قائلاً: (العداوة بين الرافعي والعقاد من العداوات المشهورة بين أدباء الجيل، ولها أثر أي أثر فيما أنتج كل من الأديبين الكبيرين في أدب الوصف، ولا تداني هذه العداوة في الشهرة إلا العداوة بين الرافعي وطه حسين) ولذلك كان العزف على هذا الوتر مجدداً مجالاً لمعركة أخرى امتدت في الزمن، وتوسعت بين أكثر من مطبوعة وأكثر من كاتب، لكن طرفيها التزما الصمت، لكون أحدهما قد رحل والآخر (أي العقاد) كان هناك من ينوب عنه بضراوة، وهو الشاعر والناقد سيد قطب، وكان سيد قطب أحد تلاميذ وأتباع العقاد بشدة، وكان يعتبر العقاد أكبر الشعراء دون منازع فيقول في هذا السياق: (قد يكون هناك كتاب يتقاربون مع العقاد، ولكن ليس هناك شعراء في لغة العرب يتقاربون مع العقاد ،-ويستطرد - ولقد كنت هممت بإصدار بحث عن الشعراء المعاصرين، ونظرت في أدب جميع الشعراء الأحياء -وأنا من بينهم- ولكن عاقني عن إصداره أن لم أجد نقط اتصال بين العقاد الذي سأكتب عنه أولاً، وبين جميع الشعراء الآخرين من الشعراء، الفرق هائل جداً، وأكبرمما يتصوره الأكثرون، بين طاقة هذا الشاعر والطاقات الأخرى) هكذا وبشكل مطلق يضع قطب العقاد في مكان ومكانة لا تدانيها مكانة أخرى، وأظن أن هذه الروح الإطلاقية التي كانت تسم حياة وتفكير ومنهج سيد قطب لازمته طيلة حياته، وهي ذات الصفة المشتركة بين كل مراحل مسيرته، ولكن سيد قطب لا يتفرد بهذه الصفة وحده، لكن معظم صقور الحياة الأدبية والثقافية كانوا يتمتعون بتلك الصفة، فتصدى له -على رأس من تصدوا- الأديب والمحقق العلامة محمود محمد شاكر، وهو كان أيضاً ممن عرفتهم الحياة الأدبية بمعركته الشهيرة مع طه حسين حول كتاب الأخير (مع المتنبي) وكانت معركة ذات تداعيات كثيرة
.
رحل إذن مصطفى صادق الرافعي ودفن جوار أبويه في مقبرة الرافعي بطنطا، ولم يشيعه إلا عشرات من زملائه الموظفين في محكمة طنطا وبعض جيرانه، ومنذ ذلك الوقت لم تحتف به المؤسسات الثقافية العملاقة، رغم قيمة وأهمية الرافعي الكبيرة في تاريخ الأدب العربي عموماً.
والجدير بالذكر أن الرافعي من أصول سورية، ولكن والده قد أنجبه في مصر وتعلم فيها والتحق بالمحكمة الشرعية طوال حياته بعد أن حصل على الشهادة الابتدائية، وبدأ حياته شاعراً ثم اتجه للنثر، وتفوق فيه تفوقاً ملحوظاً، ويعتبر من أصحاب الأساليب المرموقة والمؤثرة مثله مثل العقاد وطه حسين وسلامة موسى وغيرهم من أعلام القرن العشرين.
وتعتبر كتاباته النثرية مثل (أوراق الورد)، و(السحاب الأحمر)، و(حديث القمر) من علامات النثر الرفيعة في ذلك الزمن، وهناك كتابات كثيرة عنه من أعلام عصره مثل أحمد حسن الزيات صاحب ومدير مجلة الرسالة، وفيليكس فارس، ومحمد سعيد العريان رفيق دربه المخلص الأمين، والذي كتب سلسلة مقالات عنه في مجلة الرسالة بعد رحيله مباشرة، ويعتبر هذا الكتاب المرجع الرئيسي لحياة الرافعي، وسرد فيه العريان تفاصيل لم تكن الحياة الأدبية والثقافية المصرية تعرف عنها شيئاً، خاصة تفاصيل علاقته العاطفية بالأديبة، الآنسة (مي) والتي كتب لها معظم رسائله المنشورة.
رغم أن الكتاب كان يتحدث بأمانة شديدة، ودقة واضحة، إلا أن العريان كان منحازاً جداً لاستاذه، وكان من الممكن أن تمر المقالات مروراً عادياً كما تمر معظم المقالات المنشورة في المجلة، إلا أن العريان تعرض للعلاقة العدائية التي كانت بين الرافعي والعقاد، ففي الحلقة 26 كتب العريان عن تعرض الرافعي للعقاد في ديوانه (وحي الأربعين) وكانت العلاقة بين الرافعي والعقاد شائكة منذ وقت طويل عندما التقى الاثنان في مستهل عشرينيات القرن الماضي في مجلة(المقتطف)، وكان الرافعي قد أصدر كتابه (عن الإعجاز القرآني)، فسأل الرافعي رأي العقاد في الكتاب، فأجابه العقاد بما لم يعجب الرافعي، والرافعي كان أصم، وكان يتبادل الحوار مع محدثه بالكتابة على الورق، وعندما لم يعجب رأي العقاد الرافعي سأله الأخير: إنك تجحد فضل كتابي، فهل تراك أحسن رأياً من سعد زغلول؟) فكتب له العقاد: (وما سعد؟ وما رأي سعد)؟ عند ذلك قبض الرافعي بأصابعه على الورقة التي دون فيها العقاد رأيه المستخف بسعد عندما كان (سعد) هو زعيم الأمة الأول بلا منازع.
وقال الرافعي للعقاد: هل تستطيع أن تجهر برأيك في سعد على صفحات الجرائد؟ ورد العقاد من فوره على الرافعي قائلاً: اسألني هذا السؤال في جريدة من الجرائد، وسيكون جوابي ماذكرته لك الآن، وهكذا بدأت معارك ضارية بين الاثنين شهدتها عدة مجلات وصحف حول أفكار وكتابات وأشعار كثيرة، ومافعله العريان مجرد نكء لجراح قديمة، لكن الله كان قد اختار أحد طرفيها إلى جواره، ورغم رحيل الرافعي إلا أن تلاميذه موجودون بقوة، متنفذون بالصحف والمجلات وكافة وسائل الثقافة المتعددة، لذلك كان مقال العريان مفجراً لمعركة جديدة لكنها بين آخرين، ويصف العريان العلاقة بين العقاد والرافعي قائلاً: (العداوة بين الرافعي والعقاد من العداوات المشهورة بين أدباء الجيل، ولها أثر أي أثر فيما أنتج كل من الأديبين الكبيرين في أدب الوصف، ولا تداني هذه العداوة في الشهرة إلا العداوة بين الرافعي وطه حسين) ولذلك كان العزف على هذا الوتر مجدداً مجالاً لمعركة أخرى امتدت في الزمن، وتوسعت بين أكثر من مطبوعة وأكثر من كاتب، لكن طرفيها التزما الصمت، لكون أحدهما قد رحل والآخر (أي العقاد) كان هناك من ينوب عنه بضراوة، وهو الشاعر والناقد سيد قطب، وكان سيد قطب أحد تلاميذ وأتباع العقاد بشدة، وكان يعتبر العقاد أكبر الشعراء دون منازع فيقول في هذا السياق: (قد يكون هناك كتاب يتقاربون مع العقاد، ولكن ليس هناك شعراء في لغة العرب يتقاربون مع العقاد ،-ويستطرد - ولقد كنت هممت بإصدار بحث عن الشعراء المعاصرين، ونظرت في أدب جميع الشعراء الأحياء -وأنا من بينهم- ولكن عاقني عن إصداره أن لم أجد نقط اتصال بين العقاد الذي سأكتب عنه أولاً، وبين جميع الشعراء الآخرين من الشعراء، الفرق هائل جداً، وأكبرمما يتصوره الأكثرون، بين طاقة هذا الشاعر والطاقات الأخرى) هكذا وبشكل مطلق يضع قطب العقاد في مكان ومكانة لا تدانيها مكانة أخرى، وأظن أن هذه الروح الإطلاقية التي كانت تسم حياة وتفكير ومنهج سيد قطب لازمته طيلة حياته، وهي ذات الصفة المشتركة بين كل مراحل مسيرته، ولكن سيد قطب لا يتفرد بهذه الصفة وحده، لكن معظم صقور الحياة الأدبية والثقافية كانوا يتمتعون بتلك الصفة، فتصدى له -على رأس من تصدوا- الأديب والمحقق العلامة محمود محمد شاكر، وهو كان أيضاً ممن عرفتهم الحياة الأدبية بمعركته الشهيرة مع طه حسين حول كتاب الأخير (مع المتنبي) وكانت معركة ذات تداعيات كثيرة
.